1268، 1267، 1266، 1265 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي وناصر الريسي
وشارك أبو عيسى عبدالله البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان رحمه الله ووالديهم)
———-‘——-‘———-
باب الكفن في ثوبين
1265 – حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم قال بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال فأوقصته قال النبي صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا
باب الحنوط للميت
1266 – حدثنا قتيبة حدثنا حماد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال بينما رجل واقف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع من راحلته فأقصعته أو قال فأقعصته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا
باب كيف يكفن المحرم.
1267 – حدثنا أبو النعمان أخبرنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم أن رجلا وقصه بعيره ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم فقال النبي صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا
1268 – حدثنا مسدد حدثنا حماد بن زيد عن عمرو وأيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم قال كان رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة فوقع عن راحلته قال أيوب فوقصته وقال عمرو فأقصعته فمات فقال اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة قال أيوب يلبي وقال عمرو ملبيا
——-‘——-‘——-
فوائد الحديث:
1 – حديث ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه الستة.
2 – قوله (الكفن في ثوبين)، وفي رواية (في ثوبيه) كما عند البخاري 1851، أي جوازه وإن كان الأفضل ثلاثة كما في حديث أم المؤمنين في الباب السابق.
3 – قوله (فوقصته) الوقص كسر العنق ومنه قيل للرجل: أوْقَصُ إذا كان مائِلَ العنق قصيرها قاله أبو عبيد القاسم بن سلام كما في غريب الحديث.
4 – قال ابن المنذر في الأوسط وبما ثبت عن رسول الله نقول وكان الثوري يميل إلى القول بالحديث أي أن المحرم إذا مات لا يحنط ولا يخمر رأسه.
5 – وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: إِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ انْقَطَعَ إِحْرَامُهُ وَيُصْنَعُ بِهِ كَمَا يُصْنَعُ بِغَيْرِ الْمُحْرِمِ. قاله الترمذي عقب الحديث.
6 – فيه مشروعية الحنوط للميت غير المحرم وهذا يؤخذ بالمفهوم. وترجم عليه البخاري وغيره فقال الحنوط للميت.
7 – فيه إباحه اغتسال المحرم الحي بالماء والسدر خلاف قول من كره السدر للمحرم قاله ابن المنذر.
8 – فيه إباحه تكفين الميت في الشفع من الثياب قاله ابن المنذر.
9 – ويدل على أن الكفن من رأس المال، لأنه بدأ فأمر أن يكفن في ثوبيه قاله ابن المنذر في الأوسط، وهو قول جمهور الفقهاء قاله ابن عبد البر في الاستذكار
10 – قال أبو داود كما في سننه: سمعت أحمدَ بن حنبلٍ يقول: في هذا الحديث خمسُ سُنن: “كفِّنُوه في ثوبَيه” أي: يكفَّن الميتُ في ثوبَين، “واغْسلُوه بماءٍ وسِدْرٍ” أي: إن في الغَسَلات كلها سِدْراً، “ولا تُخمِّروا رأسَه”، “ولا تقرِّبُوه طيباً”، وكان الكفنُ من جميع المال.
11 – ويدل على أن إحرامه قائم وان كان ميتا لانه أمر أن يجتنب بعد وفاته ما كان يجتنبه في حياته، وأخبر بأنه يبعث يوم القيامه ملبيا قاله ابن المنذر.
12 – قوله (ولا تخمروا رأسه) زاد مسلم 1026 من طريق سفيان عن عمرو بن دينار (ولا وجهه)
13 – … النهي عن ان يخمر وجه المحرم ورأسه إذا مات قاله النسائي في السنن الصغرى
14 – فيه أنه استبقى له شعار الإحرام من كشف الرأس، واجتناب الطيب، ولم يزده ثوبا ثالثا تكرمة له، كما استبقى للشهداء شعار الجهاد، فلم يغسلوا ودفنوا بدمائهم. قاله البغوي في شرح السنة
15 – وفي الحديث دليل على أن المحرم إذا مات لا يؤدى عنه بقية الحج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به. قاله البغوي في شرح السنة، قلت وترجم عليه البخاري في صحيحه فقال المحرم يموت بعرفة ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤدى عنه بقية الحج
16 – … فيه أن من شرع في طاعة ثمَّ حال بينه وبين إتمامها الموت فيرجى لَهُ أن الله تعالى يكتبه في الآخرة من أهل ذَلِكَ العمل، ويقبله منه إِذَا صحت النية. قاله ابن الملقن في التوضيح.
17 – البيان بأن قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألبسوه ثوبين)) أراد به الثوبين اللذين كان قد أحرم فيهما قاله ابن حبان واستدل بالحديث وقد ورد في بعض طرقه بلفظ (وكفنوه في ثوبيه)
18 – يبعث كل عبد على ما مات عليه. أخرجه مسلم من حديث جابر رضي الله عنهما.
19 – قوله (فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا) وفي رواية عند البخاري من طريق الحكم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (فإنه يبعث يهل). وهي توضح المراد ووقع في رواية (ملبدا) فإن كانت محفوظة فلا تعارض الأولى وإنما تزيد وصفا آخر.
20 – قوله (بينما رجل واقف بعرفة) ثم قوله بعدها (وقع عن راحلته) دليل على كونه كان جالسا على بعيره.
21 – (ولا تحنطوه) وفي رواية من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير كما عند البخاري 1267 (ولا تمسوه طيبا) ومن طريق الحكم عن سعيد (ولا تقربوه طيبا)
22 – قوله (حدثنا حماد) هو ابن زيد صرح به البخاري 1268
23 – قوله (عن أيوب) هو السختياني تابعه عمرو بن دينار كما عند البخاري 1268ومسلم 1206 وتابعهما (أبو بشر) كما عند البخاري 1267ومسلم 1206 وتابعهم الحكم كما عند البخاري 1839 والحكم هو ابن عتيبة وتابعهم أبو الزبير كما عند مسلم 1206
24 – قوله (عن سعيد بن جبير) ومن طريق عمرو بن دينار عند مسلم 1206 أن سعيد بن جبير أخبره ومن طريق أبي بشر عند مسلم 1206 حدثنا سعيد بن جبير
25 – قوله (عن ابن عباس) وعند مسلم 1206 (سمع بن عباس رضي الله عنهما)
26 – ومن طريق أبي بشر عند البخاري (1267) (ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو محرم)
27 – كان هذا في حجة الوداع.
28 – فيه تعليل الأحكام “نهيه عن تغطية رأس المحرم الذي وقصته ناقته وتقريبه الطيب وقوله فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا” قاله ابن القيم في إعلام الموقعين. وزاد في زاد المعاد فَلَوْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ – أي بذلك الصحابي – لَمْ يُشِرْ إِلَى الْعِلَّة.
29 – قال النووي كما في شرحه على صحيح مسلم:” قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا وملبدا ويلبي) معناه: على هيئته التي مات عليها ومعه علامة لحجه، وهي دلالة الفضيلة كما يجيء الشهيد يوم القيامة وأوداجه تشخب دما”.
30 – قوله (ولا تحنطوه) وفي رواية من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير كما عند البخاري 1267 (ولا تمسوه طيبا) ومن طريق الحكم عن سعيد (ولا تقربوه طيبا).
31 – فيه الأخذ بالمفهوم حيث أن منطوق الحديث النهي عن حنوط الميت المحرم فدل على جواز غير المحرم. قال البيهقي كما في السنن الكبرى فيه دليل على أن غير المحرم يحنط كما يخمر، وأن النهي وقع لأجل الإحرام
=======
الحديث رقم (1265)
1. فيه جواز الكفن في ثوبين وهو كفن الكفاية وكفن الضرورة واحد
قال القاضي: ومنها جواز التكفين في ثوبين والأفضل ثلاثة. (شرح النووي)
هل يجب على المسلمين كفن الضرورة؟
– قال القاضي: ومنها أن التكفين واجب وهو إجماع في حق المسلم وكذلك غسله والصلاة عليه ودفنه.
وقال القاضي أيضا:
– ومنها أن التكفين في الثياب الملبوسة جائز وهو مجمع عليه. (شرح النووي)
2. قال ابن دقيق العيد: فيه دليل على أن المحرم إذا مات يبقى في حقه حكم الإحرام، وهو مذهب الشافعي رحمه الله.
وخالف في ذلك مالك وأبو حنيفة، رحمهما الله تعالى، وهو مقتضى القياس لانقطاع العبادة بزوال محل التكليف، وهو الحياة.
قلت سيف: توسع ابن حجر في رد على من قدم القياس على السنة فراجعه وسيأتي في آخر البحث هنا بعض الأدلة
3. قال الأزهري: ويدخل فيه الكافور، وذريرة القصب، والصندل الأحمر، والأبيض، وقال غيره: الحنوط ما يخلط من الطيب للموتى خاصة، ولا يقال، لطيب الأحياء: حنوط.
4. قال ابن التين في كتاب الحج في قوله: “ولا تغطوا رأسه”: دلالة على أن للإحرام تعلقا بها، وكذلك الوجه، وبه قال ابن عمر ومالك، وغطى عثمان وجهه. قال: واختلف أصحابنا: هل ذلك على الكراهة أو التحريم؟ وقال أبو حنيفة: الوجه كالرأس. وقال الشافعي: لا تعلق له بالوجه.
5. وسئل (ابن باز رحمه الله) عن وجه المحرمة أيغطى؟ فقال: نعم عند الرجال، ثم يكشف في القبر./ انظر: الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري.
قلت سيف: لفظة الوجه (ولا تخمروا رأسه ولا وجهه) (شاذة) وسيأتي بإذن الله بحثها في أحد الأبواب القادمة
6. واستحباب دوام التلبية
فوائد الشيخ البسام في تيسير العلام على حديث ابن عباس
ما يؤخذ من الحديث:
1 – وجوب تغسيل الميت، وأنه فرض كفاية.
2 – جواز اغتسال المحرم، كما ثبت ذلك في حديث أبي أيوب.
3 – الاعتناء بنظافة الميت وتنقيته، إذ أمرهم أن يجعلوا مع الماء سدراً.
4 – أن تغير الماء بالطاهرات، لا يخرج الماء عن كونه مطهرا لغيره، إلى كونه طاهراً بذاته غير مطهر لغيره، كما هو المشهور في مذهب ” أحمد “.
بل الصحيح أنه يبقى طاهراً بذاته مطهراً لغيره كما هو مذهب الجمهور، وإحدى الروايتين عن الإمام ” أحمد “.
قلت سيف: يقصد بعد إضافة السدر إليه لم يزل طاهرا مطهرا.
قال ابن عثيمين:
• فيه أن تغيير الماء بالطاهر لا يسلبه الطهورية، وأن تقسيم الماء إلى طاهر ونجس فقط. أما قول بعض العلماء أن الطهور هو الطاهر بنفسه المطهر لغيره والنجس ما تغير بالنجاسة والطاهر ما كان طاهرا بنفسه غير مطهر لغيره فهذا التفصيل لا دليل عليه، ومثل هذا لو كان من شريعة الله لكان مبينا بيانا واضحا لأته يتعلق به الطهارة والصلاة والطواف وغير ذلك مما تشرع له الطهارة.
5 – وجوب تكفين الميت، وأن الكفن مقدم على حق الغريم، والوصيِّ، والوارث.
قال ابن عثيمين:
فيه وجوب التكفين لقوله كفنوه، وهو فرض كفاية. وفي أكثر الروايات “في ثوبيه” وعلى هذا ينبغي في تكفين المحرم الذي لم يحل التحلل الأول أن يكون في ثوبي إحرامه
•و فيه أن الكفن واجب في تركة الميت لقوله “في ثوبيه”، وأن كفنه مقدم على الدَّين، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لم يسأل هل عليه دين أم لا.
قلت سيف:
قال ابن الملقِّن: الكَفَن للميِّت واجب، وهو إجْمَاع، وكذا غَسْله والصلاة عليه ودَفْنه.
أقول: الغَسْل والصلاة عليه لِغير الشَّهيد. أما شَهِيد الْمَعْرَكة فالراجِح أنه لا يُغسَّل ولا يُصلى عليه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام عن الشهداء يوم أُحُد: زمّلوهم في ثيابهم. رواه الإمام أحمد والنسائي، وصححه الألباني والأرنؤوط.
قال ابن القيم: الكَفَن مُقَدّم على الميراث، وعلى الدَّين؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن يُكفّن في ثوبيه، ولم يسأل عن وارثه، ولا عن دَين عليه. ولو اختلف الحال لسأل.
وكما أن كسوته في الحياة مُقدّمة على قضاء دَينه، فكذلك بعد الممات، هذا كلام الجمهور.
6 – تحريم تغطية رأس الميت المحرم، والوجه للأنثى.
قال ابن عثيمين:
فيه وجوب كشف رأس الميت إذا مات قبل التحلل الأول، وهذا بالنسبة للرجل لأنه في حال إحرامه يحرم عليه تغطية رأسه، أما المرأة فإنه يغطى رأسها كما لو كانت حية.
7 – تحريم الطيب على المحرم، حيا أو ميتا، ذكرا أو أنثى، لأنه ترفُّه، وهو منافٍ للإحرام.
قال ابن عثيمين: تحريم الطيب على المحرم وهذا فيما إذا كان ابتداء، أما إذا كان الإنسان قد تطيب من قبل إحرامه فلا حرج عليه أن يستديمه بعد الإحرام.
8 – أن المحرم غير ممنوع من مباشرة الأشياء التي ليس فيها طيب كالسِّدْرِ، والأشنان، والصابون غير المطيّب، ونحوها.
9 – جواز الاقتصار في الكفن على الإزار والرداء.
وبهذا يعلم أنه يكفي للميت لفافة واحدة، لأن الإزار والرداء بقدر اللفافة.
10 – فضل من مات محرماً، وأن عمله لا ينقطع إلى يوم القيامة، حتى يبعث عليه.
قلت سيف: ومثله المرابط.
عن سلمان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان
رواه مسلم
11 – أن من شرع في عمل صالح – من طلب علم أو جهاد، أو غيرهما ومن نيته أن يكمله، فمات قبل ذلك- بلغت نيته الطيبة، وجرى عليه ثمرته إلى يوم القيامة.
قال ابن عثيمين:
• فيه إشارة إلى أن الحج شبيه بالجهاد، لأن الشهيد يبعث وجرحه يثعب دما والحاج يبعث ملبيا، كل يبعث على ما مات عليه.
قلت سيف:
وفي سنن النسائي: (زملوهم بدمائهم، فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمى … )
قال الاثيوبي في شرحه للنسائي:
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا هناد بن السري عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (زملوهم بدمائهم، فإنه ليس كلم يكلم في الله إلا أتى يوم القيامة جرحه يدمي، لونه لون دم، وريحه ريح المسك)].
قال الحافظ: له رؤية ولم يثبت له سماع، ومن المعلوم الذين لهم رؤية فقط أنهم من حيث الصحبة صحابة، ولكن من حيث الرواية هم من كبار التابعين، ولكن الحديث مثل الذي قبله؛ لأنه بمعنى الذي قبله من جهة أن صاحب الكلم وهو الجرح، يأتي جرحه يوم القيامة يدمى، اللون لون الدم، والريح ريح المسك، فهو بمعنى حديث أبي هريرة المتقدم قبل هذا. انتهى من شرح النسائي.
قلت سيف: وكنت علقت على شرح ابن حجر بأن ابن أبي صعير عبدالله بن ثعلبة بأنه صحابي فلا أدري هل أقصد أن روايته مرسلة
لكن وقفت في بعض شروحنا عن مصعب بن عبد الله قال عبدالله بن ثعلبة ولد قبل الهجرة بأربع سنين وحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه وبرك عليه عام الفتح وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربع عشرة. رواه الحاكم
وفي البخاري 6356 عن الزهري أخبرني عبدالله بن ثعلبة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عنه. ….
والأكثر الذين اثبتوا له رؤية عدوه … أنه من صغار الصحابة الذين روايتهم مرسلة تلحق بالتابعين. ولم يوافق مصعب على ذلك أحد. راجع تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب وسير أعلام النبلاء وجامع التحصيل.
لكن سيأتي عند البخاري إن شاء الله باب من لم ير غسل الشهيد وذكر فيه:
1346 حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ” أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يُغسلهم ”
ولعلنا نتوسع إن شاء الله هناك
حيث أكثر ما تكون الدماء في الثياب لذا يكون ابقاء الثياب عليه كالشاهد له يوم القيامة.
وسيأتي حديث شاهد في التكفين في الثياب للشهيد من حديث جابر رضي الله عنه:
رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو: ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنظر المغني مع الشرح الكبير (2/ 333) والموسوعة الفقهية (26/ 274).
وقول بعض الفقهاء: لا يزاد الشهيد لفافة على ثيابة يشكل مع الحديث الذي أخرجه البخاري 1274 عن خباب في استشهاد عمير …. – وهو خير مني – فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة وقتل حمزة أو رجل آخر – خير مني – فلم يوجد له ما يكفن إلا بردة …..
وفي رواية … ….. قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا غطينا بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطينا رجليه خرج رأسه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نغطي رأسه وأن نجعل على رجليه من الإذخر.
لكن يمكن أن يقال:
أنَّ الصَّحابةَ الذين قَصُرَتْ بهم ثيابُهم عن الكَفَنِ أمَرَ النبيُّ عليه الصلاةُ والسَّلامُ أن يُجعَلَ الكفَنُ مِن عندِ الرأسِ، ويُجْعَلَ على الرِّجْلين شيءٌ من الإذْخِرِ، فدَلَّ على وجوبِ سَتْر جميعِ البَدَنِ.
فمن قصرت ثيابه زيد عليها ومن كفته ثيابه أقتصر عليها.
وبعضهم جعل ذلك راجع للسلطان ولأوليائه.
ففي الكافي:
والخيرة في تكفين الشهداء إلى الوالي إن أحب زمله في ثيابه ونزع ما عليه من جلد أو سلاح لما روى ابن عباس (أن رسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم) رواه أبو داود وإن أحب نزع ثيابه وكفنه بغيرها لأن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن حمزة فيهما فكفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحدهما وكفن في الآخر رجلا آخر قال يعقوب بن شيبة: هو صالح الإسناد
وفي التاج والإكليل لمختصر خليل – (ج 2 / ص 395)
(وَدُفِنَ بِثِيَابِهِ إنْ سَتَرَتْهُ وَإِلَّا زِيدَ بِخُفٍّ وَقَلَنْسُوَةٍ وَمِنْطَقَةٍ قَلَّ ثَمَنُهَا وَخَاتَمٍ قَلَّ فَصُّهُ لَا دِرْعٍ وَسِلَاحٍ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُصْنَعُ بِقُبُورِ الشُّهَدَاءِ مَا يُصْنَعُ بِقُبُورِ الْمَوْتَى مِنْ الْحَفْرِ وَاللَّحْدِ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ثِيَابِهِ وَلَا فَرْوٍ وَلَا خُفٍّ وَلَا قَلَنْسُوَةٍ.
قَالَ مُطَرِّفٌ: وَلَا خَاتَمِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَفِيسَ الْفَصِّ وَلَا مِنْطَقَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا خَطَرٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ: وَيُنْزَعُ عَنْهُ الدِّرْعُ وَالسَّيْفُ وَجَمِيعُ السِّلَاحِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَا عَلِمْت أَنَّهُ يُزَادُ فِي كَفَنِهِ شَيْءٌ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ.
قَالَ أَشْهَبُ: إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا لَا يُوَارِيهِ وَسُلِبَ مَا كَانَ عَلَيْهِ.
قَالَ أَصْبَغُ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ثِيَابُهُ فَشَاءَ وَلِيُّهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا فَذَلِكَ وَاسِعٌ انْتَهَى مِنْ ابْنِ يُونُسَ.
ابْنُ رُشْدٍ مَنْ عَرَّاهُ الْعَدُوُّ: لَا رُخْصَةَ فِي تَرْكِ تَكْفِينَهُ بَلْ ذَلِكَ لَازِمٌ.
{كَفَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّهَدَاءَ يَوْمَ أُحُدٍ اثْنَانِ فِي ثَوْبٍ}.
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى ثِيَابِهِ إذَا كَانَ فِيهَا مَا يَجْزِيهِ فَلَا بَاسَ بِهِ كَمَا قَالَ أَصْبَغُ.
ابْنُ عَرَفَةَ: لَمْ يَعْرِفْ ابْنُ رُشْدٍ وَلَا ابْنُ يُونُسَ الْمَنْعَ مِنْ الزِّيَادَةِ وَاَلَّذِي نَقَلَ اللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ عَنْ مَالِكٍ إنْ أَرَادَ وَلِيُّهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى مَا عَلَيْهِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مَا يُجْزِئُ فِي الْكَفَنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
قَالَ الْمَازِرِيُّ: وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مَا لَا يَسْتُرُ جَمِيعَ جَسَدِهِ سُتِرَ بَقِيَّةُ جَسَدِهِ (وَلَا دُونَ الْجُلِّ) مِنْ الْمُدَوَّنَةِ
قلت سيف: لكن الحديث الذي عزاه في الكافي لأبي داود ضعفه الألباني والذي في الصحيح (بدمائهم) لكن ورد عند أبي داود 3131 من حديث إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر قال: رمي رجل بسهم في صدره أو في حلقه فمات فأدرج في ثيابه كما هو: ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وظاهر إسناده الحسن إلا ما يخشى من تدليس أبي الزبير
قال العثيمين رحمه الله:
12 • فيه مشروعية تحنيط الميت.
13 • فيه إثبات البعث.
14 • فيه إثبات كلام الناس يوم القيامة.
=======
جاء ” الموسوعة الفقهية ” (13/ 244، 245):
“قال الشافعية والحنابلة: إذا مات المحرم، والمحرمة: حرُم تطييبهما، وحرم أخذ شيء من شعرهما أو ظفرهما، وحرُم ستر رأس الرجل، وإلباسه مخيطاً، وحرُم ستر وجه المحرمة؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي وقصته ناقته فمات: (اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، اللذين مات فيهما، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيّاً).
وعند الحنفية والمالكية: يكفَّن المحرم، والمحرمة، كما يكفن غير المحرِم، أي: يُغطَّى رأسه، ووجهه، ويطيَّب، لما روي عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في المحرم يموت: (خمِّروهم ولا تشبهوهم باليهود)، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال في المحرم: (إذا مات انقطع إحرامه)، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية، أو علم ينتفع به)، والإحرام ليس من هذه الثلاثة” انتهى.
و حديث: (خمِّروهم ولا تشبهوهم باليهود)، حديث ضعيف، رواه الدارقطني في ” سننه ” (2/ 296) من طريق: علي بن عاصم عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
“حديث لا يصح، قال يزيد بن هارون: ما زلنا نعرف ” علي بن عاصم ” بالكذب، وكان أحمد: سياء الرأي فيه، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث” انتهى.
التحقيق في أحاديث الخلاف ” (2/ 5).
وضعفه الشيخ الألباني في ” السلسلة الضعيفة ” (3556).
اخْتُلِف في هذا الْحُكْم. هل هو خاصّ بِهذا الرَّجُل بِعَيْنِه أوْ هو عام لكل مَن مات مُحْرِما؟
روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال: خَرَج عبد الله بن الوليد مُعْتَمِرًا مع عثمان بن عفان فمات بالسُّقْيا وهو مُحرم، فلم يُغَيِّب عثمان رَأسَه ولم يُمِسّه طِيبا؛ فأخذ الناس بذلك حتى تُوفِّي واقد بن عبد الله بن عمر بالْجُحْفَة وهو مُحْرِم، فَغَيَّب رَأسَه ابنُ عُمر؛ فأخذ الناس بذلك. ذَكَره ابن عبد البر في الاستذكار.
ورَوى الإمام مَالك عن نافع عن ابن عمر أنه كَفَّن ابنه واقِدًا، ومَات بالْجُحْفَة مُحْرِمًا، وخَمَّر وَجْهَه ورَأسَه، وقال: لولا أنا حُرُم لَطَيَّبْنَاه.
قال مالِك: إنَّمَا يَعْمَل الرَّجُل مَا دَام حَيًّا، فإذا مات انْقَطَع العَمَل.
وروى ابن أبي شيبة من طريق منصور عن إبراهيم عن الأسود قال: سُئلتْ عائشة عن الْمُحْرِم يَمُوت؟ فقالت: اصْنَعُوا بِه مَا تَصْنَعُوا بِمَوْتَاكُم.
قال ابن عبد البر: يَعْنِي مِن الطِّيْب وغَيره.
قال ابن عبد البر: وبِه قال الحسن البصري وعِكرمة والأوْزاعي وأبو حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي: لا يُخَمَّر رَأس الْمُحْرِم، ولا يُطَيَّب؛ اتِّبَاعًا لِحَدِيث ابن عباس في الذي وَقَصَتْه نَاقته وهو مُحْرِم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تُخَمِّرُوا رَأسَه، ولا تُمِسُّوه طِيبًا، فإنه يُبْعَث يَوْم القِيَامة مُلَبِّيًا.
وبِه قال أحمد وإسْحاق.
وهو قول عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس. اهـ.
وقال ابن دقيق العيد في مسألة مُعامَلة الْمُحْرِم إذا مات مُعامَلة الْحَلال: وَهُوَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ لانْقِطَاعِ الْعِبَادَةِ بِزَوَالِ مَحَلِّ التَّكْلِيفِ، وَهُوَ الْحَيَاةُ. لَكِنْ اتَّبَعَ الشَّافِعِيُّ الْحَدِيثَ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقِيَاسِ. اهـ.
وقال بعض الحنفية: هذا الْحَدِيث لَيس عَامًّا بِلَفْظِه لأنه في شخص مُعَيَّن، ولا بِمَعْنَاه، لأنه لم يَقُل يَبْعَث مُلَبِّيًا لأنه مُحْرِم، فلا يَتَعَدَّى حُكْمُه إلى غَيره إلاَّ بِدَليل مُنْفَصِل.
قال ابن حجر: وأوْرَد بَعْضُهم أنه لو كان إحْرَامه بَاقِيا لَوَجب أن يُكْمَل بِه الْمَنَاسِك، ولا قائل به. وأُجِيب بأنَّ ذَلك وَرَد على خِلاف الأصل فَيْقُتْصَر بِه على مَوْرِد النص، ولا سيما وقد وَضح أنَّ الْحِكْمَة في ذلك اسْتِبْقَاء شِعَار الإحْرَام كَاسْتِبْقَاء دَم الشَّهْيِد. اهـ.
وقال: والأصل أنَّ كل ما ثَبَت لِوَاحِد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثَبَت لغيره حتى يَتَّضِح التَّخْصِيص. انتهى-
– ذكر ابن عثيمين في تفسير سورة السجدة: مسألة: هل هناك تكليف يوم القيامة؟
كما في قوله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ) [سورة القلم 42]
هل من باب التكليف؟
وعلى ذلك: هل كون الرجل يبعث ملبيا من باب التكليف؟
قال ابن عثيمين بعد أن ذكر فوائد: في قوله تعالى: (فارجعنا نعمل صالحا)؟
ويتفرع عليها: أن الآخرة قد يكون فيها شيء من العبادات، لأن الدعاء من العبادة، وهم يدعون الله. وعليه من نفى أن الآخرة دار عمل فإن نفيه على سبيل العموم فيه نظر ظاهر. فإن الآخرة قد يكون فيها تكليف قال تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ)
مسألة: هل التكليف في الآخرة عليه ثواب؟ الجواب: نعم. ولهذا أهل الفترة. يكلفون في الآخرة؛ فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى دخل النار.
انتهى كلام ابن عثيمين
[قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: (والتكليف إنما ينقطع بدخول دار الجزاء وهي الجنة والنار، وأما عرصات القيامة فيمتحنون فيها كما يمتحنون في البرزخ، فيقال لأحدهم: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وقال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم: 42 – 43] … ): مجموع الفتاوى (24/ 373)
قال ابن القيم رحمه الله: (فإن قيل: فالآخرة دار جزاء، وليست دار تكليف، فكيف يمتحنون في غير دار التكليف؟ فالجواب: أن التكليف إنما ينقطع بعد دخول دار القرار، وأما في البرزخ وعرصات القيامة فلا ينقطع، وهذا معلوم بالضرورة من الدين من وقوع التكليف بمسألة الملكين في البرزخ وهي تكليف، وأما في عرصة القيامة، فقال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ فهذا صريح في أن الله يدعو الخلائق إلى السجود يوم القيامة، وأن الكفار يحال بينهم وبين السجود إذ ذاك)
طريق الهجرتين 373
أما التلبية فسبق النقل أنها من باب التكريم. و كذلك هي – يعني التلبية – إنما تكون في البعث.
وهل يمكن أن يجمع بأن التكليف المنفي هو التكليف الذي يترتب عليه الأجر بدليل الآيات والأحاديث الدالة على انقطاع الأجر بعد الموت والمثبت ما ليس فيه أجر وثواب. للأدلة الأخرى
[قلت سيف: ويشكل كذلك حديث الحور العين التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم تتوضأ في قصر عمر بن الخطاب وحديث إلهام أهل الجنة التسبيح والتحميد والجواب:
أولا:
لا خلاف بين العلماء في أن الجنة ليست دار تكليف، وإنما هي دار جزاء، فلا تكليف فيها بالصلاة قطعا.
ثانيا:
إذا اشتهى العبد أن يصلي الصلوات الخمس أو غيرها في الجنة، هل يكون له ذلك؟ جوابه: أن هذا من الغيب الذي يتوقف إثباته على الدليل، ولم نقف على ما يفيد ذلك، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن العبادات ترفع في الجنة ولا يبقى إلا عبادة التسبيح والذكر.
قال رحمه الله: ” فصل في ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة: روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي قال: يأكل أهل الجنة فيها ويشربون، ولا يتمخطون، ولا يتغوطون، ولا يبولون، ويكون طعامهم ذلك جشاء ورشحا كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس) وفي رواية: (التسبيح والتكبير كما تلهمون) بالتاء، أي تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون أنتم النفس ” انتهى من “حادي الأرواح” ص 285
وكون الجنة دار جزاء وإنعام، لا دار تكليف واختبار، وقد يشكل على هذا ما رواه البخاري وغيره عن أبي هريرة عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – في صفة أول زمرة تدخل الجنة، قال في آخره: ((يسبحون الله بكرة وعشياً)). ولا إشكال في ذلك إن شاء الله تعالى، لأن هذا ليس من باب التكليف، قال ابن حجر في شرحه للحديث: قال القرطبي: (هذا التسبيح ليس عن تكليف وإلزام!، وقد فسره جابر في حديثه عند مسلم بقوله: ((يُلهمون التسبيح والتكبير كما تلهمون النفس)) ووجه التشبيه أن تنفس الإنسان لا كلفة عليه فيه، ولا بد منه، فجعل تنفسهم تسبيحاً، وسببه أن قلوبهم تنورت بمعرفة الرب سبحانه، وامتلأت بحبه، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره). وقد قرر شيخ الإسلام أن هذا التسبيح والتكبير لون من ألوان النعيم الذي يتمتع به أهل الجنة، قال: (هذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأةٌ تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر، فذكرت غيرته فولّيت مدبراً. فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟))
وفي فتح المنعم شرح صحيح مسلم:
وقوله (تتوضأ) يحتمل أن يكون على ظاهره، ولا ينكر كونها تتوضأ حقيقة، لأن الرؤيا وقعت في زمن التكليف، والجنة وإن كان لا تكليف فيها، فذاك في زمن الاستقرار، بل ظاهر قوله تتوضأ إلى جانب قصر أنها تتوضأ خارجة منه، أو هو على غير الحقيقة، ورؤيا المنام لا تحمل دائما على الحقيقة، بل تحتمل التأويل، فيكون معنى قوله تتوضأ أنها تحافظ في الدنيا على العبادة أو المراد بقوله تتوضأ أي تستعمل الماء، لأجل الوضاءة، على مدلوله اللغوي قال الحافظ ابن حجر: وزعم ابن قتيبة والخطابي أن قوله تتوضأ تصحيف وتغيير من الناسخ وإنما الصواب امرأة شوهاء ولم يستند في هذه الدعوى إلا إلى استبعاد أن يقع في الجنة وضوء، لأنه لا عمل فيها وعدم الاطلاع على المراد من الخبر لا يقتضي تغليط الحفاظ، ثم فسر الخطابي شوهاء بمعنى حسناء، والكلمة تستعمل في النقيضين.
وهذا بحث منقول:
*هذا مبحث لأحد الباحثين في رسالة ماجستير مطبوعة بعنوان “أهل الفترة ومن في حكمهم”، أشرف عليها الشيخ/ عبدالعزيز الراجحي -حفظه الله-:*
التكليف في الآخرة:
تنبني على هذه المسألة -مسألة امتحان أهل الفترة في الآخرة- مسألة أخرى وهي: هل الآخرة دار تكليف أم لا؟.
للعلماء في هذه المسألة قولان:
الأول: ذهب كل من شيخ الإِسلام ابن تيمية، وتلميذه الإِمام العلامة ابن القيم، والإِمام ابن حجر العسقلاني، والإِمام ابن كثير، والإِمام أبو محمَّد بن حزم، وغيرهم من العلماء إلى إثبات التكليف في الآخرة وأن كون الآخرة دار جزاء لا يتنافى ذلك من أن يكون تكليف في عرصاتها.
الثاني: ذهب ابن عبد البر وجماعة من المالكية إلى أنه لا تكليف في الآخرة وأن الآخرة دار جزاء لا دار تكليف.
أدلة الفريق الأول القائلين بالتكليف:
استدل الفريق الأول بما يلي:
أ- حديث الأسود بن سريع: “أربعة يحتجون يوم القيامة”.
ب- حديث أنس رضي الله عنه: “يؤتى بأربعة يوم القيامة”.
ب- حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: “يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلًا”.
د- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: “يأتي الهالك بالفترة”.
هـ – قوله تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون (42) خاشعةً أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون} [القلم: 42 – 43].
وجه الدلالة في هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر أنه يدعو أقوامًا إلى السجود يوم القيامة، وهذا تكليف.
و- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: “يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا” (أخرجه البخاري).
ز- عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: “قال النبي – صلى الله عليه وسلم – …. فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك يجمع الله الناس فيقول من كان يعبد شيئًا فليتبعه فيتبع من كان يعبد الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر ويتبع من كان يعبد الطاغوت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم، فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا أتانا ربنا عرفناه، فيأتيهم ربهم في الصورة التي يعرفون فيقول: أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا فيتبعونه، ويُضرب جسر جهنم، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأكون أول من يجيز ودعاء الرسل يومئذ اللهم سلم سلم، وبه كلاليب مثل شوك السعدان، أما رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله، فتخطف الناس بأعمالهم منهم الموبق بعمله، ومنهم المخردل ثم ينجو.
حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده، وأراد أن يُخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر ملائكته أن يخرجوهم فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من بني آدم أثر السجود فيخرجونهم قد امتحشوا فيُصب عليهم ماء يقال له ماء الحياة، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل،
ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار فيقول يا رب قد قشبني ريحها، وأحرقني ذكاؤها، فاصرف وجهي عن النار فلا يزال يدعو الله فيقول لعلك إن أعطيتك أن تسألني غيره فيقول لا وعزتك، لا أسألك غيره، فيصرف وجهه عن النار ثم يقول بعد ذلك: يا رب قربني إلى باب الجنة، فيقول أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره، ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، فلا يزال يدعو فيقول لعلّي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره؟
فيقول: لا وعزتك لا أسألك غيره، فيعطي الله ما شاء من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره، فيقربه إلى باب الجنة، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم يقول: رب ادخلني الجنة.
ثم يقول أو ليس قد زعمت أن لا تسألني غيره، ويلك يا ابن آدم ما أغدرك، فيقول يا رب لا تجعلني أشقى خلقك، فلا يزال يدعو حتى يضحك، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول، فإذا دخل فيها قيل له: تمنَّ من كذا، فيتمنى، ثم يقال له: تمنَّ من كذا فيتمنى حتى تنقطع به الأماني، فيقول له هذا لك ومثله معه” (أخرجه البخاري).
ووجه الدلالة في هذا الحديث الشريف أن الله سبحانه وتعالى عندما أخذ العهود والمواثيق عليه ألا يسأله غير الذي يعطيه، فخالف تلك العهود والمواثيق وغدر بها، بسؤاله بعد ذلك.
فإن الله تعالى قد كلف هذا العبد وذلك بأخذ المواثيق والعهود منه وهذا تكليف واضح.
ح- وحديث الصراط الذي هو جسر جهنم أحدّ من السيف وأدقّ من الشعرة، يمر المؤمنون عليه كل حسب عمله، فمنهم كالبرق وكالريح المرسلة وأجاويد الخيل والراكب منهم والساعي، ومنهم المكدوش ومنهم الماشي، ومنهم من يحبو حبوًا (أخرجه الحاكم).
يقول ابن عباس: “هو يوم كرب عظيم” (فتح الباري 8/ 664.)،
وذكر القرطبي في التذكرة: “هو مقام هائل يمتحن الله به عباده ليميز الخبيث من الطيب”،
ويقول الطيبي: “لا يلزم من أن الدنيا دار بلاء، والآخرة دار جزاء أن لا يقع في أحدهما ما يختص بالأخرى، فإن القبر أول منازل الآخرة وفيه ابتلاء وفتنة بالسؤال وغيره”.
أدلة الفريق الثاني القائلين بعدم التكليف:
أ- استدلوا بالعقل وبأنه ليس في وسع المكلف الدخول في النار لأن دخول النار من التكليف بالمحال.
وقد أجاب الفريق الثاني على أدلة الفريق الأول القائلين بالتكليف بأن هذه الأدلة أدلة ضعيفة ولا يحتج بها.
وقد رد الفريق الأول بأن هذه الأحاديث منها ما هو صحيح ومنها ما هو حسن ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالحسن والصحيح، وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متعاضدة متصلة على هذا النمط، فأدت الحجة عند الناظر فيها.
قال ابن القيم: هذه الأحاديث يشد بعضها بعضًا وتشهد لها أصول الشرع وقواعده، والقول بمضمونها مذهب السلف.
ويقول ابن حجر: فقد ثبت بأحاديث صحيحة بأن الله سبحانه وتعالى يكلف عباده يوم القيامة في عرصات الآخرة، وأن التكليف في دار الدنيا، وأما ما يقع في القبر وفي الموقف فهي أثار ذلك التكليف.
وقد أجاب الفريق الأول على أدلة الفريق القائل بعدم التكليف بأنه ليس في وسع المكلف الدخول في النار بما يلي:
أ- بأن هذه النار هي في الحقيقة في رأي العين ومن دخلها كانت عليه بردًا وسلامًا، كما ثبت ذلك بالأحاديث الآنفة الذكر.
ب- إذا كان دخول النار سببًا في النجاة فلا مانع من التكليف بدخولها، فقد ثبت مثل ذلك من حديث الدجال في آخر الزمان “أن معه ماء ونارًا فناره ماء باردة، وماؤه نار” فهذا الحديث يدل على أن من أدرك الدجال أمره الشارع أن يقع في ناره، وهذا تكليف بدخول النار, لأن وقوعه في النار سبب في نجاته.
مسند أحمد:
20597 – حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ سُلَيْمَانَ يَعْنِي التَّيْمِيَّ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى مُوسَى، وَهُوَ يُصَلِّي فِي قَبْرِهِ ”
عند مسلم 164 – (2375)،و 165 – (2375)
[صلاة موسى عليه السلام وسائر الأنبياء في قبورهم ليست على وجه التكليف، إذ التكليف منقطع بالموت، وإنما هي على وجه التنعم والتلذذ بعبادة الله وإقامة ذكره.]
* فأما صلاة موسى في قبره فالذي أرى في ذلك أن دار الآخرة هي دار نيل الملاذ، وأن المؤمن قد يجد في صلاته وفي عبادته من اللذة ما لا توازيه لذة في الدنيا، فكيف بالأنبياء، فإن الله صلاته عليه السلام مما قد التذ بها فشرع فيها التذاذا بها لا تكليفا فغير بعيد، ولأن الأنبياء عليهم السلام أحياء في قبورهم. ” الإفصاح” (ج (5) / (375)).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
” هذه الصلاة ونحوها مما يتمتع بها الميت ويتنعم بها كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح، فإنهم يلهمون التسبيح كما يلهم الناس في الدنيا النَّفَس؛ فهذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل، بل نفس هذا العمل هو من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به ”
” مجموع الفتاوى ” (4/ 330)
قلت سيف:
حديث الأسود بن سريع
صححه الوادعي في الصحيح المسند 24
وعزاه لأحمد 4/ 24 من طريق قتادة عن الأحنف بن قيس عن الأسود بن سريع أن نبي الله صلى الله عليه وسلم. قال: أربعة يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئا، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة …. فيرسل إليهم: أن ادخلوا النار. قال: فوالذي نفس محمد بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما.
وقال ابن كثير رحمه الله نص على صحته غير واحد من العلماء.
ورواه البيهقي في كتاب الاعتقاد من حديث حنبل بن إسحاق عن علي بن المديني به وقال: هذا إسناد صحيح نقله ابن كثير في تفسير سورة الإسراء آية 15
قال الذهبي: قتادة لم يلق الأحنف (تذكرة الحفاظ)
وقتادة اختلف عليه فرواه معمر عن قتادة عن أبي هريرة قوله.
قال ابن عبد البر بعد أن سرد الأحاديث: هذه من أحاديث الشيوخ ولا تخلو من علل والأحاديث التي فيها التوقف (الله أعلم بما كانوا عاملين) أي ذراري المشركين أصح. انتهى بتصرف التمهيد 18/ 124
وصحح الأحاديث ابن القيم.
ففي الباب عن أبي سعيد الخدري أخرجه البزار 2176 وفيه عطية وهو ضعيف.
ومن حديث أنس أخرجه البزار 2177 راجع هدي الساري وفيه أن الله يقول: إني رسول نفسي إليكم. وإسناده ضعيف. لضعف ليث وعبدالوارث الأنصاري.
واختار حديث الأسود الضياء المقدسي لمختارته
انتهى من تعليقنا على الصحيح المسند
المهم: الله حكم عدل … فإن صحت الأحاديث فذاك، فإن لم تصح نؤمن بقوله تعالى (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا).