126 لطائف التفسير والمعاني
شارك محمد بن سعد وابوعيسى عبدالله البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا)
——-‘——‘——–‘
——-‘——-‘——-‘
——-”——”——-”
لطيفة:
استعمال لفظ (من دوني) ولم يقل (من غيري) لتدل على الدونية لهذه الآلهة
قال تعالى:
(وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلًا)
[سورة الاسراء 2]
قال الشيخ صالح آل الشيخ -حفظه الله- في شرح كتاب التوحيد:
لفظ: «من دون الله» يكثر في القرآن والسنة، “ومن دون الله” عند علماء التفسير وعلماء التحقيق، يراد بها شيئان:
الأول: معنى “مع”: يدعو من دون الله. يعني: مع الله، والثاني: أن كل، وهذا بل قبل الثاني تتمه للأول، الأول أن تكون بمعنى ما “من دون الله” يعني: مع الله، وعبر عن المعية بلفظ “من دون الله” لأن كل من دُعي مع الله فهو دون الله -جل وعلا-، فهم دونه، فالله -جل وعلا- هو الأكبر، هو العظيم، وفي هذا دليل على بشاعة عملهم.
والثاني: أن قوله: “من دون الله” يعني: غير الله «من مات وهو يدعو من دون الله» يعني: وهو يدعو إله غير الله، فتكون “من دون الله” يعني: أنه لم يعبد الله، وأشرك معه غيره، بل دعا غيره استقلالا، فشملت من دون الله الحالين: من دعا الله، ودعا غيره، ومن دعا غير الله، وتوجه إليه استقلالا، قال: رواه البخاري.
—–
وهناك كلمات تدل على صفة الاستعلاء لله ولكتابه ولدينه ورسوله … وكلمات تدل على الدون والبعد للآلهة وعبَّادها وكيدهم؟
ومن باب المثال لا الإستصقاء:
من ذلك قوله تعالى:
(لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ)
[سورة الأنبياء 22]
ووصف الآلهة بأنها من الأرض تهكم بالمشركين وإظهار لأفن رأيهم، أي: جعلوا لأنفسهم آلهة من عالم الأرض، أو مأخوذة من أجزاء الأرض من حجارة أو خشب؛ تعريضا بأن ما كان مثل ذلك لا يستحق أن يكون معبودا. ابن عاشور 17/ 37
أما قوله تعالى:
(إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَاكِن لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرا كَانَ مَفْعُولا لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَة وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَة وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)
[سورة الأنفال 42]
فهنا الدنيا بمعنى القريبة من المدينة. ففيها إشارة للقرب من الرسول صلى الله عليه وسلم ونصرته. وهو قرب من رب العالمين. بينما الكفار بالعدوة القصوى دليل على بعدهم عن ذلك.
قال ابن كثير:
يقول تعالى [مخبرا] عن يوم الفرقان: (إذ أنتم بالعدوة الدنيا) أي: إذ أنتم نزول بعدوة الوادي الدنيا القريبة إلى المدينة،) وهم) – أي: المشركون – نزول (بالعدوة القصوى) أي: البعيدة التي من ناحية مكة،) والركب) أي: العير الذي فيه أبو سفيان بما معه من التجارة (أسفل منكم) أي: مما يلي سيف البحر
حتى في قوله تعالى
(فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)
[سورة الأنبياء 58]
لما وصف رب العزة هذا الصنم بالكبر أضافه إليهم يعني كبيرا عندهم
قال السعدي:
وتأمل هذا الاحتراز العجيب، فإن كل ممقوت عند الله، لا يطلق عليه ألفاظ التعظيم، إلا على وجه إضافته لأصحابه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتب إلى ملوك الأرض المشركين يقول: ” إلى عظيم الفرس ” ” إلى عظيم الروم ” ونحو ذلك، ولم يقل ” إلى العظيم ” وهنا قال تعالى: {إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ ْ} ولم يقل ” كبيرا من أصنامهم ” فهذا ينبغي التنبيه له، والاحتراز من تعظيم ما حقره الله، إلا إذا أضيف إلى من عظمه.
قال تعالى
(* وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَا ءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَا ىكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّا كَبِيرا)
[سورة الفرقان 21]
(وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَا ءَهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ)
[سورة العنكبوت 39]
ففي هاتين بيان أن استكبارهم قاصر.
قال السعدي:
وكذلك قارون، وفرعون، وهامان، حين بعث اللّه إليهم موسى بن عمران، بالآيات البينات، والبراهين الساطعات، فلم ينقادوا، واستكبروا في الأرض، [على عباد اللّه فأذلوهم، وعلى الحق فردوه فلم يقدروا على النجاء حين نزلت بهم العقوبة] {وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ} اللّه، ولا فائتين، بل سلموا واستسلموا
(إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَن صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَاهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)
[سورة الفرقان 42 – 44]
وهنا يذكر رب العزة صبرهم على آلهتهم … . ولم يذكر في آية واحدة غضب الآلهة أو انتقامها
قال السعدي:
وهنا قالوا: {لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} والصبر يحمد في المواضع كلها، إلا في هذا الموضع فإنه صبر على أسباب الغضب وعلى الاستكثار من حطب جهنم. وأما المؤمنون فهم كما قال الله عنهم: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ولما كان هذا حكما منهم بأنهم المهتدون والرسول ضال وقد تقرر أنهم لا حيلة فيهم توعدهم بالعذاب وأخبر أنهم في ذلك الوقت {حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ} يعلمون علما حقيقيا {مَنْ} هو {أَضَلُّ سَبِيلًا} {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا} الآيات.
قال تعالى
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ)
[سورة الحج 73]
قال ابن كثير: يقول تعالى منبها على حقارة الأصنام وسخافة عقول عابديها: (يا أيها الناس ضرب مثل) أي: لما يعبده الجاهلون بالله المشركون به، (فاستمعوا له) أي: أنصتوا وتفهموا، (إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له) أي: لو اجتمع جميع ما تعبدون من الأصنام والأنداد على أن يقدروا على خلق ذباب واحد ما قدروا على ذلك.
قال السعدي:
هذا مثل ضربه الله لقبح عبادة الأوثان، وبيان نقصان عقول من عبدها، وضعف الجميع، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ} هذا خطاب للمؤمنين والكفار، المؤمنون يزدادون علما وبصيرة، والكافرون تقوم عليهم الحجة، {ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} أي: ألقوا إليه أسماعكم، وتفهموا ما احتوى عليه، ولا يصادف منكم قلوبا لاهية، وأسماعا معرضة، بل ألقوا إليه القلوب والأسماع، وهو هذا: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} شمل كل ما يدعى من دون الله، {لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا} الذي هو من أحقر المخلوقات وأخسها، فليس في قدرتهم خلق هذا المخلوق الضعيف، فما فوقه من باب أولى، {وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} بل أبلغ من ذلك لو {يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ} وهذا غاية ما يصير من العجز. {ضَعُفَ الطَّالِبُ} الذي هو المعبود من دون الله {وَالْمَطْلُوبُ} الذي هو الذباب، فكل منهما ضعيف، وأضعف منهما، من يتعلق بهذا الضعيف، وينزله منزلة رب العالمين
قال تعالى
(أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَة لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ)
[سورة سبأ 9]
رب العزة يخاطبهم على أنهم أهل سفل وأن بعض أنواع العذاب تأتيهم من فوقهم.
قال السعدي:
قال اللّه: {إِنْ نَشَا نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ} أي: من العذاب, لأن الأرض والسماء تحت تدبيرنا, فإن أمرناهما لم يستعصيا، فاحذروا إصراركم على تكذيبكم, فنعاقبكم أشد العقوبة. {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي: خلق السماوات والأرض, وما فيهما من المخلوقات {لَآيَةً لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ}
فكلما كان العبد أعظم إنابة إلى اللّه, كان انتفاعه بالآيات أعظم, لأن المنيب مقبل إلى ربه, قد توجهت إراداته وهماته لربه, ورجع إليه في كل أمر من أموره, فصار قريبا من ربه, ليس له هم إلا الاشتغال بمرضاته، فيكون نظره للمخلوقات نظر فكرة وعبرة, لا نظر غفلة غير نافعة
قال تعالى:
(ءَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ)
[سورة الملك 16]
يخاطبهم رب العزة بأنه هو الأعلى وأنهم هم الأسفل
قال الطبري:
يقول تعالى ذكره: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أيها الكافرون (أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) يقول: فإذا الأرض تذهب بكم وتجيء وتضطرب
قال السعدي:
هذا تهديد ووعيد، لمن استمر في طغيانه وتعديه، وعصيانه الموجب للنكال وحلول العقوبة، فقال: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} وهو الله تعالى، العالي على خلقه.
{أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} بكم وتضطرب، حتى تتلفكم وتهلككم
قال تعالى
(فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ)
قال السعدي: أي: دمر عليهم وعمهم بعقابه، وأرسل عليهم الصيحة من فوقهم، والرجفة من تحتهم، فأصبحوا جاثمين على ركبهم، لا تجد منهم داعيًا ولا مجيبا.
(فَسَوَّاهَا) عليهم أي: سوى بينهم بالعقوبة.
(وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا) أي: تبعتها.
وكيف يخاف من هو قاهر، لا يخرج عن قهره وتصرفه مخلوق، الحكيم في كل ما قضاه وشرعه؟