1252 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي وناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة.
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———–‘———‘———‘
باب قول الرجل للمرأة عند القبر أصبري
1252 – حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال اتقي الله واصبري
———‘——–‘——-
حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ النَّاجِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَقِيعِ عَلَى امْرَأَةٍ جَاثِمَةٍ عَلَى قَبْرٍ تَبْكِي فَقَالَ لَهَا: «يَا أَمَةَ اللَّهِ؛ اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرِي».
فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنِّي أَنَا الْحَرَّى الثَّكْلَى.
فَقَالَ: «يَا أَمَةَ اللَّهِ؛ اتَّقِ وَاصْبِرِي».
قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لَوْ كُنْتَ مُصَابًا عَذَرْتَنِي.
فَقَالَ: «يَا أَمَةَ اللَّهِ؛ اتَّقِ اللَّهَ وَاصْبِرِي».
قَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ قَدْ سَمِعْتُ فَانْصَرِفْ عَنِّي.
قَالَ: فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّبَعَهُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَوَقَفَ عَلَى الْمَرْأَةِ فَقَالَ لَهَا: مَا قَالَ لَكِ الرَّجُلُ الذَّاهِبُ.
قَالَتْ: قَالَ لِي كَذَا وَكَذَا.
قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفِينَهُ؟ قَالَتْ: لا.
قَالَ: ذَاكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: فَوَثَبَتْ مُسْرِعَةً وَهِيَ تَقُولُ: أَنَا أَصْبِرُ أَنَا أَصْبِرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى، الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى».
المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي.
ضعفه الهيثمي بأبي عبيدة الناجي بكر بن الأسود ضعيف.
—–
فوائد الحديث:
1 – حديث أنس رواه الستة إلا ابن ماجه من طريق ثابت عن أنس، ورواه ابن ماجه مختصرا من طريق أخرى.
2 – الصبر عند الصدمة الأولى قاله البخاري.
3 – قال أبو نعيم الأصبهاني الصَّدْمَةُ الْكَسْرَةُ.
4 – قوله: «عند الصدمة الأولى» أي: عند فورة المصيبة وحموتها، والصدم: ضرب الشيء الصلب بمثله، يريد: أن الصبر المحمود والمأجور عليه صاحبه ما كان عند مفاجأة المصيبة، لأنه إذا طالت الأيام وقع السلو طبعا، فلم يؤجر قاله البغوي في شرح السنة.
5 – قال الله عز وجل {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}.
6 – الترَّغيب فِى أَنَّ يَتَعَزَّى بِمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنَ الصَّبْرِ وَالاِسْتِرْجَاعِ قاله البيهقي في السنن الكبرى.
7 – حديث أنس وشبهه ناسخ لأحاديث النهى فى ذلك قاله ابن بطال في شرحه، “ولَيْسَ فِى الْخَبَرِ أَنَّهُ نَهَاهَا عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ … إِلاَّ أَنَّ أَصَحَّ مَا رُوِىَ فِى ذَلِكَ صَرِيحًا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ وَمَا يُوَافِقُهُ مِنَ الأَخْبَارِ فَلَوْ تَنَزَّهْنَ عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَالْخُرُوجِ إِلَى الْمَقَابِرِ وَزِيَارَةِ الْقُبُورِ كَانَ أَبْرَأَ لِدِينِهِنَّ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ” قاله البيهقي. قلت لا ينفي الحديث أن زيارة النساء للقبور مكروهة كراهة تنزيه، ولم ينهها لأنه أنكر ما هو أهم “فالظاهر أنها كانت تنوح وهي تبكي، فلهذا أمرها بالتقوى، وهو الخوف من الله تعالى” قاله القرطبي، وأن كثرة الزيارة ورد فيه حديث التحريم لهن. نعم أجاز الزيارة مطلقا للرجال والنساء جمع من أهل العلم وعزاها بعضهم للجمهور.
8 – ورد التصريح في سبب إنكار النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الطبراني في الأوسط 6244 من طريق يوسف بن عطية السعدي عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ: ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وفيه “فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرِ مَيِّتٍ لَهَا، وَهِيَ تُعَدِّدُ، وَتُعَوِّلُ” لكن يوسف بن عطية متروك.
9 – ما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن له بواب قاله البخاري.
قلت سيف: وأحيانا يتخذ بواب كما في قصة ايلائه من نسائه وبقائه في المشربة، وكذلك في قضية زوجة أبي الزبير وشكوى زوجته ففيه أن خالد بالباب ينتظر أن يؤذن له. والأكثر يتبرع الصحابة ليكونوا بوابين له وحراس كما في قصة دخوله البئر. وكذلك عند أول مقدمه المدينة حرسه الصحابة
10 – فيه جواز اختصار الحديث فقد أخرجه البخاري بنفس إسناده هنا تاما في باب زيارة القبور.
11 – يستحب للقاضي من أن يقضي في موضع بارز للناس , لا يكون دونه حجاب , وأن يكون متوسط المصر قاله البيهقي في السنن الكبرى.
12 – فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع كل أحد. قاله النووي في شرحه على صحيح مسلم.
13 – وفيه: أن من أُمر بمعروف ينبغي له أن يقبل وإن لم يعرف الآمر .. قاله العيني في عمدة القارئ.
14 – فيه الاعتذار من سوء الأدب مع الفضلاء قاله القاضي عياض في إكمال المعلم بفوائد مسلم.
15 – فيه ما كان عليه النبى، (صلى الله عليه وسلم)، من التواضع والرفق بالجاهل، لأنه لم ينهر المرأة حين قالت له: إليك عنى، وعذرها بمصيبتها قاله ابن بطال في شرح البخاري.
16 – وفيه: أنه من اعتذر إليه بعذرٍ لائح أنه يجب عليه قبوله. قاله ابن بطال.
17 – وفيه الترغيب في احتمال الأذى عند بذل النصيحة ونشر الموعظة قاله العيني في عمدة القارئ.
18 – إذا أنكر العالم المنكر فقد أدى ما عليه، ويراعى حال المصاب وتستعمل الحكمة معه.
19 – قوله (مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة) وعند البخاري 7154 قول ثابت (سمعت أنس بن مالك يقول لامرأة من أهله تعرفين فلانة قالت نعم).
20 – قوله (وهي تبكي) وفي رواية لمسلم (تبكي على صبي لها).
21 – وحين علمت المرأة أن الناصح لها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فأخذها مثل الموت) كما في رواية مسلم من طريق عثمان بن عمر
22 – قوله (حدثنا آدم) هو ابن أبي إياس تابعه غندر عند البخاري 1302 ومسلم 926 والترمذي 988 والنسائي في السنن الصغرى 1869 وتابعه عبد الصمد عند البخاري 7154 ومسلم 926 والإمام أحمد في مسنده 12458 وتابعه عثمان بن عمر عند مسلم 926 وأبي داود 3126 وعبد بن حميد في مسنده 1203وتابعهم خالد بن الحارث عند مسلم 926 وتابعه عبد الملك بن عمرو عند مسلم 926 وتابعهم أَبُو دَاوُدَ عند النسائي في السنن الكبرى 10840والإمام أحمد في مسنده 12458
23 – قوله (عن أنس بن مالك) وعند البخاري 7154 من طريق عبد الصمد حدثنا شعبة (سمعت أنس بن مالك).
=======
قال القسطلاني في شرح البخاري:
(مر النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بامرأة عند قبر، وهي) والحال أنها (تبكي، فقال) لها:
(اتقي الله) بأن لا تجزعي، فإن الجزع يحبط الأجر، (واصبري) فإن الصبر يجزل الأجر. قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10] وفيه إشارة إلى أن عدم الصبر ينافي التقوى. اهـ
قال ابن الملقن في التوضيح:
وإنما أمرها – صلى الله عليه وسلم – بالصبر لعظيم ما وعد الله عليه من جزيل الأجر.
قال ابن عون: كل عمل له ثواب إلا الصبر، قال تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} [الزمر: 10] فأراد – صلى الله عليه وسلم – أن لا يجتمع عليها مصيبتان مصيبة الهلاك، ومصيبة فقد الأجر الذي يبطله الجزع، فأمرها بالصبر الذي لا بد للجازع من الرجوع إليه بعد سقوط أجره، وقد أحسن الحسن بن أبي الحسن البصري في البيان عن هذا المعنى فقال: الحمد لله الذي آجرنا على ما لا بد لنا منه، وأثابنا على ما لو تكلفنا سواه صرنا إلى معصيته؛ فلذلك قال لها – صلى الله عليه وسلم -: “اتقي الله واصبري” أي: اتقي معصيته بلزوم الجزع الذي يحبط الأجر واستشعري الصبر على المصيبة بما وعد الله على ذلك، وقال بعض الحكماء لرجل عزاه: إن كل مصيبة لم يذهب فرح ثوابها بألم حزنها، لهي المصيبة الدائمة والحزن الباقي. وفي الحديث دليل على جواز زيارة القبور؛ لأنه لو لم يجز لما ترك بيانه، ولأنكر على المرأة خلوتها عند القبر.
وفيه دلالة أيضا على تواضعه وكونه لم ينتهرها لما ردت عليه قوله بل عذرها بمصيبتها وذلك من خلقه الكريم (2).
وفيه: النهي عن البكاء بعد الموت.
وفيه: الموعظة للباكي بتقوى الله والصبر كما سلف. اهـ
——
- لمّا قدم في الباب الماضي بيان أجر من مات لها ولد أردفه ببيان ما يُنال به ذلك الأجر؛ وهو الصبر على فقد ذلك الولد.
2. قول البخاري في الترجمة (قول الرجل) إشارة إلى أن ذلك ليس خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم.
3. وقوله في الترجمة (قول) لأن القول يشمل الوعظ وغيره من الكلام.
4. وقوله في الترجمة (للمرأة) يشير إلى أن ذلك الوعظ والنصح لا يختص بعجوز دون شابة لما يترتب عليه من المصالح الدينية.
5. في الحديث إشارة إلى أن عدم الصبر ينافي التقوى
6. قال النبي صلى الله عليه وسلم لها اتقي الله واصبري أي لا تجزعي فإن الجزع يحبط الأجر واصبري فإن الصبر يجزل الأجر مصداقاً لقول الله تعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
7. قال ابن بطال أراد النبي أن لا يجتمع عليها مصيبتان مصيبة فقد الولد ومصيبة فقد الأجر الذي يبطله الجزع
8. قال الشيخ ابن باز رحمه الله في تعليقه على صحيح البخاري: “هذا الحديث وقت الرخصة”، وقال العباد في شرح أبي داوود: “وليس في هذا متمسك لمن قال بجواز زيارة النساء للمقابر؛ لأنه ربما كان قبل تحريم الزيارة للنساء”.
9. العذر بالمصيبة وإن تكلم بما لا ينبغي.
10. وفيه النهي عن البكاء بعد الموت
قلت سيف: لعل المقصود البكاء الذي فيه اعتراض أو الذي قد يجر للنوح. أما دمع العين فثبت في غير ما حديث.
11. واستدل به على جواز زيارة القبور سواء كان المزور مسلما أم كافرا لعدم استفصاله صلى الله عليه وسلم في ذلك قال النووي وبالجواز قطع الجمهور وقال بعضهم لا تجوز زيارة قبر الكافر لقوله تعالى {ولا تقم على قبره}
قلت سيف: إذن للنبي صلى الله عليه وسلم بزيارة قبر أمه فبكى.
أما حديث أينما مررت بقبر كافر فبشره بالنار فلا يصح
12. مهادنة الثائر المعترض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والرفق به لئلا يفضي التغليظ عليه إلى ما هو أشد وأكثر ضررا.
قلت سيف: والجهل على نوعين: جهل بالحكم الشرعي وجهل بالحال فهي جهلت الأمرين جهلت الحكم الشرعي وجهلت أن الي يخاطبها هو النبي صلى الله عليه وسلم. وكان الأولى لها أن تقبل الحق ولو لم تعرف المتكلم. وكان عليها أن لا تنفي أن المخاطب لها لم يصب بمثل مصيبتها فرسول الله أصيب بأشد من مصيبتها.
والنبي صلى الله عليه وسلم ليس كالملوك يستتبع حاشية عظيمة خلفه حتى كان يجلس بين أصحابه لا يعرفه الأعرابي إلا أن يرشد إليه ثم اتخذ له دكان. مرتفع يجلس عليه.
وكان ينشر العلم في كل وقت صلى الله عليه وسلم. فقبل اعتذار المرأة وعلمها ما تحتاج إليه. فالعلم وقت الحاجة أشد ثباتا.
وأرشدها النبي صلى الله عليه وسلم للصبر الجميل موافقة لقوله تعالى (فصبر جميل)
====
الصبر وفضائله:
اقتضت حكمة الله أن تكون حياة البشر على ظهر هذه الأرض مزيجًا من السعادة والشقاء، والفرح والترح، واللذائذ والآلام، فيستحيل أن ترى فيها لذة غير مشوبة بألم، أو صحة لا يكدرها سقم، أو سرور لا ينغصه حزن، أو راحة لا يخالطها تعب، أو اجتماع لا يعقبه فراق، كل هذا ينافي طبيعة الحياة الدنيا، ودور الإنسان فيها، والذي بيَّنه ربنا جل وعلا بقوله: {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا} (الإنسان: 2).
ضرورة الصبر
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: (يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاءٌ إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة) رواه البخاري، وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت النبي – صلى الله عليه وسلم – يقول: (إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة) رواه البخاري وفي رواية للترمذي (فصبر واحتسب)، وعن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (يقول الله سبحانه: ابن آدم إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني
قبضت صفيه: أي أمتُّ حبيبه وصديقه المصافي من ولد أو والد أو زوجة أو صديق أو نحو ذلك.
تنبيه:
سنن ابن ماجه:
حدثنا هشام بن عمار، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا ثابت ابن عجلان، عن القاسم
عن أبي أمامة، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “يقول الله سبحانه: ابن آدم، إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى، لم أرض ثوابًا دون الجنة”
في سنن ابن ماجه تحقيق الأرناؤوط وآخرين:
صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل إسماعيل بن عياش، فهو صدوق حسن الحديث في روايته عن أهل بلده، وهذا منها، وهشام بن عمار متابع. القاسم: هو ابن عبد الرحمن الدمشقي.
وأخرجه أحمد (22228)، والبخاري في “الأدب المفرد” (535)، والطبراني في “الكبير” (7788)، وفي “مسند الشاميين” (2277) من طرق عن إسماعيل بن عياش، بهذا الإسناد، بلفظ: “يا ابن آدم، إذا أخذتُ كريمتيك فصبرت … “. ويشهد له ما قبله، وله شواهد أخرى ذكرناها في “المسند” (7597).
قلت سيف:
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش عن ثابت بن عجلان عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يقول يا ابن آدم إني إذا أخذت كريمتيك فصبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى لم أرض لك ثوابا دون الجنة.
وهو عند أحمد 22228 حدثنا إبراهيم بن مهدي حدثنا إسماعيل بن عياش به
فزادا كلمة (كريمتيك) فيصلح بهذا اللفظ أن يكون على شرط الذيل على الصحيح المسند.
ولم أفهم وجه عزوه في صحيح الجامع 8143 (لصحيح مسلم … ) ثم راجعت الأدب المفرد بتحقيق الألباني فوجدته إنما عزاه لابن ماجه
فلعل عزوه لمسلم خطأ مطبعي.
=======
ومسائل الصبر لا بد فيها من المجاهدة
قال صاحبنا أبوصالح:
حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا وفيه
” ومن يتصبر يصبره الله”
والبكاء عند القبر ينافي الصبر. والأفضل للإنسان أن يشتغل بما ينفعه لكي لا يتذكر المصيبة. قاله ابن عثيمين بمعناه
أنواع الصبر
والصبر أنواع ثلاثة: صبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها، وصبر عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، وصبر على الأقضية والأقدار حتى لا يتسخطها، وهذه الأحاديث القدسية في النوع الثالث من أنواع الصبر، وهو الصبر على أقدار الله المؤلمة.
عند الصدمة الأولى
===========
والصبر ذُكر في القرآن في نحو تسعين موضعاً – كما قال الإمام أحمد – وما ذاك إلا لضرورته وحاجة العبد إليه.
قال بعض الحكماء: ” العاقل يصنع في أول يوم من أيام المصيبة ما يفعله الجاهل بعد أيام “.
وأما إذا تضجر وتبرم في أول الأمر، ثم لما يئس صبر لأنه لم يجد خياراً غيره، فإنه يكون بذلك قد حرم نفسه من أجر الصبر وثوابه، وأتى بما يشترك فيه جميع الناس، فلا فائدة من الصبر حينئذ. صبر واحتساب
=========
كلما قوي اليقين ضعف الإحساس بألم المصيبة، حتى تتحول لدى النفس من المكاره إلى المحابِّ.
وراجع الوسائل المفيدة للحياة السعيدة للشيخ السعدي
وكان نبينا – صلى الله عليه وسلم – يسأل الله اليقين الذي تهون معه المصائب، فقلما كان يقوم من مجلس إلا ويدعو بهؤلاء الدعوات: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا) رواه الترمذي.
وعزَّى رجلاً في ابن له مات، فقال: ” يا أبا فلان إنك إن صبرت نفذت فيك المقادير، ولك الأجر، وإن جزعت نفذت فيك المقادير، وعليك الوزر ”
===========
(قَالَ شُرَيْحٌ القاضي رحمه الله:
إِنِّي لأُصَابُ بِالمُصِيبَةِ، فَأَحْمَدُ اللهَ عَلَيْهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ
،أَحْمَدُ إِذْ لَمْ يَكُنْ أَعْظَمَ مِنْهَا، وَأَحْمَدُ إِذْ رَزَقَنِي الصَّبْرَ عَلَيْهَا، وَأَحْمُدُ إِذْ وَفَّقَنِي لِلاسْتِرْجَاعِ لِمَا أَرْجُو مِنَ الثَّوَابِ، وَأَحْمَدُ إِذْ لَمْ يَجْعَلْهَا فِي دِينِي)).
شعب الايمان للبيهقي (9507)
“، فجعل انتظار الثواب على البلاء من أسباب تخفيفه، ونقله من دائرة المصائب التي توجب الصبر إلى دائرة النعم التي تستحق الشكر،
===========
قال رحمه الله في (طريق الهجرتين): “والصبر على البلاء ينشأ من أسباب عديدة:
أحدها: شهودُ جزائِها وثوابها.
الثاني: شهودُ تكفيرها للسيئات ومَحْوِهَا لها.
الثالث: شهودُ القَدَرِ السابق الجاري بها وأنها مقدَّرةٌ في أمِّ الكتاب قبل أن يُخْلَقَ؛ فلا بدَّ منها؛ فجزَعُه لا يزيده إلا بلاء.
الرابع: شهودُه حقَّ الله عليه في تلك البلوى، وواجبَه فيها الصبر بلا خلاف بين الأمة، أو الصبر والرضا على أحد القولين؛ فهو مأمور بأداء حقِّ الله وعبوديته عليه في تلك البلوى؛ فلا بد له منه وإلا تضاعفت عليه.
الخامس: شهود ترتّبها عليه بذنبه؛ كما قالَ الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى من الآية:30] فهذا عامٌّ في كل مصيبة دقيقةٍ وجليلة؛ فيشْغَلُه شهودَ هذا السببِ بالاستغفارِ الذي هو أعظمُ الأسباب في دفع تلك المصيبة؛ قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: “ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع بلاء إلا بتوبة”.
السادس: أن يعلمَ أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسَمَها، وأنَّ العبودية تقتضي رضاه بما رَضِيَ له به سيده ومولاه؛ فإن لم يوفِ قدْرَ المقَامِ حقَّه فهو لضَعْفِهِ؛ فلينزلْ إلى مقامِ الصبر عليها؛ فإن نزلَ عنه نزلَ إلى مقامِ الظلم وتعدِّي الحقّ.
السابع: أن يعلمَ أن هذه المصيبة هي داءِ نافع ساقَه إليه الطبيبُ العليم بمصلحته الرحيم به؛ فليصبرْ على تجرُّعِه ولا يتقيَّأه بتسخُّطِه وشكْوَاه فيذهبُ نفْعُه باطلًا.
الثامن: أن يعلم أن في عُقْبَى هذا الدواء من الشفاء والعافية والصحة وزوال الألم ما لم تحصل بدونه؛ فإذا طالعتْ نفسُه كراهةَ هذا الدواءِ ومرارَتَه؛ فلينظرْ إلى عاقبته وحُسْنِ تأثيره، قال تعالى: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة من الآية:216]، وقال الله تعالى: {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء من الآية:19]، وفي مثل هذا القائل: لَعَلّ عَتْبَكَ مَحْمُودٌ عَوَاقِبُهُ *** فرُبّمَا صَحّتِ الأجْسامُ بالعِلَلِ
التاسع: أن يعلمَ أن المصيبةَ ما جاءَتْ لتهلِكَه وتقتُلَه، وإنما جاءت لِتَمْتَحِنَ صبْرَه وتبْتَلِيَه؛ فيتبيّن حينئذ هل يصلح لاستخدامه؟ وجعْلِه من أوليائه وحزبه أم لا؟ فإن ثبت اصطفاه واجتباه، وخلع عليه خِلَعَ الإكرام وألبسه ملابسَ الفضل، وجعل أولياءه وحزبه خدمًا له وعونًا له، وإن انقلب على وجهه ونكص على عقبيه طُرِدَ وصُفع قفاه وأُقِصي، وتضاعفت عليه المصيبة وهو لا يشعر في الحال بتضاعفها وزيادتها، ولكن سيعلمُ بعد ذلك بأنَّ المصيبةَ في حقِّه صارت مصائب، كما يعلمُ الصابرُ أنَّ المصيبةَ في حقِّهِ صارَتْ نِعَمًا عديدة، وما بين هاتين المنزلتين المتباينتين إلا صبرُ ساعة، وتشجيعُ القلب في تلك الساعة، والمصيبة لا بدَّ أن تقلع عن هذا وهذا، ولكن تقلع عن هذا بأنواع الكرامات والخيرات، وعن الآخرِ بالحرمان والخذلان؛ لأن ذلك تقدير العزيز العليم، وفضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
العاشر: أن يعلم أن الله يربّي عبدَه على السراء والضراء والنعمة والبلاء؛ فيستخرج منه عبوديَّته في جميع الأحوال؛ فإن العبدَ على الحقيقة من قام بعبودية الله على اختلاف الأحوال، وأما عبدُ السرَّاء والعافيةِ الذي يعبد الله على حرفٍ؛ فإن أصابه خير اطمأنَّ به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه؛ فليس من عبيده الذين اختارهم لعبوديته؛ فلا ريب أنَّ الإيمان الذي يثبتُ على محلِّ الابتلاء والعافية هو الإيمان النافع وقت الحاجة، وأما إيمان العافية فلا يكاد يصحب العبد ويبلغه منازل المؤمنين، وإنما يصحبه إيمان يثبت على البلاء والعافية؛ فالابتلاء كِير العبد ومَحَكُّ إيمانه؛ فإما أن يخرج تِبْرا أحمر، وإما أن يخرج زغلًا محضًا، وإما أن يخرج فيه مادّتان ذهبية ونحاسية فلا يزال به البلاء حتى يخرج المادة النحاسية من ذهبه، ويبقى ذهبًا خالصًا؛ فلو علم العبد أن نعمة الله عليه في البلاء ليست بدون نعمة الله عليه في العافية لشغل قلبه بشكره ولسانه: “اللهم أعني على ذكرك وشكر وحسن عبادتك”، وكيف لا يشكر من قيَّض له ما يستخرج خبَثَه ونُحَاسَه، وصيَّرَه تِبْرًا خالصًا يصلح لمجاورته والنظر إليه في داره؟! فهذه الأسباب ونحوها تثمرُ الصبرَ على البلاء؛ فإن قويت أثمرت الرضا والشكر؛ فنسأل الله أن يسترنا بعافيته، ولا يفضحنا بابتلائه، بمنّه وكرمه”.
—–
اسباب أخرى معينة:
ومِن الأسباب المعينة على الصبر: أن تعلم أن كل بني آدم مبتلى؛ قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}.
ومِن الأمور المعينة على الصبر: أن يكون لك أخ صالح يُذَكِّرُكَ بالله، ويُخَفِّف عنك آلامك، فإنما المرء بإخوانه
ومِن الأمور المعينة على الصبر: تذكُّر الموت واستشعار حقارة هذه الدنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة، وأنها سوف تنتهي وينتهي معها البلاء.