: (1249) فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: عبد الله المشجري ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [2/ رقم (1249)]:
{مسند أبي مريم الأزْدي} رضي الله عنه
قال أبو داود رحمه الله (ج (3) ص (356)): حَدَّثَنا سُلَيْمانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ابْنُ أبِي مَرْيَمَ، أنَّ القاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ، أخْبَرَهُ أنَّ أبا مَرْيَمَ الأزْدِيَّ، أخْبَرَهُ قالَ: دَخَلْتُ عَلى مُعاوِيَةَ، فَقالَ: ما أنْعَمَنا بِكَ أبا فُلانٍ – وهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُها العَرَبُ -، فَقُلْتُ: حَدِيثًا سَمِعْتُهُ أُخْبِرُكَ بِهِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? يَقُولُ: ((مَن ولّاهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ شَيْئًا مِن أمْرِ المُسْلِمِينَ فاحْتَجَبَ دُونَ حاجَتِهِمْ، وخَلَّتِهِمْ وفَقْرِهِمْ، احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حاجَتِهِ وخَلَّتِهِ، وفَقْرِهِ)). قالَ: فَجَعَلَ رَجُلًا عَلى حَوائِجِ النّاسِ.
قال الشيخ مقبل الوادعي – رحمه اللهُ-: هذا حديث صحيح، رجاله رجال الصحيح.
وقد أخرجه الترمذي «(562)) / ((4)» فقال حدثنا عليُّ بن حُجر، حدثنا يحيى بن حمزة به.
ولم يسُق لفظَه، وابن أبي مريم هو يزيد كما جاء مصرَّحًا به في الترمذي.
————————
أولا: ما يتعلَّق بسند الحديث:
* (ابن أبي مريم) الذي في السند اُختلِفَ فيه:
فقال ابن حجر في المطالب العالية ((6) / (382)) أنه أبو بكر بن أبي مريم، وهو ضعيف.
ولكن ذكر ابن الملقِّن في البدر المنير أنه: يزيد بن أبي مريم – وهو ترجيح الوادعي والعباد كما في شرح سنن أبي داود وإليه يميل الدكتور سيف كما في تعليقه في سنن أبي داود-، ويدل لهذا القول رواية الترمذي الصريحة التي فيها ذكر يزيد كما ذكره الشيخ مقبل رحمه الله.
* صحح هذا الحديث الألباني في الصحيحة تحت حديث «(629)»، وهو في صحيح مفاريد الصحابة؛ لذا فقد ذكر هذا الحديثَ ابنُ أبي عاصم في الآحاد والمثاني ولم يذكر له إلا هذا الحديث في مسنده.
ثانيًا: فيما يتعلق في ترجمة راوي الحديث:
اختلف أهلُ العلم في تسميته؛ فذهب البخاري في التاريخ الكبير ((6) / (308))، والبغوي فيما نقله عنه ابنُ حجر في الإصابة في ترجمة أبي مريم، والترمذي كلهم جزموا أنّ اسمه عمرو بن مرة الجهني.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنهما رجلان؛ كالحاكم، وابن حجر، والذهبي في تجريد أسماء الصحابة، ويدل عليه صنيع الإمام أحمد في المسند حيث ذكر الحديث في مسندين، الأول: مسند رجل من أصحاب رسول الله؟، والثاني: في مسند عمرو بن مرة الجهني.
وهو صحابي جليل، كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم شيخًا كبيرًا، أسلم قديمًا، وشهد كثيرًا من المشاهد. (الإصابة «(4)) / ((680)) – ((682)»).
وقد ترجم للحديث الإمام أبو داود رحمه الله في سننه، أول كتاب الخراج والفيء والإمارة، (13) – باب: فيما يلزم الإمامَ من أمر الرعية، ((2948)).
والوادعي رحمه الله أورده في جامعه في موضعين:
(24) – كتاب الإمارة، (47) – ترهيب الإمام من الاحتجاب دون حوائج الناس، ((3219)).
و (27) – كتاب الكبائر، (28) – احتجاب الحاكم دون حوائج المسلمين، ((3330)).
ثالثًا: شرح الحديث:
عن (القاسِم بن مُخيمرة، أخْبَرَهُ أنَّ أبا مَرْيَمَ الأزْدِيَّ، أخْبَرَهُ قالَ: دَخَلْتُ عَلى مُعاوِيَةَ، فَقالَ: ما أنْعَمَنا بِكَ أبا فُلانٍ) صيغت تعجب، والمقصود إظهار الفرح والسرور بقدومه، «حديثًا» نصبه على الإضمار على شرط التفسير، قاله السندي.
قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح السنن: “وهذا يحتمل أن يكون تعجبًا يعني: ما أعظم النعمة التي حصلت لنا بمجيئك! فيكون بها إظهار السرور بهذه الزيارة وبهذا القدوم إليه.
ويحتمل أن يكون المعنى: أي نعمة حصلت لنا بمجيئك؟ يعني: أنها نعمة عظيمة”. انتهى.
(- وهِيَ كَلِمَةٌ تَقُولُها العَرَبُ -) قال الخطابي في غريب الحديث ((2) / (532)): “هي كلمة يقولها الرجل لصاحبه إذا جاءه وألمَّ به، ولا يُقال ذلك إلا لمن يُعْتدُّ بلقائه ويُسَرُّ برؤيته؛ كأنه يقول: ما جاءنا بك وما الذي دعاك إلى أن أتيتنا فأنعمتنا: أي: سررتنا بلقائك”. انتهى.
(فَقُلْتُ: حَدِيثًا) نصبه على الإضمار على شرط التفسير، (سَمِعْتُهُ أُخْبِرُكَ بِهِ)، يعني: أنه جاء من أجل أن يذكره ويعظه، ويسمعه حديثًا سمعه من رسول الله ? يتعلق بالوالي. قاله العباد، (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? يَقُولُ: ((مَن ولّاهُ) يُقال: ولاَّه الأمر تولية: جعله واليًا عليه، وملَّكه أمره. (اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ شَيْئًا مِن أمْرِ المُسْلِمِينَ فاحْتَجَبَ): يُقال: حَجَبَهُ يَحْجُبُهُ حَجْبًا: ستره ومنعه، واحتجب: استتر.
(دُونَ حاجَتِهِمْ، وخَلَّتِهِمْ وفَقْرِهِمْ)، «وخلتهم» بفتح خاء معجمة وتشديد لام، الحاجة الشديدة، والمعنى منع أرباب الحوائج أن يدخلوا عليه ويعرضوا حوائجهم، قيل: الحاجة والخلة والفقر متقاربة المعنى كررها تأكيدًا،
وبعضهم فرق بينهما بحمل الحاجة على ما لم يبلغ حال الضرورة، و «الخلة» على ما هو أشد منه بحيث يختل به أمر المعاش؛ لكونها من الخلل و «الفقر» أشد من الخلة حملًا له على عدم معنى التملك أصلًا، فيكون ذلك على سبيل الترقي قاله السندي.
قال الشيخ العباد: “الفقر، والخَلَّة، والحاجة متقاربة المعنى”. وقال صاحب عون المعبود “الخَلَّة هي الحاجة الشديدة”.
وأما قوله و «فقيرهم» “أي: فيما يحتاج إليه الفقير، وإنما نص عليه؛ لأن من الولاة من يحتجب عن الفقراء ولا يحتجب عن الأغنياء، كما هو عادة بني إسرائيل، فإنهم يقدمون الأغنياء والشرفاء، حتى إنهم لا يقيمون عليهم الحدود، وأما الفقراء ومن لا وجاهة له فيقام عليه الحد، العقوبة أن الله يحتجب دون حاجته فلا ييسر أمره ولا يقضي حاجته”. قاله الشيخ ابن عثيمين في فتح ذي الجلال والإكرام.
(احْتَجَبَ اللَّهُ) أي: عامله بمثل فعله يوم القيامة، وقيل: منعه عما يطلبه ويسأله ويخيب دعوته.
(عَنْهُ دُونَ حاجَتِهِ) يُقال: حاجَ الرَّجل يحوج: إذا احتاج، والحاجة جمعها حوائج، وهي: ما يفتقر إليها الإنسان ويطلبها” [توضيح الأحكام من بلوغ المرام، (7/ 186)].
(وخَلَّتِهِ، وفَقْرِهِ)). قالَ: فَجَعَلَ رَجُلًا عَلى حَوائِجِ النّاسِ.
قال الشيخ العباد: “فـ معاوية رضي الله عنه وأرضاه تنبه وجعل من يقوم بذلك، فجعل رجلًا على حوائج الناس، يعني: يتولى هذه المهمة نيابة عنه.
وهذا يدل على ما كان عليه أصحاب الرسول ? من التناصح، ومن الحرص على إفادة الغير، وعلى مناصحة ولي الأمر.
ويدل أيضًا على مبادرة معاوية رضي الله عنه إلى تنفيذ هذا الشيء الذي ذكره به هذا الصحابي الذي نصحه وذكره بما جاء عن النبي ?، فجعل من يقوم مقامه في قضاء حوائج الناس.”.
رابعًا: ومن الأحاديث المشابهة لمعنى هذا الحديث:
«اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا، فرَفق بهم فارفق به … » الحديث.
وحديث: «ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لأمته، إلا حرَّم الله عليه الجنة».
وحديث معقل بن يسار أنه حدَّث عبيد الله بن زياد بحديث: «ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة».
وحديث: «إن شر الرعاء الحطمة». قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” الرعاء: جمع راعٍ.
الحطمة: الذي يحطم الناس ويشق عليهم ويؤذيهم، فهذا شر الرعاء.
وإذا كان هذا شر الرعاء؛ فإن خير الرعاء اللين السهل، الذي يصل إلى مقصوده بدون عنف”. انتهى شرح رياض الصالحين.
خامسًا: من الأحاديث التي أوردها الوادعي في جامعه من كتاب الإمارة، ولها تعلق بالباب:
(15) – الإمام يسأل الله أن يوفقه للحكم بالحق
(3176) – عن عبد الله بن فيروز الديلمي، قال: دخلت على عبد الله بن عمرو بن العاص وهو في حائط له بالطائف يقال له: الوهط، وهو محاضر فتى من قريش، وذلك الفتى يزن بشرب الخمر، فقلت لعبد الله بن عمرو: خصال تبلغني عنك تحدث بها عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أنه من شرب الخمر شربة لم تقبل توبته أربعين صباحًا)، فاختلج الفتى يده من يد عبد الله ثم ولى، و (إن الشقي من شقي في بطن أمه)، و (أنه من خرج من بيته لا يريد إلا الصلاة ببيت المقدس خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه). فقال عبد الله بن عمرو: اللهم إني لا أحل لأحد أن يقول علي ما لم أقل، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقول: «من شرب الخمر شربة لم تقبل توبته أربعين صباحًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد لم تقبل توبته أربعين صباحًا»، فلا أدري في الثالثة أو في الرابعة قال: «فإن عاد كان حقًّا على الله أن يسقيه من ردغة الخبال يوم القيامة»، قال: وسمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقول: «إن الله خلق خلقه في ظلمة، ثم ألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور يومئذ شيء فقد اهتدى، ومن أخطأه ضل»، فلذلك أقول: جف القلم على علم الله، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «إن سليمان بن داود سأل ربه ثلاثًا، فأعطاه اثنين ونحن نرجو أن يكون قد أعطاه الثالثة: سأله حكمًا يصادف حكمه، فأعطاه إياه، وسأله ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه إياه، وسأله أيما رجل يخرج من بيته لا يريد إلا الصلاة في هذا المسجد أن يخرج من خطيئته كيوم ولدته أمه، نحن نرجو أن يكون الله قد أعطاه إياه».
* وقال الإمام النسائي رحمه الله (ج (2) ص (34)): أخْبَرَنا عَمْرُو بْنُ مَنصُورٍ قالَ حَدَّثَنا أبُو مُسْهِرٍ قالَ حَدَّثَنا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أبِي إدْرِيسَ الخَوْلانِيِّ ((1)) عَنْ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو: عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «أنَّ سُلَيْمانَ بْنَ داوُدَ ? لَمّا بَنى بَيْتَ المَقْدِسِ سَألَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ خِلالًا ثَلاثَةً سَألَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ حُكْمًا يُصادِفُ حُكْمَهُ فَأُوتِيَهُ وسَألَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأحَدٍ مِن بَعْدِهِ فَأُوتِيَهُ وسَألَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ حِينَ فَرَغَ مِن بِناءِ المَسْجِدِ أنْ لا يَاتِيَهُ أحَدٌ لا يَنْهَزُهُ إلّا الصَّلاةُ فِيهِ أنْ يُخْرِجَهُ مِن خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ».
(19) – الواجب على الإمام ملازمة العدل
(3181) – عن أبي هريرة: أن نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «ما من أمير عشرة إلا يؤتى به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه أطلقه الحق أو أوبقه».
(21) – الإمام يتفقد أحوال الضعفاء
(3183) – عن جبير بن نفير الحضرمي أنه سمع أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول «ابغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم».
(22) – الإمام يتصرف في بيت مال المسلمين لمصالح المسلمين
(3184) – عن إسحاق بن سويد، قال سمعت مطرف بن عبد الله بن الشخير يحدث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: كان بالكوفة أمير قال فخطب يومًا فقال إن في إعطاء هذا المال فتنة وفي إمساكه فتنة وبذلك قام به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خطبته حتى فرغ ثم نزل.
(3185) – عَنِ ابْنِ عباس: أن عمر بن الخطاب كان كلما صلى صلاة جلس للناس فمن كانت له حاجة كلمه وإلا قام فحضرت الباب يومًا فقلت يا يرفأ فخرج وإذا عثمان بالباب فخرج يرفأ فقال قم يا ابن عفان قم يا ابن عباس فدخلنا على عمر وعنده صبر من مال فقال إني نظرت في أهل المدينة فرأيتكما من أكثر أهلها عشيرة فخذا هذا المال فاقسماه فإن كان فيه فضل فردا قلت وإن كان نقصانًا زدتنا فقال نشنشة من أخشن قد علمت أن محمدًا وأهله كانوا يأكلون القد قلت بلى والله لو فتح الله هذا على محمد لصنع فيه غير ما صنعت فغضب وانتشج حتى اختلفت أضلاعه وقال (إذًا أصنع)، فيه ماذا فقلت إذًا أكل وأطعمنا فسري عنه.
(24) – الإمام يفصل الخصومات
(3187) – عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: اخْتَصَمَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ رَجُلانِ فِي حَرِيمِ نَخْلَةٍ. فِي حَدِيثِ أحَدِهِما: فَأمَرَ بِها فَذُرِعَتْ فَوُجِدَتْ سَبْعَةَ أذْرُعٍ، وفِي حَدِيثِ الآخَرِ: فَوُجِدَتْ خَمْسَةَ أذْرُعٍ فَقَضى بِذَلِكَ.
قالَ عَبْدُ العَزِيزِ: فَأمَرَ بِجَرِيدَةٍ مِن جَرِيدِها فَذُرِعَتْ.
(30) – الإمام يقضي الدين عن المدين الذي لا يستطيع قضاء دينه
(3199) – عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من حمل من أمتي دينًا ثم جهد في قضائه فمات ولم يقضه فأنا وليه».
(33) – إقطاع الإمام لبعض الناس بعض الأراضي
(3202) – عن سَبْرَةُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ بْنِ الرَّبِيعِ الجُهَنِيُّ، عَنْ أبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: أنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ نَزَلَ فِي مَوْضِعِ المَسْجِدِ تَحْتَ دَوْمَةٍ فَأقامَ ثَلاثًا ثُمَّ خَرَجَ إلى تَبُوكَ وإنَّ جُهَيْنَةَ لَحِقُوهُ بِالرَّحْبَةِ فَقالَ لَهُمْ «مَن أهْلُ ذِي المَرْوَةِ؟» فَقالُوا بَنُو رِفاعَةَ مِن جُهَيْنَةَ فَقالَ «قَدْ أقْطَعْتُها لِبَنِي رِفاعَةَ» فاقْتَسَمُوها فَمِنهُمْ مَن باعَ ومِنهُمْ مَن أمْسَكَ فَعَمِلَ.
(3203) – عن علقمة بن وائل عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أقطعه أرضًا بحضرموت.
(45) – الشفاعة عند الأمراء
(3217) – عن وهب بن منبه عن أخيه عن معاوية: اشفعوا تؤجروا فإني لأريد الأمر فأؤخره كيما تشفعوا فتؤجروا فإن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال «اشفعوا تؤجروا».
(46) – لا يشفع عند الإمام في ترك الحدود
(3218) – عَنْ يَحْيى بْنِ راشِدٍ قالَ: جَلَسْنا لِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ فَخَرَجَ إلَيْنا فَجَلَسَ فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ «مَن حالَتْ شَفاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِن حُدُودِ اللهِ فَقَدْ ضادَّ اللهَ ومَن خاصَمَ فِي باطِلٍ وهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتّى يَنْزِعَ عَنْهُ ومَن قالَ فِي مُؤْمِنٍ ما لَيْسَ فِيهِ أسْكَنَهُ اللهُ رَدْغَةَ الخَبالِ حَتّى يَخْرُجَ مِمّا قالَ».
(47) – ترهيب الإمام من الاحتجاب دون حوائج الناس
وفيه حديث الباب
(48) – جواز سؤال السلطان لحاجة
(3220) – عن سمرة: عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال «المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بدًّا». “. انتهى المراد بتصرف.
سادسًا: حكم احتجاب الحاكم دون حوائج المسلمين
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وجوب بروز الإنسان للمسلمين لقضاء حوائجهم إذا كان وليا عليهم، ودليل الوجوب الوعيد على الاحتجاب.
ولكن لو قال قائل: هل هذا الحديث يشمل كل وقت، بمعنى: لو جاء الناس إليه وهو في فراشة في ليلة باردة وقد أخذه الدفء ثم قرعوا عليه الباب وقالوا: اخرج؟ لا؛ لأنه لأنه يقال هنا: لم يحتجب عن حاجتهم؛ لأن الله يقول: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} [البقرة (286)]. ولكن يجب أن يكون للولي، أوقات معلومة تكون مناسبة للناس يراجعونه فيها ثم بعد ذلك يحتجب لقضاء حاجاته أو يحتجب للاستعانة على قضاء حاجتهم؛ لأنه لو يبقى لا ينام ولا يأكل هلك ولم يقض حاجتهم”. انتهى. [فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية (6/ 171)].
وقال ابن حجر الهيتمي (ت (974)) عفا الله عنه في الزواجر عن اقتراف الكبائر: “الكَبِيرَةُ الثّالِثَةُ والرّابِعَةُ والخامِسَةُ والأرْبَعُونَ بَعْدَ الثَّلاثِمِائَةِ: جَوْرُ الإمامِ أوْ الأمِيرِ أوْ القاضِي وغِشُّهُ لِرَعِيَّتِهِ، واحْتِجابُهُ عَنْ قَضاءِ حَوائِجِهِمْ المُهِمَّةِ المُضْطَرِّينَ إلَيْها بِنَفْسِهِ أوْ نائِبِهِ”. [الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 184)].
وقد أورد الحديث الإمام محمد بن عبد الوهاب التميمي رحمه الله في كتابه الكبائر، في أبواب كبائر اللسان، وبوب عليه: ” «(104)» باب: الاحتجاب دون الرعية، رقم الحديث (214).
سابعًا: حكم “اتِّخاذُ القاضِي أوْ الامِيرِ حاجِبًا:
– ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ والمالِكِيَّةُ إلى أنَّهُ يَجُوزُ لِلامِيرِ والقاضِي اتِّخاذُ حاجِبٍ، والمَرْجِعُ فِي ذَلِكَ الشَّرْعُ، فَقَدْ حَجَبَ لِلنَّبِيِّ ? أنَسُ بْنُ مالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وكانَ لأِبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حاجِبٌ هُوَ سُدَيْفٌ مَوْلاَهُ، وكانَ لِعُثْمانِ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حُمْرانُ، وكانَ لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَنْبَرٌ مَوْلاَهُ، وقَدْ قال النَّبِيُّ ?: عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرّاشِدِينَ المَهْدِيِّينَ مِن بَعْدِي عَضُّوا عَلَيْها بِالنَّواجِذِ [أخرجه الترمذي ((5) / (44)) والحاكم ((1) / (96)) من حديث العرباض بن سارية، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي].
وقال ابْنُ عَرَفَةَ: يَسُوغُ لِلْقاضِي اتِّخاذُ مَن يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِصَرْفِ أمْرِهِ ونَهْيِهِ، وكَفِّ أذى النّاسِ عَنْهُ، وكَفِّ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ.
وقال أصْبَغُ: حَقٌّ عَلى الامامِ أنْ يُوَسِّعَ عَلى القاضِي فِي رِزْقِهِ، ويَجْعَل لَهُ قَوْمًا يَقُومُونَ بِأمْرِهِ، ويَدْفَعُونَ النّاسَ عَنْهُ؛ إذْ لاَ بُدَّ لَهُ مِن أعْوانٍ يَكُونُونَ حَوْلَهُ يَزْجُرُونَ مَن يَنْبَغِي زَجْرُهُ مِنَ المُتَخاصِمِينَ. [مسائل الإمام أحمد رواية النيسابوري (2) / (149)، ومطالب أولي النهى (6) / (85)، وروضة القضاة وطريق النجاة للسمناني (1) / (118) – (119)، وجواهر الإكليل (2) / (223)، ومواهب الجليل (6) / (114)].
– وقال الشّافِعِيَّةُ والحَنابِلَةُ: يَنْبَغِي لِلْحاكِمِ والقاضِي أنْ لاَ يَتَّخِذَ حاجِبًا يَحْجُبُ النّاسَ عَنِ الوُصُول إلَيْهِ؛ لِما رَوى أبُو مَرْيَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ? يَقُول: مَن ولاَّهُ اللَّهُ عَزَّ وجَل شَيْئًا مِن أمْرِ المُسْلِمِينَ فاحْتَجَبَ دُونَ حاجَتِهِمْ وخَلَّتِهِمْ وفَقْرِهِمُ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حاجَتِهِ وخَلَّتِهِ وفَقْرِهِ.
ولأِنَّ حاجِبَ القاضِي رُبَّما قَدَّمَ المُتَأخِّرَ وأخَّرَ المُتَقَدِّمَ لِغَرَضٍ لَهُ، ورُبَّما كَسَرَهُمْ بِحَجْبِهِمْ والاِسْتِئْذانِ لَهُمْ، ولاَ بَاسَ عِنْدَهُمْ بِاتِّخاذِ حاجِبٍ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ القَضاءِ، وفِي حال الزَّحْمَةِ وكَثْرَةِ النّاسِ.
وقال القاضِي أبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ مِنَ الشّافِعِيَّةِ: يُسْتَحَبُّ لِلْقاضِي أنْ يَتَّخِذَ حاجِبًا يَقُومُ عَلى رَاسِهِ إذا قَعَدَ لِلْقَضاءِ لِيُقَدِّمَ الخُصُومَ ويُؤَخِّرَهُمْ، وأضافَ ابْنُ أبِي الدَّمِ الحَمَوِيُّ الشّافِعِيُّ: وهَذا هُوَ الصَّحِيحُ ولاَ سِيَّما فِي زَمَنِنا هَذا، مَعَ فَسادِ العَوامِّ، فَإنَّهُ مَتى كانَ لِلْحاكِمِ حاجِبٌ رَتَّبَ الخُصُومَ، وقَدَّمَ مَن حَضَرَ أوَّلًا عَلى مَن تَأخَّرَ، ومَنَعَهُمْ مِنَ المُخاصَمَةِ عَلى التَّقَدُّمِ والتَّأخُّرِ، وزَجَرَ الظّالِمَ مِنهُمْ، وأخَذَ بِيَدِ المَظْلُومِ، وفِيهِ أُبَّهَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْحاكِمِ … وكَلاَمُ الشّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – وغَيْرِهِ: أنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أنْ يَتَّخِذَ حاجِبًا – مَحْمُولٌ عَلى ما إذا قَصَدَ بِالحاجِبِ الاِحْتِجابَ عَنِ النّاسِ والاِكْتِفاءَ بِهِ، أوْ حالَةَ الخَوْفِ مِنِ ارْتِشاءِ الحاجِبِ. [روضة الطالبين (11) / (139)، ونهاية المحتاج (8) / (241)، وأدب القضاء لابن أبي الدم (60) – (61)، والمغني (9) / (49)، وكشاف القناع (6) / (313)، والمهذب (2) / (293)]. [الموسوعة الفقهية الكويتية (16/ 244).
وانظر في الموسوعة أيضًا: في مُعاوِنُو القُضاةِ (33/ 309 وما بعد ذلك)].
ثامنًا: شُرُوطُ الحاجِبِ وآدابُهُ:
– قال القاضِي الماوَرْدِيُّ: يُشْتَرَطُ فِي الحاجِبِ
ثَلاَثَةُ شُرُوطٍ مُسْتَحَقَّةٍ، وهِيَ: العَدالَةُ والعِفَّةُ والامانَةُ،
وخَمْسَةٌ مُسْتَحَبَّةٌ وهِيَ: أنْ يَكُونَ حَسَنَ المَنظَرِ، وجَمِيل المَخْبَرِ، وعارِفًا بِمَقادِيرِ النّاسِ، وبَعِيدًا عَنِ الهَوى، ومُعْتَدِل الاخْلاَقِ بَيْنَ الشَّراسَةِ واللِّينِ. [أدب القضاء ص (61) نقلا عن أدب القاضي للماوردي (1) / (204)].
وفَصَّل السِّمْنانِيِّ فَقال: يَنْبَغِي أنْ يَخْتارَ القاضِي مِنَ الحَجَبَةِ مَن لاَ يَتَجَهَّمُ الخُصُومَ ولاَ يَخْتَصُّ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ بِالوُصُول، وتَكُونُ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِأوْقاتِ ما يَجُوزُ أنْ يَسْتَاذِنَ فِيها بِالحُضُورِ لِمَن يَقْصِدُ القاضِيَ، ويَعْرِفُ مَن جاءَ خَصْمًا، أوْ زائِرًا، أوْ طالِبًا لِرِفْدِهِ، أوْ سائِلًا، أوْ مُسْتَفْتِيًا لَهُ فِي الحُكْمِ والشَّرْعِ، ويُوعِزُ إلَيْهِ القاضِي فِي بَسْطِ الوَجْهِ ولِينِ الكَنَفِ ورَفْعِ المَئُونَةِ وحُسْنِ اللَّفْظِ، وكَفِّ الاذِيَّةِ والسُّرْعَةِ فِي أمْرِهِ بِإدْخال كُل إنْسانٍ مَعَ خَصْمِهِ إذا أذِنَ بِدُخُولِهِ مِن غَيْرِ تَاخِيرٍ لأِحَدٍ مِنهُما عَنْ صاحِبِهِ بِأوْجَزِ بَيانٍ، ويُسَهِّل لَهُما السَّبِيل، وإذا كانَ الدّاخِل رَجُلًا لَهُ قَدْرٌ ولاَ خُصُومَةَ لَهُ مَعَ أحَدٍ، وإنَّما أتى لِزِيارَةِ القاضِي، فَيَنْبَغِي لِلْحاجِبِ أنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ ويَسْتَقْبِلَهُ قَبْل دُخُولِهِ عَلى القاضِي ويَدْخُل بَيْنَ يَدَيْهِ يُنَبِّهُ عَلى مَوْضِعِهِ ومَكانِهِ. ويَنْبَغِي أنْ يَكُونَ دُخُول الحاجِبِ عَلى القاضِي قَبْل جَمِيعِ النّاسِ لِيَعْرِفَ مَن حَضَرَ عَلى البابِ ثُمَّ يَاذَنَ لِمَن يُرِيدُ الدُّخُول عَلَيْهِ والحَدِيثَ مَعَهُ.
وأضافَ السِّمْنانِيُّ: ويَنْبَغِي أنْ يَتَفَقَّدَ القاضِي مَن عَلى بابِهِ مِن أصْحابِهِ وأعْوانِهِ ومَن يَجْرِي مَجْراهُمْ، ويَمْنَعَهُمْ مِنَ المَآكِل الرَّدِيَّةِ، ويُقَوِّمَ مِنهُمْ مَن يَجِبُ تَقْوِيمُهُ، ويُبْعِدَ مِنهُمْ مَن كانَ مَعْرُوفًا بِالفَسادِ والخِيانَةِ؛ لأِنَّ عَيْبَهُمْ راجِعٌ إلَيْهِ وفِعْلَهُمْ عارٌ عَلَيْهِ، وإذا اطَّلَعَ مِنهُمْ عَلى الفَسادِ والخِيانَةِ ولَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ شارَكَهُمْ فِي الاثْمِ، ورُبَّما كانَ ذَلِكَ مِمّا يُوجِبُ فِسْقَهُ إذا أقَرَّهُمْ عَلَيْهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلى إنْكارِهِ وإزالَتِهِ؛ لأِنَّهُمْ أعْوانُ الشَّرْعِ والدِّينِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أنْ يَكُونُوا أعْرَفَ بِالشَّرْعِ وأقْوَمَ بِالدِّينِ. [روضة القضاء وطريق النجاة للسمناني (1) / (119) – (124)]. [الموسوعة الفقهية الكويتية (16/ 244)].
تاسعًا: ما يتعلَّق بفوائد الحديث:
1 – (منها): فيه منقبة لمعاوية رضي الله عنه وسرعة استجابة الصحابة رضي الله عنهم لأوامر النبي صلى الله عليه وسلم.
2 – (منها): في هذا الحديث حق من حقوق الرعيَّة على الراعي، وقد ذكر الكناني في كتابه (تحرير الأحكام في تدابير أهل الإسلام) عشرة حقوق للراعي على الرعيَّة، وعشرة حقوق للرعيَّة على الراعي.
3 – (منها): “من ولاَّه الله تعالى أمرًا من أمور المسلمين، فقد أصبح أجيرهم، والقائم بأمورهم، والمتولِّي على شؤونهم، ومثل هذا يجب عليه مقابلتهم، وسماع شكاويهم وحاجاتهم؛ ليقضي ما يتعيَّن عليه قضاؤه، ويوجِّههم إلى ما يحتاجون إليه من التوجيه.
4 – (منها): أمّا من يقفل دونهم بابه، أو يجعل له حُجّابًا قساةً جفاةً، يمنعون أصحاب الحاجات من الوصول إليه، فهذا حرامٌ لا يجوز، فإنِ احتجب عنهم، فإنّ الله تعالى يحتجب عن حاجته يوم القيامة، جزاءً وفاقًا؛ فالجزاء من جنس العمل، وكما تدين تُدان.
قال الشيخ ابن عثيمين: “أنه لا يجوز للإنسان الذي ولاّه الله تعالى على أمر من أمور المسلمين أن يكون عنيفًا عليهم؛ بل يكون رفيقًا بهم”. [شرح رياض الصالحين (3/ 638 – 639)].
5 – (منها): قال في شرح الإقناع: ولا يتخذ القاضيَ في مجلس الحكم حاجبًا، ولا بوّابًا إلاَّ لعذرٍ؛ لأنَّ الحاجب ربَّما قدَّم المؤخَّر، وأخَّر المتقدِّم؛ لغرض له، وليس له أنْ يحتجب إلاَّ في أوقات الاستراحة؛ لأنَّها ليست وقتًا للحكومة، ويكون له من يرتَّب النّاس إذا كثروا، فيكتب الأوَّل فالأوَّل.
6 – (منها): فليحذر القاضي -وكل قائمٍ على عملٍ يتصل بجمهور النّاس- من قرناء السوء، ومروِّجي الدعاوى باسمه، وبواسطة القرب منه؛ فإنّهم يموِّهون على النّاسِ أنّ لهم تأثيرًا على القضاة، وأصحاب الأعمال يدركون بها مطلوبهم، ليحذروهم، ولا يكن حوله إلاَّ من يتَّقي الله تعالى ويراقبه، من الأمناء أصحاب النفوس العفيفة، والضمائر الطيبة، والله ولي التوفيق”. انتهى. [توضيح الأحكام من بلوغ المرام (7/ 187)].
7 – (منها): “وجوب الرفق بمن ولاه الله عليهم بحيث يرفق بهم في قضاء حوائجهم وغير ذلك، مع كونه يستعمل الحزم والقوة والنشاط، يعني لا يكون لينًا مع ضعف، ولكن لينًا بحزم وقوة ونشاط.
8 – (منها): التحذير من اتخاذ الإنسان الذي يوليه الله تعالى أمرًا من أمور المسلمين حاجبًا يحول دون خلتهم وفقرهم وحاجتهم، وأن من فعل ذلك فإن الله سبحانه وتعالى يحول بينه وبين حاجته وخلته وفقره.
لما حُدث معاوية رضي الله عنه بهذا الحديث؛ اتخذ رجلًا لحوائج الناس يستقبل الناس وينظر ما حوائجهم، ثم يرفعها إلى معاوية رضي الله عنه بعد أن كان أميرًا للمؤمنين.
وهكذا أيضًا، له نوع من الولاية وحاجة الناس إليه؛ فإنه لا ينبغي أن يحتجب دون حوائجهم، ولكن له أن يرتب أموره بحيث يجعل لهؤلاء وقتًا ولهؤلاء وقتًا، حتى لا تنفرط عليه الأمور، الله الموفق”. [شرح رياض الصالحين للشيخ ابن عثيمين (3/ 638 – 639)].
وقال في شرح البلوغ:
9 – (منها): أن الإنسان مدبر لا يستقل بأمره، لقوله: «من ولاه الله»، ففيه رد على القدرية الذين يقولون: إن الإنسان مستقل بعمله ولا علاقة لله به، ولا يعلم الله من عمل العبد إلا ما أظهره فقط، أما ما لم يظهر فلا شأن لله فيه، ولكن هذا الحديث يرد عليهم.
10 – (منها): التخصيص بعد التعميم، ولكن هذا لا يكون إلا لسبب، هنا التخصيص بعد التعميم في قوله: «عن حاجتهم عموما، وفقيرهم خصوصا»، وإنما نص عليه؛ لأن من الولاة من لا يحتجب عن الأغنياء ويحتجب عن الفقراء.
المهم: أن لدينا قاعدة: لا يمكن أن ينص على خاص بعد عام إلا وهناك مزيد عناية لسبب، وهل يدخل في هذا القاضي؟
نعم يدخل، لا يجوز أن يحتجب عن حاجات المسلمين، لكن -كما قلت- يرتب أحوالهم، وهذا هو المعمول به الآن» جلسة القاضي من كذا إلى كذا معلومة، وكذلك غيره من الولاة كانوا قديما قبل أن تتطور الأمور ويكثر الناس وتكثر الحكومات، كان القاضي يقضي في أي وقت، حتى إنه يمشي في السوق بين الناس، ويجلس على دكان صاحبه ويقضي بين الناس على عتبة الدكان.
وجاء رجلان يختصمان إلى أحد القضاة وهو قد نام القيلولة فجعلوا يضربون الباب لكن الظاهر: أنهم من جنس الأعراب الذين ينادون من وراء الحجرات، فقرعوا الباب عليه حتى خرج عليهم، فقال: كيف تأتون في هذا الوقت؟ قالوا: نعم؛ أنت تأخذ كذا وكذا من صاع البر! وكان مكافأة القضاة قديما أصواع قليلة من البر والتمر، فجعلوا يختصمون، كل واحد له حجة، قال لهم: يا جماعة، أكثرتم علي، أعطوني زبدة -وهي خلاصة الكلام- لكن الزبدة من اللبن خلاصة اللبن، ولا يمكن أن تأتي إلا بعد أن يخض في السقاء، فقالوا له: ما فيه زبدة إلا بخض؛ يعني: سوف نكثر القيل والقال والخصومة، فاستسلم لأمر الله.
فالحاصل: أنه إذا لم يكن هناك وقت مرتب للقاضي فإنه لا يحتجب عن الناس إلا في أمور ضرورية أو لمصلحة القضاء”. انتهى من فتح ذي الجلال.
9 – (منها): “حرص الإسلام على قضاء حاجات الناس ولاسيما الفقراء والمساكين.
10 – (منها): رعاية الإسلام لحقوق الضعفاء”.
عاشرًا: ومن أنفع الكتب التي تراجع في هذا الباب:
((1)) – كتاب (معاملة الحكام) للشيخ عبدالسلام برجس رحمه الله، كتاب قيِّم جدا.
((2)) – وكتاب (تنبيه الأنام بأصول مسائل تعامل الرعيَّة مع الحكام) للشيخ أحمد بن قذلان المزروعي.