(1247) فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي،
وبالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة،
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند [2/ رقم (1247)]:
مسند أبي ليلى رضي الله عنه
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (4) ص (348)): حَدَّثَنا زَكَرِيّا بْنُ عَدِيٍّ، حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدِ بْنِ أبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى، عَنْ أبِيهِ، قالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فَتْحَ خَيْبَرَ، فَلَمّا انْهَزَمُوا وقَعْنا فِي رِحالِهِمْ، فَأخَذَ النّاسُ ما وجَدُوا مِن خُرْثِيٍّ ((1))، فَلَمْ يَكُنْ أسْرَعَ مِن أنْ فارَتْ القُدُورُ، قالَ: فَأمَرَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِالقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، وقَسَمَ بَيْنَنا، فَجَعَلَ لِكُلِّ عَشَرَةٍ شاةً.
هذا حديث صحيحٌ.
الحديث أخرجه أبو يَعْلى رحمه الله (ج (2) ص (231)) فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن نُمَيْرٍ، حدثنا يحيى بن يَعْلى، حدثني أبي، عن غَيْلانَ بن جامِعٍ، عن قيس بن مسلم، به.
((1)) في «النهاية»: الخُرْثِي: أثاث البيت ومتاعه.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الأول:
أورد الحديث الإمام أحمد في مسنده، مُسْنَدِ الكُوفِيِّينَ، حَدِيثُ أبِي لَيْلى أبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى، ((19058)).
والوادعي رحمه الله جعله في جامعه:
(13) – كتاب الجهاد والغزوات، (73) – لا تنتهب الغنيمة، ((2038)).
و (17) – كتاب الأطعمة، (10) – يكفأ الطعام الحرام، ((2665)).
وفي غاية المقصد في زوائد المسند لنور الدين الهيثمي (ت (807))، كتاب الجهاد، باب النهى عن النهبة، ((2626)).
وقال شعَيب الأرنؤوط وأخر ط: الرسالة:
“حديث صحيح، وهذا إسناد اختلف فيه على عُبيد الله بن عمرو: وهو الرقي، فرواه زكريا بن عدي- كما في هذه الرواية- عنه، عن زيد بن أبي أنيسة، عن قيس بن مسلم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، به.
وخالفه عبد الله ابن جعفر الرقي، فرواه- كما عند الدارمي ((2469)) – عنه، عن زيد، عن الحكم بن عُتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، به. فجعل الحكم مكان قيس ابن مسلم. وغمز من رواية زكريا، فقال: بلغني أن صاحبكم يقول عن قيس ابن مسلم. وفسر ذلك الدارمي بقوله: كأنه يقول: إنه لم يحفظه.
وقد أورد الدارمي الطريقين، وقال: الصواب عندي ما قال زكريا في الإسناد. قلنا: كان عند زكريا كتاب عبيد الله بن عمرو، وقد أملاه على أحمد بن حنبل ويحيى بن معين من حفظه.
ثم إن زيدًا في روايته عن قيس قد توبع كما سيأتي في التخريج.
وزيد بن أبي أنيسة، وثقه الأئمة، ولم يتكلم فيه سوى أحمد، فقال: حديثه حسن مقارب. وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير صحابيه فلم يخرج له سوى أصحاب السنن.
وأخرجه الدارمي ((2470))، والحاكم (2) / (134) من طريق زكريا بن عدي، بهذا الإسناد، وفي مطبوع الدارمي زيادة: عن أبيه بين زيد وبين قيس، وهي زيادة مقحمة على الإسناد لا تصح.
وأخرجه مختصرًا أبو يعلى ((930))، والطبراني في «الكبير» ((6426))، وفي «الأوسط» ((6572)) من طريق يحيى بن يعلى، عن يعلى بن الحارث، عن غيلان بن جامع، عن قيس بن مسلم، به.
وأورده الهيثمي في «المجمع» (5) / (337)، وقال: رواه أحمد، والطبراني في «الكبير» و «الأوسط» باختصار النهبة وإكفاء القدور، وكذلك أبو يعلى، ورجال أحمد رجال الصحيح.
وأورده أيضًا (5) / (341)، وقال: رواه أبو يعلى، والطبراني في الأوسط، وأحمد أتم من هذا، وتقدم حديث أحمد في باب النهي عن النهبة، ورجال أحمد رجال الصحيح.
وفي الباب في النهي عن لحوم الحمر الأهلية وإكفاء القدور عن ابن عمر، سلف ((4720))، وذكرنا هناك بقية أحاديث الباب، وانظر حديث سلمة بن المُحَبق ((15907)).
قال السندي: قوله: من خُرْثي: بضم خاء معجمة، وسكون راءٍ، وكسر مثلة وتشديد ياء: أثاث البيتِ ومتاعه.
فلم يكن أسرع: بالنصب، أي: فلم يكن شيء أسرع.
شاة: بالنصب، أعطى لكل عشرة رجال شاة، لأكلِهِمْ كلهم، والله تعالى أعلم”.
والحديث ذكره البيهقي لكن ذكر قبله قصة:
(18730) من طريق؛ غَيلانُ بنُ جامِعٍ، عن قَيسِ بنِ مُسلِمٍ، عن
طارِقِ بنِ شِهابٍ قال: خَرَجَ قَومٌ مِنَ الأنصارِ مِنَ الكوفَةِ إلى المَدينَةِ، فأتَوا
على حىٍّ مِن بَنى أسَدٍ وقَد أرمَلوا ((1)) فسألوهُمُ البَيعَ، وقَد راح عَلَيهِم مالٌ لَهُم
حَسَنٌ قالوا: ما عِندَنا بَيعٌ. فسألوهُمُ القِرى، قالوا: ما نُطيقُ قِراكُم. فلَم يَزَلْ
بَينَهُم وبَينَ الأعرابِ حَتّى اقتَتَلوا، فتَرَكَت لَهُمُ الأعرابُ البُيوتَ وما فيها
فأخَذوا لِكُلِّ عَشرَةٍ مِنهُم شاةً. قال: فأتَوا عُمَرَ فذَكَروا ذَلِكَ له فقامَ
فحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عَلَيه وقالَ: لَو كُنتُ تَقَدَّمتُ فى هذا لَفَعَلتُ وفَعَلتُ كَذا
وكَذا. ثُمَّ كَتَبَ إلى أهلِ الأمصارِ وأهلِ الذِّمَّةِ بنُزُلِ لَيلَةٍ لِلضَّيفِ. قال
قَيسٌ: فأخبَرَنِى عبدُ الرَّحمَنِ بنُ أبى لَيلى أنّ أباه أخبَرَه أنّ رسولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم –
قَسَمَ غَنَمًا بَينَ أصحابِه فأعطى كُلَّ عَشَرَةٍ شاةً، وأنّها كانَت سُنَّةً …. ثم ذكر الحديث
والثاني: شرح وبيان الحديث
(عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي لَيْلى، عَنْ أبِيهِ، قالَ: شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فَتْحَ خَيْبَرَ، فَلَمّا انْهَزَمُوا وقَعْنا فِي رِحالِهِمْ، فَأخَذَ النّاسُ ما وجَدُوا مِن خُرْثِيٍّ)، “بضم الخاء المعجمة وسكون الراء وكسر المثلثة: قال: في القاموس الخرثي: بالضم أثاث البيت أو أردأ المتاع والغنائم اهـ.
والظاهر أنهم أخذوا مع ذلك شيئا من الغنم فطبخوه كما يدل على ذلك سياق الحديث، وهو قوله (فَأمَرَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – بِالقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ)، ويؤيده ما رواه الامام أحمد أيضا بسنده رجاله رجال الصحيح عن رجل من بني ليث قال أسرني أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكنت معهم، فأصابوا غنما فانتهبوها فطبخوها، قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول إن النهبى أو النهبة لا تصلح فأكفئوا القدور: وسيأتي في باب تحريم الغلول والنهبى
ومعنى “كفئ القدور”، كبها وافرغ ما فيها، قال القرطبي المأمور بأكفائه إنما هو المرق عقوبة الذين تعجلوا، وأما نفس اللحم فلم يتلف بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغانم لأجل النهي عن إضاعة المال اهـ.
“قَوْله: ( .. بِالقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ) بِضَمِّ الهَمْزَة وسُكُون الكاف أيْ: قُلِبَتْ وأُفْرِغَ ما فِيها،
وقَدْ اُخْتُلِفَ فِي هَذا المَكان فِي شَيْئَيْنِ:
أحَدهما: سَبَب الإراقَة،
والثّانِي: هَلْ أُتْلِفَ اللَّحْم أمْ لا؟ فَأمّا الأوَّل فَقالَ عِياض: كانُوا اِنْتَهَوْا إلى دار الإسْلام والمَحَلّ الَّذِي لا يَجُوز فِيهِ الأكْل مِن مال الغَنِيمَة المُشْتَرَكَة إلّا بَعْد القِسْمَة، وأنَّ مَحَلّ جَواز ذَلِكَ قَبْل القِسْمَة إنَّما هُوَ ما دامُوا فِي دار الحَرْب، قالَ: ويَحْتَمِل أنَّ سَبَب ذَلِكَ كَوْنهمْ اِنْتَهَبُوها، ولَمْ ياخُذُوها بِاعْتِدالٍ وعَلى قَدْر الحاجَة. قالَ: وقَدْ وقَعَ فِي حَدِيث آخَر ما يَدُلّ لِذَلِكَ، يُشِير إلى ما أخْرَجَهُ أبُو داوُدَ مِن طَرِيق عاصِم بْن كُلَيْب عَنْ أبِيهِ ولَهُ صُحْبَة عَنْ رَجُل مِن الأنْصار قالَ: «أصابَ النّاس مَجاعَة شَدِيدَة وجَهْد فَأصابُوا غَنَمًا فانْتَهَبُوها، فَإنَّ قُدُورنا لَتَغْلِي بِها إذْ جاءَ رَسُول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – عَلى فَرَسه، فَأكْفَأ قُدُورنا بِقَوْسِهِ، ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّل اللَّحْم بِالتُّرابِ، ثُمَّ قالَ: إنَّ النُّهْبَة لَيْسَتْ بِأحَلّ مِن المَيْتَة» انتهى”.
حكم عليه الألباني بالصحة (2705)
” (قلت -صاحب الفتح الرباني-) وعلى قول القرطبي يحمل قوله في هذا الحديث (وقسم بيننا الخ) أنه – صلى الله عليه وسلم – قسم بينهم اللحم المطبوخ بعد رده إلى المغانم: فكان لكل عشرة شاة والله أعلم،
قال البسام في توضيح الأحكام:
قال شيخ الإسلام: إنّ العقوبات المالية ثلاثة أقسام:
أولًا: الإتلاف: هو إتلاف محل المنكرات تبعًا لها؛ مثل: الأصنام بتكسيرها وإحراقها، وتحطيم آلات اللهو، وتمزيق أوعية الخمور،
وتحريق الحوانيت التي يباع فيها الخمر، وإتلاف كتب الزندقة والإلحاد، والأفلام الخليعة، والصور المجسمة، ونحو ذلك.
ثانيًا: التغيير: مثل تكسير العملة المزيفة، والستائر التي فيها التصاوير، وجعله وسادة ونحو ذلك.
ثالثًا: التمليك: مثل: سرقة التمر المعلَّق، والتصدق بالزعفران المغشوش، فمصادرة مثل هذه الأشياء والصدقة بها، أو بأثمانها.
* خلاف العلماء:
ذهب جمهور العلماء -ومنهم الأئمة الأربعة- إلى أنّ التعزير بأخذ المال لا يجوز.
وأجاب بعضهم عن القضايا التي وردت في العقوبة بأخذ المال-: بأنّها منسوخة؛ إذ كان مشروعًا في ابتداء الإسلام، ثم نسخ بعد ذلك، وعللوا عدم جواز التعزير بأخذ المال، بأنّ هذا النوع من العقوبة يكون ذريعة إلى أخذ ظلمة الحكام والولاة أموال الناس بغير حق.
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم إلى: جواز التعزير بأخذ المال، إذا رأى الولاة أنّ هذا يحقق المصلحة، ويردع الظلمة، ويكف الشر؛ لأنّ التعزير باب واسع، فأوله التوبيخ بالكلام، وأعلاه التعزير بالقتل، إذا لم ينكف الشر إلاَّ بالقتل، وأخذ المال نوع من أنواع التعزير الذي يحصل به ردع المعتدين.
وقد ردَّ الشيخان دعوى النسخ ونفياها نفيًا باتًّا، ودلَّلا على ذلك بما ورد من القضايا العديدة المؤيدة لوجود العقوبات المالية.
قال الشيخ: مدَّعو النسخ ليس معهم حجةٌ شرعيةٌ، لا من كتابٍ، ولا من سنةٍ، وهو جائز على أصل أحمد؛ لأنّه لم يختلف أصحابه أنّ العقوبات في المال غير منسوخة كلها
ومن أدلة التعزير بأخذ المال ما يأتي:
(1) – أباح النبي – صلى الله عليه وسلم – سلب الذي يصطاد في حرم المدينة لمن يجده، [رواه أحمد ((1381))].
(2) – أمر بكسر دِنان الخمر، وشق ظروفه، [رواه أحمد ((11744))]
(3) – أمر عبد الله بن عمرو بحرق الثوبين المعصفرين، [رواه أبو داود ((3546))].
(4) – أضعف الغرامة على من سرق من غير حرز، [رواه أبو داود ((3816))].
(5) – هدم مسجد الضرار.
(6) – حرَم القاتل من الميراث والوصية، [رواه الترمذي ((2035))]. انتهى من توضيح الأحكام
واعتبرها الطحاوي عقوبة فذكر حديث أبي ليلى وقال:
كانَ عُقُوبَةً لِلْمُنْتَهِبِينَ؛ لِأنَّ ذَلِكَ كانَ فِي وقْتٍ كانَتِ العُقُوباتُ عَلى الذُّنُوبِ تَكُونُ فِي أمْوالِ المُذْنِبِينَ كَما قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي مانِعِ الزَّكاةِ: «مَن أعْطاها مُؤْتَجِرًا كانَ لَهُ أجْرُها، ومَن لا؛ فَإنّا آخِذُوها وشَطْرَ مالِهِ عَزْمَةً مِن عَزَماتِ رَبِّنا – عز وجل – لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – مِنها شَيْءٌ»
(تخريجه) أورده الهيثمي وقال رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط باختصار النهبة وإكفاء القدور، وكذلك أبو يعلى: ورجال أحمد رجال الصحيح (قلت) ورواه أيضا الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وأقره الذهبي”. [الفتح الرباني].
والثالث: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): تعريف الغنيمة
1 – “الغنيمة والمغنم والغنيم والغنم بالضّمّ في اللّغة: الفيء، يقال: غنم الشّيء غنماً: فاز به، وغنم الغازي في الحرب: ظفر بمال عدوّه. والغنيمة في الاصطلاح: اسم للمأخوذ من أهل الحرب على سبيل القهر والغلبة، إمّا بحقيقة المنعة أو بدلالتها، وهي إذن الإمام، وهذا عند الحنفيّة. وعند الشّافعيّة: هي اسم للمأخوذ من أهل الحرب الموجف عليها بالخيل والرّكاب لمن حضر من غنيّ وفقير.
فالغنيمة لمن شهد الوقعة سواء قاتل أو لم يقاتل.
ولا يُسهم من الغنيمة إلا لمن توفرت فيه خمسة شروط:
الإسلام .. والبلوغ .. والعقل .. والحرية .. والذكورية.
فإن اختل شرط رُضِخ له ولم يُسْهم؛ لأنه ليس من أهل الجهاد.
سَاَلَ نَجْدَةُ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: هَلْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِالنّسَاءِ؟ وَهَلْ كَانَ يَضْرِبُ لَهُنّ بِسَهْمٍ؟ .. فَكَتَبَ إلَيْهِ ابْنُ عَبّاسٍ: كَتَبْتَ تَسْأَلُنِي هَلْ كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَغْزُو بِالنّسَاءِ؟ وَقَدْ كَانَ يَغْزُو بِهِنّ فَيُدَاوِينَ الجَرْحَى وَيُحْذَيْنَ مِنَ الغَنِيمَةِ، وَأَمّا بِسَهْمٍ، فَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنّ. أخرجه مسلم.
الألفاظ ذات الصّلة:
أ – الفيء.
2 – الفيء: هو المال الحاصل للمسلمين من أموال الكفّار بغير قتال ولا إيجاف خيل ولا ركاب. والفرق بين الغنيمة والفيء: أنّ الغنيمة ما أخذ من أهل الحرب عنوةً والحرب قائمة، والفيء ما أخذ من أهل الحرب بغير قتال ولا إيجاف خيل. وثمّة فرق آخر بين الغنيمة والفيء، هو أنّ الفيء لا يخمّس كما تخمّس الغنيمة.
ب – الجزية:
3 – الجزية: اسم لما يؤخذ من أهل الذّمّة، فهو عامّ يشمل كلّ جزية، سواء أكان موجبها القهر والغلبة وفتح الأرض عنوةً، أو عقد الذّمّة الّذي ينشأ بالتّراضي والغنيمة مخالفة للجزية ; لأنّ الجزية تؤخذ من غير قتال، والغنيمة لا تكون إلاّ في القتال.
ج – النّفل:
4 – النّفل بالتّحريك في اللّغة: الغنيمة، والجمع أنفال. ومن معانيه في الاصطلاح: ما خصّه الإمام لبعض الغزاة تحريضاً لهم على القتال، وسمّي نفلاً لكونه زيادةً على ما يسهم لهم من الغنيمة. والفرق بين الغنيمة والنّفل: أنّ النّفل ينفرد به بعض الغانمين من الغنيمة زيادةً على أسهمهم لعمل قاموا به نكايةً بالعدوّ، أمّا الغنيمة فللجميع.
فيكون التنفيل للمجاهدين بحسب المصلحة كما يلي:
1 – ما يعطيه الإمام لبعض الجيش كالربع بعد إخراج خمس الغنيمة في بداية الغزو.
وفي الرجعة من الغزو الثلث بعد الخمس؛ لأن هؤلاء رجع عنهم الجيش فزيدوا، بخلاف البداية فإن الجيش يعاضدهم.
عَنْ حَبيب بْنِ مَسْلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يُنَفِّلُ الرُّبْعَ بَعْدَ الخُمُسِ وَالثلُث بَعْدَ الخُمُسِ إِذا قَفَلَ. أخرجه أبو داود وابن ماجه.
2 – ما يعطيه الإمام من أظهر نكاية في العدو، أو حصل له بلاء في القتال من زيادة على سهمه بعد إخراج الخمس.
عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُالله بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ، فَغَنِمُوا إِبِلاً كَثِيرَةً، فَكَانَتْ سِهَامُهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيراً، أوْ أحَدَ عَشَرَ بَعِيراً، وَنُفِّلُوا بَعِيراً بَعِيراً. متفق عليه.
3 – الجُعْل كأن يقول الإمام: من قتل فلاناً فله سلبه ونحو ذلك.
عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَيْنٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَجَلَسَ عِنْدَ أصْحَابِهِ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ انْفَتَلَ، فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اطْلُبُوهُ وَاقْتُلُوهُ». فَقَتَلَهُ فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ. متفق عليه.
د – السّلب:
5 – السّلب: ما يأخذه المقاتل المسلم من قتيله الكافر في الحرب ممّا عليه من ثياب وآلات حرب، ومن مركوبه الّذي يقاتل عليه، وما عليه من سرج ولجام. والفرق بين السّلب والغنيمة: أنّ السّلب يكون زيادةً على سهم المقاتل ممّا مع القتيل.
(المسألة الثانية): الحكم التّكليفيّ للغنيمة:
6 – الغنيمة مشروعة أحلّها اللّه تعالى لهذه الأمّة، وحلّها مختصّ بها، قال صلى الله عليه وسلم: {أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي. . .} وذكر فيها: {وأحلّت لي الغنائم} وكانت الغنيمة في أوّل الإسلام لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم خاصّةً يصنع فيها ما يشاء، ثمّ نسخ ذلك بقول اللّه تعالى: {واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأنّ للّه خمسه وللرّسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل} فجعل خمسها مقسوماً على هذه الأسهم الخمسة، وجعل أربعة أخماسها للغانمين ; لأنّ اللّه تعالى أضاف الغنيمة إلى الغانمين في قوله: {غنمتم} وجعل الخمس لغيرهم، فدلّ ذلك على أنّ سائرها لهم.
(المسألة الثالثة): ما يعتبر من أموال الغنيمة وما لا يعتبر
أ – الأموال المنقولة:
7 – يعدّ من الغنيمة ما أخذ من الحربيّ من أموال منقولة قهراً بقتال ; لأنّه مال أخذ في دار الحرب بقوّة الجيش، فكلّ مال يصل إلى يد جيش المسلمين في دار الحرب باعتبار قوّتهم فهو غنيمة، لا ما أخذ من أموال أهل الذّمّة من جزية وخراج ونحوه، ولا ما جلوا عنه وتركوه فزعاً، ولا ما أخذ منهم من العشر إذا اتّجروا إلينا ونحوه.
ب – الأرض: وهي على ثلاثة أضرب:
أوّلاً – ما فتح عنوةً:
8 – اختلف الفقهاء في قسم الأرض الّتي فتحت عنوةً، أو عدم قسمها: فذهب أبو حنيفة إلى أنّ الإمام مخيّر بين أن يقسمها على المسلمين المقاتلين، أو يضرب على أهلها الخراج ويقرّها بأيديهم. وذهب مالك إلى أنّها لا تقسم، وتكون وقفاً على المسلمين. وذهب الشّافعيّ إلى قسمها بين المقاتلين كما يقسم المنقول. وروي عن أحمد ما يوافق رأي كلّ من أبي حنيفة ومالك.
ثانياً – ما جلا أهلها عنها خوفاً:
9 – وهذه تصير وقفاً بنفس الظّهور عليها ; لأنّها ليست غنيمةً، فيكون حكمها حكم الفيء.
ثالثاً – ما صولحوا عليه من الأرض:
10 – وهو ضربان: أحدهما: أن يصالحهم الإمام أو نائبه على أنّ الأرض لنا ونقرّها معهم بالخراج، فهذه الأرض تصير وقفاً بنفس ملكنا لها كالّتي قبلها.
والضّرب الثّاني: أن يصالحوا على أنّ الأرض لهم ويضرب عليها خراج يؤدّونه عنها، وهذا الخراج في حكم الجزية، متى أسلموا سقط عنهم.
الراجح: حكم الأرض المغنومة:
إذا كانت الغنيمة أرضاً فتحها المسلمون عنوة، فيخير الإمام فيها بين أمرين:
الأول: قَسْمُها بين الغانمين.
عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبي حَثمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ نِصْفاً لِنَوَائِبهِ وَحَاجَتِهِ وَنِصْفاً بَيْنَ المُسْلِمِينَ قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ عَلَى ثمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْماً. أخرجه أبو داود.
الثاني: أن يقفها على المسلمين، فيقرها بحالها، ويضرب عليها خراجاً مستمراً يدوم نفعه للمسلمين، يؤخذ ممن هي بيده، يكون أجرة لها كل عام، كما فعل عمر رضي الله عنه بما فتحه من أرض الشام ومصر والعراق.
عَنْ أسْلَم أنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عَنهُ يَقُولُ: أمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلا أنْ أتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ بَبَّاناً لَيْسَ لَهُمْ شَيْءٌ، مَا فُتِحَتْ عَلَيَّ قَرْيَةٌ إِلا قَسَمْتُهَا، كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي أتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا. أخرجه البخاري.
ج – المال المأخوذ باتّفاق:
11 – ما يؤخذ من فدية الأسارى غنيمة، لأنّه صلى الله عليه وسلم قسّم فداء أسارى بدر بين الغانمين ; ولأنّه مال حصل بقوّة الجيش أشبه بالسّلاح. وما أهداه الكفّار لبعض الغانمين في دار الحرب فهو غنيمة للجيش ; لأنّ ذلك فعل خوفاً من الجيش، فيكون غنيمةً، كما لو أخذه بغيرها، فلو كانت الهديّة بدارنا فهي لمن أهديت إليه.
د – (السّلب):
12 – السّلب من الغنيمة، ولا اختلاف على تخميس الغنيمة. لكن اختلف في سلب القاتل. وأكثر أهل العلم على أنّه لا يخمّس، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم: {من قتل قتيلاً له عليه بيّنة فله سلبه} وهذا يقتضي أنّه له كلّه، ولو خمّس لم يكن جميعه له، ولقول عمر رضي الله عنه: كنّا لا نخمّس السّلب.
الراجح:
ويستحق القاتل سَلَب المقتول الكافر بدون تخميس إذا قتله وحده بمبارزة أو طلب ونحوهما.
1 – عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلاً مِنَ العَدُوّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، وَكَانَ وَالِياً عَلَيْهِمْ. فَأَتَى رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ، فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ لِخَالِدٍ: «مَا مَنَعَكَ أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ؟» قَالَ: اسْتَكْثَرْتُهُ، يَا رَسُولَ الله! قَالَ: «ادْفَعْهُ إلَيْهِ» فَمَرّ خَالِدٌ بِعَوْفٍ فَجَرّ بِرِدَائِهِ. ثُمّ قَالَ: هَلْ أَنْجَزْتُ لَكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم فَاسْتُغْضِبَ. فَقَالَ: «لاَ تُعْطِهِ يَا خَالِدُ لاَ تُعْطِهِ يَا خَالِدُ، هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُونَ لِي أُمَرَائِي؟ إنّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتُرْعِيَ إِبِلاً أَوْ غَنَماً فَرَعَاهَا، ثُمّ تَحَيّنَ سَقْيَهَا، فَأَوْرَدَهَا حَوْضاً، فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَهُ وَتَرَكَتْ كَدِرَهُ، فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدِرُهُ عَلَيْهِمْ». أخرجه مسلم.
2 – وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ وَخَالِدِ بْنِ الوَلِيدِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَضَى بالسَّلَب لِلْقَاتِلِ وَلَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ. أخرجه أبو داود.
هـ – (النّفل):
13 – سبق تعريف النّفل. واختلف الفقهاء فيما يكون منه النّفل إذا كان من الغنيمة، فقيل: إنّه يكون من أصل الغنيمة، أو من أربعة أخماسها أو خمسها أو خمس خمسها.
و – (أموال البغاة)
14 – اتّفق الفقهاء على أنّ أموال البغاة لا تغنم ولا تقسم ولا يجوز إتلافها. وإنّما تردّ إليهم بعد أن يتوبوا.
ز – أموال المسلمين إذا استردّوها من الحربيّين:
15 – إذا استولى الحربيّون على أموال للمسلمين وحازوها في بلادهم ثمّ استردّها المسلمون. فهل تعتبر هذه الأموال غنيمةً أم لا؟ وإذا وجد منها شيء بعينه عرف صاحبه، فهل يأخذه قبل القسمة وبعدها عيناً بدون بدل؟ أم يدفع قيمته؟ ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ هذه الأموال تعتبر غنيمةً. واتّفق الفقهاء على أنّه إذا وجد منها شيء بعينه عرف صاحبه فيأخذه عيناً بدون بدل إذا كان ذلك قبل قسمة الغنيمة. أمّا بعد القسمة فيأخذه مالكه بالقيمة ممّن وقع في سهمه أو بثمنه الّذي بيع به، وهذا ما ذهب إليه الحنفيّة، وهو رواية عن أحمد. أمّا المالكيّة فقد ذهبوا إلى أنّ المال الّذي يعرف صاحبه المسلم أو الذّمّيّ لا يقسم أصلاً، فإذا قسم لم تنفذ القسمة، ولربّه أخذه بدون ثمن. والرّواية الثّانية عن أحمد: أنّه إذا قسّمت الغنيمة فلا حقّ للمسلم في ماله الّذي وجد في الغنيمة بحال. وذهب الشّافعيّة إلى أنّ هذا المال يجب ردّه إلى صاحبه المسلم قبل القسمة، فإن لم يعلم به حتّى قسم دفع إلى من وقع في سهمه العوض من خمس الخمس، وردّ المال إلى صاحبه ; لأنّه يشقّ نقض القسمة.
وإذا أسلم الحربي وبيده مال مسلم رده إلى صاحبه.
وإذا أسلم الحربي وهاجر إلى دار الإسلام، واستولى المسلمون على زوجته وذريته وأمواله، فليس للمسلمين قسمة ذلك مع الغنائم؛ لأن للمسلم حرمة نفسه وماله وأهله.
(المسألة الرابعة): المحافظة على الغنيمة
16 – يجب على أمير الجيش المحافظة على الغنيمة، فإن احتاج إلى من يقوم بحفظها بأجر كان له ذلك، فإن استعمل لذلك من له سهم من المجاهدين أبيح له أخذ الأجرة على ذلك ” ولم يسقط من سهمه شيء ; لأنّ ذلك من مؤنة الغنيمة، فهو كعلف الدّوابّ وإطعام السّبي، يجوز للإمام بذله. ويباح للأجير أخذ الأجرة عليه.
(المسألة الخامسة): مكان قسمة الغنيمة
17 – ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الغنيمة تقسم في دار الحرب ; تعجيلاً لمسرّة الغانمين، وذهابهم لأوطانهم، ونكايةً للعدوّ. وقيّد المالكيّة هذا بما إذا أمنوا كثرة العدوّ وكان الغانمون جيشاً ” وأمّا إن كانوا سريّةً من الجيش. فلا يقتسمون حتّى يعودوا إلى الجيش. ويكره تأخير التّقسيم لبلد الإسلام بلا عذر عند الشّافعيّة، فإنّه صلى الله عليه وسلم لم يرجع من غزوة فيها مغنم إلاّ خمّسه وقسمه قبل أن يرجع، فقد قسّم غنائم خيبر بخيبر، وغنائم أوطاس بأوطاس، وغنائم بني المصطلق في ديارهم. ” والتّقسيم راجع عندهم إلى نظر الإمام واجتهاده، فإذا رأى أنّ المسلمين آمنون من كرّ العدوّ عليهم فلا يؤخّر القسمة عن الموضع الّذي غنم فيه ” وإن كانت بلاد الحرب أو كان يخاف كرّة العدوّ عليهم أو كان منزله غير رافق بالمسلمين. تحوّل عنه إلى أرفق بهم منه وآمن لهم من عدوّهم، ثمّ قسمه وإن كانت بلاد شرك. وانفرد الحنفيّة برأي في قسمة الغنائم، فجعلوا هذه القسمة ضربين: قسمة الحمل: وتكون في حالة ما إذا عزّت الدّوابّ ولم يجد الإمام حمولةً، فإنّه يفرّق الغنائم على الغزاة، فيحمل كلّ رجل على قدر نصيبه إلى دار الإسلام، ثمّ يستردّها منهم فيقسمها. قسمة الملك: وهي لا تجوز في دار الحرب. وهذا الاختلاف مبنيّ على أصل. وهو أنّ الملك هل يثبت في الغنائم في دار الحرب للغزاة؟ فعند الحنفيّة لا يثبت الملك أصلاً فيها. لا من كلّ وجه ولا من وجه، ولكن ينعقد سبب الملك فيها على أن تصير علّةً عند الإحراز بدار الإسلام، وهو تفسير حقّ الملك أو حقّ التّملّك عند الحنفيّة. كما أنّ الرّسول صلى الله عليه وسلم قد نهى عن بيع الغنائم في دار الحرب، والقسمة بيع معنًى، فتدخل تحته وعند غير الحنفيّة: الغنيمة تملك بالاستيلاء عليها في دار الحرب، لأنّها مال مباح، فملكت بالاستيلاء عليها كسائر المباحات ومجرّد الاستيلاء وإزالة أيدي الكفّار عنها كاف.
والدّليل على تحقّق الاستيلاء أنّ الاستيلاء عبارة عن إثبات اليد على المحلّ، وقد وجد ذلك حقيقةً
(المسألة الثانية): الأخذ من الغنيمة والانتفاع بها قبل القسمة وبعدها
18 – ذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة إلى أنّه يجوز لشخص من المجاهدين الّذين يسهم لهم من الغنيمة أن يأخذ منها إن كان محتاجاً وإن لم يبلغ الضّرورة المبيحة للميتة. وقيّد الحنابلة ذلك بما إذا كان قبل جمع الغنيمة، أمّا إذا جمعت الغنائم. فلا يجوز لأحد الأخذ من الطّعام أو العلف إلاّ للضّرورة. فإن كان لا يسهم له، ففي جواز أخذه وعدمه قولان عند المالكيّة. ويجوز للمجاهد الّذي يسهم له أن يأخذ نعلاً وحزاماً وإبرةً وطعاماً وعلفاً لدابّته، فإن أخذ نعماً، أي إبلاً وبقراً وغنماً. ذكّاه وأكل لحمه وردّ جلده للغنيمة إن لم يحتج له. ويجوز أن يأخذ كلّ ما كان مأكولاً، مثل السّمن والزّيت والخلّ لتناوله والانتفاع به لنفسه ودابّته ; لأنّ الحاجة إلى الانتفاع بهذه الأشياء قبل الإحراز بدار الإسلام قائمة. ويردّ الآخذ للغنيمة ما فضل عن حاجته من جميع ما أخذه وإن كثر. أي زادت قيمته عن درهم، ومفهومه أنّ اليسير وهو ما يساوي درهماً لا يجب ردّه إليها، وإن تعذّر ردّ ما وجب ردّه. تصدّق به كلّه بلا تخميس. وفي المقابل إذا أعطى صاحب المقاسم قوماً بعض حصصهم من الغنيمة على الحزر والظّنّ، ثمّ تبيّن من القسمة أنّ حصّتهم كانت أكثر ممّا أخذوا، فإنّ الباقي يردّ إليهم، أو يكون بمنزلة اللّقطة إن كانوا قد ذهبوا. ولو أخذ جنديّ شيئاً من طعام الغنيمة فأهداه إلى تاجر في العسكر لا يريد القتال، لم يستحبّ للتّاجر أن يأكل ذلك لأنّ التّناول منه مباح للجنديّ. وذلك لا يتعدّى إلى الإهداء وما سوى المأكول والمشروب والعلف والحطب لا ينبغي أن ينتفعوا به ; لأنّ حقّ الغانمين متعلّق به، وفي الانتفاع به إبطال حقّهم، إلاّ إذا احتاج إلى استعمال شيء من السّلاح أو الدّوابّ أو الثّياب.
فلا بأس باستعماله، ثمّ يردّه إلى الغنيمة ; لأنّ هذا موضع الضّرورة أيضاً، لكنّ الثّابت بالضّرورة لا يتعدّى محلّ الضّرورة. حتّى أنّه لو أراد أن يستعمل شيئاً من ذلك وقايةً لسلاحه ودوابّه وثيابه وصيانةً لها، فلا ينبغي له ذلك ; لانعدام تحقّق الضّرورة. ولا ينتفع بالغنيمة إلاّ الغانمون أنفسهم، فلا يجوز للتّجّار أن يأكلوا شيئاً من الغنيمة إلاّ بثمن. وقد قيّد جواز الانتفاع بالغنيمة بما إذا لم ينههم الإمام عن الانتفاع بالمأكول أو المشروب، أمّا إذا نهاهم عنه فلا يباح لهم الانتفاع به، فعن رافع رضي الله عنه قال: {كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة. فأصاب النّاس جوع. وأصبنا إبلاً وغنماً. وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أخريات النّاس، فعجّلوا فنصبوا القدور. فأمر بالقدور فأكفئت ثمّ قسم}. وأمره صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور مشعر بكراهة ما صنعوا من الذّبح بغير إذن. وأمّا إذا نهاهم الإمام ثمّ اضطرّوا إليه جاز لهم أكله ; لأنّ الإمام إذ ذاك عاص فلا يلتفت إليه. وإذا قسمت الغنيمة أو بيعت. فليس لأحد أن يأخذ من الطّعام أو العلف شيئاً بدون إذن من وقع في سهمه. وإن فعل ذلك كان ضامناً له بمنزلة سائر أملاكه. [الموسوعة الفقهية الكويتية].
وفي الباب:
1 – عَنْ عَبْدالله بْنِ مُغَفّلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: أَصَبْتُ جِرَاباً مِنْ شَحْمٍ، يَوْمَ خَيْبَرَ، قَالَ: فَالتَزَمْتُهُ، فَقُلْتُ: لاَ أُعْطِي اليَوْمَ أَحَداً مِنْ هَذَا شَيْئاً، قَالَ: فَالتَفَتُّ فَإذَا رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتَبَسِّماً. متفق عليه.
2 – وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ: كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا العَسَلَ وَالعِنَبَ، فَنَاكُلُهُ وَلا نَرْفَعُهُ. أخرجه البخاري.
وتوسعنا في هذه المسألة في شرحنا لحديث رقم (1482) من الصحيح المسند أخرج أبوداود من عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد واصابوا غنما فانتهبوها فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال: إن النهبة ليست بأحل من الميتة أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة
وهو في الصحيحة (1673)
ووضع التراب على اللحم ليس افسادا تاما فيمكن غسل اللحم.
المسألة الثالثة: ملحقات:
قال ابن عثيمين في (الشرح الممتع على زاد المستقنع) باب قسمة الغنائم
قوله: «وهي لمن شهد الوقعة من أهل القتال» وهم الرجال الذين يقاتلون … واستدل المؤلف في الشرح بقول عمر ـ رضي الله عنه ـ: «الغنيمة لمن شهد الوقعة» أخرجه عبد الرزاق (9689)؛ وابن أبي شيبة (12/ 411)؛ وسعيد بن منصور (2791)؛ والطحاوي في «الشرح» (3/ 245)؛ والبيهقي (9/ 50)، وصحح إسناده، وأخرجه البيهقي (9/ 50، 51) عن أبي بكر وعلي ـ رضي الله عنهما ـ.
وأما من لم يشهدها فإنه لا حظَّ له فيها.
قوله: «فيخرج الخُمس» الضمير يعود على الإمام أو نائبه، أي: يخرج الإمام الذي هو الرئيس الأعلى في الدولة أو من ينوب عنه كقائد الجيش ـ مثلاً ـ الخمس، أي: خمس الغنيمة؛ لقول الله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]، فيخرج الخمس ويصرف على ما ذكر الله في القرآن: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، فهؤلاء خمسة، إذاً الخمس يقسم خمسة أسهم فيكون: (لله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم) من أصل الغنيمة جزء من خمسة وعشرين جزءاً.
وأين يصرف هذا؟
الجواب: خمس الخمس يكون فيئاً في مصالح المسلمين، هذا هو الصحيح.
وقيل: ما لله فهو فيء، وما للرسول صلّى الله عليه وسلّم فللإمام؛ لأن الإمام نائب مناب الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الأمة، ولكن الصحيح أن ما لله وللرسول صلّى الله عليه وسلّم يكون فيئاً يدخل في بيت المال ويصرف في مصالح المسلمين.
{وَلِذِي الْقُرْبَى}، وهم قربى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهم بنو هاشم، وبنو المطلب، هؤلاء هم أصحاب خمس الخمس.
وكيف يقسم بينهم؟
قيل: يقسم بينهم بحسب الحاجة، وقيل: بل للذكر مثل حظ الأنثيين، وقيل: بل الذكر والأنثى سواء.
أما من قال: بحسب الحاجة، قال: لأننا نعلم أن من مقاصد الشرع دفع الحاجات، لكن خص ذوي القربى؛ لأنهم أحق الناس بمثل هذه الغنيمة.
وأما من قال: هم سواء، فقال: لأنهم يستحقونه بوصفٍ وهو القرابة، وهذا يستوي فيه الذكور والإناث، كما لو وقف على قريبه فإنه يستوي الذكر والأنثى.
وأما من قال: إنه يفضل الذكر على الأنثى، فقال: لأن الإرث في القرابة يكون هكذا للذكر مثل حظ الأنثيين.
والأقرب الأول وهو أننا نراعي الحاجة، فإن كانوا كلهم سواء في الغنى أو في الحاجة أعطيناهم بالتساوي.
{وَالْيَتَامَى} جمع يتيم، وهو من مات أبوه قبل أن يبلغ، وسواء كان ذكراً أو أنثى، وهل يختص بالفقراء منهم أو لا يختص؟.
الصحيح أنه لا يختص؛ لأننا لو جعلناه خاصاً بالفقراء لم يكن لعطف المساكين عليهم فائدة.
فالصواب أن اليتيم يستحق خمس الخمس من الغنيمة ولو كان غنيّاً؛ جبراً للنقص الذي حصل له بفقد أبيه، ولا سيما إذا كان اليتيم مترعرعاً في الشباب، أي يعرف قدر وجود أبيه، ويعرف ما يفوته بفقد أبيه، لكن لا شك أن من كان أحوج فهو أحق.
{وَالْمَسَاكِينِ} هم الفقراء، وهنا يدخل الفقراء في اسم المساكين.
{وَابْنَ السَّبِيلِ} هم المسافرون الذين انقطع به السفر، فيعطون ما يوصلهم إلى سفرهم، يعطون تذكرة أو متاعاً أو ما أشبه ذلك مما يحتاجون إليه.
وهل الفيء كالزكاة، بمعنى أنه يجوز الاقتصار على واحد من هؤلاء، أو يجب التعميم؟
المشهور من المذهب أنه يجب التعميم، أي: أننا نعمم
بحسب القدرة والطاقة، فمثلاً اليتامى في البلد لا نقول: إنه يجزئ أن نعطي ثلاثة منهم، أي: أقل الجمع، بل نبحث عن كل يتيم في البلد ونعطيه من هذا الذي هو خمس الخمس، أما مستحق الزكاة فقد سبق أنه يجوز الاقتصار على واحد.
فإن قال قائل: ما الفرق؟ قلنا: الفرق أنه ثبت في السنّة جواز الاقتصار على واحد كما في حديث معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ: «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم»، ولم يذكر بقية الأصناف مع أن هذا بعد نزول الآية، وأما هنا فقال الله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41]، فكل من قام به هذا الوصف استحق.
ثُمَّ يَقْسِمُ بَاقِي الغَنِيْمَة لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، وَلِلفَارِسِ ثَلاَثَةُ أسْهُمٍ، سَهْمٌ لَهُ وَسهْمَانِ لِفَرَسِهِ. .
قوله: «ثم يقسم باقي الغنيمة للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه» الباقي أربعة أخماس، للراجل سهم، وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم فعل ذلك في خيبر، جعل للراجل ـ الذي على رِجْله ـ سهماً واحداً، وللفارس ثلاثة أسهم (2)، أخرجه البخاري في المغازي/ باب غزوة خيبر (4228)؛ ومسلم في الجهاد/ باب كيفية قسمة الغنيمة بين الحاضرين (1762)، عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما لماذا فرَّق بينهما؟.
الجواب: لأن غَناء الفارس ونفعه أكثر من غناء الراجل.
انتهى