124 جامع الأجوبة الفقهية ص162
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري وعامر الراشدي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
——-
36 – عن لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما أخرجه الأربعة وصححه ابن خزيمة و لأبي داود في رواية: إذا توضات فمضمض.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-مسألة: المبالغة في الاستنشاق
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
– تعريف المصطلحات:
– المبالغة في اللغة:
جاء في لسان العرب، وتاج العروس، والمعجم الوسيط، وتهذيب اللغة:
مصدر بالغ يقال: بالغ يبالغ مبالغة وبلاغا: إذا اجتهد في الأمر ولم يقصر والمبالغة: المغالاة
-أما المبالغة في الاصطلاح:
قال البركتي في قواعد الفقه: ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي.
-معنى المبالغة في الاستنشاق:
قال في المحيط البرهاني في الفقه النعماني (1/ 46):
والمبالغة في الاستنشاق أن يضع الماء على منخريه ويجذبه حتى يصعد من أنفه، وبعضهم قالوا المبالغة في الاستنشاق في الاستنثار.
وقال في مواهب الجليل (1/ 246)
والمبالغة في الاستنشاق اجتذاب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف ولا يجعله سعوطا انتهى.
قال صاحب الإنصاف (1/ 104)
المبالغة في الاستنشاق جذب الماء بالنفس إلى أقصى الأنف على الصحيح من المذهب
ومن خلال ما جاء في تعاريف الفقهاء للمبالغة في الاستنشاق كما سبق فإن هذه التعاريف لا تخرج عن أنه جذب الماء بالنفس حتى يصل إلى أقصى الأنف.
-حكم المبالغة في الاستنشاق في الوضوء:
سبق وأن بحثنا في جامع الأجوبة الفقهية برقم (82) مسألة حكم المضمضة والاستنشاق، وقلنا أن العلماء اختلفوا في هذه المسألة على خمسة أقوال، وذكرنا هناك أدلة كل قول، وأما هنا فمسألتنا هي حكم المبالغة في الاستنشاق، فنقول:
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
-القول الأول: أن المبالغة في الاستنشاق سنة وهو قول جمهور أهل العلم.
قال النووي في المجموع شرح المهذب (1/ 356): المبالغة في المضمضة والاستنشاق سنة بلا خلاف.
وقال ابن قدامة المقدسي في المغني (1/ 116): وذلك سنة مستحبة في الوضوء إلا أن يكون صائما فلا يستحب لا نعلم في ذلك خلافا.
واستدلوا على الاستحباب:
أولاً: بأن الصَّارف له عن الوجوب: أنَّه لو كان واجبًا، لما منعه الصيام، ولوجب التحرز عن نزول الماء في الجوف مع المبالغة، وهو أمرٌ ممكن.
ثانياً: أنها من باب التكميل، قال الكاساني في بدائع الفوائد: ولأن المبالغة فيهما من باب التكميل في التطهير فكانت مسنونة إلا في حال الصوم لما فيها من تعريض الصوم للفساد
انظر: حاشية ابن عابدين (1/ 134)، والتلقين في الفقه المالكي (1/ 20)، ونهاية المطلب في دراية المذهب (1/ 68)
-القول الثاني: الوجوب وهذا قول في مذهب الحنابلة ووافقهم ابن حزم الظاهري.
قال المرداوي في الإنصاف (1/ 132): وقيل: تجب المبالغة في الاستنشاق وحده. اختارها ابن شاقلا. ويحكى رواية. ذكره الزركشي، واختاره أبو حفص العكبري أيضا. قاله الشارح. قال ابن تميم، قال بعض أصحابنا: تجب المبالغة فيهما في الطهارة الكبرى، وعنه: تجب المبالغة فيهما في الوضوء. ذكرها ابن عقيل في فنونه. انتهى
وانظر: المحلى بالآثار (4/ 349)
واستدل من قال بوجوب المبالغة بالتالي:
الدليل الأول:
أنه ثبت الأمر بالمبالغة في الاستنشاق، والأصل في الأمر الوجوب.
الدليل الثاني:
قالوا الأمر بالمبالغة في الاستنشاق من إسباغ الوضوء، وقد روى مسلم في صحيحه عن سالم مولى شداد قال: دخلت على عائشة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – يوم توفي سعد بن أبي وقاص، فدخل عبد الرحمن بن أبي بكر، فتوضأ عندها فقالت: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء؛ فإني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ويل للأعقاب من النار
-حكم المبالغة بالاستنشاق للصائم:
-اختلف العلماء في حكم المبالغة بالاستنشاق للصائم على قولين اثنين (انظر: المراجع التي ذكرناها أنفاً في مسألة حكم المبالغة في الاستنشاق في الوضوء):
– الأول: أنها تكره المبالغة في الاستنشاق بالنسبة للصائم، وهو مذهب الجمهور.
– الثاني: أنها تحرم المبالغة بالنسبة للصائم، وهو قول في مذهب الحنابلة، واختاره القاضي أبو الطيب من الشافعية واصحاب هذا القول أعملوا القياس، فقاسوا المبالغة في الاستنشاق على القبلة بأنها تحرم على الصائم إذا خشي على نفسه الإنزال.
قال الخرشي في شرح مختصر خليل (1/ 134):
يستحب المبالغة … وفي الاستنشاق جذبه لأقصى الأنف وتكره المبالغة للصائم خيفة أن يغلبه الماء فيدخل جوفه، فإن وقع وسبقه لزمه القضاء، وإن تعمد كفر. انتهى
قال ابن حزم في المحلى بالآثار (4/ 349)
واحتج من أفطر بذلك بالأثر الثابت عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «وإذا استنشقت فبالغ، إلا أن تكون صائما».
قال أبو محمد: ولا حجة لهم فيه؛ لأنه ليس فيه أنه يفطر الصائم بالمبالغة في الاستنشاق؛ وإنما فيه إيجاب المبالغة في الاستنشاق لغير الصائم، وسقوط وجوب ذلك عن الصائم فقط؛ لا نهيه عن المبالغة؛ فالصائم مخير بين أن يبالغ في الاستنشاق وبين أن لا يبالغ فيه، وأما غير الصائم فالمبالغة في الاستنشاق فرض عليه، وإلا كان مخالفا لأمره – عليه السلام -: بالمبالغة؛ ولو أن امرأ يقول: إن المبالغة في الاستنشاق تفطر الصائم لكان أدخل في التمويه منهم؛ لأنه ليس في هذا الخبر من وصول الماء إلى الحلق أثر ولا عثير ولا إشارة ولا دليل؛ ولكنهم لا يزالون يتكهنون في السنن ما يوافق آراءهم بالدعاوى الكاذبة وبالله تعالى التوفيق. انتهى كلامه.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله والاستنشاق هو: جذب الماء بنفس إلى داخل الأنف إلا أن تكون صائما؛ يعني: فلا تبالغ في الاستنشاق حذرا من أن ينزل الماء من الأنف إلى المعدة فيكون هذا سببا للإفطار ….
وأن ما وصل إلى المعدة من الشراب عن طريق الأنف كالذي يصل إليها عن طريق الفم لقوله: “إلا أن تكون صائما”.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الصائم لا يسن له المبالغة في الاستنشاق سواء كان صومه نفلا أو فرضا.
ومن فوائد هذا الحديث: الأخذ بالاحتياط؛ لأن المبالغة في الاستنشاق للصائم ربما ينزل الماء إلى بطنه، فيحتاط الإنسان ولا يبالغ.
(فتح ذي الجلال والاكرام)
واما حكم الاستنشاق فهو للإستحباب
والصارف له عن الوجوب: أنه لو كان واجبا، لما منعه الصيام، ولوجب التحرز عن نزول الماء في الجوف مع المبالغة، وهو أمر ممكن.
(توضيح الأحكام للبسام)
-قلت: وأما إذا لم يكن صائما فالسنة المبالغة؛ لما فيه من التنظيف.
-وقيل: المبالغة فيهما واجبة، ذكرها من الحنابلة ابن عقيل في فنونه.
(الانصاف)
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
حديث لقيط ( … بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما) هو في الصحيح المسند 1096 وعزاه لأبي داود.
وقد رد الحافظ أيضًا في التلخيص ما أعل به حديث لقيط من أنه لم يرو عن عاصم بن لقيط بن صبرة إلا إسماعيل بن كثير وقال: ليس بشيء لأنه روى عنه غيره وصححه الترمذي والبغوي وابن القطان وقال النووي: هو حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة.
وممن صححه ابن القطان والحاكم ولم يتعقبه الذهبي وقال ابن الملقن رجاله رجال الصحيح إلا إسماعيل بن كثير المكي والا لقيط ثم نقل كلام الأئمة في توثيقهما. وقال الزيلعي: هو أمثل الاحاديث الواردة في ذلك يعني في تخليل الأصابع.
لكن وجدت أن الإمام أحمد سأل عن هذا الحديث انثبته قال: عاصم بن لقيط لم نسمع عنه حديثا كذا – يعني لم نسمع عنه بكثير رواية. …. مسائل أبي داود منهج الإمام أحمد في اعلال الحديث ص 97
قال ابن كثير في البداية والنهاية: هذا حديث غريب جدا والفاظه في بعضها نكارة.
قال ابن حجر في ترجمة عاصم: وهو حديث غريب جدا.
وورد كذلك في الصحيح المسند 620 عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه (استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا) وهو في سنن أبي داود 141
والمرتان ليستا بواجبتين.
و في حاشية تحقيق تعليق التعليق: ولأبي داود الطيالسي: إذا توضأ أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين أو ثلاثا. وإسناده حسن قاله ابن حجر في الفتح.
وذهب الأثيوبي في ذخيرة العقبى إلى القول بوجوب المبالغة في الاستنشاق للأمر الوارد قال: وذهب الجمهور إلى استحبابه لأن الأحاديث الكثيرة ليس فيها المبالغة وفيما قالوا نظر.
قال باحث:
قال الإمام أحمد في (المسند):
2012 – حدثنا يحي، عن ابن أبي ذئب، حدثني قارظ، عن أبي غطفان قال: رأيت ابن عباس توضأ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا).
ورواه الطيالسي عن ابن أبي ذئب بهذا الإسناد، إلا أنَّه قال:
(إذا مضمض أحدكم واستنثر فليفعل ذلك مرتين بالغتين أو ثلاثا).
وفي رواية ابن المنذر، جعله من فعله صلى الله عليه وسلم، وليس من أمره.
وإسناده صحيح، رجاله كلهم ثقات، قارظ بن شيبة روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه، وقال النسائي: ليس به بأس
قال الحافظ في: (التلخيص):
(صححه ابن القطان، ورواه أبو داود وابن ماجه وابن الجارود والحاكم)
أبو غطفان هو ابن طريف المرِّي، وضعَّف بعضهم الحديث لأجله اعتمادًا على قول ابن أبي داود: (أبو غطفان هذا رجل مجهول)، وقد وثَّقه ابن معين والنسائي وأخرج له مسلمٌ في الصحيح فهو ثقة معروف، والحديث صححه الإمام الألباني رحمه الله.
ظاهر الحديث يدلُّ على وجوب الاستنثار مرَّتين أو ثلاثًا، وعدم إجزاء فعله مرة واحدة، وإلى هذا ذهب الإمام الألباني رحمه الله فقال معلقًا على قول الصنعاني في السبل: (ولكن التثليث مندوب)، قال: ((إلا الاستنثار فيجب مرتين، لحديث ابن عباس الذي ذكرناه، وذلك في كُلِّ وضوء .. )). [1/ 132 – حاشية (2)].
ولكن يشكل على هذا ما ثبت في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (توضأ النبي صلى الله عليه وسلم مرة مرة)، فهل يُحمَل العام على الخاص أو يُقدَّمُ القول على الفعل لأنَّ الفعل يحتملُ الخصوصية والعذر، قال الشوكاني رحمه الله في نيل الأوطار [1/ 198 – 199 ط. دار القرآن]:
((وأما تقييد الأمر بالاستنثار بمرتين أو ثلاثا فيمكن الاستدلال على عدم وجوب الثانية والثالثة بحديث الوضوء مرة، ويمكن القول بإيجاب مرتين أو ثلاث إما لأنه خاص وحديث الوضوء مرة عام، وإما لأنه قول خاص بنا فلا يعارضه فعله صلى الله عليه وآله وسلم كما تقرر في الأصول والمقام لا يخلو عن مناقشة في كلا الطرفين)).
أمَّا الثاني فمردودٌ لأنَّ الأصل في فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه لعموم الأمة ما لم يقم دليل على الاختصاص، ولا يبقى إلا الحملُ وهو مردودٌ كذلك بوقوع الإجماع على أنَّ فرض الوضوء مرة مرة، وقد حكاه عِدَّة من أهل العلم منهم الشوكاني نفسه، فلعلَّ الأقربَ أن يوجَّه الأمرُ في الحديث بأنَّه محمولٌ على النَّدب، والله أعلم
قال صاحبنا ابوصالح: يمكن اعتبار الأمر للاستحباب بقرينة الوضوء مرة مرة في الحديث الآخر