1238 – 1237 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي وناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———‘———‘———
كتاب الجنائز
باب في الجنائز ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله وقيل لوهب بن منبه أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة قال بلى ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك
فوائد الباب:
1 – قوله (كتاب الجنائز) “كتاب الْجَنَائِز هُوَ بِفَتْح الْجِيم جمع جَنَازَة بِكَسْر الْجِيم وَفتحهَا وَقيل بِالْفَتْح للْمَيت وبالكسر للنعش وَقيل عَكسه حَكَاهَا صَاحب الْمطَالع مُشْتَقّ من جنز يجنز إِذا ستر قَالَه ابْن فَارس” قاله النووي في تحرير ألفاظ التنبيه.
2 – قوله (ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله) كأنه يشير إلى حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة” أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه والحاكم في مستدركه من طريق عبد الحميد بن جعفر، عن صالح بن أبى عريب، عن كثير بن مرة، عن معاذ بن جبل به وقال الحاكم صحيح الإسناد، وقال ابن الملقن حديث صحيح. وحسن إسناده الألباني وقال: رجاله ثقات كلهم غير صالح بن أبي عريب قال ابن منده: (مصري مشهور). وقال ابن القطان: (لا يعرف حاله ولا يعرف من روى عنه غير عبد الحميد بن جعفر ” قال الذهبي: ” قلت: بلى روى عنه حيوة بن شريح والليث وابن لهيعة وغيرهم له أحاديث وثقه ابن حبان ” قلت: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعال انتهى قلت وذكره ابن خلفون في الثقات، وقال الذهبي في الكاشف ثقة.
3 – ويؤيده أن الإمام مسلم بن الحجاج أخرج في صحيحه عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لقنوا موتاكم لا إله إلا الله. انتهى والمراد: الذي قرب من الموت. وترجم عليه ابن حبان في صحيحه فقال ذكر الأمر بتلقين الشهادة من حضرته المنية
4 – ويزيده وضوحا حديث أبي هريرة المرفوع
(لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فإنه من كان آخر كلمته لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه) أخرجه ابن حبان في صحيحه وحسنه الألباني.
5 – قال تعالى {وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (102) أي: حافظوا على الإسلام في حال صحتكم وسلامتكم لتموتوا عليه، فإن الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنه من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه، فعياذًا بالله من خلاف ذلك. قاله ابن كثير في تفسيره.
6 – وعن حكيم بن حِزَام قال: بايعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على ألا أخِرَّ إلا قائما. رواه أبو داود الطيالسي في مسنده والإمام أحمد في مسنده والنسائي في سننه والطحاوي في شرح مشكل الآثار، قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث له: “وقد أكثر الناس في معنى هذا الحديث وماله عندي وجه إلا أنه أراد بقوله (لا أخِرّ) لا أموت لأنه إذا مات فقد خر وسقط. وقوله: (إلا قائما) إلا ثابتا على الإسلام ; وكل من ثبت على شيء وتمسك به فهو قائم عليه. انتهى. وترجم عليه النسائي فقال: (باب كيف يخر للسجود).
” قيل: معناه: على ألا أموت إلا مسلمًا، وقيل: معناه: على ألا أُقتل إلا مُقبِلا غير مُدبِر، وهو يرجع إلى الأول.” قاله ابن كثير في تفسيره، وأشار الطحاوي إلى هذا المعنى من ضمن معان محتملة.
7 – ولأبي زرعة عند وفاته فيه حكاية فيها عبرة قال أبو عبد الله محمد بن مسلم بن وارة الرازي: حضرت مع أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي عند أبي زرعة الرازي وهو في النزع فقلت لأبي حاتم: تعال حتَّى نلقنه الشهادة، فقال أبو حاتم: إني لأستحي من أبي زرعة أن ألقنه الشهادة، ولكن تعال حتَّى نتذاكر الحديث فلعله إِذَا سمعه يقول، فبدأت فقلت: حَدَّثَنَا أبو عاصم النبيل، ثنا عبد الحميد بن جعفر، فأرتج علَي الحديث حتَّى كأني ما سمعته ولا قرأته، فبدأ أبو حاتم فقال: حَدَّثنَا محمد بن بشار، ثنا أبو عاصم النبيل، عن عبد الحميد ابن جعفر، فأرتج عليه كأنه ما قرأه، فبدأ أبو زرعة فقال: حَدَّثَنَا محمد بن بشار، ثنا أبو عاصم النبيل، ثنا عبد الحميد بن جعفر، عن صالح بن أبي عريب، عن ابن سيرين مرة، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “مَنْ كان آخر كلامه لا إله إلا الله” وخرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول: “دخل الجنة” وذلك سنة اثنتين وستين ومائتين رواها ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل مختصرا، وذكرها ابن الملقن في التوضيح ومنه نقلت، والحاكم في معرفة علوم الحديث، وأبو يعلى الخليلي في الإرشاد، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
8 – أثر وهب بن منبه أخرجه إسحق بن راهويه في مسنده – كما في المطالب العالية لابن حجر – ومن طريقه البخاري في التاريخ الكبير 261 وأبو نعيم في حلية الأولياء وفي صفة الجنة (ذكر البخاري أسحاق بن راهويه باسمه الأول فقط) أخبرني عبد الملك بن محمد الذمارى سمع محمد بن سعيد بن رمانة سمع اباه عن وهب بن منبه به قلت وعزاه البوصيري في إتحافه لإسحق بن راهويه وقال بإسناد حسن وكذا حسن إسناده الحافظ ابن حجر في المطالب العالية، تابعه محمد بن أبان ثنا عبد الملك به أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات 208 والشجري في أماليه 27وأسماعيل التيمي في الحجة في بيان المحجة فيه عبد الملك بن محمد الذماري وثقه شيخ أبي حاتم الرازي، ومحمد بن سعيد بن رمانة ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه ثلاثة منهم عبد الرزاق. أما أبوه سعيد فلم أجد له ترجمة.
9 – قالت طائفة: هذه النصوص المطلقة جاءت مقيدة بأن يقولها بصدق وإخلاص، وإخلاصها وصدقها يمنع الإصرار على معصية. قاله ابن رجب في جامع العلوم والحكم. قلت نعم هي مقيدة بالشروط السبعة وهي العلم واليقين والقبول والانقياد والصدق والإخلاص والمحبة.
10 – قال طائفة من العلماء إن كلمة التوحيد سبب مقتض لدخول الجنة والنجاة من النار لكن له شروط وهي الإتيان بالفرائض وموانع وهي اجتناب الكبائر قال الحسن للفرزدق إن للاإله إلا الله شروطا فإياك وقذف المحصنة. قاله ابن رجب في جامع العلوم والحكم.
11 – قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: فإن المحتضر لا يكاد يقولها إلا بإخلاص، وتوبة، وندم على ما مضى، وعزم على أن لا يعود إلى مثله، ورجح هذا القول الخطابي في مصنف له مفرد في التوحيد، وهو حسن.
12 – قال المهلب: لا خلاف بين أئمة المسلمين أنه من قال: لا إله إلا الله، ومات عليها أنه لابد له من الجنة، ولكن بعد الفصل بين العباد ورد المظالم إلى أهلها قاله ابن بطال في شرحه، وزاده ابن الملقن شرحا فقال ” فيزحزح عنها ويباعد ويعجل له الدخول، أو يصيبه سفع من النار بكبائر ارتكبها”.
13 – وذكر أبو نعيم في كتابه “أحوال الموحدين الموقنين” أن أسنان هذا المفتاح في الطاعات الواجبة من القيام بطاعة الله تعالى وتأديتها، والمفارقة للمعاصي ومجانبتها. قاله ابن الملقن في التوضيح
14 – وكذا قال ابن بطال: أراد بالأسنان القواعد التى بنى الإسلام عليها، التى هى كمال الإيمان ودعائمه، خلاف قول الغالية من المرجئة والجهمية الذين يقولون: إن الفرائض ليست إيمانا، وقد سماها الله إيمانا بقوله: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) [البقرة: 143] أى صلاتكم إلى بيت المقدس.
15 – وقال الداودي فيتأمل المعنى: من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه فهو مفتاح له أسنان، إلا أنه إن خلط ذلك بالكبائر حتى مات مصرا عليها لم تكن أسنانه بالتامة، فربما طال علاجه، وربما يسر له الفتح بفضله. قاله ابن الملقن
16 – وقال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود وكلمة التوحيد (لا إله إلا الله) هي المفتاح للدخول في الإسلام، وهي مفتاح الجنة؛ ولهذا أول ما بعث الله تعالى الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمشي في مكة ويقول: (يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا) وأول شيء يدعى إليه هو التوحيد؛ ولهذا جاء في حديث معاذ بن جبل لما أرسله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له: (إنك تأتي قوماً أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) فأول شيء يدعى إليه هو التوحيد، الشهادة لله بالوحدانية ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالرسالة
17 – قوله (من مات من أمتي) وعند البخاري في كتاب اللباس: “ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة”. وهو أوضح لهذا الباب.
18 – قال البخاري: هذا عند الموت أو قبله إذا تاب وندم وقال: لا إله إلا الله، غُفر له
19 – قال ابن بطال عقب ذلك كما في شرح صحيح البخاري له.:” فدل قوله هذا على أن من قال: لا إله إلا الله، وإن بعد قوله لها عن وقت موته، ثم مات على اعتقادها أنه ممن آخر كلامه لا إله إلا الله، وداخل فى معنى التبويب إذا لم يقل بعدها خلافها حتى مات”.
20 – قال ابن الملقن في التوضيح: قلت: إنما أراد البخاري ما أراده وهب بن منبه بقوله في مفتاح الجنة في كتاب الجنائز: أن تحقيق ضمان وعده – صلى الله عليه وسلم – لمن مات لا يشرك بالله شيئًا، ولمن قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك أنه إنما يتحصل لهم دون مدافعة من دخول الجنة، ولا عذاب ولا عقاب إذا لقوا الله تائبين عاملين بما أمر به، فأولئك يكونون (أول) الناس دخولًا الجنة، وإن كانوا غير تائبين أو قبلهم تبعات للعباد فلا بد لهم أيضًا لهم من دخول الجنة بعد إنفاذ الله المشيئة فيهم من عذاب أو مغفرة.
21 – ولمسلم من حديث أبي هريرة: “لقنوا موتاكم لا إله إلا الله” قال في المجموع: “أي من قرب موته.” فالتلقين يكون قبل الموت لا بعده.
22 – قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود يعني: أن مجرد كلمة التوحيد بدون ما تقتضيه وبدون ما تتطلبه فهي مثل المفتاح الذي ليس له أسنان، والمفتاح إنما يفتح إذا كان له أسنان.
23 – وذكر ابن إسحاق، قال: حدثنى عبد الله بن أبى بكر أنه حدث: أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حين بعث معاذ ابن جبل إلى اليمن وأوصاه أن ييسر ولا يعسر، ويبشر ولا ينفر، وقال: (إنه سيقدم عليك قوم من أهل الكتاب يسألونك ما مفتاح الجنة؟ فقل: شهادة أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له). نقله ابن بطال وهو مرسل
24 – عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ شَهَادَةُ أَنَّ لَا إِلَهِ إِلَّا اللَّهُ» أخرجه البزار وقال أبو بكر البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة “َشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ”
25 – وهب بن منبه من التابعين الثقات
وحديث أسامة بن زيد، وحديث المقداد بن عمرو وقصة أبي طالب كلها تؤكد على انتفاع العبد بكلمة التوحيد قبل الموت حتى وإن كان قبل ذلك كافرا
—-
[قال البخاري
1237 – حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا واصل الأحدب عن المعرور بن سويد عن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيأ دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق
فوائد الحديث:
1 – رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة.
2 – قوله (من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة) يريد به:” إلا أن يرتكب شيئا أوعدته عليه دخول النار وله معنى آخر: وهو أن من لم يشرك بالله شيئا ومات دخل الجنة لا محالة وإن عذب قبل دخوله إياها مدة معلومة” قاله ابن حبان في صحيحه. قلت قال البخاري هذا عند الموت، أو قبله إذا تاب وندم، وقال: لا إله إلا الله، غفر له.
3 – وفى حديث أبى ذر وقول ابن مسعود رد على الرافضة والإباضية، وأكثر الخوارج فى قولهم: إن أصحاب الكبائر والمذنبين من المؤمنين يخلدون فى النار بذنوبهم، وقد نطق القرآن أيضا بتكذيبهم. قال تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) [النساء: 48] نقله ابن بطال في شرحه مقرا له.
4 – فيه ذكر الملائكة.
5 – قوله (أتاني آت) وعند مسلم (أتاني جبريل)
6 – وعند البخاري 5827 من طريق أبي الأسود الدؤلي عن أبي ذر مرفوعا “ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة”
—-
: قال البخاري:-
1238 – حدثنا عمر بن حفص حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثنا شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات يشرك بالله شيأ دخل النار وقلت أنا من مات لا يشرك بالله شيأ دخل الجنة
فوائد الحديث:
1 – حديث ابن مسعود رضي الله عنه أخرجه البخاري ومسلم والنسائي في السنن الكبرى
2 – مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِالتَّوْحِيدِ غَيْرَ مُشْرِكٍ وَلَا شَاكٍّ دَخَلَ الْجَنَّةَ قاله ابن مندة في كتاب الإيمان
3 – وقول ابن مسعود أصل فى القول بدليل الخطاب وإثبات القياس قاله ابن بطال في شرحه.
4 – عن جابر قال * أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله ما الموجبتان فقال من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئا دخل النار رواه مسلم فدل حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما على موافقة ابن مسعود للنص النبوي رغم كونه قاله استنباطا.
——
الفوائد:
فوائد حديث 1237:
1. الحكمة في الاقتصار على الزنا والسرقة الإِشارة إلى جنس حق الله تعالى وحق العباد
2. كأن أبا ذر استحضر قوله عليه الصلاة والسلام “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”. لأنّ ظاهره معارض لظاهر هذا الخبر، لكن الجمع بينهما على قواعد أهل السنة يحمل هذا على الإِيمان الكامل، ويحمل حديث الباب على عدم التخليد في النار.
3. قوله: (وإن زنى وإن سرق) فيه استفهام مقدر، أي: يدخل الجنة وإن زنى وإن سرق؟
4. (فقلت: وإن زنا): هو كلام أبي ذر.
قلت سيف: ذكر ابن حجر رواية فيها أن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل وقول أبي ذر للنبي صلى الله عليه وسلم.
- قال صاحب منار القارى: ذكر بعض أهل العلم أن هناك ستة أشياء من حافظ عليهما كان لها أثرها العظيم في حسن الخاتمة وهي البسملة في بداية الأعمال، والحمد لله في نهايتها، والحوقلة عند المكروه، وهي قول: لا حول ولا قوة إلاّ بالله، والاسترجاع عند المصيبة، وإذا عزم على أمر قال: إن شاء الله، وإذا أذنب استغفر الله
فوائد حديث 1238:
6. رواة الحديث كلهم كوفيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي.
7. وفيه: التحديث والعنعنة والقول
8. فيه العمل بدليل المخالفة.
——
رياح المسك
كتاب الجنائز
باب ما جاء في الجنائز، ومن كان آخر كلامه: لا إله إلا الله
نقل النووي في شرح مسلم عن القاضي عياض:
فنقرر أولا أن مذهب أهل السنة بأجمعهم من السلف الصالح وأهل الحديث والفقهاء والمتكلمين على مذهبهم من الأشعريين أن أهل الذنوب في مشيئة الله تعالى وأن كل من مات على الإيمان وتشهد مخلصا من قلبه بالشهادتين فإنه يدخل الجنة فإن كان تائبا أو سليما من المعاصي دخل الجنة برحمة ربه وحرم على النار بالجملة …
وإن كان هذا من المخلطين بتضييع ما أوجب الله تعالى عليه أو بفعل ما حرم عليه فهو في المشيئة لا يقطع في أمره بتحريمه على النار ولا باستحقاقه الجنة لأول وهلة بل يقطع بأنه لابد من دخوله الجنة آخرا وحاله قبل ذلك في خطر المشيئة إن شاء الله تعالى عذبه بذنبه وإن شاء عفا عنه بفضله …
والمراد بتحريم النار تحريم الخلود خلافا للخوارج والمعتزلة في المسألتين ويجوز في حديث من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة أن يكون خصوصا لمن كان هذا آخر نطقه وخاتمة لفظه وإن كان قبل مخلطا فيكون سببا لرحمة الله تعالى إياه ونجاته رأسا من النار وتحريمه عليها بخلاف من لم يكن ذلك آخر كلامه من الموحدين المخلطين … اهـ
قال أحد العلماء في شرح كتاب التوحيد للبخاري:
((من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة)) يعني: وإن حصل منه تقصير بالواجبات، وفعل لبعض المحرمات غير الشرك، فإن من مات على ذلك دخل الجنة، ولا ينافي هذا حصول العذاب له، بل قد يعذب في قبره، وبعد ما يبعث، وقد يدخل النار، ثم يخرج منها بعدما يطهر من الخطايا التي تلطخ بها في الدنيا، وقد يعفو الله عنه فيدخله الجنة بلا عذاب، والنصوص الدالة على ذلك كثيرة جداً.
فكل عاص لله – تعالى – من الموحدين لا بد من دخوله الجنة، وإن أصابه ما أصابه، وإنما الشأن في اجتناب الشرك، فهو أمر صعب إلا على من هدى الله قلبه، وهو أنواع، منها الجلي والخفي.
فقوله: ((لا يشرك بالله شيئاً)) يعم أنواع الشرك كلها؛ لأنه نكرة بعد النفي، فيدخل فيه الأصغر، والقليل، والله المستعان. اهـ
—–
سؤال وجه للجنة الدائمة:
السؤال:
الكلمة الطيبة كما قال رسول الثقلين صلى الله عليه وسلم في الحديث: “من قال: لا إله إلاَّ الله محمد رسول الله دخل الجنة”، هذه الكلمة التامة مع الجزأين أي “لا إله” نفي و”إلاَّ الله” إثبات، وذلك دال على وحدانية الله تعالى، والجزء الثاني الدال على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم في أي كتاب أجدها؟ وإن كانت مع الجزأين في كتاب الله تعالى وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، لكن ما سواهما في أي كتاب ما جمعا مع الجزأين؟
الإجابة:
ورد الركن الأول من أركان الإِسلام بجزأيه في القرآن الكريم كثيرًا، فالجزء الأول، كقوله تعالى: {اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، وقوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ} [محمد: 19]، وقوله: {ذَلِكُمُ اللهُ رَ بُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 102]، والجزء الثاني كقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّ سُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُ حَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، وقوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَ سُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّ سُلُ} [آل عمران: 144].
السنة ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “بُني الإِسلام على خمس: شهادة ألاَّ إله إلاَّ الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان”، وفي صحيح مسلم عن عمر رضي الله عنه قال: “بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب …. )
وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من شهد ألاَّ إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل”، وفي البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلاَّ الله، فإذا قالوها وصلُّوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتنا فقد حرُمت علينا دماؤهم وأموالهم إلاَّ بحقها، وحسابهم على الله”، وفي الصحيحين من حديث عتبان رضي الله عنه مرفوعًا: “فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلاَّ الله، يبتغى بذلك وجه الله”.
وقد فسر أهل العلم هذه الأحاديث وما جاء في معناها: بأن من تلفظ بهاتين الشهادتين والتزم بحقهما من أداء الفرائض وترك المحرم وإخلاص العبادة لله وحده، فإن الله يدخله الجنة من أول وهلة، أما من مات على شيء من المعاصي دون الشرك ولم يتب منها فهو تحت مشيئة الله إن شاء سبحانه غفر له وأدخله الجنة على ما كان عليه من عمل، وإن شاء عذبه على قدر معصيته ثم يدخله الجنة، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن القرآن يفسر بعضه بعضًا وهكذا السنة قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَ كَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48]، وهذه الآية في غير التائبين.
وأما قوله سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَ فُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّ حْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53]، فهي في التائبين بإجماع أهل العلم، وهذا قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجهم من أهل العلم والإِيمان، كالأئمة الأربعة وأتباعهم.
وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبيّنا محمد وآله وصحبه وسلَّم.
اللجنة الدائمة
======
وهذا بحث كما في مجلة البحوث الإسلامية
تصفح برقم المجلد > العدد الثالث عشر – الإصدار: من رجب إلى شوال لسنة 1405هـ > بحوث في العقيدة > حقيقة لا إله إلا الله > متى ينفع الإنسان قول لا إله إلا الله
5 – متى ينفع الإنسان قول لا إله إلا الله؟
أحسن ما قيل في معنى الأحاديث ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره: إن هذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها – كما جاءت مقيدة – وقالها خالصا من قلبه مستيقنا بها قلبه غير شاك فيها، بصدق ويقين، فإن حقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله جملة …..
وسيأتي تتمة كلامه في شرح حديث عتبان
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كشف الشبهات: – ولهم شبهة أخرى، يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على أسامة قتل من قال: لا إله إلا الله. وقال: (أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله)، وأحاديث أخرى في الكف عمن قالها، ومراد هؤلاء الجهلة أن من قالها لا يكفر ولا يقتل ولو فعل ما فعل، فيقال لهؤلاء الجهال معلوم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتل اليهود وسباهم وهم يقولون: لا إله إلا الله، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويصلون ويدعون الإسلام، وكذلك الذين حرقهم علي بن أبي طالب، وهؤلاء الجهلة مقرون أن من أنكر البعث كفر وقتل ولو قال: لا إله إلا الله، وأن من جحد شيئا من أركان الإسلام كفر وقتل ولو قالها، فكيف لا تنفعه إذا جحد شيئا من الفروع وتنفعه إذا جحد التوحيد الذي هو أصل دين الرسل ورأسه، ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث.
وقال رحمه الله: فأما حديث أسامة فإنه قتل رجلا ادعى الإسلام بسبب أنه ظن أنه ما ادعاه إلا خوفا على دمه وماله، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك، وأنزل الله في ذلك: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا) أي (فتثبتوا) فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت فإن تبين بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل؛ لقوله: (فتبينوا) ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى، وكذلك الحديث الآخر وأمثاله معناه ما ذكرناه من أن من أظهر الإسلام والتوحيد وجب الكف عنه إلا إن تبين منه ما يناقض ذلك.
والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال: (أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله وقال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله) هو الذي قال في الخوارج: (أينما لقيتموهم فاقتلوهم، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) مع كونهم من أكثر الناس تهليلا حتى إن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم، وهم تعلموا العلم من الصحابة، فلم تنفعهم لا إله إلا الله ولا كثرة العبادة ولا ادعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة، وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود وقتال الصحابة بني حنيفة.
وقال الحافظ ابن رجب في رسالته المسماة: (كلمة الإخلاص) على قوله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله) قال: ففهم عمر وجماعة من الصحابة أن من أتى بالشهادتين امتنع من عقوبة الدنيا لمجرد ذلك، فتوقفوا في قتال مانعي الزكاة، وفهم الصديق أنه لا يمتنع قتاله إلا بأداء حقوقها لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دمائها إلا بحقها وحسابهم على الله)، وقال: الزكاة حق المال، وهذا الذي فهمه الصديق قد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحا غير واحد من الصحابة منهم ابن عمر وأنس وغيرهما وأنه قال: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة)، وقد دل على ذلك قوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) كما دل قوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) على أن الأخوة في الدين لا تثبت إلا بأداء الفرائض مع التوحيد، فإن التوبة من الشرك لا تحصل إلا بالتوحيد، فلما قرر أبو بكر هذا للصحابة رجعوا إلى قوله ورأوه صوابا، فإذا علم أن عقوبة الدنيا لا ترتفع عمن أدى الشهادتين مطلقا، بل يعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام، فكذلك عقوبة الآخرة.
وقال أيضا:: وقالت طائفة من العلماء المراد من هذه الأحاديث أن التلفظ بلا إله إلا الله سبب لدخول الجنة والنجاة من النار ومقتضى لذلك، ولكن المقتضى لا يعمل عمله إلا باستجماع شروطه وانتفاء موانعه، فقد يتخلف عنه مقتضاه لفوات شرط من شروطه أو لوجود مانع، وهذا قول الحسن ووهب بن منبه وهو الأظهر. ثم ذكر عن الحسن البصري أنه قال للفرزدق وهو يدفن امراته: ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. قال الحسن: نعم العدة، لكن للا إله إلا الله شروط، فإياك وقذف المحصنات. وقيل للحسن: إن أناسا يقولون: من قال: لا إله إلا الله، دخل الجنة. فقال: من قال: لا إله إلا الله، فأدى حقها وفرضها دخل الجنة. وقال وهب بن منبه لمن سأله: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك. .
وأظن أن في هذا القدر الذي نقلته من كلام أهل العلم كفاية في رد هذه الشبهة التي تعلق بها من ظن أن من قال: لا إله إلا الله، لا يكفر ولو فعل ما فعل من أنواع الشرك الأكبر. مما يناقض كلمة لا إله إلا الله تمام المناقضة ويضادها تمام المضادة، وهذه طريقة أهل الزيغ الذين يأخذون من النصوص ما يظنون أنه حجة لهم من النصوص المجملة، ويتركون ما تبينه وتوضحه النصوص المفصلة
——‘——-
وقلنا في شرح حديث عتبان في الأجوبة المفيدة في مسائل التوحيد:
عقيدة
(بحث مجموع من أجوبة الأخوة وممن شارك الأخ أحمد بن علي وعلي البلوشي)
(قام بجمعه الأخ سيف الكعبي)
حديث عتبان (فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله) أخرجه البخاري ومسلم
وعلاقته بالتوحيد
ورد في البخاري ومسلم كذلك من حديث معاذ ( … ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله تعالى على النار … ) وهذا لفظ البخاري وفي رواية للبخاري (من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة)
فبهذا السياق يتبين معنى لا إله إلا الله، وأنها تتضمن ترك الشرك لمن قالها بصدق، ويقين، وأخلاص.
قال بعض أهل العلم: وفي حديث عتبان حجة لأهل السنة ورد على من زعم من الخوارج والمعتزلة أن صاحب الكبيرة إذا مات عن غير توبة يخلد في النار لكن في الاستدلال به لذلك نظر لما مر من سياق كعب بن ذهل عن أبي الدرداء أن ذلك في حق من عمل سوءا أو ظلم نفسه ثم استغفر وسنده جيد عند الطبراني وحمله بعضهم على ظاهره وخص به هذه الأمة لقوله فيه (بشر أمتك) (وان من مات من أمتي) وتعقب بالأخبار الصحيحة الواردة في أن بعض عصاة هذه الأمة يعذبون ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة (المفلس من أمتي … ) الحديث وفيه تعقب على من تأول في الأحاديث الواردة في (أن من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة) وفي بعضها (حرم على النار) ان ذلك كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي وهو مروي عن الزهري ووجه التعقب ذكر الزنا والسرقة فيه، وحمله الحسن البصري على من قال الكلمة وأدى حقها بأداء ما وجب واجتناب ما نهى ورجحه الطيبي الا أن هذا الحديث يخدش فيه وأشكل الأحاديث وأصعبها؛ قوله: (لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما الا دخل الجنة) وفي آخره (وان زنى وان سرق)، وقيل أشكلها حديث أبي هريرة عند مسلم بلفظ (ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله الا حرمه الله على النار)؛ لأنه أتى فيه بأداة الحصر ومن الاستغراقية وصرح بتحريم النار بخلاف قوله: (دخل الجنة)؛ فإنه لا ينفي دخول النار أولا، قال الطيبي: لكن الأول يترجح بقوله (وان زنى وان سرق)؛ لأنه شرط لمجرد التأكيد؛ ولا سيما وقد كرره ثلاثا مبالغة، وختم بقوله: وإن رغم أنف أبي ذر تتميما للمبالغة والحديث الآخر مطلق يقبل التقييد فلا يقاوم قوله (وان زنى وان سرق).
وقال النووي بعد أن ذكر المتون في ذلك: والاختلاف في هذا الحكم مذهب أهل السنة بأجمعهم أن أهل الذنوب في المشيئة، وأن من مات موقنا بالشهادتين يدخل الجنة فإن كان سليما من المعاصي دخل الجنة برحمة الله وحرم على النار، وإن كان من المخلطين بتضييع الأوامر أو بعضها وارتكاب النواهي، أو بعضها ومات عن غير توبة فهو في خطر المشيئة وهو بصدد أن يمضي عليه الوعيد إلا أن يشاء الله أن يعفو عنه فإن شاء أن يعذبه فمصيره إلى الجنة بالشفاعة. انتهى
وقال طائفة من العلماء: إن كلمة التوحيد سبب مقتض لدخول الجنة وللنجاة من النار، لكن له شروط، وهي الإتيان بالفرائض، وموانع وهي إتيان الكبائر. قال الحسن للفرزدق: إن للا إله إلا الله شروطا، فإياك وقذف المحصنة. وروي عنه أنه قال: هذا العمود، فأين الطنب، يعني أن كلمة التوحيد عمود الفسطاط، ولكن لا يثبت الفسطاط بدون أطنابه، وهي فعل الواجبات، وترك المحرمات.
وقيل للحسن: إن ناسا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قال: لا إله إلا الله، فأدى حقها وفرضها، دخل الجنة.
وقيل لوهب بن منبه: أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا وله أسنان، فإن جئت بمفتاح له أسنان، فتح لك، وإلا لم يفتح لك.
ويشبه هذا ما روي عن ابن عمر أنه سئل عن لا إله إلا الله: هل يضر معها عمل، كما لا ينفع مع تركها عمل؟ فقال ابن عمر: عش ولا تغتر.
وقالت طائفة: هذه النصوص المطلقة جاءت مقيدة بأن يقولها بصدق وإخلاص، وإخلاصها وصدقها يمنع الإصرار على معصية. وسبق ذكر دليلهم
فإن تحقق القلب بمعنى ” لا إله إلا الله ” وصدقه فيها، وإخلاصه بها يقتضي أن يرسخ فيه تأله الله وحده، إجلالا، وهيبة، ومخافة، ومحبة، ورجاء، وتعظيما، وتوكلا، ويمتلئ بذلك، وينتفي عنه تأله ما سواه من المخلوقين، ومتى كان كذلك، لم يبق فيه محبة، ولا إرادة، ولا طلب لغير ما يريد الله ويحبه ويطلبه، وينتفي بذلك من القلب جميع أهواء النفوس وإراداتها، ووساوس الشيطان، فمن أحب شيئا وأطاعه، وأحب عليه وأبغض عليه، فهو إلهه، فمن كان لا يحب ولا يبغض إلا لله، ولا يوالي ولا يعادي إلا له، فالله إلهه حقا، ومن أحب لهواه، وأبغض له، ووالى عليه، وعادى عليه، فإلهه هواه، كما قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} [الجاثية: 23]ـ قال الحسن: هو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه، وقال قتادة: هو الذي كلما هوى شيئا ركبه، وكلما اشتهى شيئا، أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى.
وكذلك من أطاع الشيطان في معصية الله، فقد عبده، كما قال عز وجل: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين} [يس: 60] [يس: 60].
فتبين بهذا أنه لا يصح تحقيق معنى قول: لا إله إلا الله إلا لمن لم يكن في قلبه إصرار على محبة ما يكرهه الله، ولا على إرادة ما لا يريده الله، ومتى كان في القلب شيء من ذلك، كان ذلك نقصا في التوحيد، وهو نوع من الشرك الخفي. ولهذا قال مجاهد في قوله تعالى: {ألا تشركوا به شيئا} [الأنعام: 151] [الأنعام: 151] قال: لا تحبوا غيري.
وفي ” صحيح الحاكم ” عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” «الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على شيء من الجور، وتبغض على شيء من العدل، وهل الدين إلا الحب والبغض؟ قال الله عز وجل: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} [آل عمران: 31]» [آل عمران: 31] وهذا نص في أن محبة ما يكرهه الله، وبغض ما يحبه متابعة للهوى، والموالاة على ذلك والمعاداة عليه من الشرك الخفي.
فتبين بهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ” «من شهد أن لا إله إلا الله صادقا من قلبه حرمه الله على النار» “، وأن من دخل النار من أهل هذه الكلمة، فلقلة صدقه في قولها، فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت من القلب كل ما سوى الله، فمن صدق في قوله: لا إله إلا الله لم يحب سواه، ولم يرج إلا إياه، ولم يخش أحدا إلا الله، ولم يتوكل إلا على الله، ولم تبق له بقية من إيثار نفسه وهواه، ومتى بقي في القلب أثر لسوى الله، فمن قلة الصدق في قولها.
جامع العلوم والحكم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
وحقيقة التوحيد انجذاب الروح إلى الله تعالى فمن شهد أن لا إله إلا الله خالصًا من قلبه وهو أن ينجذب بكليته إليه دخل الجنة لأن إخلاصه يجذب قلبه إلى الله فيتوب من الذنوب إليه فإذا مات على هذه الحال دخل الجنة.
وثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اخرُج فمن لقيته يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة)
وقال: (لا يشهد أحد أنه لا إله إلا الله وأني رسول الله فيدخل النار أو قال فتطعمه النار).
وقال (ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة وإن زنا وإن سرق إذا تاب وندم قبل الموت وقال لا إله إلا الله)
وقال (الموجبتان من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار)
فهذه الأحاديث إنما هي فيمن قالها ومات عليها كما جاءت مقيدة فإنه قد تواترت الأحاديث بأنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة وما يزن خردلة وما يزن ذرة بل كثير ممن يقول لا إله إلا الله يدخل النار أو أكثرهم ثم يخرج منها.
وتواترت الأحاديث بأنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله ومن شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ولكن جاءت مقيدة بالإخلاص واليقين وبموتٍ عليها فكلها مقيدة بهذه القيود الثقال.
وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين ومن لا يعرف ذلك يُخشى عليه من أن يفتن عنها عند الموت فيحال بينه وبينها.
وغالب من يقولها إنما يقولها تقليدًا أو عادة ولم يخالط الإيمان بها بشاشة قلبه وغالب من يفتن عند الموت وفي القبور أمثال هؤلاء كما في الحديث الصحيح فيقول: (لا أدري سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته).
وغالب أعمال هؤلاء إنما هي تقليد واقتداء بأمثالهم وهم أقرب الناس من قوله تعالى {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يزال مدفوع عنهم بلا إله إلا الله ما لم يؤثروا الدنيا على الآخرة فإذا آثروا الدنيا على الآخرة ردها الله عليهم وقال كذبتم لستم من أهلها) كما قد بسط هذا في مواضع وبين فيها أهل الإخلاص واليقين في توحيد الله من غيرهم.
وحينئذٍ فلا منافاة بين الأحاديث (فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين ومات على ذلك امتنع أن تكون سيئاته راجحة على حسناته بل كانت حسناته راجحة فيحرم على النار لأنه إذا قالها العبد بإخلاص ويقين تام لم يكن في هذه الحال مصرًّا على ذنب فإن كمال إخلاصه ويقينه يوجب أن يكون الله أحب إليه من كل شيء وأخوف عنده من كل شيء فلا يبقى في قلبه حينئذٍ إرادة لما حرم الله ولا كراهة لما أمر الله.
فهذا هو الذي يحرم على النار وإن كان له ذنوب قبل ذلك.
فهذا الإيمان وهذه التوبة وهذا الإخلاص وهذه المحبة وهذا اليقين وهذه الكراهة لا يتركون له ذنبًا إلا مُحِيَ عنه كما يمحي النهار الليل.
فإن قالها على وجه الكمال المانع من الشرك الأصغر والأكبر فهذا غير مصر على ذنب أصلًا فيغفر له ويحرم على النار.
وإن قالها على وجه خلص به من الشرك الأكبر دون الأصغر ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك فهذه الحسنة لا يقاومها شيء من السيئات فيرجح بها ميزان الحسنات كما في حديث البطاقة فيحرم على النار ولكن تنقص درجته في الجنة بقدر ذنوبه.
وهذا خلاف من رجحت سيئاته على حسناته ومات على ذلك فإنه يستوجب النار وإن كان قال لا إله إلا الله وخلص بها من الشرك الأكبر لكنه لم يمت على ذلك بل قالها وأتى بعدها بسيئات رجحت على هذه الحسنات فإنه في حال قوله لها مخلصًا مستيقنًا بها قلبه تكون حسناته راجحة ولا يكون مُصِرًّا على سيئة فإن مات قبل ذلك دخل الجنة.
ولكن بعد ذلك قد يأتي بسيئات راجحة ولا يقولها بالإخلاص واليقين المانع من جميع السيئات ويخشى عليه من الشرك الأكبر والأصغر، فإن سلم من الأكبر بقى معه الشرك الأصغر ويأتي بعد ذلك بسيئاتٍ تنضم إلى ذلك الشرك فترجح سيئاته فإن السيئات تضعف الإيمان واليقين فيضعف بسبب ذلك قول لا إله إلا الله فيمتنع الإخلاص في القلب فيصير المتكلم بها كالهاذي أو النائم أو من يحسن صوته بآيةٍ من القرآن يُختبر بها من غير ذوق طعم ولا حلاوة.
فهؤلاء لم يقولوها بكمال الصدق واليقين بل قد يأتون بعدها بسيئات تنقص ذلك الصدق واليقين الضعيف وقد يقولونها من غير يقين وصدق تام ويموتون على ذلك ولهم سيئات كثيرة فالذي قالها بيقين وصدق تام إما أن لا يكون مُصِرًّا على سيئة أصلًا أو يكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه رجح حسناته.
والذين دخلوا النار قد فات فيهم أحد الشرطين إما أنهم لم يقولوها بالصدق واليقين التام المنافي للسيئات أو لرجحانها على الحسنات أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتهم فضعف لذلك صدقهم ويقينهم فلم يقولوها بعد ذلك بصدق ويقين يمحو سيئاتهم أو يرجح حسناتهم.) (وإذا كثرت الذنوب؛ ثقل على اللسان قولها، وقسا القلب عن قولها، وكره العمل الصالح، وثقل عليه سماع القرآن، واستبشر بذكر غيره، واطمأن إلى الباطل، واستحلى الرفث، ومخالطة أهل الباطل، وكره مخالطة أهل الحق، فمثل هذا إذا قالها قال بلسانه ما ليس في قلبه، وبفيه ما لا يصدقه عمله.
وراجع فتح المجيد شرح كتاب التوحيد.
وكثير من الناس إذا كثرت عليه الذنوب جرته إلى النفاق والكفر (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم) (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذله)
وفي التمهيد لشرح كتاب التوحيد
ومن عرف هذا عرف معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله»، وقوله: «لا يدخل النار من قال: لا إله إلا الله». وما جاء من هذا النوع من الأحاديث التي أشكلت على كثير من الناس، حتى ظنها بعضهم منسوخة، وظنها بعضهم قبل
ورود الأوامر والنواهي، وحملها بعضهم على نار المشركين والكفار، وأول بعضهم الدخول بالخلود، ونحو ذلك.
والشارع صلوات الله وسلامه عليه لم يجعل ذلك حاصلا بمجرد قول اللسان فقط، فإن هذا من المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم، وهم تحت الجاحدين في الدرك الأسفل من النار، فإن الأعمال لا تتفاضل بصورها وعددها، وإنما تتفاضل بتفاضل ما في القلوب.
وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة، ويقابلها تسعة وتسعون سجلا، كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة، وتطيش السجلات، فلا يعذب صاحبها.
ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار. وتأمل ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان، التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية، وحملته وهو في تلك الحال أن جعل ينوء بصدره وهو يعالج سكرات الموت.
وتأمل ما قام بقلب البغي من الإيمان، حين نزعت موقها وسقت الكلب من الركية، فغفر لها.
وهكذا العقل أيضا، فإنه يقبل التفاضل، وأهله في أصله سواء، مستوون في أنهم عقلاء غير مجانين، وبعضهم أعقل من بعض.
وفي شرح الطحاوية لابن أبي العز؛
هذه: كلمات في معرفة شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وقد غلط أهل زماننا فيها، وأثبتوا لفظها دون معانيها، وقد يأتون بأدلة على ذلك، تلتبس على الجاهل المسكين، ومن ليس له معرفة في الدين، وذلك يفضي إلى أعظم المهالك.
فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ” أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوها، عصموا مني دماءهم وأموالهم ” الحديث، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن شفاعته: من أحق بها يوم القيامة؟ قال: ” من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ” وقوله صلى الله عليه وسلم: ” من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة “، وكذلك حديث عتبان: ” فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله “.
وهذه الأحاديث الصحيحة، إذا رآها هذا الجاهل، أو بعضها، أو سمعها من غيره، طابت نفسه وقرت عينه، واستفزه المساعد على ذلك، وليس الأمر كما يظنه هذا الجاهل المشرك، فلو أنه دعا غير الله، أو ذبح له، أو حلف به، أو نذر له، لم ير ذلك شركا، ولا محرما، ولا مكروها، فإذا أنكر عليه أحد بعض ما ينافي التوحيد لله، والعمل بما أمر الله، اشمأز ونفر، وعارض بقوله: قال رسول الله، وقال رسول الله.
وهذالم يدر حقيقة الحال، فلو كان الأمر كما قال، لما قال الصديق رضي الله عنه في أهل الردة: (والله لو منعوني عناقا، أو قال عقالا، كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه)، أفيظن هذا الجاهل أنهم لم يقولوا لا إله إلا الله؟
وما يصنع هذا الجاهل، بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوارج: ” أينما لقيتموهم فاقتلوهم، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم، فإنهم شر قتيل تحت أديم السماء “، أفيظن هذا الجاهل أن الخوارج الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، أنهم لم يقولوا لا إله إلا الله؟ وقال صلى الله عليه وسلم (في هذه الأمة”) ولم يقل: منها” ” قوم يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم)
وقال بعض أهل العلم:
وهذه طريقة أهل الزيغ الذين، يأخذون من النصوص ما يظنون أنه حجة لهم من النصوص المجملة، ويتركون ما تبينه وتوضحه النصوص المفصلة كحال الذين يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض وقد قال الله في هذا النوع من الناس: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَاوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}
(وقد فسر أهل العلم هذه الأحاديث وما جاء في معناها: بأن من تلفظ بهاتين الشهادتين والتزم بحقهما من أداء الفرائض وترك المحرم وإخلاص العبادة لله وحده، فإن الله يدخله الجنة من أول وهلة. أما من مات على شيء من المعاصي دون الشرك ولم يتب منها فهو تحت مشيئة الله إن شاء سبحانه غفر له وأدخله الجنة على ما كان عليه من عمل، وإن شاء عذبه على قدر معصيته ثم يدخله الجنة، كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأن القرآن يفسر بعضه بعضا وهكذا السنة، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وهذه الآية في غير التائبين.
وأما قوله سبحانه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}، فهي في التائبين بإجماع أهل العلم، وهذا قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن سار على نهجهم من أهل العلم والإيمان، كالأئمة الأربعة وأتباعهم.
قال شيخ الإسلام: إنّ المبتغي لا بد أن يكمّل وسائل البغية، وإذا أكملها حرمت عليه النار تحريماً مطلقاً، وإن أتى بالحسنات على الوجه الأكمل؛ فإنّ النار تحرم عليه تحريماً مطلقاً، وإن أتى بشيء ناقص، فإن الابتغاء فيه نقص، فيكون تحريم النار عليه فيه نقص، لكن يمنعه ما معه من التوحيد من الخلود في النار، وكذا من زنى، أو شرب الخمر، أو سرق، فإذا فعل شيئاً من ذلك ثم قال حين فعله: أشهد أن لا إله إلا الله ابتغي بذلك وجه الله؛ فهو كاذب في زعمه؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”، فضلاً عن أن يكون مبتغياً وجه الله.
وفي هذه الأحاديث يث ردٌّ على المرجئة، وهم فرق شتى.
وفيه ردٌّ على الخوارج والمعتزلة؛ لأن ظاهر الحديث أن من فعل هذه المحرمات لا يخلد في النار، لكنه مستحق للعقوبة، وهم يقولون: إن فاعل الكبيرة مخلد في النار.)
وراجع نقولات أخرى بتوسع في مختلف الحديث جمع سيف الكعبي وأصحابه
——-‘——
– إذا دفن لا يقال جنازة … فإذا زرت المقبرة تقول: زرت القبور ولا تقل زرت الجنائز. (قاله العباد)