(1238) فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1238):
مسند أبي عَزَّةَ رضي الله عنه
قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج (6) ص (359)): حَدَّثَنا أحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ، وعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، المَعْنى واحِدٌ، قالا: حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ إبْراهِيمَ، عَنْ أيُّوبَ، عَنْ أبِي المَلِيحِ بْنِ أُسامَةَ، عَنْ أبِي عَزَّةَ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا قَضى اللَّهُ لِعَبْدٍ أنْ يَمُوتَ بِأرْضٍ، جَعَلَ لَهُ إلَيْها حاجَةً))، – أوْ قالَ: ((بِها حاجَةً)) -.
هَذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وأبُو عَزَّةَ لَهُ صُحْبَةٌ، واسْمُهُ يَسارُ بْنُ عَبْدٍ.
قال أبو عبد الرحمن: هو على شرط الشَّيخين. وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري ومسلمًا أن يخرجاها.
===================
الحديث في الصحيحة (1221)
وأثبت البخاري سماع أبي المليح من أبي عزة راجع ترتيب العلل.
الحديث سيكون من وجوه:
أورد الحديث الإمام الترمذي رحمه الله في السنن، (30) – أبْوابُ: القَدَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -، بابُ: ما جاءَ أنَّ النَّفْسَ تَمُوتُ حَيْثُ ما كُتِبَ لَها، برقم ((2147)). وقال: ” هَذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، وأبُو عَزَّةَ لَهُ صُحْبَةٌ، واسْمُهُ يَسارُ بْنُ عَبْدٍ،
وأبُو المَلِيحِ اسْمُهُ عامِرُ بْنُ أُسامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ الهُذَلِيُّ، ويُقالُ: زَيْدُ بْنُ أُسامَةَ”.
الوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
2 – كتاب الإيمان، (32) – الإيمان بالقدر، ((414)).
5 – كتاب الجنائز، (25) – انتهاء أجل الميت والمقتول، والموت بقدر، ((1201)).
الأول: شرح الحديث:
قال الإمام الترمذي رحمه الله (ج (6) ص (359)): ” بابُ: ما جاءَ أنَّ النَّفْسَ تَمُوتُ حَيْثُ ما كُتِبَ لَها “.
“قدَّر اللهُ الموتَ على بَني آدمَ، وجعَل له أسبابًا، بل كتَب في اللَّوحِ المقدَّرِ للشَّخصِ الموتَ فيه، فإذا حان الأجَلُ جعَله هُناك”. [الدرر]
“قَوْلُهُ: (أخْبَرَنا إسْماعِيلُ بْنُ إبْراهِيمَ) هُوَ المَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ، (عَنْ أبِي المَلِيحِ) بْنِ أُسامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ الهُذَلِيُّ، اِسْمُهُ عامِرٌ، وقِيلَ: زَيْدٌ، وقِيلَ: زِيادٌ ثِقَةٌ مِنَ الثّالِثَةِ،
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: ((إذا قَضى)) أيْ: أرادَ أوْ قَدَّرَ أوْ حَكَمَ، وشاء ((اللَّهُ)) عزوجل، ((لِعَبْدٍ أنْ يَمُوتَ بِأرْضٍ))، أي: تَكونَ نِهايةُ أجَلِه في الدُّنيا بموضعٍ مُعيَّنٍ، وهو غيرُ موجودٍ فيه، ((جَعَلَ)) أيْ:: أظهَر اللهُ سبحانه وتعالى لذلك العَبدِ في تلك الأرضِ شيئًا، ((لَهُ إلَيْها حاجَةً)) أيْ: فَيَاتِيها ويَمُوتُ فِيها إشارَةً إلى قَوْلِهِ تَعالى: {وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ}، فقُبِض فيها.
وفي المفاتيح في شرح المصابيح قال ((جعلَ له إليها حاجةً))؛ يعني: إذا كان الرجلُ في بلدةٍ، وقدَّر أن يموتَ في بلدٍ آخرَ أوقعَ الله تعالى في قلبه ميلًا إلى قصد ذلك البلد، أو أظهرَ له إليه حاجةً من تجارةٍ أو زيارةٍ أو ما أشبه ذلك؛ ليأتيَ ذلك البلدَ ليموتَ فيه؛ يعني: كل شيء يكون كما قدَّره الله تعالى، لا يقدر أحدٌ أن يغيرَه”. انتهى [المفاتيح في شرح المصابيح (1/ 216)].
قال: (هَذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وأخْرَجَهُ أحْمَدُ والطَّبَرانِيُّ وأبُو نُعَيْمٍ فِي الحِلْيَةِ بِلَفْظِ: “إذا أرادَ اللَّهُ قَبْضَ عَبْدٍ بِأرْضٍ جَعَلَ لَهُ بِها حاجَةً”،
(وأبُو عَزَّةَ) بِفَتْحِ المُهْمَلَةِ وتَشْدِيدِ الزّايِ (اسْمُهُ يَسارُ بْنُ عَبْدٍ) الهُذَلِيُّ، صَحابِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ، لَهُ حَدِيثٌ واحِدٌ كَذا فِي التَّقْرِيبِ. وصَرَّحَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِأنَّهُ رَوى حَدِيثَ البابِ. [تحفة الأحوذي عبد الرحمن المباركفوري (ت (1353))، (6/ 299 – 300)، بتصرف يسير].
وأثبت اسم ابي عزة كذلك ابن معين يسار بن عبد
“وفي الحديثِ: التَّنبيهٌ على التيقُّظِ للموتِ والاستِعدادِ له بالطاعةِ والخُروجِ مِن المظالِمِ وقَضاءِ الدَّيْنِ والوَصيةِ في الحَضرِ، فضلًا عن الخُروجِ إلى السَّفر؛ فلا يَدْري العبدُ أين كُتبِتْ مَنيتُه مِن الأرضِ.
وفيه: أنَّ كلَّ شيءٍ بقَدَرٍ”. [الدرر].
وفيه: “إثبات إرادة الله -تعالى- على الوجه اللائق به -سبحانه-“.
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى):
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الجامع الصحيح: ” (25) – انتهاء أجل الميت والمقتول، والموت بقدر”،
ثم أورد جملة من الأحاديث:
(1199) – عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يقول: «فرغ الله إلى كل عبد من خمس من أجله ورزقه وأثره وشقي أم سعيد». هذا حديث صحيحٌ.
(1200) – عن يزيد بن الأصم، قال: ثقلت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمكة، وليس عندها من بني أخيها، فقالت: أخرجوني من مكة فإني لا أموت بها؛ إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبرني أني لا أموت بمكة، فحملوها حتى أتوا بها سرف إلى الشجرة التي بنى بها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحتها في موضع الفيئة، قال: فماتت، فلما وضعناها في لحدها، أخذت ردائي فوضعتها تحت خدها في اللحد، فأخذه ابن عباس فرمى به. هذا حديث صحيحٌ.
(1201) – [أورد حديث الباب]
(1202) – عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “إذا كان أجل أحدكم بأرض أوثبته إليها الحاجة، فإذا بلغ أقصى أثره قبضه الله سبحانه، فتقول الأرض يوم القيامة: رب هذا ما استودعتني». هذا حديث صحيح”. انتهى باختصار.
(المسألة الثانية): “ذكر مفاتيح الغيب الخمس التي استأثر الله بعلمها.
قال تعالى: ” {وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلّا هُوَ} وقد بينها النبي – صلى الله عليه وسلم – حيث تلا قوله تعالى: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ}
هذه مفاتح الغيب، وسميت مفاتح؛ لأن كل واحد منها فاتحة لشيء بعده:
{إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ} فالساعة فاتحة للآخرة التي هي النهاية.
{ويُنَزِّلُ الغَيْثَ} والغيث فاتحة لحياة النبات.
{ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ} فاتحة لحياة كل شيء.
{وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا} فاتحة للمستقبل.
{وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ} فاتحة لقيامة كل إنسان بحسبه، علم الساعة: القيامة العامة،
وأما قوله تعالى: {وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ} فهو فاتحة لقيامة كل إنسان، لأن من مات فقد قامت قيامته”. انتهى المراد. [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (5/ 269)].
وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله:
ويشهد لهذا قول الله تعالى: {وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الغَيْبِ لا يَعْلَمُها إلّا هُوَ}.
وقوله تعالى: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
وفي «مسند الإمام أحمد» من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}».
ورواه البخاري في «صحيحه»، ولفظه: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «مفتاح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم أحد ما يكون في غد، ولا يعلم أحد ما يكون في الأرحام، ولا تعلم نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، وما يدري أحد متى يجيء المطر».
ورواه ابن حبان في «صحيحه»، ولفظه: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «مفاتيح الغيب خمس: لا يعلم ما تضع الأرحام أحد إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله، وما تدري نفس بأي أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله».
ورواه الإمام أحمد أيضا من حديث عمر بن محمد بن زيد: أنه سمع أباه محمدا يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي – صلى الله عليه وسلم -؛ قال: «أوتيت مفاتيح كل شيء إلا الخمس؛ {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}».
ورواه البخاري مختصرا، ولفظه: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «مفاتيح الغيب خمس، (ثم قرأ: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ})».
ورواه الإمام أحمد أيضا من حديث سالم بن عبد الله عن عبد الله رضي الله عنه عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: «مفاتيح الغيب خمس: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}».
ورواه أبو داود الطيالسي بنحوه مختصرا.
وفي «مسند الإمام أحمد» أيضا من حديث عمرو بن مرة؛ قال: سمعت عبد الله بن سلمة يقول: سمعت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: «أوتي نبيكم – صلى الله عليه وسلم – مفاتيح كل شيء غير الخمس: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.»
قال: قلت له: أنت سمعته من عبد الله؟ قال: نعم؛ أكثر من خمسين مرة.
وقال ابن كثير في «تفسيره»: «إسناده حسن على شرط السنن ولم يخرجوه»، وقال الهيثمي: «رواه أحمد وأبو يعلى، ورجالهما رجال الصحيح». بلبلبللل
وفي «الصحيحين» و «مسند الإمام أحمد» و «سنن ابن ماجه» عن أبي هريرة رضي الله عنه: «أن جبريل قال للنبي – صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل؟! ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت الأمة ربها؛ فذاك من أشراطها، وإذا كانت العراة الحفاة رؤوس الناس؛ فذاك من أشراطها؛ وإذا تطاول رعاء البهم في البنيان، فذاك من أشراطها؛ في خمس لا يعلمهن إلا الله (ثم تلا – صلى الله عليه وسلم -: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}».
وفي» سنن النسائي «عن أبي هريرة وأبي ذر رضي الله عنهما: «أن جبريل قال للنبي – صلى الله عليه وسلم -: يا محمد! أخبرني متى الساعة؟ قال: فنكس فلم يجبه شيئا، ثم أعاد، فلم يجبه شيئا، ثم أعاد، فلم يجبه شيئا، ورفع رأسه فقال:» ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، ولكن لها علامات تعرف بها: إذا رأيت الرعاء البهم يتطاولون في البنيان، ورأيت الحفاة العراة ملوك الأرض، ورأيت المرأة تلد ربها؛ خمس لا يعلمها إلا الله: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ} إلى قوله {إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}».
وفي «مسند الإمام أحمد» عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن جبريل قال للنبي – صلى الله عليه وسلم -: حدثني متى الساعة؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: “سبحان الله! في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا هو: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}». في إسناده شهر بن حوشب، وهو ثقة، وفيه كلام، وبقية رجاله ثقات.
وفي» مسند الإمام أحمد «أيضا عن عامر أو أبي عامر أو أبي مالك رضي الله عنه: «أن جبريل قال للنبي – صلى الله عليه وسلم -: متى الساعة يا رسول الله؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:» سبحان الله! خمس من الغيب لا يعلمها إلا الله عز وجل: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}».
في إسناده شهر بن حوشب، وقد تقدم الكلام فيه، وبقية رجاله ثقات.
وفي «المسند» أيضا عن بريدة رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «خمس لا يعلمهن إلا الله: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ وما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَدًا وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}».
قال الهيثمي: «رجاله رجال الصحيح».
وفي «المسند» أيضا «عن رجل من بني عامر: أنه قال للنبي – صلى الله عليه وسلم -: هل بقي من العلم شيء لا تعلمه؟ قال: «قد علمني الله عز وجل خيرا، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل: الخمس: {إنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ ويُنَزِّلُ الغَيْثَ ويَعْلَمُ ما فِي الأرْحامِ} … » (الآية)».
قال ابن كثير في «تفسيره»: «إسناده صحيح» “. انتهى المراد. [إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، (3/ 290وما بعدها) للشيخ حمود التويجري رحمه الله].
أورد الحافظ ابن كثير جملة من الأحاديث السابقة عند [سورة لقمان ((31)): آية (34)]، وذكر أيضًا من الروايات المتعلقة بحديث الباب.
(المسألة الثالثة): معنى قول الله تعالى: {وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: (34)]؟
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: “قال تعالى: {وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان: (34)]: أي نفس لا تدري بأي أرض تموت، تجد الإنسان يولد في بلد، ويعيش فيها، ولا يطرأ على باله أن ينتقل عنها، ثم إذا أراد الله أن يقبضه في أرض، جعل له حاجة في هذه الأرض، تحثه إلى أن يمشي إليها، فيموت فيها، وهو لا يدري، البعير تنشأ في جهة من جهات الأرض، تولد، تكبر، ثم تُستعمل للركوب أو غير الركوب، وتُذبح في بلاد بعيدة عن بلادها، أو تموت في بلاد بعيدة عن بلادها، كل نفس لا تدري بأي أرض تموت.
وهل تدري في أي يوم تموت؟! لا.
لا تدري، من لا يدري بأي أرض -مع أنه باختياره أن ينتقل من أرض إلى أرض-، لا يدري أيضًا بأي يوم يموت …. “. [جلسات رمضانية للعثيمين (4/ 7)].
وقال أيضًا: ”
ولقد جرت مسألتان إحداهما أدركتها أنا، والثانية حُدثت بها من ثقة:
أما الأولى: فإنه كان راكبان على دباب -دراجة نارية- يمران بشارع فرعي، وهناك سيارة تمر بالشارع العام، فلما رأى صاحب السيارة هذا الدباب وقف من أجل أن يعبر الدباب، والراكبان على الدباب لما رأيا السيارة وقفا لتعبر السيارة، فهذا تصرف سليم، لكن في خلال دقيقة أو دقيقتين تحركت السيارة وتحرك الدباب واصطدما، فمات أحد الراكبين، فبماذا نفسر هذه الواقعة؟
نفسرها بأن هذا الرجل الذي مات بقي له من عمره دقيقتان أو دقيقة، لو شاء الله عز وجل لعبر كل من السيارة والدباب بسلام، أو لعبرا من أول ما التقيا بسرعة وحصل الحادث، لكن حصل التوقف لمدة دقيقة أو دقيقتين من أجل أن يستكمل الأجل لهذا الذي مات، وهذه من آيات الله عز وجل قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها وأجلها».
أما المسألة الثانية: فقد حدثني بها من أثق به، فقد كان الناس في السابق يأتون مكة عن طريق البر على الجمال، وكان الناس في ذلك الوقت ينزلون جميعا ويسيرون جميعا؛ لأن البلاد غير آمنة تماما، يقول: فخرج الحجاج إلى مكة، وكانوا يمشون في الريعان -أي الجبال والأودية- على حدود الحجاز من نجد، وكان أحد القوم معه أمه مريضة وهو يمرضها، فسار الناس من مكان نزولهم ليلا، وهو جالس يمرض أمه، ويمهد لها الفراش من أجل أن تنام على الراحلة مستقرة، ولما أكمل رحل المركب لأمه مشى، ولكنه أخطأ القوم؛ لأنهم تجاوزوا كثيرا، يقول: فدخل في طريق جادة صغيرة مع أحد الريعان، وصار يمشي وهو يظن أنه على إثرهم حتى ارتفعت الشمس، وخاف على نفسه من العطش، فتبدى -ظهر- له خباء بدو -أي خيمة صغيرة- فاتجه إليها ووصل إليهم، وقال: أين طريق الحجاج؟ قالوا له: طريق الحجاج وراءك، لكن انزل أنت والمرأة معك حتى تستريح وندلك، فنزل بأمه يقول: فما أن وضع أمه على الأرض حتى فاضت روحها، سبحان الله العظيم، فمن يقول: إن امرأة من القصيم تأتي إلى الحجاز إلى هذه الأماكن التي قد لا يحلم أن يصل إليها، حتى تموت في هذا المكان؟! {وما تَدْرِي نَفْسٌ بِأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} “. انتهى المراد [مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (5/ 274وما بعدها)].
(المسألة الرابعة): الإكثارُ مِن ذِكْرِ المَوتِ
“يُستحَبُّ الإكثارُ مِن ذِكْر الموتِ؛
عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُكثِرُ أن يقولَ: أكثِروا مِن ذِكْرِ هاذِمِ اللَّذَّاتِ)) قال الألبانيُّ في ((صحيح سنن الترمذي)) (2307): حسن صحيح.
ولأنَّ ذلك أزجَرُ عن المعصيَةِ، وأدعَى إلى الطَّاعةِ؛ فالإنسانُ إذا تفَكَّرَ في الموت قَصُر أملُه، وكَثُرَ عَمَلُه. [((مغني المحتاج)) للخطيب الشربيني (2/ 3)، ((الثمر الداني)) للآبي الأزهري (1/ 680)]. [الدرر]
(المسألة الخامسة): الاستعدادُ للموتِ
يُستحَبُّ الاستعدادُ للمَوتِ؛ بأن يبادِرَ بالتَّوبةِ ورَدِّ المَظالِم إلى أهلِها، والإقبالِ على الطَّاعاتِ.
1 – قولُ الله تعالى: فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا [الكهف: 110]
2 – قول اللهِ تعالى: وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور: 31]
ثانيًا: من السُّنَّة
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهما، قال: ((أخَذَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم بمَنْكِبِي، فقال: كنْ في الدُّنْيا كأنَّكَ غَريبٌ أو عابِرُ سبيلٍ. وكان ابنُ عمَرَ يقولُ: إذا أمسيْتَ فَلا تنتظِرِ الصَّباحَ، وإذا أصبحْتَ فلا تنتظِرِ المَساءَ، وخُذْ مِن صِحَّتِك لِمَرَضِك، ومن حياتِك لِمَوْتِك)) أخرجه البخاري (6416). [الدرر].
فرع:
ما جاء عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله
* قال الحافظ ابن كثير: وقالَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ: ما رَأيْتُ رَجُلَيْنِ كَأنَّ النّارَ لَمْ تُخْلَقْ إلّا لَهُما مِثْلَ الحَسَنِ، وعُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ. وقالَ بَعْضُهُمْ: رَأيْتُهُ يَبْكِي حَتّى بَكى دَمًا. قالُوا: وكانَ إذا أوى إلى فِراشِهِ قَرَأ {إنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ فِي سِتَّةِ أيّامٍ} [الأعراف (54)] الآيَةَ.
ويَقْرَأُ: {أفَأمِنَ أهْلُ القُرى أنْ يَاتِيَهُمْ بَاسُنا بَياتًا وهُمْ نائِمُونَ} [الأعراف (97)] ونَحْوَ هَذِهِ الآياتِ، وكانَ يَجْتَمِعُ كُلَّ لَيْلَةٍ إلَيْهِ أصْحابُهُ مِنَ الفُقَهاءِ فَلا يَذْكُرُونَ إلّا المَوْتَ والآخِرَةَ، ثُمَّ يَبْكُونَ حَتّى كَأنَّ بَيْنَهُمْ جِنازَةً.
وقالَ أبُو بَكْرٍ الصُّولِيُّ عَنِ المُبَرِّدِ كانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ يَتَمَثَّلُ بِقَوْلِ الشّاعِرِ:
فَما تَزَوَّدَ مِمّا كانَ يَجْمَعُهُ … سِوى حَنُوطٍ غَداةَ البَيْنِ فِي خِرَقِ
وغَيْرَ نَفْحَةِ أعْوادٍ تُشَبُّ لَهُ … وقَلَّ ذَلِكَ مِن زادٍ لِمُنْطَلِقِ
بِأيِّما بَلَدٍ كانَتْ مَنِيَّتُهُ … إنْ لا يَسِرْ طائِعًا فِي قَصْدِها يُسَقِ
ونَظَرَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ وهُوَ فِي جِنازَةٍ، إلى قَوْمٍ قَدْ تَلَثَّمُوا مِنَ الغُبارِ والشَّمْسِ، وانْحازُوا إلى الظِّلِّ، فَبَكى وأنْشَدَ:
مَن كانَ حِينَ تُصِيبُ الشَّمْسُ جَبْهَتَهُ … أوِ الغُبارُ يَخافُ الشَّيْنَ والشَّعَثا
ويَالَفُ الظِّلَّ كَيْ تَبْقى بَشاشَتُهُ … فَسَوْفَ يَسْكُنُ يَوْمًا راغِمًا جَدَثًا
فِي قَعْرِ مُظْلِمَةٍ غَبْراءَ مُوحِشَةٍ … يُطِيلُ فِي قَعْرِها تَحْتَ الثَّرى لُبْثا
تَجَهَّزِي بِجَهازٍ تَبْلُغِينَ بِهِ … يا نَفْسُ قَبْلَ الرَّدى لَمْ تُخْلَقِي عَبَثا
[البداية والنهاية ط لابن كثير (ت (774)) رحمه الله تعالى، (12/ 705 – 706)].
* * جاء عن حَمّادُ بْنُ الوَلِيدِ، قالَ عُمَرُ بْنُ ذَرٍ يَذْكُرُ أنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرانٍ، أنَّهُ قالَ: دَخَلْتُ عَلى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ يَوْمًا وعِنْدَهُ سابِقٌ البَرْبَرِيُّ الشّاعِرُ وهُوَ يُنْشِدُ شَعَرًا، فانْتَهى فِي شَعْرِهِ إلى هَذِهِ الأبْياتِ: [البحر الطويل]
فَكَمْ مِن صَحِيحٍ باتَ لِلْمَوْتِ آمِنًا … أتَتْهُ المَنايا بَغْتَةً بَعْدَما هَجَعْ
فَلَمْ يَسْتَطِعْ إذْ جاءَهُ المَوْتُ بَغْتَةً … فِرارًا ولا مِنهُ بِقُوَّتِهِ امْتَنَعْ
فَأصْبَحَ تَبْكِيهِ النِّساءُ مُقَنَّعًا … ولا يَسْمَعُ الدّاعِي وإنْ صَوْتَهُ رَفَعْ
وقُرِّبَ مِن لَحْدٍ فَصارَ مَقِيلَهُ … وفارَقَ ما قَدْ كانَ بِالأمْسِ قَدْ جَمَعْ
فَلا يَتْرُكُ المَوْتُ الغَنِيَّ لِمالِهِ … ولا مُعْدِمًا فِي المالِ ذا حاجَةٍ يَدَعْ
قالَ: فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يَبْكى ويَضْطَرِبُ حَتّى غُشِيَ عَلَيْهِ، فَقُمْنا فانْصَرَفْنا عَنْهُ “.
[حلية الأولياء وطبقات الأصفياء لأبي نعيم الأصبهاني (ت (430)) رحمه الله، (5/ 318)].
(المسألة السادسة):
وللشيخ صالح آل الشيخ كلام فيما يتعلق بعقيدة أهل السنة في الموت:
“قال هنا -أي العلامة الطحاوي – “مُمِيتٌ بِلا مَخافَةٍ، باعِثٌ بِلا مَشَقَّةٍ”.
يعني: أنّه سبحانه يميت من شاء أنْ يُمِيتَهُ، ويُفْقِدَ من شاء أن يُفقده الحياة، لا لخوف من هذا الذي أفقده الحياة أن يعتدي على مقام الربّ – عز وجل -؛ ولكن لحكمته سبحانه.
فهو الذي أحيا وأمات، وهو الذي أفقر وأغنى سبحانه لحكمته البالغة العظيمة.
فهو فيما يُحيي لم يُحيِ لحاجة، وفيما أمات سبحانه ما أمات لمخافة؛ بل هو سبحانه الذي يحيي ويميت لحكمة بالغة.
فقال هنا (مُمِيتٌ بِلا مَخافَةٍ) والمخلوق البشر أو غير البشر يعتدي بالإماتة على من يخاف من شره.
وهذا دليل النَّقص في المخلوق؛ لأنه لمّا لم يكن دافعًا عن نفسه إلا بهذا الفعل صارت في المخلوق هذا من صفات النقص في أنه يميت لمخافته.
وهذا لا يدخل فيه معنى مشروعية الجهاد لأنّ هذا لمعنىً آخر لا يتعلق بالمخلوق، بل يتعلق بحق الله – عز وجل – وإقامة دينه وإعلاء كلمته.
فهذا معنى قوله (مُمِيتٌ بِلا مَخافَةٍ).
وأنه سبحانه (باعِثٌ بِلا مَشَقَّةٍ).
باعث الخلق بعد موتهم سواءٌ في ذلك بَعْثُ المكلَّفين أو بَعْثُ غير المكلَّفين بلا مشقة تلحقه سبحانه، {ما خَلْقُكُمْ ولا بَعْثُكُمْ إلّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ} [لقمان: (28)]، وهذا لكمال صفات الرب – عز وجل -.
إذا تبين لك ذلك، فإنّ في هذه الجملة من كلامه مسائل أعني قوله (مُمِيتٌ بِلا مَخافَةٍ)، فيها مسائل:
[المسألة الأولى]:
أنّ (مُمِيتٌ) اسم فاعل من (أمات) المتعدي.
والاسم للرب – عز وجل – المميت، هو سبحانه المحيي المميت.
والمميت صفة كمال مع قرينتها المحيي.
المميت اسم كمال مع قرينه المحيي، فهو سبحانه الموصوف بكونه أحيا وأمات – عز وجل-.
[المسألة الثانية]:
معنى (مُمِيتٌ) أي خَلَقَ الموت، فيمن شاء سبحانه، يعني جعل من شاء مِن خَلْقِهِ ميِّتًا بعد أن كان حيا.
والموت عند جمهور أهل السنة ومن وافقهم من غيرهم مخلوق موجود.
وهو الذي يعبِّرون عنه بأن الموت صفة وُجودية؛ وذلك لقول الله – عز وجل – {الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: (2)] فجعل الموت مخلوقا وتَسَلَّطَ عليه الخلق، وهذا يدل على أنه موجود، (خَلَقَ المَوْتَ) وخَلْقُهُ يدل على أنه صفة وُجودية.
وكذلك ما جاء في السنة من أحاديث كثيرة فيها أن الموت يؤتى به يوم القيامة على هيئة كبش فيذبح على قنطرة بين الجنة والنار، فهذا يدل على أنّ الموت موجود وله صفة الوجود.
وهذا له أدلة أيضا كثيرة تدل على ما ذكرنا من أنّ الموت ليس عدما للحياة، وإنما هو وجودٌ لصفةٍ ليست هي الحياة.
فالحياة وصف صفة، وهو وجود لصفة أخرى، وهذه الصفة الأخرى هي الموت.
هذا هو الذي قرره جمهور أهل السنة.
وقال غير أهل السنة من الفلاسفة وبعض من وافقهم من أهل السنة وهو قول أهل الكلام فيما ذكروه في كتبهم الخاصة بالكلام، قالوا في تعريفهم للموت: الموت عدم الحياة عمّا من شأنه أن يكون حيّا.
وهذا التعريف تجده في كثير من كتب التفسير التي ينحو أصحابها منحى أهل الكلام، حتى إنّ بعضها المنتسبين لمنهج السلف ظنَّ أنّ هذا التعريف يمشي فنقل بعض النقولات فيها هذا التعريف.
وهذا هو تعريف أهل الكلام والفلاسفة يقولون: الموت عدم الحياة عما من شأنه أن يكون حيا.
ويجيبون عن الآية في قوله {خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ} بأنّ الخلق هنا بمعنى التقدير، فيكون عندهم معنى الآية الذي قدّر الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا.
وهذا مصيرٌ منهم إلى أن الموت عدمٌ محض.
وهذا خلاف الأدلة الكثيرة من السنة وأيضا من القرآن التي تدل على أنّ الموت حياة أخرى.
ولهذا نقول لمن مات إنه في الحياة البرزخية وليس في عدمٍ.
فحياة الإنسان متعلقة بروحه ومتعلقة بجسده.
وحياة الجسد بحلول الروح فيه، فإذا فارقت الروح الجسد صار الجسد عديم الحياة.
لذلك تنتثر أجزاؤه في التراب ويذهب.
وأما الروح وهي داخلة في جملة تسمية الإنسان إنسانا، أما الروح فهي مخلوقة للبقاء لا للعدم.
لهذا إذا قيل ماتَ يعني صار جسمه للعدم أو صار جسمه للفناء، وأما روحه فهي للبقاء، لكن لها حياة تخصُّها.
والجسد عند أهل السنة في القبر له تَعَلُّقْ بالروح؛ فإنّ الحياة البرزخية للروح عند أهل السنة، والجسد تبع لها؛ تبع للروح، ليست الحياة للروح فقط؛ بل هي للروح والجسد تابع.
عكس الحياة الدنيا؛ فإن الحياة فيك الآن للجسد والروح تبع، فيألم الجسد فتألم الروح، وهكذا يسعد الجسد فتسعد الروح إلى غير ذلك من التفصيل.
وأما بعد الحياة البرزخية يعني بعد الموت، فإنّ الموت حالة، صفة وُجِدَتْ أدَّت إلى انفصال الروح عن البدن، فصارت الروح بالموت لها حياة تخصُّها، وصار البدن بالموت له صفة تخصه، وبين هذا وهذا تَعَلُّقْ.
يدلُّكَ هذا على صحة ما اختاره أئمة أهل السنة بما دلتهم عليه الأحاديث وظاهر القرآن من أنّ الموت صفة توجد وليس عدمًا محضًا، بل هو موجود له خصائصه.
والموت في الآية مخلوق {خَلَقَ المَوْتَ والحَياةَ}.
وقولهم إنّ الموت والحياة هنا تَسَلَّط عليها الفعل (خلق) فيكون بمعنى التقدير، نقول هذا غير مستقيم لأنه علَّلَ ذلك بعده بقوله {لِيَبْلُوَكُمْ أيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلًا} وحُسْنُ العمل إنما يكون بعد الوجود، ولهذا قدَّمَ الموت على الحياة؛ لأنّ الموت يكون بعده الجزاء على حُسن العمل، ولِما جاء في السنة من الأدلة.
[المسألة الثالثة]:
أنّ الموت متعلِّق – يعني إماتة الرب – عز وجل – – متعلقة بكل شيء، كما قال سبحانه {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلّا وجْهَهُ} [القصص: (88)]، فكل شيء كُتب عليه الموت، فلا بد أن يموت، (كُلُّ شَيْءٍ) يعني مما حَلَّتْهُ الحياة بالروح فلا بد أن يفنى.
وهناك ما اسْتُثْنِيَ مما يموت وذلك في قوله – عز وجل – {ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّماواتِ ومَن فِي الأرْضِ إلّا مَن شاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: (68)].
والاستثناء هنا في قوله {إلّا مَن شاءَ اللَّهُ} اختلف فيه أهل العلم على عدة أقوال ترجعون إليها في التفسير:
منها أن يكون المستثنى أرواح الشهداء؛ لأنّ الشهداء أحياء بنص الآية {ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أمْواتًا بَلْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ((169)) فَرِحِينَ بِما آتاهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [آل عمران: (169) – (170)] الآيات في آل عمران.
وهذا هو أظهر الأقوال؛ أنّ المُسْتَثْنى أرواح الشهداء، فيكون عموم قوله – عز وجل – {كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إلّا وجْهَهُ} على ظاهره في أنه سَيَهْلِكُ كل شيء إلا الرب – عز وجل -.
وهذا قد جاء في تفسير قوله تعالى {فادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ولَوْ كَرِهَ الكافِرُونَ ((14)) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو العَرْشِ} إلى قوله {لِمَن المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ} [غافر: (14) – (16)]؛ لأنّ الرب – عز وجل – إذا أمات الملائكة المقربين نادى (لِمَن المُلْكُ اليَوْمَ)؟ ثم أجاب نفسه العَلِيَّةْ بقوله عز وجل: (المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ)، (لِمَن المُلْكُ اليَوْمَ لِلَّهِ الواحِدِ القَهّارِ)، ثم قال {اليَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ اليَوْمَ إنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسابِ} [غافر: (17)].
وهذا يدلّ على أنّ المخلوقات جميعًا ضعيفة محتاجة إلى ربها.
فكل من استحضر صفة الموت الذي سيحل به وسيحل أيضا بغيره من المخلوقات، فإنه يظهر له عِظَمْ الرب – عز وجل – الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا، وأنه سبحانه وتعالى هو المحيي المميت، وأنه هو – عز وجل – هو الواحد الأحد الغني الكامل في صفاته ونعوت جلاله وعظمته.
وأمّا قول الطحاوي (باعِثٌ بِلا مَشَقَّةٍ) فهذا فيه صفة البعث لله – عز وجل – وفي موضعه سيأتي إن شاء الله تعالى ذكر مسائل البعث والنشور بتفصيلاتها. انتهى المراد [شرح الطحاوية لصالح آل الشيخ = إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل].