(1234) فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1234):
مسند أبي طَلِيقٍ رضي الله عنه
قال الإمام البزار رحمه الله كما في «كشف الأستار» (ج (2) ص (38)): حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ المُخْتارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أبِي طُلَيْقٍ، قالَ: طَلَبَتْ مِنِّي أُمُّ طُلَيْقٍ جَمَلا تَحُجُّ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: قَدْ جَعَلْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قالَتْ: إنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أنْ أحُجَّ عَلَيْهِ، فَسَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ: ((صَدَقَتْ، لَوْ أعْطَيْتَها كانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وإنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضانَ تَعْدِلُ حَجَّةً)).
هذا حديث حسنٌ. من أجل محمد بن فضيل، لكنه قد توبع؛ فيرتقي إلى الصحة، والحمد لله.
* قال الدولابي في «الكنى» (ج (1) ص (41)): حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ قالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِياثٍ قالَ:، ثَنا أبِي قالَ: حَدَّثَنِي المُخْتارُ بْنُ فُلْفُلٍ قالَ: حَدَّثَنِي طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ البَصْرِيُّ أنَّ أبا طَلِيقٍ حَدَّثَهُمْ: أنَّ امْرَأتَهَ أُمَّ طَلِيقٍ أتَتْهُ، فَقالَتْ لَهُ: حَضَرَ الحَجُّ يا أبا طَلِيقٍ – وكانَ لَهُ جَمَلٌ وناقَةٌ يَحُجُّ عَلى النّاقَةِ، ويَغْزُو عَلى الجَمَلِ-، فَسَألَتْهُ أنْ يُعْطِيَها الجَمَلَ تَحُجُّ عَلَيْهِ.
قالَ: ألَمْ تَعْلَمِي أنِّي حَبَسْتُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟
قالَتْ: إنَّ الحَجَّ مِن سُبُلِ اللَّهِ، فَأعْطِنِيهِ يَرْحَمْكَ اللَّهُ.
قالَ: ما أُرِيدُ أنْ أُعْطِيَكِ.
قالَتْ: فَأعْطِنِي ناقَتَكَ، وحُجَّ أنْتَ عَلى الجَمَلِ.
قالَ: لا أُوثِرُكِ بِها عَلى نَفْسِي.
قالَتْ: فَأعْطِنِي مِن نَفَقَتِكَ،
قالَ: ما عِنْدِي فَضْلٌ عَنِّي وعَنْ عِيالِي ما أخْرُجُ بِهِ، وما أنْزِلُ لَكُمْ.
قالَتْ: إنَّكَ لَوْ أعْطَيْتَنِي أخْلَفَكَها اللَّهُ.
قالَ: فَلَمّا أبِيتُ عَلَيْها، قالَتْ: فَإذا أتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأقْرِئْهُ مِنِّي السَّلامَ، وأخْبِرْهُ بِالَّذِي قُلْتُ لَكَ.
قالَ: فَأتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَأقْرَاتُهُ مِنها السَّلامَ، وأخْبَرْتُهُ بِالَّذِي قالَتْ أُمُّ طَلِيقٍ.
قالَ: ((صَدَقَتْ أُمُّ طَلِيقٍ، لَوْ أعْطَيْتَها الجَمَلَ كانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ولَوْ أعْطَيْتَها ناقَتَكَ كانَتْ وكُنْتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ولَوْ أعْطَيْتَها مِن نَفَقَتِكَ أخْلَفَكَها اللَّهُ)). قالَ: وإنَّها تَسْألُكَ يا رَسُولَ اللَّهِ ما يَعْدِلُ الحَجَّ؟ قالَ: ((عُمْرَةٌ فِي رَمَضانَ)).
وقال الطبراني رحمه الله في «الكبير» (ج (22) ص (324)): ثنا عمرو بن أبي الطاهر بن السرح، ثنا يوسف بن عدي، ثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن المختار بن فلفل به.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
أولاً:
الوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
1 – كتاب العلم، 121 – التعديل، (186).
6 – كتاب الصدقات، 23 – النفقة في الحج في سبيل الله، (1307).
7 – كتاب الحج والعمرة، 59 – النفقة في الحج هي في سبيل الله، (1422).
13 – كتاب الجهاد والغزوات، 55 – من جعل جمله في سبيل الله، (2010).
16 – كتاب الفضائل، 81 – ذكر أم طليق – رضي الله عنها -، (2583).
وفي المطالب العالية، كتاب الحج، 14 – بابُ: الحَمْلِ عَلى الرّاحِلَةِ فِي الحَجِّ يَحْسِبُ مِن سَبِيلِ اللَّهِ، برقم (1148).
وقال السيوطي رحمه الله: “أخرجه الطبراني ((22) / (324)، رقم (816)). قال الهيثمي ((3) / (280)): رواه الطبراني في الكبير والبزار باختصار عنه، ورجال البزار رجال الصحيح”. انتهى [جامع الأحاديث للحافظ السيوطي، (13/ 469)، برقم (13551)].
وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني ((3069))، بعد أن أرود ما أخرجه الدولابي رحمه الله، قال: “وهذا إسناد جيد؛ كما قال الحافظ في «الإصابة»، وعزاه لابن أبي شيبة أيضًا، والبغوي، وابن السكن، وابن منده.
وعزاه في «المطالب» ((1) / (320)) لأبي يعلى. يعني: في «المسند الكبير».
وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» ((22) / (324) / (816) و (25) / (173) / (425)) مطولًا ومختصرًا بإسناد واحد من طريق عبد الرحيم بن سليمان عن المختار بن فلفل به، والزيادة له.
وأخرجه البزار ((2) / (38) / (1151)) من طريق محمد بن فضيل عن المختار به مختصرًا.
وقد وقع مثل هذه القصة لأم معقل مع زوجها أبي معقل، وهو مخرج في «الإرواء» ((3) / (375)) عنها برواية أحمد.
ورواه ابن خزيمة في «صحيحه» ((3077))، والحاكم وغيرهما من حديث ابن عباس نحوه، وفيه الزيادة بلفظ: « … . تعدل حجة معي». وهو مخرج في «الإرواء» ((6) / (32) / (1587)).
وهي في «صحيح البخاري» أيضًا ((863) (1)). انظر «مختصر البخاري» ((28) – جزاء الصيد/ (25) – باب) “. انتهى.
ثانيا: بيان الحديث:
“أن أفضل ما يُنفقه الرجل من الدنانير دينارٌ يُنفقه على من يعولهم، وتلزمه نفقتهم ومؤنتهم، من نحو زوجة، وولد، وخادم، وهذا إذا نوى به وجه الله تعالى؛ لما أخرجه الشيخان عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إنك لن تُنفق نفقة تبتغي بها وجه الله، إلا أُجرت عليها، حتى ما تَجعَل في فم امرأتك)).
وأخرجا عن أبي مسعود البدريّ -رضي الله عنه-، عن النبيّ – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا أنفق الرجل على أهله يَحتسبها، فهو له صدقة))، ولفظ مسلم: ((إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقةً، وهو يحتسبها، كانت له صدقةً)) “. [البحر المحيط الثجاج]، هذا مما يلزمه من النفقات.
وجاء في الفتح الرباني: ” (عن ابن عباس) رضى الله عنهما، قال: أراد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الحج، فقالت امرأة لزوجها: أحجتى مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على جملك، فقال: ما عندي ما أحجك عليه، فقالت أحججني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل، فأتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقال: إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله، وأنها سألتني الحج معك، قالت: أحججني مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فقلت ما عندي ما أحججك عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، فقلت: ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل، قال: ((أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله))، وأنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجة معك؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أقرأها السلام ورحمة الله وبركاته، وأخبرها أنها تعدل حجة معي -يعنى عمرة في رمضان-، رواه أبو داود وابن خزيمة في صحيحه كلاهما بالقصة، واللفظ لأبى داود. وآخره عندهما سواء.
(وعنه أيضا) قال جاءت أم سليم إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالت حج أبو طلحة وابنه وتركاني، فقال يا أم سليم عمرة في رمضان تعدل حجة، رواه ابن حبان في صحيحه.
(وعن أبي طليق) أن امرأته قالت له وله جمل وناقة أعطني جملك أحج عليه، قال: هو حبيس في سبيل الله، قالت: إنه في سبيل الله أن أحج عليه، قالت: فأعطني الناقة وحج على جملك، قال: لا أوثر على نفسى أحدا؛ قالت فأعطني من نفقتك، قال ما عندي فضل عن ما أخرج به وأدع لكم، ولو كان معي لأعطيتك، قالت فاذ فعلت ما فعلت فاقرأ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – السلام إذا لقيته، وقل له الذى قلت لك، فلما لقى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – اقرأه منها السلام وأخبره بالذي قالت له، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((صدقت أم طليق، لو أعطيتها جملك كان في سبيل الله، ولو أعطيتها من نفقتك أخلفها الله لك))، قلت فما يعدل الحج معك؟ قال: ((عمرة في رمضان))، أورده الهيثمي وقال رواه الطبراني في الكبير والبزار باختصار عنه، ورجال البزار رجال الصحيح اهـ
قال الحافظ المنذري: أبو طليق هو أبو معقل، وكذلك زوجته أم معقل تكنى أم طليق أيضا، ذكره ابن عبد البر النمري اهـ. وأشار إلى هذا الحديث أيضا الحافظ في الفتح وذكر شيئا منه، ثم قال: وزعم ابن عبد البر أن أم معقل هي أم طليق كنيتان وفيه نظر؛ لأن أبا معقل مات في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – وأبا طليق عاش حتى سمع منه طلق بن حبيب وهو من صغار التابعين، فدل على تغاير المرأتين ويدل عليه تغاير السياقين أيضا. اهـ
* يستفاد مما أوردنا في أحاديث الباب والزوائد: أن قصة الجمل وقعت لأربع نسوة:
إحداهن: أم سنان الأنصارية. والثانية: أم معقل الأسدية. والثالثة: أم سليم. والرابعة: أم طليق. بل قال الحافظ: ووقعت (يعنى القصة) لأم الهيثم أيضا فيصرن خمسة، والظاهر أن القصة تعددت، وأن هؤلاء النسوة كن قد أدين فريضة الحج مع أبى بكر رضى الله عنه سنة تسع، ولذلك لم يستعد أزواجهن لما يوصلهن إلى الحج مع النبي – صلى الله عليه وسلم – والله أعلم”. [الفتح الرباني (الحاشية)، (11/ 39)].
ثالثا: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): معنى “سَبِيل اللَّهِ
التَّعْرِيفُ:
(1) – السَّبِيل هُوَ الطَّرِيقُ، يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ. قال اللَّهُ تَعالى: {قُل هَذِهِ سَبِيلِي}.
وسَبِيل اللَّهِ فِي أصْل الوَضْعِ هُوَ: الطَّرِيقُ المُوَصِّلَةُ إلَيْهِ تَعالى، فَيَدْخُل فِيهِ كُل سَعْيٍ فِي طاعَةِ اللَّهِ، وفِي سَبِيل الخَيْرِ.
وفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ الجِهادُ.
الحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
(2) – قال جُمْهُورُ الفُقَهاءِ وعامَّةُ المُفَسِّرِينَ: سَبِيل اللَّهِ وضْعًا هُوَ الطَّرِيقُ المُوَصِّلَةُ إلى اللَّهِ، ويَشْمَل جَمِيعَ القُرَبِ إلى اللَّهِ، إلاَّ أنَّهُ عِنْدَ الاطْلاَقِ يَنْصَرِفُ إلى الجِهادِ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمالِهِ فِيهِ فِي القُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: {وقاتِلُوا فِي سَبِيل اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ}، وقَوْلِهِ: {إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا}.
وما فِي القُرْآنِ مِن ذِكْرِ «سَبِيل اللَّهِ» إنَّما أُرِيدَ بِهِ الجِهادُ إلاَّ اليَسِيرَ مِنهُ فَيُحْمَل عَلَيْهِ.
ولأِنَّ الجِهادَ هُوَ سَبَبُ الشَّهادَةِ المُوَصِّلَةِ إلى اللَّهِ،
(وسَبِيل اللَّهِ) فِي مَصارِفِ الزَّكاةِ يُعْطى لِلْغُزاةِ المُتَطَوِّعِينَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ سَهْمٌ فِي دِيوانِ الجُنْدِ لِفَضْلِهِمْ عَلى غَيْرِهِمْ؛ لأِنَّهُمْ جاهَدُوا مِن غَيْرِ أرْزاقٍ مُرَتَّبَةٍ لَهُمْ.
فَيُعْطُونَ ما يَشْتَرُونَ بِهِ الدَّوابَّ والسِّلاَحَ، وما يُنْفِقُونَ بِهِ عَلى العَدُوِّ إنْ كانُوا أغْنِياءَ، وبِهَذا قال مالِكٌ والشّافِعِيُّ وأحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وإسْحاقُ، وأبُو ثَوْرٍ وأبُو عُبَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ، واحْتَجُّوا بِما رَوى أبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ تَحِل الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلاَّ لِخَمْسَةٍ: لِعامِلٍ عَلَيْها، أوْ رَجُلٍ اشْتَراها بِمالِهِ، أوْ غارِمٍ، أوْ غازٍ فِي سَبِيل اللَّهِ، أوْ مِسْكِينٍ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ مِنها فَأهْدى مِنها لِغَنِيٍّ)). [أخرجه أحمد ((3) / (56) – ط الميمنية) وأخرج شطرًا منه الحاكم ((1) / (407) – (408) – ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي]
وقالُوا: ولأِنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَل الفُقَراءَ والمَساكِينَ صِنْفَيْنِ، وعَدَّ بَعْدَهُما سِتَّةَ أصْنافٍ فَلاَ يَلْزَمُ وُجُودُ صِفَةِ الصِّنْفَيْنِ فِي بَقِيَّةِ الاصْنافِ كَما لاَ يَلْزَمُ صِفَةُ الاصْنافِ فِيهِما.
وقال الحَنَفِيَّةُ: لاَ تُدْفَعُ إلاَّ لِمَن كانَ مُحْتاجًا إلَيْها، وذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ فِي قِصَّةِ بَعْثِ الرَّسُول – صلى الله عليه وسلم – لِمُعاذِ بْنِ جَبَلٍ إلى اليَمَنِ وفِيهِ: ((أخْبِرْهُمْ أنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِن أغْنِيائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلى فُقَرائِهِمْ)).
فَقَدْ جَعَل النّاسَ قِسْمَيْنِ: قِسْمًا يُؤْخَذُ مِنهُمْ، وقِسْمًا يُصْرَفُ إلَيْهِمْ، فَلَوْ جازَ صَرْفُ الصَّدَقَةِ إلى الغَنِيِّ لَبَطَل القِسْمَةُ، وهَذا لاَ يَجُوزُ.
وقال مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ: المُرادُ مِن قَوْله تَعالى: {وفِي سَبِيل اللَّهِ} الحاجُّ المُنْقَطِعُ؛ لِما رُوِيَ أنَّ رَجُلًا جَعَل بَعِيرًا لَهُ فِي سَبِيل اللَّهِ، فَأمَرَهُ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم -: أنْ يَحْمِل عَلَيْهِ الحُجّاجَ [حديث: «أن رجلًا جعل بعيرًا له في سبيل الله». استشهد به الكاساني في بدائع الصنائع ((2) / (46) – نشر دار الكتاب العربي)، وذكره الزيلعي في نصب الراية ((2) / (395) – ط المجلس العلمي) ولم يعزه إلى أي مصدر حديثي، وإنما أشار إلى الحديث الذي يليه في هذا البحث].
ورُوِيَ أيْضًا أنَّ رَجُلًا جَعَل جَمَلًا لَهُ فِي سَبِيل اللَّهِ فَأرادَتِ امْرَأتُهُ الحَجَّ، فَقال رَسُول اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: فَهَلاَّ خَرَجَتْ عَلَيْهِ، فَإنَّ الحَجَّ فِي سَبِيل اللَّهِ. [أخرجه أبو داود ((2) / (504) – تحقيق عزت عبيد دعاس) وأعله الشوكاني بجهالة راو فيه، وبالاضطراب في سنده. كذا في نيل الأوطار ((4) / (191) – ط الحلبي)]،
وعَنْ أبِي طَلِيقٍ: قال: طَلَبَتْ مِنِّي أُمُّ طَلِيقٍ جَمَلًا تَحُجُّ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: قَدْ جَعَلْتُهُ فِي سَبِيل اللَّهِ، فَسَألْتُ رَسُول اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقال: صَدَقْتَ، لَوْ أعْطَيْتَها كانَ فِي سَبِيل اللَّهِ.
ويُؤْثَرُ عَنْ أحْمَدَ وإسْحاقَ أنَّهُما قالاَ: سَبِيل اللَّهِ: الحَجُّ، وقال ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: سَبِيل اللَّهِ الحُجّاجُ والعُمّارُ.
وقال بَعْضُ الحَنَفِيَّةِ: سَبِيل اللَّهِ طَلَبَةُ العِلْمِ.
وقال الفَخْرُ الرّازِيَّ فِي تَفْسِيرِهِ: «ظاهِرُ اللَّفْظِ فِي قَوْله تَعالى: {وفِي سَبِيل اللَّهِ} لاَ يُوجِبُ القَصْرَ عَلى الغُزاةِ، فَلِهَذا نَقَل القَفّال فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ بَعْضِ الفُقَهاءِ أنَّهُمْ أجازُوا صَرْفَ الصَّدَقاتِ إلى جَمِيعِ وُجُوهِ الخَيْرِ مِن تَكْفِينِ المَوْتى، وبِناءِ الحُصُونِ، وعِمارَةِ المَساجِدِ؛ لأِنَّ سَبِيل اللَّهِ عامٌّ فِي الكُل. [ابن عابدين (2) / (60)، وتفسير الرازي] ” [سبيل- الموسوعة الفقهية الكويتية].
(المسألة الثانية): فضل النفقة:
(1) – قال الله تعالى: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ سِرًّا وعَلانِيَةً فَلَهُمْ أجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ} (البقرة/ (274)).
(2) – عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها كانت له صدقة)). متفق عليه.
(3) – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار)). متفق عليه.
(المسألة الثالثة): أحوال الإنفاق على الزوجة:
(1) – نفقة الزوجة واجبة على زوجها من مأكل، ومشرب، وملبس، ومسكن ونحو ذلك بما يصلح لمثلها، وذلك يختلف باختلاف أحوال البلاد والأزمنة، وحال الزوجين وعاداتهما.
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم … – وفيه- ((فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله … ولهنَّ عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف)). أخرجه مسلم.
(2) – يجب على الزوج نفقة زوجته المطلقة الرجعية وكسوتها وسكناها، لكن لا قسم لها.
(3) – الزوجة البائن بفسخ أو طلاق لها النفقة إن كانت حاملًا، فإن لم تكن حاملًا فلا نفقة لها ولا سكنى.
(4) – لا نفقة ولا سكنى لمتوفى عنها زوجها، فإن كانت حاملًا وجبت نفقتها من نصيب الحمل من التركة، فإن لم يكن فعلى وارثه الموسر.
(5) – إذا نشزت المرأة أو حُبست عنه سقطت نفقتها إلا أن تكون حاملًا.
* إذا غاب الزوج ولم ينفق على زوجته لزمته نفقة ما مضى.
* إذا أعسر الزوج بالنفقة، أو الكسوة، أو السكن، أو غاب ولم يدع للزوجة نفقة، وتعذَّر أخذها من ماله، فلها الفسخ إن شاءت بإذن الحاكم. [الموسوعة الفقهية].
(المسألة الرابعة): الشُّرُوطُ الخاصَّةُ بِالنِّساءِ في الحج:
“اتفق الفقهاء على أنه يشترط لوجوب الحج، الشرط الاتية:
1 – الإسلام.
2 – البلوغ.
3 – العقل.
4 – الحرية.
5 – الاستطاعة.
فمن لم تتحقق فيه هذه الشروط، فلا يجب عليه الحج”.
و”ما يَخُصُّ النِّساءَ مِن شُرُوطِ الاِسْتِطاعَةِ شَرْطانِ لاَ بُدَّ مِنهُما؛ لِكَيْ يَجِبَ الحَجُّ عَلى المَرْأةِ يُضافانِ إلى خِصال شَرْطِ الاِسْتِطاعَةِ الَّتِي ذَكَرْناها.
هَذانِ الشَّرْطانِ هُما: الزَّوْجُ أوِ المَحْرَمُ، وعَدَمُ العِدَّةِ.
الزَّوْجُ أوِ المَحْرَمُ الامِينُ:
يُشْتَرَطُ أنْ يَصْحَبَ المَرْأةَ فِي سَفَرِ الحَجِّ زَوْجُها أوْ مَحْرَمٌ مِنها، إذا كانَتِ المَسافَةُ بَيْنَها وبَيْنَ مَكَّةَ ثَلاَثَةُ أيّامٍ، وهِيَ مَسِيرَةُ القَصْرِ فِي السَّفَرِ، وإلى هَذا ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ والحَنابِلَةُ.
وتَوَسَّعَ الشّافِعِيَّةُ والمالِكِيَّةُ فَسَوَّغُوا الاِسْتِبْدال بِالمَحْرَمِ، فذَهَبَ الشّافِعِيَّةُ إلى أنَّها إنْ وجَدَتْ نِسْوَةً ثِقاتٍ.
قال ابن تيمية:
وكذلك سفر المرأة مع غير ذي محرم منهيٌّ عنه، ويجوز لرجحان المصلحة، كسفر عائشة مع صفوان بن المعطّل لما كانت وحدها، وكان سفرها معه خيرًا من أن تبقى ضائعةً.
وكذلك هجرتها بلا محرم، كهجرة أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط بلا محرم، وزينب بنت النبي – صلى الله عليه وسلم – أرسل لها رجالًا جاءوا بها.
وقد تنازع الفقهاء في الحج، والأقوى أنه إذا تعذَّر حجها مع المحرم أن تحج إذا أمنت، لأن حجها مع من تأمنه أرجح من تفويت الحج. وقوله: «حُجَّ مع امرأتك» دليلٌ على أنه إذا أمكن سفرُها مع محرم لم تخرج وحدَها جمعًا بين المصلحتين، وأما إذا دار الأمرُ بين تفويتِ الحج وبين سفرِها بلا محرم سفرًا آمنًا كان حصولُ الحج أصلَحَ لها، فإن حصول الفساد في دينها إذا سافرت وحدَها، وهذا في طريق الحج نادر، ومع من تأمنُه معدوم، بخلاف سفرها بلا محرم لتجارة
وزيارة، فإن هذه مظنة فساد دينها، كخلوة الأجنبي بها، وخلوته بها لرجحان المصلحة جائز. وأحمد في رواية المرُّوذي قد جوَّز السفر للكبيرة التي لا محرمَ لها وقد يئست من الزواج، فإنها من القواعد.
وكذلك سفرها إلى المساجد الثلاثة هو طاعة وقربة تفوتها، فإذا أمنت لم يبعد جوازه، بخلاف السفر الذي ليس بواجب ولا مستحب، فإن هذا ليس فيه مصلحة راجحة في دينها، وفيه مفسدة في دينها، فإن انفرادها عن الزوج والمحرم مظنة حصول الشر في دينها، فإذا فوَّت السفر الذي هو في نفسه طاعة، والسفر غير الطاعة، واعتبر في سفر الطاعة أن تكون آمنةً، فهذا قولٌ متوجه كما قال كثير من العلماء.
وهم متفقون على أن قوله: «لا تسافر المرأة إلا مع زوج أو ذي محرم» ليس على عمومه، فإنه يجوز لها سفر الضرورة، كسفر الهجرة، وكسفر زينب وأم كلثوم بلا زوج ولا ذي محرم.
والنظر إلى الأجنبية مُنِع منه لأنه داعية للمحرَّم، يجوز للخاطب بالنصِّ والإجماع للحاجة، وجُوِّز للشاهد والعامل، وجوَّزه أصحابنا وغيرهم بشرط عدم الشهوة، وجوَّزه أصحاب أبي حنيفة مع الشهوة، وإذا كان بلا شهوة يجوز عندهم مطلقًا إلى الوجه واليدين، وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد قولي الشافعي.
ومن ذلك: الصلاة وقتَ الطلوع والغروب، نُهِي عنه لسدِّ الذريعة
لئلا يُشبِه عُبّادَ الشمس، فيجوز للمصلحة الراجحة، مثل قضاء الفوائت وغيرها. والصحيح أنه يجوز في ذوات الأسباب مطلقًا، كقول الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين.
جامع المسائل لابن تيمية
بينما ذهب أكثر مشايخنا المعاصرين إلى اشتراط المحرم وأوجه الرد على من أجاز الرفقة الصالحة واضحة ويذكر بعضهم حصول مآسي على ذهاب المرأة بغير محرم.
فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِالمَسْألَةِ:
أ – يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الحَجِّ عَلى المَرْأةِ أنْ تَكُونَ قادِرَةً عَلى نَفَقَةِ نَفْسِها ونَفَقَةِ المَحْرَمِ إنْ طَلَبَ مِنها النَّفَقَةَ، لأِنَّهُ يَسْتَحِقُّها عَلَيْها عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ.
وكَذَلِكَ عَبَّرَ بِالنَّفَقَةِ ابْنُ قُدامَةَ مِنَ الحَنابِلَةِ. وعَبَّرَ المالِكِيَّةُ والشّافِعِيَّةُ وابْنُ مُفْلِحٍ مِنَ الحَنابِلَةِ بِالاجْرَةِ. والمُرادُ أُجْرَةُ المِثْل. [المسلك المتقسط ص (38) والدر المختار مع حاشيته رد المحتار (2) / (199)، والمغني (3) / (240)، وشرح الرسالة وحاشية العدوي (1) / (455)، والشرح الكبير وحاشيته (2) / (9)، ومواهب الجليل (2) / (522) والفروع (3) / (240)].
ولَوْ امْتَنَعَ المَحْرَمُ عَنِ الخُرُوجِ إلاَّ بِأُجْرَةٍ لَزِمَتْها إنْ قَدَرَتْ عَلَيْها، وحَرُمَ عَلَيْها الخُرُوجُ مَعَ الرُّفْقَةِ المَامُونَةِ وهَذا عِنْدَ المالِكِيَّةِ.
وأمّا عِنْدَ الشّافِعِيَّةِ فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ أنْ تَكُونَ فِي صُحْبَةِ زَوْجٍ أوْ مَحْرَمٍ أوْ رُفْقَةٍ مَامُونَةٍ. [حاشية الدسوقي (2) / (9)، ومغني المحتاج (1) / (467)].
وقد جاء في المغني: “فَإنْ امْتَنَعَ مَحْرَمُها مِن الحَجِّ مَعَها، مَعَ بَذْلِها لَهُ نَفَقَتَهُ، فَهِيَ كَمَن لا مَحْرَمَ لَها؛ لِأنَّها لا يُمْكِنُها الحَجُّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ. وهَلْ يَلْزَمُهُ إجابَتُها إلى ذَلِكَ؟
عَلى رِوايَتَيْنِ، نَصَّ عَلَيْهِما.
والصَّحِيحُ أنَّهُ لا يَلْزَمُهُ الحَجُّ مَعَها؛ لِأنَّ فِي الحَجِّ مَشَقَّةً شَدِيدَةً، وكُلْفَةً عَظِيمَةً، فَلا تَلْزَمُ أحَدًا لِأجْلِ غَيْرِهِ، كَما لَمْ يَلْزَمْهُ أنْ يَحُجَّ عَنْها إذا كانَتْ مَرِيضَةً”. [المغني لابن قدامة (3) / (231) – المقدسي، موفق الدين (ت (620))].
ب – الزَّوْجُ إذا حَجَّ مَعَ امْرَأتِهِ فَلَها عَلَيْهِ النَّفَقَةُ، نَفَقَةُ الحَضَرِ لاَ السَّفَرِ، ولَيْسَ لَهُ أنْ يَاخُذَ مِنها أجْرًا مُقابِل الخُرُوجِ مَعَها عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ، وهُوَ ظاهِرُ كَلاَمِ الحَنابِلَةِ، لأِنَّهُمْ خَصُّوا المَحْرَمَ بِأخْذِ الاجْرَةِ.
وعِنْدَ المالِكِيَّةِ والشّافِعِيَّةِ لَهُ أخْذُ الاجْرَةِ إذا كانَتْ أُجْرَةَ المِثْل. [المسلك المتقسط ص (39) وشرح الرسالة والشرح الكبير وحاشيته ومواهب الجليل المواضع السابقة، ونهاية المحتاج (2) / (383)، ومغني المحتاج (1) / (468)، والفروع والمغني الموضعين السابقين].
ج – إذا وجَدَتْ مَحْرَمًا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ مَنعُها مِنَ الذَّهابِ مَعَهُ لِحَجِّ الفَرْضِ، ويَجُوزُ أنْ يَمْنَعَها مِنَ النَّفْل عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ والمالِكِيَّةِ والحَنابِلَةِ. [الهداية وفتح القدير (2) / (130)، والتاج والإكليل (2) / (221)، والمغني (3) / (240)].
وقال الشّافِعِيَّةُ: لَيْسَ لِلْمَرْأةِ الحَجُّ إلاَّ بِإذْنِ الزَّوْجِ فَرْضًا كانَ أوْ غَيْرَهُ «لأِنَّ فِي ذَهابِها تَفْوِيتَ حَقِّ الزَّوْجِ، وحَقُّ العَبْدِ مُقَدَّمٌ، لأِنَّهُ فَرْضٌ بِغَيْرِ وقْتٍ إلاَّ فِي العُمُرِ كُلِّهِ،» فَإنْ خافَتِ العَجْزَ البَدَنِيَّ بِقَوْل طَبِيبَيْنِ عَدْلَيْنِ لَمْ يُشْتَرَطْ إذْنُ الزَّوْجِ». [لأم للإمام الشافعي (2) / (117) ونهاية المحتاج (2) / (383)، ومغني المحتاج (1) / (536) وفي الأم تفضيل جيد].
واسْتَدَل الجُمْهُورُ بِأنَّ حَقَّ الزَّوْجِ لاَ يُقَدَّمُ عَلى فَرائِضِ العَيْنِ كَصَوْمِ رَمَضانَ، فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ مَنعُ زَوْجَتِهِ مِنهُ، لأِنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْها. [الموسوعة الفقهية الكويتية ((17/ 35))].
(المسألة الخامسة): هل يعطى في الحج من الزكاة؟
“اختلف العلماء رحمهم الله: هل يعطى في الحج من الزكاة؟ على قولين:
القول الأول: قال الإمام الخرقي رحمه الله: «ويعطى أيضًا في الحج وهو من سبيل الله» قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: “ويروى هذا عن ابن عباس، وعن ابن عمر “الحج من سبيل الله”، وهو قول إسحاق … “.
القول الثاني: رواية عن أحمد، أنه لا يصرف من الزكاة في الحج، وبه قال: مالك، والليث، وأبو حنيفة، والثوري، والشافعي، وأبو ثور، وابن المنذر، قال الإمام ابن قدامة: “وهذا أصح”. واستدلوا بقوله تعالى: {وفِي سَبِيلِ اللَّهِ}، فالمراد به عند الإطلاق الجهاد.
واستدل أهل القول الأول بآثار وأحاديث منها حديث أم معقل، وفيه أنها قالت: يا رسول الله إن عليَّ حجة وإن لأبي معقلٍ بكرًا، قال أبو معقل: صدقة جعلته في سبيل الله، فقال: رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((أعطها فلتحج عليه، فإنه في سبيل الله)). [أبو داود، برقم (1988)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (1) / (556)]، وفي رواية: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لها: ((فهلا خرجت عليه؛ فإن الحج في سبيل الله)). [أبو داود، برقم (1989)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (1) / (557)].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أراد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الحج فقالت امرأة لزوجها: احجَّني مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على جملك؛ فقال: ما عندي ما أحجّك عليه، قالت: أحجني على جملك فلان، قال: ذاك حبيس في سبيل الله – عز وجل -، فأتى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – … .)) الحديث وفيه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله)) [أبو داود، برقم (1990)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، (1) / (557): «حسن صحيح»].
واحتجوا بقول ابن عباس رضي الله عنهما في صحيح البخاري معلقًا، قال: «يعتق من زكاة ماله ويُعطى في الحج» [البخاري مع الفتح، (3) / (231)، قال الألباني في مختصر صحيح البخاري، (1) / (433): «وصله أبو عبيد في الأموال بسند جيد عنه»، ومن الآثار في ذلك ما أخرجه البخاري معلقًا عن الحسن « … . ويعطي في المجاهدين، والذي لم يحج [أي من الزكاة]» البخاري مع الفتح، (3) / (331)، وقال الحافظ ابن حجر: «هذا صحيح عنه» [فتح الباري، (3) / (331)] وذكر الحافظ ابن حجر: «وقال ابن عمر: أما إن الحج من سبيل الله» أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح عنه [فتح الباري، (3) / (332)]
وقال ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على صحيح البخاري، قبل الحديث رقم (1468)، يقول: على قول ابن عباس: «أما الحج فقال بعضهم كما ههنا: إنه من الجهاد في سبيل الله. فيجوز دفع الزكاة في الحج، وهو الأظهر؛ لأن الحج جهاد في سبيل الله».
وفي الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص (156)، قوله: «ومن لم يحج حجة الإسلام وهو فقير أُعطي ما يحج به، وهو إحدى الروايتين عن أحمد».
وقالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في مجموع فتاوى اللجنة، (10) / (38): «يجوز صرف الزكاة في إركاب فقراء المسلمين لحج فريضة الإسلام، ونفقتهم فيه؛ لدخوله في عموم قوله تعالى: {وفِي سَبِيلِ اللَّهِ} من آية مصارف الزكاة وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء».
عضو … نائب رئيس اللجنة … الرئيس
عبد الله بن القعود … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
وانظر: المغني: لابن قدامة، (9) / (328)، وفتح الباري، (3) / (332)، والمقنع والشرح الكبير مع الإنصاف، (7) / (248)، والكافي، (2) / (201)، والفروع لابن مفلح، (4) / (345) “. [حاشية الزكاة في الإسلام للقحطاني رحمه الله، ص (274)].
(المسألة السادسة): في فوائده:
1 – (منها): الحثّ على العناية بالخيل ونحوه من عُدّة الجهاد في سبيل الله عز وجل.
2 – (ومنها): الحثّ على التعاون في الجهاد، والإنفاق على الغزاة المعوزين فيه؛ لأنه من باب التعاون على البرّ والتقوى، قال عز وجل: {وتَعاوَنُوا عَلى البِرِّ والتَّقْوى} الآية [المائدة (2)].
3 – (ومنها): الحثّ على النفقة على العيال، وبيان عظم الثواب فيه؛ لأن منهم من تجب نفقته بالقرابة، ومنهم من تكون مندوبةً، وتكون صدقةً وصلةً، ومنهم من تكون واجبةً بملك النكاح، أو ملك اليمين، وهذا كله فاضل محثوثٌ عليه، وهو أفضل من صدقة التطوع، ولهذا قال – صلى الله عليه وسلم -: ((أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك))، مع أنه ذكر قبله النفقة في سبيل الله، وفي العتق، والصدقة، ورَجَّحَ النفقة على العيال على هذا كله؛ لما ذكرناه وزاده تأكيدًا بقوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الآخر: ((كفى بالمرء إثمًا أن يَحْبِس عمن يملك قوته)) “. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
4 – (ومنها): “فقه أم طليق، وأدبها مع زوجها -رضي الله عنهما-“.
5 – (ومنها): الرجوع إلى أهل العلم في المسائل التي يختلف فيها، وخاصة ما يدور بين الزوجين من السجال.
6 – (ومنها): حسن الحوار قبله وبعده، قال يونس الصَّفدي: “ما رأيتُ أعقلَ من الشافعيّ، ناظرتُهُ يومًا في مسألةٍ ثم افترقنا، ولقيني فأخَذَ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى، ألا يستقيم أن نكون إخوانًا وإنْ لم نَتَّفِق في مسألةٍ؟ “.
قال الذهبي تعليقًا على هذه الحادثة: “قلتُ: هذا يدلُّ على كمال عقلِ هذا الإمام، وفقهِ نَفْسِهِ، فما زال النُّظَراءُ يختلفون”. [سير أعلام النبلاء (10) / (16) – (17)].
7 – (ومنها): أقرر الرسول – صلى الله عليه وسلم – على تحبيس جمله، وهو من وقف المنقول.
وعلى ضوء ذلك [وغيره] وقف صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، قال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ذو مقدرة إلا وقف، ومن ذلك وقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسهمه في خيبر، فعن ابن عمر قال: قال عمر للنبي – صلى الله عليه وسلم -: “إن المائة سهم التي لي بخيبر لم أصب مالًا قط أعجب إلي منها قد أردت أن أتصدق بها، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «احبس أصلها وسبل ثمرتها» [أخرجه النسائي وابن ماجه؛ نيل الأوطار: (6) / (28)].
وقد أفرد الفقهاء للوقف بابًا في كتبهم وأخذوا كثيرًا من أحكام الوقف من هذه النصوص، بالإضافة إلى مصادر الاجتهاد الأخرى. [مجلة مجمع الفقه الإسلامي (13/ 525)، بتصرف يسير].
تنبيه: وأما ما يتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم: ((عمرة في رمضان))، سبق التطرق لمسائله في (1199) فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند، وغيرها من المواضع.