(1231) فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1231):
مسند أبي شُرَيْحٍ الخزاعي رضي الله عنه
قال الإمام أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله (ج ١٠ ص ٤٨١): حدثنا أبو خالد الأحمر، عن عبد الحميد بن جعفر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي شريح الخزاعي، قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: «أبشروا أبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟» قالوا: نعم. قال: «فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم، فتمسكوا به؛ فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدًا».
هذا حديث حسنٌ. وأبو خالد الأحمر اسمه سليمان بن حيان.
* وقال الإمام عبد بن حُمَيْدٍ رحمه الله في «المنتخب» (ج ١ ص ٤٣٢): حدثنا ابن أبي شيبة ثنا أبو خالد الأحمر عن عبد الحميد بن جعفر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي شريح الخزاعي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال: «أبشروا أبشروا أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟» قالوا: نعم. قال: «فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به؛ فإنكم لن تضلوا، ولن تهلكوا بعده أبدًا».
هذا حديث حسنٌ.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
أروده الإمام أبو بكر بن أبي شيبة (ت ٢٣٥) رحمه الله في مصنفه، كتاب فضائل القرآن، فِي التَّمَسُّكِ بِالقُرْآنِ، (٣٠٠٠٦).
وفي صحيح ابن حبان، كتاب العلم، ذِكْرُ نَفْيِ الضَّلالِ عَنِ الآخِذِ بِالقُرْآنِ، (١٢٢).
والوادعي رحمه الله في الجامع أورده في موضعين:
من كتاب التفسير، سورة الزخرف ٣١٣ – قوله تعالى: {فاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إلَيْكَ}، (4287). و٧ – التمسك بالقرآن أمان من الضلال، (3850).
وقال الألباني رحمه الله: صحيح – «الصحيحة» (٧١٣).
وقال الأرنؤوط عفا الله عنه في تحقيق صحيح ابن حبان رحمه الله ط:الرسالة (1/330):
“إسناده حسن على شرط مسلم، أبو خالد الأحمر – واسمه سليمان بن حيان –، قال النسائي: ليس به بأس، ووثقه ابن سعد والعجلي، وابن المديني وغيرهم، وقال ابن معين: صدوق، وليس بحجة، وقال ابن عدي: إنما أتي من سوء حفظه ويخطئ، وله عند البخاري نحو ثلاثة أحاديث كلها مما توبع عليه، وروى له مسلم وأهل السنن.
وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» ١٠/٤٨١، ومن طريقه عبد بن حميد في «المنتخب من السند» ١/٨٥.
وأخرجه محمد بن نصر المروزي في «قيام الليل» كما في «مختصره» للمقريزي ص٧٨ من طريق أبي حاتم الرازي، عن يوسف بن عدي، عن أبي خالد الأحمر، به، وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» ١/١٦٩: رواه الطبراني في «الكبير» ورجاله رجال الصحيح.
وأخرجه من حديث جبير بن مطعم البزار «١٢٠»، والطبراني في «الكبير» «١٥٣٩»، و«الصغير» ٢/٩٨. قال الهيثمي في «المجمع» ١/١٦٩” فيه أبو عبادة الزرقي، وهو متروك الحديث”. انتهى.
وقوله: (قالُوا: نَعَمْ): “كذا في »الإحسان«، و»التقاسيم«، و»مصنف« ابن أبي شيبة، والوجه أن يقال: بلى،
كما جاء في »مختصر قيام الليل للمروزي«، و»مجمع الزوائد«١/١٦٩، وإن كان ما هنا له وجه. انظر: »المغني «حرف النون» نعم «و» شرح شواهد المغني” ٦/٥٨”. [حاشية تحقيق صحيح ابن حبان الأرنؤوط (1/329)].
الأول: شرح الحديث:
نفي الضلال عن الآخذ بالقرآن
قال ابن حبان رحمه الله تعالى في صحيحه: [ذكر نفي الضلال عن الآخذ بالقرآن.
عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله ﷺ فقال: (أبشروا وأبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ …)].
وهذا حق بلا شك، فإن من تمسك بالقرآن فإنه لا يضل، وأما من أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله فهو الضال: ﴿فَإمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ ولا يَشْقى * ومَن أعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ [طه:١٢٣ – ١٢٤].
والمراد أيضًا السنة؛ لأن السنة موضحة للقرآن وشارحة له، وهي وحي ثان.
ويستدل على هذا بالآية الكريمة، أن من اتبع القرآن فلن يضل ولا يشقى”. [شرح صحيح ابن حبان – الراجحي (6/11)].
الثاني:الاعتصام بالكتاب والسنة أصل السعادة في الدنيا والآخرة ونجاة من مضلات الفتن
تمهيد:
مفهوم الاعتصام بالكتاب والسنة، ووجوب الأخذ والتمسك بهما، وأن الله بيّن في القرآن الكريم كل شيء، وأنه أُنزل للعمل به، وأن الهداية والفلاح، والصلاح لمن اتبع الكتاب والسنة وتمسك بهما؛ وأن أعظم الوصايا النبوية وصية النبي ﷺ بكتاب الله – عز وجل -، وسنة نبيه ﷺ، وأن القرآن الكريم يأمر بالاجتماع على الحق، وينهى عن الفرقة والاختلاف، وأن الاعتصام بالكتاب والسنة نجاة من مُضلات الفتن، وأن مخالفة الكتاب والسنة أصل الخذلان، وفساد الدنيا والآخرة، والذل والهوان، وأن الاختلاف سبب الشرور والفرقة، وأن الواجب على كل مُكلَّف الاعتصام بالكتاب والسنة؛ لأن فيهما المخرج من جميع الفتن لمن تمسك بهما؛ ولأن القرآن الكريم: من اتبع الهدى من غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، والذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا تتشعب معه الآراء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يملّه الأتقياء، ولا يخلق على كثرة الرَّدِّ، ولا تنقضي عجائبه، من عَلِمَ علمه سبق، ومن قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن عمل به أُجر، ومن دعا إليه هديَ إلى صراطٍ مستقيم [انظر: ما روي في سنن الترمذي، برقم ٢٩٠٦].
ولِعظم منزلة الكتاب والسنة كان النبي ﷺ يقول في خطبته: «أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» [مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، برقم ٨٦٧].
أولًا: مفهوم الاعتصام بالكتاب والسنة:
لا شك أن الاعتصام بالكتاب والسنة هو أساس وأصل النجاة في الدنيا والآخرة. والاعتصام: هو الاستمساك [مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، ص٥٦٩]، قال ابن منظور رحمه الله: «الاعتصام: الاستمساك بالشيء». [لسان العرب، ١٢/ ٤٠٤].
فالاعتصام: التمسك بالشيء، ويقال: استعصم: استمسك [مفردات ألفاظ القرآن للأصفهاني، ص٥٧٠].
قال الله – عز وجل -: ﴿واعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا﴾، والاعتصام بحبل الله، قيل: الاعتصام بعهد الله، وقيل: يعني القرآن؛ لحديث أبي شريح الخزاعي – رضي الله عنه – [وهو حديث الباب].
وروي عن جبير بن مطعم – رضي الله عنه – قال: «كنا مع رسول الله ﷺ بالجحفة، فخرج علينا فقال: ((أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، وأن القرآن من عند الله؟» قلنا: نعم، قال: «فأبشروا، فإن هذا القرآن طرفه بيد الله، وطرفه بأيديكم فتمسكوا به، ولن تهلكوا بعده أبدًا»[قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/ ١٢٤، برقم ٣٩: «صحيح لغيره»].
ومن اعتصم بالقرآن الكريم فقد اعتصم بالله، قال الله – جل وعلا -: ﴿ومَن يَعْتَصِم بِالله فَقَدْ هُدِيَ إلى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ ، أي: يتوكل عليه ويحتمي بحماه [تفسير السعدي، ص١٥٩]، والله تعالى أمر بالاعتصام بحبل الله وهو كتابه – عز وجل – في آيات كثيرة. [فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ١٩/ ٧٦ – ٨٣، و٩/ ٥/٨، و٣٦/ ٦٠].
ثانيًا: وجوب الأخذ بالكتاب والسنة:
* أمر الله – عز وجل – بالأخذ بالكتاب العزيز، وردّ كل ما يحتاجه الناس وكل ما تنازعوا فيه إليه، فقال تعالى: ﴿فَإن تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى الله والرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله واليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾. قال الإمام ابن كثير – رحمه الله -: «قال مجاهد وغير واحد من السلف: أي: إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وهذا أمر من الله – عز وجل – بأن كل شيء تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه أن يرد التنازع في ذلك إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى [تفسير ابن كثير، ص٣٣٨]: ﴿وما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى الله﴾ .
* والقرآن الكريم أمَرَ بالأخذ بكل ما جاء به الرسول ﷺ، والانتهاء عن كل ما نهى عنه، قال الله – عز وجل -: ﴿وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فانتَهُوا واتَّقُوا الله إنَّ الله شَدِيدُ العِقابِ﴾.
ولا شكّ أنّ الأخذ بالكتاب والسنة من أهم الواجبات وأعظم القربات؛ لأن الأخذ بالرأي المجرّد عن الدليل الشرعي يُوصل إلى المهالك؛ ولهذا قال سهل بن حنيف – رضي الله عنه -: ((اتهموا رأيكم، فلقد رأيتني يوم أبي جندل لو أستطيع أن أردّ على رسول الله أمره لرددته، والله ورسوله أعلم». [متفق عليه].
وهذا يؤكّد أن الرأي لا يعتمد عليه، وإنما المعتمد على الكتاب والسنة؛ قال الله تعالى: ﴿فَإن تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى الله والرَّسُولِ إن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله واليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وأحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾.
وقال – عز وجل -: ﴿فَلاَ ورَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾ . وقال تعالى: ﴿وما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى الله ذَلِكُمُ الله رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وإلَيْهِ أُنِيبُ﴾ .
* فالأصل في الحكم بين الناس يردّ حكمه إلى كتاب الله – عز وجل -، وإلى سنة رسوله ﷺ [انظر: تفسير الطبري «جامع البيان عن تأويل آي القرآن»، ٨/ ٥٠٤، وتفسير ابن كثير، ١/ ٥١٩].
* وقد ذمّ الله القول عليه بغير علم، فقال تعالى: ﴿قُلْ إنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ والإثْمَ والبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وأن تُشْرِكُواْ بِالله ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا وأن تَقُولُواْ عَلى الله ما لاَ تَعْلَمُونَ﴾، فقرن سبحانه القول عليه بغير علم بالشرك بالله – عز وجل -.
وقال تعالى: {يا أيُّها النّاسُ كُلُواْ مِمّا فِي الأرْضِ حَلاَلًا طَيِّبًا ولاَ تَتَّبِعُواْ خُطُواتِ الشَّيْطانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * إنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ والفَحْشاءِ وأن تَقُولُواْ عَلى الله ما لاَ تَعْلَمُونَ}. وهذا يؤكد أن القول على الله بغير علم من أمر الشيطان.
وقال تعالى: ﴿ولاَ تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ والفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ .
وقد بيّن النبي ﷺ أن القائل على الله بغير علم من الجاهلين الضالين المضلين، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «إن الله لا ينزع العلم من الناس انتزاعًا، ولكن يقبض العلماء فيرفع العلم معهم، ويُبقي في الناس رؤوسًا جُهّالًا يفتون بغير علم فيَضِلُّون ويُضِلُّون» [متفق عليه].
والحاصل أنه لا يجوز الاعتماد على الرأي، بل يُرجع إلى الكتاب والسنة، أو إلى أحدهما، فإن لم يجد فيرجع إلى الإجماع، فإذا لم يجد الأمور الثلاثة رجع إلى أقوال الصحابة – رضي الله عنهم -، فإن وجد قولًا لأحدهم ولم يخالفه أحد من الصحابة، ولا عُرِفَ نص يخالفه، واشتهر هذا القول في زمانهم أخذ به؛ لأنه حجة عند جماهير العلماء، فإذا لم يجد قولًا يحتجّ به من أقوال الصحابة، واحتاج إلى القياس رجع إليه بدون تكلّف، بل يستعمله على أوضاعه، ولا يتعسّف في إثبات العلة الجامعة التي هي من أركان القياس، بل إذا لم تكن العلّة الجامعة واضحة، فليتمسّك بالبراءة الأصلية [انظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، ٢٠/ ١٤، و١٩/ ١٧٦، وإعلام الموقعين لابن القيم، ١/ ٣٠، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، ١٣/ ٢٨٢].
وكما دل الحديث على التمسك بالكتاب والسنة دلّ على التحذير من الرأي؛ لقول سهل – رضي الله عنه -: «اتّهموا رأيكم على دينكم»، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -: «أي لا تعملوا في أمر الدين بالرأي المجرد الذي لا يستند إلى أصل من الدين». [فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر، ١٣/ ٢٨٨]،
وما أحسن ما قاله الشافعي – رحمه الله -:
كلُّ العلوم سوى القرآن مشغلةٌ … إلا الحديث وعِلمَ الفقهِ في الدين
العلمُ ما كان فيه حدَّثنا … وما سوى ذاك وسواسُ الشياطين.
[ديوان الشافعي، جمع محمد عفيف، ص٨٨، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير، ١٠/ ٢٥٤]
* وقد ذمّ السلف رحمهم الله الرأي المجرد عن الدليل، فعن ابن الأشجِّ عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال: «إياكم وأصحاب الرأي؛ فإنهم أعداء السنن، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها فقالوا بالرأي فضَلُّوا وأضَلُّوا».
[أخرجه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، ١/ ١٣٩، برقم ٢٠١، والدارمي في سننه، ١/ ٤٧، برقم ١٢١، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، ٢/ ١٠٤١، برقم ٢٠٠١، ورقم ٢٠٠٣، ٢٠٠٥].
وعن عروة بن الزبير أنه كان يقول: «السنن السنن؛ فإن السنن قوام الدين [أزهد الناس في العالِم أهلُهُ]»[أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، ٢/ ١٠٥١، برقم ٢٠٢٩، ٢٠٣٠].
وقال الإمام أحمد – رحمه الله -: «لا تكاد ترى أحدًا نظر في هذا الرأي إلا وفي قلبه دغل» [ أخرجه ابن عبد البر في المرجع السابق، ٣/ ١٠٥٤، برقم ٢٠٣٥].
وقال الأوزاعي – رحمه الله -: «إذا أراد الله – عز وجل – أن يحرم عبده بركة العلم ألقى على لسانه الأغاليط». [أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله، ٢/ ١٠٧٣، برقم ٢٠٨٣].
وقال الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله – بعد أن ساق آثارًا كثيرة في ذم الرأي ما ملخصه: قال أكثر أهل العلم: إن الرأي المذموم المعيب المهجور الذي لا يحل النظر فيه، والاشتغال به: هو الرأي المبتدع، وشبهه من أنواع البدع. [جامع بيان العلم وفضله، ٢/ ١٠٥٣].
وقال جمهور أهل العلم: الرأي المذموم في الآثار المذكورة هو القول في أحكام شرائع الدين بالاستحسان والظنون، والاشتغال بحفظ المعضلات والأغلوطات، ورد الفروع والنوازل بعضها على بعض قياسًا دون ردّها على أصولها من الكتاب أو من السنة. [انظر: المرجع السابق، ٢/ ١٠٥٤]، ثم قال: «ومن تدبّر الآثار المرويّة في ذمّ الرأي المرفوعة وآثار الصحابة والتابعين في ذلك علم أنه ما ذكرنا» [جامع بيان العلم وفضله، لابن عبد البر، ٢/ ١٠٦٢]، فرجَّح – رحمه الله – هذا القول ثم قال: و((ليس أحد من علماء الأمة يثبت حديثًا عن رسول الله ﷺ ثم يردّه، دون ادّعاء نسخ ذلك بأثر أو بإجماع، أو بعمل يجب على أصله الانقياد، إليه أو طعن في سنده، ولو فعل ذلك أحد سقطت عدالته، فضلًا عن أن يتخذ إمامًا ولزمه اسم الفسق، ولقد عافاهم الله – عز وجل – من ذلك)) [انظر: المرجع السابق، ٢/ ١٠٨٠]،
فينبغي للعبد أن يعتصم بالكتاب والسنة ثم بالإجماع، ثم بأقوال الصحابة – رضي الله عنهم -. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل [انظر: فقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري، للمؤلف، ١/ ٣٦٩، و٢/ ١٠٥٩ – ١٠٦٢].
ثالثًا: القرآن الكريم بيَّن الله للناس فيه كل شيء:
فهو المرجع في كل زمان وكل مكان، وفي كل ما يحتاجه الناس في دنياهم وأخراهم، قال الله تعالى: ﴿ونَزَّلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْيانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وهُدًى ورَحْمَةً وبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله – قال ابن مسعود – رضي الله عنه -: «قد بيَّن لنا في هذا القرآن كل علم، وكل شيء». [تفسير ابن كثير، ص٧٥١].
رابعًا: القرآن العزيز أُنزل للعمل:
فمن عمل به في جميع أحواله كان من السعداء العقلاء الفائزين في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: ﴿كِتابٌ أنزَلْناهُ إلَيْكَ مُبارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آياتِهِ ولِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الألْبابِ﴾، وقد كتب الله السعادة لمن عمل بالقرآن، ومما يدل على ذلك أن نافع بن عبد الحارث لَقِيَ عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بعُسفان، وكان عمر يستعمله على مكة، فقال: من استعملت على أهل الوادي؟ فقال ابن أبزى، قال: ومن ابن أبزى؟ قال: مولىً من موالينا، قال: فتستخلف عليهم مولى؟ قال: إنه قارئ لكتاب الله – عز وجل -، وإنه عالم بالفرائض، قال عمر: أما إن نبيكم ﷺ قد قال: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا، ويضع به آخرين». [أخرجه مسلم].
خامسًا: الهداية والصلاح والفلاح لمن اتبع القرآن والسنة وتمسك بذلك:
قال الله تعالى: ﴿قَدْ جاءَكُم مِّنَ الله نُورٌ وكِتابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ الله مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ ويُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ بِإذْنِهِ ويَهْدِيهِمْ إلى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ .
وقال الله تعالى: ﴿فَإمّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلاَ يَضِلُّ ولاَ يَشْقى﴾.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «تكفّل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه: أن لا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة، ثم قرأ هذه الآية». [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ١٩/ ٧٧].
وقال تعالى: ﴿وهَذا كِتابٌ أنزَلْناهُ مُبارَكٌ فاتَّبِعُوهُ واتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾.
وقال – عز وجل -: {الَر كِتابٌ أنزَلْناهُ إلَيْكَ لِتُخْرِجَ النّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ بِإذْنِ رَبِّهِمْ إلى صِراطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ}.
وقال تعالى: ﴿هَذا بَيانٌ لِّلنّاسِ وهُدًى ومَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾.
وقال تعالى: ﴿ونُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ ورَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ولاَ يَزِيدُ الظّالِمِينَ إَلاَّ خَسارًا﴾.
وقال – سبحانه وتعالى -: ﴿وكَذَلِكَ أوْحَيْنا إلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أمْرِنا ما كُنتَ تَدْرِي ما الكِتابُ ولا الإيمانُ ولَكِن جَعَلْناهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشاءُ مِن عِبادِنا وإنَّكَ لَتَهْدِي إلى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾، وقال تعالى: ﴿والَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالكِتابِ وأقامُواْ الصَّلاَةَ إنّا لاَ نُضِيعُ أجْرَ المُصْلِحِينَ﴾.
* وأما الأمر بطاعة الرسول ﷺ فقد أمر الله بطاعته في أربعين موضعًا [فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ١٩/ ٨٣]، كقوله تعالى: ﴿قُلْ أطِيعُوا الله وأطِيعُوا الرَّسُولَ فَإن تَوَلَّوا فَإنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وعَلَيْكُم مّا حُمِّلْتُمْ وإن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وما عَلى الرَّسُولِ إلاّ البَلاغُ المُبِينُ﴾.
وقال: ﴿قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ الله ويَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
وقال سبحانه: ﴿ومَن يُطِعِ الله ورَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها وذَلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾.
وقال النبي ﷺ في حجة الوداع: «تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله [وسنة نبيه]» [مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي ﷺ، برقم ١٢١٨، وما بين المعقوفين للحاكم في المستدرك، ١/ ٩٣، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، ١/ ٢١].
سادسًا: القرآن والسنة أعظم وصايا النبي ﷺ لأمته:
ففي حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما حينما سُئل: هل أوصى النبي ﷺ؟ فقال بعد ذلك: «أوصى بكتاب الله». [متفق عليه].
وعندما كان في طريقه ﷺ إلى المدينة أوصى بكتاب الله تعالى، فقال: «وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، [هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة]، فخذوا بكتاب الله وتمسّكوا به»، فحث عليه ورغب فيه، ثم قال: «وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي» ثلاث مرات، رواه مسلم.
سابعًا: القرآن الكريم يأمر بالاجتماع على الحق وينهى عن الاختلاف:
قال الله تعالى: {واعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ الله جَمِيعًا ولاَ تَفَرَّقُواْ واذْكُرُواْ نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أعْداءً فَألَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوانًا وكُنتُمْ عَلىَ شَفا حُفْرَةٍ مِّنَ النّارِ فَأنقَذَكُم مِّنْها كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، فأمر بعد الاعتصام بالكتاب بعدم التفرق.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: «أمرهم بالجماعة ونهاهم عن التفرقة، وقد وردت الأحاديث المتعددة بالنهي عن التفرّق والأمر بالاجتماع والائتلاف». [تفسير ابن كثير، ص٢٥٥].
كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي ﷺ قال: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا ويكره لكم ثلاثًا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا، ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال»[مسلم].
وقال الله – عز وجل -: ﴿ومَن يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الهُدى ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وساءَتْ مَصِيرًا﴾. والمعنى: من سلك غير طريق الشريعة التي جاء بها محمد ﷺ فصار في شق والشرع في شق عن عَمْدٍ منه بعدما ظهر له الحق، واتّبع غير سبيل المؤمنين فيما أجمعوا عليه، فإنا نجازيه على ذلك [تفسير ابن كثير، ص٣٦١].
ثامنًا: الاعتصام بالقرآن والسنة نجاة من مضلات الفتن:
ومما يوضح ذلك، وصية النبي ﷺ بكتاب الله تعالى في عرفات، وفي غدير خم، وعند موته عليه الصلاة والسلام، وتقدمت الإشارة إلى ذلك.
وجاءت الأحاديث الصحيحة الكثيرة التي تدل على أن من استمسك بما كان عليه النبي ﷺ كان من الناجين، ومن ذلك حديث العرباض بن سارية – رضي الله عنه – قال: «صلى بنا رسول الله ﷺ ذات يوم، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظة بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله كأن هذه موعظة مودع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن عبدًا حبشيًّا، فإنه من يعشْ منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسّكوا بها، وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل مُحدثةٍ بدعة، وكل بدعة ضلالة» [أبو داود، كتاب السنة، باب في لزوم السنة، برقم ٤٦٠٧، والترمذي، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدعة، برقم ٢٦٧٦، وغيرهما، قوله: «ذرفت» أي: دمعت، وقوله: «وجلت» أي خافت وفزعت، وقوله: «تعهد» يقال: عهد إليه بكذا: إذا أوصى إليه، وقوله: «وإن عبدًا حبشيًا» أي: أطع صاحب الأمر، واسمع له وإن كان عبدًا حبشيًا، فحذف كان وهي مزادة. قوله: «عضوا عليها بالنواجذ» النواجذ: الأضراس التي بعد الناب، وهذا مثل في شدة الاستمساك بالأمر. قوله: «محدثات الأمور» أي: ما لم يكن معروفًا في كتاب ولا سنة، ولا إجماع. انظر: جامع الأصول لابن الأثير، ١/ ٢٨٠].
والمخرج من جميع الفتن المضلّة التمسّك بالكتاب والسنة، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم.
تاسعًا: مخالفة الكتاب والسنة أصل الخذلان وفساد الدنيا والآخرة والذلّ والهوان
وثبت عن النبي ﷺ أنه قال: «… وجُعِلَ الذلّ والصغار على من خالف أمري، ومن تشبّه بقوم فهو منهم». [مسند الإمام أحمد، ٢/ ٥٠، ٩٢، وصحح إسناده العلامة أحمد بن محمد شاكر في شرحه وترتيبه للمسند، برقم ٥١١٤، ٥١١٥، ٥٦٦٧ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما].
وجاء في السنن والمسانيد ما أُثر عن النبي ﷺ أنه قال: «لا ألفينّ أحدكم متكئًا على أريكة [الأريكة: السرير في الحجلة، ولا يسمى منفردًا أريكة، وقيل: هو كل ما اتكئ عليه، وقوله: ((لا ألفين» يقال: ألفيت الشيء إذا وجدته، وصادفته. جامع الأصول، لابن الأثير، ١/ ٢٨٢] يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول: بيننا وبينكم هذا القرآن، فما وجدنا فيه من حلال حللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرَّمناه، ألا وإني أُتِيتُ الكتاب ومثله معه، ألا وإنه مثل القرآن أو أعظم».
[سنن أبي داود، كتاب السنة، باب لزوم السنة، برقم ٤٦٠٤، ٤٦٠٥، وابن ماجه، في المقدمة، باب تعظيم حديث رسول الله ﷺ، والتغليظ على من عارضه، برقم ١٢، وصححه الألباني من حديث أبي رافع، وأبي ثعلبة، وأبي هريرة – رضي الله عنهم – في صحيح أبي داود، ٣/ ٣١٨، وانظر: مجموع فتاوى ابن تيمية، ١٩/ ٨٥].
وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله ﷺ قال: «كلّ أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى)) قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى» [البخاري].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -: «فعلى كل مؤمن أن لا يتكلَّم في شيء من الدين إلا تبعًا لما جاء به الرسول ﷺ، ولا يتقدَّم بين يديه، بل ينظر ما قال فيكون قوله تبعًا لقوله، وعمله تبعًا لأمره، فهكذا كان الصحابة – رضي الله عنهم -، ومن سلك سبيلهم من التابعين لهم بإحسان، وأئمة المسلمين؛ فلهذا لم يكن أحد منهم يعارض النصوص بمعقوله، ولا يؤسِّس دينًا غير ما جاء به الرسول ﷺ، وإذا أراد معرفة شيء من الدين نظر فيما قاله الله والرسول ﷺ فمنه يتعلم، وبه يتكلم، وفيه ينظر، وبه يستدلّ، فهذا أصل أهل السنة». [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ١٣/ ٦٣].
عاشرًا: الاختلاف سبب الشرور والفرقة:
قال الله تعالى: ﴿ولاَ تَكُونُواْ كالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ واخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ ما جاءَهُمُ البَيِّناتُ وأُولَئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾.
وقد بيّن النبي ﷺ بقوله: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة»، قيل: من هم يا رسول الله، قال: «ما أنا عليه وأصحابي»، وفي لفظ: «الجماعة».
[الترمذي، كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، برقم ٢٦٤١، وأبو داود، كتاب السنة، باب شرح السنة، برقم ٤٥٩٦، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، برقم ٣٩٩٢، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، ٢/ ٣٦٤]
أي: هم من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي.
وعن حذيفة – رضي الله عنه – قال: «كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كُنِّا في جاهِلِيَّةٍ وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شرّ؟ قال: ((نعم».
قلت: هل بعد ذلك الشرّ من خير؟ قال: «نعم وفيه دخن»، قلت: وما دخنه؟
قال: «قوم يستنّون بغير سنتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر».
فقلت: هل بعد ذلك الخير من شرّ؟ قال: «نعم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها».
فقلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: «نعم، قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا».
قلت: يا رسول الله، فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم».
فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: ((فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعضّ على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) [متفق عليه].
قال الإمام النووي – رحمه الله -: «وفي حديث حذيفة هذا: لزوم جماعة المسلمين، وإمامهم، ووجوب طاعته، وإن فسق، وعمل المعاصي: من أخذ الأموال، وغير ذلك فتجب طاعته في غير معصية، وفيه معجزات لرسول الله ﷺ، وهي هذه الأمور التي أخبر بها، وقد وقعت كلها» [شرح النووي على صحيح مسلم، ١٢/ ٤٧٩، وانظر: فتح الباري، لابن حجر، ١٣/ ٣٧].
وعن عبد الرحمن بن يزيدَ، قال: صلّى عُثمان بمنىً أربعًا، فقال عبدالله [ابن مسعود]: صليت مع النبي ﷺ ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان صدًا من إمارته ثم أتمَّها، ثم تفرَّقت بكم الطرق، فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين متقبلتين)).
وفي رواية أن عبد الله صلّى أربعًا! فقيل له: عِبْتَ على عثمان ثم صليت أربعًا؟! قال: «الخلاف شرٌ».
[أخرجه أبو داود في كتاب الحج، باب الصلاة بمنى، برقم ١٩٦٠، والبيهقي في السنن الكبرى، ٣/ ١٤٣. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٥٥٠: ((صحيح»، وقال في السلسلة الصحيحة، ١/ ٢٢٣: «وسنده صحيح»، وأصل الحديث في صحيح البخاري، برقم ١٠٨٤، ومسلم، برقم ٦٩٥، وأما رواية: «الخلاف شرّ» فعند أبي داود كما تقدم].
ولا شكّ أن أمة محمد ﷺ لا تزال فيهم طائفة على الحق منصورة، لا يضرّهم من خذلهم أو من خالفهم حتى تقوم الساعة؛ لحديث معاوية – رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «لا تزال طائفةٌ من أمتي قائمةً بأمر الله، لا يضرّهم من خذلهم، أو خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم ظاهرون على الناس)) [متفق عليه].
[انظر: جامع الأصول لابن الأثير، ١/ ٢٧٧ – ٢٩٣، ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ٩١/ ٥ – ٨، و١٩/ ٧٦ – ٨٣، و٣٦/ ٦٠، وصحيح الترغيب والترهيب للألباني، ١/ ١٢٣ – ١٣٦، وفقه الدعوة في صحيح الإمام البخاري، للمؤلف، ١/ ٣٦٩، و٢/ ١٠٥٩ – ١٠٦٢]. [عقيدة المسلم في ضوء الكتاب والسنة – القحطاني (2/935 وما بعدها)].
تنبيه : فصل الشيخ ابن باز حول وجوب الاعتصام بالكتاب والسنة والحذر مما يخالفهما . وذكر بنحو ما ذكرنا من الأدلة السابقة مع زيادة بيان .
[كلمة ألقيت في افتتاح الموسم الثقافي لرابطة العالم الإسلامي لحج عام ١٤٠٦ هـ بمكة المكرمة مساء السبت 19/ 11/ 1406هـ، (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 1/ 231)].
عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
ورئيس المجلس الأعلى العالمي للمساجد
والرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في المملكة العربية السعودية.