(1230) فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1230):
مسند أبي السَّمْحِ رضي الله عنه
١٢٣٠ – قال الإمام أبو داود رحمه الله (ج ٣ ص ٣٦): حدثنا مجاهد بن موسى وعباس بن عبد العظيم العنبري المعنى قالا أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي حدثني يحيى بن الوليد حدثني محل بن خليفة حدثني أبو السمح قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان إذا أراد أن يغتسل قال «ولني قفاك» فأوليه قفاي فأستره به فأتي بحسن أو حسين رضي الله عنهما فبال على صدره فجئت أغسله فقال: «يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام».
قال عباس حدثنا يحيى بن الوليد -قال أبو داود: وهو أبو الزعراء- قال هارون بن تميم عن الحسن قال: الأبوال كلها سواء.
هذا حديث حسنٌ.
وقول الحسن: الأبوال كلها سواء. ليس بصحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد فَرَّق بين بول الغلام وبول الجارية.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الحديث أورده الإمام أبوداود رحمه الله في السنن، كتاب الطهارة، ١٣٢ – باب بول الصبي يصيب الثوب، (٣٧٦).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
وقال شعَيب الأرنؤوط وأخر عفا الله عنهم في تحقيقهم للسنن (1/280):
قوله: (حدَّثنا مُجاهِدُ بن موسى وعبّاس بن عبد العظيم العَنبَريُّ -المعنى- قالا: حدَّثنا عبد الرحمن بن مَهدي، حدّثني يحيي بن الوليد، حدّثني مُحِلُّ بن خليفة حدّثني أبو السَّمح …) الحديث.
قالوا: “إسناده جيد، يحيي بن الوليد لا بأس به، وباقي رجاله ثقات.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٢٢٣) و(٢٨٩) عن مجاهد بن موسى، وابن ماجه (٥٢٦) عن عمرو بن علي ومجاهد وعباس العنبري، ثلاثتهم عن عبد الرحمن بن مهدي، بهذا الإسناد”.
وقالوا : قال أبو داود: “قال هارون بن تميم، عن الحسن قال: الأبوالُ كلُّها سواءٌ”.
قالوا: “رواية هارون بن تميم عن الحسن لم نقف عليها.
وأخرج الطحاوي ٩٣/ ١ من طريق حميد عن الحسن قال: بول الغلام يغسل غسلًا، وبول الجارية يتتبع بالماء. وأراد بتتبعه بالماء صب الماء عليه كما يفهم من سياق كلام الطحاوي.
وأخرج ابن أبي شبة ١/ ١٢١ من طريق قتادة عن الحسن قال: كلاهما ينضحان ما لم يأكلا الطعام”. انتهى.
والحديث له شواهد عن علي بن أبي طالب أخرجه أبو داود وهو في الصحيح المسند ٩٦٠
وعن أم الفضل أخرجه أبو داود وهو في الصحيح المسند ١٦٤٠ وفيه ( وينضح من بول الغلام ما لم يطعم ) والمراد إذا أراد الطعام واشتهاه. وليس إذا أطعم ؛ لأنه قد يلعق العسل ساعة يولد وقد يحنك . المغني لابن قدامة
قال النووي : والأكل المقصود إذا كان على جهة التغذية.
يعني لم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن على جهة الاستقلال . انتهى
أقول يعني لو قطع عنه اللبن لم يتضرر واستقل بالطعام وصار يغذيه تغذيه تغنيه عن اللبن إنما يعطى اللبن من جهة تقوية البنية .
الأول: شرح الحديث:
“أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي السمح خادم رسول الله ﷺ ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، (أنه كان يخدم رسول الله ﷺ، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: (ولني قفاك) يعني: اصرف عني وجهك وولني قفاك.
وذلك ليستره حتى لا يُنظر إليه، وبهذا العمل يكون أبو السمح لا يراه؛ لأنه قد ولاه خلفه وقفاه، وأيضًا يستر رسول الله ﷺ وهو يغتسل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: (فجاء حسن أو حسين فبال على صدره، فجئت أغسله) -يعني: يغسل بول الحسن أو الحسين، فقال عليه الصلاة والسلام: ((يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام)).
يعني: أن بول الغلام لا يحتاج إلى غسل كما يحتاج بول الجارية إلى غسل، ولكنه يكفي فيه الرش والنضح”. [شرح سنن أبي داود للعباد].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): النصوص الواردة في الباب
أورد الوادعي رحمه الله في ( الجامع الصحيح) جملة من الأحاديث المتعلقة بالباب، وبوب عليها: “٤٢ – بول الغلام الذي لم يطعم يطهر بالنضح”، وكان مما أورده:
٧٦٠ – قال الإمام أبو محمد الدارمي رحمه الله (ج ١ ص ٤٧٣): أخبرنا الأسود بن عامر حدثنا زهير عن عبد الله بن عيسى عن عيسى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ليلى قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعنده الحسن بن علي فأخذ تمرة من تمر الصدقة فانتزعها منه، وقال «أما علمت أنه لا تحل لنا الصدقة».
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وقد وثَّقه ابن مَعِين، كما في «تهذيب الكمال» و«الخلاصة»، وزهير هو ابن معاوية.
* والحديث أخرجه أحمد (ج ٤ ص ٣٤٨) فقال: حدثنا أسود بن عامر حدثنا زهير عن عبد الله بن عيسى عن عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي ليلى: أنه كان عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعلى بطنه الحسن أو الحسين -شك زهير-، قال فبال حتى رأيت بوله على بطن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسارِيعَ قال فوثبنا إليه قال فقال عليه الصلاة والسلام «دعوا ابني -أو لا تفزعوا ابني-» قال ثم دعا بماء فصبه عليه قال فأخذ تمرة من تمر الصدقة قال فأدخلها في فيه قال فانتزعها رسول الله من فيه.
هنا سقط، والصواب: عن أبيه، عن أبي ليلى. كما تقدم في سند الدارمي، وكما سيأتي بعده. أي: طرائق، كما في «النهاية».
وقال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا حسن بن موسى ثنا زهير عن عبد الله بن عيسى عن أبيه عن جده عن أبي ليلى … فذكره بمثل ما عند الإمام أحمد. [وهو في الصحيح المسند، برقم (١٢٤٨)].
٧٦١ – قال أبو داود رحمه الله (ج ٢ ص ٣٥): حدثنا مسدد بن مسرهد والربيع بن نافع أبو توبة المعنى قالا حدثنا أبو الأحوص عن سماك عن قابوس عن لبابة بنت الحارث قالت: كان الحسين بن علي رضي الله عنه في حجر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبال عليه فقلت البس ثوبًا وأعطني إزارك حتى أغسله قال إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر. هذا حديث حسنٌ. ورواه ابن ماجه (ج ١ ص ١٧٤). [وهو في الصحيح المسند، برقم (١٦٤٠)].
٧٦٢ – [ … أورد فيه حديث الباب].
حديث أبي السمح أخرجه النسائي (ج ٢ ص ١٢٦، ١٥٨)، وابن ماجه (ج ١ ص ١٧٥ و٢٠١).
٧٦٣ – قال أبو داود رحمه الله (ج ٢ ص ٣٧): حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ أخبرَنا يَحْيى عَنْ ابْنِ أبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتادَةَ عَنْ أبِي حَرْبِ بْنِ أبِي الأسْوَدِ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: يُغْسَلُ بَوْلُ الجارِيَةِ ويُنْضَحُ بَوْلُ الغُلامِ ما لَمْ يَطْعَمْ.
حَدَّثَنا ابْنُ المُثَنّى أخبرَنا مُعاذُ بْنُ هِشامٍ حَدَّثَنِي أبِي عَنْ قَتادَةَ عَنْ أبِي حَرْبِ بْنِ أبِي الأسْوَدِ عَنْ أبِيهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ قالَ … فَذَكَرَ مَعْناهُ ولَمْ يَذْكُرْ: ما لَمْ يَطْعَمْ. زادَ: قالَ قَتادَةُ: هَذا ما لَمْ يَطْعَما الطَّعامَ فَإذا طَعِما غُسِلا جَمِيعًا. هذا حديث صحيحٌ، ورجاله ثقات. ولا يعل بالموقوف؛ إذ قد رفعه هشام وهو حافظ، ولم يخالفه من هو أرجح منه، ذكر معنى هذا البخاري كما في «عون المعبود».
الحديث أخرجه الترمذي (ج ٣ ص ٢٣٣) وقال: هذا حديث حسن.
وأخرجه ابن ماجه (ج ١ ص ١٧٥)”. انتهى. [وهو في الصحيح المسند، برقم (٩٦٠)].
(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في كيفيّة تطهير بول الغلام والجارية:
قال الإمام أبو بكر بن المنذر رحمه الله: قد اختَلَفَ أهل العلم في هذا الباب،
فقالت طائفة: يُنضَح بولُ الغلام ما لم يأكل الطعام، ويُغسَل بول الجارية، رُوي هذا القول عن عليّ وأم سلمة، وعطاء، والحسن، وبه قال أحمد، وإسحاق.
وقالت طائفة: لا فرق بين بول الغلام والجارية في ذلك، هذا قول النخعيّ، وكان يرى أن يغسل ذلك، وبه قال سفيان في بول الغلام والجارية، قال: يُصَبّ عليه الماء، وكان أبو ثور يقول: يُغسَل بول الغلام والجارية، وإن ثبت حديث الرشّ عن النبيّ ﷺ كان الرشّ جائزًا في بول الغلام.
وقد رَوَينا عن الحسن، والنخعيّ قولًا ثالثًا، وهو أن الغلام والجارية يُنضَحان جميعًا ما لم يَطْعَما.
قال ابن المنذر: يجب رَشّ بول الغلام بحديث أم قيس، وغَسلُ بول الجارية. انتهى [«الأوسط» ٢/ ١٤٢ – ١٤٥].
وقال النوويّ رحمه الله: قد اختَلَف العلماء في كيفية طهارة بول الصبيّ والجارية على ثلاثة مذاهب، وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا:
الصحيح المشهور المختار أنه يكفي النضح في بول الصبيّ، ولا يكفي في بول الجارية، بل لا بُدّ من غسله كسائر النجاسات.
والثاني: أنه يكفي النضح فيهما.
والثالث: لا يكفي النضح فيهما، وهذان الوجهان حكاهما صاحب «التَّتِمّة» من أصحابنا وغيره، وهما شاذّان ضعيفان.
وممن قال بالفرق عليّ بن أبي طالب، وعطاء بن أبي رَباح، والحسن البصريّ، وأحمد بن حنبل، وإسحاق ابن راهويه، وجماعة من السلف، وأصحاب الحديث، وابن وهب من أصحاب مالك – رضي الله عنهم -، ورُوي عن أبي حنيفة.
وممن قال بوجوب غسلهما أبو حنيفة، ومالك في المشهور عنهما، وأهل الكوفة، قال ابن دقيق العيد: اتبعوا في ذلك القياس، وقالوا: المراد بقولها: «ولم يغسله» أي غسلًا مبالغًا فيه، وهو خلاف الظاهر، ويُبعِده ما ورد في الأحاديث الأُخَرِ – يعني التي قدمناها من التفرقة بين بول الصبي والصبية – فإنهم لا يفرقون بينهما. انتهى [«شرح النوويّ» ٣/ ١٩٥، و«الفتح» ١/ ٣٩١].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: قد تبيّن مما سبق من ذكر أقوال العلماء، وأدلّتهم أن أرجح الأقوال هو القول بالفرق بين بول الغلام والجارية، فيرشّ بوله، ويُغسل بولها، لقوّة أدلّته.
واحتجّوا بحديثي عائشة، وأم قيس – رضي الله عنهما – المذكورين في الباب.
وبما أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذيّ بإسناد صحيح، عن أبي السمح – رضي الله عنه – قال: قال النبيّ ﷺ: «يُغسَلُ من بول الجارية، ويُرَشّ من بول الغلام».
[تنبيهات]:
(الأول): قال النوويّ رحمه الله: هذا الخلاف إنما هو في كيفية تطهير الشيء الذي بال عليه الصبيّ، ولا خلاف في نجاسته، وقد نَقَل بعض أصحابنا إجماع العلماء على نجاسة بول الصبيّ، وأنه لم يخالف فيه إلا داود الظاهريّ، قال الخطابيّ وغيره: وليس تجويز مَن جَوّز النضح في الصبيّ من أجل أن بوله ليس بنجس، ولكنه من أجل التخفيف في إزالته، فهذا هو الصواب، وأما ما حكاه أبو الحسن بن بطال، ثم القاضي عياض، عن الشافعيّ وغيره أنهم قالوا: بول الصبيّ طاهر، فيُنضَح فحكاية باطلة قطعًا. انتهى [«شرح النوويّ» ٣/ ١٩٥].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتح ذي الجلال: “أن بول الغلام الصغير وبول الجارية الصغيرة نجس؛ لأن كلا منهما عرضة للتطهير منه، لكن الجارية تغسل والغلام نضح أو رش.”. انتهى
(التنبيه الثاني): قال النوويّ رحمه الله أيضًا: قد اختَلَف أصحابنا في حقيقة النّضح هنا:
فذهب الشيخ أبو محمد الجوينيّ، والقاضي حسين، والبغويّ إلى أن معناه أن الشيء الذي أصابه البول يُغْمَر بالماء كسائر النجاسات، بحيث لو عُصِر لا يُعْصَر، قالوا: وإنما يخالف هذا غيره في أن غيره يُشتَرَط عصره على أحد الوجهين، وهذا لا يشترط بالاتفاق.
وذهب إمام الحرمين، والمحققون إلى أن النَّضْحَ أن يُغْمَر، ويُكاثَر بالماء مكاثرةً لا يَبلُغ جريان الماء وتردده وتقاطره، بخلاف المكاثرة في غيره، فإنه يُشتَرط فيها أن يكون بحيث يَجري بعضُ الماء، ويتقاطر من المحلّ، وإن لم يُشتَرط عصره، وهذا هو الصحيح المختار، ويدل عليه قولها: «فنضح، ولم يغسله»، وقوله: «فرَشَّه»، أي نَضَحه.
قال: ثم إن النضح إنما يُجزئ ما دام الصبيّ يَقتصر به على الرضاع، أما إذا أكل الطعام على جهة التغذية، فإنه يجب الغسل بلا خلاف. انتهى كلام النوويّ رحمه الله، وهو بحثٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
(التنبيه الثالث): قد تكلّم العلماء في الحكمة التي من أجلها حصل التفريق بين بول الغلام والجارية:
فقال بعضهم: إن بول الغلام يَخرُج من ثُقب ضيّق من قضيب ممتدّ، فيخرج بقوّة وشدّة دفع، فينتشر بوله، وتكثر الإصابة منه، فاقتضت الحكمة التخفيف من حكم نجاسته، وأما الجارية فيخرج بولها من ثقب فيه سعة، وبدون قضيب، فيستقرّ في مكان واحد، فيثبت على أصل نجاسة البول.
وقال بعضهم: إن الغلام فيه حرارة طبيعيّة زائدة على حرارة الجارية، وهو معلوم، وهذه الحرارة تخفّف فضلات الطعام، فإذا صادف أن الطعام خفيف أيضًا، وهو اللبن حصل من مجموع الأمرين خفّة النجاسة، بخلاف الجارية، فليس لديها هذه الحرارة الملطّفة، فتبقى على الأصل. [راجع: «توضيح الأحكام» للشيخ البسّام ١/ ١٨٤ – ١٨٥].
وقال بعضهم: سبب الفرق كثرة حمل الرجال والنساء للذكر، فتعمّ البلوى ببوله، فيشقّ غسله، لذلك.
وقال ابن دقيق العيد: وقد ذُكر في الفرق بينهما أوجهٌ، منها ما هو ركيك، وأقوى ذلك ما قيل: إن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث، يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقّة، قاله في «الفتح» [«الفتح» ١/ ٣٩١].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: ركاكة هذه الأوجه كلها مما لا يخفى على بصير، فالأولى أن نكل علم الحكمة إلى الشارع الحكيم، فإننا نعلم بيقين أنه ما فرّق بين النوعين في الحكم المذكور إلا لحكمة تقتضي التفريق بينهما، ولا يلزمنا أن نعرف تلك الحكمة بالتعيين، فأحكام الله تعالى لا تكون إلا وفق مصلحة العباد، ولكن ربما تظهر، وربّما لا تظهر، فتنبّه، ولا تتكلّف ما لم تُكلَّف مما لا يَعنيك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [ البحر المحيط الثجاج (7/242 وما بعدها)].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في (1/155 وما بعدها):
“فإن قال قائل: ما الفرق بينهما؟
قلنا: الفرق بينهما حكم الله ورسوله، فمتى حكم الله ورسوله بين شيئين متقاربين فالعلة هي حكم الله ورسوله، وهذه العلة مقنعة لكل مؤمن ولا يحتاج بعدها إلى نقاش؛ لأننا نؤمن بأن حكم الله مبني على الحكمة، وإذا كنا مؤمنين بأن حكم الله مبني على الحكمة علمنا أنه لابد أن يكون هناك حكمة أوجبت التفريق في الحكم، وحينئذ نقتنع ولا يخفى على كثير منكم «أن امرأة سألت عائشة رضي الله عنها ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة»، وجعلت ذلك هو الحكمة وهو كذلك، لكن بعض العلماء – رحمهم الله- التمس لذلك علة وبعض العلماء قال: لا نعلم، فهو أمر تعبدي جاءت به السنة، فعلينا ألا نسأل بل نطبق.
ومن الفروق التي ذكرها من فرق أو من ذكر حكمة التفريق نقول: إن الغذاء الذي هو اللبن لطيف خفيف ليس له ثقل كالطعام؛ يعني: ليس له جرم يظهر بل هـو خفيف تشربه المعدة والعروق ويخرج منه الشيء خفيفا، وبناء على ذلك يتلاقى هذا مع حرارة الذكورة وقوة إنضاج الذكر للطعام، فمن هذه القوة وخفة الغذاء يكون البول خفيف النجاسة، ولهذا يوجد فرق بينه وبين بول الجارية في الرائحة مما يدل على صحة هذا التعليل، وأن الخبث الذي يكون في بول الذكر بالنسبة لبول الأنثى أخف. هذه واحدة…….
على كل حال: أقرب شيء أن العلة الأولى هي المقنعة لكل مؤمن وهي: أن هذا حكم الله ورسوله، ولابد أن يكون هناك حكمة لكننا لا يمكن أن نحيط بكل حكم الله عز وجل”. انتهى المقصود.
وقال رحمه الله عند ذكر الفوائد: ” أننا فهمنا بذلك حكمة الشريعة وتفريقها في الأمور على حسب ما يقتضيه الحال؛ سواء قلنا: إن هذا الحكم تعبدي أو إنه معلل؛ لأننا نعلم أنه لا يمكن التفريق إلا أن هناك علة مؤثرة.”. انتهى.
فوائد وفقه الحديث:
١ – (منها): بيان نجاسة بول الصبيّ، وأنه يجب إزالته كسائر النجاسات.
قال في «الفتح»: قال الخطّابيّ رحمه الله: ليس تجويز مَن جَوّز النضح من أجل أن بول الصبيّ غير نجس، ولكنه لتخفيف نجاسته. انتهى.
وأثبت الطحاويّ الخلاف، فقال: قال قوم بطهارة بول الصبي قبل الطعام، وكذا جزم به ابن عبد البر، وابن بطال، ومن تبعهما عن الشافعيّ، وأحمد، وغيرهما، ولم يَعْرِف ذلك الشافعية، ولا الحنابلة، وقال النوويّ: هذه حكاية باطلة. انتهى.
قال الحافظ: وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم، وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم. انتهى [«الفتح» ١/ ٣٩١].
٢ – (ومنها): بيان كيفيّة طهارة بوله، وهو صبّ الماء عليه، ولا يجب غسله.
٣ – (ومنها): بيان سهولة الشرع، وسماحته، حيث خفّف في تطهير بول الصبيّ بالنضح دون إيجاب غسله.
٤ – (ومنها): الندب إلى حسن المعاشرة واللين والتواضع، والرفق بالصغار وغيرهم.
٥ – (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ ﷺ من كمال الشفقة والرأفة، حيث كان يحمل الطفل، ويجعله على جسده الشريف، ويتلطّف به، حتى إن منهم من يبول عليه، فلا يتأثّر، ولا يتأذّى بذلك، بل يصبر عليه، وهذا ما بيّنه الله تعالى بقوله: ﴿وإنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ [القلم ٤]، وقوله: ﴿لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة ١٢٨]ﷺ.
٦ – (ومنها): بيان ما كان عليه الصحابة – رضي الله عنهم – من محبّتهم لرسول الله ﷺ، حيث يأتون بأطفالهم، رجاء بركته، ودعوته المباركة.
٧ – (ومنها): استحباب تحنيك الأطفال.
٨ – (ومنها): استحباب حمل الأطفال إلى أهل العلم والصلاح؛ ليدعوا لهم بالبركة والصلاح” انتهى. [البحر المحيط الثجاج].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فتح ذي الجلال:
9 – (ومنها): أن العذرة من الغلام ومن الجارية على حد سواء؛ لأن التفريق إنما كان في البول فقط فتبقى العذرة على ما هي عليه.
10 – (ومنها): أنه إذا كبر الغلام ووصل إلى حد يتغذى بالطعام أو يكون غذاؤه بالطعام أكثر، فإن حكمه كالبالغ؛ يعني: لابد من غسل بوله.
11 – (ومنها): جواز التصريح بذكر البول «يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام»، وكثير من الناس إذا أراد أن يعبر عن البول يقول: أطيرا، وهذه لغة عامية قصيمية، يقول صاحب الفروع – وقد كان من أكبر تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية وأعلمهم بفقهيات شيخ الإسلام ابن تيمية حتى كان ابن القيم يرجع إليه في فقهيات شيخ الإسلام-، الأولى أن يقول: أبول، ولا يقول: أريق الماء؛ لأن هذا غلط هل البول ماء!؟ فكيف يقول ذلك أريق الماء إذا كان ماء فهو يشرب وفي إناء لكن الآن هذا نجس، فقل: أبول كما قال النبي – عليه الصلاة والسلام- «يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام»”. انتهى [(1/157)].
[تنبيه]: سبق ذكر مسائل وفوائد الباب، ومن ذلك في (222 ،223) رياح المسك العطرة من رياض صحيح البخاري المزهرة، و(217،218،219،220،221) منه، وفي (1640) التعليق على الصحيح المسند.