(1227) فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1227):
مسند أبي سَرِيحَةَ رضي الله عنه
قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج ٢ ص ١٠٥٢): حدثنا إسحاق بن منصور أنبأنا عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن يوسف ح وحدثنا محمد بن يحيى حدثنا عبد الرزاق جميعًا عن سفيان الثوري عن بيان عن الشعبي، عن أبي سريحة رضي الله عنه، قال: حملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت من السنة، كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين، والآن يُبَخِّلُنا (١) جيراننا.
هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخين. وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري ومسلمًا أن يخرجاها.
قال الوادعي في الحاشية: “في التعليق على ابن ماجه: (يبخلنا)، أي: ينسبوننا إلى البخل والشح، إن اكتفينا بالواحدة وبالاثنتين.”. انتهى.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الحديث أورده الإمام أبو عبد الله محمد ابن ماجة رحمه الله في سننه، كتاب الأضاحي، باب مَن ضَحّى بِشاةٍ عَنْ أهْلِهِ، (3147).
قال الألباني رحمه الله: صحيح الإسناد.
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
17- كتاب الأطعمة، ٤٩ – الأضاحي، (2725).
وقال البوصيري رحمه الله في «الزوائد»: “هَذا إسْناد صَحِيح، رِجاله ثِقات، رَواهُ البَيْهَقِيّ فِي سنَنه الكُبْرى من طَرِيق مطرف، عَن الشّعبِيّ، عَن أبي شريحة الغِفارِيّ، واسْمه حديقة بن أسد صاحب رَسُول الله ﷺ، وسياقه أتم، وله شاهد من حَدِيث أبي أيُّوب الأنْصارِيّ، رَواهُ ابْن ماجة والتِّرْمِذِيّ فِي الجامِع، وقالَ: حسن صَحِيح.”. [مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه (3/228)، ت: الكشناوي].
الأول: شرح الحديث:
وهذان السندان من سداسياته، وحكمهما: الصحة؛ لأن رجالهما ثقات.
(قال) أبو سريحة: (حملني) أي: حثني وحضني (أهلي على الجفاء) والبخل وأمروني بتخصيص الشاة الواحدة بنفسي، وبترك قصد الإشراك لأهلي معي في الشاة الواحدة (بعدما علمت من السنة) المأثورة عن رسول الله ﷺ من قصد إشراك الأهل في الشاة الواحدة؛ حيث قال في تضحيته بكبش واحد: «اللهم؛ تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد» كما في «صحيح مسلم».
وقوله (بالشاة) الواحدة (والشاتين) مثلًا، فيجزئ ذلك عن كلهم، (والآن) بعد عهد الرسول ﷺ (يبخلنا) أي: ينسبوننا إلى البخل والشح إن اكتفينا بالواحدة وبالاثنتين
قال الشوكاني في «النيل»: وحديث أبي سريحة إسناده في «سنن ابن ماجه» إسناد صحيح، وقال: والحق أن الشاة الواحدة تجزئ عن أهل البيت وإن كانوا مئة نفس أو أكثر؛ كما قضت بذلك السنة. انتهى.
واستدلوا أيضًا بما أخرج الحاكم عن أبي عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام – وكان قد أدرك النبي ﷺ وهو صغير، وذهبت به أمه زينب بنت حميد إلى رسول الله ﷺ وهو صغير، فمسح رأسه ودعا له – قال: كان رسول الله ﷺ يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد، وهو خلاف من يقول: إنها لا تجزئ إلا عن النفس الواحدة. انتهى كذا في «تخريج الهداية» للزيلعي.
وقال الزيلعي قبل هذا: ويشكل على المذهب – يعني: مذهب الحنفية – أيضًا في منعهم الشاة لأكثر من واحد .. الأحاديث المتقدمة أن النبي ﷺ ضحى بكبش عنه وعن أمته. وأخرج الحاكم عن أبي عقيل زهرة بن معبد عن جده عبد الله بن هشام … إلى آخره.
واستدلوا أيضًا بحديث عائشة رضي الله تعالى عنها أن رسول الله ﷺ أمر بكبش أقرن يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به؛ ليضحي به، قال: «يا عائشة؛ هلمي المدية»، ثم قال: «اشحذيها بحجر»، ففعلت، ثم أخذها، وأخذ الكبش فأضجعه، ثم ذبحه، ثم قال: «باسم الله، اللهم؛ تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد»، ثم ضحى به. رواه مسلم في «صحيحه».
وورد كذلك في العلل الكبير من حديث أبي سعيد الخدري وصححه البخاري
٤٤٥ – حَدَّثَنا أبُو سَعِيدٍ الأشَجُّ، حَدَّثَنا حَفْصُ بْنُ غِياثٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قالَ: ضَحّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِكَبْشٍ أقْرَنَ فَحِيلٍ يَأْكُلُ فِي سَوّادٍ، ويَمْشِي فِي سَوّادٍ. سَألْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذا الحَدِيثِ فَقالَ: هَذا حَدِيثُ حَفْصِ بْنِ غِياثٍ، لا أعْلَمُ أحَدًا رَواهُ غَيْرُهُ، وحَفْصٌ هُوَ مِن أصَحِّهِمْ كِتابًا. قُلْتُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أدْرَكَ أبا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ؟ قالَ: لَيْسَ بَعَجَبٍ
فإن قلت: هذه الأحاديث منسوخة أو مخصوصة لا يجوز العمل بها؛ كما قال الطحاوي في «شرح الآثار».
قلت: تضحية رسول الله ﷺ عن أمته وإشراكهم في أضحيته مخصوص به ﷺ، وأما تضحيته عن نفسه وآله .. فليس بمخصوص به ﷺ ولا منسوخًا.
والدليل على ذلك أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يضحون الشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته؛ كما عرفت، ولم يثبت عن أحد من الصحابة التضحية عن الأمة وإشراكهم في أضحيته البتة، وأما ما ادعاه الطحاوي .. فليس عليه دليل.
فإن قلت: حديث أبي أيوب المذكور في أول هذا الباب محمول على ما إذا كان الرجل محتاجًا إلى اللحم، وفقيرًا لا يجب عليه الأضحية، فيذبح الشاة الواحدة عن نفسه، ويطعم اللحم أهل بيته، أو يشركهم في الثواب، فذلك جائز، وأما الاشتراك في الشاة الواحدة في الأضحية .. فلا؛ فإن الاشتراك خلاف القياس، وإنما جوز في الإبل والبقر؛ لورود النص أنهم اشتركوا في عهد رسول الله ﷺ في البقر والإبل، ولا نص في الشاة”، كذا في «التعليق الممجد» نقلًا عن «البناية» للعيني.
قلت: كما ورد النص أنهم اشتركوا في عهد رسول الله ﷺ في الإبل والبقر .. كذلك ورد النص أنهم اشتركوا في الشاة الواحدة، إلا أنه قد ثبت الاشتراك في الإبل والبقر من أهل أبيات شتى، وثبت الاشتراك في الشاة من أهل بيت واحد؛ كما قد عرفت، فالقول بأن الاشتراك في الشاة خلاف القياس، وأنه لا نص فيه .. باطل.
وأما حملهم حديث أبي أيوب المذكور على ما إذا كان الرجل محتاجًا إلى اللحم، أو فقيرًا لا يجب عليه الأضحية .. فلا دليل عليه، ولم يثبت أن من كان من الصحابة يجد سعة .. يضحي الشاة عن نفسه فقط ولا يشترك فيها أهله، ومن كان منهم لا يجد سعة .. يضحي الشاة الواحدة عن نفسه وعن أهله ويشركهم فيها، ولما لم يثبت هذا التفريق .. بطل حمل الحديث عليه.
والحاصل: أن أبا سريحة كان ذا سعة، ولم يكن فقيرًا، ومع هذا كان يضحي الشاة الواحدة عن أهل بيته؛ فإنه لو كان فقيرًا .. لم يحمله أهله على الجفاء، ولم يبخله جيرانه. انتهى من «تحفة الأحوذي».”. [مرشد ذوي الحجا والحاجة (18/377)].
وسيأتي ذكر المسألة في محله بإذن الله تعالى.
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
أولاً: المدخل في أحكام الأضحية
(المسألة الأولى):
* “الأضاحي: جمع أُضْحِيَّة، وإضْحِيَّة -بضم الهمزة وكسرها، وتشديد الياء فيهما-، ويقال أيضًا: ضَحِيَّة -بفتح الضاد وكسر الحاء وتشديد الياء-، وجمعُها ضَحايا، ويقال: أضْحاةٌ، وجمعها أضاحِيُّ، وأضْحى .
قالوا: وسُميت بذلك؛ لأنها تُذبح يومَ الأضحى وقتَ الضُّحى، من أجل الصلاةِ ذلكَ الوقت”. [ رياض الأفهام (5/460)].
* الأضحية: ما يذبح من بهيمة الأنعام، أيام عيد الأضحى؛ بسبب العيد تقرباً إلى الله عز وجل .
* وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم، وإجماع المسلمين.
أما الكتاب:
1- {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}.
2- وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَـلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. والنسك الذبح ، قاله سعيد بن جبير، وقيل: جميع العبادات ومنها الذبح، وهو أشمل .
3- وقال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَنْعَـامِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ}.
ومن السنة :
1- ما جاء في صحيح البخاري (5558) ومسلم (1966) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحهما.
2- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : أقام النبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة عشر سنين يضحي . رواه أحمد (4935) والترمذي (1507) ، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح ( 1475 ).
3- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قسم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقال: يا رسول الله صارت لي جذعة فقال: ضح بها. رواه البخاري (5547).
4- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين. رواه البخاري(5545).
* فقد ضحى صلى الله عليه وسلّم وضحى أصحابه رضي الله عنهم، وأخبر أن الأضحية سنة المسلمين. يعني: طريقتهم.
ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها ، كما نقله غير واحد من أهل العلم.
(المسألة الثانية): اختلفوا هل هي سنة مؤكدة ، أو واجبة لا يجوز تركها ؟
فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة ، وهو مذهب الشافعي، ومالك وأحمد في المشهور عنهما. وكان أبوبكر وعمر لا يضيحان لكي لا يقال أنها واجبة.
وذهب آخرون إلى أنها واجبة، وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال : هو أحد القولين في مذهب مالك، أو ظاهر مذهب مالك.” انتهى من رسالة أحكام الأضحية والذكاة لابن عثيمين رحمه الله.
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله : ” الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها، فيُضحي الإنسان عن نفسه وأهل بيته ” [فتاوى ابن عثيمين 2/661].
(المسألة الثالثة): يشترط للأضحية ستة شروط:
أحدها: أن تكون من بهيمة الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ضأنها ومعزها؛ لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَـمِ فَإِلَـهُكُمْ إِلَـهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ } وبهيمة الأنعام هي الإبل، والبقر، والغنم هذا هو المعروف عند العرب، وقاله الحسن وقتادة وغير واحد.
الثاني: أن تبلغ السن المحدود شرعاً، بأن تكون جذعة من الضأن، أو ثنية من غيره؛ لقوله صلى الله عليه وسلّم: «لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن». رواه مسلم.
والمسنة: الثنية فما فوقها، والجذعة ما دون ذلك. فالثني من الإبل: ما تم له خمس سنين، والثني من البقر: ما تم له سنتان. والثني من الغنم: ما تم له سنة، والجذع: ما تم له نصف سنة، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز، ولا بما دون الجذع من الضأن.
الثالث: أن تكون خالية من العيوب المانعة من الإجزاء، وهي أربعة:
1 ـ العور البين: وهو الذي تنخسف به العين، أو تبرز حتى تكون كالزر، أو تبيض ابيضاضاً يدل دلالة بينة على عورها.
2 ـ المرض البين: وهو الذي تظهر أعراضه على البهيمة كالحمى التي تقعدها عن المرعى وتمنع شهيتها، والجرب الظاهر المفسد للحمها أو المؤثر في صحته، والجرح العميق المؤثر عليها في صحتها ونحوه.
3 ـ العرج البين: وهو الذي يمنع البهيمة من مسايرة السليمة في ممشاها.
4 ـ الهزال المزيل للمخ: لقول النبي صلى الله عليه وسلّم حين سئل ماذا يتقي من الضحايا فأشار بيده وقال: «أربعاً: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى». رواه مالك في الموطأ من حديث البراء بن عازب، وفي رواية في السنن عنه رضي الله عنه قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال: «أربع لا تجوز في الأضاحي» وذكر نحوه.
فهذه العيوب الأربعة مانعة من إجزاء الأضحية بما تعيب بها، ويلحق بها ما كان مثلها أو أشد، فلا تجزىء الأضحية بما يأتي:
1 ـ العمياء التي لا تبصر بعينيها.
2 ـ المبشومة حتى تنشط ويزول عنها الخطر.
3 ـ المتولدة إذا تعسرت ولادتها حتى يزول عنها الخطر.
4 ـ المصاب بما يميتها من خنق وسقوط من علو ونحوه حتى يزول عنها الخطر.
5 ـ الزمنى وهي العاجزة عن المشي لعاهة.
6 ـ مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين.
فإذا ضممت ذلك إلى العيوب الأربعة المنصوص عليها صار ما لا يضحى به عشرة. هذه الستة وما تعيب بالعيوب الأربعة السابقة.
الشرط الرابع: أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها من قبل الشرع، أو من قبل المالك فلا تصح التضحية بما لا يملكه كالمغصوب والمسروق والمأخوذ بدعوى باطلة ونحوه؛ لأنه لا يصح التقرب إلى الله بمعصيته. وتصح تضحية ولي اليتيم له من ماله إذا جرت به العادة وكان ينكسر قلبه بعدم الأضحية.
وتصح تضحية الوكيل من مال موكله بإذنه.
الشرط الخامس: أن لا يتعلق بها حق للغير فلا تصح التضحية بالمرهون.
الشرط السادس: أن يضحى بها في الوقت المحدود شرعاً وهو من بعد صلاة العيد يوم النحر إلى غروب الشمس من آخر يوم من أيام التشريق وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، فتكون أيام الذبح أربعة: يوم العيد بعد الصلاة، وثلاثة أيام بعده، فمن ذبح قبل فراغ صلاة العيد، أو بعد غروب الشمس يوم الثالث عشر لم تصح أضحيته لما روى البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله وليس من النسك في شيء». وروى عن جندب بن سفيان البجلي رضي الله عنه قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى». وعن نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل». رواه مسلم. لكن لو حصل له عذر بالتأخير عن أيام التشريق مثل أن تهرب الأضحية بغير تفريط منه فلم يجدها إلا بعد فوات الوقت، أو يوكل من يذبحها فينسى الوكيل حتى يخرج الوقت فلا بأس أن تذبح بعد خروج الوقت للعذر، وقياساً على من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها إذا استيقظ أو ذكرها.
ويجوز ذبح الأضحية في الوقت ليلاً ونهاراً، والذبح في النهار أولى، ويوم العيد بعد الخطبتين أفضل، وكل يوم أفضل مما يليه؛ لما فيه من المبادرة إلى فعل الخير”.
* ما مر مقتبس من التعليق على الصحيح المسند (ج2/ رقم 1100). وقد مر بيان مسألة وقت ذبح الأضحية في التعليق على الصحيح المسند (ج2/ رقم 1208)، وانظر أيضًا (1502)، (1485).
وفي (253) عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند مر ذكر عيوب الأضحية فيه، وانظر أيضًا: في عون الصمد (119)].
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “الأضحية سنة مؤكدة، تشرع للرجل والمرأة، وتجزئ عن الرجل وأهل بيته، وعن المرأة وأهل بيتها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي كل سنة بكبشين أملحين أقرنين أحدهما عنه وعن أهل بيته، والثاني عمن وحد الله من أمته.
ووقتها يوم النحر وأيام التشريق في كل سنة،
والسنة للمضحي أن يأكل منها، ويهدي لأقاربه وجيرانه منها، ويتصدق منها.
ولا يجوز لمن أراد أن يضحي أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئا، بعد دخول شهر ذي الحجة حتى يضحي؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل شهر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئا حتى يضحي)) رواه الإمام مسلم في صحيحه، عن أم سلمة رضي الله عنها.
أما الوكيل على الضحية، أو على الوقف الذي فيه أضاحي، فإنه لا يلزمه ترك شعره ولا ظفره ولا بشرته؛ لأنه ليس بمضح، وإنما هذا على المضحي الذي وكله في ذلك،
وهكذا الواقف هو المضحي. والناظر على الوقف وكيل منفذ وليس بمضح، والله ولي التوفيق”. انتهى من [مجموع فتاوى ابن باز (18/38)].
ثانيًا:
وأما ما يتعلق بالباب من المسائل، فهي كالتالي:
قال ابن القيم رحمه الله (ت ٧٥١):
“وكانَ مِن هَدْيِهِ ﷺ أنَّ الشّاةَ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وعَنْ أهْلِ بَيْتِهِ، ولَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ، كَما قالَ عَطاءُ بْنُ يَسارٍ: «سَألْتُ أبا أيُّوبٍ الأنْصارِيَّ: كَيْفَ كانَتِ الضَّحايا عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقالَ: “إنْ كانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشّاةِ عَنْهُ وعَنْ أهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ ويُطْعِمُونَ”. قالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ”. انتهى [زاد المعاد في هدي خير العباد (2/295)].
ونقل ابن عبدالبر الاجماع أنه لا يجوز الإشتراك في الشاة الواحدة من بيوت متفرقة(الاستذكار )
(المسألة الرابعة): أحاديث في الباب:
حديث الباب
وروى مسلم في صحيحه (١٩٦٧) مِن حَدِيثِ عائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْها-، «أمَرَ بِكَبْشٍ أقْرَنَ، يَطَأُ في سَوادٍ، ويَبْرُكُ في سَوادٍ، ويَنْظُرُ في سَوادٍ، فَأُتِيَ بِهِ، لِيُضَحِّيَ بِهِ، فَقالَ لَها: يا عائشِةُ هَلُمِّي المُدْيَةَ، ثمَّ قالَ: اشْحَذِيها بِحَجَرٍ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أخَذَها، وأخَذَهُ فَأضْجَعَهُ، ثمَّ ذَبَحَهُ، ثُمَّ قالَ: بِسْم اللهِ، الَّلهُمَّ تَقَبلْ مِن مُحَمَّدٍ، وآلِ مُحَمَّدٍ، ومِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ». والحديث من الأحاديث التي نقلها الحافظ رحمه الله في بلوغ المرام.
وقوله: «من محمد، وآل محمد» دليلٌ على أنّ الأُضحية الواحدة تجزىء عن الرجل وأهل بيته، ويشركهم في ثوابها”. [توضيح الأحكام (7/78)].
وروى ابن ماجة رحمه الله في سننه، عَنْ عَطاءِ بْنِ يَسارٍ، قالَ: سَألْتُ أبا أيُّوبَ الأنْصارِيَّ كَيْفَ كانَتِ الضَّحايا فِيكُمْ عَلى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ؟ قالَ: كانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ يُضَحِّي بِالشّاةِ عَنْهُ وعَنْ أهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ ويُطْعِمُونَ، ثُمَّ تَباهى النّاسُ فَصارَ كَما تَرى. [تحقيق الألباني: صحيح، الإرواء (١١٤٢)].
وروى مالكٌ في الموطأ (١٠٥٠) بسندٍ صحيحٍ، والترمذي (١٥٠٥) وصحَّحه من حديث أبي أيوب، قال: «كان الرجل على عهد النَّبي ﷺ يُضَحِّي بالشّاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون، ويطعمون».
وقال صلى الله عليه وسلم : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أَضْحَاةً ..)). رواه أحمد (17216) وأبو داود (2788) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
(المسألة الخامسة): حكمه
نقل الخطيب الشربيني رحمه الله عن صاحب (العُدة) قوله : ” وهي سنة على الكفاية إن تعدد أهل البيت, فإذا فعلها واحد من أهل البيت كفى عن الجميع, وإلا فسنة عين”. انتهى من [مغني المحتاج (6/123)].
(المسألة السادسة) من هو المطالب بالأضحية من أهل البيت ؟
“البيت الواحد يضحي عنه القيم على البيت، إن كان الأب أو الزوج أو الأخ الأكبر، المهم القيم على البيت هو الذي يضحي وينوي أنها أضحية عن الجميع.
فإذا كانت الوالدة عندها أولاد في البيت وأولادها لهم أولاد في البيت، فأكبر الأولاد يعتبر راعياً لهذا البيت.
إذاً هو الذي يضحي، والأم لا تضحي؛ لأنها تدخل في أضحية الولد”. [الشيخ ابن عثيمين من لقاءات الباب المفتوح، لقاء رقم(92)].
(المسألة السابعة) تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته، والبدنة، والبقرة عن سبعة
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “يضحي الإنسان بالشاة عن نفسه، وتجزئ من حيث الثواب عنه وعن أهل بيته أيضًا؛ لأن الرسول ﷺ كان «يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته»، وعنده تسع نسوة”. [الشرح الممتع (7/427)].
وجوّز تضحية الرجل عنه، وعن أهل بيته، واشتراكهم معه في الثواب، قال النوويّ: وهو مذهبنا، ومذهب الجمهور،
وكرهه الثوريّ، وأبو حنيفة، وأصحابه، وزعم الطحاويّ أن هذا الحديث منسوخ، أو مخصوص، وغَلَّطه العلماء في ذلك، فإن النسخ، والتخصيص لا يثبتان بمجرد الدعوى. انتهى [ «شرح النوويّ» ١٣/ ١٢٢].
وقال القرطبيّ: فيه من الفقه ما يدلّ على جواز تشريك الرجل أهل بيته في أضحيته، وأن ذلك يجزىء عنهم، وكافة علماء الأمصار على جواز ذلك،
مع استحباب مالك أن يكون لكل واحدٍ من أهل البيت أضحية واحدة، وكان أبو حنيفة، وأصحابه، والثوريّ يكرهون ذلك، وقال الطحاويّ: لا يجزئ، وزعم: أن الحديث في ذلك من فِعْل النبيّ ﷺ منسوخ، أو مخصوص، وممن قال بالمنع: عبد الله بن المبارك.
قال القرطبيّ: وهذه المسألة فيها نظر، وذلك: أن الأصل أن كل واحد مخاطب بأضحية، وهذا متّفَقٌ عليه، فكيف يسقط عنهم بفعل أحدهم؟!
وقوله: «اللهم تقبَّل من محمد وآل محمد» ليس نصًّا في إجزاء ذلك عن أهل بيته، بل هو دعاء لمن ضحّى بالقبول، ويدلُّ عليه قوله: «ومن أمة محمد»، وقد اتَّفق الكل على أن أضحية النبيّ ﷺ لا تجزىء عن أمته، ولو سُلِّم ذلك لكان يلزم عليه أن تجزىء أضحية النبيّ ﷺ عن آل النبيّ ﷺ حيث كانوا، وإن لم يكونوا في بيته، ثم يلزم عليه ألا يدخل أزواجه فيهم؛ فإنّهم ليسوا آلًا له على الحقيقة اللغوية، وقد تقدَّم القول على آل النبي ﷺ في الزكاة،
والذي يظهر لي: أن الحجَّة للجمهور على ذلك: ما رُوي أن النبيّ ﷺ ضحّى عن نسائه ببقرة، وروي: بالبقر.
وأيضًا فلم يُرْوَ أن النبيّ ﷺ أمر كل واحدة من نسائه بأضحية، ولو كان ذلك؛ لنُقل، لتكرار سِنِيِّ الضحايا عليهن معه، ولكثرتهن، فالعادة تقتضي أن ذلك لو كان لنُقل كما نُقل غير ذلك من جزئيات أحوالهن، فدلَّ ذلك على أنّه كان يكتفي بما يضحِّي عنه وعنهن، والله تعالى أعلم.
وقد رَوى الترمذيّ عن عطاء بن يسار، قال: سألت أبا أيوب الأنصاريّ: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله ﷺ؟ فقال: كان الرجل يضحِّي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون، ويطعمون حتى تباهى الناس فيها كما ترى، قال:
هذا حديث حسن صحيح. انتهى [«المفهم» ٥/ ٣٦٤ – ٣٦٥].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن قول الجمهور أن أضحية الرجل الواحدة تجزي عنه وعن أهل بيته هو الحقّ؛ لوضوح أدلّته، فقد كان هذا هو المعمول به في عهده ﷺ، إلى أن تباهى الناس بعده، كما قال جابر -رضي الله عنه-، وأنه لم يُنقل عن أهل بيته ﷺ أنهم ضحّوا غير ضحاياه ﷺ، وكذلك أصحابه، وقد أجاد القرطبيّ رحمه الله في آخر كلامه حيث قرّر ذلك، واستدلّ له، وإن كان أول كلامه فيه نظر، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم. [ البحر المحيط الثجاج (33/389].
وقالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بابِ الشّاةِ الواحِدَةِ تُجْزِئُ عَنْ أهْلِ البَيْتِ: والعَمَلُ عَلى هَذا عِنْدَ بَعْضِ أهْلِ العِلْمِ وهُوَ قَوْلُ أحْمَدَ وإسْحاقَ، واحْتَجّا بحديث النبي ﷺ أنَّهُ ضَحّى بِكَبْشٍ فَقالَ هَذا عَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِن أُمَّتِي. انْتَهى
وقالَ الحافِظُ الخَطّابِيُّ فِي المَعالِمِ قَوْلُهُ مِن مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ومِن أُمَّةِ مُحَمَّدٍ.
فِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الشّاةَ الواحِدَةَ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وعَنْ أهْلِهِ وإن كثروا.
وروى عن أبي هريرة وبن عمر رضي الله عنهم أنَّهُما كانا يَفْعَلانِ ذَلِكَ،
وأجازَهُ مالِكٌ والأوْزاعِيُّ والشّافِعِيِّ وأحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وإسْحاقَ بْنِ راهْوَيْهِ.
وكَرِهَ ذَلِكَ أبُو حَنِيفَةَ والثَّوْرِيُّ رَحِمَهُما الله تعالى انتهى. [ عون المعبود وحاشية ابن القيم ].
قال ابن المنذر (ت ٣١٩) رحمه الله: “واختلفوا في الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته،
فكان مالك، والليث بن سعد، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: يجيزون ذلك.
وقد روى هذا المعنى عن أبي هريرة، وابن عمر، واحتج أحمد بفعل أبي هريرة، ويذبح النبي ﷺ عن أمته.
قال أبو بكر: وكره ذلك الثوري، والنعمان.
وبالقول الأول أقول، للثابت عن رسول الله ﷺ الدال على ذلك.”. [ الإشراف على مذاهب العلماء (3/406)].
[تنبيه]:
قال القاضي عياض رحمه الله: وضبطُ من يصحُّ أن يُدخله الرجل في الأضحية عندنا بثلاث صفات:
أحدها: أن يكونوا من قرابته، وحُكم الزوجين، وأمِّ الولد حُكمهم عند مالك والكافة. وأباه الشافعي في أم الولد، وقال: لا أجيز لها، ولا للمكاتَب، والمدبَّر، والعبد أن يضحُّوا.
والثاني: أن يكونوا في نفقته، وجبت عليه، أو تطوّع بها.
والثالث: أن يكونوا في بيته، ومساكنته غير نائين عنه، فإن انخرم شيء من هذه الشروط لم يصح اشتراكهم في ضحيَّته.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هذه الشروط تحتاج إلى أدلة، فليُتأمل، والله تعالى أعلم. [ البحر المحيط الثجاج (33/391)].
[فرع]: ولكن هل يجزئ سُبع البدنة أو سُبع البقرة عن الرجل وأهل بيته أم لا يجزئ السبع إلا عن واحد:
قولان لأهل العلم، والذي مالت إليه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أن سُبع البدنة وسبع البقرة لا يجزئ إلا عن واحد والله – عز وجل – أعلم، أما الشاة فتجزئ عن الرجل وأهل بيته.
[فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ١١/ ٣٩٦، وانظر: حاشية ابن قاسم على الروض المربع، ٤/ ٢٢٠،
فقد قال: «وأما التشريك في سبع منها فمفهوم هذا الحديث، وحديث تجزئ الشاة عن الرجل وأهل بيته أنه لا يجزئ شرك في سبع من بدنة أو بقرة، وجزم به شيخنا وغيره».
وقال الشيخ عبد العزيز ابن باز: «في إجزاء السبع من البدنة والبقرة عن الرجل وأهل بيته توقف من بعض أهل العلم، والراجح أنه يجزئ عن الرجل وأهل بيته؛ لأنهم في معنى الشخص الواحد». مجموع فتاوى ابن باز، ١٨/ ٤٤ – ٤٥].[صلاة العيدين، القحطاني].
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “وقوله: «عن سبعة» أي: سبعة رجال، فإذا كان الإنسان يضحي بالواحدة عنه وأهل بيته، فإنه بالسُّبْع يضحي عنه وعن أهل بيته؛ لأن هذا تشريك في الثواب، والتشريك في الثواب لا حصر له، فها هو النبي ﷺ ضحى عن كل أمته، وها هو الرجل يضحي بالشاة الواحدة عنه وعن أهل بيته، ولو كانوا مائة،
أما التشريك في الملك فلا يزيد على سبعة، فلو اشترك ثمانية في بعير قلنا: لا يجوز، فلا بد أن يخرج واحد منكم، فإن رضي واحد منهم أن يخرج فهذا هو المطلوب، وإلا فالأخير هو الخارج، فإن لم يعلم الأخير فالقرعة، لكن لو ذبحوها فبانوا ثمانية فماذا يصنعون؟ قيل: يذبحون شاة واحدة لتكمل للثامن، ويحتمل أن يقال: يقترعون فمن خرج بالقرعة خرج وذبح شاة وحده.
فالبدنة والبقرة هل تجزئان عن سبعة رجال، أو تجزئان عن سبع شياه؟
الجواب: الثاني، فإذا قلنا بالثاني قلنا: إذا كانت الشاة تجزئ عن الرجل وعن أهل بيته في الثواب، فكذلك يجزئ سبع البدنة وسبع البقرة عنه وعن أهل بيته”. انتهى [الشرح الممتع (7/428)].
قال الشيخ صالح الفوزان: “وتجزئ الشاة في الهدي عن واحد، وفي الأضحية تجزئ عن الواحد وأهل بيته، وتجزئ البدنة والبقرة في الهدي والأضحية عن سبعة”. [الملخص الفقهي 1/450]. ثم أورد حديث جابر وغيره.
وقال ابن أبي العز (ت ٧٩٢) رحمه الله: “قوله: (ويذبح عن كل واحد منهم شاة أو يذبح بقرة أو بدنة عن سبعة، والقياس أن لا يجوز إلا عن واحد، لأن الإراقة واحدة وهي البقرة، إلا أنا تركناه بالأثر، وهو ما روي عن جاب -رضي الله عنه أنه قال: «نحرنا مع رسول الله ﷺ البقرة عن سبعة، والبدنة عن سبعة»، ولا نص في الشاة فبقي على القياس- إلى أن قال-: وقال مالك رحمه الله: تجوز عن أهل البيت الواحد، وإن كانوا أكثر من سبعة، ولا تجوز عن أهل بيتين وإن كانوا أقل منها لقوله عليه السلام: «على كل أهل بيت في كل عام أضحاه وعتيرة»).
حديث جابر المذكور رواه مسلم ولفظه قال: «كنا نتمتع مع رسول الله ﷺ العمرة، فنذبح البقرة عن سبعة نشترك فيها»، وفي رواية قال: «نحرنا مع رسول الله ﷺ عام الحديبية البدنة عن السبعة والبقرة عن السبعة» وفي أخرى قال: «خرجنا مع رسول الله ﷺ مهلين بالحج فأمرنا رسول الله ﷺ في الحج والعمرة كل سبعة عن بدنة» وحضر جابر الحديبية قال: “نحرنا يومئذ سبعين بدنة اشتركنا كل سبعة في بدنة» وحضر جابر الحديبية قال: «نحرنا يومئذ سبعين اشتركنا كل سبعة في بدنة» هذه الروايات كلها عن جابر -رضي الله عنه- في الهدي خاصة.
أما الأضحية فعنه -رضي الله عنه- قال: ذبح رسول الله ﷺ يوم الذبح كبشين أملحين أقرنين موجوءين، فلما وجهها قال: «وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفًا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته، باسم الله والله أكبر» ثم ذبح. رواه أبو دواد.
وعنه -رضي الله عنه- قال: «صليت مع رسول الله ﷺ عيد الأضحى، فلما انصرف أتي بكبش فذبحه فقال: باسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعن من لم يضح من أمتي» رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
وعن عطاء بن يسار قال: «سألت أبا أيوب الأنصاري كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول الله ﷺ؟ قال: كان الرجل في عهد النبي ﷺ يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهى الناس فصار كما ترى» رواه ابن ماجه، والترمذي وصححه.
وعن الشعبي عن أبي سريحة قال: حملني أهلي على الجفاء بعدما علمت من السنة كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين، والآن يبخلنا جيراننا. رواه ابن ماجه وعن عائشة رضي الله عنها: «أن النبي ﷺ أتي بكبش ليضحي به، فأضجعه ثم ذبحه ثم قال: باسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد» رواه مسلم.
وفي البخاري عن زهرة بن معبد «أنه كان يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله» والحديث الذي ذكره المصنف للاستدلال لمالك على جواز البدنة عن أهل البيت وإن كثروا، أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن غريب.
ولكن نسخت العتيرة بحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «لا فرع ولا عتيرة» والفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه، والعتيرة في رجب، متفق عليه.
وقال ابن المنذر: «نبئت أن رسول الله ﷺ/ نحر عن آل محمد في حجة الوداع [بقرة] واحدة»، وجاء الحديث عنه «أنه دعا بكبش فذبحه، وقال: باسم اله والله أكبر عني وعن من لم يضح من أمتي».
واختلفوا في الرجل يضحي بشاة عنه وعن أهل بيته….. انتهى.
والأحاديث المتقدمة في جواز الأضحية الواحدة عن أهل البيت لا تمنع جواز الاشتراك في الإبل والبقر عن سبعة، ولو ضحى رجل عنه وعن أهل بيته بشاة أو بقرة أو بدنة أجزأ عنهم، وإن كثروا عملًا بالأحاديث الواردة في ذلك كلها، وإجزاء البدنة عن سبعة مروي عن علي، وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وعائشة -رضي الله عنهم-، وبه قال عطاء وطاووس وسالم والحسن وعمر بن دينار والثوري والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وأبو حنيفة وأصحابه،
وعن ابن عمر: لا تجزئ نفس واحدة عن سبعة، ونحوه قول مالك، ذكر ذلك في المغني.”. انتهى. [التنبيه على مشكلات الهداية (5/763)].
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «الْعَتِيرَةُ مَنْسُوخَةٌ، هَذَا خَبَرٌ مَنْسُوخٌ».
(المسألة الثامنة): في دعوى النسخ أو التخصيص
“وقالَ الحافِظُ فِي الفَتْحِ فِي بابِ الأُضْحِيَّةِ لِلْمُسافِرِ والنِّساءِ: واسْتَدَلَّ بِهِ الجُمْهُورُ عَلى أنَّ ضَحِيَّةَ الرَّجُلِ تُجْزِئُ عَنْهُ وعَنْ أهْلِ بَيْتِهِ، وخالَفَ فِي ذَلِكَ الحَنَفِيَّةُ وادَّعى الطَّحاوِيُّ أنَّهُ مَخْصُوصٌ أوْ مَنسُوخٌ ولَمْ يَأْتِ لِذَلِكَ بِدَلِيلٍ.
… والحاصِلُ أنَّ الشّاةَ الواحِدَةَ تُجْزِئُ فِي الأُضْحِيَّةِ دُونَ الهَدْيِ عَنِ الرَّجُلِ وعَنْ أهْلِهِ وإنْ كَثُرُوا؛ كَما تَدُلُّ عليه رواية عائشة ..، ورِوايَةُ جابِرٍ ..، ورِوايَةُ أبِي أيُّوبَ الأنْصارِيِّ ..، ورِوايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشامٍ وكانَ قَدْ أدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ ..، ورِوايَةُ أبِي طَلْحَةَ وأنس ..، ورِوايَةُ أبِي رافِعٍ وجَدِّ أبِي الأشَدِّ ..، ورِوايَةُ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الصَّحابَةِ.
وما زَعَمَهُ الطَّحاوِيُّ أنَّ هَذا الحَدِيثَ مَنسُوخٌ أوْ مَخْصُوصٌ بِهِ ﷺ فَغَلَّطَهُ العُلَماءُ فِي ذَلِكَ كَما ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ
فَإنَّ النَّسْخَ والتَّخْصِيصَ لا يَثْبُتانِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوى، بَلْ رَوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وأبِي هُرَيْرَةَ وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أنَّهُمْ كانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ كَما ذَكَرَهُ الخَطّابِيُّ وغَيْرُهُ،
وأجازَهُ الأوْزاعِيُّ والليث والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهْوَيْهِ وغَيْرُهُمْ مِنَ الأئِمَّةِ.
ومُتَمَسَّكُ مَن قالَ إنَّ الشّاةَ الواحِدَةَ فِي الأُضْحِيَّةِ لا تُجْزِئُ عَنْ جَماعَةٍ القِياسُ عَلى الهَدْيِ وهُوَ فاسِدُ الِاعْتِبارِ؛ لِأنَّهُ قِياسٌ فِي مُقابِلِ النَّصِّ، والضَّحِيَّةُ غَيْرُ الهَدْيِ، ولَهُما حُكْمانِ مُخْتَلِفانِ فَلا يُقاسُ أحَدُهُما عَلى الآخَرِ؛ لِأنَّ النَّصَّ ورَدَ عَلى التَّفْرِقَةِ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلى القِياسِ، فالصَّوابُ جَوازُهُ، والحَقُّ مَعَ هَؤُلاءِ الأئِمَّةِ المَذْكُورِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. انْتَهى مُخْتَصَرًا مِن غايَةِ المَقْصُودِ”.[عون المعبود وحاشية ابن القيم، بتصرف يسير].وقد سبق في شرح الحديث الرد على ذلك.
(المسألة التاسعة): الفتاوى متعلقة بالباب:
[1] س٣: أنا وأخي متزوجان، ونسكن في نفس البيت مع والدينا، السؤال: هل يجوز لنا أن نشترك في أضحية العيد، مع العلم أننا نصرف مصاريف واحدة ونطبخ طبخا واحدا أم لكل منا أضحيته، أي: أضحيتي وحدها وأضحية أخي وأضحية الوالدين؟
ج٣: إذا نوى من ذبح الأضحية أنها عنه وعن غيره من سكان البيت فإنها تجزئ عن الجميع. [السؤال الثالث والرابع من الفتوى رقم (١٧٦٦٠)، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء].
[2] س٢: سماحة الشيخ: أسكن مع والدي فهل يجوز أن يذبح والدي أضحية واحدة أم أذبح أضحية لوحدي؟
ج٢: لكل إنسان أن يضحي بشاة عنه، وعن أهل بيته، وإذا ضحى والدك وأشركك معه في أضحيته أجزأتك عن ذبح أضحية أخرى؛ لكونك داخلا في أهل بيته.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [السؤال الثاني من الفتوى رقم (١٩٢٢٦)، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء].
[3] س١: أنا صاحب عائلتين، وكل عائلة في بيت، لكن هذين البيتين متجاوران، ولا يفصل بينهما سوى جدار، وبعض الأحيان نجتمع في بيت واحد للأكل. وسؤالي هو: هل يصح ضحية واحدة عن الجميع؟ أم لا بد لكل بيت ضحية؟
ج١: السنة أن الرجل يكتفي في الأضحية بشاة واحدة عنه وعن أهل بيته، ويدل لذلك ما رواه عمارة بن عبد الله قال: سمعت عطاء بن يسار يقول: سألت أبا أيوب الأنصاري رضي الله عنه كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله ﷺ فقال: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون، حتى تباهى الناس فصارت كما ترى. أخرجه الترمذي في (جامعه) انظر (عارضة الأحوذي ج٦، ص ٣٠٤).
وكونك صاحب عائلتين لتزوجك بزوجتين وكل زوجة في بيت مستقل فيشملهما جميعا أنهما أهل بيتك وتجزئ عنكم شاة واحدة؛ لأن النبي ﷺ ضحى بكبش عنه وعن أهل بيته وبيوت النبي ﷺ متعددة وكل بيت من بيوت زوجاته منفصل عن الآخر.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [السؤال الأول من الفتوى رقم (١٩١٩٨)، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء].
[4] س: إنني أسكن مع إخوتي وعددنا ٥ ذكور، وجميعنا متزوجون، ونسكن في بيوت شعبية متقابلة يحيط بها حوش بشكل دائري، وأكلنا واحد: فطورا وعشاء وغداء، ومجلسنا واحد، وتسكن والدتنا في بيت معنا جميعا، وسؤالي هو: هل تكفي ذبيحة واحدة في عيد الأضحى كضحية عن الجميع كما كان يفعل والدنا قبل وفاته رحمه الله، أو أنه يلزم كل واحد ضحية منفردة؟
ج: إذا كنتم مشتركين في المال والنفقة فإنها تكفي عنكم جميعا أضحية واحدة؛ لأنكم في حكم أصحاب البيت الواحد، أما إذا كان كل صاحب بيت مستقلا عن الآخر في ماله ونفقته فكل بيت له حكمه، وتشرع له أضحية مستقلة، إلا إذا تبرع واحد عن الجميع بأضحية واحدة من ماله فلا بأس بذلك، علما بأن الأضحية سنة وليست واجبة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [الفتوى رقم (١٩٣٥٦)، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء].
[5] س٢: نحن أربعة أشخاص، ولنا والد وساكنون جنب بعض، كل شخص ساكن في بيت، مع العلم أن هذه البيوت الأربعة حائطها واحد، يعني في وسط هذا الحائط، فهل الأضحية تكفي عن كل البيوت واحدة أم كل بيت يضحي؟ أفتني جزاك الله خيرا.
ج٢: يستحب لصاحب كل بيت أن يضحي عن نفسه، وعمن في بيته، ولا تكفي أضحية واحدة عن بيوت متعددة، ولو كانت داخل سور واحد.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [السؤال الثاني من الفتوى رقم (١٩٦١٨)، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء].
[6] س٣: هل يجزئ المسلم صاحب العيال ترك عياله في وطنه إذا حان عيد الأضحى أن يرسل ثمن أضحيته إلى عياله في وطنه؛ لتذبحها العيال أو تنحرها نيابة عنه؛ لأنه مهاجر، وهو متأكد أن العيال تضحي عنه كما أمر، أو لا بد أن يضحي حيث هو؟
ج٣: لا بأس أن يرسل المغترب ثمن الأضحية إلى أولاده في وطنه؛ ليقوموا بشرائها وذبحها في بيتهم، بل هذا هو الأفضل والسنة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. [سؤال الثالث من الفتوى رقم (١٧٩٤٠)، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء].
[7] س٣: في عيد الأضحى يقوم والدي بإعطائي أضحية من غنمه، مع العلم أنني مستقل عن والدي فأريد الإجابة على ذلك؟
ج٣: إذا دفع لك أبوك واحدة من غنمه لتضحي بها عن نفسك، وأهلك فلا بأس بقبول هدية أبيك تطييبا لخاطره ولو لم تكن محتاجا لها، وتجزئ عنك وعن أهلك، وعلى والدك أن يعطي إخوانك مثلك إذا كان لك إخوة إلا أن يسمحوا بذلك إذا كانوا مرشدين لقول النبي ﷺ «اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم».
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.[السؤال الثالث من الفتوى رقم (١٩٣٥٠)، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء].
[8] هل تشرع الأضحية لغير المتزوج وهل تدخل معه زوجته في الأضحية إذا لم يدخل بها ؟
إذا تزوجت إحدى بنات عماتي، وتملكت ملكة ولم أدخل عليها، وهي في بيت أبيها، فهل يجوز أعيد الأضحية أم لا ؟
الجواب:
فعل سنة الأضحية لا يتوقف على زواج أو ملاك، فيشرع فعلها لمتزوج ولغير متزوج، وتجزئ عنك وعن زوجتك المذكورة أضحية واحدة.[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء(11/404)].