(1224) فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1224):
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٦ ص ٣٩١): حَدَّثَنا أبُو عامِرٍ، قالَ: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَحْلاءَ، حَدَّثَنا أبُو الرِّجالِ، عَنْ سالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أبِي رافِعٍ قالَ: «أمَرَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ أنْ أقْتُلَ الكِلابَ»، فَخَرَجْتُ أقْتُلُها لا أرى كَلْبًا إلّا قَتَلْتُهُ، فَإذا كَلْبٌ يَدُورُ بِبَيْتٍ فَذَهَبْتُ لِأقْتُلَهُ، فَنادانِي إنْسانٌ مِن جَوْفِ البَيْتِ: يا عَبْدَ اللهِ، ما تُرِيدُ أنْ تَصْنَعَ؟ قالَ: قُلْتُ: أُرِيدُ أنْ أقْتُلَ هَذا الكَلْبَ، فَقالَتْ: إنِّي امْرَأةٌ مُضَيَّعَةٌ، وإنَّ هَذا الكَلْبَ يَطْرُدُ عَنِّي السَّبُعَ ويُؤْذِنُنِي بِالجائِي، فائْتِ النَّبِيَّ ﷺ فاذْكُرْ ذَلِكَ لَهُ، قالَ: فَأتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَأمَرَنِي بِقَتْلِهِ.
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الحديث في مسند الإمام أحمد، مسند القبائل، (ج45/ص167/رقم27188)
وفي (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد): القسم الثاني من الكتاب: قسم الفقه، «كتاب القتل والجنايات وأحكام الدماء»، -[ما جاء في الأمر بقتل الكلاب كلها وسبب ذلك]-، (ج16/ص21).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع: 32- كتاب الأدب، ٩٩ – قتل الكلاب، (3665).
وقال محققو المسند ط: الرسالة:
“إسناده صحيح، إن ثبت سماع سالم بن عبد الله – وهو ابن عمر- من أبي رافع. ورجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير يعقوب بن محمد بن طَحْلاء، فمن رجال مسلم، أبو عامر: هو عبد الملك بن عمرو العَقَدي، وأبو الرِّجال: هو محمد بن عبد الرحمن الأنصاري ….ثم ذكروا من خرجه انتهى
وأخرجه الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ٥٣، ٥٤)، باب ثمن الكلب.
وفي «شرح مشكل الآثار» (١٢/ ٨٧) باب بيان مشكل ما روي عَنْ رَسُولِ اللَّهِﷺ في أثمان الكلاب، في حلها وفي النهي عنها (رقم ٤٦٦٨).
وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٤/ ٤٢)، وقال: «رواه البزّار، وأحمد بأسانيد رجال بعضها رجال الصحيح، ورواه الطبراني في الكبير أيضًا».
لكن هذه طريق معلة قال جامع قول الترمذي وفي الباب :
قوله: ٣ – باب ما جاء في قتل الكلاب
قال: وفي الباب عن ابن عمر وجابر وأبي رافع وأبي أيوب
٢٢٨١ – أما حديث ابن عمر:
فرواه عنه نافع وسالم وميمون بن مهران وعبد اللَّه بن دينار.
* أما رواية نافع عنه:
ففي البخاري ٦/ ٣٦٠ ومسلم ٣/ ١٢٠٠
من طريق مالك وغيره عن نافع عن ابن عمر رضى اللَّه عنهما «أن رسول – ﷺ – أمر بقتل الكلاب» والسياق للبخاري.
* وأما رواية سالم عنه:
ففي النسائي ٧/ ١٨٤ وابن ماجه ٢/ ١٠٦٨ وأحمد ٢/ ١٣٢ وأبي يعلى ٥/ ١٨٢ و١٨٨ وابن الأعرابى في معجمه ٣/ ١٠٣٥ والطحاوى في شرح المعانى ٤/ ٥٣ والمشكل ٤/ ٨٥ والبيهقي ٦/ ٩:
من طريق الزهرى وغيره عن سالم عن أبيه قال: «سمعت رسول – ﷺ – رافعًا صوته يأمر بقتل الكلاب» والسياق للبخاري.
وقد اختلف فيه على سالم فقال عنه الزهرى وعبد اللَّه بن العلاء ما سبق. خالفهما أبو الرجال إذ قال عنه عن أبي رافع والحق مع الزهرى. انتهى
إلا إذا قلنا أن الحديث محفوظ على الوجهين.
وسبق في شرح صحيح مسلم في كتاب البيوع، أن الإمام النووي رحمه الله بوب على صحيح مسلم: (٣٢) – بـ”بابُ الأمْرِ بِقَتْلِ الكِلاب، وبَيانِ نَسْخِه، وبَيانِ تَحْرِيمِ إقْتِنائِها، إلّا لِصَيْدٍ، أوْ زَرْعٍ، أوْ ماشِيَةٍ، ونَحْوِ ذَلِكَ”.
الأول: شرح الحديث:
“لقدْ نَظَّمَ الشَّرعُ المُطهَّرُ أحكامَ كُلِّ شَيءٍ، حتَّى الحَيَواناتِ، ومِن ذلك الكِلابُ، حيثُ وَرَدَ في الشَّرعِ ما يُنَظِّمُ الانتِفاعَ بها، ويُبَيِّنُ أحكامَ الحَلالِ والحَرامِ مِمَّا يَرتَبِطُ بها”.
[في صحيح مسلم عن نافع «أمَر بقتل الكلاب، فأرسل في أقطار المدينة أن تُقْتَل»، وفي رواية إسماعيل بن أميّة، عن نافع: «كان رسول الله ﷺ يأمر بقتل الكلاب، فننبَعِثُ في المدينة وأطرافها، فلا نَدَعُ كلبًا إلا قتلناه، حتى إنا لنقتل كلب المُرَيَّة من أهل البادية يتبعها»،
وفي رواية عمرو بن دينار، عن ابن عمر – رضي الله عنهما -: “أن رسول الله ﷺ أمَرَ بقتل الكلاب، إلا كلبَ صيد، أو كلب غنم، أو ماشية، فقيل لابن عمر: إن أبا هريرة يقول: أو كلب زرع، فقال ابن عمر: إن لأبي هريرة زرعًا».
وفي حديث جابر – رضي الله عنه -: «أمرنا رسول الله ﷺ بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تَقْدَم من البادية بكلبها، فنقتله، ثم نَهى رسول الله ﷺ عن قتلها، وقال: عليكم بالأسود البهيم، ذي النقطتين، فإنه شيطان».
وفي حديث عبد الله بن المغَفَّل – رضي الله عنه -: «قال: أمر رسول الله ﷺ بقتل الكلاب، ثم قال: ما بالُهُمْ وبالُ الكلاب؟ ثم رَخَّص في كلب الصيد، وكلب الغنم»، وفي رواية له: «في كلب الغنم، والصيد، والزرع».
وفي حديث ابن عمر – رضي الله عنهما -: «من اقتنى كلبًا إلا كلب ماشية، أو ضارٍ، نَقَصَ من عمله كلَّ يوم قيراطان»، وفي رواية: «ينقص من أجره كل يوم قيراط».
وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: «من اقتنى كلبًا ليس بكلب صيد، ولا ماشية، ولا أرض، فإنه يَنْقُصُ من أجره قيراطان كلَّ يوم»، وفي رواية له: «انتقص من أجره كلَّ يوم قيراط».
وفي حديث سفيان بن أبي زُهير: «من اقتنى كلبًا لا يُغني عنه زرعًا، ولا ضرعًا نَقَصَ من عمله كلَّ يوم قيراط». [البحر المحيط الثجاج].
قال ابن القيم:
لم أزل حريصاً على معرفة المراد بالقيراط في هذا الحديث، وإلى أي شيء نسبته حتى رأيت لابن عقيل فيه كلاماً قال: القيراط نصف سدس درهم مثلاً أو نصف دينار ولا يجوز أن يكون المراد هنا جنس الأجر لأن ذلك يدخل فيه ثواب الإيمان وأعماله كالصلاة والحج وغيره وليس في صلاة الجنازة ما يبلغ هذا، فلم يبق إلا أن يرجع إلى المعهود وهو الأجر العائد إلى الميت ويتعلق بالميت أجر الصبر على المصاب فيه وأجر تجهيز وغسله ودفنه والتعزية به وحمل الطعام إلى أهله وتسليتهم.
وهذا مجموع الأجر الذي يتعلق بالميت فكان للمصلى والجالس إلى أن يقبر سدس ذلك أو نصف سدسه إن صلى وانصرف. قلت: كان مجموع الأجر الحاصل على تجهيز الميت من حين الفراق إلى وضعه في لحده وقضاء حق أهله وأولاده وجبرهم دينار مثلا فللمصلي عليه قراط من هذا الدينار.
والذي يتعارفه الناس من القيراط أنه نصف سدس فإن صلى عليه وتبعه كان له قيراطان منه وهما سدسه وعلى هذا فيكون نسبه القيراط إلى الأجر الكامل بحسب عظم ذلك الأجر الكامل في نفسه وكلما كان اعظم كان القيراط منه بحسبه فهذا بين ههنا.
وأما قوله: “افتنى كلباً إلا كلب ماشية أو زرع نقص من أجره أو من عمله كل يوم قيراط” فيحتمل أن يراد به هذا المعنى أيضاً بعينه وهو نصف سدس أجر عمله ذلك اليوم ويكون صغر هذا القيراط وكبره بحسب قلة عمله وكثرته فإذا كانت له أربعة وعشرون ألف حسنة مثلاً نقص منها كل يوم ألفا حسنة وعلى هذا الحساب.
والله أعلم بمراد رسوله وهذا مبلغ الجهد في فهم هذاالحديث. اهـ
بدائع الفوائد ١٠٦٨/٣
تنبيه: لا يصح في القيراط الناقص من اقتناء الكلاب أنه مثل أحد :
43- أخبرنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بن سابور الدقيقي، ثنا أبو نعيم وهو عبيد بن هشام الحلبي، ثنا ابن أبي الرجال واسمه عبد الرحمن، عن أبيه قال: جاءني سالم بن عبد الله وأنا في بادية لي على خمسة أميالٍ من المدينة، فنزل فإذا مع ابن لي جرو كلبٍ يلعب به، فقال: من هذا الغلام؟ قلت: هذا ابني، قال: وما له يلعب بكلب، أو ما سمعت ما في الكلب؟ قلت: بلى، نحن في دارٍ بادية قاصية، وفي زرع وفي غنم، فقال: أشهد على أبي أنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((من اقتنى كلباً إلا كلب صيدٍ أو كلب ماشيةٍ، نقص من عمله كل يومٍ قيراطٌ، والقيراط مثل أحد))
فوائد أبي أحمد الحاكم (ص107)
عبيد بن هشام قال ابوداود : ثقة إلا أنه تغير في آخر أمره لقن أحاديث ليس لها أصل .
وذكر ابوزرعه في ضعفائه هذا الرواي
لكنه متابع تابعه هشام بن عمار
[2801] ح وقد أخبرنا بهذا الحديث عاليا أبو القاسم تميم بن أبي سعيد بن أبي العياش أنبأنا أبو سعد الخيزراني أنبأنا الحاكم أبو أحمد أنبأنا محمد بن مروان وهو ابن خريم نبأنا هشام بن عمار نبأنا ابن أبي الرجال عن ابيه أنه حدثه عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو كلب صيد نقص من أجره كل يوم قيراط القيراط مثل أحد انتهى
تاريخ دمشق لابن عساكر (11/ 252)
وهشام بن عمار أيضا تغير
وصححه الألباني كما في تخريج غاية المرام تخريج الحلال والحرام:
١٤٧ – (صحيح)
قال الرسول (صلىالله عليه وسلم) من اتخذ كلبا إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية انتقص من أجره كل يوم قيراط رواه الجماعة قال سليم بن حيان وأحسبه قد قال والقيراط مثل أحد .
وهو في مسند أحمد
٨٥٤٧ – حَدَّثَنا عَفّانُ، حَدَّثَنا سَلِيمُ بْنُ حَيّانَ، قالَ: سَمِعْتُ أبِي، يُحَدِّثُنا عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قالَ: «مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا، لَيْسَ بِكَلْبِ زَرْعٍ، ولا صَيْدٍ، ولا ماشِيَةٍ، فَإنَّهُ يَنْقُصُ مِن أجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ -[٢٢٤]- قِيراطٌ»، قالَ سُلَيْمٌ: وأحْسَبُهُ قَدْ قالَ: «والقِيراطُ مِثْلُ أُحُدٍ»
قال محققو المسند:
حديث صحيح، وإسناده كسابقه.
وأخرجه ابن أبي شيبة ٥/٤٠٩ و١٤/٢٠٨ عن عفان، بهذا الإسناد.
وانظر ما سلف برقم (٧٦٢١). انتهى
وقالوا في حيان :
حيان والد سَليم -وهو ابن بسطام الهذلي- فقد روى له ابن ماجه، ولم يرو عنه غير ابنه، ولم يوثقه غير ابن حبان.
أما حديث ٧٦٢١ فعزوه الصحيحين بدون لفظة (مثل أحد)
بينما قال أحمد بن شاكر:
إسناده صحيح، وسليم – بفتح السين المهملة وكسر اللام – وحيان بالحاء المهملة المفتوحة والياء المثناه وهو وأبوه ثقتان.
[تنبيه]: سبب أمره ﷺ بقتل الكلاب هو ما جاء للإمام مسلم رحمه الله في «كتاب اللباس» من حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: واعد رسول الله ﷺ جبريل في ساعة يأتيه فيها، فجاءت تلك الساعة، ولم يأته، وفي يده عصًا، فألقاها من يده، وقال: «ما يُخلف الله وعده، ولا رُسُله»، ثم التفت، فإذا جِرْوُ كلب تحت سريره، فقال: «يا عائشة متى دخل هذا الكلب ها هنا؟»، فقالت: والله ما دَرَيت، فأمَر به، فأُخرج، فجاء جبريل، فقال رسول الله ﷺ: «واعدتني، فجلستُ لك، فلم تأت»، فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتًا فيه كلب، ولا صورة”.
وعن ميمونة – رضي الله عنها -: أن رسول الله ﷺ أصبح يومًا واجمًا، فقالت ميمونة: يا رسول الله لقد استنكرتُ هيئتك منذ اليوم، قال رسول الله ﷺ: إن جبريل كان وعدني أن يلقاني الليلةَ، فلم يلقني، أمَ والله ما أخلفني، قال: فظلَّ رسول الله ﷺ يومه ذلك على ذلك، ثم وقع في نفسه جِرْوُ كلب تحت فسطاط لنا، فأمر به، فأُخرج، ثم أخذ بيده ماءً، فنضح مكانه، فلما أمسى لقيه جبريل، فقال له: قد كنت وعدتني أن تلقاني البارحة، قال: أجل، ولكنا لا ندخل بيتًا فيه كلب، ولا صورةٌ، فأصبح رسول الله ﷺ يومئذ، فأمر بقتل الكلاب، حتى إنه يأمر بقتل كلب الحائط الصغير، ويترك كلب الحائط الكبير. أخرجه مسلم انتهى.
[تنبيه آخر]: قال القرطبيّ – رحمه الله -: حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – رُوي مطلقًا من غير استثناء، كما قال في رواية مالك [قال الإتيوبي في حاشية البحر المحيط: هذا بالنسبة لرواية مالك عند الشيخين، وإلا فقد أخرجه النسائيّ عن طريقه بلفظ: «أمر بقتل الكلاب، غيرَ ما استَثْنى منها»، فتنبّه”. انتهى]، عن نافع، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله ﷺ أمر بقتل الكلاب، وروي مقيَّدًا بالاستثناء المتَصل، كرواية عمرو بن دينار، عن ابن عمر – رضي الله عنهما -؛ أن النبيّ ﷺ أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد، أو كلب غنم، أو ماشية، فيجب على هذا ردّ مطلق إحدى الروايتين إلى مقيَّدهما، فإن القضية واحدة، والرّاوي لهما واحد، وما كان كذلك وجب فيه ذلك بالإجماع، كما بيَّنَّاه في أصول الفقه، وهذا واضح في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما -.
وعليه: فكلب الصيد، والماشية، لم يتناولهما قط عموم الأمر بقتل الكلاب؛ لاقتران استثنائهما من ذلك العموم.
وإلى الأخذ بهذا الحديث ذهب مالك، وأصحابه، وكثير من العلماء، فقالوا: بقتل الكلاب إلا ما استُثني منها، ولم يروا الأمر بقتل ما عدا المستثنى منسوخًا، بل محكمًا،
وأما حديث عبد الله بن مغفل – رضي الله عنه – فمقتضاه غير هذا، وذلك: أنّه قال فيه: أمر رسول الله ﷺ بقتل الكلاب، ثم قال: «ما بالهم وبال الكلاب»، ثم رَخَّص في كلب الصيد، وكلب الغنم، والزرع، ومقتضى هذا: أنّه أمرهم بقتل جميع الكلاب من غير استثناء شيء منها، فبادروا، وقتلوا كل ما وجدوا منها، ثم بعد ذلك رخص فيما ذكر، فيكون هذا الترخيص من باب النسخ؛ لأن العموم قد استقرَّ، وبردَ، وعُمِل عليه، فرفعُ الحكم عن شيء مما تناوله نسخ لا تخصيص، وقد ذهب إلى هذا في هذا الحديث بعض العلماء، ونحو من حديث عبد الله بن المغفل حديث جابر بن عبد الله، قال: قد أمرنا رسول الله ﷺ بقتل الكلاب، حتى إن المرأة تَقْدَم من البادية بكلبها، فنقتله، ثم نهى رسول الله ﷺ عن قتلها فقال: «عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين؛ فإنه شيطان»، فمقتضاه: أن الأمر كان بقتل الكلاب عامًّا لجميعها، وأنه نُسخ عن في جميعها إلا الأسود، وقد ذهب إلى هذا بعض العلماء.
ولَمّا اضطربت هذه الأحاديث المروية وجب عرضها على القواعد الأصولية، فنقول: إن حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – ليس فيه أكثر من تخصيص عموم باستثناءٍ مقترنٍ به، وهو أكثر في تصرفات الشرع من نسخ العموم بكليته،
وأيضًا: فإن هذه الكلاب المستثنيات الحاجةُ إليها شديدة، والمنفعة بها عامَّة وكِيدة، فكيف يأمر بقتلها؟ هذا بعيد من مقاصد الشرع، فحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أولى، والله أعلم.
قال: والحاصل من هذه الأحاديث: أن قتل الكلاب غير المستثنيات مأمور به إذا أضرَّت بالمسلمين، فإن كثر ضررها وغلب، كان الأمر على الوجوب، وإن قل وندر،
فأيُّ كلب أضرَّ وجب قتله، وما عداه جائز قتله؛ لأنه سَبُعٌ لا منفعة فيه، وأقل درجاته توقع الترويع، وأنه يُنقص من أجر مقتنيه كل يوم قيراطين،
فأمّا المرَوِّع منهن غير المؤذي، فقتله مندوب إليه،
وأما الكلب الأسود ذو النقطتين: فلا بُدَّ من قتله للحديث المتقدِّم، وقلّما يُنتفَع بمثل تلك الصفة؛ لأنه إن كان شيطانًا على الحقيقة فهو ضرر محض، لا نفع فيه، وإن كان على التشبيه به، فإنما شبِّه به للمفسدة الحاصلة منه، فكيف يكون فيه منفعة؟ ! ولو قَدَّرنا فيه أنه ضارٍ، أو للماشية، لقُتِل؛ لنصّ النبيّ ﷺ على قتله.
انتهى كلام القرطبيّ – رحمه الله – [«المفهم» ٤/ ٤٤٨ – ٤٥٠]، وسيأتي تمام البحث – إن شاء الله تعالى -. [البحر المحيط الثجاج].
قال ابن القيم:
ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ: “ﻟﻮﻻ ﺃﻥ الكلاب ﺃﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ ﻷﻣﺮﺕ ﺑﻗﺘﻞﻫﺎ” ﻭﻫﺬا ﻳﺤﺘﻤﻞ ﻭﺟﻬﻴﻦ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ: ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﺧﺒﺎﺭا ﻋﻦ ﺃﻣﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﻤﻜﻦ ﻓﻌﻠﻪ ﻭﻫﻮ ﺃﻥ اﻝﻛﻼﺏ ﺃﻣﺔ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻓﻨﺎﺅﻫﺎ ﻟﻜﺜﺮﺗﻬﺎ ﻓﻲ اﻷﺭﺽ ﻓﻠﻮ ﺃﻣﻜﻦ ﺇﻋﺪاﻣﻬﺎ ﻣﻦ اﻷﺭﺽ ﻷﻣﺮﺕ ﺑﻗﺘﻞﻫﺎ ﻭاﻟﺜﺎﻧﻲ: ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻪ: “ﺃﻣﻦ ﺃﺟﻞ ﺃﻥ ﻗﺮﺻﺘﻚ ﻧﻤﻠﺔ ﺃﺣﺮﻗﺖ ﺃﻣﺔ ﻣﻦ اﻷﻣﻢ ﺗﺴﺒﺢ” ﻓﻬﻲ ﺃﻣﺔ ﻣﺨﻠﻮﻗﺔ ﺑﺤﻜﻤﺔ ﻭﻣﺼﻠﺤﺔ ﻓﺈﻋﺪاﻣﻬﺎ ﻭﺇﻓﻨﺎﺅﻫﺎ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﻣﺎ ﺧﻠﻘﺖ ﻷﺟﻠﻪ ﻭاﻟﻠﻪ ﺃﻋﻠﻢ ﺑﻤﺎ ﺃﺭاﺩ ﺭﺳﻮﻟﻪ.
شفاء العليل ص 77
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في اختلاف أهل العلم في قتل الكلاب:
قال النوويّ – رحمه الله -: أجمع العلماء على قتل الكَلْب الكَلِب، والكَلْب العَقُور، واختلفوا في قتل ما لا ضرر فيه، فقال إمام الحرمين من أصحابنا: أمر النبيّ ﷺ أولًا بقتلها كلها، ثم نَسَخَ ذلك، ونَهى عن قتلها إلا الأسود البهيم، ثم استقرّ الشرع على النهي عن قتل جميع الكلاب التي لا ضرر فيها، سواء الأسود وغيره، ويُستدلّ لما ذكره بحديث ابن المغفل – رضي الله عنه -.
وقال القاضي عياض بعد نقل الخلاف : وعندي أن النهي أوّلًا كان نهيًا عامًّا عن اقتناء جميعها، وأمر بقتل جميعها، ثم نَهى عن قتلها، ما سوى الأسود، ومنع الاقتناء في جميعها إلا كلب صيد، أو زرع، أو ماشية.
قال النوويّ: وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث، ويكون حديث ابن المغفَّل مخصوصًا بما سوى الأسود؛ لأنه عامّ، فيخص منه الأسود بالحديث الآخر، وأما اقتناء الكلاب فمذهبنا أنه يحرم اقتناء الكلب بغير حاجة، ويجوز اقتناؤه للصيد، وللزرع، وللماشية، وهل يجوز لحفظ الدُّور، والدُّرُوب، ونحوها؟ فيه وجهان: أحدهما: لا يجوز؛ لظواهر الأحاديث، فإنها مصرِّحة بالنهي، إلا لزرع، أو صيد، أو ماشية، وأصحها: يجوز قياسًا على الثلاثة؛ عملًا بالعلة المفهومة من الأحاديث، وهي الحاجة، وهل يجوز اقتناء الجِرو، وتربيته للصيد أو الزرع أو الماشية؟ فيه وجهان لأصحابنا، أصحهما جوازه. انتهى كلام النوويّ – رحمه الله – [«شرح النوويّ» ١٠/ ٢٣٥ – ٢٣٦].
وقال ابن عبد البرّ – رحمه الله – في كتابه «التمهيد»: اختَلَفت الآثار في قتل الكلاب، واختَلَف العلماء في ذلك أيضًا:
فذهب جماعة من أهل العلم إلى الأمر بقتل الكلاب كلها، إلا ما ورد الحديث بإباحة اتخاذه منها للصيد، والماشية، وللزرع أيضًا، وقالوا: واجب قتل الكلاب كلها، إلا ما كان منها مخصوصًا بالحديث؛ امتثالًا لأمره ﷺ، واحتجوا بحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – المذكور في الباب، وبحديث جابر أيضًا.
قال: ورُوي عن عبد الله بن جعفر أن أبا بكر – رضي الله عنه – أمر بقتل الكلاب، قال عبد الله: وكانت أمي تحته، وكان جِرْوٌ لي تحت السرير، فقلت له: يا أبي وكلبي أيضًا؟ فقال: لا تقتلوا كلب ابني، ثم أشار بإصبعه أن خذوه من تحت السرير، فأُخذ وأنا لا أدري، فقُتل.
ورَوى حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع؛ أن ابن عمر – رضي الله عنهما – دخل أرضًا له، فرأى كلبًا، فَهَمّ أن يقع بِقَيِّم أرضه، فقال: إنه والله كلبٌ عابرٌ دخل الآن، قال: فأخذ المِسْحاة، وقال: حَرِّشوه عليّ، قال: فشحطه.
قوله: «فشحطه»؛ أي: قتله في أعجل شيء.
فهذا أبو بكر الصديق، وابن عمر – رضي الله عنهما – قد عَمِلا بقتل الكلاب بعد رسول الله ﷺ، وجاء نحو ذلك عن عمر، وعثمان، فصار ذلك سنةً معمولًا بها عند الخلفاء، لم يَنسخها عند مَن عَمِل بها شيء.
وإلى هذا ذهب مالك بن أنس، قال ابن وهب: سمعت مالكًا يقول في قتل الكلاب: لا أرى بأسًا أن يأمر الوالي بقتلها.
قال أبو عمر: ظاهر حديث ابن عمر – رضي الله عنهما -، وحديث جابر يدلّ على قتل جميع الكلاب، ولكن الحديث في ذلك ليس على عمومه؛ لما قد بان في حديث ابن شهاب، عن مالك، عن سالم، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: فكانت الكلاب تُقْتَل، إلا كلب صيد، أو ماشية، ومثله حديث عبد الله بن مغفل: أن رسول الله ﷺ أمَر بقتل الكلاب، ورَخَّص في كلب الزرع، والصيد.
وقال آخرون: أمْره ﷺ بقتل الكلاب منسوخ بإباحته اتخاذ ما كان منها للماشية، والصيد، والزرع، واحتجّ قائلو هذه المقالة بحديث عبد الله بن المُغَفَّل – رضي الله عنه – قال: أمر رسول الله ﷺ بقتل الكلاب، ثم قال: ما لي وللكلاب؟ ثم رَخَّص في كلب الصيد.
قالوا: ففي هذا الخبر أن كلب الصيد قد كان أمَر بقتله، ثم أباح الانتفاع به، فارتفع القتل عنه، قالوا: ومعلوم أن كل ما يُنتفَع به جائزٌ اتخاذُهُ، ولا يجوز قتله إلا ما يؤكل، فَيُذَكَّى، ولا يُقتَل.
واحتجّوا أيضًا بحديث جابر رضي الله تعالى عنه: «أمرنا رسول الله ﷺ صلّى الله تعالى عليه وسلم بقتل الكلاب، قال: فكنّا نقتلها حتّى قال: إنها أمّة من الأمم، ثم نهى عن قتلها، وقال: عليكم بالأسود …» الحديث.
قال أبو عمر: حديث جابر لا حجّة فيه لمن أمر بقتل الكلاب، بل الحجة فيه لمن لم ير قتلها. قالوا: فهذا يدلّ على أن الإباحة في اتّخاذها وحبّه أن لا يُفنيها، كان بعد الأمر بقتلها. قالوا: وقد رخّص في كلب الصيد، ولم يخصّ أسود بهيمًا من غيره. وقد قالوا: إن الأسود البهيم من الكلاب أكثرها أذًى، وأبعدها من تعليم ما ينفع، ولذلك رُوي أن الكلب الأسود شيطان؛ أي: بعيد من المنافع، قريبٌ من المضرّة والأذى، وهذه أمورٌ لا تُدرك بنظر، ولا يوصل إليها بقياس، وإنما يُنتهى فيها إلى ما جاء عنه صلّى الله تعالى عليه وسلم.
قال أبو عمر: قد اضطربت ألفاظ الأحاديث في هذا المعنى، فمنها ما يدلّ على النسخ، ومنها ما يدلّ على الأمر بالقتل فيما عدا المستثنى.
قال: وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز قتل شيء من الكلاب، إلا الكلب العقور، وقالوا: الأمر بقتل الكلاب منسوخ بنهيه صلّى الله تعالى عليه وسلم أن يُتّخذ شيء فيه الروح غَرَضًا، وبقوله صلّى الله تعالى عليه وسلم: خمس من الدوابّ يُقتلن في الحلّ والحرم، فذكر منهن الكلب العقور، فخصّ العقور، دون غيره؛ لأن كلّ ما يَعقر المؤمن، ويؤذيه، ويُقدر عليه، فواجب قتله، وقد قيل: العقور ههنا الأسد، وما أشبهه من عقّارة سباع الوحش.
واحتجّوا أيضًا بما أخرجه الشيخان من قصّة الرجل الذي سقى كلبًا يلهث من العطش، فشكر الله له ذلك، فغفر له، وبما أخرجاه أيضًا من قصّة المرأة البغيّة، نزعت موقها، فسقت كلبًا في يوم حارّ، يُطيف بركيّة، قد أدلع لسانه من العطش، فغُفر لها.
قال أبو عمر: والذي أختاره أن لا يُقتل شيء من الكلاب، إذا لم تضرّ بأحد، ولم تعقر أحدًا لنهيه صلّى الله تعالى عليه وسلم أن يُتّخذ شيء فيه الروح غرضًا، ولِما ذكرنا له من حجة من اخترنا قوله.
قال: ومن الحجة أيضًا لِما ذهبنا إليه في أن الأمر بقتل الكلاب منسوخٌ، ترك قتلها في كلّ الأمصار، على اختلاف الأعصار بعد مالك – رحمه الله -، وفيهم العلماء، والفضلاء إلى آخر كلامه. انتهى المقصود من كلام ابن عبد البرّ – رحمه الله – [«التمهيد» ١٤/ ٢٢٤ – ٢٣٥].
قال الإمام مالك رحمه الله: ” إنَّ كلَّ ما عقر النَّاسَ وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنَّمِر والفهد والذئب : فهو الكلب العقور ” انتهى [” الموطأ ” ( 1/ 446)].
قال الإتيوبي عفا الله تعالى عنه: الراجح عندي هو ما رجّحه القاضِي عياض – رحمه الله -، من أنَّ النَّهْي أوَّلًا كانَ نَهْيًا عامًّا، عَن اقْتِناء جَمِيعها، وأمَرَ بِقَتْلِ جَمِيعها، ثُمَّ نَهى عَن قَتْلها ما سِوى الأسْوَد، ومَنَعَ الاقْتِناء فِي جَمِيعها، إلّا كَلْب صَيْد، أوْ زَرْع، أوْ ماشِيَة، وهَذا هُوَ ظاهِرُ الأحادِيث، ويَكُون حَدِيث ابْن المُغَفَّل – رضي الله عنه – مَخْصُوصًا بِما سِوى الأسْوَد؛ لِأنَّهُ عامّ، فَيَخُصّ مِنهُ الأسْوَد بِالحَدِيثِ الآخَر.
والحاصل أن الأمر بقتل الكلاب منسوخٌ، وأن اقتناءها لا يجوز، إلا ما استثناه الشارع الحكيم، وهو ما تدعو إليه الحاجة، من الصيد، والماشية، والزرع، وهل يُلحق حفظ الدور ونحوها مما تشتدّ الحاجة إليه؟ الظاهر نعم، كما صححه النوويّ – رحمه الله – في كلامه السابق، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج].
(المسألة الثانية):
قال وليّ الدّين – رحمه الله -: فيه الأمر بقتل الكلاب، وهي على ثلاثة أقسام:
أحدها: الكلب العقور، والكَلِبُ قد أجمع العلماء على قتله.
الثاني: ما يباح اقتناؤه؛ للمنافع المتقدم ذكرها، وقد أجمعوا على منع قتله.
والثالث: ما عدا هذين القسمين، وقد اختلفوا فيه على أقوال:
أحدها: قتلها مطلقًا؛ تمسكًا بهذا الحديث، وهو مذهب مالك، وأصحابه، قال ابن عبد البرّ: قد عَمِل أبو بكر، وابن عمر – رضي الله عنهما – بقتل الكلاب بعد رسول الله ﷺ، وجاء نحو ذلك عن عمر، وعثمان، فصار ذلك سنةً معمولًا بها عند الخلفاء، لم ينسخها عند من عَمِل بها خبر.
القول الثاني: المنع من قتلها، وأنه منسوخ، ودلّ على ذلك إباحة اتخاذها؛ لمنافع، وفي «صحيح مسلم» وغيره عن عبد الله بن مُغَفَّل – رضي الله عنه – قال: أمر النبيّ ﷺ بقتل الكلاب، ثم قال: «ما بالهم، وبال الكلاب؟» ثم رَخَّص في كلب الصيد، وكلب الغنم، وفي رواية له: ورَخَّص في كلب الغنم، والصيد، والزرع، وهذا مذهب الشافعيّ، كما جزم به الرافعيّ في «الأطعمة»، والنوويّ في «البيع» من «شرح المهذَّب»، وزاد أنه لا خلاف فيه بين أصحابنا، قال: وممن صرّح به القاضي حسين، وإمام الحرمين، قال إمام الحرمين: الأمر بقتل الكلب الأسود وغيره كله منسوخ، فلا يحل قتل شيء منها اليوم، لا الأسود، ولا غيره، إلا الكَلْب العقور، لكن قال الرافعيّ في «الحج»: إنّ قتلها مكروه، وذكر النوويّ أن مراده كراهة التنزيه، وذكر الرافعيّ في «الغصب»، والنوويّ في «التيمم» أنها غير محترمة، وزعم شيخنا الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنويّ أن مذهب الشافعيّ جواز قتلها، فالله أعلم.
واختار ابنُ عبد البرّ المنعَ من قتلها.
القول الثالث: أنها ممنوع من قتلها، إلا الأسود البهيم، واختار النوويّ في «شرح مسلم» هذا، ويدلّ له ما في «صحيح مسلم» عن جابر – رضي الله عنه – …. فإنه شيطان»، وقيل في معنى كونه شيطانًا: إنه بعيد من المنافع، قريب من المضرّة.، والأذى.
قال: واختُلِف في الأمر بقتل الكلاب المذكور في هذا الحديث، هل كان قبل نسخه عامًّا، أو مخصوصًا بما عدا المنتفَع به للصيد ونحوه، حكاه القاضي عياض، وقال: عندي أن النهي أوّلًا كان عامًّا عن اقتناء جميعها، وأمر بقتل جميعها، ثم نَهى عن قتل ما سوى الأسود، ومنع الاقتناء في جميعها، إلا كلب صيد، أو زرع، أو ماشية، قال النوويّ: وهذا الذي قاله القاضي هو ظاهر الأحاديث، ويكون حديث ابن مُغَفَّل – رضي الله عنه – مخصوصًا بما عدا الأسود؛ لأنه عامّ، فيُخَصّ منه الأسود بالحديث الآخر.
وقال أيضًا: استُدِلّ بالأمر بقتل الكلاب على تحريم أكلها؛ لأن مباح الأكل لا يجوز قتله عند القدرة عليه، وهذا هو المعروف من مذاهب العلماء. انتهى كلام وليّ الدين – رحمه الله – [«طرح التثريب» ٦/ ٣١ – ٣٣].
تنبيه: قال ابن مفلح رحمه الله في الأمر الوارد بتقل الكلب الأسود: “وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا صَرَّحَ بِوُجُوبِ قَتْلِهِ” انتهى . [الفروع (10/416)].
(المسألة الثالثة): سبب إبقاء بعض أنواع الكلاب:
عن عبد الله بن مغفَّل رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((لَوْلاَ أَنَّ الكِلاَبَ أمَّةٌ مِنَ الأمَمِ لأمَرْتُ بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا كُلَّ أسْوَدَ بَهِيمٍ)). رواه الترمذي ( 1486 ) وصححه، وأبو داود ( 2845 ) والنسائي ( 4280 ) وابن ماجه ( 3205 )، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
قال الخطابي رحمه الله: “معنى هذا الكلام: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَرِه إفناءَ أمَّةٍ من الأمم، وإعدامَ جيلٍ من الخَلْق حتى يأتي عليه كله فلا يبقى منه باقيةٌ؛ لأنَّه ما مِن خلقٍ لله تعالى إلا وفيه نوعٌ مِن الحكمةِ وضربٌ من المصلحة، يقول: إذا كان الأمر على هذا ولا سبيل إلى قتلهن كلهن: فاقتلوا شرارهن وهي السود البهم، وأبقوا ما سواها، لتنتفعوا بهن في الحراسة”. انتهى [معالم السنن، على هامش مختصر سنن أبي داود (4/132)].
(المسألة الرابعة): تنبيهات:
الأول:
قوله: (إلّا كَلْبَ صيْدٍ، أوْ كَلْبَ غَنَمٍ، أوْ ماشِيَةٍ) قال وليّ الدين – رحمه الله -: فيه تكرار، وهو من ذكر العامّ بعد الخاصّ؛ لأن الماشية أعمّ من الغنم، وإن كان الأكثر استعمالها في الغنم، وقد اقتصر الترمذيّ، والنسائيّ في روايتهما على الماشية. انتهى [«طرح التثريب» ٦/ ٣٣].
قال في «المنتقى شرح الموطّأ»: قالَ عِيسى بْنُ دِينارٍ: يُرِيدُ: كُل كَلْبٍ، اتُّخِذَ لِغَيْرِ صَيْدٍ، أوْ ماشِيَةٍ، قالَ مالِكٌ: تُقْتَلُ الكِلابُ، ما يُؤذِي مِنها، وما يَكُونُ فِي مَوْضِعٍ، لا يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ فِيها، كالفُسْطاط، ولَيْسَ ذَلِكَ مِمّا يَمْنَعُ الإحْسانَ إلَيْها، حالَ حَياتِها، وأنْ يُحْسِنَ قَتْلَتَها، ولا تُتَّخَذُ غَرَضًا، ولا تُقْتَلُ جُوعًا، ولا عَطَشًا. انتهى.
والثاني:
قوله: (فَقالَ ابْنُ عُمَرَ: إنَّ لأبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا) قال سالم في الرواية الأخرى: «وكان أبو هريرة – رضي الله عنه – يقول: أو كلب حَرْث، وكان صاحب حرث»، قال العلماء: ليس هذا توهينًا لرواية أبي هريرة – رضي الله عنه -، ولا شكًّا فيها، بل معناه: أنه لما كان صاحبَ زرع، وحرث اعتنى بذلك، وحفظه، وأتقنه، والعادة أن المبتلى بشيء يتقنه ما لا يتقنه غيره، ويتَعَرَّف من أحكامه ما لا يعرفه غيره، وقد ذكر مسلم هذه الزيادة، وهي اتخاذه للزرع من رواية عبد الله بن المغفَّل – رضي الله عنه -، ومن رواية سفيان بن أبي زهير – رضي الله عنه -، عن النبيّ ﷺ، وذكرها أيضًا مسلم من رواية ابن الحكم، واسمه عبد الرحمن بن أبي نُعْم البجليّ، عن ابن عمر – رضي الله عنهما -، فَيُحْتَمل أن ابن عمر – رضي الله عنهما – لَمّا سَمِعها من أبي هريرة – رضي الله عنه -، وتحققها عن النبيّ ﷺ رواها عنه بعد ذلك، وزادها في حديثه الذي كان يرويه بدونها.
ويَحْتَمِل أنه تذكر في وقت أنه سمعها من النبيّ ﷺ، فرواها، ونسيها في وقت، فتركها.
والحاصل أن أبا هريرة – رضي الله عنه – ليس منفردًا بهذه الزيادة، بل وافقه جماعة من الصحابة في روايتها، عن النبيّ ﷺ، ولو انفرد بها لكانت مقبولة، مرضيّة، مُكَرَّمَة، قاله النوويّ – رحمه الله – [«شرح النوويّ»١٠/ ٢٣٦]، وهو بحث نفيسٌ جدًّا.
[تنبيه]: مما يُتعجّب منه أن الحافظ – رضي الله عنه – ذكر في «الفتح» أن ابن عمر – رضي الله عنهما – ينكر على أبي هريرة – رضي الله عنه – في زيادة: «أوْ كَلْبَ زَرْع»، واستند في ذلك إلى قول ابن عمر في رواية مسلم هذه: «إن لأبي هريرة – رضي الله عنه – زرعًا»، والغريب منه أنه كيف استدلّ بهذا، مع أنه لا يدلّ على الإنكار أصلًا، بل إنما يدلّ على التثبيت، كما ذكر الحافظ نفسه بعدُ بقوله: «ويقال: إن ابن عمر – رضي الله عنهما – أراد بذلك الإشارة إلى تثبيت رواية أبي هريرة – رضي الله عنه -»، إلى آخر كلامه.
وإنما قلت: بل يدلّ على التثبيت؛ لأن مسلمًا أخرج بعد هذا من طريق أبي الحكم، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – بزيادة كلب الزرع، فهذا دليل واضحٌ على أن قول ابن عمر – رضي الله عنهما -: «إن لأبي هريرة زرعًا»، تثبيتٌ لحفظه، وليس إنكارًا، ولا طعنًا فيه، وقد أجاد النوويّ – رحمه الله – في كلامه السابق حيث حقّق وبيّن هذا، وعزاه إلى العلماء.
وممن أيّد هذا البيهقيّ – رحمه الله – حيث قال: وكأن ابن عمر – رضي الله عنهما – أخذه عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، عن النبيّ ﷺ في الزرع، وعن النبيّ ﷺ نفسه في كلب الماشية والصيد. انتهى [«سنن البيهقي الكبرى» ٦/ ٩].
وممن أيّده أيضًا أبو العبّاس القرطبيّ – رحمه الله – في «المفهم»
والحاصل أن زيادة «أو كلب زرع» زيادة صحيحة عن أبي هريرة – رضي الله عنه -، وعبد الله بن المغفّل، وسفيان بن أبي زُهير الشنئيّ، وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – نفسه – رضي الله عنهم -، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
قال القرطبيّ – رحمه الله -: وكلبُ الماشية المباح اتخاذه عند مالك هو: الذي يَسْرَحُ معها، لا الذي يحفظها في الدّار من السُّرّاق.
وكلبُ الزرع هو: الذي يحفظه من الوحوش بالليل والنهار، لا من السُّراق، وقد أجاز غير مالك اتخاذها لسُّرّاق الماشية والزرع.
والكلب الضاري هو: المعلَّم للصيد؛ الذي قد ضَرِيَ به [أي اعتاده، واجترأ عليه]. انتهى [«المفهم» ٤/ ٤٥٠ – ٤٥١].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: عندي أن حمل كلب الماشية على إطلاقه، فيعمّ الحافظ عن السُرّاق وغيرهم – كما قاله العلماء غير مالك – هو الحقّ؛ لإطلاق الحديث في ذلك، فتأمل، والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: قال صاحب «تكملة فتح الملهم»: تمسّك بقول ابن عمر – رضي الله عنهما – هذا في أبي هريرة – رضي الله عنه – بعض ملاحدة عصرنا، وقالوا: إن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يشكون في رواية غيرهم عن رسول الله ﷺ، ويتّهمونهم – والعياذ بالله – بوضع الحديث وفق ما يحبّون، فلا حجّة في الأحاديث رأسًا، وقد اغترّ بهم بعض المنتمين إلى الإسلام أيضًا، فذكروا هذه الوقائع في كتبهم؛ طعنًا منهم في الأحاديث، وتعريضًا على الصحابة.
والحقّ أن قول ابن عمر – رضي الله عنهما – هذا ليس من الطعن في أبي هريرة – رضي الله عنه – في شيء [راجع: «تكملة فتح الملهم» ١/ ٥٣٦ – ٥٣٧]، وقد عرفت وجه صوابه في كلام النوويّ، والقرطبيّ المذكور آنفًا، فلا حاجة إلى تكراره، فتبصّر بالإنصاف، ولا تتهوّر باتباع ذوي الاعتساف.[البحر المحيط الثجاج].
(المسألة الخامسة): (فَإنهُ شَيْطانٌ») قال النوويّ – رحمه الله -: احتَجَّ به أحمد بن حنبل، وبعض أصحابنا في أنه لا يجوز صيد الكلب الأسود البهيم، ولا يَحِلّ إذا قتله؛ لأنه شيطان، وإنما حَلّ صيد الكلب،
وقال الشافعيّ، ومالك، وجماهير العلماء: يَحِل صيد الكلب الأسود كغيره، وليس المراد بالحديث إخراجه عن جنس الكلاب، ولهذا لو ولَغَ في إناء وغيره وجب غسله كما يُغْسل من ولوغ الكلب الأبيض. انتهى.
[تنبيه]:
وأخرج أحمد أيضًا عن أبي رافع أن النبيّ ﷺ قال: «يا أبا رافع اقتل كل كلب بالمدينة»، قال: فوجدت نسوة من الأنصار بالصورين من البقيع، لهنّ كلب، فقلن: يا أبا رافع إن رسول الله ﷺ قد أغزى رجالنا، وإن هذا الكلب يمنعنا بعد الله، والله ما يستطيع أحد أن يأتينا حتى تقوم امرأة منا، فتحول بينه وبينه، فاذكره للنبيّ ﷺ، فذكره أبو رافع للنبيّ ﷺ، فقال: «يا أبا رافع اقتله، فإنما يمنعهنّ الله». انتهى.[البحر المحيط الثجاج].
(المسألة السادسة): الفوائد:
١ – (منها): أن فيه بَيانَ لُطْف الله تَعالى بِخَلْقِه، فِي إباحَة ما لَهُمْ بِهِ نَفْع.
٢ – (ومنها): أنه ﷺ بيّن لأمته كلّ ما يحتاجون إليه، من أُمُور مَعاشهمْ، ومَعادهمْ.
٣ – (ومنها): أن فِيهِ تَرْجِيحَ المَصْلَحَة الرّاجِحَة عَلى المَفْسَدَة؛ لِوُقُوعِ اسْتِثْناء ما يُنْتَفَع بِه، مِمّا حَرُمَ اتِّخاذه.
٤ – (ومنها): أنهم اتَّفَقُوا عَلى أنَّ المَأْذُون فِي اتِّخاذه، ما لَمْ يَحْصُل الاتِّفاق عَلى قَتْله، وهُوَ الكَلْب العَقُور، وأمّا غَيْر العَقُور، فَقَدْ اخْتُلِفَ هَلْ يَجُوز قَتْله مُطْلَقًا، أمْ لا؟
٥ – (ومنها): بيان شؤم اقتناء الكلب غير المأذون.
٦ – (ومنها): جواز اتخاذ الكلب لحفظ الماشية، وللصيد.
٧ – (ومنها): أن من اتّخذ كلبًا، لم يأذن به الشارع، مما سبق آنفًا، فقد جنى على نفسه، حيث يذهب عليه كلّ يوم قيراطان من عمله الصالح، فما أعظمه من خسارة، ولا حول ولا قوّة إلا بالله.
٨ – (ومنها): أن الأصَحّ عَن الشافِعِيَّة إباحَة اتِّخاذ الكِلاب؛ لِحِفْظِ الدَّرْب، إلْحاقًا لِلْمَنصُوصِ بِما فِي مَعْناهُ، كَما أشارَ إلَيْهِ ابْن عَبْد البَرّ.
٩ – (ومنها): أنه اسْتُدِلَّ بِهِ عَلى طَهارَة الكَلْب الجائِز اتِّخاذه؛ لِأنَّ فِي مُلابَسَته مَعَ الاحْتِراز عَنهُ، مَشَقَّة شَدِيدَة، فالإذْن فِي اتِّخاذه، إذْن فِي مُكَمِّلات مَقْصُوده، كَما أنّ المَنع مِن لَوازِمه، مُناسِب لِلْمَنعِ مِنهُ.
قال الحافظ – رحمه الله -: وهُوَ اسْتِدْلال قَوِيّ، لا يُعارِضهُ إلّا عُمُوم الخَبَر الوارِد فِي الأمْر مِن غَسْل ما ولَغَ فِيهِ الكَلْب، مِن غَيْر تَفْصِيل، وتَخْصِيص العُمُوم غَيْر مُسْتَنْكَر، إذا سَوَّغَهُ الدَّلِيل.
قال الإتيوبي عفا الله تعالى عنه: القول بطهارة الكلب هو الحقّ، ولا يلزم منه التعارض مع الأمر بغسل ولوغه؛ لأن ذلك لدليل خاصّ به، فتأمل، والله تعالى أعلم.
١٠ – (ومنها): أن فِيه الحَثَّ عَلى تَكْثِير الأعْمال الصّالِحَة، والتَّحْذِيرَ مِنَ العَمَل بما يَنْقُصها، والتَّنْبيه عَلى أسْباب الزِّيادَة فِيها، والنَّقْص مِنها؛ لِتُجْتَنَب، أوْ تُرْتَكَب.
١١ – (ومنها): ما قالَ الحافظ ابْن عَبْد البَرّ – رحمه الله -: فِي هَذا الحَدِيث إباحَة اتِّخاذ الكِلاب لِلصَّيْدِ والماشِيَة، وكَذَلِكَ الزرْع؛ لِأنّها زِيادَة حافِظ، وكَراهَة اتِّخاذها لِغَيْرِ ذَلِكَ، إلّا أنّهُ يَدْخُل فِي مَعْنى الصَّيْد وغَيْره، مِمّا ذُكِرَ اتِّخاذها لِجَلْبِ المَنافِع، ودَفْع المَضارّ قِياسًا، فَتَمَحَضَّ كَراهَة اتِّخاذها لِغَيْرِ حاجَة؛ لِما فِيهِ مِن تَرْوِيع النّاس، وامْتِناع دُخُول المَلائِكَة لِلْبَيْتِ الَّذِي هُمْ فِيه، قال: وفي قَوْله: «نَقَصَ مِن عَمَله» – أي: مِن أجْر عَمَله – ما يُشِير إلى أنَّ اتِّخاذها لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ؛ لِأنَّ ما كانَ اتِّخاذه مُحَرَّمًا، امْتَنَعَ اتِّخاذه عَلى كُلّ حال سَواء نَقَصَ الأجْرَ، أوْ لَمْ يَنْقُص، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلى أنَّ اتِّخاذها مَكْرُوه، لا حَرام، قالَ: ووَجْه الحَدِيث عِنْدِي أنَّ المَعانِي المُتَعَبَّد بِها فِي الكِلاب، مِن غَسْل الإناء سَبْعًا، لا يَكاد يَقُوم بِها المُكَلَّف، ولا يَتَحَفَّظ مِنها، فَرُبَّما دَخَلَ عَلَيْهِ بِاتِّخاذِها ما يَنْقُص أجْره مِن ذَلِكَ.
ويُرْوى أن المَنصُور، سَألَ عَمْرو بْن عُبَيْد، عَن سَبَب هَذا الحَدِيث، فَلَمْ يَعْرِفهُ، فَقالَ المَنصُور: لِأنَّهُ يَنْبَح الضَّيْف، ويُرَوِّع السّائِل. انتهى.
وتعقّبه الحافظ – رحمه الله – فقال: ما ادَّعاهُ مِن عَدَم التَّحْرِيم، واسْتَنَدَ لَهُ بِما ذَكَرَهُ لَيْسَ بِلازِمٍ، بَلْ يَحْتَمِل أنْ تَكُون العُقُوبَة، تَقَع بِعَدَمِ التَّوْفِيق لِلْعَمَلِ بِمِقْدارِ قِيراط، مِمّا كان يَعْمَلهُ مِنَ الخَيْر، لَوْ لَمْ يَتَّخِذ الكَلْب.
ويَحْتَمِل أنْ يَكُون الاتِّخاذ حَرامًا، والمُراد بِالنَّقْصِ أنَّ الإثْم الحاصِل بِاتِّخاذِه، يُوازِي قَدْر قِيراط، أوْ قِيراطَيْنِ مِن أجْر، فَيَنْقُص مِن ثَواب عَمَل المُتَّخِذ، قَدْر ما يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مِنَ الإثْم بِاتخاذِه، وهُوَ قِيراط، أوْ قِيراطان، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
فتاوى :
ثمن الكلب والسنور
السؤال: وجاء في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إلا كلب ماشية أو زرع أو طير».
الهر إذا كان يتخلص من الجرذان ويُخْرِجها، فهل يا تُرى يشارك الكلب في الاستثناء؟
الجواب: حينما يصح الحديث «نهى عن ثمن الهر» ينبغي أن يبقى على إطلاقه، أما الكلب فَيُقَيَّد في غير كلب الصيد والحراسة ونحو ذلك،
جامع تراث العلامة الألباني في الفقه (13/ 239)