(1222) فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1222):
قال أبو داود رحمه الله (ج ٧ ص ٤٣٧): حدثنا أحمد بن صالح أخبرنا عبد الله بن وهب أخبرنا عمرو عن بكير بن الأشج عن الحسن بن علي بن أبي رافع أن أبا رافع أخبره قال: بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألقي في قلبي الإسلام، فقلت: يا رسول الله إني والله لا أرجع إليهم أبدًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع». قال: فذهبت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأسلمت.
قال بكير: وأخبرني أن أبا رافع كان قبطيًّا.
قال أبو داود: “هذا كان في ذلك الزمان فأما اليوم فلا يصلح”.
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا علي بن الحسن، وقد وثَّقه النسائي.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
أورد الإمام أبوداود رحمه الله الحديث في السنن، ١٥ – كِتاب الجِهادِ، بابٌ فِي الإمامِ يُسْتَجَنُّ بِهِ فِي العُهُودِ، (2758).
أورده الحافظ ابن حجر رحمه الله في (البلوغ)، كِتابُ الجِهادِ، (١٣٠٤)، وقال: “رَواهُ أبُو داوُدَ، والنَّسائِيُّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبّانَ”. انتهى.
وصححه الألباني في «الصحيحة» (٧٠٢).
الوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
٢٤ – كتاب الإمارة، ٢٥ – إمام المسلمين لا يخيس بالعهد، (3191).
و33- كتاب التفسير، ٢٣٢ – قوله تعالى: ﴿وأوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولًا﴾، (4178).
وفي السنن الكبرى للنسائي، 50- كتاب السير، الرْسَلُ، والبُرُدُ، (٨٦٢١).
الأول: شرح الحديث:
أورد الإمام أبو داود رحمه الله الحديث في ١٥ – كِتاب الجِهادِ، “بابٌ فِي الإمامِ يُسْتَجَنُّ”، أي: يتقى. “بِهِ فِي العُهُودِ”، وكذا في القتال.
أي: يستتر بالإمام في آرائه وفي نظره بالعهود الصادرة منه. قاله ابن رسلان رحمه الله (ت ٨٤٤) في شرح السنن.
وقال العباد حفظه الله: ” أورد أبو داود رحمه الله، هذه الترجمة: “باب: في الإمام يستجن به في العهود” أي: أنه يتابع ويستتر به، ومعنى هذا: أنه في العقد والعهد بين المسلمين وبين الكفار، الإمام هو الذي يتولى هذه المهمة وغيره يكون تبعًا له، وليس لأحد أن يعقد عقدًا بين المسلمين والكفار إلا الإمام، فهو جنة، أي: وقاية، كما يقال للمغفر والترس: مجن؛ لأنه يستر، والجنة هو الساتر”. انتهى.
وقال أبوداود رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الله بن وهب أخبرني عمرو عن بكير بن الأشج عن الحسن بن علي بن أبي رافع أن أبا رافع أخبره قال: (بعثتني قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم….
أورد أبو داود حديث أبي رافع رضي الله تعالى، عنه أنه أرسله المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورآه أدخل الله في قلبه الإسلام بمجرد أن رأى النبي عليه الصلاة والسلام.
قوله: (إني لا أحبس): بحاء وسين مهملتين بينهما موحَّدة، من الحبس.
(البرد): جمع بريد، وهو الرسول. قاله السيوطي عفا الله عنه.
قال أبو عبيد الهروي رحمه الله (ت ٤٠١) في الغريبين في القرآن والحديث، (1/164-165): والبريد: الرسول، قال الشاعر:
رأيت للموت بريدًا مبردًا
أي رسولا مرسلًا: يعني الشيخوخة.
ويقال: الحمى بريد الموت، وسك البريد: كل سكة منها بريد.
وقيل لدابة البريد: بريد، لسيرة في البريد.
والسكة: الطريق المستقيم، والبريد من سكة، والسكة كل اثني عشر ميلًا بريد، قال ابن الأعرابي: كل ما بين المنزلتين فهو بريد.
ومنه الحديث: (إني لا أحبس البرد) يقول: إني لا أحبس الرسل الواردين علي من الملوك والأطراف.
وفي الحديث: (أنه لما تلقاه بريدة الأسلمي في طريق المدينة، قال له: من أنت؟ قال: أنا بريدة، فقال لأبي بكر: برد أمرنا وصلح) قوله: (برد أمرنا) أي سهل. ومنه قوله: (الصوم في الشتاء الغنيمة الباردة) أي لا تعب فيه ولا مشقة، وكل محبوب عندهم بارد، ومنه قولهم: اللهم برد عليه مضجعه.
ويحتمل أن يكون معناه: ثبت أمرنا/ واستقام. يقال: برد علي حق فلان: أي ثبت”. انتهى.
تنبيه : حديث (ﺑﺮﺩ ﺃﻣﺮﻧﺎ ﻭﺻﻠﺢ) .
ﺿﻌﻴﻒ ﺟﺪا ﺃﺧﺮﺟﻪ اﺑﻦ ﻋﺪﻱ ﻓﻲ “اﻟﻜﺎﻣﻞ” (ﻗ 28/ 2) ، ﻭاﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺮ ﻓﻲ “اﻻﺳﺘﻴﻌﺎﺏ” (1/ 185) ﻣﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﻗﺎﺳﻢ ﺑﻦ ﺃﺻﺒﻎ، ﻋﻦ اﻟﺤﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﺣﺮﻳﺚ:
[ ﺣﺪﺛﻨﺎ ﺃﻭﺱ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺑﺮﻳﺪﺓ]
، ﻋﻦ ﺣﺴﻴﻦ ﺑﻦ ﻭاﻗﺪ، ﻋﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﻠﻪ ﺑﻦ ﺑﺮﻳﺪﺓ، ﻋﻦ ﺃﺑﻴﻪ ﻗﺎﻝ: …. الضعيفة4112
“والله جلَّ وعلا أمر بالوفاء بالعهود فقال: ((وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ))[الإسراء:34]، لا بد من الوفاء بالعهود، ولا يجوز إخلافها، ولهذا قال ﷺ: إني لا أخيس بالعهد يعني: لا أنقضه.
ولا أحبس الرسل، الرسل إذا بعثهم العدو لا يُحبسون، يُردون إلى مَن بعثهم بجواب رسالتهم، ولهذا كان رسولُ الله ﷺ يرد الرسلَ إلى مَن بعثهم من الروم وغيرهم، ولما جاءته رسل مُسيلمة ردَّهم إليه وقال: لولا أنَّ الرسل لا تُقتل لقتلتكم، فردَّهم إلى مُسيلمة ببيان الرد عليه، وأنه كاذب، وأن الله سوف يُهلكه، فأهلكه الله. قاله الشيخ ابن باز رحمه الله [شرح بلوغ المرام (الشرح الجديد)، الموقع الرسمي لفضيلة الإمام ابن باز رحمه الله].
قوله: (ولكن ارجع، فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع)] يعني: تعال من هناك، أما أن تأتي وأنت رسول ثم تبقى، فهذا لا يصلح، بل عليك أن ترجع إلى من أرسلوك، وإذا وصلت إليهم وانتهت مهمة الرسالة، وصار الأمر إليك، فإذا أردت أن ترجع فارجع من هناك مسلما، فلما وصل إليهم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم.
قوله: [(إني لا أخيس بالعهد)] بخاء معجمة ومثنّاة تحتيّة وسين مهملة، أي لا أنقضه ولا أفسده. قاله السيوطي رحمه الله.
وجاء في غريب الحديث للخطابي رحمه الله (1/132): “يقال خاسَ فلان وعْدَه إذا أخْلَفَه وخاسَ بالعَهْدِ إذا نَقَضَه وأصله في الطَّعام إذا تَغَيَّر وفسد.
يقال خاسَ الشّيءُ في الوِعاء إذا تَغَيَّر وفَسَد كالتَّمْرِ والجَوْز وما أشبه ذَلِكَ.
وخاسَتِ الجِيفَةُ إذا بدت تُرْوِحُ وكان قد صالح قريشًا عَلى أن يَرُدَّ إليهم مَن أتاه منهم”. انتهى.
قوله: [(ولا أحبس البرد)] أي الرسول الذي يأتي بالبريد، ويأتي بالرسائل.
وقد ذكر الشارح في عون المعبود أن المجد بن تيمية، قال: إن هذا كان في زمن الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفار قريش، وهذا في الحقيقة لا يستقيم؛ لأن مقتضى هذا أنه يرده كما رد أبا بصير، ولكن يحتمل أن يكون هذا في غير زمن الهدنة، وأن يكون قبلها أو بعدها.
وأيضا فقد يكون المقصود بالعقد والاتفاق من كان منهم، أما إذا كان قبطيا ليس من قريش وليس من العرب فلا يدخل تحت عهد الحديبية، فيستقيم كلام أبي داود حيث جاء بالحديث يشير به إلى أن هذا كان وقت صلح الحديبية، ثم ذكر ذلك في آخر الحديث حيث قال: “هذا كان في ذلك الزمان، فأما اليوم فلا يصلح”، وقد فسر بتفسيرين:
الأول: أن يكون القول بأنه كان قبطيا لا يصلح الآن، وهذا ليس بشيء.
والتفسير الثاني: أن المقصود به كونه في زمن الهدنة، وأن مقتضى الشرط أن من جاء يرد، ومن ذهب من المسلمين فإنه لا يرد، وهذا أيضا كما أشرت غير واضح من جهة أن مقتضى الشرط يقتضي رده حتى ولو جاء من هناك من غير أن يكون رسولا، لكن إذا قيل: إن المقصود بقوله: (من جاء منهم) كفار قريش والعرب فهو يرد، أما إذا كان ليس منهم وهو مثل هذا القبطي فلا؛ فيكون له وجه”. [كتاب شرح سنن أبي داود للعباد، و مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود للسيوطي، ].
وذكر ابن القيم أن الرسول له عهد خاص حيث أمنوه برساله يجب أن يرجعها لهم وكونه قبطيا يجوز أن يرجع فيسلم ولا يدخل في الصلح مع قريش أن من جاء منهم مسلما ارجعه النبي صلى الله عليه وسلم .
وقرر بعض العلماء أنه إنما يرجعه لأبيه أو لعشيرته لأنه يأمن أن يقتلوه ولا يسلمه لغيرهم أما النساء فلا تسلم أبدا ولو كان المسلمون في حال ضعف لأنها ضعيفه لا يؤمن أن يفتنوها عن دينها
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث: العهد ونقضه
(المسألة الأولى): التعريف
في اللغة: العهد: الأمان والموثق والذمة واليمين، وكل ما عوهد الله عليه، وكل ما بين العباد من المواثيق فهو عهد [لسان العرب لابن منظور مادة: عهد].
فرع:
– الفرق بين العهد والوعد:
قيل: العهد ما يكون من الجانبين، وأمَّا ما يكون من جانب فوعد، ونقضه خلف وعد. [((بريقة محمودية)) لأبي سعيد الخادمي (2/281).]
– الفرق بين النَّقض والخيانة:
أنَّ الخيانة تقتضي نقض العهد سرًّا، أمَّا النَّقض فإنَّه يكون سرًّا وجهرًا، ومن ثمَّ يكون النَّقض أعمُّ من الخيانة ويرادفه الغدر، وضدُّ الخيانة الأمانة، وضدُّ النَّقض: الإبرام. [((نضرة النعيم)) (11/5633)].
(المسألة الثانية): حكم العهد:
يوجب الإسلام احترام العهد والميثاق؛ قال تعالى: ﴿إلّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ المُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا ولَمْ يُظاهِرُوا عَلَيْكُمْ أحَدًا فَأتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ﴾ [سورة التوبة: ٤]، وقال تعالى: ﴿وأوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كانَ مَسْئُولًا﴾ [سورة الإسراء: ٣٤].
وجاء في حديث أبي رافع -رضي الله عنه- قال: قال رسول ﷺ: «إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس الرسل».
وتوجد الكثير من الأدلة في الكتاب والسنة التي تأمر بوجوب الوفاء بالعهد وتحرم نقضه، ولذلك فقد عد بعض العلماء نقض العهود من الكبائر، ومن هؤلاء العلماء:
فالإمام الذهبي رحمه الله فقد عدها كبيرة من الكبائر حيث قال: الكبيرة الخامسة والأربعون: الغدر وعدم الوفاء بالعهد [«الكبائر» (ص١٦٨)].
وأيضًا الإمام ابن حجر رحمه الله، فقد عدها أيضًا من الكبائر، وقال: عَدُّ هذا من الكبائر هو ما وقع في كلام غير واحد [«الزواجر عن اقتراف الكبائر» (١/ ١٨٢)].
قال ابن عطية رحمه الله قال: وكل عهد جائز بين المسلمين فنقضه لا يحل [«المحرر الوجيز» (١/ ١١٣)].
وقد عاهد الرسول ﷺ اليهود بعد الهجرة عهدًا أقرهم فيه على دينهم وأمنهم على أموالهم بشرط ألا يعينوا عليه المشركين، فنقضوا العهد فأنزل الله عز وجل: ﴿إنَّ شَرَّ الدَّوابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وهُمْ لا يَتَّقُونَ﴾ [سورة الأنفال: ٥٥ – ٥٦].
ولقد لمس الصحابة -رضي الله عنهم – منافع الوفاء بالعهد، ولعل منها: تفرغ المسلمين لأعمال أخرى وإعطاء الوقت لغير المسلمين لفهم الإسلام.
ولا يجوز للمسلمين نقض العهد ما دام من اتفقوا معه ملتزمًا به.
أخرج أبوداود من طريق سُلَيْمِ بْنِ عامِرٍ رَجُلٌ مِن حِمْيَرَ قالَ: كانَ بَيْنَ مُعاوِيَةَ وبَيْنَ الرُّومِ عَهْدٌ وكانَ يَسِيرُ نَحْوَ بِلادِهِمْ حَتّى إذا انْقَضى العَهْدُ غَزاهُمْ، فَجاءَ رَجُلٌ عَلى فَرَسٍ أوْ بِرْذَوْنٍ وهُوَ يَقُولُ: اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ وفاءٌ لا غَدَرَ، فَنَظَرُوا فَإذا عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ فَأرْسَلَ إلَيْهِ مُعاوِيَةُ فَسَألَهُ، فَقالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «مَن كانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلا يَشُدُّ عُقْدَةً ولا يَحُلُّها حَتّى يَنْقَضِيَ أمَدُها أوْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ» فَرَجَعَ مُعاوِيَةُ.
سليم بن عامر سماعه لم يثبت من معاوية ولم يلق عمرو بن عبسة . وذكر محققو المسند له شاهد في تأمير النبي صلى الله عليه وسلم أبابكر على الحج في البخاري ٣١٧٧ وفيه وأرسل أبو بكر أباهريرة ينادي أن لا يحج بعد العام مشرك …. فنبذ أبوبكر إلى الناس في ذلك العام ….
قال الاتيوبي – عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله الإمام ابن جرير – رحمه الله تعالى- من كون هذه الرواية وهمًا، وقاله الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- من نكارة قول الراوي: إن كان له عهد، فأجله أربعة أشهر، وأن الصحيح أن من كان له عهد، فأجله إلى أمده بالغًا ما بلغ هو الصواب.
فقد أخرج سعيد بن منصور، والترمذيّ، والطبريّ من طريق أبي إسحاق، عن زيد ابن يُثيع، قال: «سألت عليًّا بأي شيء بعثت؟، قال: بأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ولا يطوف بالبيت عريان، ولا يجتمع مسلم مع مشرك في الحجّ بعد عامهم هذا، ومن كان له عهد، فعهده إلى مدّته، ومن لم يكن له عهد، فأربعة أشهر».
فهذه الرواية صريحة واضحة في أن كلّ من كان له عهد، فعهده إلى مدّته.
قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» عند قوله تعالى: ﴿فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ﴾ الآية [التوبة ٢]: ما نصّه: اختلف المفسّرون ههنا اختلافًا كثيرًا، فقال قائلون هذه الآية لذوي العهود المطلقة، غير المؤقتة، أو من له عهد دون أربعة أشهر، فيكمل له أربعة أشهر، فأما من كان له عهد مؤقّت، فأجله إلى مدته، مهما كان؛ لقوله تعالى: ﴿فَأتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ﴾ الآية [التوبة ٤]، ولما سيأتي في الحديثء وهذا أحسن الأقوال، وأقواها، وقد اختاره ابن جرير انتهى كلام ابن كثير . انتهى من ذخيرة العقبى
لكن إذا نقض العدو العهد: إما بقتال أو بإعانة عدو أو قتل مسلم أو أخذ مال انتقض عهدهم؛ لقوله تعالى: ﴿وإنْ نَكَثُوا أيْمانَهُمْ مِن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أئِمَّةَ الكُفْرِ إنَّهُمْ لا أيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ [سورة التوبة: ١٢].
وإذا ظهرت بوادر الغدر والخيانة وما يدل على نقض العهد من المشركين جاز لولي الأمر أن ينبذ إليهم عهدهم؛ لقوله تعالى: ﴿وإمّا تَخافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيانَةً فانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الخائِنِينَ﴾ [سورة الأنفال: ٥٨].
وذلك بإعلامهم بنقض العهد حتى يكون معلومًا لهم كما هو معلوم للمسلمين.
وقد نقضت قريش العهد مع الرسول ﷺ حيث أعانوا بني بكر على خزاعة أحلاف الرسول ﷺ فقاتلهم وفتح مكة.
وقد جاء الكلام عن الوفاء بالعهد مع غير المسلمين في الفتوى رقم (١٧٠٣٠) من فتاوى اللجنة الدائمة في السعودية، وأن الوفاء بالعهد فيما لا يخالف شرع الله تعالى واجب، ما لم يحدث إخلال بالعهد.
(المسألة الثالثة): ومن الأمور التي ينتقض بها العهد:
١ – إذا لم يلتزم الكتابي حكم الإسلام.
٢ – إذا قاتل المعاهد المسلمين.
٣ – إذا سب الله أو رسوله أو كتابه أو دينه.
٤ – إذا تجسس على المسلمين أو أعان عليهم.
٥ – إذا لم يؤد الجزية المتفق عليها.
[حاشية ابن عابدين (٤/ ٢٣٠)، طبعة مصطفى الحلبي وقوانين الأحكام الشرعية لابن جزي (ص: ١٧٥)، وروضة الطالبين للنووي (ص: ١٨٢٦)، والمغني لابن قدامة (١٣/ ٢٣٦)، مستل من الفقه الميسر، بتصرف يسير].
(المسألة الرابعة): ذم نقض العهد والنهي عنه
أولًا: ذم نقض العهد والنهي عنه في القرآن الكريم:
– قال تعالى: {وإنْ نَكَثُوا أيْمانَهُمْ مِن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقاتِلُوا أئِمَّةَ الكُفْرِ إنَّهُمْ لا أيْمانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} [التوبة ١٢].
قال السدي: إن نكثوا عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام وطعنوا فيه، فقاتلوهم [«جامع البيان في تأويل آي القرآن» للطبري (١١/ ٣٦٤)].
وقال القرطبيُّ: (إذا حارب الذمي نقضَ عهدَه، وكان ماله وولده فيئا معه) [«الجامع لأحكام القرآن» (٨/ ٨٣)].
– وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثاقِهِ} [البقرة ٢٧].
قال الطبري: وما يضل به إلا التاركين طاعة الله، الخارجين عن اتباع أمره ونهيه الناكثين عهود الله التي عهدها إليهم في الكتب التي أنزلها إلى رسله وعلى ألسن أنبيائه باتباع أمر رسوله محمد ﷺ وما جاء به وطاعة الله فيما افترض عليهم في التوراة من تبيين أمره للناس، وإخبارهم إياهم أنهم يجدونه مكتوبا عندهم أنه رسول من عند الله مفترضة طاعته. وترك كتمان ذلك لهم ونكثهم ذلك، ونقضهم إياه هو مخالفتهم الله في عهده إليهم فيما وصفت أنه عهد إليهم بعد إعطائهم ربهم الميثاق بالوفاء بذلك كما وصفهم به جل ذكره [«جامع البيان في تأويل آي القرآن» للطبري (١/ ٤٣٨)].
وقال السدي: هو ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به ثم كفروا فنقضوه [«تفسير القرآن العظيم» لابن كثير (١/ ٢١١)].
وقال السعدي: وهذا يعم العهد الذي بينهم وبينه والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق؛ بل ينقضونها ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه؛ وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق [«تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان» (١/ ٤٧)].
– وقال تعالى: {فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وقَتْلِهِمُ الأنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إلّا قَلِيلًا} [النساء ١٥٥].
قال ابن كثير: وهذه من الذنوب التي ارتكبوها، مما أوجب لعنتهم وطردهم وإبعادهم عن الهدى، وهو نقضهم المواثيق والعهود التي أخذت عليهم [«تفسير القرآن العظيم» (٢/ ٤٤٧)].
قال ابن عباس: (هو ميثاق أخذه الله على أهل التوراة فنقضوه) [رواه الطبري في «تفسيره» (١٠/ ١٢٦)].
– قال تَعالى: {فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ وجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ ونَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ ولا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنهُمْ إلّا قَلِيلًا مِنهُمْ فاعْفُ عَنْهُمْ واصْفَحْ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ} [المائدة ١٣].
ثانيًا: ذم نقض العهد والنهي عنه من السنة:
– عن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي ﷺ وفيها: «ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل» [رواه البخاري (١٨٧٠)].
قال النووي رحمه الله: (قوله ﷺ: «ذمّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم» المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أن أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمّنه به أحد المسلمين حرُم على غيره التعرُّض له ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة … وقوله ﷺ: «فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله» معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته) [«شرح صحيح مسلم» (٩/ ١٤٤ – ١٤٥)].
وقال ابن حجر رحمه الله: (قوله: «ذمّة المسلمين واحدة» أي: أمانهم صحيح، فإذا أمَّن الكافرَ واحدٌ منهم حرُم على غيره التعرّض له … وقوله: «يسعى بها» أي: يتولاها ويذهب ويجيء، والمعنى: أن ذمّة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا أمّن أحد من المسلمين كافرا وأعطاه ذمّةً لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحرّ والعبد؛ لأن المسلمين كنفس واحدة … وقوله: «فمن أخفر» بالخاء المعجمة والفاء أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف أمّنته، وأخفرته نقضت عهده) [«فتح الباري» (٤/ ٨٦)].
قال ابن تيمية: جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود وبأداء الأمانة ورعاية ذلك والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك [«مجموع الفتاوى» (٢٩/ ١٤٥ – ١٤٦)].
– وقال رسول الله ﷺ: «خمس بخمس، قيل: يا رسول الله، وما خمس بخمس؟ قال: ما نقض قوم العهد إلا سلَّط الله عليهم عدوَّهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، وما ظهرت الفاحشة فيهم إلا فشا فيهم الموت، ولا طفَّفوا الكيل إلا مُنِعوا النبات وأُخِذوا بالسنين، ولا منعوا الزَّكاة إلا حُبس عنهم المطر» [واه الطبراني في «الكبير» (١١/ ٤٥) (١٠٩٩٢). قال المنذري في «الترغيب والترهيب» (١١٤٦): سنده قريب من الحسن وله شواهد. وقال الهيثمي في «المجمع» (٣/ ٦٨): فيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان المروزي، لينه الحاكم، وبقية رجاله موثقون، وفيهم كلام. وصححه السيوطي في «الجامع الصغير» (٣٩٤٥).].
قال المناوي: (ما نقض قوم العهد) أي: ما عاهدوا الله عليه أو ما عاهدوا عليه قوما آخرين (إلا سلط عليهم عدوهم) جزاء بما اجترحوه من نقض العهد المأمور بالوفاء به [«فيض القدير» (٣/ ٤٥٢)].
– وعن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ﷺ: «من صلى الصبح، فهو في ذمة الله. فلا تخفروا الله في عهده. فمن قتله، طلبه الله حتى يكبه في النار على وجهه» [رواه ابن ماجه (٣٩٤٥)، والضياء في «المختارة» (١/ ١٥١) (٦٤). قال البوصيري في «مصباح الزجاجة» (٤/ ١٦٧): إسناده رجاله ثقات إلا أنه منقطع].
قال المباركفوري: أي في عهده وأمانه في الدنيا والآخرة وهذا غير الأمان الذي ثبت بكلمة التوحيد «فلا تخفروا الله في ذمته» قال في النهاية: خفرت الرجل أجرته وحفظته وأخفرت الرجل إذا نقضت عهده وذمامه) [«تحفة الأحوذي» للمباركفوري (٢/ ١٢)].
وقال السندي: (فهو في ذمة الله) أي: أمانه وعهده، أو أنه تعالى أوجب له الأمان (فلا تخفروا الله) من أخفره إذا نقض عهده [«حاشية السندي على سنن ابن ماجة» (٢/ ٤٦٢)].
ثالثًا: أقوال السلف والعلماء في ذم نقض العهد
– قال ابن حجر: (كان عاقبة نقض قريش العهد مع خزاعة حلفاء النّبيّ ﷺ أن غزاهم المسلمون حتّى فتحوا مكّة واضطرّوا إلى طلب الأمان، وصاروا بعد العزّة والقوّة في غاية الوهن إلى أن دخلوا في الإسلام) [«فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٢٨٥)].
– وقال أيضًا: (الغدر حرمته غليظة لا سيّما من صاحب الولاية العامّة لأنّ غدره يتعدّى ضرره إلى خلق كثير، ولأنّه غير مضطرّ إلى الغدر لقدرته على الوفاء) [«فتح الباري» لابن حجر (٦/ ٢٨٤)].
– وقال ابن عطيّة- رحمه الله تعالى- في تفسير قوله تعالى: (إنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أيْدِيهِمْ فَمَن نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ ومَن أوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أجْرًا عَظِيمًا [الفتح ١٠]: فَمَن نَكَثَ أي فمن نقض هذا العهد فإنما يجني على نفسه وإياها يهلك، فنكثه عليه لا له) [«المحرر الوجيز» لابن عطية (٥/ ١٢٩)].
– وقال أيضًا في تفسير قوله تعالى: (ولا تَكُونُوا كالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكاثًا تَتَّخِذُونَ أيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ … [النحل ٩٢] الآية. شبهت هذه الآية الذي يحلف أو يعاهد أو يبرم عقدة بالمرأة التي تغزل غزلها وتفتله محكما، وشبه الذي ينقض عهده بعد الإحكام بتلك الغازلة إذا نقضت قوى ذلك الغزل فحلته بعد إبرامه) [«المحرر الوجيز» لابن عطية (٣/ ٤١٧)].
– وقال ابن كثير: (إنّ من صفات المنافقين أنّ أحدهم إذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا حدّث كذب، وإذا ائتمن خان. ولذلك كان حال هؤلاء الأشقياء ومصيرهم إلى خلاف ما صار إليه المؤمنون كما أنّهم اتّصفوا بخلاف صفاتهم في الدّنيا فأولئك كانوا يوفون بعهد الله ويصلون ما أمر الله به أن يوصل. وهؤلاء ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) [«تفسير القرآن العظيم» (٤/ ٤٥٣)].
– وقال محمّد بن كعب القرظيّ- رحمه الله تعالى- (ثلاث خصال من كنّ فيه كنّ عليه: البغي، والنّكث، والمكر، وقرأ ولا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلّا بِأهْلِهِ [فاطر ٤٣]، يا أيُّها النّاسُ إنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أنْفُسِكُمْ [يونس ٢٣]، فَمَن نَكَثَ فَإنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ [الفتح ١٠]) [«ذم البغي» لابن أبي الدنيا (ص٨٨)].
– وصف أعرابيّ قوما فقال: (أولئك قوم أدّبتهم الحكمة، وأحكمتهم التّجارب، ولم تغررهم السّلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التّسويف الّذي قطع النّاس به مسافة آجالهم، فقالت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال، كان يقال: آفة المروءة خلف الوعد) [«المنتقى من كتاب مكارم الأخلاق ومعاليها للخرائطي» لأبي طاهر الأصبهاني (ص٥٥)].
فصل: مسائل متفرقة حول نقض العهد:
(المسألة الخامسة): صور نقض العهد
من صور نقض العهد:
1 – نقض العهد الذي وصى الله به خلقه من فعل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال وترك ما لا يحبه الله ولا يرضاه من الأقوال والأفعال، والذي تضمنته كتبه المنزلة وبلغه رسله عليهم الصلاة والسلام، ومعنى نقض هذا العهد ترك العمل به.
2 – نقض العهد الذي للإمام ونائبه على المسلمين من وجوب الطاعة في المعروف ونصرة دين الله عز وجل دون مبرر شرعي يقتضي ذلك.
3 – نقض العهد الذي أعطاه الشارع الحكيم للكفار غير المحاربين من أهل الذمة والمستأمنين وكذلك المعاهدين دون مبرر شرعي يقتضي ذلك، قال ﷺ «ألا من قتل نفسًا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفًا» [رواه الترمذي (١٤٠٣)، وابن ماجه (٢٦٨٧). قال الترمذي: حسن صحيح. وصححه لغيره الألباني في «صحيح الترغيب» (٣٠٠٩)].
4 – خلف الموعد بأن يعطي موعدًا وفي نيته عدم الوفاء أما إذا أعطى موعدًا وفي نيته الوفاء ولم يف لأمر خارج عن إرادته فلا يعد ذلك نقضًا لحديث: «إذا وعد الرجل أخاه، ومن نيته أن يفي فلم يف ولم يجئ للميعاد فلا إثم عليه» [رواه أبو داود (٤٩٩٥)، والطبراني في «الكبير» (٥/ ١٩٩). وضعفه السيوطي في «الجامع الصغير» (٨٩٤)، والألباني في «ضعيف الجامع» (٧٢٣)].
(المسألة السادسة): أسباب الوقوع في نقض العهد
1 – ضعف الإيمان بالله.
2 – النسيان.
3 – الحرص على المصالح الدنيوية.
4 – طول الأمد قد يتسبب في نقض العهد كما حصل مع قوم موسى.
5 – عدم وفاء الطرف الآخر بالعهد.
6 – خوف الإنسان من غير خالقه، وتعظيمه.
(المسألة السابعة): الوسائل المعينة على ترك نقض العهد
1 – إخلاص الإيمان لله سبحانه وتعالى وتقويته.
2 – تأمل الآثار السيئة لنقض العهد على الفرد والمجتمع.
3 – تحلي أفراد المجتمع بالوفاء بالعهد.
4 – تأمل الآيات القرآنية التي حذرت من نقض العهد والميثاق.
5 – ترك الطمع واللهث وراء الدنيا.
6 – مجاهدة النفس وتربيتها على التحلي بالوفاء بالعهد.
(المسألة الثامنة): متفرقة
1) – من أقوال الحكماء:
– قالوا: من نقض عهده، ومنع رفده، فلا خير عنده [ٍ«نهاية الأرب في فنون الأدب» للنويري (٣/ ٣٦٤)].
– وقالوا: من علامات النفاق، نقض العهد والميثاق [«نهاية الأرب في فنون الأدب» للنويري (٣/ ٣٦٤)].
– وقالوا: الغالب بالغدر مغلول، والناكث للعهد ممقوت مخذول [«نهاية الأرب في فنون الأدب» للنويري (٣/ ٣٦٤)].
2) – مثل لناقض العهد في القرآن:
ولا تَتَّخِذُوا أيْمانكُم دخلا بَيْنكُم فتزل قدم بعد ثُبُوتها وتذوقوا السوء بِما صددتم عَن سَبِيل الله ولكم عَذاب عَظِيم [النحل ٩٤] أي عهودكم بالمكر والخديعة فتزل قدم بعد ثبوتها يقول إن ناقض العهد يزل في دينه عن الطاعة كما تزل قدم الرجل بعد الاستقامة [«الأمثال من الكتاب والسنة» للحكيم الترمذي (ص٣٤ – ٣٥)].
3) – نار الحلف في الجاهلية:
كانوا – في الجاهلية- إذا أرادوا عقد حلف أوقدوا النار وعقدوا الحلف عندها، ويذكرون خيرها، ويدعون بالحرمان من خيرها على من نقض العهد، وحلّ العقد. قال العسكري (وإنما كانوا يخصّون النار بذلك لأن منفعتها تختص بالإنسان، لا يشاركه فيها شيء من الحيوان غيره) [«صبح الأعشى في صناعة الإنشا» للقلقشندي (١/ ٤٦٦)].
4) – نقض العهد عند اليهود:
إن تاريخ اليهود مليء بصفحاته السوداء التي تحكي موقفهم من العهود والمواثيق، فكم من مرة نقض اليهود عقودًا عقدوها.
قال ابن تيمية: (إن المدينة كان فيما حولها ثلاثة أصناف من اليهود وهم: بنو قينقاع وبنو النضير وبنو قريظة وكان بنو قينقاع والنضير حلفاء الخزرج وكانت قريظة حلفاء الأوس فلما قدم النبي ﷺ هادنهم ووادعهم مع إقراره لهم ولمن كان حول المدينة من المشركين من حلفاء الأنصار على حلفهم وعهدهم الذي كانوا عليه حتى أنه عاهد اليهود على أن يعينوه إذا حارب ثم نقض العهد بنو قينقاع ثم النضير ثم قريظة) [«الصارم المسلول على شاتم الرسول» (ص٦٢)].
وقال ابن إسحاق: وحدّثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنّ بني قينقاع كانوا أوّل يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله ﷺ، وحاربوا فيما بين بدر وأحد. قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال: كان من أمر بني قينقاع أنّ امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصّائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلمّا قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصّائغ فقتله وكان يهوديّا وشدّ اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشّرّ بينهم وبين بني قينقاع [«السيرة النبوية» لابن هشام (٢/ ٤٨)].[موسوعة الأخلاق الإسلامية].
فائدة:
أورد ابن القيم رحمه الله فصلا في ذالك:
[فَصْلٌ: فِي حُكْمِهِ ﷺ فِي الوَفاءِ بِالعَهْدِ لِعَدُوِّهِ وفِي رُسُلِهِمْ أنْ لا يُقْتَلُوا ولا يُحْبَسُوا]
وفِي النَّبْذِ إلى مَن عاهَدَهُ عَلى سَواءٍ إذا خافَ مِنهُ نَقْضَ العَهْدِ
ثَبَتَ عَنْهُ أنَّهُ قالَ لِرَسُولَيْ مسيلمة الكذاب لَمّا قالا: نَقُولُ إنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ: («لَوْلا أنَّ الرُّسُلَ لا تُقْتَلُ لَقَتَلْتُكُما»).
وثَبَتَ عَنْهُ أنَّهُ (قالَ لأبي رافع، وقَدْ أرْسَلَتْهُ إلَيْهِ قُرَيْشٌ، فَأرادَ المَقامَ عِنْدَهُ، وأنَّهُ لا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ، فَقالَ: «إنِّي لا أخِيسُ بِالعَهْدِ، ولا أحْبِسُ البُرُدَ، ولَكِنِ ارْجِعْ إلى قَوْمِكَ، فَإنْ كانَ فِي نَفْسِكَ الَّذِي فِيها الآنَ فارْجِعْ»).
وثَبَتَ عَنْهُ أنَّهُ («رَدَّ إلَيْهِمْ أبا جندل لِلْعَهْدِ الَّذِي كانَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُمْ أنْ يَرُدَّ إلَيْهِمْ مَن جاءَهُ مِنهُمْ مُسْلِمًا») ولَمْ يَرُدَّ النِّساءَ، وجاءَتْ سبيعة الأسلمية مُسْلِمَةً، فَخَرَجَ زَوْجُها فِي طَلَبِها فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا جاءَكُمُ المُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أعْلَمُ بِإيمانِهِنَّ فَإنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إلى الكُفّارِ﴾ [الممتحنة ١٠] الآيَةَ [المُمْتَحِنَةِ: ١٠]، فاسْتَحْلَفَها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ لَمْ يُخْرِجْها إلّا الرَّغْبَةُ فِي الإسْلامِ، وأنَّها لَمْ تَخْرُجْ لِحَدَثٍ أحْدَثَتْهُ فِي قَوْمِها، ولا بُغْضًا لَزَوْجِها، فَحَلَفَتْ، فَأعْطى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَوْجَها مَهْرَها، ولَمْ يَرُدَّها عَلَيْهِ. فَهَذا حُكْمُهُ المُوافِقُ لِحُكْمِ اللَّهِ، ولَمْ يَجِئْ شَيْءٌ يَنْسَخُهُ البَتَّةَ. ومَن زَعَمَ أنَّهُ مَنسُوخٌ، فَلَيْسَ بِيَدِهِ إلّا الدَّعْوى المُجَرَّدَةُ، وقَدْ تَقَدَّمَ بَيانُ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ الحُدَيْبِيَةِ.
وقالَ تَعالى: ﴿وإمّا تَخافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيانَةً فانْبِذْ إلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الخائِنِينَ﴾ [الأنفال ٥٨] [الأنْفالِ: ٥٨].
وقالَ ﷺ: («مَن كانَ بَيْنَهُ وبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ فَلا يَحُلَّنَّ عَقْدًا، ولا يَشُدَّنَّهُ حَتّى يَمْضِيَ أمَدُهُ، أوْ يَنْبِذَ إلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ»)، قالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.
(«ولَمّا أسَرَتْ قُرَيْشٌ حُذَيْفَةَ بْنَ اليَمانِ وأباهُ أطْلَقُوهُما، وعاهَدُوهُما أنْ لا يُقاتِلاهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وكانُوا خارِجِينَ إلى بَدْرٍ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: انْصَرِفا، نَفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، ونَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ»). [زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم رحمه الله(ت ٧٥١)، (5/80-81)].