(1221) فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ومحمد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1221):
مسند أبي رافع رضي الله عنه
قال أبو داود رحمه الله (ج ٥ ص ٦٨): حدثنا محمد بن كثير أنبأنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي رافع عن أبي رافع: أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث رجلًا على الصدقة من بني مخزوم، فقال لأبي رافع: اصحبني فإنك تصيب منها. قال: حتى آتي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأسأله. فأتاه فسأله فقال: «مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة».
هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخين. وابن أبي رافع هو عبيد الله.
الحديث أخرجه الترمذي (ج ٣ ص ٣٢٣) وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي (ج ٥ ص ١٠٧).
===================
الحديث سيكون من وجوه:
أورده الإمام أبو داود رحمه الله في السنن، كتاب الزكاة، ٢٩ – باب الصدقة على بني هاشم، (١٣٢٦).
قال الألباني: صحيح [صحيح وضعيف سنن أبي داود، رقم الحديث (١٦٥٠)].
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع: كتاب الصدقات، ٣٦ – مولى القوم منهم، (١٣٢٦).
وقال شعَيب الأرنؤوط وآخر في تحقيقهم للسنن: “إسناده صحيح. محمد بن كثير: هو العبدي، والحكم: هو ابن عتيبة الكندي مولاهم، وابن أبي رافع: هو عبيد الله.
وأخرجه الترمذي (٦٦٣)، والنسائي في «الكبرى» (٢٤٠٤) من طريقين عن شعبة، بهذا الإسناد. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وهو في «مسند أحمد» (٢٣٨٦٣) و(٢٣٨٧٢)، و«صحيح ابن حبان» (٣٢٩٣).
وبنو هاشم: هم آل علي وآل عباس وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن عبدالمطلب.
وهاشم: هو ابن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة.
قال الخطابي: أما النبي ﷺ، فلا خلاف بين المسلمين أن الصدقة لا تحل له، فكذلك بنو هاشم في قول أكثر العلماء، وقال الشافعي: لا تحل الصدقة لبني عبد المطلب، لأن النبي ﷺ أعطاهم من سهم ذوي القربى، وأشركهم فيه مع بني هاشم، ولم يعط أحدًا من قبائل قريش غيرهم، وتلك العطية عِوض عوضوه بدلًا عما حرموه من الصدقة، فأما موالي بني هاشم فإنه لا حظ لهم في سهم ذوي القربى، فلا يجوز أن يحرموا الصدقة، ويشبه أن يكون إنما نهاه عن ذلك تنزيهًا له.
وقال: «مولى القوم» على سبيل التشبيه للاستنان بهم والاقتداء بسيرتهم في اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس، ويشبه أن يكون ﷺ قد كان يكفيه المؤونة إذ كان أبو رافع مولى له، وكان ينصرف له في الحاجة والخدمة، فقال له على هذا المعنى: إذا كنت تستغني بما أُعطيت فلا تطلب أوساخ الناس، فإنك مولانا ومنا. انتهى.
الأول: شرح الحديث:
“(تصيب منها) أي: تنال من الصدقات.
(مولى القوم): يريد عتيق القوم.
(من أنفسهم): أي له ما لهم وعليه ما عليهم.
(وإنا): أي: آل محمد عليه السلام”.
قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى: [باب: الصدقة على بني هاشم.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا شعبة عن الحكم عن ابن أبي رافع عن أبي رافع رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم …].
“أورد أبو داود باب: الصدقة على بني هاشم – وهاشم هو ابن عبد مناف، وهو الجد الثاني لرسول ﷺ-،
فنبينا محمد عليه الصلاة والسلام هو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف،
فبنو هاشم هم الذين لا تحل لهم الصدقة، والمراد بهم: آل العباس، وآل الحارث بن عبد المطلب، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل،
فهؤلاء هم قرابة رسول الله ﷺ الذين لا تحل لهم الصدقة، وقد قصر بعض أهل العلم المنع على بني هاشم، وألحق بهم بعضهم بني المطلب، والمطلب هو أخو هاشم، وهما من أولاد عبد مناف، ويستدلون على ذلك بأن النبي ﷺ كان يعطيهم من الخمس من سهم ذوي القربى.
وقد جاء في الصحيح أن عثمان بن عفان -وهو من بني عبد شمس بن عبد مناف -وجبير بن مطعم النفيلي – وهو من بني نوفل بن عبد مناف- جاءا إلى النبي ﷺ وقالا: إنك أعطيت بني المطلب ولم تعطنا، ونحن وإياهم في القرب منك سواء؛ لأن أولاد عبد مناف أربعة: هاشم والمطلب وعبد شمس ونوفل، فالنبي ﷺ أعطى بني المطلب من خمس ذوي القربى، فجاء عثمان بن عفان وجبير بن مطعم رضي الله عنهما إلى النبي ﷺ وقالا له ذلك، فقال النبي ﷺ: (إنا وبنو المطلب شيئًا واحدًا لم نفترق في الجاهلية والإسلام) أي: أنهم كانوا يناصرونهم، ولما حوصر رسول الله ﷺ في الشعب كانوا معهم، فكان النبي ﷺ يعطيهم من الخمس كما يعطي بني هاشم، قالوا: ومن أعطي من الخمس فإنه لا يعطى من الزكاة، فلا يجوز أن تدفع الزكاة لا إلى هاشمي ولا إلى مطلبي”.[ شرح سنن أبي داود للعباد].
قال الشيخ ابن باز رحمه الله: “فجبير بن مطعم هو ابن عدي بن نوفل بن عبدالمطلب، وعثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، فبنو عبد شمس وبنو نوفل هم أبناء عمٍّ لبني هاشم وبني المطلب، ولهذا يقول أبو طالب في قصيدته:
جزى الله عنا عبد شمس ونوفل *** عقوبة شرٍّ عاجل غير آجل
لأنَّهم كانوا ضدّ بني هاشم في الجاهلية، يُساعدون عليهم، وهم بنو عمِّهم، بخلاف بني المطلب، فإنهم مع بني هاشم، وأنصار لبني هاشم، ولهذا قال ﷺ: ((إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيءٌ واحدٌ))، فلا ينبغي أن تطلبوا أن تكونوا مثلهم، وأنتم شيءٌ وهم شيء، فالعداوة لبني هاشم سابقًا والظلم لهم، فبنو طالب لهم حقٌّ من بيت المال؛ لما سبق من خدمتهم الحقّ، ومُساعدتهم لبني عبدالمطلب، ونصرهم ما جاء به الرسولُ ﷺ ضدّ بني عدي بن نوفل، وضد بني عبد شمس.
أما الزكاة فلا، الصواب أنهم لا يكونون مثلهم، قال بعضُ أهل العلم أنهم يُمنعون حتى في الزكاة، فلا يُعطى بنو المطلب شيئًا من الزكاة، والصواب لا؛ لأنهم ليسوا مثلهم في النَّسب، إنما يُعطون من الخمس فقط مثلهم، أما الزكاة فلا، تُباح لهم، وإنما يختص التحريم ببني هاشم الذين هم آل النبي ﷺ”.[ شرح سنن أبي داود للعباد].
“و(أبو رافع)، كان مولى لرسول الله ﷺ؛ لأن النبي ﷺ ملكه من قبل العباس بن عبد المطلب، فجاء إلى النبي ﷺ ذات يوم فبشره بإسلام العباس، فأعتقه النبي ﷺ فصار مولى للرسول ﷺ مولى من أسفل وليس مولّى من أسفل باعتبار المعنى، فالرسول ﷺ أعلى منه بلا شك، لكن أقول لكم: إن المعتق يسمى مولى من فوق أو من أعلى، والعتيق يسمّى مولّى من أسفل فكل منهما مولّى للآخر، لكن ذاك هو المعتق فهو الأعلى كما قال النبي ﷺ: «يد المعطي هي العليا»، والثاني مولى من أسفل”. قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله[ فتح ذي الجلال والإكرام (3/155)].
“وأورد أبو داود حديث أبي رافع رضي الله عنه أن رجلًا من بني مخزوم قال له وقد أرسله النبي ﷺ على الصدقة: اصحبني حتى تصيب شيئًا، فقال: لا، حتى أسأل رسول الله ﷺ، فجاء إليه وسأله، فقال: (إن مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة)،
فيدل هذا الحديث على أن مولى القوم منهم، وأن الموالي لا تحل لهم الصدقة، فمن العلماء من أخذ بمقتضى هذا الحديث وقال: لا تحل لمواليهما يعني: موالي بني المطلب وبني هاشم،
ومنهم من قال: إن الموالي تحل لهم الصدقة،
ولكن هذا الحديث يدل على أنها لا تحل لهم؛ لأنه قال: (مولى القوم من أنفسهم) أي: أن حكمه كحكمهم،
وسبب عدم إعطاء آل البيت من الصدقة أنهم يعطون ما يكفيهم من الخمس، فعندهم شيء يغنيهم عن الصدقة، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب له يتعلق بآل البيت: إذا لم يعطوا من الخمس فإن الصدقة تحل لهم، فيجوز لهم أن يأخذوا منها؛ لأنهم إنما منعوا لإعطائهم من الخمس ومن الفيء، فإذا لم يُعطوا من الخمس، ولم يجدوا ما يكفيهم فإنها تحل لهم الصدقة؛ لأن الأمر الذي لم يعطوا من الزكاة لأجله غير موجود، فيجوز إذًا أن يعطوا من الزكاة حينئذ”. [ شرح سنن أبي داود للعباد].
وقال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله: “فدلَّ على أنَّ موالي بني هاشم حكمهم حكمهم، لا يُعطون من الزكاة، ويُعطون من بيت المال من صدقة التطوع، أما الزكاة نفسها فلا.
لكن بعض أهل العلم أجازها للضَّرورة، فإذا اضطروا فلا حرج، كما يأكل الميتةَ عند الضَّرورة، وهي أحسن من الميتة، فإذا اضطروا جاز أن يُعطوا – على الصَّحيح-، أما إذا أغناهم الله ويسَّر أمرهم فلا يُعطون من الزكاة، وينبغي لهم أن يتعفَّفوا عنها ويحذروها ولا يتساهلوا، وعلى بيت المال أن يُساعدهم إذا كان في بيت المال قوة، فعلى بيت المال أن يُواسيهم ويُحسن إلى فقيرهم، فعل ذلك النبيُّ ﷺ مع بني هاشم وبني المطلب من الخُمُس”. [شرح بلوغ المرام (الشرح الجديد)، كتاب الزكاة، الموقع الرسمي للإمام ابن باز رحمه الله].
” ومن فوائد الحديث: فضيلة آل النبي ﷺ لكونهم أرفع شأنًا من أن يأخذوا زكاة الناس”.
مسألة: اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في تحريم الصدقة على موالي بني هاشم على قولين:
القول الأول: لا يجوز أخذ موالي بني هاشم من الزكاة؛ لحديث أبي رافع يرفعه «مولى القوم من أنفسهم وإنا لا تحل لنا الصدقة» [أبو داود، برقم: ١٦٥٠] [والنسائي، برقم ٢٦١١، والترمذي، برقم ٦٥٧، وصححه الألباني، وتقدم تخريجه].
القول الثاني: يجوز أن يعطى موالي بني هاشم من الزكاة، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: «وقال أكثر العلماء: يجوز، لأنهم ليسوا بقرابة النبي ﷺ فلم يمنعوا الصدقة كسائر الناس؛ ولأنهم لم يعوضوا عنها بخمس الخمس؛ فإنهم لا يعطون منه، فلم يجز أن يحرموها كسائر الناس والصواب القول الأول؛ لحديث أبي رافع الصريح الصحيح في تحريم الصدقة على موالي بني هاشم؛ ولأنهم ممن يرثهم بنو هاشم بالتعصيب، فلم يجز دفع الزكاة إليهم، كبني هاشم، وقولهم: إنهم ليسوا بقرابة يرد عليه: بأنهم بمنزلة القرابة، بدليل قوله النبي ﷺ: ((الولاء لُحمَةٌ كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب» [رواه الشافعي في الأم،٤/ ١٢٥،وصححه ابن حبان، [برقم ٤٩٥٠]، والحاكم،
٤/ ٣٤١، وأصله في الصحيحين: البخاري، برقم ٦٧٥٦، ومسلم، برقم ١٥٠٦ بغير هذا اللفظ] وثبت فيهم حكم القرابة: من الإرث، والعقل، والنفقة، لا يمنع ثبوت حكم الصدقة فيهم [المغني لابن قدامة، ٤/ ١١٠ – ١١١، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، ٧/ ٢٩٧]. [حاشية الزكاة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة سعيد بن وهف القحطاني]
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى):
المراد بـ(ـالصدقة)
“«الصدقة» هنا كلمة عامة تشمل الزكاة وصدقة التطوع، أما كونها تشمل صدقة التطوع فظاهر؛ لأن الصدقة في الأصل لا يفهم منها عرفًا إلاّ صدقة التطوع، وأما شمولها للصدقة الواجبة فلقوله تعالى: ﴿إنما الصدقات …..﴾، وهذه للزكاة لقوله في آخرها: ﴿فريضة من الله والله عليم حكيم﴾ [التوبة ٦٠].
هنا هل المراد بالصدقة الواجبة والمستحبة، أم الواجبة؟
ننظر، إن أخذنا بالعموم قلنا: إنها شاملة لصدقة التطوع والواجبة وهي الزكاة، وإن نظرنا إلى التعليل: «إنما هي أوساخ الناس» رجحنا أن المراد بها: الزكاة؛ لأن الزكاة هي التي تنظف المال وتطهره من الآفات، فهي إذن كالماء الذي تغسل به النجاسات فيكون وسخًا، وهذا التعليل لا ينطبق على صدقة التطوع؛ لأن صدقة التطوع مكفرة للذنوب وليست مطهرة للأموال؛ لأنها ليست واجبة، وهذا هو ما ذهب إليه الجمهور؛ بمعنى: أن المراد بالصدقة هنا: الزكاة، ولكن بعض أهل العلم يقول: إنها عامة تشمل الصدقة الواجبة وصدقة التطوع”. قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. [فتح ذي الجلال والإكرام، (3/150)].
(المسألة الثانية): المراد بـ«آل محمد»
هم بنو هاشم، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، فمن كان من ذرية هاشم فهو من آل محمد، ومن فوقه من بني عبد مناف، ومن فوقه فإنهم ليسوا من آل محمد، فآل الشخص إلى الجد الرابع فقط؛ إذن لا تحل لبني هاشم ذكورهم وإناثهم، لأنه قال: «لا تنبغي لآل محمد»”. قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. [فتح ذي الجلال والإكرام، (3/150)].
وسبق ذكر ذلك في شرح الحديث.
فرع:
تحريم الصدقة على آل النبي ﷺ وهل يدخل فيهم الرسول؟
نعم، يدخل فيهم، فإذا قيل: آل فلان، دخل هو- المنسوب إليه- فيهم بالأولوية، على أنه قد صرح في الرواية الثانية: «إنها لا تحل لمحمد، ولا لآل محمد». [فتح ذي الجلال والإكرام، (3/151)].
فرع:
يقول الرسول ﷺ: ((مولى القوم من أنفسهم)) يعني: وأنت مولى لي فيكون حكمك حكمي ولهذا قال: ((وإنها لا تحل لنا الصدقة))، يعني: فإذا كانت لا تحل لنا وأنت مولى فإنها لا تحل لك، ..، وهي أن الصدقة لا تحل إلى آل محمد-: ولا لموالي آل محمد، وإذا قلنا بأن المطلبيين لا تحل لهم الصدقة فكذلك مواليهم”. (3/155).
(المسألة الثالثة): لماذا لا تحل لهم الصدقة
قال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الصَّدقة لا تنبغي لآل محمَّدٍ، إنّما هي أوساخ النّاس».
قال: «إنما هي أوساخ الناس» “هذه جملة حصرية، أداة الحصر فيها «إنما» يعني: ما هي إلا أوساخ الناس، وأوساخ الناس لا ينبغي أن تكون لأطيب الناس عرقًا، وهم بنو هاشم، فإن بني هاشم أطيب الناس عرقًا ونسبًا، فلا تحل لهم الزكاة، لأنهم أشرف من أن يأخذوا أوساخ الناس.
وقوله: «أوساخ الناس» المراد بالناس هنا: الذين تجب عليهم زكاة لا كل أحد؛ لأنه ليس كل أحد عليه أن يزكي، فهو إذن عام أريد به الخاص”. قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. [فتح ذي الجلال والإكرام، (3/150)].
فرع:
“ومن فوائد الحديث: جواز وصف الزكاة بالأوساخ، لكن هذا مشكل كيف نصفها بأنها أوساخ الناس وهي ركن من أركان الإسلام، وهل في الإسلام شيء وسخ مشكل هذا؟ المسألة ثقيلة ليست هينة هي بالنسبة لإخراجها وإيتائها لأصنافها تعد ركنًا من أركان الإسلام، تزكي النفس وتطهرها، وتلحقها بالكرماء والمحسنين، وبالنسبة للمعطي نقول: إنه وسخ؛ لأنه هو الشيء الذي طهر به المال، فهو كالماء الذي طهرت به النجاسة، ولا ينبغي للإنسان أن يأخذها إلا وقت الحاجة، كما لو اضطر الإنسان إلى الماء النجس يشربه!” [فتح ذي الجلال والإكرام، (3/152)].
(المسألة الرابعة): وهل هذا يشمل الزكاة وصدقة التطوع؟
“أقول: في هذا خلاف بين أهل العلم، فجمهور العلماء على أن المراد به: الزكاة الواجبة، واستندوا في ذلك إلى التعليل في قوله: «إنما هي أوساخ الناس»، ولكن هذا في غير النبي ﷺ أما النبي ﷺ فإنه لا يأكل الصدقة لا تطوعها ولا: فرضها، وهذا من خصائصه عليه السلام”. قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. [فتح ذي الجلال والإكرام، (3/151)].
سبقة الإشارة إلى المسألة في شرح الحديث.
(المسألة الخامسة): “اختلف العلماء هل هذا الحكم عام أو مقيد بما إذا أعطوا الخمس؛
لأن المعروف أن الخمس لذوي القربى- البني هاشم وبني المطلب أيضًا ..، ولكن هل نقول كما قال هؤلاء،
وأنهم إذا لم يعطوا الخمس أعطوا من الزكاة؟
في هذا أيضًا قولان لأهل العلم، منهم من قال: إنهم إذا لم يعطوا من الخمس،
إما لكونه لا خمس، وإما لظلم من ولي الأمر لا يعطيهم، فإنهم يأخذون من الزكاة لئلا يموتوا جوعًا، أو يتكففوا الناس يعني: يسألونهم-، فإن تكففهم الناس أعظم ذلاٍّ مما إذا أعطوا من الزكاة بلا سؤال، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، فهو يرى أنهم إذا منعوا الخمس أو لم يكن هناك خمس، بما إذا لم يكن هناك جهاد ولا غنيمة، فإنهم يعطون من الزكاة؛ لأنهم فقراء، ولكن جمهور أهل العلم على أن المنع على الإطلاق، وأنهم لا يأخذون من الزكاة، ولو لم يكن هناك خمس، ولا يمكن أن يكون حرمانهم ما يجب لهم مبيحًا لأخذهم ما ليس لهم أخذه، فإذا حرموا الخمس فهم مظلومون، ولكن لا يقتضي ذلك حل ما منعوا منه وهو الأخذ من الزكاة إذا لم يكن هناك خمس أو منعوا من الخمس وهم فقراء، ماذا نعمل بالنسبة لهم؟ ندفع لهم صدقة تطوع على قول الجمهور، وصدقة التطوع أهون من الصدقة الواجبة.
[فتح ذي الجلال والإكرام، (3/153- 154)].
(المسألة السادسة): إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحدة سبقت المسأله في أول الشرح وراجع أيضا [فتح ذي الجلال والإكرام، (3/153)].
“ومن فوائد الحديث: أن المراد بذوي القربى في قوله تعالى: ﴿وللرسول ولذي القربى﴾ قرابة النبي ﷺ وإن كان بعض العلماء قال: المراد بهم: قرابة ولي الأمر، ولكن الصواب أنهم قرابة النبي ﷺ.”. (3/154)
(المسألة السابعة): “ثم هل بنو المطلب تحل لهم الزكاة أو لا؟
“في هذا قولان لأهل العلم:
منهم من قال: إنها لا تحل لهم الزكاة؛ لقول النبي ﷺ: «إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد».
ثانيًا: ولأنهم يشاركون بني هاشم في الخمس، فإذا شاركوهم في المغنم شاركوهم في الحرمان من الزكاة.
ومن العلماء من يقول: إنها تحل لهم؛ لأن العلة في منع الزكاة على بني هاشم هي القرابة، ومعلوم أن بني المطلب بنو عم لبني هاشم وليسوا من بني هاشم، ولو كانت العلة القرابة لكان بنو عبد شمس ونوفل يمنعون من الزكاة.
وفي هذه المسألة عن الإمام أحمد رحمة الله روايتان: رواية أنها تحل لبني المطلب وهي المذهب. والرواية الثانية: أنها لا تحل، وهي التي مشى عليها صاحب زاد المستقنع،
والصحيح أنها تدفع إلى بني المطلب، وأن الرسول ﷺ إنما أعطاهم من الخمس لا من أجل قرابتهم، ولكن من أجل النصرة والحماية حيث كانوا مع بني هاشم على قريش، ولو كانت العلة القرابة لم يكن فرق بينهم وبين بني عبد شمس ونوفل”. [فتح ذي الجلال والإكرام، (3/153- 154)].
“ومنها- على ظاهر صنيع المصنف رحمة الله- أي الحافظ ابن حجر -: أن بني المطلب لا يعطون من الزكاة كما أنهم يعطون من الخمس، وهذا أحد القولين في المسألة، ولكن الراجح خلاف ذلك”. (3/154)
(المسألة السابعة): أمهات المؤمنين:
“فإن قيل: لو كانت الصَّدقةُ حرامًا عليهنَّ -أي أمهات المؤمنين- لَحَرُمت على مواليهنَّ، كما أنّها لَمّا حرُمت على بَنِي هاشِم حرُمَت على موالِيهم، وقد ثبت في الصحيح أنّ بريرةَ تُصُدِّق عليها بلَحمٍ فأكلته، ولَم يُحرِّمه النَّبِيُّ ﷺ، وهي مولاةٌ لعائشة رضي الله عنها.
قيل: هذا هو شبهةُ مَن أباحَها لأزواج النَّبِيِّ ﷺ.
وجوابُ هذه الشُّبهةِ أنّ تحريمَ الصَّدقةِ على أزواجِ النَّبِيِّ ﷺ ليس بطريق الأصالةِ، وإنّما هو تَبَعٌ لتَحريمها عليه ﷺ، وإلاَّ فالصَّدقةُ حلالٌ لهنَّ قبل اتِّصالِهنَّ به، فهنَّ فرعٌ في هذا التحريمِ، والتحريمُ على المولى فرعُ التَّحريمِ على سيِّدِه، فلمّا كان التَّحريمُ على بَنِي هاشِم أصلًا استتبَع ذلك مواليهم، ولَمّا كان التَّحريمُ على أزواجِ النَّبِيِّ ﷺ
تَبَعًا لَم يَقْوَ ذلك على استِتْباعِ مواليهنَّ؛ لأنّه فرعٌ عن فرعٍ.
قالوا: وقد قال الله تعالى: ﴿يا نِسَآءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ وساق الآيات إلى قوله تعالى: ﴿واذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنءاياتِ اللهِ والحِكْمَةِ﴾، ثم قال –أي ابن القيم-: فدخَلْنَ في أهل البيت؛ لأنّ هذا الخطابَ كلَّه في سياق ذِكرهنَّ، فلا يجوز إخراجُهنَّ مِن شيءٍ منه، والله أعلم». [فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة، عبد المحسن العباد، ص11]
(المسألة الثامنة): فوائد الحديث:
“أولًا: جواز استعمال الرجل على الصدقة؛ لأن الرسول ﷺ بعث هذا الرجل،
ولكن يشترط في الرجل الذي يستعمل على الصدقة شرطان: القوة، والأمانة.
القوة بماذا؟ بأحكام الزكاة أخذًا وإعطاء، فيعرف الأموال الزكوية، ويعرف مقدار الأنصبة، ويعرف مقدار الواجب، ويعرف المستحق إذا كان قد وكل إليه الصرف،
ويشترط أيضًا أن يكون أمينًا،
وهذان الشرطان- القوة والأمانة- يشترطان في كل عمل، وقد ذكر هذا في موضعين من كتاب الله فقالت إحدى البنتين لأبيها صاحب مدين: ﴿استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين﴾ [القصص ٢٦]. ﴿قال عفريت من الجن أنا أتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين﴾ [النمل ٤٠]. فكل عمل لا بد فيه من القوة عليه ومن الأمانة، قويًّا يعني: أنه يعلم الزكاة أنصبتها مقدار الواجب ومستحقها حتى يصرفها إذا وكل إليه الصرف، وأمينًا بحيث لا يخون، فإن كان خائنًا أو يخاف من الخيانة فإنه لا يجوز أن يولّى.
ومن فوائد الحديث: جواز إخبار الإنسان بما ينتفع به انتفاعًا دنيويًّا، أو بعبارة أخرى جواز طلب المشاركة من شخص لينتفع بما يشارك فيه انتفاعًا دنيويًا، الدليل: «اصحبني فإنك تصيب منها».
ومن فوائد الحديث: ورع الصحابة- رضي الله عنهم-، فإن أبا رافع رضي الله عنه مع كون هذا الرجل شجعه على الذهاب معه امتنع، قال: «حتى آتي النبي ﷺ»، وهذا يدل على كمال الورع في الصحابة- رضي الله عنهم-،
وهناك شيء يسمّى ورعًا وشيء يسمى زهدًا وبينهما فرق: قال ابن تيمية: الورع ترك ما يضره في الآخرة، والزهد ترك ما لا ينفعه في الآخرة. يتبين الفرق في مباشرة شيء لا نفع فيه ولا ضرر، فمباشرته لا تنافي الورع ولكنها تنافي الزهد؛ لأن الزاهد هو الذي يفعل ما فيه المنفعة والمصلحة، وأما ما لا منفعة فيه في الآخرة فيتركه.
ومن فوائد الحديث: أن مولى بني هاشم لا تحل له الصدقة لقول النبي ﷺ: «مولى القوم من أنفسهم” [فتح ذي الجلال والإكرام، (3/156-158)].
و[جاء في سبل السلام: “الحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلى أنَّ حُكْمَ مَوْلى آلِ مُحَمَّدٍ ﷺ حُكْمُهُمْ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ قالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي التَّمْهِيدِ: إنّهُ لا خِلافَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ فِي عَدَمِ حِلِّ الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ ﷺ ولِبَنِي هاشِمٍ ولِمَوالِيهِمْ. انْتَهى.
وذَهَبَتْ جَماعَةٌ إلى عَدَمِ تَحْرِيمِها عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ المُشارَكَةِ فِي النَّسَبِ ولِأنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مَرْدُودَةٌ فَإنَّها تَرْفَعُ النَّصَّ.
قالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: هَذا خِلافُ الثّابِتِ مِن النَّصِّ ثُمَّ هَذا نَصٌّ عَلى تَحْرِيمِ العِمالَةِ عَلى المَوالِي وبِالأوْلى عَلى آلِ مُحَمَّدٍ ﷺ؛ لِأنَّهُ أرادَ الرَّجُلَ الَّذِي عَرَضَ عَلى أبِي رافِعٍ أنْ يُوَلِّيَهُ عَلى بَعْضِ عَمَلِهِ الَّذِي ولّاهُ النَّبِيُّ ﷺ فَيَنالَ عِمالَةً لا أنَّهُ أرادَ أنْ يُعْطِيَهُ مِن أُجْرَتِهِ فَإنَّهُ جائِزٌ لِأبِي رافِعٍ أخْذُهُ إذْ هُوَ داخِلٌ تَحْتَ الخُمُسِ الَّذِينَ تَحِلُّ لَهُمْ؛ لِأنَّهُ قَدْ مَلَّكَ ذَلِكَ الرَّجُلَ أُجْرَتَهُ فَيُعْطِيهِ مِن مِلْكِهِ فَهُوَ حَلالٌ؛ لِأبِي رافِعٍ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ فِيما سَلَفَ ورَجُلٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ مِنها فَأهْدى مِنها. انتهى [سبل السلام(1/554)تراث]
“وهل يستدل بعمومه على أن مولى القوم وارث؟
أما جمهور العلماء فيقولون: إن المولى من أسفل لا يرث، وإنما الوارث المولى من أعلى، لقول النبي ﷺ:»إنما الولاء لمن أعتق”، وأما المعتق فإن مولى سيده إذا لم يوجد له عاصب يذهب إلى بيت المال ولا يعطي العتيق، ولكن بعض العلماء قال: إن المولى من أسفل يرث إذا لم يوجد عاصب سواه ولا صاحب فرض، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وفيه حديث عن النبي ﷺ في المرأة أنها ترث لقيطها وعتيقها وولدها الذي لاعنت عليه.
وفيه أيضًا: جواز إطلاق المولى على بني آدم، وأن تقول: هذا فلان مولاي، وما أشبه ذلك، وهو كذلك، وقد قال الله تعالى: ﴿وإن تظهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين﴾ [التحريم ٤]. فالمولى تطلق على الله عز وجل، وتطلق على المخلوق لكن إطلاقها على المخلوق ليس كإطلاقها على الله؛ لأن الله- سبحانه وتعالى- له الولاية المطلقة، وأما الإنسان فولايته مقيدة.
ومن فوائد الحديث أيضًا: حسن تعليم الرسول ﷺ وإقناعه؛ لأنه قال للرجل: «مولى القوم من أنفسهم»، وبيَّن له أنه لا تحل لهم الصدقة.
ومنها أيضًا: أنه يجوز الاقتصار على المقدمات إن لم تذكر النتيجة إذا فهمت من السياق؛ لأن ذكر النتيجة- وقد فهمت من السياق- لا يفيد إلا التطويل، كيف ذلك؟ قال: «إن مولى القوم من أنفسهم» هذه مقدمة أولى، و«إنها لا تحل لنا الصدقة» هذه مقدمة ثانية، والنتيجة: «فلا تحل لك الصدقة»، لا حاجة لذكرها إذا كانت معلومة من المقدمات؛ لأن ذكر النتيجة بعد العلم يعتبر تطويلًا لا فائدة منه؛ فلهذا نقول: إن ما يزعزع به المنطقيون من تلك المقدمات والنتائج الطويلة العريضة أكثرها لا حاجة إليه.
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: كنت أعلم دائمًا أن المنطق اليوناني لا ينتفع به البليد، ولا يحتاج إليه الذكي، إذن فهو تطويل بلا فائدة.
ومن فوائد الحديث: وجوب التصريح بالحق ولو على النفس؛ لقوله: «إنها لا تحل لنا الصدقة»، وهكذا يجب أن يذكر الإنسان ما له وما عليه قائمًا لله تعالى بذلك بالقسط: ﴿* يأيها الَّذين ءامنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم﴾ [النساء ١٣٥]. وبعض الناس تجده مع الطمع ومع الجشع يحاول أن يأخذ ما لا يستحق بالطرق الملتوية، ولكن العاقل على خلاف ذلك، ما تقولون هل يوجد أحد من آل الرسول اليوم؟ الذي يقول ذلك سنلزمه بأن يذكر سندًا من الآن إلى المنتهى، أنا قرأت في «فتح الباري»، وكتب أخرى أنه لا يوجد أحد يعلم من آل البيت إلّا ملوك اليمن فقط، والباقي كله فيه شك.
ومن فوائد الحديث: الجواب بـ«لا» كافٍ عن إعادة السؤال كالجواب بـ«نعم»، فإذا قيل: أعندك لزيد كذا؟ قال: لا، هذا إنكار كأنه قال: ليس عندي له شيء، وإذا قيل: ألك عنده شيء؟ فقال: نعم فهو كافٍ. الجواب: كأنه قال: نعم، ولهذا لو قيل للرجل: أزوجت ابنتك فلانًا؟ فقال: نعم، صح، ولو قبلت؟ قال: نعم، صح أيضًا، وهل الإشارة تقوم مقام اللفظ؟ نعم، إذا كان اللفظ ممتنعًا حسًّا أو شرعًا فإن الإشارة تقوم مقامه، والممتنع حسًّا كالأخرس، وهناك الممتنع شرعًا كالمصلي فإنه لا يتكلم شرعًا، فإن كان قادرًا على النطق فالصحيح أيضًا أن الإشارة تقوم مقام العبارة، وأنه يكتفي بذلك، وهكذا الكتابة.
وفيه أيضًا مما سبق من الأحاديث: أن الصدقة لا تحل لآل النبي ﷺ، فسبق أن العلماء اختلفوا في صدقة التطوع هل تحل لهم أو لا؟ واختلفوا فيما إذا منعوا الخمس هل تحلُّ لهم الزكاة أم لا؟” [فتح ذي الجلال والإكرام، (3/156-158)].
انظر: ما يتعلق بمسائل آل البيت الصحيح المسند (ج2/ رقم 1198)، وسبق ذكر ذلك في التعليق على أصول الإيمان .