1215 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1215):
مسند أبي جمعة رضي الله عنه
١٢١٥ – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٤ ص ١٠٦): حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني أسيد بن عبد الرحمن عن خالد بن دريك عن ابن محيريز (١) قال قلت لأبي جمعة رجل من الصحابة حدثنا حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: نعم أحدثكم حديثًا جيدًا تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال: يا رسول الله أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك، قال: «نعم، قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني».
هذا حديث صحيحٌ. وقد اختلف فيه على الأوزاعي، كما بينته في تخريج «تفسير ابن كثير» (ج ١ ص ٨١) عند تفسير قول الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ﴾ في أول سورة البقرة.
الحديث أخرجه الدارمي رحمه الله (ج ٢ ص ٣٩٨) من حديث أبي المغيرة بسنده.
وقال الشيخ الوادعي في الحاشية: (١) في الأصل: أبي محيريز. والصواب ابن محيريز، وهو عبد الله بن محيريز.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
رجح ابن حجر في حديث أبي جمعه أن الأصح رواية من رواه عن أبي جمعه بلفظ (يا رسول أحد أعظم أجرا منَّا ) وهي الموافقة لرواية أبي ثعلبة الذي فيه ( للعامل منهم أجر خمسين منكم ) وكون مضاعفة الأجر لا تستلزم الأفضلية المطلقة خاصة أن الصحابة نالوا أعظم حسنه وهي حسنة مشاهدة النبي صلى الله عليه وسلم ونصرته . انتهى بمعناه من الفتح
وذهب الطحاوي أن هؤلاء الذين هم أخير من الصحابة قوم أسلموا بعد أولئك ثم منعهم موانع من الهجرة ثم هاجروا وأسلموا وجاهدوا وفاقوا من سبقهم ممن لم يبل مثل بلائهم . انتهى بمعناه
وهناك من قال أن هناك من يأتي بعد الصحابة وله بلاء في الإسلام هو أفضل من بعض الأعراب من الصحابة ممن لم يشهد الغزوات ولا له نصرة
تنبيه : كنت خرجت حديث للعامل منهم أجر خمسين منكم في تخريجي لكشف الاستار ٣٣٣٧ عن عدد من الصحابة ولا يصح منها شيء.
لكن حديث أبي جمعه بلفظ أعظم أجرا يقوي أن لهم أجرا عظيم.
لكن مهما تضاعفت الأجور فمرجع هذا الأجور للصحابة لأنهم في معنى من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده . لذا ورد لو انفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مدَّ أحدهم ولا نصيفه .
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
2- كتاب الإيمان، ٢ – فضل الإيمان بالغيب، (٣٠١).
و15- كتاب دلائل النبوة، ٤٩ – إخباره ﷺ عن قوم يأتون بعده يؤمنون به ولم يروه، (٢٣٣٩).
و33- كتاب التفسير، سورة البقرة، ١٦ – قوله تعالى ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ﴾، (٣٨٦٧).
ومشكاة المصابيح للتبريزي رحمه الله، كتاب المناقب، باب ثواب هذه الأمة، (٦٢٩١). وصحح الحديث الإمام الألباني.
تنبيه: سبق أن مر في فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند (1196) ذكر ما يتعلق بأفضلية القرون الثلاثة، وذكر المسائل المتعلقة بها، ووجوه وأدلة خيرية هذه الأمة.
الأول: شرح الحديث:
(مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ومَعَنا أبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرّاحِ) وهُوَ أحَدُ العَشَرَةِ المُبَشَّرَةِ، (فَقالَ)، أيْ: أبُو عُبَيْدَةَ
والمَعْنى: أنَّهُمْ خَيْرٌ مِنكُمْ مِن هَذِهِ الحَيْثِيَّةِ، وإنْ كُنْتُمْ خَيْرًا مِنهُمْ مَن جِهَةِ المُسابَقَةِ، والمُشاهَدَةِ، والمُجاهَدَةِ. انتهى من [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي القاري رحمه الله].
فيه من الفوائد:
1) “أنَّ أهْلَ الدِّينِ والإيمانِ كُلَّهُم أُخوةٌ في دِينِهِم.
2) الفرقُ بين الإيمان بالمُشاهَدةِ والإيمانِ بالخَبرِ؛ فإنَّ المُشاهَدَةَ عينُ يَقينٍ، والإخبارَ عِلمُ يَقينٍ، وبينهما فرقٌ.”.[الموسوعة الحديثية].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
سبق ذكر بعض المسائل المتعلقة بالباب في٠ الصحيح المسند (1196) وغيرها، ومن المسائل التي لم تذكر
(المسألة الأولى): أحاديث في فَضْلُ مَن آمَنَ بالنبي ﷺ ولَمْ يَرَه
أورد الوادعي رحمه الله في كتاب الإيمان أيضًا، بعد حديث الباب:
1) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٣ ص ١٥٥): حدثنا هاشم بن القاسم، قال: حدثنا حسن، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله ﷺ: «طوبى لمن آمن بي ورأني مرة، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني سبع مرات».
٤٩-قال الإمام أحمد (ج٣ص١٥٥): حَدَّثَنا هاشِمُ بْنُ القاسِمِ قالَ حَدَّثَنا جَسْرٌ عَنْ ثابِتٍ عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وعلى آله وسَلَّمَ طُوبى لِمَن آمَنَ بِي ورَآنِي مَرَّةً وطُوبى لِمَن آمَنَ بِي ولَمْ يَرَنِي سَبْعَ مِرارٍ.
الحديث كسابقه أفادنا به الأخ على المغربي حفظه الله وانظر«مجمع الزوائد» (ج١٠ص٦٦).
قال مقبل في أحاديث معلة:
قد كنت حكمت على الحديث في الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين فأفادنا الأخ على المغربي حفظه الله أن جسرًا وهو ابن فرقد تصحف إلى حسن كما في مجمع الزوائد (ج١ص٦٧) وجسر ضعيف كما في«لسان الميزان»عن النسائي .
وحذف من الطبعة الأخيرة للصحيح المسند
قال محققو المسند(جسر )
تحرف في (م) و(س) و(ق) إلى: حسن، والتصويب من (ظ ٤).
(٤) حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لضعف جسر -وهو ابن فرقد
وقال الإمام أحمد في مسنده
١١٦٧٣ – حَدَّثَنا حَسَنٌ، قالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ لَهِيعَةَ، قالَ: حَدَّثَنا دَرّاجٌ أبُو السَّمْحِ، أنَّ أبا الهَيْثَمِ، حَدَّثَهُ عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أنَّ رَجُلًا قالَ لَهُ: يا رَسُولَ اللهِ، طُوبى لِمَن رَآكَ، وآمَنَ بِكَ، قالَ: «طُوبى لِمَن رَآنِي وآمَنَ بِي، ثُمَّ طُوبى، ثُمَّ طُوبى، ثُمَّ طُوبى لِمَن آمَنَ بِي ولَمْ يَرَنِي»، قالَ لَهُ رَجُلٌ: وما طُوبى؟ قالَ: «شَجَرَةٌ فِي الجَنَّةِ مَسِيرَةُ مِائَةِ عامٍ، ثِيابُ أهْلِ الجَنَّةِ تَخْرُجُ مِن أكْمامِها»
[ وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 7370].
قال محققو المسند:
إسناده ضعيف كسابقه دون قوله: «طوبى لمن رآني وآمن بي، وطوبى لمن آمن بي ولم يرني» فحسن لغيره.
وله شاهد من حديث أنس١٥٥.
٢٢١٣٨- حَدَّثَنا مُوسى بْنُ داوُدَ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ أيْمَنَ، عَنْ أبِي أُمامَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «طُوبى لِمَن رَآنِي وآمَنَ بِي، وطُوبى لِمَن آمَنَ بِي ولَمْ يَرَنِي سَبْعَ مِرارٍ»
قال محققو المسند:حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف لجهالة أيمن -وهو ابن مالك الأشْعري-
وآخر من حديث أبي أمامة، سيرد ٥/٢٤٨.
وثالث من حديث أبي عبد الرحمن الجهني، سيرد ٤/١٥٢.
ورابع من حديث أبي هريرة عند ابن حبان (٧٢٣٢).
وخامس من حديث عبد الله بن بسر عند الحاكم ٤/٨٦.
وسادس من حديث ابن عمر عند الطيالسي (١٨٤٥).
ولا يخلو إسناد واحدٍ منها من مقال غير حديث أبي عبد الرحمن الجهني فإسناده حسن على قول من أثبت صحبته.
قال السندي: قوله: «طوبى ثم طوبى ثم طوبى» إلخ: كأنه قصد به تعظيم إيمان من لم يره، لأنه آمن بغير صرف (أي حيلة)، بخلاف من رآه فإنه قد شاهد من المعجزات والآيات ما جعل الأمر عنده كالعِيان.
2) – قال الإمام أحمد الله (ج ٣ ص ١٥٥): حدثنا هاشم بن القاسم، حدثنا حسن، عن ثابت، عن أنس، قال: قال رسول الله ﷺ: «وددتُ أني لقيت إخواني» قال: قال أصحاب النبي ﷺ: أوليس نحن إخوانك؟ قال: «أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني».
قال محققو المسند:
تحرف في (م) و(س) و(ق) إلى: حسن، والتصويب من (ظ ٤).
والحديث حسن لغيره، وهذا إسناد ضعيف كسابقه.
وأخرجه أبو يعلي (٣٣٩٠)، والطبراني في «الأوسط» (٥٤٩٠) من طريق أبي عبيدة الحداد، عن محتسب بن عبد الرحمن، عن ثابت، عن أنس، وإسناده ضعيف لضعف محتسب.
وله شاهد من حديث أبي هريرة، سلف برقم (٧٩٩٣)، وهو صحيح. وعزوه لصحيح مسلم ٢٤٩
وسيأتي
3) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قالَ: «لَيَأْتِيَنَّ عَلى أحَدِكُمْ زَمانٌ، لَأنْ يَرانِي أحَبُّ إلَيْهِ مِن أنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أهْلِهِ ومالِهِ»، (خ) ٣٥٨٩
4) عن أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ، فَذَكَرَ أحادِيثَ مِنها: وقالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ فِي يَدِهِ لَيَأْتِيَنَّ عَلى أحَدِكُمْ يَوْمٌ ولا يَرانِي، ثُمَّ لَأنْ يَرانِي أحَبُّ إلَيْهِ مَن أهْلِهِ ومالِهِ مَعَهُمْ» قالَ أبُو إسْحاقَ: المَعْنى فِيهِ عِنْدِي، لَأنْ يَرانِي مَعَهُمْ أحَبُّ إلَيْهِ مِن أهْلِهِ ومالِهِ، وهُوَ عِنْدِي مُقَدَّمٌ ومُؤَخَّر. (م) ١٤٢ – (٢٣٦٤).
– عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، قالَ: وقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيَأْتِيَنَّ عَلى أحَدِكُمْ يَوْمٌ لا يَرانِي، ثُمَّ لَأنْ يَرانِي أحَبُّ إلَيْهِ مِن أهْلِهِ ومالِهِ» (رقم طبعة با وزير: ٦٧٢٧)، (حب) ٦٧٦٥ [قال الألباني]: صحيح: خ (٣٥٨٩)، م (٨/ ١٤٥).
5) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قالَ: «مِن أشَدِّ أُمَّتِي لِي حُبًّا، ناسٌ يَكُونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحَدُهُمْ لَوْ رَآنِي بِأهْلِهِ ومالِهِ»، (م) ١٢ – (٢٨٣٢)
6) قال الترمذي حَدَّثَنا إسْماعِيلُ بْنُ مُوسى الفَزارِيُّ ابْنُ بِنْتِ السُّدِّيِّ الكُوفِيِّ قالَ: حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ شاكِرٍ، عَنْ أنَسِ بْنِ مالِكٍ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَأْتِي عَلى النّاسِ زَمانٌ الصّابِرُ فِيهِمْ عَلى دِينِهِ كالقابِضِ عَلى الجَمْرِ»: هَذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِن هَذا الوَجْهِ وعُمَرُ بْنُ شاكِرٍ شَيْخٌ بَصْرِيٌّ قَدْ رَوى عَنْهُ غَيْرُ واحِدٍ مِن أهْلِ العِلْمِ، (ت) ٢٢٦٠ [قال الألباني]: صحيح
– عن أبي أُمَيَّةَ الشَّعْبانِيُّ، قالَ: أتَيْتُ أبا ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيَّ، فَقُلْتُ: يا أبا ثَعْلَبَةَ كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: ﴿لا يَضُرُّكُمْ مَن ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتُمْ﴾ [المائدة ١٠٥]؟، قالَ: أما واللَّهِ لَقَدْ سَألْتَ عَنْها خَبِيرًا: سَألْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فقالَ: «بَلِ ائْتَمِرُوا بِالمَعْرُوفِ وتَناهَوْا عَنِ المُنْكَرِ، حَتّى إذا رَأيْتَ شُحًّا مُطاعًا، وهَوًى مُتَّبَعًا، ودُنْيا مُؤْثَرَةً، وإعْجابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ، ودَعْ أمْرَ العَوامِّ، فَإنَّ مِن ورائِكُمْ أيّامًا، الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ قَبْضٍ عَلى الجَمْرِ، لِلْعامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ»، قالَ وزادَنِي غَيْرُهُ يا رَسُولَ اللَّهِ، أجْرُ خَمْسِينَ مِنهُمْ؟، قالَ: «خَمْسِينَ مِنكُمْ» (رقم طبعة با وزير: ٣٨٦)، (حب) ٣٨٥ [قال الألباني]: ضعيف – «المشكاة» (٥١٤٤)، لكن فقرة أيام الصبر ثابتة – «الصحيحة» (٤٩٤ و٩٥٧).[المسند الموضوعي].
(المسألة الثانية): خلاصة فوائد الباب
” أولاها: جواز زيارة القبور، غير أن الجواز مقيد بكونها على الصفة التي وقعت من رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- ومن أصحابه- رضوان الله عليهم-.
وصفة الزيارة في هذا الحديث مركبة من ثلاثة أشياء: أحدها: حق الدعاء للموتى،
ثانيها: الاعتبار بحالهم .
ثالثها: دعاء الزائر لنفسه بحسن الخاتمة.
الأول: مستفاد من جملة (السلام عليكم). والثاني: مستفاد من جملة (وإنا بكم لاحقون). والثالث: مستفاد من جملة (إن شاء الله).
فقد قال أبو القاسم الجوهري معناه: «لا نبدل ولا نغير، نموت على ما متم عليه إن شاء الله تعالى» نقله الباجي في شرح الموطأ.
الفائدة الثانية: تسميته- صلى الله عليه وآله وسلم- لمن لم يره من أمته بإخوانه.
فنحن من أخوانه- صلى الله عليه وآله وسلم- وكفى بهذه النسبة شرفا.
فما على المسلم إلا أن يعمل بسنة نبيه – صلى الله عليه وآله وسلم- حتى تتحقق فيه هذه النسبة.
وليس من الأدب ومن الإيمان أن يستضعف المسلم هذه النسبة ويحاول تقويتها بنسبة أخرى إلى شخص آخر ككونه خوني فلان أو حبيبه أو درويشه [خوني وحبيب ودرويش مترادفة معناها: مريد].
وعدم تسميته- صلى الله عليه وآله وسلم- لأصحابه بالإخوان يدل على فضل الصحبة، وإن لها مزية زائدة على مطلق الأخوة. وهذا لا خلاف فيه.
الفائدة الثالثة: عنايته- صلى الله عليه وآله وسلم- بأمته في الآخرة كما كان حريصا على هدايتهم في الدنيا يدل لهذه العناية، قوله: (وأنا فرطهم على الحوض). قال الباجي في شرحه: يريد أنه يتقدمهم إليه ويجدونه عنده. رواه ابن حبيب عن مالك.
يقال فرطت القوم: إذا تقدمتهم لترتاد لهم الماء وتهيء لهم الماء والرشاء.
الفائدة الرابعة: إن عنايته- صلى الله عليه وآله وسلم- بأمته في الآخرة خاصة بالثابتين على سنته منهم، فأما المبتدعون الذين بدلوا سنته وأحلوا محلها بدعتهم فإنه- صلى الله عليه وآله وسلم- يبعدهم عنه بقوله: فسحقا فسحقا فسحقا.
ثم هذا الإبعاد معناه الحرمان من ماء الحوض في وقت شدة الحاجة إليه.
فإن كان الابتداع والتبديل بالمروق من الدين فالإبعاد حرمان من الشفاعة أيضا، ويبقى ذلك المبتدع مخلدا في النار وإن كان الابتداع لا يخرج من الدين، فالإبعاد عن الحوض لا يمنع المبتدع أن تناله الشفاعة، غير أن في الإبعاد عن الحوض عذابا بالظمأ وخزيا بالطرد.
نسأل الله أن يحيينا على سنة رسوله الكريم وأن لا يحرمنا من ماء حوضه العذب ولا من شفاعته المرجوَّة”. [آثار الصنهاجي رحمه الله (2/315)].
(المسألة الثالثة): رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لأخوانه
“(ودِدْتُ أنّا قَدْ رَأيْنا إخْوانَنا») معناه: تمنّيتُ رؤيتنا إخواننا في الحياة الدنيا،
قال القاضي عياض رحمهُ اللهُ: وقيل: المراد تمني لقائهم بعد الموت، وقال بعضهم: أراد ﷺ أن ينقُل أصحابه من علم اليقين إلى عين اليقين، فيراهم هو ومن معه.
وقال القرطبيّ رحمهُ اللهُ: هذا يدلّ على جواز تمنّي لقاء الفضلاء والعلماء، وهذه الأخوّة هي أخوّة الإيمان اليقينيّ، والحبّ الصحيح للرسول ﷺ. انتهى [ «المفهم» ١/ ٥٠١].
(المسألة الرابعة):
وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: قال الإمام الباجيّ رحمهُ اللهُ: ليس نفيًا لأُخُوَّتهم، ولكن ذكر مرتبتهم الزائدة بالصحبة، فهؤلاء إخوةٌ صحابةٌ، والذين لم يأتوا إخوة ليسوا بصحابة، كما قال الله تعالى: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ﴾ [الحجرات ١٠].
ونقل أيضا الزرقاني كلام الباجي [راجع «شرح الزرقانيّ على الموطّأ» ١/ ٦٣].
(وإخْوانُنا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ») «إخواننا» مبتدأ خبره الموصول، قال الحافظ ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ: ظاهر هذا الكلام أن إخوانه ﷺ غير أصحابه، فأصحابه هم الذين رأوه، وصحبوه مؤمنين، وإخوانه هم الذين آمنُوا به، ولم يروه، وقد جاء منصوصًا عنه ﷺ، والإخوان والإخوة هنا معناهما سواءٌ، وقد قُرِئت: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأصْلِحُوا بَيْنَ أخَوَيْكُمْ﴾ الآية [الحجرات ١٠]، و«بين إخوتكم»، و«بين إخوانكم»، وقد رُوي عن الحسن البصريّ أنه قرأ بهذه الثلاث [في الحاشية” “هكذا عند ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ، والذي في تفسير القرطبيّ رحمهُ اللهُ: أن الحسن قرأ «إخوانكم» بالنون، وأن ابن سيرين، ونصر بن عاصم، وأبا العالية، والجحدريّ قرأوا «بين إخوتكم»، بالتاء على الجمع، والباقون ﴿أخَوَيْكُمْ﴾ على التثنية، وحكى أبو حيان في «البحر» الخلاف عن الحسن، قال: وقرأ أبو عمرو بالثلاث”. انتهى من الحاشية]، قرأ ﴿بَيْنَ أخَوَيْكُمْ﴾، و«إخوتكم»، و«إخوانكم»، قال أبو حاتم: والمعنى واحد، ألا ترى إلى قوله: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ﴾، وقوله: ﴿أوْ بُيُوتِ إخْوانِكُمْ أوْ بُيُوتِ أخَواتِكُمْ﴾ الآية [النور ٦١]، إلا أن العامة أُولعَت بأن تقول: إخوتي في النسب، وإخواني في الصداقة. وممن قرأ: «فأصلحوا بين إخوانكم» ثابت البنانيّ، وعاصم الجحدريّ، ورُوي ذلك عن زيد بن ثابت، وابن مسعود، ويعقوب: «إخوتكم»، وقراءة العامّة: ﴿أخَوَيْكُمْ﴾ على اثنين في اللفظ.
وأما الأصحاب: فمن صَحِبَك وصحبته، وجائز أن يُسَمّى الشيخُ صاحبًا للتلميذ، والتلميذ صاحبًا للشيخ، والصاحب: القرين المماشي المصاحب، فهؤلاء كلهم أصحابٌ، وصحابة. انتهى كلام ابن عبد البرّ رحمهُ اللهُ [«التمهيد» ٢٠/ ٢٤٣ – ٢٤٤].
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في معنى «طوبى»:
(اعلم): أنه اختَلَف المفسرون في معنى «طُوبى» من قوله تعالى: ﴿طُوبى لَهُمْ وحُسْنُ مَآبٍ﴾ [الرعد ٢٩].
قال ابن أبي طلحة، عن ابن عباس – رضي الله عنهما -: فَرَحٌ، وقُرّة عين، وقال عكرمة: نِعْمَ مالهم، وقال الضحاك: غِبْطَةٌ لهم، وقال إبراهيم النخعيّ: خيرٌ لهم، وقال قتادة: هي كلمة عربية، يقول الرجل: طوبى لك، أي: أصَبْتَ خيرًا، وقال في رواية: ﴿طُوبى لَهُمْ﴾: حُسْنى لهم، ﴿وحُسْنُ مَآبٍ﴾؛ أي: مَرْجِع.
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله -: وهذه الأقوال شيءٌ واحدٌ، لا منافاة بينها.
وقال سعيد بن جبير، عن ابن عباس – رضي الله عنهما -: ﴿طُوبى لَهُمْ﴾ قال: هي أرض الجنة بالحبشية، وقال سعيد بن مَسْجُوح [وقيل: ابن مشجوج، وقيل: ابن مسجوع، هكذا جاء مختلفًا في المخطوطة عند ابن جرير، أفاده الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله -، في نسخته ١٦/ ٤٣٦ رقم الحديث (٢٠٣٧٦) وأثبت ابن مشجوج، وقال: لم أجد له ذكرًا في كتب الرجال]: ﴿طُوبى﴾ واسم الجنة بالهندية، رَوى السُّدّيّ، عن عكرمة: ﴿طُوبى لَهُمْ﴾ هي الجنة، وبه قال مجاهد، وقال العَوْفيّ، عن ابن عباس: لَمّا خلق الله الجنة، وفَرَغ منها قال: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وحُسْنُ مَآبٍ (٢٩)﴾ [الرعد ٢٩]، وذلك حين أعجبته [العوفيّ، ضعيف].
وقال ابن جرير: حدثنا ابن حُميد، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن شهر بن حوشب، قال: ﴿طُوبى﴾ شجرة في الجنة، كلُّ شجر الجنة من أغصانها، من وراء سور الجنة [شيخ ابن جرير محمد بن حُميد الرازيّ: حافظ ضعيف].
وهكذا رُوي عن أبي هريرة، وابن عباس، ومُغيث بن سُمَيّ، وأبي إسحاق السبيعي، وغير واحد من السلف: أن طوبى شجرة في الجنة، في كل دار منها غُصن منها.
وقد قال عبد الله بن وهب: حدثنا عمرو بن الحارث، أن دَرّاجًا أبا السمح، حدثه عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخدريّ، مرفوعًا: «طوبى شجرة في الجنة، مسيرة مئة سنة، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها» [سنده ضعيف؛ لضعف درّاج، ولا سيّما في أبي الهيثم، إلا أنه صحيح بشواهده، راجع: «السلسلة الصحيحة» للشيخ الألبانيّ – رحمه الله – ٤/ ٦٣٩ رقم (١٩٨٥)].
وأخرج الإمام أحمد في «مسنده» عن أبي سعيد الخدريّ – رضي الله عنه -، عن رسول الله ﷺ أن رجلًا قال: يا رسول الله طوبى لمن رآك، وآمن بك، قال: «طوبى لمن رآني، وآمن بي، وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي، ولم يرني»، قال له رجل: وما طوبى؟ قال: «شجرة في الجنة، مسيرتها مئة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها» [في سنده درّاج عن أبي الهيثم، وهو ضعيف كما سبق قبله، لكنه صحيح بشواهده، انظر: «السلسلة الصحيحة» للشيخ الألبانيّ – رحمه الله – ٣/ ٢٤٤ – ٢٤٦ رقم (١٢٤١)].
وأخرج الشيخان عن أبي حازم، عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – أن رسول الله ﷺ قال: «إن في الجنة شجرةً يسير الراكب في ظلها مئة عام، لا يقطعها»، قال: فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزُّرَقيّ، فقال: حدثني أبو سعيد الخدريّ، عن النبيّ ﷺ قال: «إن في الجنة شجرة، يسير الراكب الجواد المُضمِر السريع مائة عام ما يقطعها».
وفي «صحيح البخاريّ» عن أنس – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ في قول الله تعالى: ﴿وظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠)﴾ [الواقعة ٣٠] قال: «في الجنة شجرةٌ يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها».
وأخرج الشيخان عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله ﷺ: «في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرأوا إن شئتم ﴿وظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠)﴾.
وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال:»طوبى شجرة في الجنة، يقول الله لها: تَفَتّقي لعبدي عما شاء، فتفتق له عن الخيل بسروجها ولُجُمها، وعن الإبل بأزمتها، وعما شاء من الكسوة«[في سنده شهر بن حوشب؛ مختلف فيه، والصحيح أنه حسن الحديث، راجع هذه الآثار في:»تفسير ابن جرير«١٦/ ٤٣٦، و»تفسير ابن كثير” ٨/ ١٤١ – ١٤٨ طبعة مؤسسة قرطبة للطبع والنشر].
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: هذه الأقوال في الحقيقة ليس بينها تعارض، بل هي من تنوّع العبارات، واللفظ محتمل لكلّها، فحمله على جميعها هو الأولى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [البحر المحيط الثجاج].