1214 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1214):
مسند أبي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه
قال ابن أبي عمر كما في «المطالب العالية» (ج ١ ص ٢٠١ رقم ٤٥٧): حدثنا الفضل بن دكين، عن عبد الجبار بن عباس، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرِهِ الَّذِي نامُوا فِيهِ- إذْ طَلَعَتْ عَلَيْهِمُ الشَّمْسُ، ثم قال ﷺ: «إنَّكُمْ كُنْتُمْ أمْواتًا فَرَدَّ اللَّهُ تَعالى إلَيْكُمْ أرْواحَكُمْ، فَمَن نامَ عَنْ صَلاةٍ فَلْيُصَلِّها إذا اسْتَيقَظَ، ومَن نَسِيَ صَلاةً فَلْيُصَلِّها إذا ذَكَرَها».
هذا حديث حسنٌ.
===================
الحديث أنكره العقيلي وابن عدي على عبد الجبار بن عباس
وسيأتي نقل كلامهما
الحديث سيكون من وجوه:
الوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
في كتاب الصلاة، ١٢٩ – من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، (1012)، وأيضًا: ٢٢٧ – ليس من البر الصوم في السفر، والصوم جائز إذا لم يضعفه عن لقاء العدو، (1142).
وقال محققو (المطالب العالية) ط: – دار العاصمة للنشر والتوزيع – دار الغيث للنشر والتوزيع الطبعة: الأولى-:
“٤٤٢ – تخريجه:
هو في مسند أبي بعلى (٢/ ١٩٢: ٨٩٥).
وذكره الهيثمي في المقصد العلى (ص ٢٨٣: ٢٠٣).
وأيضًا (المجمع ١/ ٣٢٢)، وقال: رواه أبو يعلى، والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات. اهـ.
قلت: فيه عبد الجبار بن العباس الشبامي، وهو صدوق ربما أخطأ، وهو شيعي .
وذكره البوصيري (الإتحاف ١/ ٢١٨ أ)، كتاب افتتاح الصلاة، باب لا تفريط على من نام عن صلاة أو نسيها حتى ذهب وقتها، وعليه قضاؤها إذا ذكرها لا كفارة لها إلّا ذلك، وعزاه لأبي بكر بن أبي شبية، وأبي يعلى، وقال: هذا إسناد حسن؛ عبد الجبار بن عباس مختلف في توثيقه وباقي رجال الإسناد محتج بهم في الصحيح. اهـ.
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في مصنفه (٢/ ٦٤)، كتاب الصلوات، الرجل ينسى الصلاة أو ينام عنها؛ والعقيلي في الضعفاء الكبير (٣/ ٨٨)، في ترجمة عبد الجبار بن عباس؛ والطبراني في الكبير (٢٢/ ١٠٧: ٢٦٨).
من طريق أبي نعيم الفضل بن دكين، به مثله، إلّا أنه عند العقيلي مختصرًا.
قال العقيلي: لا يحفظ من حديث أبي جحيفة إلّا عن هذا الشيخ -يعني عبد الجبار بن عباس- وقد روي هذا عن أبي قتادة وغيره بأسانيد جياد. اهـ.
ورواه ابن عدي في الكامل (٥/ ١٩٦٣) في ترجمة عبد الجبار بن عباس. من طريق أبي قتيبة -وهو سلم بن جنادة- ثنا عبد الجبار بن عباس، به نحوه.
قال ابن عدي: وهذا لا أعلم يرويه عن عون بن أبي جحيفة غير عبد الجبار هذا. اهـ.
الحكم عليه:
الحديث بهذا الإسناد فيه عبد الجبار بن عباس الشبامي، وهو شيعي صدوق ربما أخطأ، وقد تفرد بهذا الحديث عن عون بن أبي جحيفة -قاله العقيلي وابن عدي-. لذا فالحديث ضعيف، لكن تغني عنه أحاديث أخرى ، وسبق بعضها في حديث رقم ٤٤١ .
ومن الأحاديث:
١ – عَنْ أبِي قَتادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قالَ: سِرْنا مع النبي ﷺ ليلة، فقال بعض القوم: لو عرَّست بنا يا رسول الله. قال: «أخاف أن تناموا عن الصلاة»، قال بلال: أنا أوقظكم. فاضطجعوا، وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام. فاستيقظ النبي ﷺ وقد طلع حاجب الشمس، فقال: «يا بلال أين ما قلت؟»قال: (ما أُلقيت عليَّ نومة مثلها قط”. قال: «إن الله قبض أرواحكم حين شاء، وردها حين شاء، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة» فتوضأ، فلما ارتفعت الشمس، وأبيضت قام فصلى. وفي رواية للترمذي والنسائي وغيرهما: «فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها».
رواه البخاري (٢/ ٦٦: ٥٩٥)، واللفظ له؛ ومسلم (١/ ٤٧٢: ٦٨١) بنحوه مطولًا؛ وأبو داود (١/ ٣٠٤، ٣٠٥، ٣٠٦: ٤٣٧، ٤٣٨، ٤٣٩)؛ والترمذي (١/ ٣٣٤: ١٧٧)؛ والنسائي (١/ ٢٩٤: ٦١٥، ١٠٥/ ٢: ٨٤٦)
٢ – وعن عمران بن حصين رضي الله عنه، نحو حديث أبي قتادة، في ذكر نومهم آخر الليل وطلوع الشمس ولم يصلوا الفجر.
رواه البخاري (١/ ٤٤٧: ٣٤٤)؛ ومسلم (١/ ٤٧٤: ٦٨٢)، وهو عندهما مطولًا؛ وأبو داود (١/ ٣٠٨: ٤٤٣) -مختصرًا -؛ وابن أبي شيبة (٢/ ٦٧)؛ وأحمد (٤/ ٤٣١، ٤٤١)، والطحاوي (١/ ٤٠٠)؛ والبيهقي (٢/ ٢١٧)”. .
وقالوا أيضًا في حاشية الحديث عند (عَنْ عَبْدِ الجَبّارِ بْنِ عَيّاشٍ): “هكذا في جميع النسخ: (عياش) بالياء التحتية والشين المعجمة. وهو تصحيف، والصواب: (عباس)، بالباء الموحدة والسين المهملة بيهما ألف”. انتهى.
الأول: شرح الحديث:
«إذا رقد أحدكم عن الصلاة، أو غَفَلَ عنها، فليُصلّها إذا ذكرها»، أي: وقت ذكرها، وفيه أن جميع الأوقات وقت للصلاة الفائتة، فلو تذكّرها وقت الطلوع، أو الغروب قضاها، وليس عليه أن ينتظر خروج وقت النهي؛ لأن ذلك الوقت وقت أدائها، كما هو ظاهر هذا الحديث.
قال الحافظ أبو عمر ابن عبدالبر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ليس في تخصيص الناسي والنائم بالذكر في قضاء الصلاة، ما يُسْقِط قضاءها عن العامد؛ لتركها حتى يَخْرُج وقتها، بل فيه أوضح الدلائل على أن العامد المأثوم أولى أن يؤمر بالقضاء من الناسي المتجاوَزِ عنه، والنائمِ المعذورِ، وإنما ذَكَر النائم والناسي؛ لئلا يَتَوَهَّم متوهم أنهما لما رُفِع عنهما الإثم سقط القضاء عنهما فيما وجب عليهما، فأبان ﷺ أن ذلك غير مسقط عنهما قضاء الصلاة، وأنها واجبة عليهما متى ما ذكراها، والعامدُ لا محالة ذاكرٌ لها، فوجب عليه قضاؤها، والاستغفار من تأخيرها؛ لعموم قوله ﷺ: »فإن اللَّه تعالى يقول: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه ١٤] «، وقد قضاها ﷺ بعد خروج وقتها يوم الخندق من غير نسيان، ولا نوم، إلا أنه شُغِل عنها، وأجاز من أدرك ركعة من العصر أن يصلي تمامها بعد خروج وقتها. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- [«التمهيد» ٦/ ٣٩٥ – ٣٩٦]، وهو تحقيقٌ حسنٌ، وسيأتي تمام البحث -إن شاء اللَّه تعالى-.[البحر المحيط]
قال النوويّ:
واختلفوا، هل كان هذا النوم مرة أو مرتين؟ وظاهر الأحاديث مرتان. انتهى. ورجحه ابن حجر لاختلاف السياق
فوائد الحديث:
١ – (منها): بيان وجوب قضاء الفائتة.
٢ – (ومنها): إثبات الإقامة للفائتة، وفيه إشارة إلى ترك الأذان لها، على ما قيل، وفي حديث أبي قتادة -رضي اللَّه عنه- الآتي إثبات الأذان للفائتة، وفي المسألهَ خلاف مشهور، والأصح ثبوت الأذان والإقامة لها؛ لحديث أبي قتادة وغيره من الأحاديث الصحيحة، وأما ترك ذكر الأذان في حديث أبي هريرة هذا وغيره فجوابه من وجهين:
[أحدهما]: لا يلزم من ترك ذكره أنه لم يُؤَذِّن، فلعله أذَّن وأهمله الراوي، أو لم يَعْلَم به.
[والثاني]: لعله ترك الأذان في هذه المرة؛ لبيان جواز تركه، وإشارةً إلى أنه ليس بواجب متحتم، لا سيما في السفر، وفيه بُعد، والصواب الجواب الأول؛ فقد تقدّم أمره ﷺ بالأذان والإقامة في السفر في حديث مالك بن الحويرث -رضي اللَّه عنه-، فتنبّه.
٣ – (ومنها): بيان وجوب قضاء الفريضة الفائتة، سواء تركها بعذر، كنوم، ونسيان، أم بغير عذر، وإنما قَيَّد في الحديث بالنسيان؛ لخروجه على سبب؛ لأنه إذا وجب القضاء على المعذور، فغيره أولى بالوجوب، وهو من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وسيأتي تمام البحث فيه قريبًا.
٤ – (ومنها): أن قوله ﷺ: «فليصلِّها إذا ذكرها»، فمحمول على الاستحباب، فإنه يجوز تأخير قضاء الفائتة بعذر على الصحيح.
٥ – (ومنها): ما قاله ابن عبد البرّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفيه أن رسول اللَّه ﷺ كان ينام أحيانًا نومًا يشبه نوم الآدميين، وذلك إنما كان منه غِبًّا لمعنى يريد اللَّه إحداثه، وليس لأمته سنةٌ تبقى بعده، يَدُلُّك على ذلك قوله ﷺ: «إني لأنسى، أو أُنَسّى لأسُنّ»[هذا ذكره مالك في «الموطّأ» من بلاغاته]، وفي حديث العلاء بن خبّاب أن النبيّ ﷺ قال: «لو شاء اللَّه لأيقظنا، ولكن أراد أن تكون سنةً من بعدكم».
وأما طبعه، وجبلّته وعادته المعروفة منه، ومن الأنبياء قبله، فَما حكاه عن نفسه ﷺ: «إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي»، فأطلق ذلك عن نفسه إطلاقًا غير مقيد بوقت.
وفي حديث آخر: «إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا، ولا تنام قلوبنا»، فأخبر أن كل الأنبياء كذلك، ومما يصحِّحُ ذلك قوله ﷺ لأصحابه: «تَراصُّوا في الصفّ، فإني أراكم من وراء ظهري»، متّفقٌ عليه.
فهذه جبلته وخلقته، وعادته ﷺ، فأما نومه في السفر عن الصلاة، فكان خرق عادته؛ لِيَسُنّ لأمته، ويُعَرِّفهم بما يجب على من نام منهم عن صلاته حتى يخرج وقتها، وكيف العمل في ذلك، وجعل اللَّه نومه سببًا بما جرى له في ذلك النوم من تعليمه أمته، وتبصيرهم.
قال: وبهذا تتّفق الآثار الواردة في هذا المعنى، وتأتلف، وغير جائز حمل أخباره ﷺ إذا صحت عنه على التناقض عند أهل الإسلام؛ لأنه لا يجوز فيها النسخ.
قال: فإن قال قائل: إن في قوله ﷺ: «من يكلأ لنا الصبح» دليلًا على أن عادته النوم.
قيل له: لم تُمْعِن النظر، ولو أمعنته لعلمت أن المعنى: مَن يَرْقُب لنا انفجار الصبح، فيُشْعِرنا به في أول طلوعه؛ لأن مَن نامت عيناه لم ير هذا في أوله، ونوم العين يمنع من مثل هذا، لا نوم القلب، وكان شأنه ﷺ التغليسَ بالصبح، وكان بلال من أعلم الناس بذلك، فلذلك أمره بمراقبة الفجر، لا أن عادته ﷺ كانت النوم المعروف من سائر الناس. انتهى.
٦ – (ومنها): أن قوله ﷺ: «من نسي صلاةً، أو نام عنها، فليصلها إذا ذكرها»، دليل على أن من تذكّر صلاة، أو انتبه من نومه يصلي صلاته التي تذكّرها أو انتبه إليها في أيّ وقت كان، على ظاهر الحديث، وقد اختلف العلماء في ذلك، وسيأتي تحقيقه قريبًا -إن شاء اللَّه تعالى-. [البحر المحيط].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): “في اختلاف أهل العلم في قضاء الفائتة في أوقات النهي:
قال الإمام أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختلفوا فيمن نسي الصلاة فذكرها في الأوقات التي نُهي عن الصلاة فيها،
فقالت طائفة: لا تقضى الفوائت في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وروي ذلك عن أبي بكرة، وكعب -قال ابن المنذر: أحسبه ابن عجرة -رضي اللَّه عنهما-.
وقد احتجّ بعضهم لهذا القول بالأخبار التي رويناها عن رسول اللَّه ﷺ في نهيه عن الصلاة في الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها، وبأن النبيّ ﷺ لما استيقظ عند طلوع الشمس أخّر الصلاة حتى ترتفع الشمس، ثم صلاها.
وقال آخرون: يقضي في تلك الأوقات الواجب من الصلاة، والنهيُ للتطوع فقط؛ لقول النبيّ ﷺ: «من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر».
ولقوله: «لا يتحرى أحدكم، فيصلي عند طلوع الشمس، وعند غروبها»، وإنما نُهِي عن ذلك مَن قصد التطوع دون الفرض؛ لأن مَن نسي الفرض فلم يذكره إلا وقت طلوع الشمس أو وقت غروبها لم يتحرّ الصلاة في ذلك الوقت، إنما أدركه فرض الصلاة فيه.
وأما من تأوّل ارتحال النبيّ ﷺ من المكان الذي انتبهوا فيه، فليس لهم فيه حجة؛ لأنهم لم ينتبهوا إلا بحرّ الشمس، وإنما ارتحل النبيّ ﷺ من ذلك المكان للعلة التي أخبر بها، قال: «إن هذا مكان حَضَرَنا فيه شيطان، فارتَحِلُوا منه».
وقد ثبت أنه ﷺ قال: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها»، وتلا أيضًا: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه ١٤].
وممن رُوِي عنه أنه قال: «إذا نام عن صلاة أو نسيها صلاها متى استيقظ أو ذَكَرَ»، عليُّ بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه-، وقال ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- في رجل نسي صلاة: يصليها إذا ذكرها، وتلا: ﴿وأقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ [طه ١٤].
ورُوي عن عمران بن الحصين، وسمرة أنهما قالا: يصليها إذا ذكرها، وهذا قول أبي العالية، والنخعي، والشعبي، والحَكَم، وحماد، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.
وفيه قولٌ ثالث:
قاله أصحاب الرأي في رجل نَسِيَ صلاة، فذكرها حين طلعت الشمس أو حين انتصف النهار، أو ذكرها حين تغرب الشمس، فإنه لا يصليها في هذه الأوقات الثلاث، والوتر كذلك، ما خلا العصر، فإنه إذا ذكر العصر من يومه ذلك قبل غروب الشمس صلاها، وإن كانت العصر قد نسيها قبل ذلك بيوم أو بأيام لم يصلها في تلك الساعة، وكذلك سجدة التلاوة، والوتر، والصلاة على الجنازة، لا تقضى في شيء من هذه الساعات الثلاث.
قال الإمام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: إذا كان مذهب أهل الرأي أن يجعلوا نهي النبيّ ﷺ عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس، واقعًا على التطوع دون الفرض، فاللازم أن يجعلوا نهي النبيّ ﷺ عن الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند انتصاف النهار، واقعًا على التطوع دون الفرض، ثم ليس بين عصرِ يَوْمِهِ وبين عصرٍ قد نسيها قبل ذلك فرق، واللَّه أعلم. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- [«الأوسط»، لابن المنذر باختصار ٢/ ٤٠٨ – ٤١٣].
قال الأثيوبي: قد تبيّن بما سبق من ذكر أقوال أهل العلم، وأدلّتها أن الصحيح في هذه المسألة قول من قال: من نسي صلاة فليصلها إذا ذكر مطلقًا، أي سواء ذكرها في الأوقات التي تباح فيها الصلاة، أم في الأوقات التي تنهى فيها؛ لظهور دليله، فإن قوله: «من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها»: أي وقْتَ ذكرها نصّ ظاهرٌ في الموضوع، عامّ في كل وقت، واللَّه -تعالى- أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في وجوب القضاء على من فاتته الصلاة عامدًا:
قال الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عند قوله: «من نسي صلاة» ما حاصله: تمسّك بدليل الخطاب من قال: إن العامد لا يقضي الصلاة؛ لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي، وإلى هذا ذهب داود، وابن حزم، وبعض الشافعية.
قال ابن تيمية -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والمنازعون لهم ليسس لهم حجةٌ قط يُرَدُّ إليها عند التنازع، وأكثرهم يقولون: لا يجب القضاء إلا بأمر جديد، وليس معهم هنا أمر، ونحن لا ننازع في وجوب القضاء فقط، بل ننازع في قبول القضاء منه، وصحة الصلاة في غير وقتها، وأطال البحث في ذلك، واختار ما ذكره داود، ومن معه.
قال الشوكاني: والأمر كما ذكره، فإني لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد، وهم من عدا من ذكرنا على دليل، يَنْفِقُ في سوق المناظرة، ويصلح للتعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم إلا حديث:
«فدين اللَّه أحق أن يُقْضى» باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم، ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسًا.
قال [الأتيوبي]: لا ينقضي عجبي من مثل الشوكاني القائل بهذا الكلام! فأيَّ دليل يطلب بعد هذا النصّ العظيم؟ ! وعن أيِّ حجة يَبحث مع وضوح الحجة، واستنارة المَحَجَّة؟ ! فيا للعجب! إنه لم يستطع أن يرُدّ هذه الحجة النَّيِّرَة، بل تَحَيَّر، فإنه بعدما طوّل كلامه في الردّ على حجج القائلين بوجوب القضاء على العامد، قال: والمحتاج إلى إمعان النظر ما ذكرنا لك سابقًا من عموم حديث: «فدين اللَّه أحقّ أن يقضى»،…..
وإذا عرفتَ هذا علمت أن المقام من المضائق. انتهى كلام الشوكانيّ [«نيل الأوطار» ٢/ ٨٥ – ٨٦].
ولقد أحسن العلامة الصنعانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في المسألة، وأجاد وأفاد، حيث قال في «حاشية إحكام الأحكام» ما نصُّهُ: وأقوى شيء عندي في الاستدلال من أوجب على العامد القضاء حديث: «فدينُ اللَّه أحقُّ أن يُقْضى»؛ فإنه عامّ لكل دَين للَّه، ومعلوم أن التارك للصلاة هي دين في ذمته، وإلا لما عوقب عليها، ووجبت التوبة عن تركها بالاتفاق بين الفريقين، وكما أن دين الآدمي لا يُسقِطُهُ عن الذمة إلا قضاؤه، كذلك دين اللَّه، بل قد جعله النبيّ ﷺ أحق بالقضاء، وسواء قلنا: القضاء بأمر جديد، أو بالأمر الأول، إذ قد صارت ذمته مشغولة بها بالأمر الأول، وصارت بتركه أداءها في وقتها دينًا للَّه يعاقبه على عدم القضاء. انتهى كلامه -رَحِمَهُ اللَّهُ- [«العدة حاشية العمدة» ٢/ ٤٩٥].[البحر المحيط الثجاج].
فصل:
“اختَلفَ أهلُ العِلمِ في قضاءِ مَن ترَكَ الصَّلاة عمدًا حتى خرَج وقتُها، على قولين:
القول الأوّل: مَن ترَكَ صلاةً عمدًا حتى خرَج وقتُها لزِمَه القضاءُ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة، وحُكي الإجماعُ على ذلك.
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا: من الكتاب
قوله تعالى: وأقيموا الصَّلاة [البقرة: 43].
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه لم يُفَرِّقْ بين أن يكون في وَقْتِها أو بَعْدَها. وهو أمرٌ يقتضي الوجوبَ.
ثانيًا: من السُّنَّة
عن أنسِ بن مالكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن نَسِي صلاةً فليصلِّ إذا ذكَرَها، لا كفَّارةَ لها إلَّا ذلك؛ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي))، وفي رواية: ((مَنْ نسِيَ صلاةً، أو نام عنها، فكفَّارتها أن يُصلِّيها إذا ذكَرَها )).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّه إذا وجَبَ القضاءُ على التارِكِ ناسيًا، فالعامدُ أَوْلَى.
ثالثًا: أنَّ فِطْرَ يومٍ في رمضانَ يُوجِبُ القضاءَ، فكذلك الصَّلاةُ إذا لم تُؤَدَّ في وقتِها يجبُ قضاؤُها، وإنْ كان كلاهما آثمًا بالتأخيرِ.
رابعًا: أنَّ الديونَ التي للآدميِّين إذا كانتْ متعلِّقةً بوقتٍ، ثم جاء الوقتُ لم يَسقُطْ قضاؤُها بعدَ وجوبها- وهي ممَّا يُسْقِطُها الإبراءُ -فكان في دُيونِ اللهِ تعالى التي يصحُّ فيها الإبراءُ أَوْلى ألَّا يسقطَ قضاؤُها إلَّا بإذنٍ منه، وفي الحديث ((فدَينُ اللهِ أحقُّ أنْ يُقضَى )) .
القول الثاني: مَن ترَكَ صلاةً عَمدًا حتى خرَج وقتُها ليس عليه القضاءِ، وهو مذهبُ الظاهريَّة، واختيارُ ابنِ تَيميَّة، وابنِ رَجب، وابنِ باز، وابنِ عُثَيمين .
الأدلَّة:
أوَّلًا: من الكِتاب
قول الله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون: 4 – 5] وقوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59].
ثانيًا: من السُّنَّة
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن فاتتْه صلاةُ العصرِ فكأنَّما وُتِرَ أَهلَه ومالَه ))؛ فصحَّ أنَّ ما فاتَ فلا سبيلَ إلى إدراكِه، ولو أُدْرِكَ أو أَمْكن أنْ يُدرَكَ؛ لَمَا فات، كما لا تفوتُ المنسيَّةُ أبدًا.
ثالثًا: لأنَّ العبادةَ المؤقَّتة بوقتٍ لا بدَّ أن تكونَ في نفْسِ الوقتِ المؤقَّت، فكما لا تصحُّ قبله لا تصحُّ كذلك بعدَه.
رابعًا: أنَّ تَعمُّدَ ترْكِ الصَّلاة إلى بعدِ الوقتِ مَعصيةٌ، والمعصية لا تنوبُ عن الطاعةِ.[ الموسوعة الفقهية].
(المسألة الثالثة): فروع
الفَرعُ الأوَّل: من يلزَمُه القضاءَ ومَنْ لا يلزَمُه
الأولى: قَضاءُ المجنونِ
لا قَضاءَ على مجنونٍ فيما خرَج وقتُه من الفرائضِ، سواءٌ قلَّ زمَنُ الجنونِ أمْ كثُر، وهو مذهبُ الجمهورِ: المالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة، واختارَه ابنُ حزمٍ، وحُكيَ فيمَن كان جُنونُه مطبقًا الإجماعُ؛
قال ابنُ عبد البَرِّ: (دليل آخَر من الإجماع؛ وذلك أنَّهم أجمعوا على أنَّ المجنونَ المطْبِق لا شيءَ عليه بخروجِ الوقتِ من صلاةٍ ولا صيامٍ إذا أفاق من جُنونِه وإطباقِه) ((التمهيد)) (3/291).
وعن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((رُفِعَ القلمُ عن ثلاثةٍ: عن النائمِ حتى يستيقظَ، وعن الصبيِّ حتى يَبلُغَ، وعن المجنونِ حتى يَعقِلَ )).[رواه أبو داود (4401)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/323) (7343)، وابن حبَّان (1/356) (143)، والحاكم (1/389)، وحسَّنه البخاري في ((العلل الكبير)) (225)، وصحَّحه ابن حزم في ((المحلى)) (9/206)، والنوويُّ في ((المجموع)) (6/253) والألباني في ((صحيح أبي داود)) (4403)]،
ثانيًا: أنَّ شَرْطَ وجوبِ الصَّلاةِ العقلُ، وهو مفقودٌ في المجنونِ.[((مواهب الجليل)) للحطاب (2/136)].
الثَّانية: قضاءُ المُغمَى عليه
لا قضاءَ على المُغمَى عليه فيما خرَجَ وقتُه من الفرائضِ، سواءٌ قلَّ زمَنُ الإغماءِ أم كثُر، وهذا مذهبُ المالكيَّة، والشافعيَّة، وهو قولُ بعضِ السَّلفِ، اختارَه ابنُ المنذرِ، وابنُ حزمٍ، وابنُ عبد البَرِّ، وابنُ عُثيمين.
عن نافعٍ: (أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْه أُغمي عليه، فذَهَب عقْلُه، فلمْ يقضِ الصَّلاةَ) .
ثانيًا: أنَّ المغمى عليه لا يَعقِلُ، ولا يَفهَم؛ فالخطابُ عنه مرتفعٌ.
ثالثًا: القياسُ على المجنونِ بجامعِ زوالِ العَقلِ.
رابعًا: أنَّ القضاءَ يَنبني على وجوبِ الأداءِ، والأداءُ لا يجِبُ على المُغمَى عليه؛ فلا يجِبُ عليه القضاءُ، بخلافِ النَّومِ؛ لأنَّه باختيارِه، فلا يُعذَر.
خامسًا: أنَّه بزوالِ عَقلِه عاجزٌ عن الصَّلاةِ؛ فتَسقُط عنه.
الثالثة: قضاءُ السَّكرانِ:
مَن سَكِرَ حتَّى خرَجَ وقتُ الصَّلاةِ فَفرضٌ عليه أنْ يُصلِّيَها.
قولُ الله تعالى: لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ [النساء: 43].
أنَّه سبحانه لم يُبِحْ للسكرانِ أنْ يُصلِّيَ؛ حتى يعلمَ ما يقولُ، فإذا عَلِمَ ما يقولُ لزمتْه الصَّلاةُ؛ أداءً إنْ كان في وقتِها، أو قضاءً إنْ كان بعدَ الوقتِ، قال ابنُ عُثَيمين: (فإن قلت: أليس الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ **النساء: 43**؛ فكيف يُلْزَمُ بقضاءِ ما نُهِيَ عن قِرْبانِه؟ فالجواب: أنَّه ليس في الآية نهيٌ عن قِربان الصَّلاةِ مطلقًا؛ وإنما نهي عن قِربانها حالَ السُّكْر حتى يعلم السكرانُ ما يقول، فإذا علم ما يقول لزمتْه الصلاة أداءً إنْ كان في وَقْتِها، أو قضاءً إن كان بعد الوقت؛ ولهذا كان الأئمَّة الأربعة متَّفقينَ على أنَّ مَن زال عَقْلُه بسُكر، فإنَّه يَقضي) ((الشرح الممتع)) (2/18)، وينظر: ((المحلى)) لابن حزم (2/9).
ونقَل الإجماعَ على ذلِك: ابنُ المنذرِ، وابنُ حَزمٍ، وابنُ قُدامةَ، وابنُ نُجيمٍ.
مسألة: قضاءُ المُبنَّجِ
مَن زالَ عقلُه ببنجٍ أو دواءٍ، لزمَه القضاءُ وإنْ طالتِ المدَّة، وهو مذهبُ الحنفيَّة، والحنابلة، واختارَه ابنُ عُثيمين، وعليه فتوى اللَّجنةِ الدَّائمة؛ وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّه بصُنعِ العباد، ولا يطولُ غالبًا، فأشبه النومَ.
ثانيًا: أنَّ ذلك لا يُسقِطُ الصومَ، فكذا الصَّلاةُ.
ثالثًا: أنَّ العذرَ إذا جاءَ من جِهةِ غيرِ مَن له الحقُّ لا يُسقِطُ الحقَّ.
الفرعُ الثاني: مَنْ نسِيَ صلاةً ولم يَعرِفْ عَينَها
مَن نسِي صلاةً أو صلاتين أو ثلاثًا أو أربعًا من الخمس، ولم يَعرِف عينَها، لزِمَه أن يُصلِّيَ خمسَ صلواتٍ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة.
وذلك للآتي:
أوَّلًا: أنَّ تعيينَ النيَّةِ شرْطٌ في صحَّةِ الصَّلاةِ، ولا يَحصُل ذلك إلَّا بأنْ يُصلِّيَ خمسَ صلواتٍ بخمسِ نيَّاتٍ.
ثانيًا: أنَّه بذلك يُسقِطُ الفرضَ عن نفْسه بيقينٍ.
ثالثًا: أنَّه يُعذَرُ في عدمِ جَزمِه بالنيَّةِ للضرورةِ.
الفرعُ الثالث: زوالُ المانعِ من الصَّلاة قبلَ خروجِ وقتِها بمِقدارِ رَكعةٍ
إذا طَهُرتِ الحائضُ، أو عقَل المجنون، أو أفاق المُغمَى عليه، أو أَسلمَ الكافرُ، وأدركَ مِن وقتِ الصَّلاة قدْرَ ركعةٍ، لزِمتْه تلك الصَّلاةُ.
ونقَل الإجماع على ذلك: النوويُّ، والشوكانيُّ.
الفرعُ الرابع: النِّيابةُ في الصَّلاةِ
لا تَدخُلُ النيابةُ في الصَّلاةِ في الجملة.
قال اللهُ تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39].
فإن فِعل غيرِه ليس مِن سَعيِه.
ونقَل الإجماعَ على ذلك: الطبريُّ، وابنُ العربيِّ، وابنُ الوزيرِ، والقرافيُّ، وابن عبد البَّرِ، وابنُ رُشد.
ومن الآثار عن ابنِ عبَّاسٍ قال: لا يُصلِّي أحدٌ عن أحَدٍ.
رابعًا: أنَّ المقصودَ من العبادةِ البدنيَّة الخضوعُ لله، والتوجُّهُ إليه، والتذلُّلُ بين يَديه، وقيامُه العبدِ بحقِّ العبوديةِ التي خُلِقَ لها وأُمِرَ بها، وما في ذلك من قَهرِ النَّفْسِ الأمَّارةِ بالسُّوء، وهذه أمورٌ لا يُمكن أن يُؤدِّيَها عنه غيرُه.
خامسًا: قياسًا على الإيمانِ؛ لأنَّ الصَّلاةَ كالإيمانِ، فهي قولٌ وعملٌ ونيَّة، فكما لم تَجُزِ النيابةُ في الإيمانِ إجماعًا، فإنَّها لا تجوزُ في الصَّلاةِ أيضًا.
سادسًا: أنَّ الإنسانَ لا يَعجِزُ عمَّا وجَبَ من الصَّلاةِ، فيُصلِّي بحسَبِ ما يَقدِرُ، فلا عُذرَ له في النِّيابةِ.
سابعًا: أنَّ ممَّا يُقصَد من العبادةِ ابتلاءُ العبدِ، وظهورُ طاعتِه للهِ، ومخالفتِه لنَفْسِه، وصبرِه على العبوديَّة لله، وهذا لا يتَحقَّقُ إذا أناب غيرَه عنه.[الموسوعة الفقهية].
(المسألة الرابعة): مشكل
[فإن قيل]: كيف نام النبيّ ﷺ عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، مع قوله ﷺ: «إن عينيّ تنامان، ولا ينام قلبي»؟
[أجيب] بجوابين: أصحهما وأشهرهما أنه لا منافاة بينهما؛ لأن القلب إنما يدرك الحسيات المتعلقة به، كالحدث، والألم، ونحوهما، ولا يُدْرِك طلوعَ الفجر وغيره مما يتعلق بالعين، وإنما يُدْرَك ذلك بالعين، والعين نائمة، وإن كان القلب يقظان.
[والثاني]: أنه ﷺ كان له حالان: أحدهما ينام فيه القلب، وصادف هذا الموضع، والثاني لا ينام، وهذا هو الغالب من أحواله، قال النووّي -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهذا التأويل ضعيفٌ، والصحيح المعتمد هو الأول. انتهى [«شرح النووي» ٥/ ١٨٤].
وقال في «الفتح»: وقد تكلم العلماء في الجمع بين حديث النوم هذا، وبين قوله ﷺ: «إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي»، قال النوويّ: له جوابان، ثم ذكر كلامه المذكور آنفًا، ثم علّق على قوله: والصحيح المعتمد هو الأول والثاني ضعيف، ما نصّه: وهو كما قال، ولا يقال: القلب وإن كان لا يُدْرِك ما يتعلق بالعين من رؤية الفجر مثلًا، لكنه يدرك إذا كان يقظان مرور الوقت الطويل، …..
قال ابن دقيق العيد: كأن قائل هذا أراد تخصيص يقظة القلب بإدراك حالة الانتقاض، وذلك بعيد، وذلك أن قوله -رضي اللَّه عنهما-: «إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي» خرج جوابًا عن قول عائشة -رضي اللَّه عنها-: أتنام قبل أن توتر؟، وهذا كلام، لا تعلق له بانتقاض الطهارة الذي تكلموا فيه، وإنما هو جواب يتعلق بأمر الوتر، فَتُحْمَل يقظته على تعلق القلب باليقظة للوتر، وفرق بين مَن شرع في النوم مطمئنَّ القلب به، وبين من شرع فيه متعلقًا باليقظة، قال: فعلى هذا فلا تعارض، ولا إشكال في حديث النوم حتى طلعت الشمس؛ لأنه يُحْمَل على أنه اطمأنّ في نومه لِما أوجبه تعب السير معتمدًا على مَن وكله بكلاءة الفجر. انتهى.
ومُحَصّلهُ تخصيص اليقظة المفهومة من قوله: «ولا ينام قلبي» بإدراكه وقت الوتر إدراكًا معنويًّا لتعلقه به، وأن نومه في حديث الباب كان نومًا مستغرقًا، ويؤيده قول بلال له: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك . انتهى ما ذكره في «الفتح» [«الفتح» ١/ ٥٣٦ – ٥٣٧ «كتاب التيمّم» رقم (٣٤٤)]، وهو تحقيقٌ مفيدٌ، واللَّه تعالى أعلم بالصواب.[البحر المحيط الثجاج].
(المسألة الخامسة): الفتاوى:
[1]حكم من نسي صلاة ثم ذكرها بعد أن خرج وقتها
السؤال: في يوم ما لم أصل العشاء ولم أتذكر ذلك إلا في صباح اليوم التالي، كيف أفعل؟
الجواب: يقول النبي ﷺ: من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك متى ذكرتها بعد الصبح صلها.. في الضحى صلها.. في الظهر صلها.. متى ذكرتها، فإن ذكرتها قبل الفجر فصلها قبل الفجر، فإن لم تذكرها إلا بعد الفجر فصلها بعد الفجر والحمد لله.[نور على الدرب للإمام ابن باز رحمه الله، حكم من نسي صلاة ثم ذكرها بعد أن خرج وقتها]
[2] حكم من شك في صلاة أنه أداها أو لم يؤدها
السؤال: ونبدأ برسالة المستمع سليمان محمد التميمي الرياض، يقول:
إذا قمت لصلاة الصبح فشكيت هل أديت صلاة العشاء؟ فما الحكم إذا كان الراجح عندي أني صليت، وإذا كان الراجح أني لم أصل، وإذا تساوى الأمران؟
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
الذي يظهر أن الشرع المطهر أن الإنسان إذا شك هل أدى واجب أو لم يؤده؛ أن عليه أن يؤدي الواجب، إذا كان من عادته أنه قد يتساهل فيها وقد يضيعها وقد يتساهل فيها؛ فالذي ينبغي له أن يبادر بقضائها أولاً ثم يصلي الفجر، أما إذا كان لا ليس من عادته ذلك بل يصلي الصلاة في وقتها مع المسلمين أو في وقتها في البيت لديه بعض الأعذار، وإن كان لا يجوز أن يصليها في البيت، فالواجب على المسلم أن يصليها في الجماعة في المساجد، ولا يجوز لأحد أن يصليها في البيت إلا من عذر شرعي كالمرض أو الخوف الذي يمنعه من الخروج كأن يخشى على نفسه، لكن إذا كان من عادته أنه يصليها مع الجماعة أو يصليها في البيت لعذر من الأعذار فلا ينبغي أن ينظر إلى هذا الشك، بل ينبغي أن يطرح هذا الشك ولا يلتفت إليه، أما إذا كان تارة وتارة، قد يؤخرها وقد يمسي وما فعلها، وقد يشغل عنها، فإذا كان ما تحقق ولا جزم أنه فعلها فليقضها ثم يصلي الفجر بعد ذلك، أما إذا كانت أوهام وظنون لا أساس لها بل من عادته ومن طريقته العناية بها وفعلها في وقتها والصلاة كما شرع الله؛ فهذه وساوس لا يلتفت إليها ولا يعمل بها بل يصلي الفجر ويحمل أمره على أنه فعلها والحمد لله كعادته المتبعة. نعم.[[نور على الدرب للإمام ابن باز رحمه الله، حكم من شك في صلاة أنه أداها أو لم يؤدها].