1211 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1211):
مسند أبي ثعلبة الخُشَنِيِّ رضي الله عنه
قال أبو داود رحمه الله (ج ٧ ص ٢٩٢): حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي ويزيد بن قبيس -من أهل جبلة ساحل حمص وهذا لفظ يزيد- قالا حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الله بن العلاء أنه سمع مسلم بن مشكم أبا عبيد الله يقول حدثنا أبو ثعلبة الخشني، قال: كان الناس إذا نزلوا منزلًا -قال عمرو: كان الناس إذا نزل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منزلًا- تفرقوا في الشعاب والأودية فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «إن تفرقكم في هذه الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان»، فلم ينزلوا بعد ذلك منزلًا إلا انضم بعضهم إلى بعض حتى يقال لو بسط عليهم ثوب لعمهم.
هذا حديث صحيحٌ.
والوليد بن مسلم وإن كان مدلسًا، فقد صرح بالتحديث عند الإمام أحمد رحمه الله (ج ٤ ص ١٩٣).
===================
الحديث سيكون من وجوه:
ذكر الحديث الإمام أبو داود رحمه الله في السنن، ١٥ – كِتاب: الجِهادِ، بابُ: ما يُؤْمَرُ مِنَ انْضِمامِ العَسْكَرِ وسَعَتِهِ، (٢٦٢٨).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
١٣ – كتاب الجهاد والغزوات، ٥٣ – التجمع في القيلولة في سفر الغزو، (2008).
٣٢ – كتاب الأدب، ١٥٧ – التحذير من التفرق والاختلاف، (3822).
قال شعَيب الأرنؤوط وآخرين في تحقيقهم للسنن: “إسناده صحيح، وقد صرح الوليد بن مسلم بسماعه عند أحمد وابن حبان.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٨٠٥) عن عمرو بن عثمان وحده، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٧٧٣٦)، و«صحيح ابن حبان» (٢٦٩٠)”.
أورده الحافظ النووي رحمه الله في رياض الصالحين، (٧) – كتاب آداب السَّفَر، ١٦٨ – باب آداب السير والنزول والمبيت والنوم في السفر واستحباب السُّرى والرفق بالدواب، ومراعاة مصلحتها وأمر من قصّر في حقها بالقيام بحقها وجواز الإرداف عَلى الدابة إذا كانت تطيق ذلك، (٩٦٥).
الأول: شرح الحديث:
“يقول أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: “باب: ما يؤمر من انضمام العسكر وسعته”.
(انضمام العسكر): أن يجتمع بعضهم إلى بعض، لكن هذا الاجتماع لا يكون فيه تضييق، بحيث إن جماعة يأخذون أكثر من حاجتهم فيضيقون على إخوانهم، أو يضيقون الطريق الذي تمشي فيه فرق الجيش والمعسكر، ولا يكون التفرق بحيث يبتعد بعضهم عن بعض، فلا يكون تباعد ولا يكون تضييق مع الانضمام، وإنما يكون انضمام بدون تضييق ولا تباعد معه، ولا تضيق الطرق التي يسلكون منها، بحيث إذا أراد بعضهم أن يخرج أو يدخل فإنه يكون هناك طرق في المعسكر يدخل منها ويخرج.
فالحكم هو: أنه لا يصير الانتشار واسعًا بحيث تكون كل جماعة بعيدة عن الأخرى، ولا ينضم بعضهم إلى بعض بحيث يضايق بعضهم بعضًا بأن يأخذ أكثر من حاجته، أو يضيق الطرق التي تكون بين العسكر”. قاله الشيخ عبد المحسن العباد في شرح السنن.
(يقول: حدثنا أبو ثعلبة الخشني) بضم المعجمة الأولى، وفتح الشين المعجمة، بعدها نون، هذه النسبة إلى بطن من قضاعة، وهو خشين بن نمر بن دبرة، منهم أبو ثعلبة الخشني، صحابي مشهور بكنيته، واختلف في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا . قاله في [ بذل المجهود].
و”بايَعَ النَّبِيَّ ﷺ بَيْعَةَ الرِّضْوانِ وأرْسَلَهُ إلى قَوْمِهِ فَأسْلَمُوا نَزَلَ الشّامَ وماتَ بِها سَنَةَ خَمْسٍ وخَمْسِينَ”. [مرقاة المفاتيح]
(قالَ: كانَ النّاسُ)؛ أيْ: مِنَ الصَّحابَةِ (إذا نَزَلُوا مَنزِلًا): أيْ: فِي السَّفَرِ (تَفَرَّقُوا فِي الشِّعابِ): بِكَسْرِ أوَّلِهِ جَمْعُ الشِّعْبِ، وهُوَ الطَّرِيقُ، وقِيلَ: الطَّرِيقُ فِي الجَبَلِ.
(والأوْدِيَةِ): جَمْعُ الوادِي وهُوَ المَسِيلُ مِمّا بَيْنَ الجَبَلَيْنِ.[ مرقاة المفاتيح]
قال ابن رسلان رحمه الله في شرح السنن: (والأودية) ينزلون متفرقين يطلبون الظلال ليرتفقوا به لما ينالهم من مشقة السفر، فلما كان في الغزوة التي غزوها قبل نجد ونزل في الوادي وتفرق الناس عنه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله ﷺ تحت شجرة وعلق سيفه، فأتى أعرابي (غورث)، والنبي ﷺ نائم، فأخذ السيف، فاستيقظ وهو قائم على رأسه، والسيف صلت في يده، فقال: من يمنعك مني؟ قال: الله. [«صحيح البخاري» (٤١٣٥)]”. انتهى.
فالنبي ﷺ قال: ((إنما ذلكم من الشيطان))، يعني: هذا التفرق إنما هو من الشيطان، فكانوا بعد ذلك ينضم بعضهم إلى بعض حتى لو وضع عليهم ثوب لوسعهم من شدة تقاربهم، لكن هذا التقارب كما هو معلوم لا يكون فيه تضييق بعضهم على بعض”. قاله الشيخ عبد المحسن العباد.
وهذا فيه مبالغة في ترك ما كانوا عليه من التفرق إلى أن يكونوا مجتمعين غير متفرقين.
وقوله: ((إنما ذلكم من الشيطان))، أيْ: لِيُخَوِّفَ أوْلِياءَ اللَّهِ ويُحَرِّكَ أعْداءَهُ.
“وأورد حديث معاذ بن أنس عن أبيه قال: (غزوت مع نبي الله ﷺ غزوة كذا وكذا فضيق الناس المنازل وقطعوا الطريق؛ فبعث نبي الله ﷺ مناديًا ينادي في الناس: أن من ضيق منزلًا أو قطع طريقًا فلا جهاد له)صحيح أبي داود . وكذلك صححه محققو سنن أبي داود طبعة الرسالة
ﻭﻗﻮﻟﻪ: ﻓﻀﻴﻖ اﻟﻨﺎﺱ اﻟﻤﻨﺎﺯﻝ ﻭﻗﻄﻌﻮا اﻟﻄﺮﻳﻖ. ﻗﺎﻝ اﻟﺴﻬﺎﺭﻧﻔﻮﺭﻱ: ﺃﻱ: ﻭﺳﺪﻭا اﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻠﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﺠﺎﻝ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺟﻮا ﻣﻦ ﻣﻨﺎﺯﻟﻬﻢ ﻭﻳﺮﺟﻌﻮا ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺑﺴﺒﺐ ﺗﻀﻴﻴﻖ اﻟﻤﻨﺎﺯﻝ. انتهى
فهذا فيه مقابل ما تقدم في الحديث السابق، حيث ورد فيه أنهم تفرقوا في الشعاب، وبعد ذلك كان يجتمعون، والاجتماع الذي يكون فيه مضرة مذموم، والتفرق الذي ليس فيه مصلحة مذموم، والحق وسط بين الإفراط والتفريط، وبين التفرق الذي فيه تباعد، والانضمام الذي يكون فيه تضييق لبعضهم على بعض وتضييق للطريق.
وقوله: (لا جهاد له)، يعني: أنه جاهد من أجل أن يحصل خيرًا، ولكنه عمل شيئًا أضعف من أجره بحيث أنه آذى غيره بذلك”. قاله الشيخ عبد المحسن العباد.
قال ابن مفلح رحمه الله في الآداب: “والمُرادُ لا جِهادَ لَهُ كامِلٌ لِفِعْلِهِ المُحَرَّمَ”.
قلت سيف : حديث( أن من ضيق منزلًا أو قطع طريقًا فلا جهاد له) فيه سهل بن معاذ ضعفه ابن معين ولم يوثقه معتبر
ورواية بقية على هي المحفوظة. وأنا أبوإسحاق الفزاري فلم يحفظ اسناده راجع علل الدارقطني 6/91
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): آدابِ السَّفَرِ
ذكر النووي آداب كثيرة : لكن نذكر ما في معنى حديثنا
قال النووي في المجموع:
هَذا بابٌ مُهِمٌّ تَتَكَرَّرُ الحاجَةُ إلَيْهِ ويَتَأكَّدُ الِاهْتِمامُ بِهِ …، والمَقْصُودُ هُنا الإشارَةُ إلى آدابِهِ مُخْتَصَرَةً، :
يُسْتَحَبُّ أنْ يُرافِقَ فِي سَفَرِهِ جَماعَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ ” قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَوْ أنَّ النّاسَ يَعْلَمُونَ مِن الوَحْدَةِ ما أعْلَمُ ما سارَ رَكْبٌ بِلَيْلٍ وحْدَهُ” رَواهُ البُخارِيُّ.
* (فَرْعٌ): يَنْبَغِي أنْ يَسِيرَ مَعَ النّاسِ ولا يَنْفَرِدَ بِطَرِيقٍ ولا يَرْكَبُ اثْنَتانِ الطَّرِيقَ فَإنَّهُ يُخافُ الإفارَ بِسَبَبِ ذَلِكَ.
* (١) (فَرْعٌ)
قَدْ يُقالُ ذَكَرْتُمْ أنَّهُ يُكْرَهُ الِانْفِرادُ فِي السَّفَرِ، وقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ خَلائِقَ مِن الصّالِحِينَ الوَحْدَةُ فِي السَّفَرِ؟
(والجَوابُ): أنَّ الوَحْدَةَ والِانْفِرادَ إنّما يُكْرَهانِ لِمَن استأنس فَيُخافُ عَلَيْهِ مِن الِانْفِرادِ الضَّرَرُ بِسَبَبِ الشَّياطِينِ وغيرهم، أم الصّالِحُونَ فَإنَّهُمْ أنِسُوا بِاَللَّهِ تَعالى واسْتَوْحَشُوا مِن النّاسِ فِي كَثِيرٍ مِن أوْقاتِهِمْ، فَلا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي الوَحْدَةِ، بَلْ مَصْلَحَتُهُمْ وراحَتُهُمْ فِيها.
لكن سيأتي نقولات فيها ضوابط لجواز السفر مفردا عند الضرورة .
(الثَّلاثُونَ): يُسْتَحَبُّ لِكَبِيرِ الرَّكْبِ أنْ يَسِيرَ فِي آخره، والا فيتعهد آخِرَهُ فَيَحْمِلَ المُنْقَطِعَ أوْ يُعِينَهُ، ولِئَلّا يُطْمَعَ فِيهِمْ، ويَتَعَرَّضَ اللُّصُوصُ ونَحْوُهُمْ.
(الرّابِعَةُ والثَّلاثُونَ): يُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يَدْعُوَ فِي سَفَرِهِ فِي كَثِيرٍ مِن الأوْقاتِ؛ لِأنَّ دَعْوَتَهُ مُجابَةٌ.
(الخامِسُ والثَّلاثُونَ): إذا خافَ ناسًا أوْ غَيْرَهُمْ فالسُّنَّةُ أنْ يَقُولَ: ((اللَّهُمَّ إنّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ ونَعُوذُ بِكَ مِن شُرُورِهِمْ)). ويُسَنُّ أيضا أن يدعوا بِدُعاءِ الكَرْبِ: ((لا إلَهَ إلّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَواتِ ورَبُّ الأرْضِ ورَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ)) رَواهُ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ.
(الثّانِيَةُ والأرْبَعُونَ): السُّنَّةُ أنْ يَقُولَ إذا نَزَلَ مَنزِلًا ما رَوَتْهُ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ قالَتْ «أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التّامّاتِ مِن شَرِّ ما خلق» رَواهُ مُسْلِمٌ
(الثّالِثَةُ والأرْبَعُونَ): يُكْرَهُ النُّزُولُ فِي قارِعَةِ الطَّرِيقِ لِحَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ «وإذا عَرَّسْتُمْ فاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإنَّها طُرُقُ الدَّوابِّ ومَأْوى الهَوامِّ بِاللَّيْلِ» رَواهُ مُسْلِمٌ.
(الرّابِعَةُ والأرْبَعُونَ): السُّنَّةُ أنْ يَقُولَ إذا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ما رَواهُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ ” كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إذا سافر فأقبل اللَّيْلُ قالَ يا أرْضُ رَبِّي ورَبُّكِ اللَّهُ أعُوذُ بِاَللَّهِ مِن شَرِّكِ وشَرِّ ما فِيكِ وشَرِّ ما خُلِقَ فِيكِ وشَرِّ ما يَدُورُ عَلَيْكِ أعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ أسَدٍ وأُسُودٍ والحَيَّةِ والعَقْرَبِ ومِن ساكِنِ البَلَدِ ومِن والِدٍ وما ولَدَ «رَواهُ أبُو داوُد والحاكِمُ وقالَ صَحِيحُ الإسْنادِ وهَذا لَفْظُ أبِي داوُد والأُسُودُ الشَّخْصُ قالَ الخَطّابِيُّ وساكِنُ البَلَدِ هُمْ الجِنُّ الَّذِينَ هُمْ سُكّانُ الأرْضِ قالَ والبَلَدُ الأرْضُ ما كانَ مَأْوى الحَيَوانِ سَواءٌ كانَ فِيهِ بِناءٌ ومَنازِلُ أمْ لا ويُحْتَمَلُ أنَّ المُرادَ بِالوالِدِ إبْلِيسُ وما ولَدَ الشَّياطِينُ.
(الخامِسَةُ والأرْبَعُونَ): يُسْتَحَبُّ لِلرِّفْقَةِ فِي السَّفَرِ أنْ يَنْزِلُوا مُجْتَمِعِينَ ويُكْرَهُ تَفَرُّقُهُمْ.
(الثّانِيَةُ والسِّتُّونَ): يَحْرُمُ عَلى المَرْأةِ أنْ تُسافِرَ وحْدَها مِن غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلى ما يُسَمّى سَفَرًا، سَواءٌ بَعُدَ أمْ قَرُبَ؛ لِحَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لا يَحِلُّ لِامْرَأةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ تُسافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ إلّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْها «رَواهُ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وفِي رِوايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وفِي رِوايَةٍ لَيْلَةً.
[باختصار من المجموع شرح المهذب – النووي، وقد ذكر جملة من الأدلة والآثار في المسائل فليراجع، ولم أحذف المسائل، وهي مسائل جمعها من العلماء وعرضها على الترتيب المذكور مع التدليل].
ضوابط وضعها أهل العلم في جواز السفر للمفرد :
– (الراكب شيطان) بمعنى أن الشيطان يطمع في الواحد كما يطمع فيه اللص والسبع فإذا خرج وحده فقد تعرض للشيطان والسبع واللص فكأنه شيطان ثم قال: (والراكبان شيطانان) لأن كلا منهما متعرض لذلك ذكره كله ابن قتيبة قال: سميا بذلك لأن واحدا من المقبلين يسلك طريق الشيطان في اختياره الوحدة في السفر وقال المنذري: قوله شيطان أي عاص كقوله شياطين الإنس والجن فإن معناه عصاتهم وقال القاضي: سمى الواحد والاثنين شيطانا لمخالفة النهي عن التوحد في السفر والتعرض للآفات التي لا تندفع إلا بالكثرة ولأن المتوحد بالسفر تفوت عنه الجماعة ويعسر عليه التعيش ولعل الموت يدركه فلا يجد من يوصي إليه بإيفاء ديون الناس وأماناتهم وسائر ما يجب أو بين على المحتضر أن يوصي به ولم يكن ثم من يقوم بتجهيزه ودفنه وقال الطبري: هذا زجر أدب وإرشاد لما يخاف على الواحد من الوحشة وليس بحرام فالسائر وحده بفلاة والبائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش سيما إن كان ذا فكرة – رديئة أو قلب ضعيف والحق أن الناس يتفاوتون في ذلك فوقع الزجر لحسم المادة فيكره الانفراد سدا للباب والكراهة في الاثنين أخف منها في الواحد (والثلاثة ركب) لزوال الوحشة وحصول الأنس وانقطاع الأطماع عنهم وخروج النبي ﷺ مع أبي بكر رضي الله عنه مهاجرين لضرورة الخوف على نفسهما من المشركين أو أن من خصائصه عدم كراهة الانفراد في السفر وحده لا منه من الشيطان بخلاف غيره كما ذكره الحافظ العراقي وإيراد النبي صلى الله عليه وسلم البريد وحده إنما هو لضرورة طلب السرعة في إبلاغ ما أرسل به على أنه كان يأمره أن ينضم في الطريق بالرفقاء فسقط ما لبعض الضالين هنا من زعم التناقض
فيض القدير ٤٣/٤
قال الإتيوبي رحمه الله في شرح صحيح مسلم وهو يعدد فوائد حديث لِكُلِّ نَبِي حَوارِيٌّ وحَوارِيَّ الزُّبَيْرُ:
– (ومنها): جواز سفر الرجل وحده، وأن النهي عن السفر وحده،
إنما هو حيث لا تدعو الحاجة إلى ذلك.
يقصد بالنهي الوارد فيما أخرجه البخاري في «صحيحه» من حديث ابن عمر – رضي اللهعنهما-، عن النبيّ – ﷺ – قال:
«لو يعلم الناس ما في الوَحْدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده».
قال في «الفتح» نقلًا عن ابن المنيّر-: السير لمصلحة الحرب أخصّ
من السفر، والخبر ورد في السفر، فيؤخذ من حديث جابر جواز السفر منفردًا
للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالانفراد، كإرسال الجاسوس والطَّلِيعة،
والكراهة لِما عدا ذلك، ويَحْتَمِل أن تكون حالة الجواز مقيّدة بالحاجة عند
الأمن، وحالة المنع مقيّدة بالخوف حيث لا ضرورة.
قال: «وقد وقع في كتب المغازي بعثُ كلّ من حذيفة، ونُعيم بن
مسعود، وعبد الله بن أُنيس، وخَوّات بن جُبير، وعمرو بن أُميّة، وسالم بن
عُمير، وبسبسة بن عمرو في عدّة مواطن، وبعضها في الصحيح». انتهى ،
والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: قال ابن بطال : زعم بعض المعتزلة أن بَعْث النبيّ – ﷺ – الزبير
وحده معارِض لقوله – ﷺ -: «الراكب شيطان»، ونهى أيضًا عن أن يسافر الرجل
وحده، قال المهلب: وليس بينهما تعارض؛ لاختلاف المعنى في الحديثين،
وهو أن الذي يسافر وحده لا يأنس بأحد، ولا يقطع طريقه بمحدِّث، يُهَوِّن عليه
مؤونة السفر؛ كالشيطان الذي لا يأنس بأحد، ويطلب الوحدة ليغويه، وأما سفر
الزبير فليس كذلك؛ لأنه كان كالجاسوس يتجسس على قريش ما يريدون من
حرب النبيّ – ﷺ -، ولا يناسبه إلا الوحدة، على أنه خرج في مثل هذا الأمر
الخطير؛ لحماية الدين، وإظهار طاعة النبيّ – ﷺ -، ولم يزل كان عليه حِفْظ من الله
تعالى ببركة دعاء النبيّ – ﷺ -، فأين هذا من ذلك؟ ذكر ابن أبي عاصم أن
النبيّ – ﷺ – أرسل عبد الله بن أنس سرية وحده، وبعث عمرو بن أمية وحده عَيْنًا،
وذكر ابن سعد أنه – ﷺ – أرسل سالم بن عمير سرية وحده، وحمل الطبري الحديث
على جواز السفر للرجل الواحد، إذا كان لا يَهُوله هَوْل، وإلا فممنوع من السفر
وحده؛ خشية على عقله، أو يموت فلا يَدري خبره أحد، ولا يَشهده، كما قال
عمر – رضي الله عنه-: أرأيتم إذا سافر وحده، فمات من أسأل عنه؟ قال: ويَحْتَمِل أن يكون
النهي عن السفر وحده نهي تأديب، وإرشاد إلى ما هو الأولى، وقال ابن التين:
وحَمَله الشيخ أبو محمد على السفر الذي يَقصر فيه الصلاة. انتهى .
قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن سفر الرجل وحده إنما يُنهى
عنه إذا كان خارج البلد، وأما ما كان داخل البلد، كما في قصّة الزبير،
وحُذيفة – رضي الله عنه-، فلا يشمله النهي، وكذا ما كان لغرض التجسّس على العدوّ، فلا
يشمله؛ للضرورة؛ فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم. انتهى
قال الشيخ ابن باز :
في الحديث الأول أنهم كانوا إذا نزلوا في السفر تفرَّقوا في الشِّعاب، فقال لهم: إنَّ هذا التَّفرُّق من الشيطان، فكانوا بعد ذلك إذا نزلوا تقاربوا، ولا شكَّ أن تقاربهم أفضل؛ للتَّعاون فيما بينهم، ولأنَّ العدو لو نزل بهم لكانوا قريبين، في إمكانهم التَّحرز والحذر، بخلاف ما إذا تفرَّقوا، فإنَّ العدو قد يهجم، وربما أصاب بعضَهم على غِرَّة الآخرين في أوقات الحروب، والنبي ﷺ في المدينة ضده العرب حتى هداهم الله بعد فتح مكة.
فالمقصود أنَّ التَّفرق في المنازل قد يُفضي إلى شرٍّ، فينبغي أن يتقاربوا في منازلهم إذا نزلوا في السفر؛ لما فيه من المصالح والتعاون، ولا سيَّما إذا كان وقت حربٍ وجهادٍ، فإنَّ التقارب من أهم المهمات؛ حتى لا يطمع العدوُّ في بعضهم فيغتاله ويهجم عليه على غِرَّة الآخرين.
الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى شرح رياض الصالحين
تنبيه : قد يقول قائل أن الطرق في الاسفار الآن مملوءة بالسيارات فلا خطر في الوحدة .
نقول : قد يكون هذا صحيحا من وجه لكن ما زالت الأخطار قائمة حيث ربما السائق وحده يتعرض لمرض الصرع فجأة أو حريق . أو نعاس . فالجماعة رحمة والفرقة عذاب