1210 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1210):
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (6) ص (397)): حدثنا يعقوب قال حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال حدثني يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي بصرة الغفاري قال: لقيت أبا هريرة وهو يسير إلى مسجد الطور ليصلي فيه قال فقلت له لو أدركتك قبل أن ترتحل ما ارتحلت قال فقال ولم قال فقلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي».
هذا حديث حسنٌ.
* الحديث أخرجه أبو يعلى (ج (11) ص (435)) فقال رحمه الله: حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد بن زريع حدثنا روح عن زيد بن أسلم عن سعيد بن أبي سعيد المقبري: أن أبا بصرة حميل بن بصرة لقي أبا هريرة وهو مقبل من الطور فقال: لو لقيتك قبل أن تأتيه لم تأته إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «تضرب أكباد المطي إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى».
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
(16) – كتاب الفضائل، (94) – فضل المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى، (2626).
وانظر لما سبق التعليق على الحديث: ((2017)) /
و كذلك (1190) – (1188) رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
الأول: شرح الحديث:
((لا تُشَدُّ الرِّحالُ)) – بضم أوّله – بلفظ النفي، والمراد النهي عن السفر إلى غيرها، قال الطيبيّ – رحمه الله -: هو أبلغ من صريح النهي، كأنه قال: لا يستقيم أن يُقصَد بالزيارة إلا هذه البقاع؛ لاختصاصها بما اختَصَّت به.
و ((الرِّحال)) – بالمهملة -: جمع رَحْل، وهو للبعير كالسرج للفرس، وكَنى بشدّ الرحال عن السفر؛ لأنه لازمه، وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر، ويدل عليه قوله في بعض طرقه: «إنما يُسافَرُ»، وهو عند مسلم.
((إلّا إلى ثَلاثَةِ مَساجِدَ)) الاستثناء هنا مُفَرَّغ، والتقدير لا تشد الرحال إلى موضع من المواضع، ولازمه منع السفر إلى كلّ موضع غيرها؛ لأن المستثنى منه في المفرَّغ مقدَّر بأعم العامّ، لكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا الموضع المخصوص، وهو المسجد كما سيأتي.
((المسجد الحرام)) أي المُحَرَّم، وهو كقولهم: الكتاب، بمعنى المكتوب، وفي رواية البخاريّ: «والمسجد الحرام».
والمراد به جميع الحرم،
وقيل: يَختص بالموضع الذي يُصَلّى فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم، قال الطبريّ: ويتأيد بقوله: «مسجدي هذا»؛ لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة، فينبغي أن يكون المستثنى كذلك،
وقيل: المراد به الكعبة، حكاه المحبّ الطبريّ، وذكر أنه يتأيد بما رواه النسائي بلفظ: «إلا الكعبة»، وفيه نظر؛ لأن الذي عند النسائيّ: «إلا مسجد الكعبة»، حتى ولو سقطت لفظة مسجد لكانت مرادة، ويؤيد الأول ما رواه الطيالسيّ من طريق عطاء؛ أنه قيل له: هذا الفضل في المسجد وحده، أو في الحرم؟ قال: بل في الحرم؛ لأنه كله مسجد، قاله في «الفتح» [«الفتح» (3) / (602)].
وجاء في (توضيح الأحكام) للبسام رحمه الله: “قال في «الفروع»: ظاهر كلام أصحاب الإمام أحمد، في المسجد الحرام أنّه نفس المسجد، ومع هذا فالحرم أفضل من الحل، فالصلاة فيه أفضل، وذكر القاضي وغيره: مرادهم في التسمية لا في الأحكام، وقد يتوجه من هذا حصول المضاعفة في الحرم كنفس المسجد، وجزم به صاحب «الهدي» من أصحابنا.
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز: إنّ المضاعفة والثواب تعم الحرم كله، وهو ما أدخلت الأميال.
وذكر ابن الجوزي: أنّ الإسراءِ كان من بيت أم هاناء عند أكثر المفسرين، فعلى هذا المعنى فالمراد بالمسجد: الحرم كله.”. انتهى.
((والمسجد الأقصى)) أي بيت المقدس،
وسُمِّي الأقصى؛ لبعده عن المسجد الحرام في المسافة، وقيل: في الزمان، وفيه نظر؛ لأنه ثبت في «الصحيح» أن بينهما أربعين سنةً، وقال بعض المفسرين: سُمِّي الأقصى؛ لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد، وقيل: لبعده عن الأقذار والخبث، وقيل: هو أقصى بالنسبة إلى مسجد المدينة؛ لأنه بعيد من مكة، وبيت المقدس أبعد منه.
[فائدة]: لبيت المقدس عدّة أسماء تقرُب من العشرين، منها: «إيلياء» بالمدّ، والقصر، وبحذف الياء الأولى، وعن ابن عباس إدخال الألف واللام على هذا الثالث، و «بيت المقدس»، بسكون القاف، وبفتحها مع التشديد،
و «القُدْس»، بغير ميم مع ضم القاف، وسكون الدال، وبضمها أيضًا،
و «شَلَّم» بالمعجمة، وتشديد اللام، وبالمهملة،
و «شَلام» بمعجمة،
و «سَلِم»، بفتح المهملة، وكسر اللام الخفيفة،
و ….. و «بابوس» بموحدتين ومعجمة، وقد تتبع أكثر هذه الأسماء الحسين بن خالويه اللغويّ في كتاب «ليس»، ذكره في «الفتح» [«الفتح» (3) / (602) – (603)]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
فائدة:
(ومَسْجِدِ إيلِياءَ) هو بيت المقدس، وفيه ثلاث لغات: أفصحهنّ، وأشهرهنّ هذه الواقعة هنا إيلياء، بكسر الهمزة، واللام، وبالمدّ، والثانية كذلك، إلا أنه مقصورٌ، والثالثة إلياء، بحذف الياء، وبالمدّ، وهو المسجد الأقصى، سُمي الأقصى؛ لبعده من المسجد الحرام [«شرح النوويّ» (9) / (168)].
((ومسجدي)) المراد مسجده ? الخاصّ بالصلاة، لا كلّ الحرم. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف].
فهذه المساجد الثلاثة لها مزايا وخصائص، ليست لغيرها من البقاع:
أولًا: مضاعفة ثواب الأعمال فيها؛ فقد روى الطبراني في «الأوسط» ((7008)) عن أنسٍ قال: قال رسول الله ?: «الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة، والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة»، قال ابن عبد البر: إسناده حسن، كما روى مسلم من حديث أبي هريرة: أنّ النَّبيَّ ? قال: «صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة في غيره من المساجد، إلاَّ المسجد الحرام».
ثانيًا: أنّ هذه المساجد الثلاثة بناها أنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فالكعبة المشرفة بناها إبراهيم وإسماعيل، والمسجد الأقصى بناها يعقوب، ومسجد المدينة بناه النَّبي محمد ?، وهذه المزية لا يلحقها غيرها من المساجد والبقاع، فالمكي قبلة الناس، وإليه حجهم، والمدني أُسِّس على التقوى، والأقصى قبلة الأنبياء السابقين، وأُولى قبلتي المسلمين. قاله البسام رحمه الله [توضيح الأحكام من بلوغ المرام]
الفوائد:
(1) – (منها): بيان فضيلة هذه المساجد الثلاثة، ومزيتها على غيرها؛ لكونها مساجد الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام -، ولأن الأول قبلة الناس جميعًا، وإليه حجهم، والثاني كان قبلة الأمم السالفة، والثالث أُسِّس على التقوى.
(2) – (ومنها): أن من نذر إتيان هذه المساجد الثلاثة للصلاة فيها يلزمه الوفاء به؛ لأنه طاعة، والطاعة تلزم بالنذر، وسيأتي تحقيق اختلاف العلماء فيه في المسائل – إن شاء الله تعالى -.
(3) – (ومنها): أن من نذر إتيان غير هذه المساجد الثلاثة للصلاة لا يلزمه الوفاء به؛ لأنها لا فضل لبعضها على بعض، فتكفي صلاته في أيّ مسجد كان، وسيأتي بيان اختلاف العلماء فيه أيضًا في المسائل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): الأحاديث
وقد أورد الوادعي رحمه الله في جامعه أحاديث:
” (94) – فضل المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى
(2622) – قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج (1) ص (450)): حدثنا إسماعيل بن أسد حدثنا زكريا بن عدي أنبأنا عبيد الله بن عمرو عن عبد الكريم عن عطاء عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال «صلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه». هذا حديث صحيحٌ.
* وأخرجه الإمام أحمد رحمه الله (ج (3) ص (343)): حدثنا حسين يعني ابن محمد وعبد الجبار بن محمد الخطابي قالا حدثنا عبيد الله يعني بن عمرو الرقي به
(2623) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (3) ص (350)): حدثنا حجين ويونس قالا حدثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال «إن خير ما ركبت إليه الرواحل مسجدي هذا والبيت العتيق». هذا حديث حسنٌ على شرط مسلم.
(2624)، (2625) – قال الإمام مالك رحمه الله (ج (1) ص (131)) مع «تنوير الحوالك»: عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الهادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْراهِيمَ بْنِ الحارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّهُ قالَ: خَرَجْتُ إلى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبَ الأحْبارِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ فَحَدَّثَنِي عَنْ التَّوْراةِ وحَدَّثْتُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ فَكانَ فِيما حَدَّثْتُهُ أنْ قُلْتُ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وفِيهِ أُهْبِطَ مِن الجَنَّةِ وفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وفِيهِ ماتَ وفِيهِ تَقُومُ السّاعَةُ وما مِن دابَّةٍ إلّا وهِيَ مُصِيخَةٌ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِن حِينِ تُصْبِحُ حَتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِن السّاعَةِ إلّا الجِنَّ والإنْسَ وفِيهِ ساعَةٌ لا يُصادِفُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ وهُوَ يُصَلِّي يَسْألُ اللهَ شَيْئًا إلّا أعْطاهُ إيّاهُ» قالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ فَقُلْتُ بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقَرَأ كَعْبٌ التَّوْراةَ فَقالَ صَدَقَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ.
قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أبِي بَصْرَةَ الغِفارِيَّ فَقالَ مِن أيْنَ أقْبَلْتَ فَقُلْتُ مِن الطُّورِ فَقالَ لَوْ أدْرَكْتُكَ قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ ما خَرَجْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يَقُولُ «لا تُعْمَلُ المَطِيُّ إلّا إلى ثَلاثَةِ مَساجِدَ إلى المَسْجِدِ الحَرامِ وإلى مَسْجِدِي هَذا وإلى مَسْجِدِ إيلِياءَ -أوْ بَيْتِ المَقْدِسِ يَشُكُّ-».
قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ سَلامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبِ الأحْبارِ وما حَدَّثْتُهُ بِهِ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ فَقُلْتُ قالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ قالَ قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ كَذَبَ كَعْبٌ فَقُلْتُ ثُمَّ قَرَأ كَعْبٌ التَّوْراةَ فَقالَ بَلْ هِيَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ صَدَقَ كَعْبٌ ثُمَّ قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ قَدْ عَلِمْتُ أيَّةَ ساعَةٍ هِيَ قالَ أبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ أخْبِرْنِي بِها ولا تَضِنَّ عَلَيَّ فَقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ هِيَ آخِرُ ساعَةٍ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ قالَ أبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ وكَيْفَ تَكُونُ آخِرَ ساعَةٍ فِي يَوْمِ الجُمُعَةِ وقَدْ قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «لا يُصادِفُها عَبْدٌ مُسْلِمٌ وهُوَ يُصَلِّي» وتِلْكَ السّاعَةُ ساعَةٌ لا يُصَلّى فِيها فَقالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ سَلامٍ ألَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «مَن جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلاةَ فَهُوَ فِي صَلاةٍ حَتّى يُصَلِّيَ» قالَ أبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ بَلى قالَ فَهُوَ ذَلِكَ.
هذا حديث صحيحٌ، وصدره في «الصحيح» ولكني كتبته من أجل حديث بصرة وعبد الله بن سلام.
وليس عند الإمام أحمد والطبراني قصة بصرة بن أبي بصرة، وهي عند الإمام أحمد في موضع آخر، قد كتبتها والحمد لله:
* قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (6) ص (7)): قرأت على عبد الرحمن مالك عن يزيد بن عبد الله بن الهاد عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة -فذكر الحديث- قال أبو هريرة: فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري قال من أين أقبلت فقلت من الطور فقال أما لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت إليه سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول «لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد إلى المسجد الحرام وإلى مسجدي وإلى مسجد إيلياء -أو بيت المقدس، يشك-». هذا حديث صحيحٌ.
(2627) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (4) ص (5)): حَدَّثَنا يُونُسُ، قالَ: حَدَّثَنا حَمّادٌ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، قالَ: حَدَّثَنا حَبِيبٌ المُعَلِّمُ، عَنْ عَطاءٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذا أفْضَلُ مِن ألْفِ صَلاةٍ فِيما سِواهُ مِنَ المَساجِدِ، إلّا المَسْجِدَ الحَرامَ، وصَلاةٌ فِي المَسْجِدِ الحَرامِ أفْضَلُ مِن مِائَةِ صَلاةٍ فِي هَذا».
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح.
(2628) – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج (5) ص (364)): حدثنا يزيد أخبرنا ابن عون عن مجاهد قال كنا ست سنين علينا جنادة بن أبي أمية فقام فخطبنا فقال: أتينا رجلًا من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدخلنا عليه فقلنا حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تحدثنا ما سمعت من الناس فشددنا عليه فقال: قام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فينا فقال «أنذرتكم المسيح وهو ممسوح العين -قال أحسبه قال: اليسرى- يسير معه جبال الخبز وأنهار الماء علامته يمكث في الأرض أربعين صباحًا يبلغ سلطانه كل منهل لا يأتي أربعة مساجد الكعبة ومسجد الرسول والمسجد الأقصى والطور ومهما كان من ذلك فاعلموا أن الله عز وجل ليس بأعور».
وقال ابن عون: وأحسبه قد قال «يسلط على رجل فيقتله ثم يحييه ولا يسلط على غيره». هذا حديث صحيحٌ. [الجامع الصحيح مما ليس في الصحيحين، بتصرف يسير].
(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في حكم شدّ الرحال إلى غير هذه المساجد الثلاثة:
(اعلم): أنهم اختلفوا في شدّ الرحال إلى غيرها؛ كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياءً وأمواتًا، وإلى المواضع الفاضلة؛ لقصد التعبد فيها بالصلاة، أو غيرها، فقال الشيخ أبو محمد الجوينيّ: يحرم شدّ الرحال إلى غيرها؛ عملًا بظاهر هذا الحديث، وأشار القاضي حسين من الشافعية إلى اختياره، وبه قال القاضي عياض وطائفة.
ويدل عليه إنكار بصرة بن أبي بصرة الغفاريّ – رضي الله عنه – على أبي هريرة – رضي الله عنه -، حين لقيه راجعًا من الطور، وكان قد أتى إليه ليصلي فيه، فقال له: لو لقيتك من قبل أن تأتيه لم تأته، قال أبو هريرة: ولم؟ قال: إني سمعت رسول الله ? يقول: «لا تُعْمَل المطيّ إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي، ومسجد بيت المقدس» [رواه النسائيّ في «المجتبى» في «الجمعة» ((45) / (1430))]، فاستدل به بصرة على إنكاره إتيانه الطور، فدلّ على أنه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة.
قال في «الفتح»: والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة: منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي في شدّ الرجال إلى هذه المساجد، بخلاف غيرها، فإنه جائز، وقد وقع في رواية لأحمد بلفظ: «لا ينبغي للمطي أن تعمل»، وهو لفظ ظاهر في غير التحريم.
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: في هذا الجواب نظر لا يخفى؛ إذ لفظ «لا ينبغي» ظاهر في المنع والتحريم، فقد أكثر استعمال الشرع له في ذلك، قال الله تعالى: {وما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِي لَهُ} [يس (69)]، وكما في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عند البخاريّ: «شتمني ابن آدم، وما ينبغي له أن يشتمني … »، وقال تعالى: {وما يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أنْ يَتَّخِذَ ولَدًا ((92))} [مريم (92)]، وبالجملة فهذه اللفظة في استعمال الشرع عظيمة الشأن، فالقول بأنها ظاهرة في غير التحريم غير صحيح، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
ومنها: أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة، فإنه لا يجب الوفاء به، قاله ابن بطال.
وقال الخطابيّ: اللفظ لفظ الخبر، ومعناه الإيجاب فيما ينذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي يتبرك بها، أي لا يلزم الوفاء بشيء من ذلك غير هذه المساجد الثلاثة.
قال الأتيوبي عفا الله عنه: هذا التخصيص لا دليل عليه؛ بل الظاهر إجراء عموم النص على ظاهره، فيعمّ النذر وغيره، والله تعالى أعلم.
ومنها: أن المراد حكم المساجد فقط، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه المساجد الثلاثة، وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح، أو قريب، أو صاحب، أو طلب علم، أو تجارة، أو نزهة، فلا يدخل في النهي.
قال الحافظ: ويؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب، قال: سمعت أبا سعيد، وذُكرت عنده الصلاة في الطور، فقال: قال رسول الله ?: «لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا»، وشهر حسن الحديث، وإن كان فيه بعض الضعف.
ومنها: أن المراد قصدها بالاعتكاف، فيما حكاه الخطابي عن بعض السلف أنه قال: لا يعتكف في غيرها، وهو أخص من الذي قبله، قال الحافظ: ولم أر عليه دليلًا.
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: الراجح عندي ما ذهب إليه الأولون، وهو أن النهي للتحريم عمومًا، فيحرم شد الرحال إلى غير المساجد الثلاثة؛ لوضوح الحجة في ذلك، إلا ما خُص بالدليل؛ كالسفر للجهاد، والتجارة، وطلب العلم، ونحو ذلك، فتأمّل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج]
(المسألة الثالثة): في الخلاف بين أهل العلم فيمن نذر إتيان هذه المساجد الثلاثة:
ذهب مالك، وأحمد، والشافعيّ، والبويطيّ – رحمهم الله تعالى – إلى وجوب الوفاء عليه، واختاره أبو إسحاق المروزيّ – رحمه الله -.
وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجب الوفاء مطلقًا.
وقال الشافعيّ – رحمه الله -: في «الأم»: يجب في المسجد الحرام؛ لتعلّق النسك به، بخلاف المسجدين الآخرين، قال الحافظ: وهذا هو المنصور لأصحاب الشافعيّ.
قال ابن التين: والحجة على الشافعي أن إعمال المطيّ إلى مسجد المدينة، والمسجد الأقصى، والصلاة فيهما قربة، فوجب أن يلزم بالنذر؛ كالمسجد الحرام.
وقال ابن المنذر – رحمه الله -: يجب إلى الحرمين، وأما الأقصى فلا، واستأنس بحديث جابر – رضي الله عنه -: أن رجلًا قال للنبيّ ?: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس، قال: «صلِّ ههنا» [حديث صحيح أخرجه أبو داود، والدارميّ].
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: الأرجح عندي قول الأولين؛ لحديث الباب، إذ شدّ الرحل إلى هذه المساجد مشروع، ومن نذر أن يطيع الله في المشروع لزمه الوفاء به؛ لِما أخرجه البخاريّ في «صحيحه» عن عائشة – رضي الله عنها -، عن النبيّ ?، قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه».
والحاصل: أن من نذر السفر إلى أحد هذه المساجد الثلاثة لزمه الوفاء به، أي لمن كان في مكة والمدينة، فيكفيه أن يصلي فيهما، ولا يلزمه السفر إلى بيت المقدس؛ لِما دلّ عليه حديث جابر – رضي الله عنه – المذكور، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج]
وبهذا قال الإمام ابن باز رحمه الله إلا أنه قال: … ولا شك أن الصلاة في المسجد النبوي طاعة، والمسجد الأقصى طاعة، فلا بأس أن يؤدي الناذر ما نذر له، وإن لم يستطع يُكَفِّرْ. [(190) – حكم من اعتقد أنه لا يتم الحج إلا بزيارة المدينة النبوية، فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر].
ويحمل حديث جابر (صل هاهنا) أنه يجوز لمن نذر أن يأتي مسجد أعظم أجرا من المنذور.
(المسألة الرابعة): من نذر إتيان غير هذه المساجد الثلاثة لصلاة أو لغيرها لا يلزمه الوفاء به؛ لأنه لا فضل لبعضها على بعض، فتكفي صلاته في أيّ مسجد كان.
قال النوويّ – رحمه الله -: لا اختلاف في ذلك إلا ما رُوي عن الليث أنه قال: يجب الوفاء به.
وعن الحنابلة رواية: يلزمه كفارة يمين، ولا ينعقد نذره، وعن المالكية رواية: إن تعلقت به عبادة تختص به، كرباط لزم، وإلا فلا، وذُكر عن محمد بن مسلمة المالكي أنه يلزم في مسجد قباء؛ لأن النبيّ ? «كان يأتيه كل سبت».
قال الأثيوبي عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما كان من غير شدّ رحل يلزم الوفاء به؛ لقوله تعالى: {ولْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج (29)]، وقوله ?: «أوف بنذرك»، فالوفاء بالنذر واجب بالنصّ، إلا أن يكون في أحد المساجد الثلاثة، فيكفيه أن يصلي ما نذره في غيرها؛ لكونها أفضل، وقد تقدم أنه ? أمر من نذر أن يصلي في بيت المقدس بالصلاة في مسجده ?؛ لكونه أفضل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج]
لكن قال الشيخ ابن باز رحمه الله: ” فلو نذر الصلاة في أي مكان لم يلزمه الوفاء في ذلك المكان أو الصوم إلا في هذه الثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي، والمسجد الأقصى”. [(190) – حكم من اعتقد أنه لا يتم الحج إلا بزيارة المدينة النبوية، فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر].
(المسألة الخامسة): أنه قد وقع نزاع في شد الرحال لزيارة قبر النبيّ ?،
فقال بتحريمه شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -، واحتج على ذلك بحديث الباب، ورَدّ عليه الشيخ تقيّ الدين السبكيّ – رحمه الله -، وألّف في ذلك كتابًا، وانتصر الحافظ شمس الدين بن عبد الهادي – رحمه الله – لابن تيمية، وردّ على السبكي، وألّف في ذلك كتابًا. بعنوان الصارم المنكي وهو كتاب يجمع علوم شتى
وخلاصة القول: إن شيخ الإسلام لا يقول بتحريم الزيارة مطلقًا، بل يقول باستحبابها، وإنما يقول بتحريم شدّ الرحال إليها؛ لحديث الباب، وقد يتوهم بعض الجهلة أنه يقول بتحريم الزيارة مطلقًا، وهذا خطأ عليه، فتنبه.
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: عندي أن الأولى أن ينوي المسجد عند شدّ الرحل، فإذا وصل هناك توجه للزيارة؛ لأنها مشروعة في أصلها إجماعًا، فهذا أسلم، استبراء لدينه، وقد أخرج الشيخان عن النُّعمان بن بشير – رضي الله عنهما -، عن رسول الله ?؛ أنه قال: «ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه … » الحديث، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط الثجاج]
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – رحمه الله- في جوابه لسؤال: ما حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من قبور الأولياء والصالحين وغيرهم؟
“لا يجوز السفر بقصد زيارة قبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أو قبر غيره من الناس في أصح قولي العلماء، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)). متفق عليه.
والمشروع لمن أراد زيارة قبر النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو بعيد عن المدينة أن يقصد بالسفر زيارة المسجد النبوي فتدخل زيارة القبر الشريف وقبرَيْ أبي بكر وعمر والشهداء وأهل البقيع تبعاً لذلك.
وإن نواهما جاز؛ لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، أما نية القبر بالزيارة فقط فلا تجوز مع شد الرحال، أما إذا كان قريباً لا يحتاج إلى شد الرحال ولا يسمى ذهابه إلى القبر سفراً فلا حرج في ذلك، لأن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه من دون شد رحل سنة وقربة، وهكذا زيارة قبور الشهداء وأهل البقيع وهكذا زيارة قبور المسلمين في كل مكان سنة وقربة لكن بدون شد الرحال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)). أخرجه مسلم في صحيحه.
وكان صلى الله عليه وسلم، يُعلِّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية)) أخرجه مسلم أيضاً في صحيحه “.
كما سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأجاب بقوله:
“شد الرحال إلى زيارة القبور لا يجوز، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)) والمقصود بهذا أنه لا تشد الرحال إلى أي مكان في الأرض لقصد العبادة بها؛ لأن الأمكنة التي تخصص بشد الرحال هي المساجد الثلاثة فقط وما عداها من الأمكنة لا تشد إليها الرحال، فقبر النبي صلى الله عليه وسلم، لا تشد الرحال إليه وإنما تشد الرحال إلى مسجده فإذا وصل المسجد فإن الرجال يسن لهم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأما النساء فلا يسن لهم زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والله الموفق”.
هذا، وقد وجّهت إلى اللجنة الدائمة عدة أسئلة في هذا الموضوع، ومما أجابت اللجنة على تلك الأسئلة:
“لا يجوز شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين، وغيرهم بل هو بدعة، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)).
وأما زيارتهم دون شد رحال فسنة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)). أخرجه مسلم في صحيحه”.
“السفر لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز، والمشروع زيارة مسجده، والصلاة فيه، وليست بواجبة، ومن زار مسجده صلى الله عليه وسلم شرع له أن يسلم عليه وعلى صاحبيه رضي الله عنهما.
وطاعته صلى الله عليه وسلم وملازمة سنته وهديه ابتغاء ثواب الله في أي زمان أو مكان من أسباب السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، وبالله التوفيق”.
“لا يلزم الحجاج رجالاً ونساء زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا البقيع، بل يحرم شد الرحال إلى زيارة القبور مطلقاً ويحرم ذلك على النساء ولو بلا شد رحال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)) ((ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور))، ويكفي النساء أن يصلين في المسجد النبوي ويكثرن من الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد وغيره، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم”.
“شد الرحال لا يجوز إلا إلى المساجد الثلاثة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد))، وهذا قول ابن القيم رحمه الله وشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية وجمع كثير من أهل العلم عملاً بالحديث المذكور، وبذلك تعلم أنه لا يجوز في أصح قولي العلماء شد الرحال لقبر الخليل ولا غيره من القبور للحديث المذكور”. [موسوعة الفرق].
ويقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله- أيضًا في جوابه لسؤال: أسأل عن صحة وسند الحديث: القائل لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد الحديث، وما معنى ذلك مأجورين؟
فأجاب بقوله:
“الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين هذا الحديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث، ومعناه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينهى أن تشد الرحال للسفر إلى مساجد غير المساجد الثلاثة، وهي: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والمسجد الأقصى الذي في فلسطين؛ وذلك لأن هذه المساجد الثلاثة لها من المزية والفضل ما ليس لغيرها؛ فالصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه، إلا المسجد الحرام، وأخرج مسلمٌ هذا الحديث من طريقٍ آخر بلفظ: إلا مسجد الكعبة. أما المسجد الحرام، وهو مسجد الكعبة فالصلاة فيه بمائة ألف صلاة، والمسجد الأقصى الصلاة فيه بخمسمائة صلاة، وهذه المزية ليست للمساجد الأخرى،
فلا تشد الرحال إليها، وإذا كانت المساجد، وهي بيوت الله لا تشد الرحال إليها بقصد مكانها إلا هذه المساجد الثلاثة، فغير ذلك من باب أولى، فلا تشد الرحال إلى المقابر ليعبد الله هناك، وأشد من ذلك وأقبح أن يعتقد الإنسان أن للعبادة حول القبور أو بين القبور مزية على غيرها، وليعلم أنه ليس من شد الرحل المنهي عنه أن يشد الرحال إلى بلدٍ لطلب العلم، أو طلب الرزق، أو لأجل أن يحضر خطبةً ينتفع بها أكثر من الخطب التي تلقى في بلده؛ “. [فتاوى نور على الدرب>الشريط رقم [262]]
وكما سئل فضيلة الشيخ عبد العز بن عبد الله بن باز: هل يجوز أن يذهب الفرد من بلد إلى بلد ليصلي صلاة الجمعة في مسجد يقال له: مسجد الشيخ فلان؟
فأجاب رحمه الله: إذا كان السفر من أجل أنه يقال: مسجد فلان لا، لا يشد الرحل من أجل المسجد الفلاني، ولا من أجل أنه ينسب إلى الشيخ فلان، العمدة على إمامه الحاضر إذا كان إمامه طيب والصلاة خلفه جيدة لأجل خشوعه وحسن تلاوته، هذا إذا قصده الإنسان يصلي خلفه من أجل حسن تلاوته ومن أجل إقامته للصلاة وخشوعه فيها هذا حسن.
أما شد الرحل لأجل فضل المسجد أنه منسوب إلى فلان هذا لا يجوز؛ لأن الرسول عليه السلام قال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى، هكذا قال عليه الصلاة والسلام لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام -يعني: مكة مسجد مكة- ومسجدي هذا -مسجد المدينة- والمسجد الأقصى، مسجد القدس، أما المساجد الأخرى فلا يشد الرحل لها، ولو كان صاحبها معروفًا بالخير، وتنسب إلى شيخ معروف بالخير، أما إذا شد الرحل للتعلم أو للصلاة خلفه لا من أجل المسجد بل للصلاة خلفه، والإقامة عنده هناك ليتعلم عليه وليستفيد منه لا بأس هذا من أجل طلب العلم، نعم. [حكم شد الرحل إلى مسجد غير المساجد الثلاثة، نور على الدرب للإمام ابن باز رحمه الله].
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- في “حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-” (صـ 113): “ومن البدع قصد المساجد التي بمكة وما حولها غير المسجد الحرام؛ كالمسجد الذي تحت الصفا، وما في سفح أبي قبيس، ومسجد المولد، ونحو ذلك من المساجد التي بُنيت على آثار النبي -صلى الله عليه وسلم-“.
وقال: “ومن البدع قصد قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالسفر، والسنة قصد المسجد؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: “لا تُشَدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد … ” الحديث. فإذا وصل إليه، وصلى التحية؛ زار قبره -صلى الله عليه وسلم-“.
وقال: “والمستثنى منه في هذا الحديث ليس هو المساجد فقط -كما يظن كثيرون- بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه، سواء كان مسجداً، أو قبراً، أو غير ذلك، بدليل ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال في حديث له: فلقيتُ بصرة بن أبي بصرة الغفاري، فقال: من أين أقبلت؟ فقلتُ: من الطور. فقال: لو أدركتُك قبل أن تخرج إليه ما خرجت، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: “لا تُعمَلُ المطيُّ إلا إلى ثلاثة مساجد … ” الحديث.
فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه، ويؤيده أنه لم يُنقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لزيارة قبر ما”. [سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (1/ 59)].
وسُئِلَ شيخ الإسلام ابن تيمية – رَحِمَهُ اللَّهُ -: عَنْ زِيارَةِ «القُدْسِ» و «قَبْرِ الخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلامُ» وما فِي أكْلِ الخُبْزِ والعَدْسِ مِن البَرَكَةِ ونَقْلِهِ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ لِلْبَرَكَةِ وما فِي ذَلِكَ مِن السُّنَّةِ والبِدْعَةِ.
فَأجابَ:
الحَمْدُ لِلَّهِ، أمّا السَّفَرُ إلى بَيْتِ المَقْدِسِ لِلصَّلاةِ فِيهِ والِاعْتِكافِ أوْ القِراءَةِ أوْ الذِّكْرِ أوْ الدُّعاءِ: فَمَشْرُوعٌ مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفاقِ عُلَماءِ المُسْلِمِينَ. وقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ ? مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ وأبِي سَعِيدٍ أنَّهُ قالَ: {لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلّا إلى ثَلاثَةِ مَساجِدَ: المَسْجِدِ الحَرامِ والمَسْجِدِ الأقْصى ومَسْجِدِي هَذا}. والمَسْجِدُ الحَرامِ ومَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ ? أفْضَلُ مِنهُ. وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: {صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذا خَيْرٌ مِن ألْفِ صَلاةٍ فِيما سِواهُ إلّا المَسْجِدَ الحَرامَ}. وأمّا السَّفَرُ: إلى مُجَرَّدِ زِيارَةِ «قَبْرِ الخَلِيلِ» أوْ غَيْرِهِ مِن مَقابِرِ الأنْبِياءِ والصّالِحِينَ ومَشاهِدِهِمْ وآثارِهِمْ فَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ أحَدٌ مِن أئِمَّةِ المُسْلِمِينَ لا الأرْبَعَةُ ولا غَيْرُهُمْ؛ بَلْ لَوْ نَذَرَ ذَلِكَ ناذِرٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الوَفاءُ بِهَذا النَّذْرِ عِنْدَ الأئِمَّةِ الأرْبَعَةِ وغَيْرِهِمْ؛ بِخِلافِ المَساجِدِ الثَّلاثَةِ فَإنَّهُ إذا نَذَرَ السَّفَرَ إلى المَسْجِدِ الحَرامِ لِحَجِّ أوْ عُمْرَةٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِاتِّفاقِ الأئِمَّةِ وإذا نَذَرَ السَّفَرَ إلى المَسْجِدَيْنِ الآخَرَيْنِ لَزِمَهُ السَّفَرُ عِنْدَ أكْثَرِهِمْ كَمالِكِ وأحْمَد والشّافِعِيِّ فِي أظْهَرِ قَوْلَيْهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ? {مَن نَذَرَ أنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ومَن نَذَرَ أنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلا يَعْصِهِ} رَواهُ البُخارِيُّ. وإنَّما يَجِبُ الوَفاءُ بِنَذْرِ كُلِّ ما كانَ طاعَةً: مِثْلَ مَن نَذَرَ صَلاةً أوْ صَوْمًا أوْ اعْتِكافًا أوْ صَدَقَةً لِلَّهِ أوْ حَجًّا.
ولِهَذا لا يَجِبُ بِالنَّذْرِ السَّفَرُ إلى غَيْرِ المَساجِدِ الثَّلاثَةِ؛ لِأنَّهُ لَيْسَ بِطاعَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ? {لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلّا إلى ثَلاثَةِ مَساجِدَ} فَمَنَعَ مِن السَّفَرِ إلى مَسْجِدٍ غَيْرِ المَساجِدِ الثَّلاثَةِ فَغَيْرُ المَساجِدِ أوْلى بِالمَنعِ؛ لِأنَّ العِبادَةَ فِي المَساجِدِ أفْضَلُ مِنها فِي غَيْرِ المَساجِدِ وغَيْرِ البُيُوتِ بِلا رَيْبٍ ولِأنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ? أنَّهُ قالَ: {أحَبُّ البِقاعِ إلى اللَّهِ المَساجِدُ} مَعَ أنَّ قَوْلَهُ {لا تُشَدُّ الرِّحالُ إلّا إلى ثَلاثَةِ مَساجِدَ} يَتَناوَلُ المَنعَ مِن السَّفَرِ إلى كُلِّ بُقْعَةٍ مَقْصُودَةٍ؛ بِخِلافِ السَّفَرِ لِلتِّجارَةِ وطَلَبِ العِلْمِ ونَحْوِ ذَلِكَ: فَإنَّ السَّفَرَ لِطَلَبِ تِلْكَ الحاجَةِ حَيْثُ كانَتْ وكَذَلِكَ السَّفَرُ لِزِيارَةِ الأخِ فِي اللَّهِ فَإنَّهُ هُوَ المَقْصُودُ حَيْثُ كانَ. وقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ المُتَأخِّرِينَ مِن العُلَماءِ: أنَّهُ لا بَاسَ بِالسَّفَرِ إلى المَشاهِدِ واحْتَجُّوا {بِأنَّ النَّبِيَّ ? كانَ يَاتِي قُباء كُلَّ سَبْتٍ راكِبًا وماشِيًا} أخْرَجاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ ولا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأنَّ قُباء لَيْسَتْ مَشْهَدًا؛ بَلْ مَسْجِدٌ وهِيَ مَنهِيٌّ عَنْ السَّفَرِ إلَيْها بِاتِّفاقِ الأئِمَّةِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسَفَرِ مَشْرُوعٍ؛ بَلْ لَوْ سافَرَ إلى قُباء مِن دويرة أهْلِهِ لَمْ يَجُزْ ولَكِنْ لَوْ سافَرَ إلى المَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ثُمَّ ذَهَبَ مِنهُ إلى قُباء فَهَذا يُسْتَحَبُّ كَما يُسْتَحَبُّ زِيارَةُ قُبُورِ أهْلِ البَقِيعِ وشُهَداءِ أُحُدٍ.
وأمّا أكْلُ الخُبْزِ والعَدْسِ المَصْنُوعِ عِنْدَ «قَبْرِ الخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلامُ» فَهَذا لَمْ يَسْتَحِبَّهُ أحَدٌ مِن العُلَماءِ؛ لا المُتَقَدِّمِينَ ولا المُتَأخِّرِينَ ولا كانَ هَذا مَصْنُوعًا لا فِي زَمَنِ الصَّحابَةِ ولا التّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسانِ ولا بَعْدَ ذَلِكَ إلى خَمْسمِائَةِ سَنَةٍ مِن البَعْثَةِ حَتّى أخَذَ النَّصارى تِلْكَ البِلادَ ولَمْ تَكُنْ القُبَّةُ الَّتِي عَلى قَبْرِهِ مَفْتُوحَةً؛ بَلْ كانَتْ مَسْدُودَةً ولا كانَ السَّلَفُ مِن الصَّحابَةِ والتّابِعِينَ يُسافِرُونَ إلى قَبْرِهِ ولا قَبْرِ غَيْرِهِ؛ لَكِنْ لَمّا أخَذَ النَّصارى تِلْكَ البِلادَ فَسَوَّوْا حُجْرَتَهُ واِتَّخَذُوها كَنِيسَةً فَلَمّا أخَذَ المُسْلِمُونَ البِلادَ بَعْدَ ذَلِكَ اتَّخَذَ ذَلِكَ مَن اتَّخَذَهُ مَسْجِدًا وذَلِكَ بِدْعَةٌ مَنهِيٌّ عَنْها لِما ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ ? أنَّهُ قالَ: {لَعَنَ اللَّهُ اليَهُودَ والنَّصارى اتَّخَذُوا قُبُورَ أنْبِيائِهِمْ مَساجِدَ} يُحَذِّرُ ما فَعَلُوا. وفِي الصَّحِيحِ عَنْهُ أنَّهُ قالَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِخَمْسِ: {إنّ مَن كانَ قَبْلَكُمْ كانُوا يَتَّخِذُونَ القُبُورَ مَساجِدَ ألا فَلا تَتَّخِذُوا القُبُورَ مَساجِدَ فَإنِّي أنْهاكُمْ عَنْ ذَلِكَ}. ثُمَّ وقَفَ بَعْضُ النّاسِ وقْفًا لِلْعَدْسِ والخُبْزِ ولَيْسَ هَذا وقْفًا مِن الخَلِيلِ ولا مِن أحَدٍ مِن بَنِي إسْرائِيلَ ولا مِن النَّبِيِّ ? ولا مِن خُلَفائِهِ؛ بَلْ قَدْ رُوِيَ {عَنْ النَّبِيِّ ? أنَّهُ أطْلَقَ تِلْكَ القَرْيَةَ للدارميين} ولَمْ يَامُرْهُمْ أنْ يُطْعِمُوا عِنْدَ مَشْهَدِ الخَلِيلِ – عَلَيْهِ السَّلامُ – لا خُبْزًا ولا عَدْسًا ولا غَيْرَ ذَلِكَ.
فَمَن اعْتَقَدَ أنَّ الأكْلَ مِن هَذا الخُبْزِ والعَدْسِ مُسْتَحَبٌّ شَرَعَهُ النَّبِيُّ ? فَهُوَ مُبْتَدِعٌ ضالٌّ بَلْ مَن اعْتَقَدَ أنَّ العَدْسَ مُطْلَقًا فِيهِ فَضِيلَةٌ فَهُوَ جاهِلٌ. والحَدِيثُ الَّذِي يُرْوى: {كُلُوا العَدْسَ فَإنَّهُ يُرِقُّ القَلْبَ وقَدْ قُدِّسَ فِيهِ سَبْعُونَ نَبِيًّا} حَدِيثٌ مَكْذُوبٌ مُخْتَلَقٌ بِاتِّفاقِ أهْلِ العِلْمِ. ولَكِنَّ العَدْسَ هُوَ مِمّا اشْتَهاهُ اليَهُودُ. وقالَ اللَّهُ تَعالى لَهُمْ: {أتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}. ومِن النّاسِ مَن يَتَقَرَّبُ إلى الجِنِّ بِالعَدْسِ فَيَطْبُخُونَ عَدْسًا ويَضَعُونَهُ فِي المَراحِيضِ أوْ يُرْسِلُونَهُ ويَطْلُبُونَ مِن الشَّياطِينِ بَعْضَ ما يُطْلَبُ مِنهُمْ كَما يَفْعَلُونَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الحَمّامِ وغَيْرِ ذَلِكَ وهَذا مِن الإيمانِ بِالجِبْتِ والطّاغُوتِ. و «جِماعُ دِينِ الإسْلامِ»: أنْ يُعْبَدَ اللَّهُ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ويُعْبَدَ بِما شَرَعَهُ سُبْحانَهُ وتَعالى عَلى لِسانِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ? مِن الواجِباتِ والمستحبات والمَندُوباتِ. فَمَن تَعَبَّدَ بِعِبادَةِ لَيْسَتْ واجِبَةً ولا مُسْتَحَبَّةً فَهُوَ ضالٌّ واَللَّهُ أعْلَمُ. [مجموع الفتاوى للإمام ابن تيمية رحمه الله].
(المسألة السادسة): هل المسجد الأقصى حرم مثل المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف ومن الذي بناه؟
جـ: أولا: لا نعلم دليلا يدل أن المسجد الأقصى حرم مثل المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف، نعم ثبتت شرعية شد الرحل إليه وفضل الصلاة فيه، والذي يدل على ذلك قوله ?: «لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى» خرجه مالك والبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهذا لفظ مسلم.
وأما الدليل على فضل الصلاة فيه فما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله ?: «صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة وصلاة في مسجدي بألف صلاة وفي بيت المقدس خمسمائة صلاة».
ثانيا: اختلف في من بنى المسجد الأقصى، فقيل: نبي الله يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وهو أشبه، وقيل: سليمان، والصحيح أن بناء سليمان تجديد لا تأسيس؛ لأن بينه وبين إبراهيم أزمان كثيرة أكثر من أربعين؛ كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير رحمه الله، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: «قلت: يا رسول الله أي مسجد وضع في أرض أولا؟ قال: «المسجد الحرام»، قلت: ثم أي؟ قال: “المسجد الأقصى “، قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد». وفي حديث أبي كامل: «ثم حيثما أدركتك الصلاة فصله فإنه مسجد».
وأخرج النسائي بإسناد صحيح من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي ? «أن سليمان بن داود عليه السلام لما بنى بيت المقدس سأل الله خلالا ثلاثة: سأل الله حكما يصادف حكمه فأوتيه، وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغي لأحد من بعده فأوتيه، وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء المسجد ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه».
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … الرئيس
عبد الله بن غديان … عبد العزيز بن عبد الله بن باز [الفتوى رقم ((5387))، فتاوى اللجنة الدائمة – 1].
المسألة السابعة:
هل تصح أحاديث في الحث على زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم خاصة:
جواب لبعض أهل الفتوى:
السؤال: أرجو الإفادة عن صحة الأحاديث الآتية:
الأول: من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني
الثاني: من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي.
الثالث: من زارني بالمدينة محتسبًا كنت له شفيعًا شهيدًا يوم القيامة.
لأنها وردت في بعض الكتب وحصل منها إشكال واختلف فيها على رأيين: أحدهما يؤيد هذه الأحاديث والثاني لا يؤيدها.
الجواب: أما الحديث الأول: فقد رواه ابن عدي والدارقطني من طريق عبدالله بن عمر عن النبي ? بلفظ: من حج ولم يزرني فقد جفاني وهو حديث ضعيف، بل قيل عنه: إنه موضوع، أي مكذوب؛ ذلك أن في سنده محمد بن النعمان بن شبل الباهلي عن أبيه وكلاهما ضعيف جدًا. وقال الدارقطني: الطعن في هذا الحديث على ابن النعمان لا على النعمان، وروى هذا الحديث البزار أيضًا، وفي إسناده إبراهيم الغفاري وهو ضعيف، ورواه البيهقي عن عمر وقال: إسناده مجهول.
أما الحديث الثاني: فقد أخرجه الدارقطني عن رجل من آل حاطب عن حاطب عن النبي ? بهذا اللفظ وفي إسناده الرجل المجهول، ورواه أبو يعلى في مسنده وابن عدي في كامله وفي إسناده حفص بن داود وهو ضعيف الحديث.
أما الحديث الثالث: فقد رواه ابن أبي الدنيا من حديث أنس بن مالك عن النبي ? بهذا اللفظ وفي إسناده سليمان بن زيد الكعبي وهو ضعيف الحديث، ورواه أبو داود الطيالسي من حديث عمر بن الخطاب وفي إسناده مجهول.
وقد بسط الكلام على هذه الأحاديث وما جاء في معناها العلامة الشيخ محمد بن عبدالهادي رحمه الله في كتابه: الصارم المنكي في الرد على السبكي وقبله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رده على الأخنائي. فأوصي بمراجعة الكتابين المذكورين للمزيد من العلم.
هذا وقد وردت أحاديث صحيحة في الحث على زيارة القبور عامة للعبرة والاتعاظ والدعاء للميت.
أما الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي ? خاصة فكلها ضعيفة كما تقدم بل قيل: إنها موضوعة، فمن رغب في زيارة القبور أو زيارة قبر الرسول ? زيارة شرعية للعبرة والاتعاظ والدعاء للميت والصلاة على النبي ? والترضي عن صاحبيه من دون أن يشد الرحال لها وينشئ سفرًا لذلك فزيارته مشروعة ويرجى له فيها الأجر.
وأما من شد لها الرحال أو زارها يرجو بركتها والانتفاع بها أو جعل لزيارتها مواعيد خاصة فزيارته مبتدعة، لم يصح فيها نص ولم تعرف عن سلف هذه الأمة، بل وردت النصوص بالنهي عنها كحديث: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصارواه البخاري ومسلم، وحديث: لا تتخذوا قبري عيدًا، ولا بيوتكم قبورًا، وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم رواه محمد بن عبدالواحد المقدسي رحمه الله في كتابه: “الأحاديث المختارة” وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
=====
المسألة الثامنة:
فوائد من كتاب: الصارم المنكي في الرد على السبكي
للإمام محمد بن أحمد بن عبدالهادي ت 744 هـ
منشورة في الشبكة نقلنا منها ما يتعلق بشرح حديثنا. وتحتاج مراجعة مع الكتاب الأصل:
– المسجد الحرام يختص بالطواف ولا يطاف بغيره.
-السفر إلى أي بلد لأجل مسجد فيها ليس مشروعاً باتفاق الأئمة الأربعة.
– من نذر أن يسافر للمدينة النبوية فإن كان يقصد المسجد وفى بنذره، وإن كان القبر فلا.
– من سوى بين الخالق والمخلوق في الحب له والخوف منه والرجاء له فهو مشرك.
– زيارة أهل التوحيد لقبور المسلمين تتضمن السلام عليهم والدعاء لهم وهو مثل الصلاة على جنائزهم.
– حكم الزيادة في المسجد الحرام حكم المزيد في جميع الأحكام.
– اتفقوا على أنه لا يستلم الحجرة النبوية ولا يقبلها ولا يطوف بها ولا يصلي إليها ولا يدعو هناك مستقبلاً الحجرة، فإن هذا كله منهي عنه باتفاق الأئمة.
– من كان قصده السفر إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وقبره معاً فهذا قصد مستحباً مشروعاً بالإجماع.
– كره مالك لأهل المدينة كلما دخلوا المسجد أو خرجوا أن يأتوا القبر، وقد ذكر أن هذا بدعة لم تبلغه عن أحد من السلف.
– من ظن أن زيارة القبر تختص بجنس من العبادة لم تكن مشروعة في المسجد وإنما شرعت لأجل القبر فقد أخطأ، لم يقل بهذا أحد من الصحابة والتابعين.
– قد يكون العمل المفضول في بعض الناس أفضل لكونه أنفع له وكونه أرغب فيه وهو أحب إليه من عمل أفضل منه لكونه يعجز عنه، فهذا يختلف بحسب اختلاف الأشخاص.
– بعضهم يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع صوت كل من سلم أو صلى عليه، والقول بهذا باطل، وإنما في الأحاديث المعروفة أن ذلك يبلغه ويعرض عليه.
– من سافر إلى المدينة أو بيت المقدس لقصد زيارة ما هناك من القبور أو من آثار الأنبياء والصالحين كان سفره محرماً عند مالك والأكثرين.
– تجوز زيارة قبر الكافر لأجل العظة.
– قول أهل السنة من الفقهاء والمحدثين وغيرهم: أن الروح ذات قائمة بنفسها لها صفات تقوم بها وأنها تفارق البدن وتصعد وتنزل وتنعم وتعذب.
– قول القائل: إن المشي إلى المدينة لمجرد زيارة القبر أفضل من الكعبة قول محدث في الإسلام مخالف لإجماع العلماء الأعلام من الصحابة والتابعين.
– ليس كل من قضيت حاجته بسبب , يقتضي أن يكون السبب مشروعاً.
– قد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحاً ولا يكون عالماً أنه منهي عنه، فيثاب على حسن قصده ويعفى عنه لعدم علمه.
– بحسب توحيد العبد لربه وإخلاصه دينه لله يستحق كرامة الله بالشفاعة وغيرها.
– بحسب قلة علم الرجل يضله الشيطان.
– وإنما ظهرت هذه الضلالات ممن قل علمه بالتوحيد والسنة.
– إذا كان قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيداً فقبر غيره أولى بالنهي كائناً من كان.
– العيد يقال في لسان الشارع على الزمان والمكان كما في حديث: ” هل كان فيها وثن هل كان فيها عيد “.
– القربة هي ما جعله الله ورسوله قربة إما بأمره، وإما بإخباره وأنها قربة وإما بالثناء على فاعلها , وإما بجعل الفعل سبباً لثواب يتعلق عليه، أو تكفير سيئات أو غير ذلك من الوجوه التي يستدل بها على كون الفعل محبوباً لله مقرباً إليه.
– كل زيارة – عند قبر – تتضمن فعل ما نُهي عنه وترك ما أمر به كالتي تتضمن الجزع وقول الهجر وترك الصبر أو تتضمن الشرك ودعاء غير الله وترك إخلاص الدين لله فهي منهي عنها.
– الصلاة على الجنائز أفضل باتفاق المسلمين من الدعاء للموتى عند قبورهم.