1208 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1208):
مسند أبي بردة بن نِيارٍ رضي الله عنه
قال الإمام النسائي رحمه الله تعالى (ج ٧ ص ٢٢٤): أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال حدثنا يحيى عن يحيى ح وأنبأنا عمرو بن علي قال حدثنا يحيى عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن أبي بردة بن نيار: أنه ذبح قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعيد. قال عندي عناق جذعة هي أحب إلي من مسنتين. قال «اذبحها».
في حديث عبيد الله: فقال إني لا أجد إلا جذعة فأمره أن يذبح.
هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخين.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
أورده الإمام النسائي رحمه الله تعالى في السنن، كتاب الضحايا، ذَبْحُ الضَّحِيَّةِ قَبْلَ الإمام، (٤٣٩٧).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
كتاب الأطعمة، ٤٩ – الأضاحي، (٢٧٢٩).
الأول: شرح الحديث:
* ما يتعلق بالإسناد:
(بُشير بن يسار) -بضمّ الموحّدة، مصغّرًا- الحارثيّ الأنصاريّ مولاهم المدنيّ، ثقة [٣] ١٢٤/ ١٨٦.
[تنبيه]: «بُشَير» بالتصغير فِي الكتب الستّة اثنان، فقط، هَذا، وبُشير بن كعب بن أبي الحميريّ العَدويّ، أبو أيوب البصريّ، ثقة . ومن عداهما، فإنه بَشِير، بالفتح، مكبّرًا، وإلى هَذا أشار السيوطيّ فِي «ألفية الحَدِيث»، حيث قالَ:
وابْنُ يَسارٍ وابْنُ كَعْبٍ قُلْ يُسَيْر … وقُلْ يُسَيْرٌ فِي ابْنِ عَمْرو أوْ أُسَيْر
(عَنْ أبِي بُرْدَةَ) بضم الموحّدة، وسكون الراء، اسمه هانىء (بْنِ نِيارٍ) -بكسر النون- رضي الله تعالى عنه (أنّهُ ذَبَحَ قَبْلَ النَّبِيِّ ﷺ) وتقدم سببه [ما ورد عَنِ البَراءِ بْنِ عازِبٍ، قالَ: قامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الأضْحى، فَقالَ: “مَن وجَّهَ قِبْلَتَنا، وصَلّى صَلاَتَنا، ونَسَكَ نُسُكَنا، فَلاَ يَذْبَحْ حَتّى يُصَلِّيَ»، فَقامَ خالِي، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي عَجَّلْتُ نُسُكِي، لأُطْعِمَ أهْلِي، وأهْلَ دارِي، أوْ أهْلِي، وجِيرانِي، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أعِدْ ذِبْحًا آخَرَ»، قالَ: فَإنَّ عِنْدِي عَناقَ لَبَنٍ، هِيَ أحَبُّ إلَيَّ مِن شاتَيْ لَحْمٍ، قالَ: «اذْبَحْها، فَإنَّها خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ، ولاَ تَقْضِي جَذَعَةٌ عَنْ أحَدٍ بَعْدَكَ»)]
(فَأمَرَهُ النَّبِيُّ ﷺ أنْ يُعِيدَ) أي يذبح أضحيّته مرّة ثانية؛ لعدم إجزاء الأولى، حيث وقعت قبل دخول وقتها، وهو بعد صلاة العيد (قالَ) أي أبو بُردة رضي الله تعالى عنه (عِنْدِي عَناقُ جَذَعَةٍ) يحتمل أن يكون بإضافة «عناق» إلى «جَذَعَةً»، منْ إضافة الصفة للموصوف، ويحتمل أن يكون «جَذَعَةً» صفة لـ«عناق»، ويدلّ عَلى هَذا ما سبق منْ قوله: «فإن عندي عناقًا جذعةً» (هِيَ أحَبُّ إلَيَّ) لسمنها، وكثرة لحمها (مِن مُسِنَّتَيْنِ) تثنية مُسنّة بصيغة اسم الفاعل، منْ أسنّت: إذا طلع سنّها، وذلك بعد سنتين، لا منْ أسنّ الرجل: إذا كَبِرَ (قالَ) صلّى الله تعالى عليه وسلم («اذْبَحْها) أي اذبح الجذعة أضحيّة بدلًا عما وقع قبل وقته (فِي حَدِيثِ عُبَيْدِ الله) بن سعيد، وهو الشيخ الأول للمصنّف فِي هَذا السند، يعني أن قوله: ((اذبحها)) إنما هو فِي حديث عمرو بن عليّ الفلّاس الشيخ الأول له، وأما حديث عُبيد الله بن سعيد»، فإنه بلفظ (فَقالَ) أي الرجل (إنِّي لا أجِدُ إلّا جَذَعَةً، فَأمَرَهُ) صلّى الله تعالى عليه وسلم (أنْ يَذْبَحَ) الجذعة المتيسّرة له. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قالَ الأثيوبي عفا الله تعالى عنه: حديث أبي بُردة بن نيار رضي الله تعالى عنه هَذا صحيح، وهو منْ أفراد المصنّف رحمه الله تعالى، أخرجه هنا -١٧/ ٤٣٩٩ – وفي «الكبرى» ١٧/ ٤٤٨٤. وأخرجه (أحمد) فِي «مسند المكيين» ١٥٧٠ و«مسند المدنيين» ١٥٨٩٣ (الموطأ) فِي «الأضاحي» ٩١٥ (الدارمي) فِي «الأضاحي» ١٨٨١.
ثانيا: فوائد الحديث:
1- (منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان حكم ذبح الأضحيّة قبل الإمام، وهو وجوب الإعادة، والظاهر أن المصنّف يرى حمل قوله ﷺ: «منْ ذبح قبل الصلاة، فليُعد» عَلى الذبح قبل الإمام، قالَ به مالك، وبعض أهل العلم، إلا أن الراجح جوازه قبل ذبحه، إذا كانَ بعد الصلاة، عملًا بظاهر الحَدِيث. والله تعالى أعلم.
وسيأتي اختلاف العلماء فيه فِي المسألة، إن شاء الله تعالى.
2- (ومنها): أن فيه إجزاء الذَكَر فِي الأضحية.
3- (ومنها): أن الأفضل أن يذبح الإنسان أضحيته بنفسه، وهذا والذي قبله مجمع عليهما. قاله النوويّ.
4- (ومنها): أن فيه استحباب التضحية باثنين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل. [ذخيرة العقبى]
5- (ومنها): أنه استُدلّ به عَلى وجوب الأضحية، عَلى منْ التزم الأضحية، فأفسد ما يُضحِّي به، ورده الطحاوي بأنه لو كانَ كذلك، لتعرض إلى قيمة الأُولى ليلزم بمثلها، فلما لم يَعتبر ذلك دلّ عَلى أن الأمر بالإعادة، كانَ عَلى جهة الندب، وفيه بيان ما يجزي فِي الأضحية، لا عَلى وجوب الإعادة.
6- (ومنها): أن المرجع فِي الأحكام إنما هو إلى النبيّ ﷺ، وأنه قد يَخُصّ بعض أمته بحكم، ويمنع غيره منه، ولو كانَ بغير عذر.
7- (ومنها): أن منْ ذبح قبل الصلاة لم يجزئه، ولزمه البدل، قالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: وهذا محمول عَلى الأضحية الواجبة بنذر، أو تعيين، فإن كانت غير واجبة بواحد منْ الأمرين، فهي شاة لحم، ولا بدل عليه، إلا أن يشاء؛ لأنه قصد التطوع، فأفسده، فلم يجب عليه بدله، كما لو خرج بصدقة تطوع، فدفعها إلى غير مستحقها، والحديث –أي: حديث البراء رضي الله عنه- يُحمل عَلى أحد أمرين: إما عَلى الندب، وأما عَلى التخصيص بمن وجبت عليه، بدليل ما ذكرنا، فأما الشاة المذبوحة فهي شاة لحم، كما وصفها النبيّ ﷺ، ومعناه: يصنع بها ما شاء، كشاةِ ذبحها للحمها، لا لغير ذلك، فإن هذه إن كانت واجبة، فقد لزمه إبدالها، وذبح ما يقوم مقامها، فخرجت هذه عن كونها واجبة، كالهدي الواجب، إذا عطب دون محله، وإن كانَ تطوعا، فقد أخرجها بذبحه إياها قبل محلها عن القربة، فبقيت مجرد شاة لحم، ويحتمل أن يكون حكمها حكم الأضحية، كالهدي إذا عطب، لا يخرج عن حكم الهدي عَلى رواية، ويكون معنى قوله: «شاة لحم»، أي فِي فضلها، وثوابها خاصة، دون ما يصنع بها. انتهى.
قالَ الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: الاحتمال الأول هو الأظهر. والله تعالى أعلم.
8- (ومنها): أنه استُدلّ بقوله: «اذبح مكانها أخرى»، وفي لفظ: «أعِد نسكا»، وفي لفظ: «ضَحِّ بها»، وغير ذلك منْ الألفاظ المصرحة بالأمر بالأضحية، عَلى وجوب الأضحية، قالَ القرطبيّ فِي «المفهم»: ولا حجة فِي شيء منْ ذلك، وإنما المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية، لمن أراد أن يفعلها، أو منْ أوقعها عَلى غير الوجه المشروع خطأً، أو جهلًا، فبَيَّن له وجه تدارك ما فرّط منه، وهذا معنى قوله: «لا تجزى عن أحد بعدك»: أي لا يحصل له مقصود القربة، ولا الثواب، كما يقال فِي صلاة النفل: لا تجزي إلا بطهارة، وستر عورة، قالَ: وقَدْ استدل بعضهم للوجوب بأن الأضحية منْ شريعة إبراهيم الخليل، وقَدْ أمرنا باتباعه. ولا حجة فيه؛ لأنا نقول بموجبه، ويُلزمهم الدليل عَلى أنها كانت فِي شريعة إبراهيم واجبة، ولا سبيل إلى علم ذلك، ولا دلالة فِي قصة الذبيح للخصوصية التي فيها. والله أعلم.
تنبيه : ورد حديث( من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا ) وابن عبدالهادي في التنقيح رجح انه موقوف 3/564 ، ونقلت في بعض تخاريجي عن باحث : أن أحمد قال : عن حديث( من لم يضح فلا يقربن مصلانا )انه منكر. وأنه وقع سقط في علل الدارقطني فيكون الراجح أنه رجح الموقوف). راجع علل الدارقطني 10/305 مع الحاشية حيث بين المحقق السقط.
كذلك راجع كلام ابن الجوزي :حيث قال : من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا. رواه أحمد في مسنده عنه وقال : هذا حديث منكر، وقال الدارقطني : الأصح وقفه. انتهى تنقيح كتاب التحقيق طبعة دار الوطن للنشر( نسخة إلكترونية )
ولا أدري هل يقصد انه انكره في المسند حيث لم أجد إنكاره في مسنده.
وحكم عليه محققو المسند بالضعف لضعف الراوي واضطرابه 14/24
يعني عبدالله بن عياش
وكذلك بينا ضعف حديث على كل بيت في كل عام أضحية .
بل ثبت عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان أحيانا لكي لا يعتقد الناس أنها فرض . انتهى سيف الكعبي
9- (ومنها): أنّ فيه أن الإمام يُعلّم النّاس فِي خطبة العيد أحكام النحر.
10- (ومنها): أن فيه جوازَ الاكتفاء فِي الأضحية بالشاة الواحدة، عن الرجل وعن أهل بيته، وبه قالَ الجمهور، وعن أبي حنيفة، والثوري: يكره، وقالَ الخطابي لا يجوز أن يضحى بشاة واحدة عن اثنين، وادعى نسخ ما دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها: «ضَحّى رسول الله ﷺ عن نسائه بالبقر»، رواه البخاريّ. وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال.
11- (ومنها): أن فيه أن العمل وان وافق نية حسنة، لم يصح إلا إذا وقع عَلى وفق الشرع. (ومنها): أن فيه جواز أكل اللحم يوم العيد، منْ غير لحم الأضحية؛ لقوله: «إنما هو لحم قدّمه لأهله».
12- (ومنها): أن فيه كرم الرب سبحانه وتعالى؛ لكونه شرع لعبيده الأضحية، مع ما لهم فيها منْ الشهوة بالأكل والادخار، ومع ذلك فأثبت لهم الأجر فِي الذبح، ثم منْ تصدق أثيب، وإلا لم يأثم.
13- (ومنها): أن فيه تخصيص أبي بردة بإجزاء الجذع منْ المعز فِي الأضحية، لكن وقع فِي عدة أحاديث التصريح بنظير ذلك لغير أبي بردة، ففي حديث عقبة بن عامر، كما تقدم قريبا: «ولا رخصة فيها لأحد بعدك»، قالَ البيهقي: إن كانت هذه الزيادة محفوظة، كانَ هَذا رخصة لعقبة، كما رخص لأبي بردة. قالَ الحافظ: وفي هَذا الجمع نظر؛ لأن فِي كل منهما صيغة عموم فأيُّهما تَقَدَّم عَلى الآخر اقتضى انتفاء الوقوع للثاني، وأقرب ما يقال فيه: إن ذلك صَدَرَ لكل منهما فِي وقت واحد، أو تكون خصوصية الأول نُسِخت بثبوت الخصوصية للثاني، ولا مانع منْ ذلك؛ لأنه لم يقع فِي السياق استمرار المنع لغيره صريحا، وقد انفصل ابن التين، وتبعه القرطبيّ، عن هَذا الإشكال باحتمال أن يكون العتود، كانَ كبير السن، بحيث يجزىء، لكنه قالَ ذلك، بناءً عَلى أن الزيادة التي فِي آخره، لم تقع له، ولا يتم مراده مع وجودها، مع مصادمته لقول أهل اللغة فِي العتود. وتمسك بعض المتأخرين بكلام ابن التين، فضعف الزيادة، وليس بجيد، فإنها خارجة منْ مخرج الصحيح، فإنها عند البيهقي، منْ طريق عبد الله البوشنجي، أحد الأئمة الكبار فِي الحفظ والفقه، وسائر فنون العلم، رواها عن يحيى ابن بكير، عن الليث، بالسند الذي ساقه البخاريّ، ولكني رأيت الحَدِيث فِي «المتفق للجوزقي»، منْ طريق عبيد بن عبد الواحد، ومن طريق أحمد بن إبراهيم بن مِلْحان، كلاهما عن يحيى بن بكير، وليست الزيادة فيه، فهذا هو السر فِي قول البيهقي: إن كانت محفوظة، فكأنه لَمّا رأى التفرد، خشي أن يكون دخل عَلى راويها، حديث فِي حديث. وقَدْ وقع فِي كلام بعضهم أن الذين ثبتت لهم الرخصة أربعة، أو خمسة. واستَشكَلَ الجمعَ، وليس بمشكل، فإن الأحاديث التي وردت فِي ذلك، ليس فيها التصريح بالنفي، إلا فِي قصة أبي بردة فِي «الصحيحين»، وفي قصة عقبة بن عامر فِي البيهقي، وأما ما عدا ذلك، فقد أخرج أبو داود، وأحمد، وصححه ابن حبّان، منْ حديث زيد بن خالد: أن النبيّ ﷺ، أعطاه عتودا جذعا، فَقالَ: «ضَحِّ به»، فقلت: إنه جذع، أفأضحي به؟ قالَ: «نعم، ضحِّ به»، فضحيت به. لفظ أحمد، وفي «صحيح ابن حبّان»، وابن ماجه، منْ طريق عباد بن تميم، عن عويمر بن أشقر، أنه ذبح أضحيته، قبل أن يغدو يوم الأضحى، فأمره النبيّ ﷺ، أن يعيد أضحية أخرى. وفي الطبراني الأوسط، منْ حديث ابن عباس: أن النبيّ ﷺ، أعطى سعد بن أبي وقاص جذعا، منْ المعز، فأمره أن يُضحّي به. وأخرجه الحاكم، منْ حديث عائشة، وفي سنده ضعف، ولابي يعلى، والحاكم، منْ حديث أبي هريرة: أن رجلًا قالَ: يا رسول الله ﷺ، هَذا جذع منْ الضأن مهزول، وهذا جذع منْ المعز سمين، وهو خيرهما، أفاضحي به؟، قالَ: «ضحّ به، فإن لله الخير». وفي سنده صعف.
قالَ الحافظ رحمه الله تعالى: والحق أنه لا منافاة بين هذه الأحاديث، وبين حديثي أبي بردة، وعقبة؛ لاحتمال أن يكون ذلك فِي ابتداء الأمر، ثم تقرر الشرع بأن الجذع منْ المعز لا يجزي، واختُصَّ أبو بردة، وعقبة بالرخصة فِي ذلك، وإنما قلت ذلك؛ لأن بعض النّاس، زعم أن هؤلاء شاركوا عقبة، وأبا بردة في ذلك، والمشاركةُ إنما وقعت فِي مطلق الإجزاء، لا فِي خصوص مع الغير.
ومنهم منْ زاد فيهم: عويمر بن أشقر، وليس فِي حديثه إلا مطلق الإعادة؛ لكونه ذبح قبل الصلاة. وأما ما أخرجه ابن ماجه، منْ حديث أبي زيد الأنصاريّ: أن رسول الله ﷺ قالَ لرجل منْ الأنصار: «اذبحها، ولن تجزي جذعة عن أحد بعدك»، فهذا يُحمَل عَلى أنه أبو بردة بن نيار، فإنه منْ الأنصار. وكذا ما أخرجه أبو يعلى، والطبراني، منْ حديث أبي جحيفة: أن رجلا ذبح قبل الصلاة، فَقالَ رسول الله ﷺ: «لا تجزي عنك»، قالَ: إن عندي جذعة، فَقالَ: «تجزي عنك، ولا تجزي بعدُ»، فلم يثبت الإجزاء لأحد، ونفيه عن الغير، إلا لأبي بردة، وعقبة، وإن تعذر الجمع الذي قدمه، فحديث أبي بردة أصح مخرجا. والله أعلم.
قالَ الفاكهي: ينبغي النظر فِي اختصاص أبي بردة بهذا الحكم، وكشف السر فيه.
وأجيب بأن الماوردي قالَ: إن فيه وجهين: [أحدهما]: أن ذلك كانَ قبل استقرار الشرع، فاستثنى. [والثاني]: أنه عَلِمَ منْ طاعته، وخلوص نيته ما ميزه عمن سواه.
قالَ الحافظ: وفي الأول نظر؛ لأنه لو كانَ سابقا، لامتنع وقوع ذلك لغيره، بعد التصريح بعدم الإجزاء لغيره، والفرض ثبوت الإجزاء لعدد غيره، كما تقدم. انتهى كلام الحافظ فِي «الفتح» ١١/ ١٢٩ – ١٣٠.
قالَ الأتوبي عفا الله تعالى عنه: هَذا البحث الذي تقدّم منْ الحافظ بحث نفيسٌ جدًّا، وخلاصته أن الجذع لا يُجوز التضحية به، إلا لمن خصّه الشارع، وهما أبو بُردة بن نيار، وعقبة بن عامر رضي الله تعالى عنهما، ومن عداهما ممن رُوي أنه ﷺ أمره أن يُضحّي بالجذع، فمحمول عَلى ما قبل استقرار النهي عن التضحية به. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [ذخيرة العقبى]
14 – [تنبيه:]
وقع في البخاري في «الأيمان والنذور» من طريق ابن عون عن الشعبي قال: قال البراء بن عازب: وكان عندهم ضيف لهم، فأمر أهله أن يذبحوا قبل أن يرجع، ليأكل ضيفهم، فذبحوا قبل الصلاة، فذكروا ذلك للنبي ﷺ، فأمره أن يعيد الذبح، فقال: يا رسولَ الله، عندي عناق جذع، عناق لبن، هي خير من شاتَي لحم. [فتح السلام شرح عمدة الأحكام، للحافظ ابن حجر العسقلاني مأخوذ من كتابه فتح الباري].
والحديث أخرجه البخاري ٥٥٤٥ ومسلم ١٩٦١ وفي رواية لمسلم ( جذعة من المعز )
والعناق الأنثى من المعز إذا قويت مالم تستكمل سنة . فالجذع من المعز لا تجزئ عن أحد
وفيه أن من ذبح قبل الصلاة فاليعد أخرى فتحمل لفظة قبل النبي صلى الله عليه وسلم يعني قبل الصلاة للروايات الأخرى
أما من الضأن يعني الجذعة فتجزئ لحديث ( إن الجذع من الضأن يوفي مما يوفي منه الثني من المعز ) صحيح الجامع
والجذعة هي الفتية والثني التي سقطت ثناياها؛ أربعة اثنتان فوق واثنتان تحت
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): فِي اختلاف أهل العلم فِي وقت الأضحيّة:
ذهبت طائفة إلى أنه إذا مضى منْ نهار يوم العيد، قدر ما تَحِلّ فيه الصلاة، وقدر الصلاة والخطبتين تامتين، فِي أخف ما يكون، فقد دخل وقت الذبح، ولا يعتبر نفس الصلاة، لا فرق فِي هَذا بين أهل العصر وغيرهم، وهذا مذهب الشافعيّ، وابن المنذر.
وذهبت طائفة إلى أن منْ شرط جواز التضحية، فِي حق أهل المصر، صلاةَ الإمام، وخطبَتَهُ، رُوي نحوُ هَذا عن الحسن، والأوزاعي، ومالك، وأبي حنيفة، وإسحاق، وهو ظاهر كلام أحمد؛ لما رَوى جندبُ بن عبد الله البجلي: أن النبيّ ﷺ قالَ: «منْ ذبح قبل أن يصلي، فليُعِد مكانها أخرى». وعن البراء، قالَ: قالَ رسول الله ﷺ: «منْ صلى صلاتنا، ونسك نسكنا، فقد أصاب النسك، ومن ذبح قبل أن يصلي، فليُعِد مكانها أخرى»، متَّفقٌ عليه، وفي لفظ قالَ: «إن أول نسكنا، فِي يومنا هَذا الصلاةُ، ثم الذبح، فمن ذبح قبل الصلاة، فتلك شاة لحم قدمها لأهله، ليس منْ النسك فِي شيء»، وظاهر هَذا اعتبار نفس الصلاة.
وذهب عطاء إلى أن وقتها إذا طلعت الشمس؛ لأنها عبادة، يتعلق آخرها بالوقت، فتلعق أولها بالوقت، كالصيام.
وقالَ أبو حنيفة: أول وقتها فِي حقهم، إذا طلع الفجر الثاني؛ لأنه منْ يوم النحر، فكان وقتها منه كسائر اليوم.
قالَ ابن قُدامة: والصحيح -إن شاء الله تعالى- أن وقتها، فِي الموضع الذي يُصَلّى فيه بعد الصلاة؛ لظاهر الخبر، والعمل بظاهره أولى، فأما غير أهل الأمصار والقرى، فأول وقتها فِي حقهم قدر الصلاة، والخطبة بعد الصلاة؛ لأنه لا صلاة فِي حقهم تعتبر، فوجب الاعتبار بقدرها.
قالَ ابن قُدامة: فإن لم يصل الإمام فِي المصر لم يجز الذبح، حَتّى تزول الشمس؛ لأنها حينئذ تسقط، فكأنه قد صَلّى، وسواء ترك الصلاة عمدا، أو غير عمد؛ لعذر أو غيره.
فأما الذبح فِي اليوم الثاني، فهو فِي أول النهار؛ لأن الصلاة فيه غير واجبة، ولأن الوقت قد دخل فِي اليوم الأول، وهذا منْ أثنائه، فلا تعتبر فيه صلاة ولا غيرها، وإن صلى الإمام فِي المصلّى، واستخلف منْ صلى فِي المسجد، فمتى صَلَّوا فِي أحد الموضعين، جاز الذبح؛ لوجود الصلاة التي يَسقُط بها الفرض، عن سائر النّاس، فإن ذبح بعد الصلاة قبل الخطبة، أجزأ فِي ظاهر كلام أحمد؛ لأن النبيّ ﷺ عَلَّق المنع عَلى فعل الصلاة، فلا يتعلق بغيره، ولأن الخطبة غير واجبة، وهذا قول الثوري. انتهى المقصود منْ كلام ابن قدامة باختصار، وتصرّف.
وقالَ فِي «الفتح» -عند قوله: «فلا يذبح، حَتّى ينصرف»-: ما نصّه: تمسك به الشافعية فِي أن أول وقت الأضحية قدر فراغ الصلاة والخطبة؛ وإنما شرطوا فراغ الخطيب؛ لأن الخطبتين مقصودتان مع الصلاة، فِي هذه العبادة، فيعتبر مقدار الصلاة والخطبتين عَلى أخف ما يجزي بعد طلوع الشمس، فإذا ذبح بعد ذلك أجزأه الذبح عن الأضحية، سواء صلى العيد أم لا، وسواء ذبح الإمام أضحيته أم لا، ويستوي فِي ذلك أهل المصر والحاضر والبادي. ونقل الطحاوي عن مالك، والأوزاعي، والشافعي: لا تجوز أضحية قبل أن يذبح الإمام، وهو معروف عن مالك، والأوزاعي، لا الشافعيّ. قالَ القرطبيّ: ظواهر الأحاديث تدل عَلى تعليق الذبح بالصلاة، لكن لما رأى الشافعيّ، أن منْ لا صلاة عيد عليه، مخاطب بالتضحية، حمل الصلاة عَلى وقتها. وقالَ أبو حنيفة، والليث: لا ذبح قبل الصلاة، ويجوز بعدها، ولو لم يذبح الإمام، وهو خاص بأهل المصر، فأما أهل القرى والبوادي، فيدخل وقت الأضحية فِي حقهم، إذا طلع الفجر الثاني. وقالَ مالك: يذبحون إذا نحر أقرب أئمة القرى إليهم، فإن نحروا قبلُ أجزأهم. ….
ثم ذكر الخلاف في لفظ قبل أن يصلي أو قبل أن نصلي انتهى ما فِي «الفتح».
قالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما ذُكر أن الأرجح -كما تقدم تصحيحه عن ابن قُدامة رحمه الله تعالى- أن وقتها، فِي الموضع الذي يُصَلّى فيه العيدُ بعد الصلاة؛ لظاهر الخبر، فإن العمل بظاهر الخبر مهما أمكن هو الواجب، فأما غير أهل الأمصار والقرى، فأول وقتها فِي حقهم قدر الصلاة، والخطبة بعد الصلاة؛ إذا كانوا لا يُصلّون صلاة العيد، حيث كانَ مذهبهم عدم مشروعيّتها فِي حقّهم، فوجب الاعتبار بقدرها. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): فِي اختلاف أهل العلم فِي آخر وقت الأضحية:
ذهبت طائفة إلى أن آخره اليوم الثاني منْ أيام التشريق، فتكون أيام النحر ثلاثة: يوم العيد، ويومان بعده، وهذا قول عمر، وعلي، وابن عمر، وابن عباس، وأبي هريرة، وأنس، قالَ أحمد: أيام النحر ثلاثة عن غير واحد، منْ أصحاب رسول الله ﷺ، وفي رواية قالَ: خمسةٍ منْ أصحاب رسول الله ﷺ، ولم يذكر أنسا، وهو قول مالك، والثوري، وأبي حنيفة.
واحتجّ هؤلاء بأن النبيّ ﷺ، نهى عن ادّخار الأضاحي فوق ثلاث، ولا يجوز الذبح فِي وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه، ولأن اليوم الرابع لا يجب الرمي فيه، فلم تجز التضحية فيه كالذي بعده، ولأنه قول منْ ذُكر منْ الصحابة، ولا مخالف لهم إلا رواية عن علي، وقَدْ روي عنه ما يوافق الأولين.
وتُعقّب بأن النهي عن الادّخار فوق ثلاث؛ لا يستلزم النهي عن الذبح؛ لأن النهي إنما ورد لأجل أن يتصدّقوا باللحم عَلى المحتاجين، وهذا لا يمنع الذبح، بل يقتضيه، ودعوى عَلى مخالفة الصحابة للمذكورين غير صحيحة.
قالَ أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى -بعد ذكر احتجاجهم بما ذُكر منْ عدم المخالف لهؤلاء الصحابة-: ما نصّه: قد ذكرنا قضايا عظيمة خالفوا فيها جماعة منْ الصحابة رضي الله عنهم، لا يُعرف لهم مخالف، فكيف، ولا يصحّ شيء مما ذكرنا، إلا عن أنس وحده عَلى ما بيّنّا قبلُ؟، وان كانَ هَذا إجماعًا، فقد خالف عطاء، وعمر بن عبد العزيز، والحسن، والزهريّ، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار الإجماع، وأُفّ لكلّ إجماع يخرُج عنه هؤلاء. وقَدْ روينا عن ابن عباس ما يدلّ عَلى خلافه لهذا لا القول. انتهى «المحلّى» ٧/ ٣٧٨.
وذهبت طائفة إلى أن آخره آخر أيام التشريق، وإليه ذهب الشافعيّ، وبه قالَ عطاء، والحسن؛ لأنه روي عن جبير بن مطعم: أن النبيّ ﷺ قالَ: «أيام مني كلها مَنحَرٌ، ولأنها أيام تكبير وإفطار، فكانت محلا للنحر كالأولين.
وتُعقّب بأن الحَدِيث إنما هو:»ومنى كلها منحر”، ليس فيه ذكر الأيام، والتكبير أعم منْ الذبح، وكذلك الإفطار، بدليل أول يوم النحر، ويوم عرفة يوم تكبير، ولا يجوز الذبح فيه.
وذهب ابن سيرين إلى أنه لا تجوز الأضحية إلا فِي يوم النحر خاصة؛ لأنها وظيفة
عيد، فلا تجوز إلا فِي يوم واحد، كأداء الفطرة يوم الفطر، وبه قالَ سعيد بن جبير، وجابر بن زيد، فِي حقّ أهل الأمصار. وحقّ فِي أهل مني كالقول الأول.
وذهب أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار إلى أنه تجوز التضحية إلى هلال محرم، وقالَ أبو أمامة بن سهل بن حنيف: كانَ الرجل منْ المسلمين، يشتري أضحية، فيُسَمّنها، حَتّى يكون آخر ذي الحجة، فيضحي بها، رواه الإمام أحمد، بإسناده، وقالَ: هَذا الحَدِيث عجيب، وقالَ: أيام الأضحى التي أجمع عليها ثلاثة أيام [وعلّقه البخاريّ فِي «صحيحه» فِي «باب أضحية النبيّ ﷺ بكبشين …» منْ «كتاب الأضاحي» ٧/ ١٣٠.].
قالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه أبو سلمة بن عبد الرحمن، وعطاء بن يسار، ورُوي عن علي رضي الله تعالى عنه، منْ جواز التضحية إلى هلال محرّم هو الأرجح؛ لقوّة أدلّته، فقد أخرجه ابن حزم فِي «المحلّى» منْ طريق يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم التيميّ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، وسليمان بن يسار، قالا جميعًا: بلغنا أن رسول الله ﷺ قالَ: «الأضحى إلى هلال المحرّم لمن أراد أن يستأني بذلك»، قالَ ابن حزم هَذا منْ أحسن المراسيل، وأصحّها، فيلزم الحنفيين، والمالكيين القول به، وإلا فقد تناقضوا. انتهى.
قالَ الجامع: وهذا المرسل يعضده ما أخرجه أبو نعيم فِي «مستخرجه» منْ طريق أحمد بن حنبل، عن عباد بن العوّام، قالَ: أخبرني يحيى بن سعيد، وهو الأنصاريّ، قالَ سمعت أبا أمامة بن سهل، قالَ: «كانَ المسلمون يشتري أحدهم الأضحيّة، فيُسمّنها، ويذبحها فِي آخر ذي الحجة» [راجع «الفتح» ١١/ ١٢٤ «كتاب الأضحية»].
فهذا أثر صحيح، وقَدْ علقه البخاريّ فِي «صحيحه» بصيغة الجزم، وأبو أُمامة، منْ كبار التابعين، وله رؤية، قد أخبر بأن ذلك كانَ فعل المسلمين، فصحّ الاحتجاج بالمرسل المذكور؛ لاعتضاده، عند منْ لا يحتجّ به إلا إذا اعتضد.
والحاصل أن الحقّ جواز التضحية إلى آخر ذي الحجة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): فِي اختلاف أهل العلم فِي زمن ذبح الأضحية:
ذهبت طائفة إلى أنه النهار، دون الليل، قالَ ابن قُدامة: نص عليه أحمد، فِي رواية الأثرم، وهو قول مالك، وروي عن عطاء ما يدل عليه. قالَ: وحكي عن أحمد رواية أخرى، أن الذبح يجوز ليلًا، وهو اختيار أصحابنا المتأخرين، وقول الشافعيّ، وإسحاق، وأبي حنيفة، وأصحابه؛ لأن الليل زمن يصح فيه الرمي، فأشبه النهار.
ووجه الأول قولُ الله تعالى: ﴿ويَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِن بَهِيمَةِ الأنْعامِ﴾ [الحج ٢٨]، وروي عن النبيّ ﷺ، أنه نهى عن الذبح بالليل، ولأنه ليلُ يومٍ يجوز الذبح فيه، فأشبه ليلة يوم النحر، ولأن الليل تتعذر فيه تفرقة اللحم فِي الغالب، فلا يفرق طَرِيّا، فيفوت بعض المقصود، ولهذا قالوا: يكره الذبح فيه، فعلى هَذا إن ذبح ليلًا لم يجزئه عن الواجب، وإن كانَ تطوعا، فذبحها كانت شاة لحم، ولم تكن أضحية، فإن فرقها حصلت القربة بتفريقها دون ذبحها. انتهى كلام ابن قُدامة رحمه الله تعالى فِي «المغني» ١٣/ ٣٨٤ – ٣٨٧ بتصرّف.
قالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن القول يجوز الذبح ليلًا هو الأرجح؛ لأنه ليس هناك نصّ يمنع منْ ذلك؛ والآية ليس فيها التعرّض للنهي عن ذلك أصلًا، وما ذكروه منْ الحَدِيث غير ثابت، فقد أخرجه الطبرانيّ فِي «المعجم الكبير»، وفيه سليمان ابن سلمة الخَبائريّ، وهو متروك، كما قاله الحافظ أبو بكر الهيثميّ فِي «مجمع الزوائد» ٤/ ٢٣، بل كذّبه بعضهم، كما فِي «الميزان» للذهبيّ ٢/ ٢٠٩ – ٢١٠، فتنبّه. وقَدْ حقّق المسألة أبو محمد ابن حزم رحمه الله تعالى فِي «كتابه المحلّى» ٧/ ٣٧٧ – ٣٧٩، مرجحًا الجواز إلى هلال محزم، ليلًا ونهارًا، فراجعه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): فِي اختلاف أهل العلم فيما إذا فات وقت الذبح:
ذهبت طائفة إلى أنه إذا فات وقت الذبح، ذبح الواجب قضاء، وصنع به ما يصنع بالمذبوح فِي وقته، وهو غير فِي التطوع، فإن فرق لحمها كانت القربة بذلك، دون الذبح؛ لأنها شاة لحم، وليست أضحية، وبهذا قالَ الشافعيّ، وأحمد.
وقالَ أبو حنيفة: يسلمها إلى الفقراء، ولا يذبحها، فإن ذبحها فرق لحمها، وعليه أرش ما نقصها الذبح؛ لأن الذبح قد سقط بفوات وقته.
واحتجّ الأولون بأن الذبح أحد مقصودي الأضحية، فلا يسقط بفوات وقته، كتفرقة اللحم، وذلك أنه لو ذبحها فِي الأيام، ثم خرجت قبل تفريقها فرّقها بعد ذلك، ويفارق الوقوف، والرمي، ولأن الأضحية لا تسقط بفواتها بخلاف ذلك.
قالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي هو الذي قاله الأولون. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: إذا وجبت الأضحية بإيجابه لها، فَضَلَّت، أو سُرِقت بغير تفريط منه، فلا ضمان عليه؛ لأنها أمانة فِي يده، فإن عادت إليه ذبحها، سواء كانَ فِي زمن الذبح، أو فيما بعده. ذكره ابن قُدامة رحمه الله تعالى فِي «المغني» ١٣/ ٣٨٧ – ٣٨٨. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.[ ذخيرة العقبى في شرح المجتبى]
[العلة] :
وقال المُهلَّب: إنّما كره الذّبح قبل الإمام لئلا يشتغل النّاس بالذّبح عن الصّلاة.
(المسألة الرابعة): الفتاوى:
جواب اللجنة الدائمة لسؤال وجه لهم :
ج: وقت الذبح للأضحية والهدي من بعد انتهاء صلاة عيد الأضحى بالبلد فإن تعددت الصلاة في البلد فبأسبق صلاة؛ لأن الحكم متعلق بأداء الصلاة والانتهاء منها لا بالوقت، وعلى ذلك فإن صلاتكم للعيد في حي غير الحي الذي تسكن فيه، وذبحك لأضحيتك قبل صلاة أهل الحي الذي تسكن فيه جائز، وتجزئك أضحيتك ولا شيء عليك في ذلك.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء [الفتوى رقم (١٩٤٤٩)]
[2] هل صحيح أن من ذبح أضحيته قبل ذبح الإمام لا تجزئ عنه؟
الحمد لله، الصحيح أنَّ من ذبح بعد صلاة العيد أنَّ ذبيحته تجزئه، ولو كان ذبحه قبل ذبح الإمام، أما من ذبح أضحيته قبل صلاة العيد فلا تجزئه أضحية، وإنما هي طعام عجله لأهله.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: عضو: [السؤال رقم (5123)، المجلد الحادي عشر]