1205 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1205):
قال أبو داود رحمه الله (ج ٧ ص ٢٠٢): ٢٥٢٧ – حدَّثنا أحمدُ بن صالح، حدَّثنا عبدُ الله بن وهْب، أخبرني عاصمُ ابن حَكيم، عن يحيى بن أبي عَمرو السَّيْبانيِّ، عن عبدِ الله بن الدَّيلَمِيِّ أن يَعلى ابن مُنْيَةَ، قال: أذن رسولُ الله ﷺ بالغزو وأنا شيخٌ كبيرٌ، ليس لي خادمٌ، فالتمستُ أجيرًا يكفيني وأُجْري له سَهْمَه، فوجدتُ رجلًا، فلما دنا الرحيلُ أتاني، فقال: ما أدري ما السُّهْمانُ، وما يبلغُ سَهمي؟ فسَمِّ لي شيئًا كان السهمُ أو لم يكن، فسمّيتُ له ثلاثةَ دنانيرَ.
فلما حضرتْ غنيمتُه أردتُ أن أُجريَ له سهمَه، فذكرتُ الدنانيرَ، فجئتُ النبيَّ ﷺ فذكرتُ له أمرَه، فقال «ما أجِدُ له في غزوته هذه في الدنيا والآخرةِ، إلا دنانيرَه التي سمّى».
هذا حديث حسنٌ.
وقال الوادعي رحمه الله في الحاشية عند (عن عبد الله بن الديلمي): ” هو عبد الله بن فيروز الديلمي”.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
ذكر الحديث الإمام الترمذي رحمه الله، أول كتاب: الجهاد، ٣١ – باب: في الرجل يغزو بأجْرِ الخِدمة، (٢٥٢٧).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
٤١٣ – كتاب الجهاد والغزوات، – الإخلاص في الجهاد في سبيل الله، (١٩٤٩).
جاء في (صحيح سنن أبي داود) للالباني قال : ” (قلت: إسناده صحيح، وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين»! ووافقه الذهبي!).
إسناده: حدثنا أحمد بن صالح: حدثنا عبد الله بن وهب: أخبرني عاصم بن حَكيم عن يحيى بن أبي عمرو السَّيْبانِيّ عن عبد الله بن الدَّيلَمِيِّ أن يعلى ابن منية قال …
قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات معروفون؛ غير عاصم بن حكيم؛ قال أبو حاتم:
«ما أرى بحديثه بأسًا».
وذكره ابن حبان في «الثقات»، وروى عنه جمع؛ وقد توبع كما سأذكره.
والحديث أخرجه الحاكم (٢/ ١١٢)، وقال:
«صحيح على شرطهما»! ووافقه الذهبي!
والبيهقي (٦/ ٣٣١) من طريق أخرى عن أحمد بن صالح … به.
وأخرجه هو (٩/ ٢٩)، وأحمد (٤/ ٢٢٣) من طريق أخرى عن بشير بن طلحة أبي نَصْرٍ الحضرمي عن خالد بن دُرَيْكٍ عن يعلى بن أمية … به نحوه.
قلت: وهذا إسناد جيد، إن كان خالد سمعه من يعلى؛ فقد تكلموا في سماعه منه، لكن قد جاء تصريحه بالسماع في هذا الحديث في بعض الروايات، فراجع ترجمة خالد في «التهذيب». “. انتهى.
وقال شعَيب الأرنؤوط وآخرين في تحقيقهم للسنن:
“إسناده صحيح.
عبد الله بن الديلمي: هو ابن فيروز، ويعلى ابن مُنيةَ: هو ابن أميَّهَ، فأُمية أبوه، ومنية اسم أمه.
وأخرجه الحاكم ٢/ ١١٢ وعنه البيهقي ٦/ ٣٣١ من طريق أحمد بن صالح، بهذا الإسناد، وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي.
وأخرجه بنحوه أحمد (١٧٩٥٧)، والطبراني في «الكبير» ١٨/ (١٤٦) و٢٢/ (٦٦٧)، و«الأوسط» (٦٦٢٥)، والحاكم ٢/ ١٠٩، والبيهقي ٩/ ٢٩ من طريق خالد بن دُريك، عن يعلى ابن مُنية. وخالد بن دريك لا يصح سماعُه من يعلى ابن منية”. انتهى
وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (٢٢٣٣).
وقال محققو (جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير» [الناشر: الأزهر]): بعد أن ذكروا نص الحديث في الحاشية: “وفي بعض النسخ (يعلى بن أمية) وأمية: أبوه، وأمه (منية) بضم الميم وسكون النون وتاء التأنيت ورقم هذا الحديث في جامع الأصول ١٠٦٩.
وفي المستدرك للحاكم في كتاب الجهاد- باب من غزا فله ما نوى ج ٢ ص ١٠٩، ١١٠ قال: حديث يعلى بن أمية الذي (أخبرناه) أحمد بن محمد العنزى، حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي، حدثنا أبو توبة، حدثنا الربيع بن نافع عن بشير بن طلحة عن خالد بن دريك عن يعلى بن أمية – رضي الله عنه – قال: كان النبي ﷺ يبعثنى في سراياه، فبعثنى ذات يوم وكان رجل يركب، فقلت له: ارحل، فقال: ما أنا بخارج معك. قلت: لم؟ قال: حتى =
= تجعل لي ثلاثة دنانير، قلت: الآن حين ودعت النبي ﷺ ما أنا براجع إليه، ارحل ولك ثلاثة دنانير، فلما رجعت من غزاتى ذكرت ذلك للنبي ﷺ فقال النبي ﷺ:»أعطها إياه فإنها حظه من غزاته«ووافقه الذهبي في التلخيص: وقال: سمعه أبو توبة الحلبى منه.
وفي المعجم الكبير للطبرانى ج ١٢ ص ٧٩ رقم ١٤٧ قال: حدثنا أبو زرعة، حدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا بقية بن الوضين بن عطاء عن يزيد بن مرثد المودعى عن عوف بن مالك عن النبي ﷺ مثله”. انتهى.
الأول: شرح الحديث:
قال الإمام أبو داود رحمه الله: (باب: في الرجل يغزو بأجر الخدمة)، أي: ليخدم الغازي لا ليخدم بنفسه. قاله ابن رسلان رحمه الله.
يعني: أنه يغزو من أجل الخدمة فيكون مستأجرًا للخدمة كأن يستأجره إنسان ليساعده؛ لكونه بحاجة إلى المساعدة، أو يستأجر من أجل رعي الإبل والعناية بها، والحاصل أنه لم يخرج للجهاد، وإنما خرج أجيرًا، وهو شبيه بالأول الذي مر في الحديث الضعيف الذي فيه أنه أجير إلى آخر قطرة من دمه، فهذا من جنسه؛ لأنه ما خرج للجهاد وإنما خرج أجيرًا. قال الشيخ عبد المحسن العباد.
وراجع [عون المعبود وحاشية ابن القيم].
(عن عبد الله) بن فيروز، (الديلمي، أن يعلي بن مُنْيَة) بضم الميم وسكون النون ثم تحتانية، ومنية جدته أم أبيه التميمي، ويقال: يعلي بن أمية. نُسب حينًا إلى أمه وحينًا إلى أبيه، شهد حُنينًا والطائف وتبوك، قتل مع علي في صفين. قاله ابن رسلان رحمه الله.
(قال: آذن رسول الله ﷺ بالغزو) آذن بمد الهمزة -أي: أعلم بالخروج، ومنه: آذنت الدنيا بصرم – وفتح الذال المعجمة، فيه: الإعلام بوقت الجهاد ليستعدوا له.
(وأنا شيخ كبير) هو كالعلة لطلب الخادم بالأجرة؛ لأن الصحابة كانوا مهنة أنفسهم
(ليس لي خادم) فيه: دليل على أنه كان في الإقامة بلا خادم لسهولة أمر الإقامة،
(فالتمست) حين أذن بالغزو
(أجيرًا)؛ للخدمة في السفر. فيه: دليل على جواز اتخاذ الخادم عند الحاجة إليه.
(يكفيني) ما احتاج إليه في الغزو. وفيه: دليل على صحة الاستئجار للخدمة في السفر،
فإن قال:
على أن يكفيني ما أحتاج إليه في السفر من الخدمة. فيدخل فيه الخدمة في النهار وفي أول الليل إلى الفراغ من العشاء الآخرة، لكن يشترط أن يعين مسافة الغزو فيقول: خمسة فراسخ أو عشرة فراسخ وإن استأجره يومًا أو شهرًا لم يدخل فيه أول النهار، وظاهر الحديث يدل على أنه إذا قال: يكفيني ما أحتاج إليه من الخدمة. أنه يصح، وإن كانت الخدمة مجهولة، ويحمل على العادة [في أمثاله].
(وأُجْرِي له) بضم الهمزة أوله، (سهمَه) أي: الذي يحصل له من الغنيمة (فوجدت رجلًا) فيه حذف، تقديره: فاستأجرته على ذلك. [بذل المجهود]،
(فجئت النبيَّ ﷺ) فيه: دليل على اعتنائهم بالسؤال عما يطرأ لهم، (في غزوته هذِه في الدنيا والآخرة) أي: يحصل من أجرته في الدنيا ومن ثوابه في الآخرة (إلا دنانيره التي سمّى) “أي: لا يعطى شيئًا من الغنيمة، لأنه اتفق معه على هذا المقدار، وكذلك ليس له شيء في الآخرة، لأنه ما جاهد من أجل الله، وإنما خرج من أجل الأجرة”. قاله الشيخ عبد المحسن العباد.
(سُهمان) جمع سهم: وهو النصيب. قاله ابن الأثير.
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان، وبقية الفوائد من شرح سنن أبي داود للعباد، بذل المجهود، عون المعبود وحاشية ابن القيم].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(الباب الأول): الأحاديث
وقد أورد الوادعي رحمه الله في جامعه حديث الباب، وحديث:
[1]١٩٥٠ – قال الإمام النسائي رحمه الله (ج ٤ ص ٦٠): أخْبَرَنا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ قالَ أنْبَأنا عَبْدُ اللهِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قالَ أخْبَرَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خالِدٍ أنَّ ابْنَ أبِي عَمّارٍ أخْبَرَهُ عَنْ شَدّادِ بْنِ الهادِ: أنَّ رَجُلًا مِن الأعْرابِ جاءَ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ واتَّبَعَهُ ثُمَّ قالَ: أُهاجِرُ مَعَكَ فَأوْصى بِهِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ بَعْضَ أصْحابِهِ فَلَمّا كانَتْ غَزْوَةٌ غَنِمَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ سَبْيًا فَقَسَمَ وقَسَمَ لَهُ فَأعْطى أصْحابَهُ ما قَسَمَ لَهُ وكانَ يَرْعى ظَهْرَهُمْ فَلَمّا جاءَ دَفَعُوهُ إلَيْهِ فَقالَ ما هَذا قالُوا قِسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ فَأخَذَهُ فَجاءَ بِهِ إلى النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ، فَقالَ: ما هَذا؟ قالَ: «قَسَمْتُهُ لَكَ». قالَ: ما عَلى هَذا اتَّبَعْتُكَ، ولَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلى أنْ أُرْمى إلى هاهُنا -وأشارَ إلى حَلْقِهِ- بِسَهْمٍ فَأمُوتَ فَأدْخُلَ الجَنَّةَ.
فَقالَ «إنْ تَصْدُقْ اللهَ يَصْدُقْكَ» فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتالِ العَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يُحْمَلُ قَدْ أصابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أشارَ فَقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «أهُوَ هُوَ؟» قالُوا نَعَمْ قالَ «صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ»، ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلّى عَلَيْهِ فَكانَ فِيما ظَهَرَ مِن صَلاتِهِ «اللَّهُمَّ هَذا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أنا شَهِيدٌ عَلى ذَلِكَ».
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا سويد بن نصر، وقد وثَّقه مَسْلَمَة، كما في «تهذيب التهذيب». وابن أبي عمار اسمه عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار.
[2] ١٩٥١ – قال أبو داود رحمه الله (ج ٧ ص ٢١١): حدثنا موسى بن إسماعيل أخبرنا حماد أخبرنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة: أن عمرو بن أقيش كان له ربًا في الجاهلية فكره أن يسلم حتى يأخذه، فجاء يوم أحد فقال أين بنو عمي قالوا بأحد قال أين فلان قالوا بأحد قال فأين فلان قالوا بأحد فلبس لأمته وركب فرسه ثم توجه قبلهم فلما رآه المسلمون قالوا إليك عنا يا عمرو قال إني قد آمنت فقاتل حتى جرح فحمل إلى أهله جريحًا فجاءه سعد بن معاذ فقال لأخته سليه حمية لقومك أو غضبًا لهم أم غضبًا لله فقال: بل غضبًا لله ولرسوله فمات فدخل الجنة، وما صلى لله صلاة.
هذا حديث حسنٌ”. انتهى من الجامع.
(الباب الثاني): مسائل في بيان حقيقة الجهاد
“تعريف الجهاد وفضله وحكمه وشروطه ومسقطاته، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريفه، وفضله، والحكمة منه، وحكمه، ومتى يتعين؟
أ- تعريفه:
الجهاد لغة: بذل الجهد والطاقة والوسع.
وفي الاصطلاح: بذل الجهد والوسع في قتال الأعداء من الكفار ومدافعتهم.
ب- فضله والحكمة منه:
الجهاد ذروة سنام الإسلام، كما سماه النبي ﷺ [ت،حم، وصححه الألباني (صحيح سنن الترمذي رقم ٢١١٠)]،
أي: أعلاه، وسمي بذلك؛ لأنه يعلو به الإسلام ويرتفع ويظهر، وقد فضّل الله المجاهدين في سبيله بأموالهم وأنفسهم، ووعدهم الجنة، كما سيأتي في آية سورة النساء بعد قليل، والآيات والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين كثيرة.
أما الحكمة من مشروعية الجهاد: فقد شرعه الله سبحانه لأهداف سامية وغايات نبيلة، من ذلك:
١ – شرع الجهاد لتخليص الناس من عبادة الأوثان والطواغيت وإخراجهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له؛ قال تعالى: (وقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ ويَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) [الأنفال ٣٩].
٢ – كما شرع لإزالة الظلم وإعادة الحقوق إلى أهلها؛ قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأنَّهُمْ ظُلِمُوا وإنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج ٣٩].
٣ – كما شرع الجهاد؛ لإذلال الكفار، وإرغام أنوفهم، والانتقام منهم، قال سبحانه: (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأيْدِيكُمْ ويُخْزِهِمْ ويَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ ويَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) [التوبة ١٤].
ج- حكمه ودليل ذلك:
الجهاد بمعناه الخاص -وهو جهاد الكفار فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وصار في حقهم سنة؛ لقوله تعالى: (لا يَسْتَوِي القاعِدُونَ مِنَ المُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ والمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ عَلى القاعِدِينَ دَرَجَةً وكُلًّا وعَدَ اللَّهُ الحُسْنى وفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدِينَ عَلى القاعِدِينَ أجْرًا عَظِيمًا) [النساء ٩٥]. فقد دلت هذه الآية على أن الجهاد فرض كفاية، لا فرض عين؛ لأن الله فاضل بين المجاهدين والقاعدين عن الجهاد بدون عذر، وكلًا وعد الحسنى وهي الجنة. ولو كان الجهاد فرض عين لاستحق القاعدون الوعيد لا الوعد.
ولقوله تعالى: (وما كانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ) [التوبة ١٢٢].
وهذا مشروط بما إذا كان للمسلمين قوة وقدرة على قتال أعدائهم، فإن لم يكن لديهم قوة ولا قدرة سقط عنهم كسائر الواجبات، وأصبح قتالهم لعدوهم – والحالة هذه- إلقاءً بأنفسهم إلى التهلكة.
د- متى يتعين؟
لكن هناك حالات يتعين فيها الجهاد فيصير فرض عين على المسلم وهي:
الحالة الأولى: إذا هاجم الأعداء بلاد المسلمين، ونزلوا بها، أو حصروها، تعين قتالهم، ودفع ضررهم، على جميع أفراد المسلمين.
الحالة الثانية: إذا حضر القتال، وذلك إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفّان، تعين الجهاد، وحرم على من حضر القتال الانصراف، والتولي من أمام العدو؛ لقوله تعالى: (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبارَ)[الأنفال ١٥]، ولعدِّه ﷺ التولي يوم الزحف من الكبائر الموبقات [خ،م].
ولكن يستثنى من التولي المتوعد عليه حالتان:
الأولى: إذا كان المتولي متحرفًا لقتال، أي: يذهب لكي يأتي بقوة أكثر.
والثانية: أن يكون متحيزًا إلى فئة من المسلمين تقوية ونصرة لها.
الحالة الثالثة: إذا عينهم الإمام واستنفرهم للجهاد؛ لقوله تعالى: (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثّاقَلْتُمْ إلى الأرْضِ أرَضِيتُمْ بِالحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ فَما مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا فِي الآخِرَةِ إلّا قَلِيلٌ (٣٨) إلّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذابًا ألِيمًا) [التوبة ٣٨ – ٣٩]، وقوله ﷺ: (وإذا استنفرتم فانفروا) [متفق عليه].
الحالة الرابعة: إذا احتيج إليه، فإنه يتعيَّن عليه الجهاد.
المسألة الثانية: شروط الجهاد:
يشترط لوجوب الجهاد سبعة شروط، وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والذكورية، والحرية، والاستطاعة المالية والبدنية، والسلامة من الأمراض والأضرار.
– فلا يجب الجهاد على الكافر؛ لأنه عبادة والعبادة لا تجب عليه، ولا تصح منه، ولأنه لا يتوافر فيه الإخلاص والأمانة والطاعة، فلا يؤذن له بالخروج مع جيش المسلمين؛ لقوله ﷺ للرجل المشرك الذي تبعه في بدر: (تؤمن بالله ورسوله؟) قال: لا، قال: (فارجع فلن أستعين بمشرك) [م].
– وكذلك لا يجب على الصبي غير البالغ؛ لأنه غير مكلف، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه عرض نفسه على رسول الله ﷺ يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم يجزه في المقاتلة [متفق عليه].
– وكذلك المجنون لا يجب عليه الجهاد؛ لأنه مرفوع عنه القلم، وليس من أهل التكليف.
– ولا يجب على العبد؛ لأنه مملوك لسيده،
– ولا المرأة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال: ((جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة)) [صححه الألباني (الإرواء برقم ١١٨٥)]. وفي لفظ: نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ فقال: ((لكن أفضل الجهاد حج مبرور)) [خ].
– وغير المستطيع، وهو الذي لا يستطيع حمل السلاح لضعف أو كبر،
وكذلك الفقير الذي لا يجد ما ينفق في طريقه فاضلًا عن نفقة عياله لا يجب عليهم الجهاد؛ لقوله تعالى: (ولا عَلى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ) [التوبة ٩١].
وكذلك من به ضرر أو مرض أو غير ذلك من الأعذار لا يجب عليه الجهاد؛ لأن العجز ينفي الوجوب؛ ولقوله تعالى: (لَيْسَ عَلى الأعْمى حَرَجٌ ولا عَلى الأعْرَجِ حَرَجٌ ولا عَلى المَرِيضِ حَرَجٌ) [الفتح ١٧]. وقوله تعالى: (لَيْسَ عَلى الضُّعَفاءِ ولا عَلى المَرْضى ولا عَلى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذا نَصَحُوا لِلَّهِ ورَسُولِهِ) [التوبة ٩١].
المسألة الثالثة: مسقطات الجهاد:
هناك أعذار تسقط عن صاحبها الجهاد إذا كان فرض عين أو فرض كفاية، وهي:
١ – ٢ – الجنون والصِّبا: لقوله ﷺ: (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم) [صححه الألباني (الإرواء برقم ٢٩٧)].
٣ – الأنوثة: فلا يجب الجهاد على الأنثى. وقد سبق ذكره.
٤ – الرق: لما روى أبو هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: ((للعبد المملوك الصالح أجران. والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرّ أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك)) [خ، وقوله: (والذي نفسي بيده) الصحيح أنه مدرج من كلام أبي هريرة].
٥ – ٦ – الضعف البدني، والعجز المالي، والمرض، وعدم سلامة بعض الأعضاء كالعمى والعرج الشديد، وقد سبق ذكرها.
٧ – عدم إذن الأبوين أو أحدهما، إذا كان الجهاد تطوعًا؛ لحديث ابن عمرو رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ فاستأذنه في الجهاد، فقال: (أحيُّ والداك؟) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد) [خ،م]، فبر الوالدين فرض عين، والجهاد فرض كفاية في هذه الحالة، فيقدَّم فرض العين. فإذا تعيَّن الجهاد فليس لهما منعه، ولا إذن لهما.
٨ – الدَّيْن الذي لا يجد له وفاءً إذا لم يأذن صاحبه، وكان الجهاد تطوعًا، لقوله ﷺ: (القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين) [م]، فإذا تعيَّن الجهاد فلا إذن لغريمه.
٩ – العالِم الذي لا يوجد غيره في البلد؛ لأنه لو قتل لافتقر الناس إليه؛ إذ لا يمكن لأحد أن يحل محله، فإذا كان لا يوجد من هو أفقه منه يسقط عنه الخروج للجهاد نظرًا لحاجة المسلمين له”.[ الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، لمجموعة من المؤلفين].
(الباب الثالث): مسائل وفوائد الباب:
[مسألة: أحوال الأجراء في الغزو]:
قال ابن حجر في «الفتح» ١٢٥/ ٦: قوله: (باب الأجير) للأجير في الغزو حالان:
إما أن يكون استؤجر للخدمة أو استؤجر ليقاتل،
فالأول:
قال الأوزاعي وأحمد إسحاق: لا يسهم له.
وقال الأكثر: يسهم له؛ لحديث سلمة ((كنت أجيرا لطلحة أسوس فرسه)) أخرجه مسلم، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم له.
وقال الثوري: لا يسهم للأجير إلا أن قاتل،
وأما الأجير إذا استؤجر ليقاتل:
فقال المالكية والحنفية: لا يسهم له.
وقال الأكثر: له سهمه.
وقال أحمد: واستأجر الإمام قوما على الغزو لم يسهم لهم سوى الأجرة.
وقال الشافعي: هذا فيمن لم يجب عليه الجهاد، أما الحر البالغ المسلم إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه الجهاد فيسهم له ولا يستحق أجرة. “. انتهى.
[مسألة: أنواع الأجراء في الغزو]: “والأجير على الجهاد:
1) إما أن يكون ممن لا يلزمه الجهاد، كالعبيد والكفار، فإنه يصح إجارته، ويستوفي له الأجرة التي تم التعاقد عليها، ولا سهم له على الأظهر.
قال الخرقي رحمه الله: وإذا استأجر الأمير قومًا يغزون مع المسلمين لمنافعهم، لم يسهم لهم، وأعطوا ما استؤجروا به.
وقال القاضي- أبو يعلى- رحمه الله: هذا محمول على استئجار من لا يجب عليه الجهاد كالعبيد، والكفار.
مختصر الخرقي ٢٠٤، والمغني ٨/٤٦٧، والإنصاف ٤/٤٧٩، والفروع ٦/٢٣١.
2) وإما أن يكون ممن يجب عليهم الجهاد، فإنه لا يصح استئجاره، لأن الغزو يتعين عليه بحضوره، ومن تعين عليه الغزو فلا يجوز له أن ينوب عن غيره، كمن وجب عليه الحج، لا يجوز له أن يحج عن غيره بأجرة، حتى يحج عن نفسه. المغني ٨/٤٦٧.
قال المرداوي رحمه الله: إن من يلزمه الجهاد من الرجال الأحرار لا تصح إجارتهم، وهو صحيح وهو المذهب، وعنه: تصح. الإنصاف ٤/١٨٠.
وسبق نقل قول الشافعي رحمه الله.
المغني ٨/٤٦٨، والكافي ٤/٣٠٢، والمقنع ١/٥٠٧، والمحرر ٢/١٧٧، والفروع ٦/٤٣١، والإنصاف ٤/١٧٩-[١٨٠،] والمبدع ٣/٣٧٠، ومنتهى الإرادات ١/٢١٩، وغاية المنتهى ١/٤٦٦، وصحيح البخاري باب ١٢٠،فتح الباري ٦/١٢٥”.[حاشية: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه].
وسيأتي ذكر الأقوال فيما له من الحقوق.
[مسألة]:
* قال أصحابنا –القائل ابن رسلان -: “وإذا حضر الوقعة أجير استؤجر لسياسة الدواب وحفظ المتاع أو لعمل آخر معلوم، نظر إن لم يقاتل لم يستحق من الغنيمة شيئًا، وإن قاتل، فثلاثة أقوال:
أحدها: له الأجرة لجميع المدة، [يرضخ له] في الغنيمة؛ لأن منفعته مستحقة لغيره كالعبد إذا حضر القتال يرضخ له.
والثاني: يسهم له مع الأجرة؛ لأن الأجرة تجب بالتمكين والسهم بحضور الغنيمة، وقد وجد الكل.
والثالث: يخير بين الأجرة والغنيمة،
والأصح أنه يسهم له مع الأجرة، والحديث محمول على ما إذا لم يقاتل” انتهى.
و”قال القاري رحمه الله: فِي (شَرْحِ السُّنَّةِ) اخْتَلَفُوا فِي الأجِيرِ لِلْعَمَلِ وحِفْظِ الدَّوابِّ يَحْضُرُ الواقِعَةَ هَلْ يُسْهَمُ لَهُ؟
فَقِيلَ: لا سَهْمَ لَهُ، قاتَلَ أوْ لَمْ يُقاتِلْ، إنَّما لَهُ أُجْرَةُ عَمَلِهِ، وهُوَ قَوْلُ الأوْزاعِيِّ وإسْحاقَ وأحَدُ قَوْلَيِ الشّافِعِيِّ.
وقالَ مالِكٌ وأحْمَدُ: يُسْهَمُ لَهُ، وإنْ لَمْ يُقاتِلْ إذا كانَ مَعَ النّاسِ عِنْدَ القِتالِ.
وقِيلَ: يُخَيَّرُ بَيْنَ الأُجْرَةِ والسَّهْمِ” انْتَهى.
[قال (خليل أحمد السهارنفوري)]: ويظهر لي قول – والله تعالى أعلم به -: أنه إذا قاتل ولم يشترط في إجارته القتال يجمع له من الأجرة والسهم؛ لأنهما غير متنافيين، وهو ظاهر قاعدة مذهبنا السابق بأن الإجارة والأجر يجتمعان”.[ بذل المجهود].
وسبق كلام الحافظ رحمه الله في المسألة.
[مسألة: جمع]
وقد صح أن سلمة بن الأكوع كان أجيرًا لطلحة حين أدركه عبد الرحمن بن عيينة لما أغار على سرح رسول الله ﷺ، فأعطاه النبي ﷺ سهم الفارس، والراجل.
[] المنتقى ٢/٧٩٣ برقم ٤٣٥١، ونيل الأوطار ٨/١٢٠-١٢١، وورد عن النبي ﷺ ما يدل على أنه لا شيء له غير الأجرة، فقد استأجر يعلى بن منبه أجيرًا بثلاثة دنانير، فلما حضر قسمة الغنيمة ذكر أمره للرسول ﷺ، فقال: «ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا، والآخرة، إلا دنانيره التي سمى».
فتح الباري ٦/١٢٥، والمنتقى ٢/٧٩٢ برقم ٤٣٥٠، ونيل الأوطار ٨/١٢٠.
وقد جمع بين الحديثين مجد الدين بن تيمية رحمه الله، بأن حمل الحديث الذي يدل أنه أسهم له على الأجير الذي قصد مع الخدمة الجهاد، وحمل حديث يعلى بن منبه على من لا يقصد الجهاد أصلًا.
وقد تبعه الشوكاني فقال في صدر الكلام على الحديثين: والأولى المصير إلى الجمع الذي ذكره المصنف رحمه الله، فمن كان من الأجراء قاصدًا للقتال استحق الإسهام مع الغنيمة، ومن لم يقصد فلا يستحق إلا الأجرة المسماة.
المنتقى من أخبار المصطفى ٢/٧٩٣، ونيل الأوطار ٨/١٢٢. [حاشية: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه].
فوائد الحديث:
1 – (منها) الإعلام بوقت الجهاد ليستعدوا له.
2 – (منها) أن في الإقامة لا يكون لهم خادم؛ لسهولة أمر الإقامة.
3 – (منها) جواز اتخاذ الخادم عند الحاجة إليه.
4 – (منها) صحة الاستئجار للخدمة في السفر.
5 – (منها) شرط الأجرة أن تكون معلومة، وإن استأجر بمجهول وعمل استحق أجرة المثل.
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان].