1203 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1203):
مسند يَعْلى بن أمية رضي الله عنه
قال أبو داود رحمه الله (ج ٩ ص ٤٧٩): حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ المُسْتَمِرِّ العُصْفُرِيُّ، حَدَّثَنا حَبّانُ بْنُ هِلالٍ، حَدَّثَنا هَمّامٌ، عَنْ قَتادَةَ، عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ، عَنْ صَفْوانَ بْنِ يَعْلى، عَنْ أبِيهِ، قالَ: قالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إذا أتَتْك رُسُلِي فَأعْطِهِمْ ثَلاثِينَ دِرْعًا»، قُلْت: يا رَسُولَ اللَّهِ، أعارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ، أوْ عارِيَّةٌ مُؤَدّاةٌ؟ قالَ: «بَلْ عارِيَّةٌ مُؤَدّاةٌ».
هذا حديث حسنٌ، رجاله رجال الشيخين، إلا إبراهيم بن المستمر العصفري، وقد قال النسائي: صدوق. وقال في موضع آخر: ليس به بأس. كما في «تهذيب التهذيب».
===================
الحديث سيكون من وجوه:
ذكر الحديث الإمام أبوداود رحمه الله في السنن، ٢٢ – كِتاب البُيُوعِ، أبْوابُ الإجارَةِ، بابٌ فِي تَضْمِينِ العَوَرِ، (3566).
وفي السنن الكبرى للنسائي، ٢٤ – كِتابُ العارِيَةِ والوَدِيعَةِ، تَضْمِينُ العارِيَةِ، (5744).
قال الحافظ ابن حجر في (بلوغ المرام): ” رَواهُ أحْمَدُ، وأبُو داوُدَ، والنَّسائِيُّ، وصَحَّحَهُ ابْنُ حِبّانَ. “.انتهى. رقم الحديث (895).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
١٠ – كتاب البُيوع، ٤٦ – عارية مؤداة، (1749).
و13- كتاب: الجهاد والغزوات، ١٦ – المجاهد يأخذ حصانة مع الاعتماد على الله، (1964).
واورد محققو المسند حديث أبي أمامة ٢٢٢٩٤ مرفوعا
«العارِيَةُ مُؤَدّاةٌ والمِنحَةُ مَرْدُودَةٌ والدَّيْنَ مَقْضِيٌّ، والزَّعِيمُ غارِمٌ»
وقالوا :
ولقوله: «العارية مؤداة» أيضًا حديث يعلى بن أمية السالف في مسنده برقم (١٧٩٥٠)، ولفظه: أن النبي ﷺ قال: «إذا أتتك رسلي، فأعطهم ثلاثين درعًا، وثلاثين بعيرًا، أو أقل من ذلك» فقاله له: العارية مؤداة يا رسول الله؟ قال: فقاله النبي ﷺ: «نعم». وإسناده صحيح.
واعتبر ابن عبدالهادي لفظ أحمد يعل رواية أبي داود كون رواية أبي داود فيها اشتراط
فقال عن رواية أبي داود :
رواته كلُّهم ثقات، لكنه معلَّلٌ، وقد رواه أبو داود عن إبراهيم بن المستمر .
٢٤٩٣ – وقد رواه الإمام أحمد بغير هذا اللفظ، فقال: حدَّثنا بَهْز بن أسد ثنا همّام عن قتادة عن عطاء عن صفوان بن يعلى بن أميَّه عن أبيه عن النبيِّ ﷺ قال: «إذا أتتك رسلي فأعطهم- أو: فادفع إليهم- ثلاثين درعًا، وثلاثين بعيرًا- أو أقل من ذلك-». فقال له: العاريَّة مؤدّاة، يا رسول الله؟ قال النبيُّ ﷺ: «نعم» .انتهى
المهم على هذا اللفظ فيه معنى أن العاريَة الأصل أنها غير مضمونة إلا بالشرط ورجحه ابن عثيمين وابن تيمية وابن القيم . مع أتي أميل للضمان لأن حق المعير أقوى حيث انه محسن ثم توقفت عن الترجيح فالقول بعدم الضمان لأنه كالأمين ولم يقصر في الحفاظ على الشيء المستعار أيضا قول قوي . انتهى كلامي سيف بن دورة
الأول: شرح الحديث:
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: [باب: في تضمين العارية].
يقال ” العاريَة ” سُمّيت بذلك؛ لأنها عارية عن العوض. قاله الشيخ ابن عثيمين في شرح الزاد.
والعارية هي: العين التي ينتفع بها، وبعد الانتفاع بها ترد على صاحبها.
وهل تضمن إذا فقدت، أو لا تضمن؟
من العلماء من قال: إنها تضمن؛ لأنها في حوزته فعليه أن يؤديها أو يؤدي مثلها إن كان لها مثل، أو قيمتها إذا لم يكن لها مثل.
ومن العلماء من قال: إن يده يد أمان، وليس عليه ضمان إلا أن يفرط، كالذي تكون عنده الوديعة.
قوله: قوله: «إذا أتتك رسلي»، يعني: الذين أرسلهم إليك، «فأعطهم ثلاثين درعًا» ولم يطلب النبي صلى الله عليه وسلم منه علامة كما قال ذلك فيمن أرسله إلى وكيله في خيبر قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
والدروع، وهي عبارة عن قمص من حديد، مُحلق مربوطة كل خلقة في الأخرى حتى يصير كأنما نسج من حديد، يتخذه الناس عند القتال؛ ليتقوا به رءوس السهام؛ لأن السهم إذا ضرب الحديد ما ينفذ وجُعل ليسهل التحرك فيه. قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
[وفي] … حديث سمرة بن جندب رضي الله تعالى عنه أن النبي ﷺ قال: ((على اليد ما أخذت حتى تؤدي))، أي: أن هذا لازم عليها، وأنه حق متعين على صاحب اليد الذي عليه أداؤه وإرجاعه، وإذا لم يؤده فإنه يؤدي نظيره ومثيله إذا كان له مثيل أو قيمته إذا لم يكن له مثل.
وقد جاء في بعض الأحاديث التي سيذكرها أبو داود ما يدل على الضمان، وذلك في قصة الأدرع التي استعارها رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولما فقد بعضها قال النبي ﷺ لصاحبها: (أنا أغرم لك، فقال: لا)، فدل هذا على أنها مؤداة؛
وفي رواية .. إن الحسن نسي، فقال: (هو أمينك لا ضمان عليه).
أي أنه ليس بلازم أن يؤدي، وليس بضامن على كل حال، لكن على القول بأن يد المستعير هي مثل يد الأمين المستودع، وهو لا يضمن إلا إذا فرط، فإذا لم يفرط فإنه لا ضمان عليه، وعلى هذا القول فإنه ليس هناك تنافٍ بين قوله: (أمينك لا ضمان عليه)، وبين قوله: (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)، على اعتبار أن يده يد أمانة وأن عليها أن تؤديه حيث لم يحصل هناك تفريط، أما إذا حصل تفريط فإن الضمان لازم على كل حال.
وأما عن الحديث الذي أورده المصنف رحمه الله عن يعلى بن أمية رضي الله عنه: «قالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إذا أتَتْك رُسُلِي فَأعْطِهِمْ ثَلاثِينَ دِرْعًا»، قُلْت: يا رَسُولَ اللَّهِ، أعارِيَّةٌ مَضْمُونَةٌ، أوْ عارِيَّةٌ مُؤَدّاةٌ؟ قالَ: «بَلْ عارِيَّةٌ مُؤَدّاةٌ».
معناه: أنه يحافظ عليها ويرجعها.
وسواء قيل: هي مضمونة أو مؤداة، فإنها تؤدى وتضمن بمثلها إلا أن يعفو صاحبها على القول بأن اليد يد ضمان.
وسؤال يعلى: “أعَوَرٌ مَضْمُونَةٌ، أوْ عَوَرٌ مُؤَدّاةٌ”، يفيد التفريق عنده: تضمنها لي أو تؤديها، لكن معناه: أنها عندما تستهلك يؤتى ببدالها، أو أنه يحافظ عليها وترجع بعينها.
و”الفرق بينهما: أن العارية المؤداة هي التي ترد بعينها إن بقيت، فإن تلفت فليس على المستعير ضمان، والعارية المضمونة هي التي لو تلفت لضمنها المستعير”. قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
واستعار منه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك قبل أن يسلم صفوان، في رواية “أغصب”، يعني: أهي غصب؟ في رواية «عارية مضمونة»؛ يعني: علينا ضمانها لو تلفت، في الأول قال الرسول: «بل عارية مؤداة» وهنا قال: «عارية مضمونة»؛ لأن هذا كافر لم يسلم بعد، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطمئن قلبه بأنها مضمونة فأعاره، ولما أسلم وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يردها عليه تسامح فيها وقال: “يا رسول الله إني أسلمت” يعني: وإني أريدها لله عز وجل فصار ذلك خيرًا له. قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
[انظر: شرح سنن أبي داود للعباد، فتح ذي الجلال والإكرام للشيخ ابن عثيمين، بتصرف].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): تعريف العارية لغة واصطلاحاً
لغة: العاريّة -هي بتخفيف الياء وتشديدها، وهي من التعاور: وهو التداول والتناوب لجعله للغير نوبة في الانتفاع، وقيل أصل المادة من العُري وهو التجرد؛ تسمى عارية؛ لتجردها عن العوض [القاموس المحيط، مادة: عور].
واصطلاحًا: العارية: هي إباحة نفع عين بلا عوض؛ سميت بذلك لتعرِّيها عن العوض. [موسوعة الفقه الإسلامي]
وفي (زاد المستقنع): “وهي إباحة نفع عين تبقى بعد استيفائه”. انتهى.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “ويقال: العارية بالتشديد، والعارية من الإحسان الذي أمر الله به في قوله: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة: 195]؛ لأنها -أي العارية- إباحة نفع عين تبقى بعد استيفاءه، أي: استيفاء النفع وتأمل التعريف «إباحة النفع»، وليست تمليك بل إباحة نفع، يعني: أنني أنا المعير أبحت لك أن تنتفع بما أعرتك لم أملكك إياه بل هو ملكي، والنفع لي لكني أبحتك أن تنفع نفع عين، تبقى بعد استيفائه، فإذا أباحة العين فهذا ليس عاري، إذا أباحه نفع عين لا تبقى بعد استيفائه، مثال لك: إن قال: أعرتك هذه الخُبزة، ما هو نفع الخُبزة؟ الأكل، إذا أكلتها لم تبق بعد الاستيفاء، ولهذا إذا أضيفت العارية إلى عين لا تبقى بعد استيفاء المنفعة فإنها لا تصح، لكن هل تنزل على المعنى الذي تصح عليه وهو الهبة، أو يُقال: لم تصح العارية مُطلقًا، وأن هذا المستعير إذا أكل الخبزة التي أعير فإنه يضمن قيمتها؛ لأن العارية لم تصح، أو يقال: إنها تصح على الوجه الذي يمكن أن تنزل عليه من وجوه الانتفاع.
وقولنا: “إباحة نفع” وليس بتمليك يُستفاد منه: أن المستعير لو أراد أن يؤجر العين التي استعارها فإنه لا يملك ذلك، لماذا؟ لأن المنفعة ليست ملكًا له لكن أبيحت له إباحة، لو أراد أن يُعيرها مثل: أن يستعير شخص كتابًا من زميله ثم يطلبه زميل آخر فيعيره إياه فهل يملك؟ لا؛ لأنه لم يملك النفع، وإنما أبيح له أن ينتفع، ونظير ذلك من بعض الوجوه: أن الإنسان لو مرّ بنخل عليه تمر وليس عليه حائط ولا حوله ناظر فله أن يقف تحت التمر ويأكل حتى يملأ بطنه لكن لو قال: أنا أملأ بطني: كيلو وآخذ كيلو أبيعه فلا يملك هذا؛ لأنه إنما أبيح له الأكل فقط لا أن يحمل أو يمتلك، كذلك العارية إنما أبيح له أن ينتفع فقط وليس مالكًا للنفع”. انتهى من [كتاب فتح ذي الجلال والإكرام].
وقال الشيخ صالح الفوزان في (الملخص الفقهي): “قد عرف الفقهاء رحمهم الله العارية بأنها: إباحة نفع عين يباح الاتنفاع بها وتبقى بعد استيفاء المنفعة ليردها إلى مالكها.
فخرج بهذا التعريف: ما لا يباح الانتفاع به؛ فلا تحل إعارته.
وخرج به أيضا: ما لا يمكن الانتفاع به إلا مع تلف عينه؛ كالأطعمة والأشربة”. انتهى المقصود.
(المسألة الثانية): حكمة مشروعية العارية:
“قد يحتاج الإنسان إلى الانتفاع بعين من الأعيان، وهو لا يستطيع أن يتملكها، ولا يملك مالاً ليدفع أجرتها، وبعض الناس قد لا تقوى نفسه على الهدية أو الصدقة.
لهذا شرع الله العارية قضاءً لحاجة المستعير، مع حصول الأجر للمعير ببذل المنفعة لأخيه مع بقاء العين له”.[موسوعة الفقه الإسلامي]
(المسألة الثالثة): حكم العارية
حكم العارية ذكرت أنها سنة؛ لأنها داخلة في عموم قول الله تعالى: {وأحسنوا إن الله يحب المحسنين} [البقرة: 195]، لكنها قد تجب أحيانًا، إذا رأيت شخصًا يحتاج إلى ثوب في الشتاء لشدة البرد وأنت معك ثياب فهنا يجب عليك أن تعيره ثوبك كي يدفع به شدة البرد، وجدت شخصًا عطشان، ولكن ليس معه إناء يستقي به من البئر ومعك دلو يمكن أن يستقي به من البئر فحكم العارية واجبة؛ لأن فيها إنقاذ لمعصوم، إنما الأصل فيها أن مستحبة، جاءك شخص يستعير منك سلاحًا لينحر به ناقة فلان ليأكلها هذا حرام؛ لأنها إعانة على محرم، إذن فالأصل أنها سنة وقد تحرم وقد تجب. قاله الشيخ ابن عثيمين في كتاب [فتح ذي الجلال والإكرام (4/194)].
(المسألة الرابعة): العارية مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع:
قال تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} ؛ أي: المتاع يتعاطاه الناس بينهم.
فذم الذين يمنعون ممن يحتاج إلى استعارته.
وقد استدل بهذه الآية الكريمة من يرى وجوب الإعارة، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا كان المالك غنيا.
واستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا لأبي طلحة، واستعار صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية أدراعا.
وبذل العارية للمحتاج إليها قربة بها المعير ثوابا جزيلاً؛ لأنها تدخل في عموم التعاون على البر والتقوى. قاله الشيخ صالح الفوزان في الملخص.
(المسألة الخامسة) أركان العارية:
أركان العارية أربعة:
المعير: وهو صاحب العين..
والمستعير: وهو الذي ينتفع بالعين..
والعارية: وهي العين المعارة من دابة أو آلة..
والصيغة: وهي الإيجاب والقبول بين الطرفين حسب العرف”.[موسوعة الفقه الإسلامي]
(المسألة السادسة): يشترط لصحة الإعارة أربعة شروط:
أحدها: أهلية المعير للتبرع؛ لأن الإعارة فيها نوع من التبرع؛ فلا تصح من غير أهليه ولا مجنون وسفيه.
الشرط الثاني: أهلية المستعير للتبرع له؛ بأن يصح منه القبول.
الشرط الثالث: كون نفع العين المعارة مباحا؛ فلا تباح إعارة عبد مسلم لكافر ولا صيد ونحوه لمحرم؛ لقوله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} .
الشرط الرابع: كون العين المعارة مما يمكن الانتفاع به مع بقائه كما سبق، وللمعير استرجاع العارية متى شاء إلا إذا ترتب على ذلك الإضرار بالمستعير؛ كما لو أذن له بشغله بشيء يتضرر المستعير إذا استرجعت العارية؛ كما لو أعاره سفينة لحمل متاعه؛ فليس له الرجوع ما دامت في البحر، وكما لو أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبه؛ فليس له الرجوع في الحائط ما دام عليه أطراف الخشب.
ويجب على المستعير: المحافظة على العارية أشد مما يحافظ على ماله؛ ليردها سليمة إلى صاحبها؛ لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ} ؛ فدلت الآية على وجوب رد الأمانات، ومنها العارية.
وقال صلى الله عليه وسلم: “على اليد ما أخذت حتى تؤديه”، وقال صلى الله عليه وسلم: “أد الأمانة إلى من ائتمنك”.
فدلت هذه النصوص على وجوب المحافظة على ما يؤتمن عليه الإنسان، وعلى وجوب رده إلى صاحبه سالما، وتدخل في هذا العموم العارية؛ لأن المستعير مؤتمن عليها، ومطلوبة منه، وهو إنما أبيح له الانتفاع بها في حدود ما جرى به العرف؛ فلا يجوز له أن يسرف في استعمالها إسرافا يؤدي إلى تلفها، ولا أن يستعملها فيما لا يصلح استعمالها فيه؛ لأن صاحبها لم يأذن له بذلك، وقد قال الله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الأِحْسَانِ إِلاَّ الأِحْسَانُ}”. من (الملخص).
(المسألة السابعة): ما تحرم إعارته:
تجوز إعارة كل عين يُنتفع بها مع بقائها كالدور، والآلات، والدواب ونحوها مما منفعته مباحة الاستعمال، فلا تجوز إعارة الأواني لشرب الخمر.. ولا الأجهزة لسماع الغناء.. ولا الدور للبغاء.. ولا الجواري للاستمتاع.. ولا المصحف للكافر.. ولا المحل لبيع المحرمات؛ لما في ذلك وغيره من التعاون على الإثم والعدوان”.[موسوعة الفقه الإسلامي].
(المسألة الثامنة): وجوب العناية بالعارية وردّها على المُعير:
فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه». قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: رواه أحمد، والأربعة، وصححه الحاكم.
قوله: (على اليد) ضمان (ما أخذت) ورعاية (ما أخذت) من الأعيان حتى تؤديه إلى صاحبه.
(حتى تؤديه) ومن ذلك العارية.
وعموم هذا يتناول عدة مسائل:
أولًا: ما أخذ على سبيل العارية، يعني لو أخذت منك شيئًا عارية فعليك رعايته وصيانته وحمايته مما يُتلفه ورده إليك،
ومنها: ما أخذ على سبيل الإجارة.
ولا يجوز وضع حاشية على الكتاب المعار إلا بإذن صاحبه ولا تفكيكه وجعله كراريس.
أما السيارة تنقص إطاراتها وغيرها فلا حرج في استعمالها كعارية ونقول يُخصص من عموم هذا الحديث –أي: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه»- أنه متى نقصت العارية بالانتفاع المأذون فيه فإنه ليس على المستعير ضمانها”. ذكرها الشيخ ابن عثيمين في (فتح ذي الجلال والإكرام).
(المسألة التاسعة): أنواع العارية
أن العارية حسب شرط المعير على المستعير، إن كانت مؤداه فهي مؤداه، وإن كانت مضمونة فهي مضمونة، ولا إشكال في أنه إذا وجد الشرط فالحكم على حسب الشرط، لكن إذا فقد الشرط فهل هي مؤداه أو مضمونة؟
في هذا خلاف بين أهل العلم،
[القول الأول] إنها مؤداه، ومعنى مؤداه: أنه لا ضمان على المستعير إلا بتعدٍّ أو تفريط؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أد الأمانة إلى من ائتمنك»، وهذه أمانة.
[القول الثاني]: إنها ليست مضمونه إلا أن يشترط، فإن اشترط، فإن اشترط فهي مضمونة سواء تعدي أو فرط، واستدلوا بهذا الحديث وبالذي بعده وبعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحلّ حرامًا أو حرّم حلالًا»، وعلى هذا فتكون مضمونه إن شرط أنها مضمونة، وإن لم يشترط فلا ضمان ما لم يتعد أو يفرط.
[القول الثالث:] أنها مضمونة ما لم يشترط عدم الضمان، فإن اشترط عدم الضمان فلا ضمان وإلا فهي مضمونة،
* والفرق بينه وبين الأول:
أن الأول يقول: هي مضمونة لكل حال سواء فرّط أو لم يفرط تعدي أو لم يتعدّ،
والقول الصحيح في هذا أنها ليست مضمونة إلا بالشرط، وذلك لأنها أمانة داخلة في عموم الأمانات التي ليس فيها ضمان إلا بتعد أو تفريط
* وإن سكت ففيه خلاف: هل تضمن أو لا تضمن؟
والصحيح: أنه لا ضمان، ويستثنى من ذلك ما مر علينا، فمثلًا: إذا تلفت العارية فيما استعيرت له، مثل المنشفة إذا أصابها خمل فإنه لا ضمان عليك، وكذلك الكتاب لا شك أنه مع الاستعمال يضعف تجهيزه فليس عليك ضمان، لأنه تلف فيما استعمل له فليس فيه ضمان.
(المسألة العاشرة)
“يجوز للمستعير الانتفاع بالعارية بنفسه أو بمن يقوم مقامه، ولا يجوز له أن يؤجرها أو يعيرها إلا بإذن المالك، فإن أعارها بدون إذن المالك فتلفت عند الثاني ضمنها الثاني؛ لأنه قبضها على أنه ضامن لها، وتلفت في يده، فاستقر الضمان عليه، كالغاصب من الغاصب.
وللمالك مطالبة من شاء منهما ليعود إليه حقه.”.[موسوعة الفقه الإسلامي].
(المسألة الحادي عشر):
فإن استعملها في غير ما استعيرت له فتلفت؛ وجب عليه ضمانها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “على اليد ما أخذت حتى تؤديه”، رواه الخمسة، وصححه الحاكم
وإن تلفت في انتفاع بها بالمعروف؛ لم يضمنها المستعير؛ لأن المعير قد أذن في هذا الاستعمال، وما ترتب على المأذون؛ فهو غير مضمون. من (الملخص).
(المسألة الرابع عشر): الفوائد:
١ – (منها): حرص الإسلام على أداء الأمانة؛ لقوله: «حتى تؤديه»، فلو استعرت من سيارة سافرت عليها ورجعت وانتهت الاستعارة، فقلت: تعال خذ سيارتك، قال: لا، أحضرها أنت، من الصواب معه؟ مع صاحب السيارة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «حتى تؤديه».
استعرت منه مُسجلًا أسجل به قراءة وانتهيت من التسجيل، فقلت: تعالى خذ المسجل، فقال: ائت بالمسجل أنت، فقلت: كيف؟ المسجل لك متى شئت خذه، هل أنا ظالم؟ نعم، المستعير ظالم، كيف يحسن إلي وأقول: أنت الذي تأخذ مالك: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه»، مرّ علينا قبل مدة أن الواجب على من أطارت الريح ثوب جاره إلى بيته أن يعلمه به أو يسلمه له، فلماذا تقول يكفي الإعلام؟ لأني لم آخذه لمصلحة، لم يكن في بيتي لمصلحة حتى أؤديه، إنما أطارته الريح على بيتي وأنا لست مُلزمًا بأن أحمله إليه، وربما يكون الشيء ثقيلًا يحتاج إلى مؤنه قد تحمل الريح من على سطح جاري شيئًا ثقيلًا حينئذ لا يلزمني حمله بل يكفي الإعلام.
2 – (منها): وجوب العناية بالعارية وحفظها عن التلف؛ لأنه لا يمكن أداؤها كما أخذها الإنسان إلا بذلك.
3 – (منها): ويترتب على هذه الفائدة: أنه لو تعدى أو فرّط فهو ضامن؛ لأنه ترك ما يجب عليه، ومن ترك ما يجب عليه لم تكن يده يد أمانه، وكل يد ليست يد أمانه فإنها ضامنة. [فتح ذي الجلال والإكرام].
4 – (منها): وجوب أداء الأمانة ومن بينها العارية.
5 – (منها): أن الإنسان لا يرد الأمانة إلا لمن ائتمنه، فلا يردها إلى شخص آخر إلا أن تقوم بينه أو قرينة فليفعل، بيّنة مثل أن يأتي شخص ببينة، بأن أمره صاحب الأمانة بان يقبضها، فهنا يتعين أن ترد إليه بالبينة، أو قرينة مثل أن يردها على من يحفظ ماله، عادة كرجل استعار من شخص إناء ثم عاد فقرع بينه فسأل عنه، قالوا: إنه في السوق فأعطى الإناء أهل البيت فهل يبرأ بذلك؟ نعم يبرأ؛ لأن هذا هو ما جرت به العادة، ولا يلزمه أن يذهب ويتطلب هذا الرجل.
6 – (منها): تحريم الخيانة مطلقًا؛ لقوله: «لا تخن من خانك»، أما تحريم الخيانة لمن خانك فهو منطوق الحديث، وأما تحريم الخيانة مما لم يخن؛ فلأن هذا من باب أولى، وما كان من باب أولى فقد اختلف العلماء، هل هو داخل في المنطوق دخولًا لفظيًا، ويكون ذكر الأدنى تنبيهًا على ما فوقه أو هو داخل بالقياس، فيكون اللفظ لا يتناوله لكن تناوله من حيث المعنى؛ لأن القياس الجلي الذي يكون فيه المقيس أولى بالحكم من المقيس عليه لا شك أنه داخل في ضمن اللفظ من حيث المعنى.
على كل حال: إذا كان الحديث يدل على تحريم الخيانة لمن خانك فإنه يدل على تحريم الخيانة، من العلماء من أخذ بظاهر الآية وأعلّ الحديث وقال: إن الحديث ضعيف ولم يأخذ به، ولكن هذا ليس بسديد، والجمع بينهما أن نقول: إن العدوان ليس فيه ائتمان المعتدي الذي اعتدى عليك عدوانًا ظاهرًا لكن الذي ائتمنك لا يجوز أن تعتدي عليه في مقابل أنه خانك، لأن مقتضى الأمانة دفع الخيانة، وأنت أمين فليس هذا من باب {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة 194].
7 – (منها): جواز استعارة الدروع.
8 – (منها): أن العارية إذا شرط المستعير ضمانها فهي مضمونة، وإن لم يشترط فليست بمضمونة؛ لأن يد المستعير يد أمانة، والأصل في يد الأمانة أنه لا ضمان عليها إلا بتعد أو تفريط.
9 – (منها): فيه دليل على أن العارية حسب شرط المعير على المستعير، إن كانت مؤداه فهي مؤداه، وإن كانت مضمونة فهي مضمونة.
10 – (منها): جواز استعارة أدوات الحرب من الكافر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم استعار هذه الدروع من صفوان قبل أن يسلم، ويقاس على الدروع كل عتاد الحرب؛ لكن بشرط أن نأمن من غشه أما إذا لم نأمن فإنه لا يجوز أن نشتريه منه؛ وذلك لأنه – أي: الكافر – عدو للمسلمين بكل حال كما ذكر الله تعالى في عدة آيات: {يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} [الممتحنة: 1]. {يأيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصرى أولياء … } [المائدة: 51]. فهم يخشى منهم، فإذا أعطونا عتادًا حربيا من سلاح أو دروع أو وقاية من أشياء مهلكة أو ما أشبه ذلك، فإنه لا بأس به بشرط أن نكون في ضرورة إلى ذلك، فإذا كان هناك ضرورة إلى الاستعانة بهم، وأمنا من شرهم فلا بأس لأجل الضرورة،
وليس هذا من توليهم، الذي يكون من توليهم هو أن نذهب إليهم لنعينهم على عدوهم مثل أن يقاتلهم عدو لهم فنذهب معهم نقاتل نعينهم على عدوهم فهذا من ولايتهم ولاشك، فإن كان عدوهم مسلمًا فإنه يخشى على من أعانهم أن يكون كافرًا؛ لأنه أعان كافرًا على مسلم، وإن كان عدوهم كافرًا فإن هذا حرام ولا يجوز بلا شك، ويمكن أن يلتحق المعين بالكافرين في هذه الحال إذا تولى هؤلاء وناصرهم محبة لهم،
وأما إذا أعانوك هم على عدوك فليس هذا من باب الولاية، ولكن من باب دفع الضرورة إن اضطررت إليهم وأمنت من سوء عاقبتهم فلا حرج، وهذا هو القول الوسط في هذه المسألة:
فإن من العلماء من قال: لا يجوز مطلقًا،
ومنهم من قال: يجوز ولو أدنى حاجة،
ومنهم من قال: يجوز للضرورة، وهذا هو الأقرب أنه إذا دعت الضرورة القصوى فلا بأس، أما مجرد الحاجة فلا، ولكن على كل حال ليس هذا من جنس الاستعانة بهم في أدوات الحرب وعتاد الحرب؛ لأن أدوات الحرب وعتاد الحرب الذي يستعمله المسلمون اليوم أغلبها من بلاد الكفار، لكنه يجب أن نأمن من أن يكون هذا العتاد عتادًا فاسدًا أو ضارًا بحيث أننا نضيع أموالنا في مثله ويخوننا عند الحاجة إليه؛ لأنهم لا يؤمنون أعداء بلا شك. [كتاب فتح ذي الجلال والإكرام، بتصرف].