1198 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1198):
قال الإمام ابن أبي شيبة رحمه الله (ج ١٢ ص ٧٢): حدثنا محمد بن مصعب، عن الأوزاعي، عن شداد أبي عمار، قال: دخلت على واثلة، وعنده قوم فذكروا عليًّا فشتموه فشتمته معهم، فقال: ألا أخبرك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ قلت: بلى.
قال: أتيت فاطمة أسألها عن علي، قالت: توجه إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجلس، فجاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعه علي والحسن والحسين كل واحد منهما آخذ بيده، فأدنى عليًّا وفاطمة فأجلسهما بين يديه، وأجلس حسنًا وحسينًا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه -أو قال: كساءه- ثم تلا هذه الآية: ﴿إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا﴾، ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، وأهل بيتي أحق».
هذا حديث صحيحٌ بالمتابعات الآتية لمحمد بن مصعب.
وأخرجه أحمد (ج ٤ ص ١٠٧) فذكروا عليًّا.
وأخرجه الطحاوي في «مشكل الآثار» (ج ٢ ص ٢٤٥) فقال: حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي، وسليمان الكيساني، قال: حدثنا بِشْرُ بن بكر البَجَلِيُّ، عن الأوزاعي به.
وأخرجه الطبري (ج ٢٢ ص ٧) فقال: حدثني عبد الكريم بن أبي عمير، قال: ثنا الوليد بن مسلم، قال: ثنا أبو عمرو، قال: ثني شداد أبو عمار، فذكره (وأبو عمرو هو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي).
وأخرجه الحاكم (ج ٣ ص ١٤٧) فقال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا الربيع بن سليمان المُرادِيُّ، وبحر بن نصر الخولاني، قالا: ثنا بشر بن بكر به.
ثم قال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه. اهـ وقال الذهبي: على شرط مسلم. وهو الصواب؛ لأن شدادًا ليس من رجال البخاري.
وأخرجه البيهقي من طريق شيخه الحاكم بسند الحاكم، ثم قال البيهقي: هذا إسناد صحيح.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
ذكره الإمام أبو بكر بن أبي شيبة رحمه الله، في مصنفه، ٢٧ – كِتابُ الفَضائِلِ، فَضائِلُ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،(٣٢١٠٣).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع: ١٦ – كتاب الفضائل، ٨٧ – فضائل أهل البيت، (٢٦٠٤).
وفي فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل، فَضائِلُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ، (٩٧٨).
وفي مسند أحمد، مُسْنَدُ الشّامِيِّينَ، (١٦٩٨٨)، قال محققو المسند: ” حديث صحيح. محمد بن مصعب- وهو القرقساني- حسن الحديث في المتابعات، وقد توبع، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير شداد أبي عمار، فقد أخرج له مسلم، والبخاري في «الأدب المفرد»، وهو ثقة.
وأخرجه ابن أبي شيبة ١٢/٧٢، وأبو يعلى (٧٤٨٦)، والطبراني في»الكبير«٢٢/ (١٦٠) من طريق محمد بن مصعب، بهذا الإسناد، لكن لفظه عند أبي يعلى:»وأهل بيتي أتوا إليك لا إلى النار«.
وأخرجه البخاري في»التاريخ الكبير«٨/١٨٧ مختصرًا، والطبري في»تفسيره«٢٢/٧، والطحاوي في»شرح مشكل الآثار«(٧٧٣)، وابن حبان (٦٩٧٦)، والطبراني في»الكبير«(٢٦٧٠) و٢٢/ (١٦٠)، والقطيعي في زوائده على»فضائل الصحابة«(١٤٠٤)، والحاكم ٢/٤١٦ و٣/١٤٧، والبيهقي في»السنن«٢/١٥٢ من طرق عن الأوزاعي، به. وزادوا عدا الحاكم والقطيعي: قال واثلة: فقلتُ من ناحية البيت: وأنا يا رسول الله، من أهلك؟ قال:»وأنت من أهلي«، قال واثلة: إنها لمن أرجى ما أرتجي.
قال البيهقي: هذا إسناد صحيح، وهو إلى تخصيص واثلة بذلك أقرب من تعميم الأمة به، وكأنه جعل واثلة في حكم الأهل تشبيهًا بمن يستحقه هذا الاسم لا تحقيقًا.
وأورده الهيثمي في»المجمع«٩/١٦٧ وقال: رواه أحمد وأبو يعلى باختصار، وزاد:»إليك لا إلى النار«، والطبراني وفيه: محمد بن مصعب وهو ضعيف الحديث سيئ الحفظ، رجل صالح في نفسه.
وفي الباب عن أم سلمة، سيرد ٦/٢٩٢.
قال السندي: قوله:»وأهل بيتي أحقُّ”، أي: بهذه الكرامة، وهي إذهابُ الرجس والتطهير”. انتهى.
الأول: شرح الحديث:
“”حُبُّ آلِ بَيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُقرِّبُ العبدَ إلى ربِّه سبحانه وتعالى، فبِحُبِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم نُحِبُّهم، ونُنزِلُهم مَنازِلَهم كما أنَزلهم اللهُ دون غُلوٍّ فيهم ولا تفريطٍ في حُبِّهم”.
و”لآلِ بَيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَضائلُ كَثيرةٌ، وتجِبُ لهم حُقوقٌ على مَن عَداهُم، وقد أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بحُبِّهم ونَهى عن بُغضِهِم.
ومَعْنى الحديث : أنَّ واثِلةَ قصَدَ عَليًّا؛ فذهَبَ إلى بَيتِهِ ولم يَجِدْهُ، فأخبَرَتْهُ فاطِمةُ بِنتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وزَوجُ عَليٍّ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه عِندَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، “فجَلَستُ أنتَظِرُهُ”، خارِجَ البَيتِ على عادةِ القَومِ، ”
“ثُمَّ لفَّ عليهم ثَوبَهُ -أو قال: كِساءً-” غطَّاهُم به كما جاءَ في الرِّواياتِ، “ثُمَّ تَلا هذه الآيةَ: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33]” و{الرِّجْسُ}: الإِثمُ وَكُلُّ ما يُستقذَرُ مِن العَمَلِ، وقيلَ: هو الشَّكُّ، وقيل: العذابُ، والمَعْنى: يُحِبُّ اللهُ سُبحانَهُ أنْ يَمحُوَ عنكم الرِّجْسَ ويُطهِّرَكم مِن دَنَسِ المعاصي والذُّنوبِ، ثُمَّ قالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ”
و”(﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ﴾) هذا تعليل لجميع ما تقدّم من الأوامر، والنواهي من قوله تعالى: ﴿فَلا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ﴾ [الأحزاب ٣٢] إلى هنا [«حاشية الجمل على الجلالين» ٣/ ٤٣٦]،
بيّن الله سبحانه وتعالى أنه إنما نهاهنّ، وأمَرهنّ، ووعظهنّ؛ لئلا يقارف أهل بيت رسول الله ﷺ المآثم، وليتصوّنوا عنها بالتقوى، واستعار للذنوب الرجس، وللتقوى الطُّهر؛ لأن عِرض المقترف للمقحمات يتلوّث بها كما يتلوّث بدنه بالأرجاس، وأما المحسنات فالعِرض منها نقيّ كالثوب الطاهر، وفيه تنفير أولي الألباب عن المناهي، وترغيب لهم في الأوامر، قاله النسفيّ [«تفسير النسفيّ» ٣/ ٣٠٢ – ٣٠٣].
﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ﴾ عبّر به؛ لأنه أريد الرجال والنساء من آل بيته بدلالة قوله: ﴿ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب ٣٣]. (﴿الرِّجْسَ﴾) قيل: هو الشكّ، وقيل: العذاب،
وقيل: الإثم، قال الأزهريّ: الرجس اسم لكل مُستقذَر من عمل. انتهى [«شرح النوويّ» ١٥/ ١٩٥].
(﴿أهْلَ البَيْتِ﴾) نُصب على النداء، أو المدح، وفيه دليل على أن نساءه ﷺ من أهل بيته. (﴿ويُطَهِّرَكُمْ﴾)، وقوله: (﴿تَطْهِيرًا (٣٣)﴾) مصدر فيه معنى التأكيد.
قال القرطبيّ رحمه الله: وقراءة النبيّ ﷺ هذه الآية دليل على أن أهل البيت المعنيّون في الآية هم المُغَطَّون بذلك المرط في ذلك الوقت، والرجس: اسم لكل ما يستقذَر، قاله الأزهريّ، والمراد بالرجس الذي أُذهب عن أهل البيت: هو مستخبَث الخُلُق المذمومة، والأحوال الركيكة، وطهارتهم: عبارة عن تجنّبهم ذلك، واتصافهم بالأخلاق الكريمة، والأحوال الشريفة. انتهى [«المفهم» ٦/ ٣٠٢ – ٣٠٣].
وقال أبو السعود رحمه اللهُ في «تفسيره» وذكر الآية : وهذه
كما ترى آية بينة، وحجة نيّرة على كون نساء النبيّ ﷺ من أهل بيته، قاضية ببطلان رأي الشيعة في تخصيصهم أهل البيت بفاطمة، وعليّ وابنيهما -رضوان الله عليهم- وأما ما تمسكوا به من أن رسول الله ﷺ خرج ذات غدوة، وعليه مرط مرَجَّل من شعر أسود، وجلس، فأتت فاطمة فأدخلها فيه، ثم جاء عليّ، فادخله فيه، ثم جاء الحسن والحسين، فأدخلهما فيه، ثم قال: ﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ﴾، فإنما يدلّ على كونهم من أهل البيت، لا على أن من عداهم ليسوا كذلك، ولو فُرضت دلالته على ذلك لَما اعتُدّ بها؛ لكونها في مقابلة النصّ. انتهى [«تفسير أبي السعود» ٧/ ١٠٣].
قال الأتيوبي عفا الله عنه: أراد بقوله: «في مقابلة النصّ» الآية المذكورة فإنها نصّ في كون أزواجه من أهل البيت
قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسير الآية المذكورة ما نصّه: وهذا نصّ في دخول أزواج النبيّ ﷺ في أهل البيت ها هنا؛ لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولًا واحدًا، إما وحده على قول، أو مع غيره على الصحيح، ثم نقل عن عكرمة عن ابن عبّاس أنه قال: نزلت في نساء النبيّ ﷺ خاصّةً.
وقال أيضًا: ثم الذي لا يَشُكّ فيه من تَدَبَّر القرآن أن نساء النبيّ ﷺ داخلات في قوله تعالى: ﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾، فإن سياق الكلام معهن؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله:
﴿واذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آياتِ اللَّهِ والحِكْمَةِ﴾ [الأحزاب ٣٤]؛ أي: اعملن بما يُنزل الله على رسوله ﷺ في بيوتكن من الكتاب والسُّنَّة. قاله قتادة وغير واحد، واذكرن هذه النعمة التي خُصِصْتن بها من بين الناس، أن الوحي ينزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة الصدّيقة بنت الصدّيق أوْلاهُنَّ بهذه النعمة، وأحظاهن بهذه الغنيمة، وأخصّهن من هذه الرحمة العميمة، فإنه لم ينزل على رسول الله ﷺ الوحيُ في فراش امرأة سواها، كما نصّ على ذلك -صلوات الله وسلامه عليه-.
قال بعض العلماء رحمهم الله: لأنه لم يتزوج بِكرًا سواها، ولم يَنَمْ معها رجل في فراشها سواه، فناسب أن تُخصص بهذه المزية، وأن تُفرَد بهذه الرتبة العلية.
ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته، فقرابته أحقّ بهذه التسمية، كما تقدَّم في الحديث: «وأهل بيتي أحقّ».
وهذا يُشبه ما ثبت في «صحيح مسلم»: أن رسول الله ﷺ لمّا سئل عن المسجد الذي أُسس على التقوى من أول يوم، فقال: «هو مسجدي هذا»، فهذا من هذا القبيل؛ فإن الآية إنما نزلت في مسجد قُباء، كما ورد في الأحاديث الأخرى، ولكن إذا كان ذاك أسّسَ على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله ﷺ أولى بِتَسمِيَته بذلك. انتهى [ «تفسير ابن كثير» ٦/ ٤١٦]، والله تعالى أعلم.
وقالَ: ((اللَّهُمَّ هؤلاءِ أهْلُ بَيْتي، وأهْلُ بَيْتي أحقُّ))، بهذه الكَرامةِ، وهي إذْهابُ الرِّجْسِ والتَّطْهيرُ، وأهْلُ بَيتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الَّذين حدَّدَهم النَّبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ … وقيلَ: يَدخُلُ معهم كُلُّ مَن حَرُمتْ عليه الصَّدَقةُ مِن قَراباتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهُم آلُ العبَّاسِ، وآلُ عَقيلِ بنِ أبي طالِبٍ، وقيلَ غيرُ ذلِكَ.
[تنبيه]: جملة أزواج النبيّ ﷺ اللاتي دخل بهنّ إحدى عشرة، وهنّ: خديجة بنت خُويلد، وسودة بنت زمعة، وعائشة، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة رَمْلة بنت أبي سفيان، وأم سلمة هند بنت أبي أميّة، وزينب بنت جَحْش، وزينب بنت خُزيمة، وجُويرية بنت الحارث، وصفيّة بنت حُييّ، وميمونة بنت الحارث، وقد عقد على سبع ولم يدخل بهنّ.
فالصلاة على أزواجه ﷺ تابعةٌ لاحترامهنّ، وتحريمهنّ على الأمة، وأنهنّ نساؤه في الدنيا والآخرة.[«ذخيرة العقبى» ١٥/ ١٨١ – ١٨٣].
وفي الحَديثِ:
1) فَضلُ فاطمَةَ وعليٍّ والحَسَنِ والحُسَينِ رضِي اللهُ عنهم.
2) ما نقله في «الفتح» عن السهيليّ أيضًا، قال: لِذِكر البيت معنى لطيف؛ لأنها – يعني خديجة – كانت ربة بيت قبل المبعث، ثم صارت ربة بيت في الإسلام، منفردة به، فلم يكن على وجه الأرض في أول يوم بُعِث النبيّ ﷺ بيت إسلام إلا بيتها، … وعليّ نشأ في بيت خديجة، وهو صغير، ثم تزوج بنتها بعدها، فظهر رجوع أهل البيت النبويّ إلى خديجة دون غيرها.[«الفتح» ٨/ ٥٢٧، كتاب «مناقب الأنصار» رقم (٣٨٢٠)]. [الدرر السنية، البحر المحيط الثجاج].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): الأحاديث
– في سنن الترمذي، بلفظ: لمَّا نزلت هذِهِ الآيةُ على النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} في بيتِ أمِّ سلمةَ، فدعا فاطمةَ وحَسنًا وحُسينًا، فجلَّلَهم بِكساءٍ وعليٌّ خلفَ ظَهرِهِ فجلَّلَهُ بِكساءٍ، ثمَّ قالَ: ((اللَّهمَّ هؤلاءِ أَهلُ بيتي فأذْهِب عنْهمُ الرِّجسَ وطَهِّرْهم تطْهيرًا))، قالت أمُّ سلمةَ: وأنا معَهُم يا نبيَّ اللَّهِ. قالَ ((أنتِ على مَكانِكِ وأنتِ على خيرٍ)). قال الألباني: صحيح.
– في صحيح مسلم [٦٢٤١] (٢٤٢٤) – (حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، ومُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ -واللَّفْظُ لأبِي بَكْرٍ- قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ زَكَرِيّاءَ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قالَتْ: قالَتْ عائِشَةُ رضي الله عنها: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ غَداةً، وعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ، مِن شَعْرٍ أسْوَدَ، فَجاءَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، فَأدْخَلَهُ، ثُمَّ جاءَ الحُسَيْنُ، فَدَخَلَ مَعَه، ثُمَّ جاءَتْ فاطِمَةُ، فَأدْخَلَها، ثُمَّ جاءَ عَلِيٌّ، فَأدْخَلَهُ، ثُمَّ قالَ: ﴿إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ [الأحزاب ٣٣]).
(المسألة الثانية): آل البيت، وفيه مباحث:
المبحث الأول: التعريف بآل البيت لغة وشرعاً
المطلب الأول: تعريف آل البيت لغة وشرعًا:
إن كلمة آل من الكلمات التي وقع فيها الاختلاف عند علماء اللغة من حيث الاشتقاق، ومن حيث المعنى، أما من حيث الاشتقاق، فقيل إن أصلها أَوْل، وقيل إن أصلها أهل.
فذهب الخليل بن أحمد إلى أن كلمة (آل) مشتقة من الأِوْل، قال: (آل يؤول إليه، إذا رجع إليه). [((كتاب العين)) (8/395)]، ووافقه ابن فارس، وابن الجوزي، واختار هذا القول ابن تيمية. [((حاشية الروض المربع)) (1/40)، ((مجموع الفتاوى)) (22/463)]
وذهب فريق آخر إلى أن أصل كلمة (آل): أهل.
في (المفردات): (الآل مقلوب من الأهل).
وفي (لسان العرب): (أصلها أهل ثم أبدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل فلما توالت الهمزتان أبدل الثانية ألفا كما قالوا آدم وآخر). وبمثل هذا قال الفيروزآبادي.
وفي (المصباح) ذكر القولين ولم يرجح.
وضعف ابن القيم القول الثاني لأمور:
أحدهما: عدم الدليل عليه.
الثاني: أنه يلزم منه القلب الشاذ من غير موجب، مع مخالفة الأصل.
الثالث: أن الأهل تضاف إلى العاقل وغيره بخلاف الآل.
الرابع: أن الأهل تضاف إلى العلم والنكرة، والآل لا يضاف إلا إلى معظم من شأنه أن يؤول غيره إليه.
الخامس: أن الأهل تضاف إلى الظاهر والمضمر، أما الآل فإضافتها إلى المضمر قليلة شاذة [((جلاء الأفهام)) (ص: 203-204)].
وأما من حيث المعنى
فقد نص غير واحد على أن آل الرجل هم أهل بيته وقرابته [كتاب ((العين)) (8/395)، ((الصحاح)) (4/1627)، ((معجم مقاييس اللغة)) (1/160)]،
وأضافت طائفة أخرى الأتباع [((الصحاح)) (4/1627)، ((المصباح المنير)) (ص: 12)، ((القاموس المحيط)) (ص: 1245)]،
واقتصر بعضهم على الأتباع [((الكليات)) (ص: 164)].
وقد وفق ابن الجوزي بين القولين فقال: (الآل: اسم لكل من رجع إلى معتمد فيما رجع فيه إليه، فتارة يكون النسب، وتارة بالسبب) [((نزهة الأعين)) (ص: 121-122)].
فقوله: (بالنسب) إشارة إلى الأهل والقرابة، وقوله: (بالسبب) إشارة إلى الأتباع، ومن الثاني قوله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: 46].
وأما الأهل فقد اتفق علماء اللغة على إطلاق أهل الرجل على زوجه؛ قال الخليل: (أهل الرجل: زوجه)، ونقله ابن فارس مقراً له (16) .
ولهذا الاتفاق ذهب بعضهم إلى أن الأهل تطلق على الزوجة خاصة؛ لأنها المرادة في عرف اللسان، ومما يدل على الاتفاق في هذا المعنى اتفاقهم على أن التأهل: (التزوج).
وقد أضاف أكثرهم إلى معنى الزوجة العشيرة والقرابة، إلا أن الراغب عد ذلك من المجاز.
ومن خلال هذه النقول يتبين أن لفظة الآل والأهل تشتركان في معان كثيرة بل تقتربان من الترادف.
وأما البيت لغة، فيلحظ الناظر أن المتقدمين من علماء اللغة كالجوهري وابن فارس كانوا يقصرون معنى البيت على عيال الرجل كزوجه، وعلى المأوى والسكن.
يقول ابن فارس: (الباء والياء والتاء أصل واحد، وهو المأوى، والمآب، ومجمع الشمل. والبيت: عيال الرجل والذين يبيت عندهم).
أما المتأخرون كصاحب (القاموس) فأضافوا معان قد لا تخرج عن المعنيين السابقين كالشرف، والتزويج، والقبر، وفرش البيت.
أما إطلاق أهل البيت مركبة تركيباً إضافياً، فهي عند علماء اللغة بمعنى من يسكن فيه.
قال الخليل: (أهل البيت سكانه).
وتبعه على ذلك من أتى بعده كابن فارس، وابن منظور، والفيروزآبادي، بدون نكير منهم.
إلا أن هذا التركيب صار عرفاً على آل النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الراغب: (وصار أهل البيت متعارفاً في آل النبي صلى الله عليه وسلم)[ ((مفردات ألفاظ القرآن)) (ص: 151)].
المطلب الثاني: تعريف آل البيت شرعا
واختلف في آل النبي صلى الله عليه وسلم على أربعة أقوال:
فقيل: هم الذين حرمت عليهم الصدقة, وفيهم ثلاثة أقوال للعلماء:
أحدها: أنهم بنو هاشم, وبنو المطلب, وهذا مذهب الشافعي [((الأم)) للشافعي (2/88)، ((الحاوي)) للماوردي (7/516)]، وأحمد في رواية عنه[((المغني)) لابن قدامة (2/517-518)، ((الفروع)) لابن مفلح (2/481)].
والثاني: أنهم بنو هاشم خاصة، وهذا مذهب أبي حنيفة [((المبسوط)) للسرخسي (10/12)], والرواية عن أحمد[ ((المغني)) لابن قدامة (2/517-518)]، واختيار ابن القاسم صاحب مالك[((الذخيرة)) للقرافي (3/142)].
والثالث: أنهم بنو هاشم ومن فوقهم إلى غالب, فيدخل فيهم بنو مطلب, وبنو أمية, وبنو نوفل, ومن فوقهم إلى بني غالب, وهذا اختيار أشهب من أصحاب مالك, حكاه صاحب (الجواهر) عنه, وحكاه اللخمي في (التبصرة) عن أصبغ, ولم يحكه عن أشهب.
وهذا القول في الآل أعني أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة هو منصوص الشافعي، وأحمد، والأكثرين, وهو اختيار جمهور أصحاب أحمد والشافعي.
والقول الثاني: أن آل النبي صلى الله عليه وسلم هم ذريته وأزواجه خاصة, حكاه ابن عبد البر في (التمهيد) قال في باب عبد الله بن أبي بكر، في شرح حديث أبي حميد الساعدي: استدل قوم بهذا الحديث على أن آل محمد هم أزواجه وذريته خاصة، لقوله في حديث مالك عن نعيم المجمر، وفي غير ما حديث: ((اللهم صل على محمد وعلى آل محمد))، وفي هذا الحديث يعني حديث أبي حميد: ((اللهم صل على محمد وعلى وأزواجه وذريته)) , قالوا: فهذا تفسير ذلك الحديث, ويبين أن آل محمد هم أزواجه وذريته, قالوا: فجائز أن يقول الرجل لكل من كان من أزواج محمد صلى الله عليه وسلم ومن ذريته صلى الله عليك، إذا واجهه, وصلى الله عليه إذا غاب عنه, ولا يجوز ذلك في غيرهم.
قالوا: والآل والأهل سواء, وآل الرجل وأهله سواء, وهم الأزواج والذرية بدليل هذا الحديث.
والقول الثالث: أن آله صلى الله عليه وسلم أتباعه إلى يوم القيامة حكاه ابن عبد البر عن بعض أهل العلم, وأقدم من روي عنه هذا القول جابر بن عبد الله, ذكره البيهقي عنه، ورواه عن سفيان الثوري وغيره, واختاره بعض أصحاب الشافعي، حكاه عنه أبو الطيب الطبري في تعليقه, ورجحه الشيخ محيي الدين النواوي في (شرح مسلم)، واختاره الأزهري.
والقول الرابع: أن آله صلى الله عليه وسلم هم الأتقياء من أمته, حكاه القاضي حسين والراغب وجماعة.
فصل:
في ذكر حجج هذه الأقوال, وتبين ما فيها من الصحيح والضعيف، فأما القول الأول: وهو أن الآل من تحرم عليهم الصدقة على ما فيهم من الاختلاف, فحجته من وجوه:
أحدها: ما رواه البخاري في صحيحه: من حديث أبي هريرة, رضي الله عنه, قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالنخل عند صرامه, فيجيء هذا بتمرة وهذا بتمرة حتى يصير عنده كوم من تمر, فجعل الحسن والحسين يلعبان بذلك التمر, فأخذ أحدهما تمرة فجعلها في فيه, فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخرجها من فيه, فقال: أما علمت أن آل محمد لا يأكلون الصدقة)), ورواه مسلم وقال: ((إنا لا تحل لنا الصدقة)).
الثاني: ما رواه مسلم في صحيحه: عن زيد بن أرقم, قال: ((قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطيباً فينا بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة, فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ, ثم قال: أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي عز وجل، وإني تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به, فحث على كتاب الله ورغب فيه, وقال: وأهل بيتي: أذكركم الله في أهل بيتي, أذكركم الله في أهل بيتي.
فقال له حصين بن سبرة: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: إن نساءه من أهل بيته, ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي وآل عقيل, وآل جعفر, وآل عباس. قال: أكل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إن الصدقة لا تحل لآل محمد)).
الدليل الثالث: ما في الصحيحين: من حديث الزهري, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها ((أن فاطمة رضي الله عنها أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث, ما تركنا صدقة, إنما يأكل آل محمد من هذا المال يعني مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل)).
فآله صلى الله عليه وسلم لهم خواص: منها حرمان الصدقة, ومنها أنهم لا يرثونه, ومنها استحقاقهم خمس الخمس, ومنها اختصاصهم بالصلاة عليهم.
وقد ثبت أن تحريم الصدقة واستحقاق خمس الخمس وعدم توريثهم مختص ببعض أقاربه صلى الله عليه وسلم فكذلك الصلاة على آله.
الدليل الرابع: ما رواه مسلم: من حديث ابن شهاب, عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي, أن عبد المطلب بن ربيعة أخبره، أن أباه ربيعة بن الحارث، قال لعبد المطلب بن ربيعة، وللفضل بن العباس رضي الله عنهما: ((ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولا له استعملنا يا رسول الله على الصدقات فذكر الحديث وفيه: فقال لنا: إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)).
الدليل الخامس: ما رواه مسلم في صحيحه: من حديث عروة بن الزبير، عن عائشة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، فذكر الحديث وقال فيه: فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم الكبش، فأضجعه، ثم ذبحه ثم قال: بسم الله، اللهم تقبل من محمد، ومن آل محمد, ومن أمة محمد. ثم ضحى به)).
هكذا رواه مسلم بتمامه، وحقيقة العطف المغايرة، وأمته صلى الله عليه وسلم أعم من آله.
قال أصحاب هذا القول: (وتفسير الآل بكلام النبي صلى الله عليه وسلم أولى من تفسيره بكلام غيره).
فصل:
وأما القول الثاني: أنهم ذريته وأزواجه خاصة، فقد تقدم احتجاج ابن عبد البر له، بأن في حديث أبي حميد ((اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته))، وفي غيره من الأحاديث اللهم صل على محمد وعلى آل محمد, وهذا غايته أن يكون الأول منهما قد فسره اللفظ الآخر.
واحتجوا أيضاً بما في الصحيحين: من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً))، ومعلوم أن هذه الدعوة المستجابة لم تنل كل بني هاشم ولا بني المطلب, لأنه كان فيهم الأغنياء وأصحاب الجِدَة وإلى الآن. وأما أزواجه وذريته صلى الله عليه وسلم فكان رزقهم قوتاً, وما كان يحصل لأزواجه بعد من الأموال كن يتصدقن به ويجعلن رزقهن قوتاً.
واحتجوا أيضاً بما في الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز مأدوم ثلاثة أيام حتى لحق بالله عز وجل). قالوا: ومعلوم أن العباس وأولاده وبني المطلب لم يدخلوا في لفظ عائشة ولا مرادها.
قال هؤلاء: وإنما دخل الأزواج في الآل، وخصوصاً أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تشبيهاً لذلك بالسبب، لأن اتصالهن بالنبي صلى الله عليه وسلم غير مرتفع، وهن محرمات على غيره في حياته وبعد مماته، وهن زوجاته في الدنيا والآخرة، فالسبب الذي لهن بالنبي صلى الله عليه وسلم قائم مقام النسب.
وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على الصلاة عليهن، ولهذا كان القول الصحيح، وهو منصوص الإمام أحمد رحمه الله: (أن الصدقة تحرم عليهن, لأنها أوساخ الناس، وقد صان الله سبحانه ذلك الجناب الرفيع وآله من كل أوساخ بني آدم).[ ((المغني)) (7/331)]، ويالله العجب كيف يدخل أزواجه في قوله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً)), …. ، ولا يدخلن في قوله: ((إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد مع كونها من أوساخ الناس)) ، فأزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالصيانة عنها والبعد منها.
فإن قيل: لو كانت الصدقة حراماً عليهن لحرمت على مواليهن، كما أنها لما حرمت على بني هاشم على مواليهم، وقد ثبت في الصحيح أن بريرة تصدق عليها بلحم فأكلته، ولم يحرمه النبي صلى الله عليه وسلم, وهي مولاة لعائشة رضي الله عنها.
قيل: هذا هو شبهة من أباحها لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وجواب هذه الشبهة: لما كان التحريم على بني هاشم أصلاً استتبع ذلك مواليهم ولما كان التحريم على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تبعاً, لم يقو ذلك على استتباع مواليهن، لأنه فرع عن فرع.
قالوا: وقد قال الله تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ… [الأحزاب: 30-33]
فدخلن في أهل البيت لأن هذا الخطاب كله في سياق ذكرهن، فلا يجوز إخراجهن من شيء, والله أعلم.
فصل:
وأما القول الثالث: وهو أن آل النبي صلى الله عليه وسلم أمته وأتباعه إلى يوم القيامة. فقد احتج له بأن آل المعظم المتبوع هم أتباعه على دينه وأمره، قريبهم وبعيدهم.
قالوا: ولهذا كان قوله تعالى:إِلا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَر [القمر: 34] المراد به أتباعه وشيعته المؤمنون به من أقاربه وغيرهم.
وقوله تعالى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر: 46]، المراد به أتباعه.
واحتجوا أيضاً بأنه صلى الله عليه وسلم قال لواثلة بن الأسقع …. فقال: وأنت من أهلي)) رواه البيهقي بإسناد جيد (31) .
قالوا: ومعلوم أن واثلة بن الأسقع من بني ليث بن بكر بن عبد مناة، وإنما هو من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
فصل:
وأما أصحاب القول الرابع: أن آله الأتقياء من أمته.
فاحتجوا بما رواه الطبراني في (معجمه): عن جعفر بن إلياس بن صدقة، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا نوح بن أبي مريم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري, عن أنس بن مالك, قال: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آل محمد؟ فقال: كل تقي, وتلا النبي صلى الله عليه وسلم: إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ[الأنفال: 34])) قال الطبراني: لم يروه عن يحيى إلا نوح، تفرد به نعيم. وقد رواه البيهقي: من حديث عبد الله بن أحمد بن يونس، حدثنا نافع أبو هرمز، عن أنس، فذكره [رواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (3/338) (3332)، والبيهقي (2/83) (2987). قال ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (8/293): [فيه] نوح بن أبي مريم مع ضعفه يكتب حديثه، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (11/165): إسناده واهٍ جداً، [وروي] نحوه ضعيف].
ونوح هذا ونافع أبو هرمز لا يحتج بهما أحد من أهل العلم، وقد رميا بالكذب واحتج لهذا القول أيضاً بأن الله عز وجل قال لنوح عن ابنه: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود: 46]، فأخرجه بشركه أن يكون من أهله، فعلم أن آل الرسول صلى الله عليه وسلم هم أتباعه.
وأجاب عنه الشافعي رحمه الله بجواب جيد، وهو أن المراد أنه ليس من أهلك الذين أمرناك بحملهم، ووعدناك بنجاتهم، لأن الله سبحانه قال له قبل ذلك: احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ [هود: 40], فليس ابنه من أهله الذين ضمن نجاتهم.
وتخصيصاً له بالذكر من بين النوع، لأنه من أحق أفراد النوع بالدخول فيه، وهنا للناس طريقان:
أحدهما: أن ذكر الخاص قبل العام أو بعده قرينة تدل على أن المراد بالعام ما عداه.
والطريق الثاني: أن الخاص ذكر مرتين مرة بخصوصه ومرة بشمول الاسم العام له تنبيهاً على مزيد شرفه، وهو كقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ [الأحزاب: 7]، وقوله تعالى: مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ [البقرة: 98].
وأيضاً فإن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حق له ولآله دون سائر الأمة، ولهذا تجب عليه وعلى آله عند الشافعي رحمه الله وغيره …، وإن كان عندهم في الآل اختلاف، ومن لم يوجبها فلا ريب أنه يستحبها عليه وعلى آله، ويكرهها أو لا يستحبها لسائر المؤمنين، أو لا يجوزها على غير النبي صلى الله عليه وسلم وآله، فمن قال: إن آله في الصلاة هم كالأمة، فقد أبعد غاية الإبعاد.
وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلم شرع في التشهد السلام والصلاة، فشرع في السلام تسليم المصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم أولاً وعلى نفسه ثانياً، وعلى سائر عباد الله الصالحين ثالثاً، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((فإذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء والأرض)), وأما الصلاة فلم يشرعها إلا عليه وعلى آله فقط، فدل على أن آله هم أهله وأقاربه.
وأيضاً فإن الله سبحانه أمرنا بالصلاة عليه بعد ذكر حقوقه وما خصه به دون أمته من حل نكاحه لمن تهب نفسها له، ومن تحريم نكاح أزواجه على الأمة بعده، ومن سائر ما ذكر مع ذلك من حقوقه وتعظيمه وتوقيره وتبجيله.
ثم قال تعالى:وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [الأحزاب: 53]، ثم ذكر رفع الجناح عن أزواجه في تكليمهن آباءهن وأبناءهن ودخولهم عليهن، وخلوتهم بهن، ثم عقب ذلك بما هو حق من حقوقه الأكيدة على أمته، وهو أمرهم بصلاتهم عليه وسلامه، مستفتحاً ذلك الأمر بإخباره بأنه هو وملائكته يصلون عليه، فسأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: على أي صفة يؤذن هذا الحق؟ فقال: ((قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)), فالصلاة على آله هي من تمام الصلاة عليه وتوابعها، لأن ذلك مما تقر به عينه، ويزيده الله به شرفاً وعلواً. صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.
وأما من قال إنهم الأتقياء من أمته فهؤلاء هم أولياؤه، فمن كان منهم من أقربائه فهو من أوليائه، ومن لم يكن منهم من أقربائه، فهم من أوليائه، لا من آله. فقد يكون الرجل من آله وأوليائه، كأهل بيته والمؤمنين به من أقاربه، ولا يكون من آله ولا من أوليائه، وقد يكون من أوليائه وإن لم يكن من آله، كخلفائه في أمته الداعين إلى سنته, الذابين عنه، الناصرين لدينه، وإن لم يكن من أقاربه. وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ألا إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، إن أوليائي المتقون أين كانوا ومن كانوا)) …
وأما من زعم أن الآل هم الأتباع، فيقال: لا ريب أن الأتباع يطلق عليهم لفظ الآل في بعض المواضع بقرينة، ولا يلزم من ذلك أنه حيث وقع لفظ الآل يراد به الأتباع، لما ذكرنا من النصوص، والله أعلم. [جلاء الأفهام لابن القيم – بتصرف 1/210].
المطلب الثالث: دخول أزواج النبي في آل البيت
دخول الأزواج رضي الله عنهن في مصطلح الآل:
لما كان دخول الأزواج رضي الله عنهن في الآل والأهل، وتحريم الصدقة عليهم مما قد يخفى، نذكر هنا نصوصاً إضافية تدل على ذلك.
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً ولقد ذكروا رجلاً… ما كان يدخل على أهلي إلا معي)).
فهنا سمى النبي صلى الله عليه وسلم زوجته رضي الله عنها في هذا الحديث (حديث الإفك) سماها أهله بل أهل بيته.
2- عن أنس أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم قلن للنبي صلى الله عليه وسلم بعد بنائه بزينب: (كيف وجدت أهلك؟).
3- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتالين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم).
4- عن عبد الله بن هشام رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يضحي بالشاة الواحدة عن جميع أهله).
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يضحي عن الزوجات فحسب.
5- لما دون عمر رضي الله عنه الدواوين قال: (أبدأ بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبدأ بالأزواج ثم بعلي رضي الله عنه)[رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في ((الأموال)) (ص: 236-237)، والبلاذري في ((فتوح البلدان)) (3/548) (1017)].
قال ابن قدامة تعليقاً على حديث عائشة رضي الله عنها: (إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة)[رواه ابن أبي شيبة (3/214) موقوفاً. وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (3/416): إسناده إلى عائشة حسن]، قال: (وهذا يدل على تحريمها على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم)[((المغني)) (4/112)].
فهذه نصوص صريحة الدلالة في إطلاق آل وأهل النبي صلى الله عليه وسلم على زوجاته الطاهرات رضي الله عنهن، وهناك نصوص أخرى أطلقت عليهم مصطلح (أهل البيت) غير ما تقدم.
المبحث الثاني: فضائل آل البيت
المطلب الأول: فضائل أهل البيت في الكتاب
أما الآيات التي تشير إلى فضائل ومناقب أهل البيت والتي تدل على رفعة منزلتهم وعلو درجتهم لما لهم من صلة بالنسب الشريف صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هي:
1- قوله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33].
قال ابن حجر الهيتمي: هذه الآية منبع فضائل أهل البيت النبوي لاشتمالها على غرر من مآثرهم والاعتناء بشأنهم حيث ابتدأت بـ(إنما) المفيدة لحصر إرادته تعالى في أمرهم على إذهاب الرجس الذي هو الإثم أو الشك فيما يجب الإيمان به عنهم، وتطهيرهم من سائر الأخلاق والأحوال المذمومة[((الصواعق المحرقة)) (ص: 223)].
وقد سبق ذكر معنى الرجس.
2- قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
وفي ذلك منقبة عظيمة ودرجة عالية شريفة حيث أمر بالصلاة عليهم تبعاً له صلى الله عليه وسلم؛ يوضح ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن كعب بن عجرة قال: ((لما نزلت هذه الآية قلنا يا رسول الله: قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد…)).
3- قوله تعالى: {فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61].
في هذه الآية فضيلة عالية ومنقبة جليلة لأصحاب الكساء وهم فاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم. فقد روى مسلم في صحيحه من حديث سعد بن أبي وقاص قال: ((لما نزلت هذه الآية فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهم هؤلاء أهلي)).
قال ابن حجر الهيتمي: فعلم أنهم المراد من الآية وأن أولاد فاطمة وذريتهم يسمون أبناءه وينسبون إليه نسبة صحيحة نافعة في الدنيا والآخرة؟ [((الصواعق المحرقة)) (ص: 240)].
وكما هو معلوم أنه قد ورد الثناء في الكتاب والسنة على الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين في غير ما آية وحديث على سبيل العموم مثل:
قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: 29].
قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].
وقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ…} [الفتح: 18].
وغير ذلك من الآيات، ويدخل في هذا الثناء صحابته من أهل بيته رضي الله عنهم دخولاً أولياً .
المطلب الثاني: فضائل أهل البيت في السنة:
لقد وردت أحاديث كثيرة تبين فضائل ومناقب أهل البيت عموماً منها:
1- ما روى الترمذي بسنده أن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قلت: ((يا رسول الله إن قريشاً جلسوا فتذاكروا أحسابهم بينهم فجعلوا مثلك مثل نخلة في كبوة من الأرض؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله خلق الخلق فجعلني من خير فرقهم وخير الفريقين ثم تخير القبائل فجعلني من خير قبيلة ثم تخير البيوت، فجعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم نفساً وخيرهم بيتاً)) [رواه الترمذي (3607)، وأحمد (1/210) (1788)، والبزار (1/229). قال الترمذي: حسن، وقال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (1/819): إسناده صحيح، وحسنه لغيره شعيب الأرناؤوط في تحقيقه للمسند].
فهذا الحديث يدل على فضل جنس العرب ثم جنس قريش ثم جنس بني هاشم فكان النبي صلى الله عليه وسلم خير الناس نفساً ونسباً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (والمعنى أن النخلة طيبة في نفسها، وإن كان أصلها ليس بذاك، فأخبر صلى الله عليه وسلم: أنه خير الناس نفساً ونسباً). [((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/374)].
2- وروى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي عمار شداد أنه سمع واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل واصطفى قريشاً من كنانة واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم))[رواه مسلم (2276)].
فهذا الحديث نص في التفضيل (والذي عليه أهل السنة والجماعة اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم عبرانيهم وسريانيهم وروميهم وفرسيهم وغيرهم، وأن قريشاً أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم فهو أفضل الخلق وأفضلهم نسباً)[((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/270)].
3- وجاء في صحيح مسلم بإسناده إلى يزيد بن حيان قال: ((انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم …..وفيه : وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي…))[رواه مسلم (2408)] الحديث.
ففي هذا الحديث منقبة واضحة وفضيلة عالية لأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم حيث قرن الوصية بهم مع الوصية بالالتزام والتمسك بكتاب الله الذي فيه الهدى والنور، فجعلهم صلى الله عليه وسلم ثقلاً دليل واضح على عظم حقهم وارتفاع شأنهم وعلو منزلتهم.
فالتمسك بالكتاب امتثال ما أمر الله به فيه واجتناب ما نهى عنه قولاً وعملاً. والتمسك بأهل بيته محبتهم والمحافظة على حرمتهم والعمل بروايتهم الصحيحة والاهتداء بهديهم وسيرتهم إذا لم يكن في ذلك مخالفة في الدين… .
4- وروى مسلم في صحيحه عن صفية بنت شيبة قالت: قالت عائشة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود …[رواه مسلم (2424)].وسبق
فهذه فضيلة ظاهرة لهؤلاء الخمسة وقد طهرهم الله من الرجس وجل نسل آل البيت منهم رضي الله عنهم أجمعين.
5- روى الحاكم بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم ثلاثاً أن يثبت قائمكم وأن يهدي ضالكم، وأن يعلم جاهلكم وسألت الله فيكم أن يجعلكم جوداء نجداء رحماء فلو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار))[رواه الحاكم (3/161)، وروا ه الطبراني (11/176) (11412). قال الحاكم: هذا حديث حسن صحيح على شرط مسلم و لم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/174): [فيه] محمد بن زكريا الغلابي وهو ضعيف، وذكره ابن حبان في ((الثقات)) وقال: يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات فإن في روايته عن المجاهيل بعض المناكير، وروى هذا عن سفيان الثوري، وبقية رجاله رجال الصحيح].
فهذا الحديث تضمن ثلاث مناقب لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وهي واضحة لا تحتاج إلى زيادة بيان كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم إضافة إلى ما تضمنه من وجوب محبتهم والبعد عن بغضهم؛ لأن من فعل ذلك فهو من أهل النار والعياذ بالله.
المبحث الثالث: مجمل اعتقاد أهل السنة والجماعة في آل البيت
1- أهل السنة يوجبون محبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعلون ذلك من محبة النبي عليه الصلاة والسلام، ويتولونهم جميعاً، لا كالرافضة الذين يتولون البعض، ويفسقون البعض الآخر[انظر: ((نونية القحطاني)) (ص: 24)، ((لمعة الاعتقاد)) (ص: 178)].
2- أهل السنة يعرفون ما يجب لهم من الحقوق؛ فإن الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء، وأمر بالصلاة عليهم تبعاً للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
3- أهل السنة يتبرؤون من طريقة النواصب الجافين لأهل البيت والروافض الغالين فيهم.
4- أهل السنة يتولون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ويترضون عنهن، ويعرفون لهن حقوقهن، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة[انظر: ((نونية القحطاني)) (ص: 24)، ((الشريعة)) للآجري (5/2276)، ((لمعة الاعتقاد)) (ص: 178)].
5- أهل السنة لا يخرجون في وصف آل البيت عن المشروع، فلا يغالون في أوصافهم، ولا يعتقدون عصمتهم، بل يعتقدون أنهم بشر تقع منهم الذنوب كما تقع من غيرهم.
6- أهل السنة يعتقدون أن أهل البيت ليس فيهم مغفور الذنب، بل فيهم البر والفاجر، والصالح والطالح.
7- أهل السنة يعتقدون أن القول بفضيلة أهل البيت لا يعني تفضيلهم في جميع الأحوال، وعلى كل الأشخاص، بل قد يوجد من غيرهم من هو أفضل منهم لاعتبارات أخرى.
أقوال أئمة السلف وأهل العلم والإيمان من بعدهم:
تواتر النقل عن أئمة السلف وأهل العلم جيلاً بعد جيل، على اختلاف أزمانهم وبلدانهم بوجوب محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامهم والعناية بهم، وحفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم فيهم، ونصوا على ذلك في أصولهم المعتمدة. ولعل كثرة المصنفات التي ألفها أهل السنة في فضائلهم ومناقبهم أكبر دليل على ذلك.
وإليك طائفة من أقوالهم في ذلك:
قول خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه (ت 13هـ):
روى الشيخان في صحيحيهما عنه رضي الله عنه أنه قال: (والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي)[رواه البخاري (3711)، ومسلم (1759)].
قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ت 23هـ):
روى ابن سعد في (الطبقات) عن عمر بن الخطاب أنه قال لعباس رضي الله عنهما:
(والله! لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب – يعني والده – لو أسلم؛ لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب)[رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (4/22-23). والحديث رواه الطبراني (8/9) (7280). من حديث عبدالله بن عباس رضي الله عنهما. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (6/242): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وصححه ابن حجر في ((المطالب العالية)) (4/418)، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (3341): صحيح بمجموع طرقه].
قول زيد بن ثابت رضي الله عنه (ت 42هـ):
عن الشعبي قال: (صلى زيد بن ثابت رضي الله عنه على جنازة، ثم قربت له بغلته ليركبها، فجاء ابن عباس رضي الله عنهما فأخذ بركابه. فقال زيد: خل عنه يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: هكذا نفعل بالعلماء، فقبل زيد يد ابن عباس وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت نبينا)[رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (19/326)].
قول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما (ت 60 هـ):
أورد الحافظ ابن كثير في (البداية والنهاية): أن الحسن بن علي دخل عليه في مجلسه، فقال له معاوية: (مرحباَ وأهلاً بابن رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ وأمر له بثلاثمائة ألف [رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (19/326)] .
وأورد -أيضاً- أن الحسن والحسين رضي الله عنهما وفدا على معاوية رضي الله عنه فأجازهما بمائتي ألف، وقال لهما: (ما أجاز بهما أحد قبلي. فقال الحسين: ولم تعط أحداً أفضل منا)[((البداية والنهاية)) (8/146)].
قول ابن عباس رضي الله عنهما (ت 68 هـ):
قال رزين بن عبيد: كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما فأتى زين العابدين علي بن الحسين، فقال له ابن عباس: (مرحباً بالحبيب ابن الحبيب)[((البداية والنهاية)) (9/124)].
قول أبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (ت 321 هـ):
قال رحمه الله في (عقيدته الشهيرة): (ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير)[انظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) لابن أبي العز (ص: 467-471)].
وقال أيضا: (ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه الطاهرات من كل دنس، وذرياته المقدسين من كل رجس؛ فقد برئ من النفاق)[انظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) لابن أبي العز (ص: 490-491)].
قول الإمام الحسن بن علي البربهاري (ت 329 هـ):
قال في (شرح السنة): (واعرف لبني هاشم فضلهم، لقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعرف فضل قريش والعرب، وجميع الأفخاذ، فاعرف قدرهم وحقوقهم في الإسلام، ومولى القوم منهم، وتعرف لسائر الناس حقهم في الإسلام، واعرف فضل الأنصار ووصية رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، وآل الرسول فلا تنساهم، واعرف فضلهم وكراماتهم)[((شرح السنة)) (ص: 96-97)].
قول أبي بكر محمد بن الحسين الآجري (ت 360 هـ):
قال في (كتاب الشريعة): (واجب على كل مؤمن ومؤمنة محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، بنو هاشم: علي بن أبي طالب وولده وذريته، وفاطمة وولدها وذريتها، والحسن والحسين وأولادهما وذريتهما، وجعفر الطيار وولده وذريته، وحمزة وولده، والعباس وولده وذريته رضي الله عنهم: هؤلاء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، واجب على المسلمين محبتهم، وإكرامهم، واحتمالهم، وحسن مداراتهم، والصبر عليهم، والدعاء لهم) [((الشريعة)) (5/2276)].
قول الإمام عبد الله بن محمد الأندلسي القحطاني (ت 387 هـ):
قال رحمه الله تعالى في (النونية) [((نونية القحطاني)) (ص: 24)]:
واحفظ أهل البيت واجب حقهم واعرف عليا أيما عرفان
لا تنتقصه ولا تزد في قدره فعليه تصلى النار طائفتان
إحداهما لا ترتضيه خليفة وتنصه الأخرى إلها ثاني
قول الموفق ابن قدامة المقدسي (ت 620 هـ):
قال في (لمعة الاعتقاد): (ومن السنة الترضي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين المطهرات المبرءات من كل سوء، أفضلهم خديجة بنت خويلد وعائشة الصديقة بنت الصديق التي برأها الله في كتابه، زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، فمن قذفها بما برأها الله منه فهو كافر بالله العظيم)[((لمعة الاعتقاد)) (ص: 178)].
أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ):
قال في ((العقيدة الواسطية)): (ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غدير خم: ((أذكركم الله في أهل بيتي))[م]. وقال للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم فقال: ((والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي))[رواه بنحوه أحمد (1/207) (1777). من حديث عبدالمطلب بن ربيعة رضي الله عنه. قال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/428): له شواهد، وقال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (3/210): إسناده صحيح]. وقال: ((إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم))[رواه مسلم (2276). من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه]. [((شرح العقيدة الواسطية)) للفوزان (ص: 195)].
وقال – رحمه الله تعالى- في بيان عقيدة السلف في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:
(ويتولون أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة خصوصاً خديجة رضي الله عنها أم أولاده وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية. والصديقة بنت الصديق رضي الله عنها، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ((فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام)) [رواه البخاري (3411)، ومسلم (2431)].
ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة يسبونهم، ومن طريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل)[((شرح العقيدة الواسطية)) للفوزان (ص: 198، 201)].
وقال -رحمه الله-: (ولا ريب أن لآل محمد صلى الله عليه وسلم حقاً على الأمة لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر بطون قريش، كما أن قريشاً يستحقون من المحبة والموالاة ما لا يستحقه غير قريش من القبائل، كما أن جنس العرب يستحق من المحبة والموالاة ما لا يستحقه سائر أجناس بني آدم.
وهذا على مذهب الجمهور الذين يرون فضل العرب على غيرهم، وفضل قريش على سائر العرب، وفضل بني هاشم على سائر قريش، وهذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره) ((منهاج السنة النبوية)) (4/599).
وقال أيضاً: (والحب لعلي وترك قتاله خير بإجماع أهل السنة من بغضه وقتاله. وهم متفقون على وجوب موالاته ومحبته، وهم أشد الناس ذبا عنه، وردا على من يطعن عليه من الخوارج وغيرهم من النواصب) ((منهاج السنة النبوية)) (4/395).
قول الحافظ ابن كثير (ت 774 هـ):
قال في (التفسير): (ولا ننكر الوصاية بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم؛ فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخراً وحسباً ونسباً، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه، وعلي وأهل ذريته رضي الله عنهم أجمعين)((تفسير القرآن العظيم)) (6/199).
قول محمد بن إبراهيم الوزير اليماني (ت 840 هـ):
قال –رحمه الله تعالى-: (وقد دلت النصوص الجمة المتواترة على وجوب محبتهم وموالاتهم (يعني أهل البيت)، وأن يكون معهم، ففي (الصحيح): ((المرء مع من أحب)) (24) . ومما يخص أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم قول الله تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب: 33]).
فيجب لذلك حبهم وتعظيمهم وتوقيرهم واحترامهم والاعتراف بمناقبهم فإنهم أهل آيات المباهلة والمودة والتطهير، وأهل المناقب الجمة والفضل الشهير)[انظر: ((إيثار الحق على الخلق)) (ص: 460، 461) بتصرف].
أقوال العلامة صديق حسن خان (ت 1307 هـ):
قال في (الدين الخالص): (… وأما أهل السنة فهم مقرون بفضائلهم (يعني أهل البيت) كلهم أجمعين أكتعين أبصعين، لا ينكرون على أهل البيت من الأزواج والأولاد، ولا يقصرون في معرفة حق الصحابة الأمجاد. قائمون بالعدل والإنصاف، حائدون عن الجور والاعتساف، فهم الأمة الوسط بين هذه الفرق الباطلة الكاذبة الخاطئة) ((الدين الخالص)) (3/270).
وقال في موضوع يبين عقيدة أهل السنة في الأزواج والعترة:
(… وأهل السنة يحرمون الكل، ويعظمونهن حق العظمة، وهو الحق البحت، وكذلك يعترفون بعظمة أولاده صلى الله عليه وآله وسلم من فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ويذكرونهم جميعاً بالخير والدعاء والثناء، فمن لم يراع هذه الحرمة لأزواجه المطهرات، وعترته الطاهرات فقد خالف ظاهر الكتاب وصريح النص منه) ((الدين الخالص)) (3/268). وانظر: ((قطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر)) (ص: 101-103).
قول العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي (ت 1376 هـ):
قال في (التنبيهات اللطيفة):
(… فمحبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم واجبة من وجوه، منها:
أولاً: لإسلامهم وفضلهم وسوابقهم.
ومنها: لما يتميزوا به من قرب النبي صلى الله عليه وسلم واتصالهم بنسبه.
ومنها: لما حث عليه ورغب فيه)[((التنبيهات اللطيفة على ما احتوت عليه العقيدة الواسطية من المباحث المنيفة)) (ص: 94)].
قول العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين (ت 1421 هـ):
قال في (شرح العقيدة الواسطية): (ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يحبون آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يحبونهم للإيمان، وللقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يكرهونهم أبداً) [((شرح العقيدة الواسطية)) (2/283)]
ومَن لَم يُوَفَّق للإيمان، فإنَّ شرَفَ النَّسَب لا يُفيدُه شيئاً، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13]، وقال صلى الله عليه وسلم في آخر حديث طويلٍ رواه مسلم في (صحيحه) عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((ومَن بطَّأ به عملُه لَم يُسرع به نسبُه)).
وقد قال الحافظ ابن رجب رحمه الله في شرح هذا الحديث في كتابه (جامع العلوم والحكم) (ص:308): (معناه أنَّ العملَ هو الذي يَبلُغُ بالعبدِ درجات الآخرة، كما قال تعالى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأنعام:132]، فمَن أبطأ به عملُه أن يبلُغَ به المنازلَ العاليةَ عند الله تعالى لَم يُسرِع به نسبُه، فيبلغه تلك الدَّرجات؛ فإنَّ اللهَ رتَّب الجزاءَ على الأعمال لا على الأنساب، كما قال تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلاَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون: 101]، وقد أمر الله تعالى بالمسارعةِ إلى مغفرتِه ورحمتِه بالأعمال، كما قال: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ [آل عمران: 133-134] الآيتين، وقال: إِنَّ الَّذِينَ هُم مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُشْفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لاَ يُشْرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [المؤمنون: 57-61]).
ثمَّ ذَكَرَ نصوصاً في الحثِّ على الأعمالِ الصالِحَة، وأنَّ ولايةَ الرَّسول صلى الله عليه وسلم إنَّما تُنالُ بالتقوى والعمل الصَّالِح، ثمَّ ختَمها بحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه في (صحيح البخاري) و(صحيح مسلم)، فقال: (ويشهد لهذا كلِّه ما في (الصحيحين) عن عمرو بن العاص أنَّه سمع النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء، وإنَّما وليِّيَ اللهُ وصالِحُ المؤمنين)) ، يشير إلى أنَّ ولايتَه لا تُنال بالنَّسَب وإن قَرُب، وإنَّما تُنال بالإيمان والعمل الصالح، فمن كان أكملَ إيماناً وعملاً فهو أعظم ولايةً له، سواء كان له منه نسبٌ قريبٌ أو لم يكن، وفي هذا المعنى يقول بعضُهم:
لعـمرُك مـا الإنسان إلاَّ بدينه فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
لقد رفع الإسلامُ سلمانَ فارسٍ وقد وضع الشركُ النَّسِيبَ أبا لهب).[فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة لعبدالمحسن بن حمد العباد البدر- ص13].
المبحث الرابع: حقوق أهل البيت
المطلب الأول: الدفاع عنهم
من عقيدة أهل السنة والجماعة في آل البيت تحريم إيذائهم أو الإساءة إليهم بقول أو فعل، فقد روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ((والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي: أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق)).
وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه: ((أنه اشتكى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن بعض قريش يجفو بني هاشم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي))[رواه بنحوه أحمد (1/207) (1777). من حديث عبدالمطلب بن ربيعة رضي الله عنه. قال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/428): له شواهد، وقال أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (3/210): إسناده صحيح].
ومنها: حق تبرئة ساحتهم مما ينسب إليهم كذباً وزوراً، وهذا من المطالب العالية.
فإن الدفاع عنهم لا يعني مجرد الرد على من يسبهم وتعزيره وتأديبه، بل يشمل ذلك، ويشمل الرد على من غلا فيهم، وأنزلهم فوق منزلتهم؛ فإن ذلك يؤذيهم، وقد ألف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتابه الكبير (منهاج السنة) في الرد على من غلا فيهم.
وقد أنكر جمع من علماء الشيعة على الغلاة منهم، وذكروا أشياء كثيرة من الغلو، لكن مع مضي القرون أصبح هذا الغلو من ضروريات مذهب الشيعة وعقائدهم، حتى قال أحد كبار علمائهم – عبد الله المامقاني أكبر شيوخهم في علم الرجال في هذا العصر-: (إن القدماء –يعني من الشيعة- كانوا يعدون ما نعده اليوم من ضروريات مذهب الشيعة غلوا وارتفاعاً، وكانوا يرمون بذلك أوثق الرجال كما لا يخفى على من أحاط خبراً بكلماتهم)[((تنقيح المقال)) (3/23)].
المطلب الثاني: الصلاة عليهم
ومنها: مشروعية الصلاة عليهم، وذلك عقب الأذان، وفي التشهد آخر الصلاة، وعند الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم… فقد جاء فيها عدة نصوص؛ كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56] وكما جاء في الحديث لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن كيفية الصلاة عليه في الصلاة؛ قال: ((قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم))، فالصلاة على آله من تمام الصلاة عليه وتوابعها؛ لأن ذلك مما تقر به عينه، ويزيده الله به شرفاً وعلواً.
وقد ألف ابن القيم رحمه الله كتاباً مستقلاً في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سماه: (جلاء الأفهام في فضل الصلاة والسلام على محمد خير الأنام)، وقد بين فيه أن الصلاة على آل البيت حق لهم دون سائر الأمة، بغير خلاف بين الأئمة[((جلاء الأفهام)) (1/224)].
لكن قد يورد البعض مسألتين:
الأولى: أن أهل السنة كثيراً ما يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم بدون ذكر (الآل) فيقولون: صلى الله عليه وسلم.
والثانية: أن أهل السنة إذا صلوا على النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الكلام يضيفون مع الآل الأصحاب، فيقولون: صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
والجواب عن المسألة الأولى أن يقال:
الأمر في ذلك واسع؛ فقد أمر الله في القرآن بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر الآل؛ كما قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56] فإن ذكر الآل فأمر حسن، وإن لم يذكروا فالأمر فيه سعة.
وأما الجواب عن المسألة الثانية: فإن الله أمر نبيه بالصلاة على أصحابه في قوله: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ [التوبة: 103] ونحن مأمورون بالاقتداء به صلى الله عليه وسلم، فذكرهم في الصلاة مع النبي صلى الله عليه وسلم فيه سعة، وهو من الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم.
المطلب الثالث: حقهم في الخمس
ومن حقوق آل البيت عليهم السلام عند أهل السنة، حقهم من الخمس؛ لقوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] وقوله تعالى: {مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7] وثبت في السنة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: (سمعت علياً يقول: ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس الخمس، فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحياة أبي بكر، وحياة عمر، فأتي بمال فدعاني، فقال: خذه، فقلت: لا أريده، قال: خذه؛ فأنتم أحق به، قلت: قد استغنينا عنه. فجعله في بيت المال) رواه أبو داود [رواه أبو داود (2983)، والحاكم (2/140)، وابن أبى شيبة (6/516)، والضياء (2/265) (643). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (7/329)، وقال عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (583): صحيح الإسناد، كما أشار لذلك في المقدمة].
ففي الخمس سهم خاص بذي القربى، وهو ثابت لهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قول جمهور العلماء، وهو الصحيح. [انظر: ((المغني)) (9/288)].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لهم من الحقوق ما يجب رعايتها؛ فإن الله جعل لهم حقاً في الخمس والفيء، وأمر بالصلاة عليهم مع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم)[((مجموع الفتاوى)) (3/407)].
لكن أهل السنة –بخلاف الشيعة- يقولون: إنهم يعطون من خمس الغنائم، وليس من خمس الأموال، فليس في الإرث خمس، وكذا في المسكن والسيارة وغيرها؛ لأن الله يقول: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 1] فقال: أَنَّمَا غَنِمْتُم ولم يقل: من أموالكم.
وقد اضطربت الشيعة بعد غيبة الإمام الثاني عشر اضطراباً كبيراً بسبب الخمس، حيث ظهرت مشكلة: إلى من يسلم الخمس، وماذا يصنع به
ومنها: اليقين الجازم بأن نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذريته هو أشرف أنساب العرب قاطبة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم))[رواه مسلم (2276)].
المطلب الرابع: تحريم الصدقة عليهم
ومن هذه الحقوق: تحريم الزكاة والصدقة عليهم؛ وذلك لكرامتهم وتنزيههم عن الأوساخ؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد))[رواه مسلم (1072)] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وأما تحريم الصدقة فحرمها عليه وعلى أهل بيته تكميلاً لتطهيرهم، ودفعاً للتهمة عنه؛ كما لم يورث، فلا يأخذ ورثته درهماً ولا ديناراً)((مجموع الفتاوى)) (19/30).
هذه هي أهم الحقوق التي أوجبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لآل بيت النبي عليهم السلام، اقتصرنا فيها على ما اشتهر نصه وذاع أمره؛ خشية الإطالة وحرصاً على الاختصار؛ فالواجب على كل مسلم مراعاتها ومعرفتها، واتباع ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم تجاهها، فضلاً عن محبتهم وتوقيرهم.
المطلب الخامس: شروط استحقاق آل البيت حقوقهم
يظهر من خلال معتقد أهل السنة والجماعة أنهم يشترطون لموالاة قرابة النبي صلى الله عليه وسلم شرطين، لابد من تحققهما لتكون الموالاة لهم، وإلا فإنهم لا يجدون ذلك الاحترام وتلك المكانة؛ فإن فيهم المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والسني والرافضي وغير ذلك.
الشرط الأول: أن يكونوا مؤمنين مستقيمين على الملة.
إن كانوا كفاراً فلا حق لهم في الحب والتعظيم والإكرام والولاية، ولو كانوا من أقرب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم كعمه أبي لهب.
يقول الشيخ العلامة العثيمين –رحمه الله تعالى- في تقرير هذا الشرط: (فنحن نحبهم لقرابتهم من رسول الله عليه الصلاة والسلام، ولإيمانهم بالله، فإن كفروا فإننا لا نحبهم ولو كانوا أقارب الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فأبوا لهب عم الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجوز أن نحبه بأي حال من الأحوال، بل يجب أن نكرهه لكفره، ولإيذائه النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك أبو طالب؛ فيجب علينا أن نكرهه لكفره ولكن نحب أفعاله التي أسداها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام من الحماية والذب عنه)[((شرح العقيدة الواسطية)) (2/274-275)].
الشرط الثاني: أن يكونوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة.
فإن فارقوا السنة، وتركوا الجادة، وخالفوا هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وتلبسوا بالبدع والمحدثات؛ فإنه ليس لهم حق في الحب والتعظيم والإكرام والولاية، حتى يرجعوا إلى السنة، ويتمسكوا بها. والواجب في هذه الحالة دعوتهم إلى العودة إلى الكتاب والسنة، ونبذ ما سواهما من الأهواء والبدع، وأن يكونوا على ما كان عليه سلفهم، كعلي رضي الله عنه وسائر بنيه، والعباس رضي الله عنه وأولاده.
يقول العلامة صديق حسن خان في تقرير هذا الشرط في معرض التعليق على حديث: ((تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي))رواه الترمذي (3786)، والطبراني (3/66) (2680). من حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنه. قال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (7/159)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(المراد بهم من هو على طريقة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسمته ودله وهديه، ولا يستقيم المقارنة بكتاب الله إلا إذا كانوا موافقين له عاملين به. فمعيار الأخذ بالعترة اتفاقهم بالقرآن في كل نقير وقطمير…).
إلى أن قال: (وأما من عاد منهم مبتدعاً في الدين فالحديث لا يشمله؛ لعدم المقارنة، هذا أوضح من كل واضح، لا يخفى إلا على الأعمى. وكم من رجال ينسبونهم إليه صلى الله عليه وسلم في اتحاد الطين قد خرجوا من نسبة الدين، ودخلوا في عدد المنتحلين والغالين والجاهلين، وسلكوا سبيل المبتدعين المشركين، كالسادة الرافضة، والخارجة، والمبتدعة، ونحوهم. فليس هؤلاء مصداق هذا الحديث أصلاً وإن صحت نسبتهم الطينية إليه صلى الله عليه وسلم فقد فارقوه في النسبة الدينية.
فالحاصل أن نفس هذا الحديث يخرج الخارجين عن الطريقة المثلى المأثورة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمارة للفرقة الناجية في حديث الافتراق، قال: ((هم ما أنا عليه وأصحابي))[رواه الترمذي (2641). من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما. وقال: غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه، وقال البغوي في ((شرح السنة)) (1/185)، وابن العربي في ((أحكام القرآن)) (3/432): ثابت، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/284): أسانيدها جياد] . فمن كان من أهل البيت على هذه الشيمة الشريفة فهو المستحق لما في الحديث، ومن لم يكن كذلك فليس أهلاً بما هنالك) [((الدين الخالص)) (3/348)].
ويقول الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله تعالى – في تقرير شرطي تولي أهل السنة لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم.
(… وذلك إذا كانوا متبعين للسنة، مستقيمين على الملة كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه، وعلي وبنيه، أما من خالف السنة ولم يستقم على الدين فإنه لا تجوز محبته، ولو كان من أهل البيت) [ٍ((شرح العقيدة الواسطية)) (ص: 196)] اهـ.
فالواجب واللائق في من ينتسب إلى أهل البيت المطهر أن يكونوا أولى الناس حظاً في تقوى الله وخشيته واتباع طريقة مشرفهم وسنته صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً باطناً وظاهراً، ناظرين إلى أن التفضيل الحقيقي هو بتقوى الله عز وجل واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند تفسير سورة تبت: (وليس في القرآن ذم من كفر به صلى الله عليه وسلم باسمه إلا هذا وامرأته –يعني أبا لهب- ففيه أن الأنساب لا عبرة لها، بل صاحب الشرف يكون ذمه على تخلفه عن الواجب أعظم، وكما قال تعالى: يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ [الأحزاب: 30])[((مجموع الفتاوى)) (16/602)].
وجاء عن الحسن بن علي رضي الله عنه أنه قال لرجل يغلو فيه: (أحبونا لله فإن أطعنا الله فأحبونا وإن عصينا الله فابغضونا، فقال له الرجل: إنكم ذوو قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، فقال: ويحكم، لو كان الله نافعنا بقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير عمل بطاعته لنفع بذلك من هو أقرب إليه منا، والله إني أخاف أن يضاعف للعاصي منا العذاب ضعفين)[((الصواعق المحرقة)) للهيتمي (ص: 346)، وذكر ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (9/178) نحو هذا الكلام عن الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنهم].
وذلك لأن صاحب الشرف مظنة الاتباع والقدوة لغيره.
الشرط الثالث: ثبوت النسب:
أشرفُ الأنساب نسَبُ نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأشرف انتسابٍ ما كان إليه صلى الله عليه وسلم وإلى أهل بيتِه إذا كان الانتسابُ صحيحاً، وقد كثُرَ في العرب والعجم الانتماءُ إلى هذا النَّسب، فمَن كان من أهل هذا البيت وهو مؤمنٌ، فقد جمَع الله له بين شرف الإيمان وشرف النَّسب، ومَن ادَّعى هذا النَّسبَ الشريف وهو ليس من أهله فقد ارتكب أمراً محرَّماً، وهو متشبِّعٌ بِما لَم يُعط، وقد قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((المتشبِّعُ بِما لَم يُعْطَ كلابس ثوبَي زور))، رواه مسلمٌ في (صحيحه)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
وقد جاء في الأحاديث الصحيحة تحريمُ انتساب المرء إلى غير نسبِه، ومِمَّا ورد في ذلك حديثُ أبي ذر رضي الله عنه أنَّه سَمع النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس مِن رجلٍ ادَّعى لغير أبيه وهو يَعلَمه إلاَّ كفر بالله، ومَن ادَّعى قوماً ليس له فيهم نسبٌ فليتبوَّأ مقعَدَه من النار))، رواه البخاريُّ، ومسلم، واللفظ للبخاري.
وفي (صحيح البخاري) من حديث واثلة بن الأَسْقع رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أعظَمِ الفري أن يَدَّعيَ الرَّجلُ إلى غير أبيه، أو يُري عينَه ما لَم تَرَ، أو يقولَ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لَم يقل)) ، ومعنى الفري: الكذب، وقوله: ((أو يُري عينَه ما لَم تَرَ))، أي: في المنام.
وفي (مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية) رحمه الله (31/93) أنَّ الوقفَ على أهل البيت أو الأشراف لا يستحقُّ الأخذَ منه إلاَّ مَن ثبت نسبُه إلى أهل البيت، فقد سُئل عن الوقف الذي أُوقِف على الأشراف، ويقول: (إنَّهم أقارب)، هل الأقاربُ شرفاء أم غير شرفاء؟ وهل يجوز أن يتناولوا شيئاً من الوقف أم لا؟
فأجاب: (الحمد لله، إن كان الوقفُ على أهل بيتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أو على بعض أهل البيت، كالعلويِّين والفاطميِّين أو الطالبيِّين، الذين يدخل فيهم بنو جعفر وبنو عَقيل، أو على العبَّاسيِّين ونحوِ ذلك، فإنَّه لا يستحقُّ مِن ذلك إلاَّ مَن كان نسبُه صحيحاً ثابتاً، فأمَّا مَن ادَّعى أنَّه منهم أو عُلِم أنَّه ليس منهم، فلا يستحقُّ مِن هذا الوقفِ، وإن ادَّعى أنَّه منهم، كبَنِي عبدالله بن ميمون القدَّاح؛ فإنَّ أهلَ العلمِ بالأنسَاب وغيرَهم يعلمون أنَّه ليس لهم نسبٌ صحيحٌ، وقد شهد بذلك طوائفُ أهل العلم من أهل الفقه والحديث والكلام والأنساب، وثبت في ذلك محاضرُ شرعيَّة، وهذا مذكورٌ في كتب عظيمة مِن كتب المسلمين، بل ذلك مِمَّا تواتر عند أهل العلم.
وكذلك مَن وقف على الأشراف، فإنَّ هذا اللفظ في العُرف لا يدخل فيه إلاَّ مَن كان صحيح النَّسَب من أهل بيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وأمَّا إن وقف واقفٌ على بني فلانٍ أو أقارب فلانٍ ونحو ذلك، ولم يكن في الوقف ما يقتضي أنَّه لأهل البيت النبويِّ، وكان الموقوف مُلكاً للواقف يصح وقفُه على ذريّة المعيَّن، لم يدخل بنو هاشم في هذا الوقف). [فضل أهل البيت وعلو مكانتهم عند أهل السنة والجماعة لعبدالمحسن بن حمد العباد البدر-ص: 82].
فمتى ثبت الانتساب إلى آل البيت مع الإسلام استحق ما لهم من حقوق.
ويتعين على هذا ترك الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم إلا بحق وقد جاء الوعيد الشديد في من انتسب إلى غير أبيه أو ادعى قوماً ليس له فيهم نسب.
فقد جاء في الحديث الصحيح عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من أعظم الفرى أن يدعى الرجل إلى غير أبيه، أو يري عينه ما لم تر، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل)).
وجاء عن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر بالله، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم نسب فليتبوأ مقعده من النار)).
وعن سعد بن أبي وقاص قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا ترغبوا عن آبائكم، فمن رغب عن أبيه فهو كفر)).
ففي هذه الأحاديث الوعيد الشديد لمن انتسب إلى غير أبيه أو قوماً غير قومه، وتحريم الانتفاء من النسب المعروف والادعاء إلى غيره، وقيد لك بالعلم ولابد منه في الحالتين إثباتاً أو نفياً لأن الإثم يترتب على العالم بالشيء المتعمد له. [انظر: ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (2/409-410)، و((فتح الباري)) لابن حجر (9/541)].
ومما يدل على عظم جرم صاحب ذلك الفعل أنه عطفه على الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم كذب على الله وقد قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ [الأنعام: 21].
وقد ذكر القاضي عياض أنه روي عن مالك فيمن انتسب إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم أنه يضرب ضرباً وجيعاً، ويشهر، ويحبس طويلاً حتى تظهر توبته لأنه استخفاف بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم. [((الشفا)) (2/1113)].
ومع هذا فقد كثر في العصور المتأخرة الانتساب إلى آل البيت إما لمطامع دنيوية وطلب رفعة ومنزلة مكذوبة أو من أجل الكيد للإسلام وأهله.
فالناظر في كتب التصوف يجد أن كثيراً من أرباب الطرق ينتسبون إلى آل البيت ليخدعوا الناس بتلك الدعوى، كما أن كتب الرافضة مليئة بذلك حيث اتخذوا آل البيت ستاراً لبث أفكارهم ومعتقداتهم.
وكما تقدم من أن الانتساب إلى آل البيت لا يكفي لوحده ولو ثبت ذلك فإن الصوفية القائلة بوحدة الوجود أو أن الشريعة لها ظاهر وباطن أو جواز الطواف على القبور والعكوف عندها، والرافضة القائلة بأن القرآن محرف ومزيد فيه ومنقوص منه ، وأن الصحابة جلهم قد ارتد عن الإسلام ، وأن الأئمة معصومون، وغير ذلك من المعتقدات التي تنافي الإسلام كالقول بالرجعة ونسبة البداء لله سبحانه وتعالى فهؤلاء وأمثالهم لا حظ لهم في الحقوق ولو صح انتسابهم إلى آل البيت لعدم توافر الشرط اللازم لذلك، والله أعلم.[الموسوعة العقدية، بتصرف يسير].