1195 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1195):
قال أبو داود رحمه الله (ج ٨ ص ٥٠٠): حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي أخبرنا الوليد، ح وأخبرنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا الوليد -وحديث عبد الرحمن أتم- حدثنا مروان بن جناح عن يونس بن ميسرة بن حلبس عن واثلة بن الأسقع قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على رجل من المسلمين فسمعته، يقول: «اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك فقه فتنة القبر».
قال عبد الرحمن -أي الراوي-: «في ذمتك وحبل جوارك فقه من فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم».
قال عبد الرحمن: عن مروان بن جناح.
[ص ٢٤٣] هذا حديث حسنٌ.
الحديث أخرجه ابن ماجه (ج ١ ص ٤٨٠).
===================
الحديث سيكون من وجوه:
ذكر الحديث الإمام أبوداود رحمه الله في السنن،٢٠ – كِتاب: الجَنائِزِ، بابُ: الدُّعاءِ لِلْمَيِّتِ، (٣٢٠١).
قال الألباني رحمه الله: صحيح. «أحكام الجنائز» (١٥٨)، «المشكاة» (١٦٧٧).
وحسنه ابن حجر كما في نتائج الأفكار. وحسنه محققو المسند من أجل مروان
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
5- كتاب الجنائز، ٥٦ – عذاب القبر ونعيمه، (١٢٤٦).
و28- كتاب الفتن، ٣١ – فتنة القبر، (٣٤٠٩).
وقال محققو سنن أبي داود: ” إسناده صحيح. الوليد -وهو ابن مسلم الدمشقي- صرح بالتحديث في جميع طبقات الإسناد عند ابن ماجه، فانتفت شبهة تدليسه تدليس التسوية.
وأخرجه ابن ماجه (١٤٩٩) عن عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، بهذا الإسناد.
وهو في «مسند أحمد» (١٦٠١٨)، و«صحيح ابن حبان» (٣٠٧٤).”. انتهى.
تمهيد
قال الحافظ رحمه الله في بلوغ المرام: ”
– وعن عوف بن مالك رضي الله عنه، قال: صلَّى رسولُ الله ﷺ على جنازةٍ، فحفظتُ من دعائه: اللهم اغفر له, وارحمه، وعافه, واعفُ عنه, وأكرم نُزُلَه, ووسِّع مُدْخَلَه, واغسله بالماء والثَّلج والبَرَد, ونَقِّه من الخطايا كما يُنَقَّى الثوبُ الأبيضُ من الدَّنَس, وأبدله دارًا خيرًا من داره, وأهلًا خيرًا من أهله, وأدخله الجنة, وقِهِ فتنةَ القبر وعذابَ النار. رواه مسلم.
– وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: كان رسولُ الله ﷺ إذا صلَّى على جنازةٍ يقول: اللهم اغفر لحيِّنا, وميِّتنا, وشاهدنا, وغائِبنا, وصغيرنا, وكبيرنا, وذكرنا, وأُنثانا, اللهم مَن أحييتَه منا فأَحْيِهِ على الإسلام, ومَن توفيتَه منا فتوفَّه على الإيمان, اللهم لا تحرمنا أجرَه, ولا تُضلنا بعده. رواه مسلمٌ والأربعة.
– وعنه رضي الله عنه: أن النبي ﷺ، قال: إذا صليتُم على الميت فأخلصوا له الدُّعاء.
رواه أبو داود, وصحَّحه ابن حبان”. انتهى.
تنبيه حديث أبي هريرة ليس في صحيح مسلم وإنما أخرجه أبو داود ٣٢٠١ وغيره قال محقق بلوغ المرام ط الآثار: هو معلول بالإرسال. قال ابوحاتم: هذا خطأ،الحفاظ لا يقولون ابوهريرة إنما يقولون: أبوسلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم. العلل لابن أبي حاتم 1/354 وقال أيضًا: مرسل لا يقولون ابوهريرة ولا يوصله عن أبي هريرة إلا غير متقن والصحيح مرسل العلل لابن أبي حاتم 1/357
وقال الدارقطني: والصحيح عن يحيى لقول من قال : عن إبراهيم عن أبيه وعن أبي سلمة مرسل العلل 9/325 و 14/308
وله شواهد لا يصح منها شىء
قال البخاري: وحديث أبي سلمة عن أبي هريرة وعائشة وأبي قتادة في هذا الباب غير محفوظ وأصح شئ في هذا الباب حديث عوف بن مالك . كما في الكبرى للبيهقي 4/42
والحديث ضمن بحثنا التدوين لكل حديث لا يصح من وجه مبين . انتهى كلام محقق البلوغ
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله معلقا: “فهذه الأحاديث كلها تتعلق بالدعاء للميت عند الصلاة عليه،
والصلاة على الميت من الفرائض، فهي واجبةٌ على المسلمين؛ أن يُصلُّوا على أمواتهم، فرض كفايةٍ، إذا قام بها مَن يكفي ولو واحدًا مُكلَّفًا كفى.
وفيها فضلٌ عظيمٌ، حتى قال عليه الصلاة والسلام: ((مَن تبع الجنازة حتى يُصلَّى عليها فله قيراطٌ، ومَن شهدها حتى تُدفن فله قيراطان))، فقيل للرسول عليه الصلاة والسلام: ما القيراطان؟ قال: ((مثل الجبلين العظيمين))، فالصلاة عليها فيها خيرٌ عظيمٌ، وفيها نفعٌ للميت كما تقدم: ((ما من ميتٍ مسلمٍ يقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يُشركون بالله شيئًا إلَّا شفَّعهم الله فيه))، فالصلاة على الجنائز فيها منفعةٌ للمُصلين، ومنفعةٌ لأموات المسلمين.
وفي حديث عوف بن مالك رضي الله عنه بيانٌ للدعاء الذي كان يدعو به النبيُّ ﷺ للميت بعد التَّكبيرة الثالثة . وجاء في الحديث: قال عوف: “حتى تمنيتُ أن أكون أنا ذلك الميت”؛ لما سمع هذا الدّعاء.
فيُستحبّ للمؤمن أن يدعو لأخيه بهذا الدعاء، وإذا قال: “اللهم اغفر له، اللهم ارحمه” كفى، فأقل دعاء يكفي، لكن كونه يتحرى الدَّعوات الواردة عن النبي ﷺ ويدعو بها هذا أكمل وأفضل، مثل هذا الدّعاء: ، وفي روايةٍ: ((وزوجًا خيرًا من زوجه)) إذا كان له زوجٌ، ((اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده))، وفي بعضها: ((واغفر لنا وله)).
ومن ذلك حديث أبي هريرة: الإسلام يعني: الأعمال الظاهرة، والإسلام لا يكون إلا مع إيمانٍ، ((ومَن توفيتَه منا فتوفَّه على الإيمان)) يعني: على الصدق والإيمان الصَّادق.
وله شواهد، وهو حديثٌ صحيحٌ، لكن ليس في مسلمٍ، ويُستحب لمن يُصلِّي على الجنازة أن يأتي بهذا الدعاء .
والحديث الثالث: يقول ﷺ: إذا صليتُم على الميت فأخلصوا له الدّعاء، الظاهر -والله أعلم- أن المراد: خصُّوه بالدعاء، يعني: اجعلوا الدّعاء خاصًّا له، ويحتمل أن المراد بـأخلصوا له الدعاء يعني: أن يكون عن نيةٍ صادقةٍ وإخلاصٍ صادقٍ، لكن هذا أمرٌ معلومٌ، فالإخلاص في الدعاء معلومٌ، فالله هو الذي يُدْعَى سبحانه، لا يُدْعَى غيره، لكن الظاهر -والله أعلم- أن المراد: خُصُّوه بالدعاء، والدّعاء له لا لغيره، أخلصوا له الدّعاء يعني: خصُّوه بالدّعاء، كما جاء في أدعية النبي ﷺ: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وهو داخلٌ في ذلك.
وفَّق الله الجميع.”. انتهى. [شرح بلوغ المرام للإمام ابن باز (الشرح الجديد)، كتاب الجنائز، 7- من حديث (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)]
الأول: شرح الحديث:
قوله (اللهم إن فلان بن فلان) فيسميه باسمه كما جاء في هذا الحديث، وهنا أبهم الاسم؛ لأن الاسم ليس مقصودًا، وإنما المقصود هو العموم فأبهمه، وقد سماه الرسول ﷺ،
إذا الحديث فيه: “دليل على استحباب تسمية الميت باسمه واسم أبيه، وهذا إن كان معروفًا، وإلا .. جعل مكان ذلك: اللهم؛ إن عبدك هذا أو نحوه”.
وقوله: (في ذمتك) أي: في أمانتك وعهدك وحفظك؛ لأنه مؤمن بك.
و”الذمة: الأمان، والحبل: العهد؛ أي: في كنف حفظك، وفي عهد طاعتك”. قاله ابن المَلَك رحمه الله في [شرح المصابيح لابن الملك].
قال بعضهم: الذمة والذمام واحد، وإنما جعلوه في ذمته؛ لأنهم كانوا يرونه يصلي الصبح، وقد قال -ﷺ-: «من صلى الصبح لم يزل في ذمة اللَّه حتى يمسي» أو بشهادة الإيمان التي يشهدون له بها في قوله: «من قال: لا إله إلا اللَّه، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا -الحديث- فله ذمة اللَّه وذمة رسوله». [مختصر سنن أبي داود للمنذري ت حلاق].
وقوله: (وحبل جوارك) في (مرعاة المفاتيح): « بكسر الجيم. قيل: عطف تفسيري. وقيل: الحبل العهد أي في كنف حفظك وعهد طاعتك. وقيل: أي في سبيل قربك، وهو الإيمان. والأظهر أن المعنى أنه متمسك ومتعلق بالقرآن، كما قال تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله﴾ [آل عمران ١٠٣] وفسره جمهور المفسرين بكتاب الله.
والمراد بالجوار: الأمان، والإضافة بيانية يعني الحبل الذي يورث الاعتصام به الأمن والأمان والإسلام والإيمان، قاله القاري.
وقال ابن الأثير في جامع الأصول: الحبل العهد والأمان، ومنه قوله تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعًا﴾ أي بعهده، وكان من عادة العرب أن يخيف بعضهم بعضًا، فكان الرجل إذا أراد سفرًا أخذ عهدًا من سيد قبيلة، فيأمن بذلك مادام في حدوده. (أي مجاورًا أرضه) حتى (ينتهي) إلى آخر فيأخذ مثل ذلك، فهذا حبل الجوار أي العهد والأمان مادام مجاورًا أرضه. وقال الطيبي: الحبل العهد والأمان «وحبل جوارك» بيان لقوله «في ذمتك»، نحو أعجبني زيد وكرمه، والأصل أن فلانًا في عهدك، فنسب إلى الجوار ما كان وثقة وعقد القول بالأيمان المؤكدة”. انتهى.
قال السندي رحمه الله في (فتح الودود): “«فقه» صيغة الأمر من الوقاية، والفاء لتفريع، والضمير للميت.”. انتهى.
والظاهر أنه يدعو بهذه الألفاظ الواردة في هذه الأحاديث سواء كان الميت ذكرًا أو أُنثى، ولا يُحوِّلُ الضمائر المذكورة إلى صيغة التأنيث إذا كان الميت أُنثى؛ لأن مرجعها الميت، وهو يقال على الذكر والأنثى، كذا في «النيل».
قوله: (فقه فتنة القبر) وهي رهبة وفزع السؤال والامتحان في القبر.
وفي (المنهل العذب): “(قوله فقه من فتنة القبر) أي: أحفظه من محنة السؤال فيه وعذابه كالضغطة والظلمة
وفي حديث البخاري عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم قال: العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان ما كنت تقول في هذا الرجل محمَّد صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم؟ فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال انظر إلى مقعدك
من النار أبدلك الله به مقعدًا من الجنة، قال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيراهما جميعًا قال، وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدري كنت أقول ما يقول الناس فيقال لا دريت ولا تليت ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين .
وقوله لا دريت ولا تليت. أي لا علمت ولا تبعت من يعلم”. انتهى.
قوله: [قال عبد الرحمن: في ذمتك وحبل جوارك].
وهذا قريب من معنى الذي قبله، والمراد في ذمتك.
قوله: (فقه من فتنه القبر وعذاب النار)، وهذا سؤال يشمل السلامة من العذاب بعد الموت، سواء كان في القبر أو في النار.
قوله: (وأنت أهل الوفاء والحمد) أي: أهل الوفاء بالوعد، فقد وعد عباده بالمغفرة إذا فعلوا ما طُلب منهم، وهو أيضًا أهل لأن يحمد، وكل ذلك تعظيم لله تعالى، وثناء عليه، وهذا من المناسب عند الدعاء كما عرفنا.
قوله: (والحَقِّ): قال الملا على القاري رحمه الله في (مرقاة المفاتيح): “(والحَقِّ) أيْ: أنْتَ أهْلٌ بِأنْ تُحِقَّ بِالحَقِّ، وأهْلِهِ، والمُضافُ مُقَدَّرٌ أيْ: أنْتَ أهْلُ الحَقِّ، أوْ أنْتَ أهْلُ الثُّبُوتِ بِما ثَبَتَ عَنْكَ، إشارَةً إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿هُوَ أهْلُ التَّقْوى وأهْلُ المَغْفِرَةِ﴾ [المدثر ٥٦] أيْ: هُوَ أهْلٌ أنْ يُتَّقى شِرْكُهُ، ويُرْجى مَغْفِرَتُهُ.”. انتهى.
قوله: (اللهم فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم)، وهذا أيضًا دعاء بالمغفرة والرحمة، فقد وصف الله تعالى بأنه غفور رحيم، فهو غفور يطلب منه أن يغفر، وهو رحيم يطلب منه أن يرحم.
و في (مرقاة المفاتيح): (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وارْحَمْهُ) لا رَيْبَ أنَّ المَقْصُودَ مِن صَلاةِ الجَنازَةِ هُوَ الدُّعاءُ عَلى المَيِّتِ بِالخُصُوصِ، سَواءً حَصَلَ فِي ضِمْنِ العُمُومِ أوْ غَيْرِهِ.
(إنَّكَ أنْتَ الغَفُورُ) أيْ: كَثِيرُ المَغْفِرَةِ لِلسَّيِّئاتِ.
(الرَّحِيمُ) كَثِيرُ المَرْحَمَةِ بِقَبُولِ الطّاعاتِ، والتَّفَضُّلِ بِتَضاعُفِ الحَسَناتِ.. انتهى.
[انظر: شرح سنن أبي داود للعباد، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، ومرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح].
الفوائد:
١ – (منها): بيان مشروعيّة الدعاء في صلاة الجنازة، وهو معظم مقصودها.
٢ – (ومنها): مشروعية الصلاة على الجنازة.
٣ – (ومنها): استحباب هذا الدعاء.
٤ – (ومنها): أن فيه إشارة إلى الجهر بالدعاء في صلاة الجنازة، قال النوويّ رحمه الله: وقد اتفق أصحابنا على أنه إن صلّى عليها بالنهار أسرّ بالقراءة، وإن صلى بالليل ففيه وجهان، الصحيح الذي عليه الجمهور: يسرّه، والثاني: يجهر، وأما الدعاء، فيسرّ به بلا خلاف، وحينئذ يتأول هذا الحديث على أن قوله: ((حفظت من دعائه))؛ أي: علّمنيه بعد الصلاة، فحفظته. انتهى [«شرح مسلم» ٧/ ٣٤].
قال المباركفوري رحمه الله في (تحفة الأحوذي): [قلت : ويرد هذا التأويل قوله في رواية أخرى: “سمعت”. وقال القاري في المرقاة: وهذا يعني قوله حفظت لا ينافي ما تقرر في الفقه من ندب الإسرار؛ لأن الجهر هنا للتعليم لا غير. انتهى.]
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه معلقا على قول النووي: هذا التأويل فيه نظر لا يخفى؛ إذ هو مخالف لظاهر الحديث – يقصد حديث عَوْفَ بْنَ مالِكٍ رضي الله عنه الذي سيأتي-.
قال العلامة الشوكانيّ رحمه الله: بعد ذكر اختلاف ألفاظ هذا الحديث ما نضه: جميع ذلك يدلّ على أن النبي – ﷺ – جهر بالدعاء، وهو خلاف ما صرّح به جماعة من استحباب الإسرار بالدعاء، وقد قيل: إن جهره – ﷺ – الدعاء لقصد تعليمهم.
وأخرج أحمد عن جابر – رحمه الله – قال: ما أباح لنا في دعاء الجنازة رسول الله – ﷺ -، ولا أبو بكر، ولا عمر [وأخرجه ابن ماجه أيضًا، وفي إسنادهما حجاج بن أرطاة، كثير الخطأ، والتدليس]، وفسّر «ما أباح» بمعنى قَدّر، قال الحافظ: والذي وقفت عليه باح، بمعنى: جهر [«التلخيص الحبير»٢/ ٢٨٩].
قال الشوكانيّ: والظاهر أن الجهر والإسرار بالدعاء جائزان. انتهى [«نيل الأوطار» ٤/ ٧٩].
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: ما قاله الشوكانيّ رحمه الله حسنٌ جدًّا، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط الثجاج].
وسيأتي ذكر بعض الأقوال في محله إن شاء الله تعالى.
٥ – (ومنها): “يدعو بالدعاء المأثور عن النبي صلّى الله عليه وسلّم إن كان يعرفه، فإن لم يكن يعرفه فبأي دعاء دعا جاز ، إلا أنه يخلص الدعاء للميت ، أي: يخصه بالدعاء، قاله الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (5/154)؛ عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ) رواه أبو داود رحمه الله (3199)، وحسنه الألباني رحمه الله.
وقال ” الحجاوي ” رحمه الله : ” ويدعو في الثالثة سراً بأحسن ما يحضره ولا توقيت فيه ويسن بالمأثور”.[الإقناع (1/224)].
وقال ابن عبد البر رحمه الله : “والدعاء للميت استغفار له ودعاء بما يحضر الداعي من القول الذي يرجو به الرحمة له والعفو عنه وليس فيه عند الجميع شيء مؤقت – يعني : محدد-“. [الاستذكار (3/38)].
وقال الشوكاني رحمه الله : “فيه دليل على أنه لا يتعين دعاء مخصوص من هذه الأدعية الواردة”. [نيل الأوطار (4/79)].
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : ” والأفضل أن يقول اللهم اغفر لحينا وميتنا… كل هذا محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن دعا له بدعوات أخرى فلا بأس”. [مجموع الفتاوى (13/142)].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): من الأحاديث الواردة في الباب.
– حديث الباب.
– عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، سَمِعَهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مالِكٍ يَقُولُ: صَلًّى رَسُولُ اللهِ – ﷺ – عَلى جَنازَةٍ، فَحَفِظْتُ مِن دُعائِهِ، وهُوَ يَقُولُ: «اللَّهُم اغْفِرْ لَهُ، وارْحَمْهُ…) أخرجه مسلم [٢٢٣٢] (٩٦٣).
– عَبْدِ اللهِ بْنِ رُبَيِّعَةَ السُّلَمِيِّ -وكانَ مِن أصْحابِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ-، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ خالِدٍ السُّلَمِيِّ: أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ آخى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقُتِلَ أحَدُهُما، وماتَ الآخَرُ بَعْدَهُ، فَصَلَّيْنا عَلَيْهِ، فَقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ: «ما قُلْتُمْ؟» قالُوا: دَعَوْنا لَهُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، اللَّهُمَّ ألْحِقْهُ بِصاحِبِهِ. فَقالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ: «فَأيْنَ صَلاتُهُ بَعْدَ صَلاتِهِ؟ وأيْنَ عَمَلُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ؟ فَلَما بَيْنَهُما كَما بَيْنَ السَّماءِ والأرْضِ».
قالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: أعْجَبَنِي؛ لِأنَّهُ أسْنَدَ لِي.
هذا حديث صحيحٌ. وعبد الله بن ربيعة قال ابن سعد في «الطبقات» (ج ٦ ص ١٩٦): وكان ثقة، قليل الحديث. ن [الصحيح المسند (٩٠١)، وبوب عليه في الجامع: ٣٨ – الدعاء في صلاة الجنازة].
– عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله – ﷺ – إذا صلّى على جنازة يقول: «اللهم اغفر لحيّنا وميّتنا، وشاهِدِنا وغائبِنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييتَه منّا فأحْيهِ على الإسلام، ومن توفّيته منّا فتوفَّه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تُضِلَّنا بعده»[أخرجه أبو داود «صحيح سنن أبي داود» (٢٧٤١)، والترمذي «صحيح سنن الترمذي» (٨١٧)، وابن ماجه «صحيح سنن ابن ماجه» (١٢١٧)].
(المسألة الثانية): الجهرُ والإسرارُ في صلاةِ الجِنازة من سنن الصلاة، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: القراءةُ إذا كانتْ صلاةُ الجِنازة نهارًا
يُسرُّ بالقِراءةِ في صَلاةِ الجِنازةِ نَهارًا.
عن أبي أُمامةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: ((السُّنَّةُ في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يقرأَ في التكبيرةِ الأُولى بأمِّ القرآنِ مخافَتَةً، ثم يُكبِّرُ ثلاثًا، والتَّسليمُ عند الآخِرةِ )) [أخرجه النسائي (1989)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (3165)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (3000). قال النوويُّ في ((المجموع)) (5/233): إسنادُه على شرْط الشَّيخينِ، وقال ابنُ الملقِّن في ((تحفة المحتاج)) (1/595): إسناده على شرط الصَّحيح، وصحَّح إسنادَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (3/242)، وصحَّحه الألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (1988)].
وقد نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامة، والعينيُّ.
قال ابنُ قُدامةَ: (ويُسِرُّ القراءةَ والدعاءَ في صلاةِ الجِنازَة، لا نعلم بين أهلِ العِلم فيه خلافًا). ((المغني)) (2/363).
قال العينيُّ: (فقد يستدلُّ به على الجَهر بها، وهو أحدُ الوجهين لأصحاب الشافعيِّ فيما إذا كانت الصلاةُ عليها ليلًا، قال شيخُنا زَينُ الدِّين: والصَّحيح أنَّه يُسرُّ بها ليلًا أيضًا، وأمَّا النَّهار فاتَّفقوا على أنَّه يُسرُّ فيه). ((عمدة القاري شرح صحيح البخاري)) (8/140).
المسألة الثانية: القِراءةُ إذا كانتْ صلاةُ الجِنازة ليلًا
يُسرُّ بالقراءةِ في صلاةِ الجنازةِ ولو كانتِ الصَّلاةُ ليلًا، وهو الأصحُّ عند الشافعيَّة، والحَنابِلَة.
عن أبي أُمامةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، أنَّه قال: ((السُّنَّةُ في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يقرأَ في التكبيرةِ الأُولى بأمِّ القرآن مخافَتَةً، ثم يُكبِّرَ ثلاثًا، والتَّسليمُ عند الآخِرةِ )).
فأنَّه لم يُفرِّق في المخافَتَة بينَ ليلٍ ونَهار.
ثانيًا: لأنَّها لا تُقاسُ على المكتوبةِ؛ لأنَّها مؤقَّتةٌ، والجِنازة غيرُ مؤقَّتة، فأشبهتْ تحيَّةَ المسجدِ ونحوَها. ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/113).
المسألة الثالثة: الجهرُ بالتَّكبيراتِ
يَجهرُ الإمامُ بالتَّكبيراتِ في صلاةِ الجِنازة؛ نصَّ على ذلك الحَنفيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة؛ وذلك لأنَّ الإمامَ يُسمِعُ مَن يَليه؛ لأنَّهم يَقتدُونَ به، فيُكبِّرونَ بتكبيرِه، ويُسلِّمونَ بسلامِه.
وقد نصَّ الشافعيَّة على تخصيصه بالإمامِ والمُبلِّغ؛ قال الرمليُّ: (واتَّفقوا على جهرِه بالتكبيرِ والسَّلام: أي الإمام، أو المبلِّغ، لا غيرهما). ((نهاية المحتاج)) (2/475).
المسألة الرابعة: الجهرُ بالتَّسليمِ
يَجهرُ الإمامُ بالتَّسليمِ، ويُخافِتُ بها المأمومُ، وهو مذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة؛ وذلك لأنَّ الإمامَ يُسمِعُ مَن يليه؛ لأنَّهم يقتدون به، فيُسلِّمون بسلامِه، بخلافِ مَن خَلْفَه إنَّما يُسلِّمُ ليتحلَّلَ من صلاتِه، فيُسلِّم في نفسِه، وقياسًا على غيرِها من الصَّلوات.
قال البجيرميُّ في حاشيته: (التكبيرُ والسَّلام، فيَجهَر بهما اتِّفاقًا الإمامُ والمبلِّغ، لا غيرهما). ((حاشية البجيرمي)) (1/473).
المسألة الخامسة: الإسرارُ بالصَّلاةِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والدُّعاءِ
يُسرُّ بالصَّلاةِ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والدُّعاءِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك.
الحنفية قالوا: (ولا يجهر بما يقرأ عقيبَ كلِّ تكبيرةٍ؛ لأنَّه ذِكرٌ، والسُّنة فيه المخافتةُ). ((بدائع الصنائع)) للكاساني (1/314)، (ويخافت في الكلِّ إلَّا في التكبير). ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/241).
عن أبي أُمامةَ بنِ سَهلٍ، أنَّه أخبَرَه رجلٌ من أصحابِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنَّ ((السُّنَّة في الصَّلاةِ على الجِنازة أن يُكبِّرَ الإمامُ، ثم يقرأَ بفاتحةِ الكتابِ- بعدَ التكبيرة الأولى- سِرًّا في نفْسِه، ثم يُصلِّيَ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ويُخلِصَ الدُّعاءَ للميِّت، ثم يُسلِّمَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ ))[أخرجه الشافعي في ((المسند- ترتيب سنجر)) (588)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2868)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (7209) من حديث أبي أمامة عن رجل من أصحاب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. وأخرجه ابن أبي شيبة (3/296)، وابن الجارود (540)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (3000) من حديث أبي أمامة به، وهو عند النسائي (1989) مختصرًا. قال البيهقي ((السنن الكبرى)) (4/39): رواية قوية. وصحَّح إسنادَه ابنُ القيِّم في ((جلاء الأفهام)) (192)، وقال الألباني في ((أحكام الجنائز)) (155): صحيحٌ على شرط الشيخين].
فإن كانت السُّنَّةَ قراءةُ الفاتحةَ سرًّا، فمِن بابِ أولى الصلاةُ على النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، والدُّعاء؛ لأنَّ الأصلَ في الدعاء أن يكونَ سِرًّا.
ثانيًا: لأنَّه أوقعُ في النَّفْسِ من الجهرِ، ولأنَّه مُحتوٍ على ثناءٍ وصلاةٍ على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم، والإسرارُ بذلِك أفضلُ. [((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/128)].[الموسوعة الفقهية].
وقد سبق ذكر هذه المسألة.
(المسألة): حكم الدُّعاءُ للميِّتِ في صلاة الجنازة
الدُّعاءُ للميِّت رُكنٌ في صلاةِ الجِنازة، وهو مذهبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة.
إلا الشافعيَّة والحنابلة، قالوا: الدُّعاء يكونُ بعد التكبيرة الثالثة. أمَّا المالكيَّة، فقالوا: إنَّ الدعاء واجبٌ بعدَ كلِّ تكبيرةٍ.
عن أبي هُرَيرَة رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: سمعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إذا صليتُم على الميِّتِ، فأخْلِصوا له الدُّعاءَ )) [أخرجه أبو داود (3199)، وابن ماجه (1497)، وابن حبان (3076) جوَّد إسنادَه ابنُ كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/230)، وقال ابن الملقن في ((البدر المنير)) (5/269): ثابت، وحسَّن الحديثَ الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (3199).
[مسألة]: واستحبَّ بعضُ الفقهاء أنْ يُدعَى للطِّفْل بهذا الدُّعاء:
(اللهمَّ اجعَلْه ذُخرًا لوالِدَيه، وفرَطًا وشفيعًا مُجابًا، اللهمَّ أعْظِمْ به أجورَهما، وثقِّل به موازينَهما، وألْحِقْه بصالحِ سلفِ المؤمنينَ، واجعله في كفالة إبراهيمَ عليه الصَّلاة والسَّلام، وقِهِ برحمَتِك عذابَ الجحيم). يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (2/365)، ((أسنى المطالب)) لزكريا الأنصاري (1/320)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (13/147)، ((لقاء الباب المفتوح)) لابن عثيمين (رقم اللقاء: 149)].
ثانيًا: لأنَّ القصدَ من هذه الصَّلاةِ الدُّعاءُ للميِّت؛ فلا يجوزُ الإخلالُ بالمقصودِ.[((المجموع)) للنووي (5/236) وأدْنى الدُّعاءِ ما يقَع عليه الاسمُ].
فعن الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((والطِّفْل يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ)) رواه أبو داود (3180) والترمذي (1031)،وصححه الألباني في أحكام الجنائز ص: 73.
قال الحسن رحمه الله: «يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب، ويقول: اللهم اجعله لنا فرطًا، وسلفًا، وأجرًا». رواه البخاري معلقًا (كتاب الجنائز) (باب – ٦٥)، وانظر «مختصر البخاري» (١/ ٣١٤) للألباني رحمه الله.
وقال الشيخ الألباني رحمه الله (ص١٦٠): قال الشوكاني في «نيل الأوطار» (٤/ ٥٥: «إذا كان المُصلّى عليه طفلًا؛ استُحبّ أن يقول المصلي: اللهم اجعله لنا سلفًا وفَرَطًا وأجرًا». روى ذلك البيهقيُّ من حديث أبي هريرة، وروى مثله سفيان في «جامعه» عن الحسن.
[وقال الشيخ رحمه الله]: حديث أبي هريرة عند البيهقي إسناده حسن، ولا بأس في العمل به في مثل هذا الموضع -وإن كان موقوفًا- إذا لم يُتّخذ سُنّة، بحيث يؤدي ذلك إلى الظنّ أنه عن النّبيّ – ﷺ -.
والذي أختاره: أن يدعو في الصلاة على الطفل بالنوع (الثاني) [اللهم اغفر لحيّنا وميّتنا]؛ لقوله فيه: «وصغيرنا .. اللهمّ لا تحرمنا أجره، ولا تُضِلَّنا بعده» …«.[الموسوعة الفقهية الميسرة].
وقال ابن قدامة رحمه الله : ” وإن كان الميت طفلاً, جعل مكان الاستغفار له: ” اللهم اجعله فرطاً لوالديه , وذخراً وسلفاً وأجراً , اللهم ثقل به موازينهما , وأعظم به أجورهما , اللهم اجعله في كفالة إبراهيم وألحقه بصالح سلف المؤمنين , وأجره برحمتك من عذاب الجحيم , وأبدله داراً خيراً من داره , وأهلاً خيراً من أهله … ونحو ذلك،
وبأي شيء دعا مما ذكرنا أو نحوه أجزأه وليس فيه شيء مؤقت ” انتهى [المغني(2/182)] .
وقال البهوتي رحمه الله: “وإنما لم يسن الاستغفار له؛ لأنه شافع غير مشفوع فيه ولا جرى عليه قلم، فالعدول إلى الدعاء لوالديه أولى من الدعاء له، وما ذكر من الدعاء لائق بالمحل، مناسب لما هو فيه ، فشرع فيه كالاستغفار للبالغ”. انتهى. [كشاف القناع” (2/115)].
وقد قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” هكذا قال الفقهاء وهو دعاء طيب، وإن كان بعضه لم يكن مأثوراً، لكنه دعاء طيب” انتهى. [لقاء الباب المفتوح ( لقاء رقم 149 )].
وقال رحمه الله في (الشرح الكافي): ” وأما قوله: ” قه برحمتك عذاب الجحيم”: “فقد أشكل على أهل العلم وقالوا كيف يدعى له بأن يقيه الله عذاب الجحيم مع أنه لا يعذب إذ إنه قد رفع عنه القلم ؟ فأجاب بعضهم ؛ بأن هذا يكون عند الورود ـ ورود الناس على جهنم في الصراط ـ فإن الإنسان قد يتعذب من ذلك المرور ومنهم الأطفال ولكنه جواب ليس ثابتاً، ولو دعا لوالديه بالرحمة والثواب والأجر لكان كافياً ” انتهى.
الفتاوي:
[] كيفية الصلاة على الجنازة والأدعية المأثورة فيها ؟
السؤال: أرجو أن توضحوا كيفية الصلاة على الجنازة كما ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن كثيراً من الناس يجهلونها؟
الإجابة: صفة الصلاة على الجنازة قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وهي: أن يكبر أولاً، ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ويسمي، ويقرأ الفاتحة وسورة قصيرة أو بعض الآيات، ثم يكبر ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مثلما يصلي عليه في آخر الصلاة،
ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت، والأفضل أن يقول: “اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، اللهم أدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار، وافسح له في قبره ونوِّر له فيه، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده”، كل هذا محفوظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن دعا له بدعوات أخرى فلا بأس، مثل أن يقول: “اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، اللهم اغفر له وثبته بالقول الثابت”.
ثم يكبر الرابعة ويقف قليلاً، ثم يسلم تسليمة واحدة عن يمينه، قائلاً: “السلام عليكم ورحمة الله”.
ويسن أن يقف الإمام عند رأس الرجل وعند وسط المرأة؛ لثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس وسمرة بن جندب رضي الله عنهما، وأما قول بعض العلماء: إن السنة الوقوف عند صدر الرجل فهو قول ضعيف ليس عليه دليل فيما نعلم، ويكون الميت حين الصلاة عليه موجهاً إلى القبلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الكعبة: ((إنها قبلة المسلمين أحياء وأمواتاً))، والله ولي التوفيق. [مجموع فتاوى و رسائل الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز – المجلد الثالث عشر].
[] س: كيف يُدْعَى للمرأة بهذا الدُّعاء؟
ج: الظاهر -والله أعلم- مَن يُؤهّلونه ويُحسنون إليه ويخدمونه، ما هو بلازمٍ أن تكون له زوجة، أو لها زوج، فالأهل قد يكونون غير الزوج والزوجة، وفي بعض الروايات: اللَّهم أبدله زوجًا خيرًا من زوجه، والمعروف من بعض الرِّوايات بالنسبة للمرأة أنها تُخيَّر، لكن على كل حال إذا قال: “أهلًا خيرًا من أهلها” ما فيه شيء؛ لأنَّ المقصود مَن يُواسيها وينفعها، وأهل الجنة كلهم مخدومون، كلهم في خيرٍ عظيمٍ، لكن علينا اتِّباع السنة. [شرح بلوغ المرام للإمام ابن باز (الشرح الجديد)، كتاب الجنائز، 7- من حديث (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)]
س: هل ورد دعاء آخر غير هذا الدّعاء؟
ج: ورد في بعض الرِّوايات في دعاءٍ آخر: اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضتها إليك، وأنت أعلم بسرِّها وعلانيتها، وقد جئناك شُفعاء، فاغفر لها ………، ولا بأس به. [شرح بلوغ المرام للإمام ابن باز (الشرح الجديد)، كتاب الجنائز، 7- من حديث (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)]
س: قوله: اللهم لا تحرمنا أجره هل المقصود أجر التَّشييع والصبر على المُصيبة وتجهيز الجنازة؟
ج: الظاهر أنه عامٌّ، فأجر مفرد مضاف: الأجر الذي يحصل للميت، والأجر الذي يحصل للمُشيعين، والخادم، إذا كان هناك حفرٌ وغيره، فالأجر يعمّ، وهو مُترتب على هذا.[شرح بلوغ المرام للإمام ابن باز (الشرح الجديد)، كتاب الجنائز، 7- من حديث (إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء)]
تنبيه : راجع في الصلاة على الصبي بتوسع شرحنا للصحيح المسند 1616
عن عائشة رضي الله عنها قالت : مات إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لكن انكره الإمام أحمد .
ورد في مسند الإمام أحمد
13270 حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ – يَعْنِي الْعُمَرِيَّ – قَالَ : سَمِعْتُ أُمَّ يَحْيَى ، قَالَتْ : سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : مَاتَ ابْنٌ لِأَبِي طَلْحَةَ، فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ أَبُو طَلْحَةَ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ، كَأَنَّهُمْ عُرْفُ دِيكٍ. وَأَشَارَ بِيَدِهِ.
قال محققوالمسند:: إسناده ضعيف لجهالة أم يحيى . وضعف عبدالله العمري