1194 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند
(ج2/ رقم 1194):
مسند: واثِلَةَ بن الأسْقَعِ رضي الله عنه
قال الإمام أحمد رحمه الله (جص (106)): حدثنا أبو المغيرة قال سمعت الأوزاعي قال حدثني ربيعة بن يزيد قال سمعت واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، يقول: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال «أتزعمون أني من آخركم وفاة ألا إني من أولكم وفاة وتتبعوني أفنادًا يهلك بعضكم بعضًا».
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح.
الحديث أخرجه أبو يعلى (ج (6) ص (480)) بتحقيق إرشاد الحق الأثري.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
يشهد للحديث
وفي ما أورده الوادعي رحمه الله في الجامع في ((21) – فتنة القتل فيما بين المسلمين):
– سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه، قال: كنا جلوسًا عند رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذ قال له قائل: يا رسول الله، هل أُتيت بطعام من السماء؟ قال «نعم». قال: وبماذا؟ قال «بِمِسْخَنَةٍ». قالوا: فهل كان فيها فضل عنك؟ قال «نعم». قال: فما فعل به؟ قال: «رفع وهو يوحى إلي أني مكفوت غير لابث فيكم، ولستم لابثين بعدي إلا قليلًا، بل تلبثون حتى تقولوا متى؟ وستأتون أفنادًا يفني بعضكم بعضًا، وبين يدي الساعة موتان شديد، وبعده سنوات الزلازل». الجامع الصحيح للشيخ مقبل ((3386)) هذا حديث صحيحٌ. وهو في الصحيح المسند (450)
ذكر الوادعي رحمه الله الحديث في الجامع:
كتاب دلائل النبوة، الإخبار عن أمور مستقلة فوقعت كما أخبر صلى الله عليه وسلم، (72) – إخباره – لا – بوقوع بعض الفتن، ((2377)).
وكتاب الفتن، (21) – فتنة القتل فيما بين المسلمين، ((3391)).
والحديث صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، (21) – باب تتابع الوحي قبل وفاته – لا -، ((1813)).
وفي (سلسلة الأحاديث الصحيحة)، برقم ((851))، قال فيه الألباني رحمه الله:
“أخرجه أحمد في «المسند» ((4) / (106)): حدثنا أبو المغيرة قال: سمعت الأوزاعي
قال: حدثني ربيعة بن يزيد قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: خرج علينا
رسول الله لا، فقال … .. » فذكره.
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، متصل بالسماع. وله شاهد من حديث
سلمة بن نفيل السكوني مرفوعا نحوه. أخرجه الدارمي ((1) / (29)) وأحمد ((4) / (104)) من طريق أرطاة بن المنذر حدثنا ضمرة بن حبيب قال: حدثنا سلمة بن نفيل به.
قلت: وهذا إسناد صحيح أيضا متصل.
(أفنادا) أي جماعات متفرقين قوما بعد قوم، واحدهم (فند) “. انتهى.
الأول: شرح الحديث:
[ترجمة الصحابي: واثلة بن الأسقع رضي الله عنه]
” [الاسم:]
279 – واثلة بن الأسقع 1: “ع”
ابن كعب بن عامر،
وَقِيْلَ: وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ بنِ عَبْدِ العُزَّى بن عبد يَالَيْلَ بنِ نَاشِبٍ اللَّيْثِيُّ, مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّة.
[اسلامه، وصفته، ومشاهده، وحالته رضي الله عنه:]
أَسلَمَ سَنَةَ تِسْعٍ،
وكان فارسًا شجاعًا ممدحًا فاضلًا،
وأول مشاهده تَبُوْك، وشهد فتح دمشق وحمص.
وَكَانَ مِنْ فُقَرَاءِ المُسْلِمِيْنَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, طَالَ عُمُرُه.
[كنيته رضي الله عنه:]
وَفِي كُنْيَتِهِ أَقْوَالٌ: أَبُو الخَطَّابِ، وَأَبُو الأَسْقَعِ، وَقِيْلَ: أَبُو قرْصَافَةَ، وَقِيْلَ: أَبُو شَدَّادٍ.
[علمه رضي الله عنه]
لَهُ عِدَّةُ أَحَادِيْثَ.
رَوَى عَنْهُ: أَبُو إِدْرِيْسَ الخَوْلاَنِيُّ، وَشَدَّادٌ أَبُو عمَّار، وَبُسْرُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ، وَعَبْدُ الوَاحِدِ النَّصْرِيُّ، وَمَكْحُوْلٌ، وَيُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ بنِ حَلْبَسٍ، وَإِبْرَاهِيْمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، وَرَبِيْعَةُ بنُ يَزِيْدَ القَصِيْرُ، وَيَحْيَى بنُ الحَارِثِ الذِّمَارِيُّ، وَخَلْقٌ, آخِرُهُم: مَوْلاَهُ؛ مَعْرُوفٌ الخَيَّاطُ, البَاقِي إِلَى سَنَةِ ثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ.
وَلَهُ رِوَايَةٌ أَيْضاً، عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ الغَنَوِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.
[حالته رضي الله عنه:]
وَلَهُ مَسجدٌ مَشْهُوْرٌ بِدِمَشْقَ، وَسَكَنَ قَرْيَةَ البَلاَطِ مُدَّةً, وَلَهُ دَارٌ عِنْدَ دَارِ ابْنِ البَقَّالِ بِدَرْبِ.
[وفاته رضي الله عنه:]
رَوَى إِسْمَاعِيْلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سَعِيْدِ بنِ خَالِدٍ: تُوُفِّيَ وَاثِلَةُ فِي سَنَةِ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ، وَهُوَ ابْنُ مائَةٍ وَخَمْسِ سِنِيْنَ.
اعتَمَدَهُ البُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ وَعِدَّةٌ: مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِيْنَ ((85) هـ)، وَلَهُ ثَمَانٍ وَتِسْعُوْنَ سَنَةً.
قَالَ قَتَادَةُ: آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِدِمَشْقَ وَاثِلَةُ بنُ الأَسْقَعِ”.
[«سير أعلام النبلاء» للذهبي ((3) / (383))، وانظر ترجمته أيضًا: «الكاشف» ((3) / (232))، «طبقات ابن سعد» ((7) / (407))، «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم ((9) / (47))، «الاستيعاب» لابن عبد البر ((4) / (1563))، «أسد الغابة» لابن الأثير ((5) / (77))، «سير أعلام النبلاء» ((3) / (383))، «الكاشف» ((3) / (232)) كلاهما للذهبي، «الإصابة» ((3) / (626))، «تهذيب التهذيب» ((11) / (101)) كلاهما لابن حجر، «شذرات الذهب» لابن العماد ((1) / (95))، «الرياض المستطابة» للعامري ((265))].
وقوله صلى الله عليه وسلم: «وتتبعوني أفنادًا».
قال ابن الأثير رحمه الله في (النهاية): الفَنَد فِي الأصْلِ: الكَذِب.
وأفْنَدَ: تَكلم بالفَنَد. ثُمَّ قالُوا لِلشَّيْخِ إذا هَرِمَ: قَدْ أفْنَدَ؛ لِأنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِالمُحَرَّفِ مِنَ الكَلامِ عَنْ سَنَن الصِّحة. وأفْنَدَه الكِبَر: إذا أوقَعه فِي الفَنَد.
ومِنهُ حَدِيثُ التَّنُوخي رَسُولِ هِرَقْل «وكانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ بَلَغ الفَنَد أوْ قَرُب».
[هـ] وفِيهِ «ألا إنِّي مِن أوَّلِكُمْ وفاةً تَتَّبِعُوني أفْنادًا أفْنادًا يُهلِك بعضُكم بَعْضًا» أيْ: جَماعاتٍ مُتَفَرَّقين قَوْمًا بَعْدَ قَوْمٍ، واحدُهم: فِنْد.
والفِنْد: الطّائفة مِنَ اللَّيْلِ. ويُقالُ: هُمْ فِنْدٌ عَلى حِدَة: أيْ فِئَة.
[هـ] ومِنهُ الحَدِيثُ «أسْرَعُ الناسِ بِي لحُوقا قَوْمي، ويَعيش الناسُ بَعْدَهُم أفْنادًا يقتُل بعضُهم بَعْضًا» أيْ: يَصِيرون فِرَقا مُخْتَلفين.
[هـ] ومِنهُ الحَدِيثُ «لمّا تُوفيّ رَسول اللَّه لا صلّى عَلَيْهِ النّاسُ أفْنادًا أفْنادًا» أيْ: فِرَقًا بَعْدَ فِرَق، فُرادى بِلا إمامٍ …..
وجاء في مسلم، عن جَرِيرٍ بن عبد الله البَجليّ رضي الله عنه، قالَ: قالَ لِي النَّبِيُّ – لا – فِي حَجَّةِ الوَداعِ: «اسْتَنْصِتِ النّاسَ» ثُمَّ قالَ: «لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفّارًا، يَضْرِبْ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ».
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((بَعْدِي)) أي: بعد موتي، أو بعد مجلسي هذا.
وقال العينيّ رحمه الله تعالى: قال الطبريّ: أي: بعد فراقي لموقفي هذا، وقال غيره: خلافي، أي: لا تخلفوني في أنفسكم بعد الذي أمرتكم به.
ويحتمل أنه – لا – عَلِم أن هذا لا يكون في حياته فنهاهم عنه بعد وفاته،
وقال المظهريّ: يعني إذا فارقت الدنيا، فاثبُتُوا بعدي على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى، ولا تُحاربوا المسلمين، ولا تأخذوا أموالهم بالباطل، وقال محيي السنّة: أي: لا تكن أفعالكم شبيهةً بأفعال الكفّار في ضرب رقاب المسلمين. انتهى [راجع: «عمدة القاري» (2) / (155) «كتاب العلم»].
و ((كُفّارًا)) ذكر الحافظ في «الفتح» جملة ما قيل في معناه، وهي عشرة أقوال:
[أحدها]: قول الخوارج: إنه على ظاهره.
[ثانيها]: هو في المستحلّ.
[ثالثها]: المعنى كُفّارًا بحرمة الدماء، وحرمة المسلمين، وحقوق الدين.
[رابعها]: تفعلون فعل الكفّار في قتل بعضهم بعضًا.
[خامسها]: لابسين السلاح، يقال: كَفَرَ دِرْعه: إذا لبس فوقها ثوبًا.
[سادسها]: كُفّارًا بنعمة الله.
[سابعها]: المراد الزجر عن الفعل، وليس ظاهره مرادًا.
[ثامنها]: لا يُكَفِّر بعضكم بعضًا، كأن يقول أحد الفريقين للآخر: يا كافر، فيَكْفُرُ أحدهما [«فتح» (14) / (174) – (175) «كتاب الديات» حديث ((6875))].
[تاسعها]: المراد سَتْرُ الحقّ، والكفر لغةً: الستر؛ لأن حقّ المسلم على المسلم أن ينصره ويُعينه، فلما قاتله كأنه غطّى على حقّه الثابت له عليه.
[عاشرها]: أن الفعل المذكور يُفضي إلى الكفر؛ لأن من اعتاد الهُجُوم على كبار المعاصي جرّه شؤم ذلك إلى أشدّ منها، فيُخشى أن لا يُختَم له بخاتمة الإسلام.
قال: واستَشْكَلَ بعضُ الشرّاح غالبَ هذه الأجوبة بأنّ راوي الخبر – وهو أبو بكرة – رضي الله عنه -، فَهِم خلاف ذلك.
والجواب أن فهمه ذلك إنما يُعْرَف من توقّفه عن القتال، واحتجاجه بهذا الحديث، فيحتمل أن يكون توقّفه بطريق الإحتياط؛ لما يحتمله ظاهر اللفظ، ولا يلزم أن يكون يعتقد حقيقة كُفْر من باشر ذلك، ويؤيّده أنه لم يمتنع من الصلاة خلفهم ولا امتثال أوامرهم ولا غير ذلك، مما يدلّ على أنه لا يعتقد فيهم حقيقته. انتهى [«فتح» (14) / (521) «كتاب الفتن» حديث ((7077))].
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يَضْرِبْ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ)) بجزم «يَضْرِبْ» على أنه جواب النهي، وبرفعه على الإستئناف أو يُجعل حالًا، فعلى الأول يُقوّي الحمل على الكفر الحقيقيّ، ويحتاج إلى التأويل بالمستحلّ مثلًا، وعلى الثاني لا يكون متعلّقًا بما قبله، ويحتمل أن يكون متعلّقًا وجوابه ما تقدّم، قاله في «الفتح» [«فتح» (14) / (521) حديث ((7077))].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): ما ورد في خروج الأمة بعضها على بعض من غير حديث الباب:
– عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله – لا -: ((لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض)). رواه البخاري ((9) / (63)).
– عن حذيفة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله – لا -: ((إن ما أتخوف عليكم رجل قرأ القرآن؛ حتى إذا رئيت بهجته عليه، وكان ردئًا للإسلام، غيّره إلى ما شاء الله، فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك)).
قال: قلت: يا نبي الله أيهما أولى بالشرك المرمي أم الرامي؟ قال: ((بل الرامي))
[رواه ابن حبان ((1) / (148) – (149)) وأبو يعلى – كما في تفسير ابن كثير ((2) / (226)) والبزار ((7) / (220)) ورواه البخاري في تاريخه ((4) / (301)) مقتصرًا على شطره الأول، وقال ابن كثير: إسناده جيد].
– عن كرز بن علقمة الخزاعي، قال: قال رجل: يا رسول الله هل للإسلام من منتهى؟ قال «أيما أهل بيت» وقال في موضع آخر، قال: «نعم، أيما أهل بيت من العرب أو العجم أراد الله بهم خيرًا أدخل عليهم الإسلام». قال: ثم مه؟ قال: «ثم تقع الفتن كأنها الظلل»، قال: كلا والله إن شاء الله، قال: «بلى والذي نفسي بيده، ثم تعودون فيها أساود صبًّا يضرب بعضكم رقاب بعض».
وقرأ على سفيان قال الزهري: «أساود صُبًّا» قال سفيان: الحية السوداء تنصب، أي: ترتفع. ((3387))
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح. وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري ومسلمًا أن يخرجاها.
– عن أبي عمران الجوني، قال قلت لجندب: إني قد بايعت هؤلاء -يعني ابن الزبير- وإنهم يريدون أن أخرج معهم إلى الشام، فقال: أمسك. فقلت: إنهم يأبون؟ قال: افتد بمالك. قال قلت: إنهم يأبون إلا أن أقاتل معهم بالسيف؟ فقال جندب حدثني فلان: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «يجيء المقتول بقاتله يوم القيامة، فيقول: يا رب سل هذا فيم قتلني؟ -قال شعبة: وأحسبه قال: فيقول علام قتلته؟ – فيقول: قتلته على ملك فلان» قال فقال جندب فاتقها. ((3388)) هذا حديث صحيحٌ.
– عن إسماعيل عَنْ قَيْسٍ عن الصُّنابِحِ الأحْمَسِيِّ، قال: قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ألا إنِّي فَرَطُكُمْ عَلى الحَوْضِ وإنِّى مُكاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ، فَلا تَقْتَتِلُنَّ بَعْدِي». ((3389))
هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخين. وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري ومسلمًا أن يخرجاها.
– عن ربيعة بن كلثوم، حدثني أبي، قال سمعت أبا غادية، يقول: بايعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. قال أبو سعيد: فقلت له بيمينك؟ قال: نعم. قالا جميعًا في الحديث: وخطبنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم العقبة، فقال: «يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى يوم تلقون ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت؟» قالوا نعم قال «اللهم اشهد»، ثم قال: «ألا لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض».
هذا حديث صحيحٌ. ((3390))
وأبو الغادية هذا هو قاتل عمار بن ياسر رضي الله عنه، فكان الناس يتعجبون من جرأته بعد روايته هذا الحديث، نسأل الله السلامة، ونعوذ بالله من الفتن”، ثم ذكر حديث الباب. انتهى بتصرف يسير.
عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله زَوَى (أي جمع) لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أُمَّتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها، وأعطيتُ الكنزين الأحمر والأبيض (المراد بالكنزين الذهب والفضة، والمراد كنزا كسرى وقيصر، ملكي العراق والشام)، وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأنْ لا يُسلِّط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم (أي جماعتهم وأصلهم، والبيضة أيضًا: العز والملك)، وإن ربي قال: يا محمدُ، إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يُرد، وإني أعطيتك لأمَّتك أن لا أهلكهم بسنةٍ عامة (أي لا أهلكهم بقحط يعمهم، بل إن وقع قحط فيكون في ناحية يسيرة، بالنسبة إلى باقي أرض الإسلام)، وأن لا أسلط عليهم عدوًا من سوى أنفسهم يستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم منْ بأقطارها – أو قال من بين أقطارها – حتى يكون بعضهم يُهلك بعضًا، ويسبي بعضهم بعضًا» [رواه مسلم: (2889)].
وعن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية، حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين، وصلينا معه، ودعا ربه طويلاً، ثم انصرف إلينا، فقال صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي ثلاثًا، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة: سألتُ ربي أن لا يهلك أمتي بالسَّنة فأعطانيها، وسألته أن لا يُهلك أمتي بالغرق فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» [رواه مسلم: (2890)].
وعن جابر قال: لما نزلت هذه الآية: “قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ”، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعوذ بوجهك» قال: “أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ” قال: «أعوذ بوجهك» “أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَاسَ بَعْضٍ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «هذا أهون» أو: «هذا أيسر» [رواه البخاري: (4628)].
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مشت أمتي بالمطيطاء (هي مشية فيها تبختر ومد اليدين) وخدمها أبناء الملوك، أبناء فارس والروم، سلّط شرارها على خيارها» [رواه الترمذي: (2261)].
وعن عقبة بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عقوبة هذه الأمة بالسيف» (أي يقتل بعضهم بعضًا في الدنيا) [رواه الخطيب في التاريخ: (1/ 317)].
وعن أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أريت ما تلقى أمتي من بعدي، وسفك بعضهم دماء بعض، وكان ذلك سابقًا من الله كما سبق في الأمم قبلهم، فسألته أن يوليني شفاعة فيهم يوم القيامة ففعل» صحيح [رواه الحاكم: (1/ 68)].
وعن حذيفة قال: [سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة؟ فقال: {علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو} ولكن أخبركم بمشاريطها، وما يكون بين يديها: إن بين يديها فتنة وهرجا. قالوا: يا رسول الله! الفتنة قد عرفناها فالهرج ما هو؟ قال: بلسان الحبشة: القتل، ويلقى بين الناس التناكر فلا يكاد أحد أن يعرف أحدا].
و عن سعيد بن زيد قال: [كنا عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر فتنة فعظم أمرها، فقلنا أو قالوا: يا رسول الله، لئن أدركتنا هذه لتهلكنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلا، إن بحسبكم القتل؛ قال سعيد: فرأيت إخواني قتلوا].
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) [لَياتينَّ على الناس زمان، لا يدري القَاتِلُ في أَيِّ شيء [قَتَلَ]، ولا يدري المقتولُ في أَي شيء قُتِلَ؟ قيل: وكيف؟ قال: الهَرْجُ، القَاتِلُ والمقتولُ في النار] مسلم.
حديث أبي موسى الاشعري عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال [أن بين يدي الساعة الهرج , قالوا: وما الهرج؟ قال: القتل , قالوا: أكثر مما نقتل؟ إنا لنقتل في العام الواحد أكثر من سبعين ألفا!! قال: إنه ليس بقتلكم المشركين , ولكن قتل بعضكم بعضا.
قالوا: ومعنا عقولنا يومئذ؟
قال: إنه لينزع عقول أكثر أهل ذلك الزمان ويخلف له هباء من الناس؛ يحسب أكثرهم انه على شيء وليسوا على شيء].
وعن حذيفة بن اليمان (رضي الله عنه): قال [كنا مع رسولِ الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: [أحصوا لي كم يَلْفِظُ الإسلام؟ فقلنا: يا رسولَ الله أتخافُ علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ قال: إنكم لا تدرون، لعلكم أن تُبْتَلوْا، فَابتُلينا، حتى جعل الرجل منَّا لا يُصَلِّي إلا سِرا].
قال شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية (4\ 343): “والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء؛ فصار الأكابر رضي الله عنهم عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها , وهذا شأن الفتن؛ كما قال تعالى {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}. وإذا وقعت الفتنة لم يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله”.
(المسألة الثانية): تحريم قتال المسلمين والتشديد في ذلك
قال حمود التويجري رحمه الله في (إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة) في: “تحريم قتال المسلمين والتشديد في ذلك:
عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي لا؛ قال: «من حمل علينا السلاح؛ فليس منا».
رواه: الشيخان، والترمذي، وابن ماجه. وقال الترمذي: «حديث حسن صحيح».
ولفظ ابن ماجه: «من شهر علينا السلاح؛ فليس منا».
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه عن النبي لا؛ قال: «من سل علينا السيف؛ فليس منا».
رواه: الإمام أحمد، ومسلم، والدارمي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله لا: «من رمانا بالنبل؛ فليس منا».
رواه الإمام أحمد. قال الهيثمي: «وفيه يحيى بن أبي سليمان؛ وثقه ابن حبان، وضعفه آخرون، وبقية رجاله رجال الصحيح».
قلت –القائل الشيخ حمود-: إذا كان الأمر هكذا فيمن رمى المسلمين بالنبل؛ فكيف بمن رماهم بالقنابل ونحوها من الأسلحة المدمرة التي تهلك الحرث والنسل؛ كما يفعله بعض المنتسبين إلى الإسلام في زماننا؟!
وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى: {ومِنَ النّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الحَياةِ الدُّنْيا ويُشْهِدُ اللَّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وهُوَ ألَدُّ الخِصامِ وإذا تَوَلّى سَعى فِي الأرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها ويُهْلِكَ الحَرْثَ والنَّسْلَ واللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسادَ وإذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أخَذَتْهُ العِزَّةُ بِالإثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ولَبِئْسَ المِهادُ}.
وعن أبي هريرة أيضا رضي الله عنه، عن النبي لا؛ قال: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من النار». متفق عليه.
وفي رواية لمسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال أبو القاسم لا: «من أشار إلى أخيه بحديدة؛ فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه، وإن كان أخاه لأبيه وأمه». ورواه الإمام أحمد بنحوه.
ورواه الترمذي مختصرا، وقال: «هذا حديث حسن صحيح غريب»، قال: «وفي الباب عن أبي بكرة وعائشة وجابر رضي الله عنهم».
وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله لا: «لا يشهرن أحد على أخيه بالسيف؛ لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من حفر النار». رواه الطبراني.
وعن الحسن – البصري – عن الأحنف بن قيس؛ قال: خرجت وأنا أريد هذا الرجل، فلقيني أبو بكرة رضي الله عنه، فقال: أين تريد يا أحنف؟ قال: قلت: أريد نصر ابن عم رسول الله – يعني: عليا – قال: فقال لي: يا أحنف ارجع؛ فإني سمعت رسول الله لا يقول: «إذا تواجه المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار». قال: فقلت (أو قيل): يا رسول الله! هذا القاتل؛ فما بال المقتول؟ قال: ((إنه قد أراد قتل صاحبه)). رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وهذا لفظ مسلم.
وفي رواية للبخاري: سمعت رسول الله لا يقول: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار. فقلت: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه».
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله لا: «سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر».
رواه: الإمام أحمد، وأبو داود الطيالسي، والشيخان، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي لا: أنه قال في حجة الوداع:
«ويحكم (أو قال: ويلكم)؛ لا تراجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض».
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
زاد النسائي: «ولا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه».
وعن جرير رضي الله عنه؛ قال: قال لي رسول الله لا في حجة الوداع: «استنصت الناس. ثم قال: لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض».
رواه: أبو داود الطيالسي، والشيخان، والنسائي، وابن ماجه، والدارمي.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه: أن رسول الله لا قال في خطبته يوم النحر: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض».
رواه: الإمام أحمد، والشيخان، وهذا لفظ البخاري.
ولفظ مسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارًا أو ضلالًا يضرب بعضكم رقاب بعض».
ورواه: أبو داود الطيالسي، والنسائي، ولفظهما؛ قال: «لا ترجعوا بعدي كفارًا أو ضلالًا يضرب بعضكم رقاب بعض».
ورواه ابن ماجه بإسناد صحيح، ولفظه: عن الصنابح الأحمسي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله لا: «ألا إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم الأمم؛ فلا تقتلن بعدي». ورواه الإمام أحمد بنحوه، وإسناده صحيح”. انتهى بتصرف يسير.
(المسألة الثالثة): أسباب القتال بين المسلمين- هي الأسباب التي تسبب الفرقة-:
فمن أسباب ذلك:
1) نزغ الشيطان.
وهو إفساده، قال تعالى: {وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الّتي هِيَ أحسَنُ إنّ الشَيطَانَ يَنَزَغُ بَيَنَهُم إن الشَيطَانَ كَانَ للإنَسانِ عَدُوّاً مُبِيناً} [الإسراء: 53]،
وعن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم)) [رواه مسلم: (2812)]. فهو يسعى فيما يدعو للقتال وتفرقة الصفوف.
وعن سليمان بن صرد رضي الله عنه، قال: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان فأحدهما احمر وجهه وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
((إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان ذهب عنه ما يجد))، فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعوذ بالله من الشيطان، فقال: “وهل بي جنون”. [رواه البخاري: (3282) , ومسلم: (2610)].
وفي هذا يقول:
وإِنِّي لَتَرَّاكُ الضَّغِينَةِ قَدْ بَدَا *** ثَرَاها مِن المَوْلَى فلا أَسْتَثِيرُها
مَخَافَةَ أَنْ تَجْنِي علَيَّ، وإِنَّمَا *** يَهيجُ كَبِيرَاتِ الأُمورِ صَغيرُها
2) الغضب.
فقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أوصِني.
فقال: لا تَغضب. فردَّدَ مراراً، قال: ((لا تَغضب)). [رواه البخاري: (6116)].
3) المراء.
عن أبي أمامة رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)) [رواه أبو داود: (4800) , وحسنه الألباني في صحيح الجامع: (1464)].
4) النميمة:
عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه، أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَجُلاً يَنِمُّ الْحَدِيثَ.
فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: ((لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ)) [رواه مسلم: (105)].
5) الحسد.
6) كثرة المزاح.
7) العُجب والكبر.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أنه لا يدخل الجنة مَن كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر.
8) سوء الظن.
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]،
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا)) [رواه مسلم: (2563)].
9) التنافس على الدنيا.
والمراد التنافس المذموم، فعن عمرو بن عوف رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((والله ما الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا كما بُسِطَتْ على من كان قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كما تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كما أَهْلَكَتْهُمْ)). [رواه البخاري: (4015) , ومسلم: (2961)].
(المسألة الرابعة): أسباب الألفة، ومن ذلك:
1 – 3. فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه، مرفوعًا: ((ثلاث لا يُغِل عليهن صدر مسلم: إخلاص العمل لله عز وجل، ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين … )) [رواه أحمد: (13350) , وصححه الألباني في صحيح الجامع: (6766)].
قال ابن الأثير رحمه الله: “إن هذه الخلال الثلاث تُستصلح بها القلوب، فمن تمسك بها طهر قلبه من الخيانة والدخل والشر”. [النهاية لابن الأثير: (3/ 381)].
4) دعاء الله تعالى.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10].
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي واهد قلبي وسدد لساني وثبت حجتي واسلل سخيمة قلبي)) [رواه أبو داود: (1510) , وأحمد: (1997). وصححه الألباني في صحيح الجامع: (3485)]، والسخيمة: الغل والحقد.
5) الإقبال على كتاب الله تعالى.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].
6) أن يعود المرء نفسه على محبة الخير للمسلمين، وأن يتمنى النعمة لهم، ويربي أولاده على هذا الشعور؛ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه، عنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُؤْمِنُ عَبْدٌ
حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ – أَوْ قَالَ لأَخِيهِ – مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)) [رواه البخاري: (13) , ومسلم: (45) واللفظ له].
7) تحقيق الإيمان بالقضاء والقدر، ورضا العبد عن ربه وامتلاء قلبه به.
8) إفشاء السلام بين المسلمين؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)) [رواه مسلم: (54)].
9) الابتسامة.
10) الهدية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((تهادوا تحابّوا)) [رواه البخاري في الأدب المفرد: (594). وحسنه الألباني في صحيح الجامع: (3004)].
11) الحرص على ما ينفعه عند مخالطة الناس؛ وفي الحديث عن النبي [صلى الله عليه وسلم]: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) [رواه ابن ماجه: (3976) , وأحمد: (1737) , رواه الترمذي: (2317) , وصححه الألباني في صحيح الجامع: (5911)].
12) اختيار الألفاظ المناسبة في الحديث مع الناس؛ قال تعالى: {وَقُل لِعِبَادِي يَقُولُوا الّتي هِىَ أحسَنُ إنّ الشَيطَانَ يَنَزَغُ بَيَنَهُم إن الشَيطَانَ كَانَ للإنَسانِ عَدُوّاً مُبِيناً} [الإسراء: 53].
(المسألة الخامسة): الفوائد:
(1) – (منها): بيان مقاتلة المؤمنين بعضهم بعضًا، وأن ذلك ينافي الإيمان، وأنه من سمة أهل الكفر.
(2) – (ومنها): أن الإنصات للعلماء والتوقير لهم لازم للمتعلّمين؛ قال الله تعالى: {لا تَرْفَعُوا أصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات (2)]، فتوقير النبيّ – لا -واجب فكذلك العلماء؛ لأنهم ورثة النبيّ – لا -، فهم يُحيُون سنّته، ويدعون الناس إليها، ويذبّون عنها وعن حريمها، فلهم الإجلال والإحترام.
(3) – (ومنها): أن الإنصات سبب لفتح باب العلم، قال سفيان الثوريّ وغيره: أوّل العلم الإستماع، ثم الإنصات، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر.
وعن الأصمعيّ تقديم الإنصات على الإستماع، وقد ذكر عليّ ابن المدينيّ أنه قال لابن عُيينة: أخبرني معتمر بن سليمان، عن كَهْمَس، عن مُطرّف، قال: الإنصات من العينين، فقال ابن عيينة: وما نَدْرِي كيف ذلك؟، قال: إذا حَدَّثتَ رجلًا فلم ينظر إليك لم يكن منصتًا. انتهى.
قال الحافظ: وهذا محمول على الغالب. ذكره في «الفتح» [«فتح» (1) / (493) – (494) «كتاب العلم» حديث ((121))].
(4) – (ومنها): بيان تحريم دم المسلم على المسلم.
(5) – (ومنها): تحذير الأمّة من وقوع ما يُحْذَر منه.
(6) – (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله تعالى: وفيه ما يدلّ على أن النبيّ – لا – كان يَعْلَم ما يكون بعده في أمّته من الفِتَن والتَّقاتُل، ويدلّ أيضًا على قرب وقوع ذلك من زمانه، فإنه خاطب بذلك أصحابه وظاهره أنه أرادهم؛ لأنه بهم أعنى وعليهم أحنى، ويَحتَمِلُ غير ذلك. انتهى [«المفهم» (1) / (256) «كتاب الإيمان»].
(7) – (ومنها): ما قاله المازريّ رحمه الله تعالى: أنه تعلّق بهذا الحديث –أي: «لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفّارًا، يَضْرِبْ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ» – من أنكر حجيّة الإجماع من أهل البدع، قال: لأنه نَهى الأمة بأسرها عن الكفر، ولولا جواز اجتماعها عليه، لما نهاها عنه، وإذا جاز اجتماعها على الكفر، فغيره من الضلالات أولى، وإذا كان ممنوعًا اجتماعها عليه لم يصحّ النهي عنه.
وهذا الذي قاله خطأ؛ لأنّا إنما نشترط في التكليف أن يكون ممكنًا متأتّيًا من المكلّف، هذا أيضًا على رأي من منع تكليف ما لا يُطاق، واجتماع الأمة على الكفر وإن كان ممتنعًا، فإنه لم يمتنع من جهة أنه لا يمكن ولا يتأتّى، ولكن من جهة خبر الصادق عنه أنه لا يقع، وقد قال الله تعالى: {لَئِنْ أشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} الآية [الزمر (65)]، والشرك قد عُصم منه النبيّ – لا -، وبعد هذا نزل عليه مثل هذا، على أن المراد بهذا الخطاب كلّ واحد في عينه أو جمهور الناس، وهذا لا يُنكر أحدٌ أن يكون مما يصحّ حمل هذا الخطاب عليه. انتهى المقصود من كلام القاضي [«إكمال المعلم بفوائد مسلم» (1) / (323) «كتاب الإيمان»]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل. [البحر المحيط الثجاج].