1192 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1192):
قال أبو داود (ج (3) ص (295)): حدثنا عبدة بن عبد الله أخبرنا يحيى بن آدم حدثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان يسلم عن يمينه «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته» وعن شماله «السلام عليكم ورحمة الله».
هذا حديث صحيحٌ، ورجاله ثقات.
===================
تخريج الحديث:
بيان شذوذ لفظة (وبركاته) ففي سنن أبي داود:
[حكم الألباني] على الحديث:
صحيح وعزاه لمسلم
قال محقق سنن أبي داود طبعة المعارف … : لم أجده في مسلم ولم يعزه الألباني إليه في التخريج المطول
– علقمة بن وائل بن حُجْر مختلف في سماعه من أبيه.
قال ابن حجر: عَلْقَمَةَ صدوق إلا أنه لم يسمع من أبيه. تقريب التهذيب: (1/ 689)
قال ابن معين: لم يسمع من أبيه شئيا
تحفة التحصيل في المراسيل: (1/ 360)
وحكى العسكري، عن ابن معين أنه قال: علقمة بن وائل عن أبيه مرسل
تهذيب التهذيب: (3/ 141)
وقد ذكر أبو أحمد العسكري: أن يحيى بن معين سئل عن علقمة عن أبيه؟ فقال: مرسل
إكمال تهذيب الكمال: (9/ 275)
والراجح أنه لم يثبت زيادة وبركاته لا في التسليمة الأولى ولا الثانية
ففي بحث لبعض الباحثين … : تفرد بزيادة وبركاته على اليمين موسى بن قيس وخالفه شعبة وغيره وممن ضعفها النووي. ولا يصح حديث في زيادة وبركاته
والراجح رواية سفيان عند أحمد وشعبة والعلاء ثلاثتهم عن سلمة بن كهيل به بلفظ: يسلم عن يمينه ويساره ليس فيها لفظ السلام فرواية موسى بن قيس شاذة
ثم الراجح في رواية أبي داود التي فيها (وبركاته) إسقاطها حيث لم يذكرها عبدالحق وابن الاثير وابن حجر والزيلعي وابن رجب.
والبغوي أخرجها من طريق أبي داود بدونها ولبعض الأصحاب بحث توصل أنها غير ثابتة في النسخ الخطية لسنن أبي داود وصور كل ذلك في بحثه
ورد فيها على المشايخ الذين أثبتوها
وكذلك بحث الباحث زيادة وبركاته في حديث ابن مسعود ورجح عدم صحتها
وللسلام شواهد منها: حديث سعد بن أبي وقاص، أخرجه مسلم في “صحيحه” (2/ 91) برقم: (582) قَالَ: كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ.
وكذلك ورد من حديث عمار وهو في الصحيح المسند 982
كان صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده (السلام عليكم ورحمة الله. السلام عليكم ورحمة الله)
الحديث سيكون من وجوه:
ذكر الحديث الإمام أبو داود رحمه الله في السنن، كتاب الصلاة، بابٌ فِي السَّلامِ، (997).
وصححه الألباني.
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
كتاب الصلاة، (123) – التسليم في الصلاة، (994).
وانظر: (مصنف ابن أبي شيبة)، كتاب الصلوات، باب: مَن كانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلاةِ تَسْلِيمَتَيْنِ وباب: مَن كانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً واحِدَةً.
الأول: شرح الحديث:
الصَّلاة عِمادُ الدِّينِ، وقد علَّمَنا النَّبيُّ كيفيَّاتِها وهيئاتِها وأقوالَها وأفعالَها، ولا بدَّ للمُسلِمِ أن يُراعِيَ في الصَّلاةِ السُّننَ الصَّحيحةَ الواردةَ عنه صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم، ولا يتَساهَلَ في هذه الكيفيَّاتِ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ وائلُ بنُ حُجْرٍ رَضِي اللهُ عَنْه: “صلَّيتُ معَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم فكان يُسلِّمُ”، أي: فكان سَلامُه وانصرافُه مِن الصَّلاةِ “عَن يَمينِه”، أي: يَلتَفِتُ بوجهِه نحوَ الجِهَةِ اليُمْنى، ويَقولُ: “السَّلامُ علَيكُم ورحمةُ اللهِ وبرَكاتُه، وعن شِمالِه”، أي: ثمَّ يَلتَفِتُ بوجهِه للجهةِ اليُسْرى، ويقولُ: “السَّلامُ عليكُم ورحمةُ اللهِ”
قال الشوكانىِ في «النيل»: زاد أبو داود من حديث وائل «وبركاته»، وأخرجها أيضًا ابن حبان في «صحيحه» من حديث ابن مسعود، وكذلك ابن ماجه من حديثه.
قال الحافظ في «التلخيص»: فيتعجب من ابن الصلاح حيث يقول: إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث إلّا في رواية وائل بن حجر.
وقد ذكر لها الحافظ طرقًا كثيرة في «تلقيح الأفكار في تخريج الأذكار» لما قال النووي: إن زيادة «وبركاته» رواية فردة، ثم قال الحافظ بعد أن ساق تلك الطرق: فهذه عدة طرق تثبت بها «وبركاته»، بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ أنها رواية فردة، انتهى، وقد صحح أيضًا في «بلوغ المرام» حديث وائل المشتمل على تلك الزيادة. [بذل المجهود، الموسوعة الحديثية].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): الأحاديث
قال الشيخ في (الجامع الصحيح): (123) – التسليم في الصلاة
(991) – قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج (1) ص (296)): حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ عَيّاشٍ عَنْ أبِي إسْحاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ عَنْ عَمّارِ بْنِ ياسِرٍ قالَ: كانَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وعَنْ يَسارِهِ حَتّى يُرى بَياضُ خَدِّهِ «السَّلامُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ السَّلامُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ».
هذا حديث صحيحٌ.
(992) – قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج (1) ص (296)): حدثنا عبد الله بن عامر بن زرارة حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أبي موسى قال: صلى بنا علي يوم الجمل صلاة ذكرنا صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإما أن نكون نسيناها وإما أن نكون تركناها فسلم على يمينه وعلى شماله.
هذا حديث صحيحٌ.
(993) – قال الإمام النسائي رحمه الله (ج (3) ص (62)): أخْبَرَنا الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرانِيُّ عَنْ حَجّاجٍ قالَ ابْنُ جُرَيْجٍ أنْبَأنا عَمْرُو بْنُ يَحْيى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيى بْنِ حَبّانَ عَنْ عَمِّهِ واسِعِ بْنِ حَبّانَ: أنَّهُ سَألَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ صَلاةِ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ فَقالَ: اللهُ أكْبَرُ كُلَّما وضَعَ اللهُ أكْبَرُ كُلَّما رَفَعَ ثُمَّ يَقُولُ «السَّلامُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ» عَنْ يَمِينِهِ «السَّلامُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ» عَنْ يَسارِهِ.
هذا حديث صحيحٌ على شرط البخاري.
(994) – قال أبو داود رحمه الله (ج (3) ص (295)): حدثنا عبدة بن عبد الله أخبرنا يحيى بن آدم حدثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل عن علقمة بن وائل عن أبيه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان يسلم عن يمينه «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته»، وعن شماله «السلام عليكم ورحمة الله».
هذا حديث صحيحٌ، ورجاله ثقات” انتهى.
(المسألة الثانية): تلخيص صور التسليم من الصلاة
ثم يسلم عن يمينه، وهو ركن، حتى يرى بياض خده الأيمن.
وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر، ولو في صلاة الجنازة – ويرفع الإمام صوته بالسلام إلا في صلاة الجنازة.
وهو على وجوه:
الأول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عن يمينه. السلام عليكم ورحمة الله، عن يساره.
الثاني: مثله، دون قوله وبركاته.
الثالث: السلام عليكم ورحمة الله، عن يمينه. السلام عليكم، عن يساره.
الرابع: يسلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، يميل به إلى يمينه قليلا.
وكل ذلك ثبت في الأحاديث، وقد ذكرت مخرجيها في «صفة صلاة النبي – ? -»
[تلخيص الصفة فقرة (177) – (180)].
والسلسلة الصحيحة ((1) / (2) / (629)).و [جامع تراث العلامة الألباني في الفقه]
(المسألة الرابعة): في مذاهب العلماء في حكم السلام من الصلاة:
قال الحافظ ابن رجب –رحمه الله- في «شرح البخاريّ»:
أكثر العلماء على أنه لا يُخْرَج من الصلاة بدون التسليم؛ واستدلّوا بحديث: «تحليلُها التسليمُ».
وممن قال من الصحابة: تحليل الصلاة التسليم: ابن مسعود، وابن عباس، وحكاه الإمام أحمد إجماعًا.
وذهب طائفة إلى أنه يُخرَج من الصلاة بفعل كلّ مناف لها، من أكل، أو شرب، أو كلام، أو حدث، وهو قول الحكم، وحماد، والثوريّ، وأبي حنيفة وأصحابه، والأوزاعيّ، وإسحاق، ولم يفرّقوا بين أن يوجد المنافي باختيار المصلّي، أو بغير اختياره، إلا أبا حنيفة، فإنه قال: إن وُجد باختياره خرج من الصلاة بذلك، وإن وُجد بغير اختياره بطلت صلاته، وجعل الفرض الخروج منها بفعل المنافي باختيار المصلي لذلك، وخالفه صاحباه في اشتراط ذلك.
وقد حُكي عن طائفة من السلف أنّ من أحدث بعد تشهده تمّت صلاته، منهم: الحسن، وابن سيرين، وعطاء -على خلاف عنه- والنخعي، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب، وقد أنكر صحّته أحمد، وأبو حاتم الرازي، وغيرهما، وروي أيضًا عن ابن مسعود من طريق منقطع.
واستُدِلّ لهؤلاء بحديث ابن مسعود: «إذا قلت هذا، أو قضيت هذا، فقد قضيت صلاتك، فإن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد»، وقد اختُلِف في رفعه ووقفه على ابن مسعود، واختُلف في لفظه أيضًا، فرواه بعضهم، وقال: قال ابن مسعود: «فإذا فرغت من صلاتك، فإن شئت فاثبت، وإن شئت فانصرف». خرّجه البيهقي. وهذه الرواية تدلّ على أنه إنما خيّره إذا فرغ من صلاته، وإنما يفرغ بالتسليم، بدليل ما رَوى شعبة عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه، قال: «مفتاح الصلاة التكبير، وانقضاؤها التسليم، إذا سلّم الإمام فقم إن شئت».
قال البيهقي: وهذا أثر صحيح، وقال: ويكون مراد ابن مسعود الإنكار على من زعم أن المأموم لا يقوم حتى يقوم إمامه.
وحمل أبو حنيفة، وإسحاق حديثَ: «تحليلُها التسليم» على التشهد، وقالوا: يسمى التشهد تسليمًا، لما فيه من التسليم على النبيّ — والصالحين، وهذا بعيد جدًّا.
واستدلّوا أيضًا بما روى عبد الرحمن بن زياد الإفريقي، أن عبد الرحمن بن رافع، وبكر بن سوادة أخبراه عن عبد اللَّه بن عمرو، عن النبيّ –، قال: «إذا أحدث، وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلّم جازت صلاته»، أخرجه الترمذيّ، وقال: إسناده ليس بالقويّ، وقد اضطربوا في إسناده، والإفريقي ضعّفه القطّان، وأحمد بن حنبل. وخرّجه أبو داود بمعناه. وخرّجه الدارقطني، ولفظه: «إذا أحدث بعدما يرفع رأسه من آخر سجدة، واستوى جالسًا تمّت صلاته».
وقد رُوي بهذا المعنى عن الإفريقي، عن عبد اللَّه بن يزيد، عن عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا، وهذا اضطراب منه في إسناده كما أشار إليه الترمذي، ورفعه منكر جدًّا، ولعله موقوف، والإفريقي لا يُعتَمَد على ما ينفرد به.
قال حرب: ذُكِر هذا الحديث لأحمد، فردّه، ولم يصحّحه.
وقال الجُوزجاني: هذا الحديث لا يبلغ القوة أن يدفع أحاديث «تحليلُها التسليم».
وأجاب بعضهم عن هذا، وعن حديث ابن مسعود -على تقدير صحّتها- بالنسخ، واستدّل بما رَوى عُمر بن ذرّ، عن عطاء بن أبي رباح، قال: كان النبيّ — إذا قعد في آخر صلاته قدر التشهد أقبل على الناس بوجهه، وذلك قبل أن ينزل التسليم، خرّجه البيهقي، وخرّجه وكيع في كتابه عن عُمر بن ذرّ، عن عطاء بمعناه، وقال: حتى نزل التسليم.
ورُوي عن عمر أن النبيّ — كان يُصلي في أول الإسلام ركعتين، ثم أمر أن يصلي أربعًا، فكان يسلّم بين كل ركعتين، فخشينا أن ينصرف الصبي والجاهل يرى أنه قد أتمّ الصلاة، فرأيت أن يخفي الإمام التسليمة الأولى، ويعلن بالثانية، فافعلوا. خرّجه الإسماعيلي، وإسناده ضعيف.
ولم يَقُل بذلك أحد من علماء المسلمين أن الصلاة الرباعية المكتوبة يُسلَّم فيها مرتين، مرة في التشهد الأول، ومرة في الثاني، ولكن الإمام يسرّ السلام الأول، ويُعلن بالثاني، والأحاديث كلّها تدلّ على أنه لم يكن يُسلَّم فيها إلا مرة واحدة في التشهد الثاني خاصّة. انتهى كلام الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى بتصرف يسير [«فتح الباري شرح صحيح البخاري» لابن رجب (7) / (376) – (380)].
وقال النووي رحمه الله تعالى في «شرحه»:
(واعلم): أن السلام ركن من أركان الصلاة، وفرض من فروضها، لا تصحّ الصلاة إلا به، هذا مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم.
وقال أبو حنيفة –رحمه الله-: هو سنّة، ويحصل التحلل من الصلاة بكلّ شيء يُنافيها، من سلام، أو كلام، أو حدَث، أو قيام، أو غير ذلك.
واحتجّ الجمهور بأن النبيّ — كان يسلّم، وثبت في «صحيح البخاري» أنه — قال: «صلّوا كما رأيتموني أصلي»، وبالحديث الآخر: «تحريمُها التكبيرُ، وتحليلُها التسليمُ». انتهى كلام النووي –رحمه الله-.
قال الأثيوبي عفا اللَّه تعالى عنه: حديث «مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم». رواه أحمد، وأصحاب السنن إلا النسائيّ، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه، يصلح للاحتجاج به.
وقد استَدَلَّ به الجمهور على وجوب السلام، قالوا: إن الإضافة تقتضي الحصر، فكأنه قال: جميع تحليلها التسليم، أي: انحصر تحليلها في التسليم، لا تحليل لها غيره.
ولأن النبيّ — كان يسلّم من صلاته، ويديم ذلك، ويواظب عليه، ولا يُخلّ به، وقد قال: «صلّوا كما رأيتموني أصلي»،
ولأنه قد تواتر العمل عليه من لدن صاحب الشريعة إلى يومنا هذا، وتلقّاه الكافّة عن الكافّة طبقة عن طبقة، فهو ثابت متواتر عملًا.
وأما ما قيل: من أن النبيّ — لم يعلّم السلام المسيء في صلاته، ولو وجب لأمره به؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، ففيه أن النبيّ — لم يعلّمه كلّ الواجبات، بدليل أنه لم يعلّمه التشهد، والقعود، وغيرهما، ويَحْتَمِل أنه اقتصر على تعليمه ما رآه أساء فيه.
وأما ما روي أن رسول اللَّه — «صلّى الظهر خمسًا، فلما سلّم أُخْبِر بصنيعه، فثَنى رجله، فسجد سجدتين»، أخرجه الجماعة عن ابن مسعود –رضي الله عنه- بطرق متعددة، وألفاظ مختلفة.
قال الطحاويّ: في هذا الحديث أنه أدخل في الصلاة ركعةً من غيرها قبل التسليم، ولم يَرَ ذلك مُفسدًا للصلاة، فدلّ ذلك على أن السلام ليس من أصلها، ولو كان واجبًا وجوب السجدة في الصلاة لكان حكمه أيضًا كذلك، ولكنه بخلافه، فهو سنّة.
ففيه أنه ليس فيه إلّا تأخير السلام، لا تركه رأسًا، وهذا لا يدلّ على كون السلام من غير أصل الصلاة، مع أن ذلك كان في حالة النسيان، وعلى ظنّ عدم الزيادة والإدخال، والكلام هنا فيمن ترك السلام عمدًا، وخرج من الصلاة بغير السلام مما ينافي الصلاة.
وأما ما روي عن عبد اللَّه بن عمر –رضي الله عنهما- مرفوعًا: «إذا أحدث الرجل، وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلّم، فقد جازت صلاته»، أخرجه أبو داود، والترمذيّ.
ففيه أنه حديث ضعيف مضطرب، قد تفرّد به عبد الرحمن بن زياد بن أنعُم الإفريقي، وقد ضعفه أكثر الحفّاظ، قال الترمذيّ –رحمه الله- بعد إخراجه: ليس إسناده بذاك القويّ، وقد اضطربوا في إسناده. انتهى. فقد جمع بين ضعف الراوي، والاضطراب.
وفيه أيضًا أنه مخالف للحديث الصحيح المذكور: «وتحليلُها التسليمُ»، فلا يقوى على معارضته.
قال الخطاّبي – رحمه الله – في «المعالم» (1) / (175): هذا الحديث ضعيف، وقد تكلّم الناس في بعض نقلته، وقد عارضته الأحاديث التي فيها إيجاب التشهد، والتسليم. انتهى.
وأما ما رُوي أن رسول اللَّه — أخذ بيد عبد اللَّه بن مسعود –رضي الله عنه-، فعلّمه التشهد في الصلاة، ثم قال: “إذا قلت هذا، أو قضيت هذا، فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد»، أخرجه أحمد، وأبو داود، والدارقطنيّ.
ففيه أن قوله: «إذا قلت هذا إلخ» مُدْرَج من قول ابن مسعود، قال الدارقطني: الصحيح أن قوله: «إذا قلت هذا، فقد قضيت صلاتك» من كلام ابن مسعود، فصله شَبابة، عن زهير بن معاوية، وجعله من كلام ابن مسعود، وقوله أشبه بالصواب ممن أدرجه، وقد اتفق مَن رَوى تشهد ابن مسعود على حذفه، كذا في «المنتقى».
قال الشوكانيّ: أما حديث ابن مسعود، فقال البيهقيّ في «الخلافيّات»: إنه كالشاذّ من قول عبد اللَّه، وإنما جعله كالشاذّ؛ لأن أكثر أصحاب الحسن بن الحُرّ لم يذكروا هذه الزيادة، لا من قول ابن مسعود مفصولةً من الحديث، ولا مدرجةً في آخره، وإنما رواه بهذه الزيادة عبد الرحمن بن ثابت، عن الحسن، فجعلها من قول ابن مسعود، وزهير بن معاوية عن الحسن، فأدرجها في آخر الحديث في قول أكثر الرواة عنه، ورواها شبابة بن سَوّار عنه مفصولة، كما ذكره الدارقطني.
وقد رَوى البيهقي من طريق أبي الأحوص، عن ابن مسعود ما يخالف هذه الزيادة بلفظ: «مفتاح الصلاة التكبير، وانقضاؤها التسليم، إذا سلم الإمام، فقم إن شئت». قال: وهذا الأثر صحيح عن ابن مسعود – رضي الله عنه -.
وقال ابن حزم –رحمه الله-: قد صحّ عن ابن مسعود إيجاب السلام فرضًا، وذكر رواية أبي الأحوص هذه عنه.
قال البيهقيّ: إن تعليم النبيّ — التشهد لابن مسعود كان قبل فرض التسليم، ثم فُرض بعد ذلك.
وقد صرّح بأن تلك الزيادة المذكورة في الحديث مدرجة جماعةٌ من الحفّاظ: منهم الحاكم، والبيهقي، والخطيب.
وقال البيهقي في «المعرفة»: ذهب الحفّاظ إلى أن هذا وهَمٌ من زهير بن معاوية.
وقال النوويّ في «الخلاصة»: اتفق الحفّاظ على أنها مدرجة. انتهى.
وقد رواه عن الحسن بن الحرّ حسين الجعفيّ، ومحمد بن عجلان، ومحمد بن أبان، فاتفقوا على ترك هذه الزيادة في آخر الحديث، مع اتفاق كلّ من روى التشهد عن علقمة وغيره عن ابن مسعود على ذلك. انتهى كلام الشوكاني –رحمه الله-.
وقد تأول القاضي أبو بكر ابن العربي في «شرح الترمذي» (2) / (199) حديث ابن مسعود هذا: بأنه إنما يَعْنِي به فقد قضيت صلاتك، فاخرج منها بتحليل كما دخلتها بإحرام. انتهى [راجع: «نيل الأوطار» (2) / (351) – (352)، و «مرعاة المفاتيح» (3) / (297) – (299)].
قال الأتيوبي عفا اللَّه تعالى عنه: قد تبيّن بما تقدم أن الحقّ كون هذه الزيادة مدرجةً من كلام ابن مسعود، وقد عارضها ما صحّ عنه عند البيهقي، وابن حزم من إيجابه السلام فرضًا، فلا تكون حجة أصلًا، وقد صح لدينا قوله –: «وتحليلها التسليم» مع مواظبته على التسليم من الصلاة من دون أن يوجد منه إخلال بذلك، ولو مرة واحدة، وقد قال: «صلّوا كما رأيتموني أصلي»، فهذه الأدلة ظاهرة في إيجاب السلام من الصلاة.
والحاصل أن ما عليه الجمهور من كون السلام ركنًا من أركان الصلاة التي لا تتم الصلاة إلا به هو الحقّ، لوضوح أدلّته.
وأما ما حاول به الشوكاني من ترجيح القول بعدم الوجوب فمما لا يعتمد عليه؛ لأنه لم يذكر دليلًا مقنعًا يردّ به أدلة الجمهور، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم التسليمتين:
قال الإمام أبو بكر بن المنذر –رحمه الله-: اختلف أصحاب رسول اللَّه –، ومن بعدهم في عدد التسليم،
فقالت طائفة: يسلم تسليمتين عن يمينه، وعن شماله، روي هذا القول عن أبي بكر الصدّيق، وعلي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وعبد اللَّه بن مسعود، ونافع بن الحارث، وعطاء بن أبي رباح، وعلقمة، والشعبي، وأبي عبد الرحمن السُّلَميّ، وبه قال سفيان الثوريّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.
وقالت طائفة: يسلّم تسليمة واحدة، كذلك قال ابن عمر، وأنس بن مالك، وعائشة أم المؤمنين، وسلمة بن الأكوع، والحسن، ومحمد بن سيرين، وعمر بن عبد العزيز، وبه قال مالك، والأوزاعيّ، وقال عمّار بن أبي عمّار: كان مسجد الأنصار يسلمون تسليمتين عن أيمانهم، وعن شمائلهم، وكان مسجد المهاجرين يسلّمون تسليمة واحدة.
وفيه قول ثالث: وهو أن هذا من الاختلاف المباح، فالمصلي مخيّر، إن شاء سلّم تسليمة، وإن شاء سلّم تسليمتين، قال بهذا القول بعض أصحابنا.
وكان إسحاق يقول: تسليمة تُجزي، وتسليمتان أحبّ إليّ.
قال ابن المنذر –رحمه الله-: كلّ من أحفظ عنه من أهل العلم يُجيز صلاة من اقتصر على تسليمة، وأحبّ أن يسلم تسليمتين، للأخبار الدّالة عن رسول اللَّه –، ويجزيه أن يسلّم تسليمة. انتهى كلام ابن المنذر – رحمه الله – باختصار [«الأوسط» (3) / (220) – (223)].
قال الأتيوبي عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن المنذر – رحمه الله – من مشروعية التسليمتين، وهو الذي عليه الجمهور كما تقدم هو المذهب الراجح؛ لكثرة الأحاديث الصحاح على وفقه.
قال الحافظ ابن رجب –رحمه الله-: وقد قال الإمام أحمد في رواية ابنه عبد اللَّه: ثبت عندنا عن النبيّ — من غير وجه أنه كان يُسلّم عن يمينه، وعن شماله حتى يُرى بياض خدّه.
وقال العُقيلي: الأحاديث الصحاح عن ابن مسعود، وسعد بن أبي وقّاص، وغيرهما في تسليمتين.
وقد روي عن النبيّ — أنه كان يسلّم تسليمة واحدة من وجوه لا يصحّ منها شيء، قاله ابن المديني، والأثرم، والعقيليّ، وغيرهم.
وقال الإمام أحمد: لا يُعرف عن النبيّ — في التسليمة الواحدة إلا حديثٌ مرسلٌ لابن شهاب الزهري، عن النبيّ –. انتهى.
ومراسيل ابن شهاب من أوهى المراسيل وأضعفها.
ومن أشهرها حديث زهير بن محمد، عن هشام بن عُروة، عن أبيه، عن عائشة أن النبيّ — كان يسلّم تسليمة واحدة تلقاء وجهه، ثم يميل إلى الشقّ الأيمن شيئًا، أخرجه الترمذي من رواية عمرو بن أبي سلمة التِّنِّيسيّ، عن زهير به، وقال: لا نعرفه مرفوعًا إلا من هذا الوجه، قال محمد بن إسماعيل: زُهير بن محمد أهل الشام يروون عنه مناكير، ورواية أهل العراق عنه أشبه.
وأخرجه ابن ماجه من طريق عبد الملك بن محمد الصنعاني، عن زُهير به مختصرًا.
وأخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما، وأخطأ فيما قال، فإن روايات الشاميين عن زهير مناكير عند أحمد، ويحيى بن معين، والبخاريّ، وغيرهم.
قال أحمد في رواية الأثرم: أحاديث التنّيسي عن زُهير بواطيل، قال: وأظنّه قال: موضوعة، قال: فذكرت له هذا الحديث في التسليمة الواحدة، فقال مثل هذا.
وذكر ابن عبد البرّ أن يحيى بن معين سُئل عن هذا الحديث؟ فضعّفه. وقال أبو حاتم الرازي: هو منكر، إنما هو عن عائشة موقوف، وكذا رواه وُهيب بن خالد، عن هشام، وكذا رواه الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن هشام، عن أبيه، موقوفًا، قال الوليد: فقلت لزهير: فهل بلغك عن رسول اللَّه — فيه شيء؟ قال: نعم، أخبرني يحيى بن سعيد الأنصاريّ أن رسول اللَّه — سلّم تسليمة واحدة.
قال العقيليّ: حديث الوليد أولى -يعني من حديث عمرو بن أبي سلمة- قال: وعمرو في حديثه وهَم، وقال الدارقطني: الصحيح وقفه، ومن رفعه فقد وهِمَ.
وأخرج النسائيّ من حديث سعد بن هشام، عن عائشة في صفة صلاة النبيّ — بالليل أنه كان يسلّم تسليمة يُسمعنا [أخرجه النسائيّ برقم ((1719))].
وأخرجه الإمام أحمد، ولفظه: يسلم تسليمة واحدة «السلام عليكم» يرفع بها صوته حتى يُوقظنا.
وقد حمله الإمام أحمد على أنه كان يجهر بالواحدة، ويسرّ الثانية.
ورَوى عبدُ الوهّاب الثقفيّ عن حميد، عن أنس، أن النبيّ — كان يُسلّم تسليمة واحدة. أخرجه الطبراني، والبيهقي، ورفعه خطأ، إنما هو موقوف، كذا رواه أصحاب حميد، عنه، عن أنس من فعله.
ورَوى جريرُ بن حازم، عن أيوب، عن أنس، أن النبيّ –، وأبا بكر، وعمر كانوا يسلمون تسليمة واحدة، أخرجه البزّار في «مسنده»، وأيوب رأى أنسًا، ولم يسمع منه، قاله أبو حاتم، وقال الأثرم: هذا حديث مرسل، وهو منكر، وسمعت أبا عبد اللَّه يقول: جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب.
ورَوى رَوح بن عطاء بن أبي ميمونة، ثنا أبي، عن الحسن، عن سَمُرَة، كان رسول اللَّه — يُسلّم في الصلاة تسليمة واحدة قُبالة وجهه، فإذا سّلم عن يمينه سلّم عن يساره، أخرجه الدارقطني، والعقيليّ، والبيهقيّ، وغيرهم، وأخرجه بَقِيُّ بن مَخْلَد مختصرًا، وروح هذا ضعّفه ابن معين وغيره، وقال الأثرم: لا يُحتجّ به.
وفي الباب أحاديث أُخَرُ لا تقوم بها حجة، لضعف أسانيدها.
وقد اختَلَف الصحابة، ومن بعدهم في ذلك، فمنهم من كان يُسلّم ثنتين، ومنهم من كان يُسلّم واحدة.
قال عمّار بن أبي عمّار: كان مسجد الأنصار يُسلّمون تسليمتين، ومسجد المهاجرين يُسلّمون تسليمة واحدة.
وأكثر أهل العلم على التسليمتين.
وممن رُوي عنه ذلك من الصحابة: أبو بكر، وعمر، وعليّ، وابن مسعود، وعمّار، وسهل بن سعد، ونافع بن عبد الحارث. وروي عن عطاء، والشعبي، وعلقمة، ومسروق، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعمرو بن ميمون، وأبي وائل، وأبي عبد الرحمن السُّلَميّ، وهو قول النخعيّ، والثوريّ، وأبي حنيفة، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبي عُبيد، وأبي ثور، وحُكي عن الأوزاعي.
ورُوي التسليمة الواحدة عن ابن عمر، وأنس، وعائشة، وسلمة بن الأكوع، ورُوي عن عثمان، وعليّ أيضًا، وعن الحسن، وابن سيرين، وعطاء أيضًا، وعمر بن عبد العزيز، والزهريّ، وهو قول مالك، والأوزاعيّ، والليث، وهو قولٌ قديم للشافعيّ، وحكاه أحمد عن أهل المدينة، وقال: ما كانوا يُسلّمون إلا واحدة، قال: وإنما حدثت التسليمتان في زمن بني هاشم، يعني في ولاية بني العبّاس، وقال الليث: أدركت الناس يُسلّمون تسليمة واحدة.
وقد اختُلف على كثير من السلف في ذلك.
فروي عنهم التسليمتان، وروي عنهم التسليمة الواحدة، وهو دليل على أن ذلك كان عندهم سائغًا، وإن كان بعضه أفضل من بعض، وكان الأغلب على أهل المدينة التسليمة الواحدة، وعلى أهل العراق التسليمتان.
وحُكي للشافعي قول ثالث قديم أيضًا، وقيل: إن الربيع نقله عنه، فيكون حينئذ جديدًا: أنه إن كان المصلي منفردًا، أو في جماعة قليلة، ولا لغط عندهم فتسليمة واحدة، وإلا فتسليمتان.
والقائلون بالتسليمتين أكثرهم على أنه لو اقتصر على تسليمة واحدة أجزأه، وصحّت صلاته، وذكره ابن المنذر إجماعًا ممن يَحفَظ عنه من أهل العلم.
وذهبت طائفة منهم إلى أنه لا يخرج من الصلاة إلا بتسليمتين معًا، وهو قول الحسن بن حيّ، وأحمد في رواية عنه، وبعض المالكيّة، وبعض أهل الظاهر.
واستدلّوا بقوله –: «تحليلها التسليم»، وقالوا: التسليم إلى ما عُهد منه فعله، وهو التسليمتان، وبقوله –: «صلّوا كما رأيتموني أصلي»، وقد كان يُسلّم تسليمتين.
ومن ذهب إلى قول الجمهور قال: التسليم مصدر، والمصدر يصدق على القليل والكثير، ولا يقتضي عددًا، فيدخل فيه التسليمة الواحدة.
واستدلّوا بأن الصحابة قد كان منهم من يُسلّم تسليمتين، ومنهم من يُسلّم تسليمة واحدةً، ولم ينكر هؤلاء على هؤلاء، بل قد رُوي عن جماعة منهم التسليمتان، والتسليمة الواحدة، فدلّ على أنهم كانوا يفعلون أحيانًا هذا، وأحيانًا هذا، وهذا إجماع منهم على أن الواحدة تكفي.
قال أكثر أصحاب أحمد: ومحلّ الخلاف عن أحمد في الصلاة المكتوبة، فأما التطوّع فيُجزئ فيه تسليمة، واستدلّوا بحديث عائشة في صلاة النبيّ — بالليل، وقد سبق ذكره.
وأخرج الإمام أحمد من حديث إبراهيم الصائغ، عن نافع، عن ابن عمر –رضي الله عنهما-، قال: كان رسول اللَّه — يفصل بين الشفع والوتر بتسليمة، يُسمعناها.
وقد تأوّل حديث عائشة في هذا المعنى على أنه كان يُسمعهم واحدةً، ويُخفي الثانية، وقد نصّ أحمد على ذلك، وأن الأُولى تكون أرفع من الثانية في الجهر.
وقد رَوى أبو رزين، قال: سمعت عليًّا يُسلّم في الصلاة عن يمينه، وعن شماله، والتي عن شماله أخفض.
ومن أصحاب أحمد من قال: يجهر بالثانية، ويخفض بالأولى، وهو قول النخعيّ. انتهى كلام الحافظ ابن رجب –رحمه الله- ببعض تصرف.
وقال العلّامة الشوكانيّ –رحمه الله- بعد ذكره اختلافَ أهل العلم في هذه المسألة:
والحقّ ما ذهب إليه الأولون -يعني القائلين بمشروعية التسليمتين- لكثرة الأحاديث الواردة بالتسليمتين، وصحة بعضها، وحسن بعضها، واشتمالها على الزيادة، وكونها مثبتة، بخلاف الأحاديث الواردة بالتسليمة الواحدة، فإنها مع قلّتها ضعيفة لا تنتهض للاحتجاج بها، ولو سُلّم انتهاضها لم تصلح لمعارضتها أحاديثَ التسليمتين، لما عرفت من اشتمالها على الزيادة.
وأما القول بمشروعية ثلاث [نقله الشوكانيّ عن عبد اللَّه بن موسى بن جعفر من أهل البيت، فإنه ذهب إلى أن الواجب ثلاث: يمينًا وشمالًا، وتلقاء وجهه، انظر: «نيل الأوطار» (2) / (345)]، فلعلّ القائل به ظن أن التسليمة الواحدة -يعني في حديث عائشة وغيرها- غير التسليمتين، فجمع بين الأحاديث بمشروعية الثلاث، وهو فاسد، وأفسد منه ما رواه في «البحر» عن البعض من أن المشروع واحدة في المسجد الصغير، وثنتان في المسجد الكبير. انتهى.
قال الأتيوبي عفا اللَّه تعالى عنه: ما قاله الشوكانيّ –رحمه الله- حسنٌ جدًّا.
وحاصله ترجيح قول الجمهور في مشروعية التسليمتين، وتفنيد الأقوال الأخرى؛ لعدم استنادها إلى دليل يصلح للاعتماد عليه، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
تنبيه: حديث: كان يفعله في النوافل كقيام الليل يعني التسليمة أعلها ابن القيم
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في صيغ السلام:
قال الحافظ ابن رجب –رحمه الله-: واختلفوا في صفة التسليم،
فقالت طائفة: صفة التسليم: «السلام عليكم ورحمة اللَّه»، وهذا مرويّ عن النبيّ — من وجوه، وإليه ذهب أكثر العلماء، ولو اقتصر على قوله: «السلام عليكم» أجزأه عند جمهورهم، ولأصحاب أحمد فيه وجهان.
وقالت طائفة: يزيد «وبركاته»، ومنهم الأسود بن يزيد، كان يقولها في التسليمة الأولى، وقال النخعي: أقولها، وأخفيها، واستحبّه طائفة من الشافعية.
وقد أخرج أبو داود من حديث وائل بن حُجر أنه صلّى مع النبيّ –، فكان يُسلّم عن يمينه: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته»، وعن شماله: «السلام عليكم ورحمة اللَّه».
ومن أصحاب أحمد من قال: إنما فعل ذلك مرّة لبيان الجواز.
قال الأتيوبي عفا اللَّه عنه: سيأتي الكلام على هذه الزيادة في المسألة التالية، إن شاء اللَّه تعالى.
قال: وكان من السلف من يقول في التسليمة الأولى: «السلام عليكم ورحمة اللَّه»، ويقتصر في الثانية على: «السلام عليكم»، وروي عن عمّار، وغيره، وقد تقدّم حديث ابن عمر المرفوع بموافقة ذلك.
وقالت طائفة: بل يقتصر على قوله: «السلام عليكم» بكلّ حال، وهو قول مالك، والليث بن سعد، وروي عن عليّ وغيره، وكذلك هو في بعض روايات حديث جابر بن سمرة المرفوع، وفي بعضها زيادة: «ورحمة اللَّه»، وقد أخرجه مسلم بالوجهين. انتهى كلام الحافظ ابن رجب –رحمه الله- بتصرّف يسير.
قال الأتيوبي عفا اللَّه عنه: الراجح عندي قول من قال: إنه يقول في التسليمتين: «السلام عليكم ورحمة اللَّه»، لكثرة الأحاديث الصحيحة الواردة بذلك، وأما ما ورد من الاقتصار على «السلام عليكم»، أو زيادة «وبركاته»، فيُحْمَل على بيان الجواز، فيُعمل به في بعض الأوقات، وأما اتخاذه مذهبًا دائمًا، فغير صواب؛ لمخالفته لأكثر الأحاديث الصحيحة، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): في الكلام على زيادة «وبركاته» في التسليم:
(اعلم): أنه ورد زيادة «وبركاته» في التسليم من الجانبين من حديث وائل بن حُجر –رضي الله عنه- مرفوعًا، ومن حديث عبد اللَّه بن مسعود – رضي الله عنه – مرفوعًا وموقوفًا، ومن حديث عمّار بن ياسر – رضي الله عنه – موقوفًا.
فأما حديث وائل – رضي الله عنه -، فأخرجه أبو داود في «سننه» على ما هو في النسخة الصحيحة، فإن نسخه قد اختَلَفت، فسقط من بعضها زيادتها في الثانية، وثبت في بعضها فيهما، وهي الصحيحة عندي، لما يأتي.
فأما النسخ التي ثبتت فيهما، فهي النسخة الهندية، وتوجد في «المكتبة المحموديّة» في المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة، وأزكى التحيّة، ونصّها – (1) / (138) -:
حدّثنا عَبْدة بن عبد اللَّه، أخبرنا يحيى بن آدم، أخبرنا موسى بن قيس الحضرميّ، عن سلمة بن كُهيل، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، أنه قال: صلّيت مع النبيّ –، فكان يُسلّم عن يمينه: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته»، وعن شماله: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته».
والنسخة الثانية هي النسخة التي ضِمْنَ الكتب التسعة التي طُبعت على منهج «المعجم المفهرس»، فقد ثبتت فيها من الجانبين أيضًا.
والنسخة الثالثة هي التي حقّقها عزت دعاس ص (607)، وهذه النسخة يَحْتَمِل أن تكون مأخوذة من النسختين السابقتين، أو من إحداهما، ويَحْتَمِل أن تكون نسخة أخرى، واللَّه تعالى أعلم.
قال الأثيوبي عفا اللَّه تعالى عنه: هذه النسخ هي الصحيحة عندي، كما أشرت إليه سابقًا، دون النسخ الأخرى التي لا تثبت الزيادة لأمرين:
(الأول): أن المحقّقين من حُفّاظ الحديث أثبتوا هذه الزيادة في الجانبين من حديث وائل بن حُجْر –رضي الله عنه- في مؤلّفاتهم، وعَزَوا ذلك إلى «سنن أبي داود».
فمن هؤلاء المحققين:
الحافظ المجتهد العلّامة ابن دقيق العيد –رحمه الله- في كتابه «الإلمام» (1) / (115) فقد أثبتها فيهما، وعزا ذلك إلى أبي داود.
ومنهم: الحافظ ابن عبد الهادي –رحمه الله- في كتابه «المحرّر» (1) / (207)، فإنه أثبتها فيهما، وعزا ذلك إلى أبي داود.
ومنهم: الحافظ ابن حجر – رحمه الله -، في كتابه «بلوغ المرام»، فإنه أثبتها فيهما، وعزا ذلك إلى أبي داود.
وقال في «التلخيص الحبير» (1) / (271) ما نصه:
[تنبيه]: وقع في «صحيح ابن حبّان» من حديث ابن مسعود زيادة «وبركاته»، وهي عند ابن ماجه أيضًا، وهي عند أبي داود أيضًا في حديث وائل بن حُجْر، فيُتَعجّب من ابن الصلاح، حيث يقول: إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث. انتهى.
والحاصل أن اتفاق هؤلاء الأئمّة على إثباتها فيهما، وعَزْوِ ذلك إلى أبي داود يؤكّد أن نسخ «سنن أبي داود» التي فيها الإثبات من الجانبين هي الصحيحة، وأما النسخ التي أثبتت في الأول فقط -وعليها كتب الشّرّاح- فقد دخلها الخلل، واللَّه تعالى أعلم.
(الأمر الثاني): صحّة ثبوتها في الجانبين من حديث غير وائل –رضي الله عنه-، فقد ثبتت في حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- مرفوعًا وموقوفًا، وفي حديث عمار –رضي الله عنه- موقوفًا، كما أشرت إليه آنفًا.
فأما حديث ابن مسعود – رضي الله عنه -، فأخرجه ابن ماجه، وابن خزيمة، وابن حبّان في «صحيحيهما»، وأبو العبّاس السّرّاج في «مسنده»، وابن حزم في «المُحَلّى»، وأخرجه عبد الرزّاق في «مصنّفه» موقوفًا عليه.
فأما رواية ابن ماجه، فقد ثبتت في النسخة الصحيحة منه، كما عزاها إليه الحافظ –رحمه الله- في «التلخيص الحبير» (1) / (271).
قال العلّامة الصنعانيّ –رحمه الله- في «سُبُل السلام» (1) / (379) ما نصه: قال المصنّف: إلّا أنه قال ابن رسلان في «شرح السنن»: لم نجدها في ابن ماجه، قلت: راجعنا «سنن ابن ماجه» من نسخة صحيحة مقروءة، فوجدنا فيه ما لفظه:
«باب التسليم» حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن نُمير، حدثنا عُمر بن عُبيد، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه، أن رسول اللَّه — كان يُسلّم عن يمينه، وعن شماله حتى يُرى بياضُ خدّه: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته». انتهى بلفظه.
وقال محقّق «شرح السنّة» للبغوي الشيخ شعيب الأرناؤوط ما نصّه: وعند ابن ماجه في نسخة خطيّة في دار الكتب الظاهرية زيادة «وبركاته»، وقد سقطت بتحقيق فُؤاد عبد الباقي، وهي زيادة صحيحة، نصّ عليها في «التلخيص». انتهى.
قال الأتيوبي عفا اللَّه تعالى عنه: وقد صرّح الحافظ أيضًا في «نتائج الأفكار» (2) / (223) بأنها ثابتة في ابن ماجه، وسيأتي نصّه قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى.
ثم وجدت نسخة محققة أثبتت الزيادة المذكورة في «سنن ابن ماجه»، وهي النسخة الجديدة التي حققها الشيخ خليل مأمون شِيحا مع شرح السنديّ، وتعليقات «مصباح الزجاجة» المطبوعة بتاريخ (1416) هـ – (1996) م، وهي نسخة محققة على نسخة خطيّة مقروءة، كُتب عليها سماعات الحفاظ، كالحافظ المنذريّ –رحمه الله- وغيره، كما بيّن ذلك المحقّق المذكور في الكلام على وصف النسخة الخطيّة أول الكتاب (1) / (12) – (15).
والحاصل أن النسخة الصحيحة لـ «سنن أبي داود» بالنسبة لحديث وائل بن حجر –رضي الله عنه-، و «سنن ابن ماجه» بالنسبة لحديث ابن مسعود –رضي الله عنه- هي النسخة التي أثبتت زيادة «وبركاته» في الجانبين، للأدلّة المذكورة، واللَّه تعالى أعلم.
وأما رواية ابن خزيمة، فقال في «صحيحه» (1) / (360):
نا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، وزياد بن أيوب، قال إسحاق: حدثنا عُمر، وقال زياد: حدثني عمر بن عُبيد الطنافسيّ، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه، قال: كان رسول اللَّه — يُسلّم عن يمينه حتى يُرى بياضُ خدّه: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته»، وعن شماله حتى يبدو بياض خدّه: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته». انتهى [قال الأتيوبي في الحاشية: “أعلّ الشيخ الألبانيّ هذه الرواية فيما كتبه على «صحيح ابن خزيمة» فقال: إسناده = = ضعيف، أبو إسحاق هو السبيعيّ مختلطٌ مدلّس، أخرج أبو داود الحديث من طريق زياد بن أيوب، وآخرون دون قوله «وبركاته». انتهى. وقد ذكرت الجواب عن هذا الإعلال فيما كتبته على النسائيّ، فراجعه (15) / (302) ” انتهى].
وأما رواية ابن حبّان –رحمه الله- تعالى، فقال في «صحيحه» (5) / (333) رقم (1993) بتحقيق شعيب الأرنؤوط:
أخبرنا الفضل بن الحباب، قال: حدّثنا محمد بن كثير، قال: أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللَّه، أن النبيّ — كان يُسلّم عن يمينه، وعن يساره حتى يُرى بياض خدّه: «السلام عليكم ورحمة اللَّه، السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته». انتهى.
قال الأتيوبي عفا اللَّه تعالى: هكذا نسخة «الإحسان في تقريب صحيح ابن حبّان» بإثباتها في الثاني دون الأول، عكس ما في بعض نسخ أبي داود، وهو تصرّف من النساخ بلا شكّ، بدليل أن الحافظ أبا بكر الهيثميّ: أثبتها في كتابه «موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان» في الجهتين، وكتابه مختصر من «صحيح ابن حبّان»، وكذا عزا الحافظ –رحمه الله- ثبوتها إلى «صحيح ابن حبان» في كتابه «نتائج الأفكار» (2) / (223). فتنبّه، واللَّه تعالى أعلم.
وأما رواية أبي العبّاس السّرّاج، فقد أخرجها الحافظ في أماليه «نتائج الأفكار» (2) / (221) – (223) من طريقه، فقال:
أخبرني شيخنا الإمام أبو الفضل بن الحسين الحافظ –رحمه الله-، أخبرني أبو الحرم بن أبي الفتح، قال: قُرئ على سيدة بنت موسى المازنية، ونحن نسمع، عن زينب بنت عبد الرحمن الشعري، قالت: أنا أبو المظفّر عبد المنعم ابن الإمام أبي القاسم القُشيريّ، أنا أبي، أنا أبو الحسين الخَفّاف، ثنا أبو العبّاس السرّاج، ثنا عبد اللَّه بن عمر -يعني ابن أبان- ثنا وكيع، وأبو نعيم، قالا: ثنا سفيان -هو الثوريّ- عن أبي إسحاق -هو السبيعي- عن أبي الأحوص -هو عوف بن مالك- عن عبد اللَّه -هو ابن مسعود –رضي الله عنه-، عن النبيّ –، أنه كان يُسلّم عن يمينه، وعن يساره حتى يُرى بياض خدّيه: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته».
قال: هكذا في أصل سماعنا من مسند السرّاج بخط الحافظ مجد الدين بن النجار، وكذلك وجدته بخط الحافظ زكيّ الدين البرزالي، وهو من روايتهما جميعًا عن زينب بنت عبد الرحمن.
وهكذا أخرجه ابن حبّان في «صحيحه» عن أبي خليفة، عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوريّ، وذكر فيه «وبركاته».
لكن أخرجه أبو داود عن محمد بن كثير، فلم يذكرها، وكذا من رواية وكيع، وكذا الترمذي، والنسائي من رواية عبد الرحمن بن مهديّ، عن سفيان.
قال: وبهذا الإسناد إلى السرّاج: ثنا هَمّام السَّكُونيّ -هو الوليد بن شُجاع بن الوليد- ثنا أبو الأحوص، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود، فذكر مثله، لكن قال: «عن شماله»، وقال: «أرى».
وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن عبد اللَّه بن نمير، عن عُمر بن عُبيد، عن أبي الأحوص [قال الأتيوبي في الحاشية: “هكذا في نسخة «نتائج الأفكار» بزيادة «عن أبي الأحوص»، وهو سلّام بن سُليم بين عُمر بن عُبيد، وأبي إسحاق، لكن الموجود في نسخة ابن ماجه بإسقاطه، وكذلك أخرجه النسائيّ برقم ((1333)) وليس فيه أبو الأحوص أيضًا، وهو الظاهر؛ لأن عمر بن عبيد يروي عن أبي إسحاق دون واسطة، كما هو مذكور في ترجمته في «تهذيب التهذيب»، وهو الموجود أيضًا في «تحفة الأشراف» (7) / (124) – (125)، واللَّه تعالى أعلم.”انتهى]، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، وفيه: «وبركاته».
قال: فهذه عدّة طرق ثبت فيها «وبركاته» بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ -يعني النوويّ –رحمه الله- أنها رواية فردة.
وأما رواية ابن حزم –رحمه الله-، فقال في كتابه «المحلّى» (3) / (275):
حدّثنا حمام، ثنا ابن مفرج، ثنا ابن الأعرابي، ثنا الدّبريّ، ثنا عبد الرزّاق، عن سفيان الثوريّ ومعمر، كلاهما عن حمّاد بن أبي سليمان، عن أبي الضّحى، عن مسروق، عن عبد اللَّه بن مسعود، قال: ما نسيت فيما نسيت عن رسول اللَّه — أنه كان يُسلّم عن يمينه: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته» حتى يُرى بياض خدّه، وعن يساره: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته» حتى يُرى بياض خدّه أيضًا. انتهى.
قال الأتيوبي عفا اللَّه عنه: رجال هذا الإسناد ثقات غير حماد بن أبي سليمان فصدوق، له أوهام، واللَّه أعلم.
وأخرجه عبد الرزّاق موقوفًا على ابن مسعود، فقال في «مصنّفه» (2) / (219):
عبد الرزّاق، عن معمر، عن خُصيف الجَزَريّ، عن أبي عُبيدة بن عبد اللَّه، أن ابن مسعود كان يُسلّم عن يمينه: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته»، وعن يساره: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته»، يجهر بكلتيهما.
قال الأتيوبي عفا اللَّه عنه: فيه خُصيف متكلّم فيه، قال في «التقريب»: صدوق سيئ الحفظ، خلط بآخره، ورُمي بالإرجاء. انتهى. وفيه أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، فهو منقطع، واللَّه أعلم.
وأما حديث عمّار بن ياسر –رضي الله عنه-، فأخرجه عبد الرّزّاق في «مصنّفه» أيضًا موقوفًا عليه، فقال (2) / (220):
عبد الرزّاق عن معمر، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مُضَرّب، أن عمّار بن ياسر كان يسلّم عن يمينه: «السلام عليكم ورحمة اللَّه وبركاته»، وعن يساره مثل ذلك. انتهى.
قال الأتيوبي عفا اللَّه عنه: رجال إسناده ثقات، واللَّه أعلم.
قال العلّامة الصنعاني –رحمه الله- في «سبل السلام» عند شرح حديث وائل بن حُجْر –رضي الله عنه- المتقدّم ما نصّه:
وحديث التسليمتين رواه خمسة عشر من الصحابة بأحاديث مختلفة، ففيها صحيح، وحسن، وضعيف، ومتروك، وكلها بدون زيادة «وبركاته» إلّا في رواية وائل هذه، ورواية عن ابن مسعود عند ابن ماجه، وعند ابن حبّان، ومع صحّة إسناد حديث وائل –رضي الله عنه- كما قال المصنف -يعني الحافظ ابن حجر- يتعيّن قبول زيادته؛ إذ هي زيادة عدل، وعدم ذكرها في رواية غيره ليس رواية لعدمها. انتهى كلام الصنعاني –رضي الله عنه-، وهو تحقيقٌ حسنٌ جدًّا.
قال الأتيوبي عفا اللَّه تعالى عنه:
خلاصة القول في هذه المسألة أن زيادة «وبركاته» ثابتة في التسليم من الصلاة من الجانبين، فمَن قَبِلَ زيادتها في التسليمة الأولى، فليقبلها في الثانية أيضًا؛ لثبوتها فيها بما ثبتت به الأولى، ولا يؤثّر على ذلك عدم وجودها في بعض النسخ؛ لما قدّمنا أن ذلك من تصرف النُّسّاخ، واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه]: ثم إن زيادة «وبركاته» إنما يستحبّ في بعض الأوقات، فلا ينبغي التزامها في جميع الصلوات؛ لأن أكثر من نقل صفة صلاة رسول اللَّه — لم يذكرها، فلو كان — التزمها لما أهملوها، فدلّ على أنه كان يزيدها في بعض الأوقات، فحفظها بعض الصحابة، ولم يعمل بها في معظم الأوقات، فلم يحفظها الأكثرون، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
[فائدة]:
أخرج ابن خزيمة في «صحيحه» ((1) / (359) رقم (726)) من طريق ابن المبارك، عن مصعب بن ثابت، عن إسماعيل بن محمد، عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، عن أبيه، قال: «رأيت النبيّ — يُسلّم عن يمينه، وعن يساره حتى يُرى بياض خدّه».
فقال الزهريّ: لم نَسْمَع هذا من حديث رسول اللَّه –، فقال إسماعيل: أكلَّ حديث النبيّ — سمعت؟ قال: لا، قال: والثلثين؟ قال: لا، قال: فالنصف؟ قال: لا، قال: فهذا في النصف الذي لم تَسْمَع. انتهى.
وأخرجه ابن حبّان في «صحيحه» ((5) / (331) – (333) رقم (1992))، وفي سنده مصعب بن ثابت، قال عنه في «التقريب»: ليّن الحديث، وكان عابدًا. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].
(المسألة السابعة): الفتاوى:
[1] صفة السلام من الصلاة
[4] حكم الاقتصار على تسليمة واحدة
س: أم بنا رجل فسلم بنا واحدة عن يمينه فهل يجوز الاقتصار على واحدة؟ وهل ورد في السنة شيء من ذلك؟
ج: ذهب الجمهور من أهل العلم إلى أن التسليمة الواحدة كافية؛ لأنه قد ورد في بعض الأحاديث ما يدل على ذلك، وذهب جمع من أهل العلم إلى أنه لا بد من تسليمتين لثبوت الأحاديث عن النبي ? بذلك. ولقوله ?: صلوا كما رأيتموني أصلي رواه البخاري في صحيحه. وهذا القول هو الصواب.
والقول بإجزاء التسليمة الواحدة ضعيف لضعف الأحاديث الواردة في ذلك وعدم صراحتها في المطلوب ولو صحت لكانت شاذة؛ لأنها قد خالفت ما هو أصح منها وأثبت وأصرح. لكن من فعل ذلك جاهلًا أو معتقدًا لصحة الأحاديث في ذلك فصلاته صحيحة. والله ولي التوفيق.
[من ضمن أسئلة موجهة إلى سماحته، طبعها الأخ محمد الشايع في كتاب. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 11/ 166)].
[5] أحكام السلام والانصراف بعد انتهاء الصلاة
السؤال: هذه رسالة من عبد الرقيب معطي الرياض، يقول: ما حكم السلام على اليسار بعد انتهاء الصلاة؟ وما حكم الانفتال على اليسار أيضاً؟
الجواب: الجمهور على أن الواجب تسليمة واحدة يسلمها عن يمينه، والأصح أنه لابد من تسليمتين وإن كان خلاف قول الجمهور؛ لأن الرسول ? كان يسلم تسليمتين ويقول: صلوا كما رأيتموني أصلي.
فالواجب أن يسلم الإمام، وهكذا المأموم وهكذا المنفرد تسليمتين، والأفضل عن يمينه وشماله، يلتفت عن يمينه ويقول: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره كذلك، هذا هو المشروع، وهو واجب في أصح قولي العلماء يعني التسليمتين، أما كونه يلتفت عن يمينه وشماله، هذا مستحب وهو أفضل.
وأما الانصراف بعد السلام عن يمينه وشماله فلا حرج، النبي ? كان ينصرف عن يمينه وعن شماله، كل هذا ثابت، إن انصرف عن يمينه فلا بأس أو عن شماله فلا بأس، قد ثبت عنه ? أنه كان ربما انصرف عن يمينه وربما انصرف عن شماله من مكانه عليه الصلاة والسلام. نعم.
المقدم: لكن لو بدأ بالسلام على شماله هل في ذلك شيء؟
الشيخ: يصح، لكن خالف السنة، خالف السنة.
المقدم: يعني لا يؤاخذ على ذلك؟
الشيخ: لا، يصح، لكنه خالف السنة. نعم.
الالتفات مستحب وليس بواجب (1) [أحكام السلام والانصراف بعد انتهاء الصلاة، نور على الدرب].
[6] السؤال الثاني من الفتوى رقم ((16370))
س (2): هل ورد عن النبي ? صيغة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته في التسليمة الأولى عن اليمين عند اختتام الصلاة وصيغة السلام عليكم ورحمة الله في التسليمة الثانية؟
ج (2): الذي ثبت عنه ? في السلام من الصلاة في أكثر الروايات هو لفظ: (السلام عليكم ورحمة الله) في التسليمتين، وأما لفظ: (وبركاته) فقد ثبت زيادتها في بعض الروايات، لكن هديه ? الغالب هو الاقتصار على قوله: (السلام عليكم ورحمة الله) وهو الذي عليه العمل.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … عضو … عضو … نائب الرئيس … الرئيس
بكر أبو زيد … عبد العزيز آل الشيخ … صالح الفوزان … عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز [فتاوى اللجنة الدائمة – 2].
(المسألة الثامنة): فوائد الباب:
(1) – (منها): بيان مشروعيّة التسليمتين للتحلّل من الصلاة، وهو مذهب الجمهور، وسبق تحقيق الخلاف.
(3) – (ومنها): فيه مشروعيّة أن يكون التسليم إلى جهة اليمين، ثمّ إلى جهة اليسار.
(2) – (ومنها): بيان أن بعض الناس كانوا تركوا التسليمتين، واكتفوا بتسليمة واحدة، ولذا تعجّب ابن مسعود –رضي الله عنه- من عمل هذا الأمير.
جاء في مسلم صحيح مسلم عَنْ أبِي مَعْمَرٍ، (أنَّ أمِيرًا كانَ بِمَكَّةَ، يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ، فَقالَ عَبْدُ اللَّهِ: أنّى عَلِقَها؟ قالَ الحَكَمُ فِي حَدِيثِهِ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ — كانَ يَفْعَلُهُ).
(3) – (ومنها): بيان أن بعض السنن المشهورة قد تخفى على كثير من الناس، حتى في عهد الصحابة –رضي الله عنهم-، فما بالك في العصر المتأخّر زمن استيلاء الجهل والهوى، فلا يجوز لمسلم أن يترك السنّة التي صحّت لديه بعلّة أن إمام مذهبه لم يقل بها، فإن إمامه كسائر الناس يخفى عليه بعض السنن، فلا ينبغي تقليده فيما جهله، فليتنبّه العاقل لهذه الدقيقة، فإنها مزلّة أقدام، فقد وقع فيها كثير ممن يُظنّ أنهم من أهل العلم، فأعماهم التقليد عن اتّباع السنّة الصحيحة؛ إيثارًا لرأي إمامهم، {رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنا وهَبْ لَنا مِن لَدُنْكَ رَحْمَةً إنَّكَ أنْتَ الوَهّابُ ((8))} [آل عمران (8)]. [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير].