1190 – 1188 رياح المسك العطرة بمشاركات الأصحاب المباركة على صحيح البخاري
مجموعة أبي صالح وأحمد بن علي وناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
ومراجعة سيف بن غدير النعيمي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———
20 – كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
1188 – حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، قال: أخبرني عبد الملك بن عمير، عن قزعة، قال: سمعت أبا سعيد رضي الله عنه، أربعا، قال: سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم – وكان غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثنتي عشرة غزوة – ح
1189 – حدثنا علي، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى ”
1190 – حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن زيد بن رباح، وعبيد الله بن أبي عبد الله الأغر، عن أبي عبد الله الأغر، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه، إلا المسجد الحرام»
=======
فوائد أحاديث الباب وأرقامها هي 1188و1189و 1190:
1 – قوله (باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة) صرح به في ثالث أحاديث الباب، نعم يفهم كذلك فضل الصلاة من الحديثين الاول والثاني.
2 – استخدم البخاري الاختصار في الحديث الاول مع الاشارة للإختصار بقوله في الحديث (أربعا).
3 – وفيه شحذ همم طالب العلم ليعرف موضع الشاهد.
3 – حديث أبي سعيد في شد الرحال أخرجه البخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه.
4 – وحديث أبي هريرة في شد الرحال أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.
5 – فضل المساجد الثلاثة واختصاصها أيضا لكونها مساجد الأنبياء.
6 – فضل مسجد بيت المقدس وقد أفرده البخاري بترجمة بعد خمسة أبواب أعاده الله سبحانه لأيدي المسلمين آمين.
7 – قوله (أربعا) وفي رواية عند البخاري (سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يحدث بأربع عن النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبنني وآنقنني) أي أربع جمل وذكرها البخاري بعد خمسة أبواب أحدها الجملة الواردة في الحديث الثاني وهي موضع الشاهد.
8 – قوله (لا تشد الرحال) نهي بصيغة الخبر، وقد ورد عند مسلم من طريق جرير عن عبد الملك (لا تشدوا الرحال).
9 – قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم (وهذا النهي يعم السفر إلى المساجد والمشاهد وكل مكان يقصد السفر إلى عينه للتقرب والعبادة).
10 – وقال أيضا (بدليل أن بصرة بن أبي بصرة الغفاري لما رأى أبا هريرة راجعا من الطور الذي كلم الله عليه موسى قال لو رأيتك قبل أن تأتيه لم تأته لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لا تشد الرحل إلا إلى ثلاثة مساجد، فقد فهم الصحابي الذي روى الحديث أن الطور وأمثاله من مقامات الأنبياء مندرجة في العموم وأنه لا يجوز السفر إليها كما لا يجوز السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة. وأيضا فإذا كان السفر إلى بيت من بيوت الله غير المساجد الثلاثة لا يجوز ….. فالسفر إلى بيوت الموتى من عباده أولى أن لا يجوز.
11 – وقال شيخ الإسلام أيضا في الاقتضاء (وما سوى هذه المساجد لا يشرع السفر إليه باتفاق أهل العلم حتى مسجد قباء يستحب قصده من المكان القريب كالمدينة ولا يشرع شد الرحال إليه).
12 – ذكر شيخ الإسلام القولين في السفر إلى القبور، وذكر أحد القولين أن ذلك معصية ولم يقل إن هذا معصية محرمة مجمع عليها، لكن قال: إذا كان السفر إليها ليس للعلماء فيه إلا قولان: قول من يقول إنه معصية، وقول من يقول إنه ليس بمحرم بل لا فضيلة فيه وليس بمستحب، فإذن من اعتقد أن السفر لزيارة قبورهم أنه قربة وعبادة وطاعة فقد خالف الإجماع، وإذا سافر لاعتقاده أن ذلك طاعة كان ذلك محرمًا بالإجماع. فهذا الإجماع حكاه لأن علماء المسلمين الذين رأينا أقوالهم اختلفوا في قوله: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا والمسجد الأقصى) هل هو تحريم لذلك أو نفي لفضيلته؟ على قولين. وعامة المتقدمين على الأول مع اتفاقهم على أن هذا يتناول السفر إلى القبور. فإن الصحابة والتابعين والأئمة لم يعرف عنهم نزاع في أن السفر إلى القبور وآثار الأنبياء داخل في النهي، كالسفر إلى الطور الذي كلم الله عليه موسى وغيره، انتهى من الرد على الإخنائي.
13 – ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل مسجده والأدب في ذلك وما قاله العلماء، لذا فإن إيراد الحافظ ابن حجر صورة الخلاف بالطريقة التي أوردها لم يحالفه التوفيق بل خالفه وجانبه، فقد وقع ظلم على شيخ الإسلام وافتراء ودافع عن نفسه ودافع عنه غيره، وكان المظنون بالحافظ أن يكون أكثر إنصافا خاصة أنه لم يعاصر القضية.
14 – … قال الإمام الذهبي: ثم ظفروا له- أي لشيخ الإسلام- بمسألة السفر لزيارة قبور النبيين، وأن السفر وشد الرحال لذلك منهي عنه؛ لقوله عليه السلام: «لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد» مع اعترافه بأن الزيارة بلا شد رحلٍ قربةٌ، وشنعوا عليه بها واستعتوا عليه، وكتب فيها جماعةٌ بأنه يلزم من منعه شائبة تنقصٍ للنبوة؛ فيَكْفُر بذلك، وأفتى عدة بأنه مخطئٌ في ذلك خطأ المجتهدين المغفور لهم، ووافقه جماعة وكبرت القضية؛ فأُعيد إلى قاعةٍ بالقلعة فبقي بها بضعة وعشرين شهرًا.
15 – في الحديث فضيلة ظاهرة لأبي سعيد الخدري رضي الله عنه مع كونه لم يكن من كبار الصحبة سنا حينئذ وغزا هذا العدد.
16 – قوله (حدثنا حفص بن عمر) تابعه أبو الوليد عند البخاري 1197 وسليمان بن حرب عند البخاري.
1864 وحجاج بن منهال عند البخاري 1995 ومحمد بن جعفر عند مسلم 827.
17 – قوله (حدثنا شعبة) تابعه جرير كما عند مسلم 827 سفيان بن عيينة كما عند الترمذي في سننه 326.
18 – قوله (أخبرني عبد الملك) هو ابن عمير.
19 – قوله (عن قزعة) وعند البخاري في رواية سمعت قزعة مولى زياد.
20 – قوله في ثاني أحاديث الباب (حدثنا سفيان) أي ابن عيينة.
21 _ حديث أبي هريرة الثاني رواه الستة إلا أبا داود وفي رواية زاد في آخره (فهو أفضل) قلت أي المسجد الحرام.
22 _قال الترمذي وفي الباب عن علي، وميمونة، وأبي سعيد، و جبير بن مطعم، وابن عمر، وعبد الله بن الزبير، وأبي ذر.
23 _زاد مسلم في رواية (فإني آخر الأنبياء وإن مسجدي آخر المساجد)
24 – فضل الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة فيما سواه وهذا يعم الفرض والنفل مقارنة بالمساجد الاخرى.
25 – يستثنى من ذلك المسجد الحرام فهو أفضل والصلاة فيه تفضل مائة صلاة في المسجد النبوي.
—–
فيه فضيلة الصلاة في مسجد النبي وأنه يعدل ألف صلاة فيما سواه من المساجد الا المسجد الحرام.
ويؤخذ منه فضيلة السكنى في المدينة لمن قدر عليه حتى يتمكن من تلك الأجور العظيمة.
فيه تعظيم قدر الصلاة وأنها من أفضل الأعمال حيث تضاعف أجر الصلاة فيها، ولم ترد المضاعفة إلا في الصلاة.
—–
فوائد أحاديث باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة:
1 – في هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الأنبياء، ولأن المسجد الحرام قبلة الناس وإليه حجهم، والمسجد النبوي أسس على التقوى والمسجد الأقصى كان قبلة الأمم السالفة.
2 – قال الزمخشري: سمي الأقصى لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد، وقيل لبعده عن الأقذار والخبث، وقيل هو أقصى بالنسبة إلى مسجد المدينة لأنه بعيد من مكة وبيت المقدس أبعد منه.
3 – ولبيت المقدس عدة أسماء تقرب من العشرين منها إيلياء، وبيت المقدس والقدس، وشلم وشلام، وسلم، وأوري سلم ومن أسمائه كورة وبيت إيل وصهيون ومصروث آخره مثلثة وكورشيلا وبابوس بموحدتين ومعجمة، وقد تتبع أكثر هذه الأسماء الحسين بن خالويه اللغوي في كتاب “ليس”.
4 – قوله: ” المسجد الحرام” أي المحرم والمراد به جميع الحرم، وقيل يختص بالموضع الذي يصلي فيه دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم، قال الطبري: ويتأيد بقوله: “مسجدي هذا” لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة فينبغي أن يكون المستثنى كذلك، وقيل المراد به الكعبة حكاه المحب الطبري.
5 – قوله: “لا تشد الرحال” والمراد النهي عن السفر إلى غيرها، قال الطيبي: هو أبلغ من صريح النهي، كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به، والرحال بالمهملة جمع رحل وهو للبعير كالسرج للفرس، وكنى بشد الرحال عن السفر لأنه لازمه وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعني المذكور.
6 – قوله: “باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة” قال ابن رشيد: لم يقل في الترجمة وبيت المقدس وإن كان مجموعا إليهما في الحديث لكونه أفرده بعد ذلك بترجمة، قال: وترجم بفضل الصلاة وليس في الحديث ذكر الصلاة ليبين أن المراد بالرحلة إلى المساجد قصد الصلاة فيها لأن لفظ المساجد مشعر بالصلاة انتهى.
7 – قوله: ((صلاة في مسجدي هذا)) نكرة في سياق الإثبات في معرض الامتنان فتعم الفرض والنافلة.
قال ابن النجار رحمه الله تعالى: “ومن صيغ العموم أيضاً النكرة في صياغ إثبات الامتنان”. وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: “ويمكن أن يقال: لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه” انتهى كلامه رحمه الله.
8 – جمهور الفقهاء على أن الأفضلية في هذه المساجد تعم الفرض والنفل، وقيل أن قوله صلى الله عليه وسلم: (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) يمكن الجمع بينه وبين أحاديث الباب بحمله على غير الحرمين الشريفين بأن تكون النافلة في البيت أفضل في غير الحرمين.
9 – لا يستحب ولا يسن السفر لقصد الصلاة والتعبد إلا إلى هذه المساجد الثلاثة، كما جاء منصوصاً عليه في حديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ينبغي للمطي أن يشد رحاله إلى مسجد ينبغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا) رواه أحمد.
10 – فيه أن فضل الصلاة في مسجده صل الله عليه وسلم لا يختص بالبقعة التي كانت في زمنه، بل يدخل في ذلك كل بقعة أخرى تضاف إليه على مر العصور والأزمان لأن الإشارة في قوله صلى الله عليه وسلم: (صلاة في مسجدي هذا) إشارة معنوية لا حسية فيدخل فيه كل توسعة وزيادة تضاف إليه.
——
– من أفضل الكتب في الرد على السبكي هو كتاب الصارم المنكي في الرد على السبكي.
ففيه الدفاع عن ابن تيمية وأن من الخطأ عليه اتهامه أنه منع زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. إنما الذي منعه هو شد الرحال.
وحين قرأت شبهات السبكي في تجويزه شد الرحال لقبور الصالحين. والأحاديث التي أوردها. قام في قلبي أن الله سيقيض من يفندها فإذا هو ابن عبد الهادي في الصارم المنكي.
لذلك أخطأ ابن حجر في انتصاره للسبكي، وألزم ابن تيمية في تخصيصه شد الرحال بقصد العبادة وأن ذلك ينحصر في هذه المساجد الثلاثة. يلزمه يعني ابن تيمية (منع شد الرحال لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم) فعلق ابن باز في حاشيته على فتح الباري بأن هذا اللازم نقول به ولا غضاضة فيه. والأحاديث المروية في فضل زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم كلها ضعيفة بل موضوعة كما حقق ذلك أبو العباس في منسكه وغيره. ولو صحت لم يكن فيها حجة على جواز شد الرحال من دون قصد المسجد. والشيخ لم ينكر الزيارة من دون شد الرحل. انتهى باختصار
ومن الأدلة على منع شد الرحال للمشاهد والقبور إنكار أبي بصيرة على أبي هريرة اتيانه الطور.
وكذلك علق ابن باز على قول ابن حجر في حديث (لا ينبغي أن تشد الرحال …. ) على أن لفظ: (لا ينبغي) لا تدل على التحريم بأنه ورد في القرآن ما يدل أنها تدل على التحريم وهو قوله تعالى: (قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا) [سورة الفرقان 18]
– يقرر ابن حجر أن فضيلة المساجد الثلاثة جاء من كونها مساجد الأنبياء فلا ندري هل يقصد أنهم لازموا الصلاة فيها أم أنهم بنوها؛ لأنه يشكل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء فيصلي فيه.
ويشكل حديث أن سبعين ألف نبي صلى في مسجد الخيف
لكن على قول أن فضيلتها من كونهم بنوها يندفع الإشكال قال صاحبنا ابوصالح: يؤيد ذلك حديث (إني خاتم الأنبياء ومسجدي آخر المساجد)
من الفوائد أن المساجد تسمى باسم من بناها أو باسم المنطقة وكذلك ورد أنها تسمى باسم القبيلة التي حوله.
فضل المسجد الأقصى
وسيأتي تبويب للبخاري مسجد بيت المقدس
النهي ورد بصيغة النفي وهو أبلغ بل ورد في مسلم (لا تشدوا)
تنبيه: الصارم المنكي حقق في رسائل جامعية.
وقيل أنه وافته المنية قبل أن يتمه فتممه في الكشف المبدي في لتمويه أبي الحسن السبكي تكملة الصارم المنكي:
ففي بحث نشر في مجلة البحوث الإسلامية ترجم الباحث لابن عبدالهادي ونقل انه لازم ابن تيميه ما يقرب من خمس سنين وتوفي عن عمر يناهز الأربعين، ونقل ثناء العلماء عليه كالذهبي وابن كثير والصفدي ثم ترجم لكتابه الصارم المنكي فقال:
وأما كتابه ” الصارم المنكي في الرد على السبكي “، ويسميه بعضهم: ” الكلام على أحاديث الزيارة “، فقد رد فيه ابن عبد الهادي على كتاب أبي الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي (ت 756 هـ) المسمى: ” شفاء السقام في زيارة خير الأنام “، أو ” شن الغارة على من أنكر السفر للزيارة “، والذي رد فيه تقي الدين السبكي على شيخ الإسلام ابن تيمية في مسألة الزيارة وشد الرحال وإعمال المطي لمجرد زيارة القبور.
وقد أبرز ابن عبد الهادي في مقدمة كتابه ” الصارم المنكي ” مجمل ملاحظاته وانتقاداته لكتاب تقي الدين السبكي، وهي تتلخص فيما يلي:
1 – تصحيح الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وتقوية الآثار الواهية والمكذوبة.
(الجزء رقم: 78، الصفحة رقم: 331)
2 – تضعيف الأحاديث الصحيحة الثابتة والآثار القوية المقبولة، وتحريفها عن مواضعها، وصرفها عن ظاهرها بالتأويلات المستنكرة المردودة.
3 – لم يكن المؤلف متجرداً فيما كتب، بل اتبع هواه، وذهب في كثير مما قرره إلى الأقوال الشاذة والآراء الساقطة، وخرق الإجماع في مواضع لم يسبق إليها، ولم يوافقه أحد من الأئمة عليها.
وقد أخذ ابن عبد الهادي يرد على الكتاب باباً باباً، ويتكلم على الأحاديث التي استشهد بها السبكي ويبين عللها وضعفها، حتى وصل إلى الباب الخامس وهو في تقرير كون الزيارة قربة، فأدركته المنية قبل إكماله، وبقي في كتاب السبكي أبواب أخرى لم يرد عليها ابن عبد الهادي، منها: التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وحياة الأنبياء في قبورهم، والشفاعة. . . .
(الجزء رقم: 78، الصفحة رقم: 332)
وكتاب ” الصارم المنكي ” يشهد للحافظ ابن عبد الهادي بسعة الاطلاع، وغزارة العلم، ورسوخ القدم في علم الحديث والعلل، والقدرة على النقد، ودقة الملاحظة.
ثم وقفت على كتاب الكشف المبدي في الشاملة فمؤلفه هو محمد بن حسين بن سليمان لم إبراهيم الفقيه من علماء جده فنقل في مقدمته أنه أعجب بالصارم المنكي الذي بين أن شيخ الإسلام لم يحرم الزيارة ولم يكرهها بل أمر بها في مناسكه وغيرها. وبين أنه وصل للباب الرابع وكتاب السبكي في عشرة أبواب فاكملها لأن الصعب قد رد عليه ابن عبدالهادي ولم يبق إلا هذه الفروع التي فرَّعها السبكي من تلك الأصول الواهية.
ونقل عن شيخ الإسلام في تقرير الزيارة المشروعة والزيارة البدعية: وقال: ارجع لرسالة ابن تيمية زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور التي طبعت بمصر ثم ذكر رسائل لعلماء آخرين بينوا ذلك وهي مشهورة
ثم بين حال الناس وأنه كان الخليفة من العلماء ثم أصبح كثير من الحكام ليسوا من العلماء وكلما هوى شيئا تزلف إليه ناس وخاضوا في هذه العلوم ثم جاء أناس أعياهم طلب العلم فعلقوا السبحة واخترعوا أذكار مبتدعة واخترعوا الكرامات للميتين وأعطوهم القدرة على الرزق بل والخلق كما نقل الهيتمي أن أحد الشيوخ من الأموات خلق دجاجة. وجعلوا لنصوص الوحي ظاهرا وباطنا وحرفوا معاني القرآن. ورب العزة لا يزال ينصر دينه بعلماء صادقين فندوا شبه أهل الأهواء
ثم بعد ذلك بدأ يذكر شبه السبكي. والرد عليها فيزعم أن العلماء كانوا يقصدون زيارة قبره صلى الله عليه وسلم. ففي المنع تخطأه للمسلمين وكان من الرد أنه حاشا للعلماء أن لا ينووا الصلاة في المسجد النبوي. بل قصدهم تحصيل أجر الصلاة فيه ثم زيارة قبره صلى الله عليه وسلم. ومن شبهه حصول البركة بزيارة قبور الصالحين: والرد أن قصد بركة الثواب بالزيارة الشرعية، وبركة انتفاع الميت بدعاء الحي فهذا نقول به أما فتح الباب على مصراعيه للعوام حتى يعتقدون ما يشاءون في الميت من دفع الضر وجلب الخير والذبح له. فهذه أبواب شر فتحها هؤلاء على العامة. انتهى بمعناه.
تنبيه: ممن دافع عن ابن تيمية: ابن القيم وابن كثير:
قال صاحبنا أبوصالح:
في منتصف شهر شعبان سنة 726 هجرية حبس الامام ابن القيم مع جماعة من أصحاب شيخ الإسلام ابن تيمية بعد اعتقال شيخ الاسلام لنفس مسألة الزيارة
المصدر البداية والنهاية ?بن كثير 14/ 156
قال قاضي الشافعية:” وإنما المحز جعله – أي شيخ الإسلام-
زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبور الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم معصية بالاجماع مقطوعا بها ”
قال ابن كثير عقبه:
فانظر الان هذا التحريف على شيخ الإسلام، فإن جوابه على هذه المسألة ليس فيها منع زيارة قبور الانبياء والصالحين، وإنما فيه ذكر قولين في شد الرحل والسفر إلى مجرد زيارة القبور، وزيارة القبور من غير شد رحل مسألة، وشد الرحل لمجرد الزيارة مسألة أخرى، والشيخ لم يمنع الزيارة الخالية عن شد رحل، بل يستحبها ويندب إليها، وكتبه ومناسكه تشهد بذلك. ….. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. انتهى.
البداية والنهاية 14/ 157 – 158