1190 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1190):
قال أبو داود رحمه الله (ج ٢ ص ٤١٣): حدثنا مسدد حدثنا بشر بن المفضل عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال: قلت لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كيف يصلي، قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فاستقبل القبلة، فكبر فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم أخذ شماله بيمينه، فلما أراد أن يركع رفعهما مثل ذلك، ثم وضع يديه على ركبتيه، فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك، فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من بين يديه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين وحلق حلقة، ورأيته يقول هكذا. وحلق بشر الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة.
هذا حديث حسنٌ.
الحديث أخرجه النسائي (ج ٢ ص ٢٣٦) و(ج ٣ ص ٣٥ و٣٧)، وأخرجه ابن ماجه (ج ١ ص ٢٨١).
* وقال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج ١ ص ٢٩٥): حدثنا علي بن محمد حدثنا عبد الله بن إدريس عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر رضي الله عنه، قال: رأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حلق بالإبهام والوسطى ورفع التي تليهما يدعو بها في التشهد.
هذا حديث حسنٌ.
هذا الحديث يدل على الإشارة بالأصبع، وأما التحريك فقد تفرد به زائدة بن قدامة، وقد خالف أربعة عشر راويًا:
بِشْرُ بن المُفَضَّل عند أبي داود، وسفيان بن عُيَيْنَة عند النسائي، والثوري عند النسائي، وعبد الواحد بن زياد عند أحمد، وشعبة عند أحمد، وزهير بن معاوية عند أحمد، وعبد الله بن إدريس عند ابن خزيمة، وخالد بن عبد الله الطَّحّان عند البيهقي، ومحمد بن فُضَيْلٍ عند ابن خزيمة، وأبا الأحْوَصِ سَلّامَ بن سُلَيْمٍ عند الطيالسي، وأبا عوانة وغيلان بن جامع حكاه عنهما البيهقي، وقيس بن الربيع وموسى بن أبي كثير كلاهما عند الطبراني في «الكبير»، كلهم رووه عن عاصم بن كليب ولم يذكروا فيه التحريك.
ورواه من الصحابة: عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، وأبو حُمَيْدٍ الساعدي، وأبو هريرة، وسعد بن أبي وقاص، كلهم لم يذكروا التحريك، فعلم بهذا أن رواية زائِدَةَ شاذة، والله أعلم.
ويراجع تفصيل من خرج حديث الذين خالفوا زائدة وهؤلاء الصحابة في بحث أخينا الفاضل أحمد بن سعيد (حفظه الله).
===================
الحديث سيكون من وجوه:
ذكر الحديث الإمام أبو داود في كتابه السنن، كتاب الصلاة، بابُ كَيْفَ الجُلُوسُ فِي التَّشَهُّدِ، برقم (957).
قال الألباني رحمه الله: صحيح، مضى بإسناده ومتنه (٧٢٦).
وقال محققو الكتاب بإشراف شعَيب الأرنؤوط : إسناده قوي من أجل كليب والد عاصم. ط: دار الرسالة العالمية.
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
كتاب الصلاة، ٧٢ – صفة الصلاة، برقم (911).
وكتاب الصلاة، ٨٨ – وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة، برقم (935).
الأول: شرح الحديث:
هناك بحث بعنوان تحرير مطول لأسانيد وألفاظ حديث وائل بن حجر
قال الإمام أبو داود رحمه الله تعالى: [باب: كيف الجلوس للتشهد.
* “التشهد” هو قراءة: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي! ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله)، وسمي تشهدًا؛ لأنه مشتمل على التشهد وهو: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، أي: الشهادة لله بالوحدانية، ولنبيه محمد ﷺ بالرسالة.
قال الطيبيّ رحمه الله: سُمّي التشهّد دعاءً؛ لاشتماله عليه.
* والصلاة إما أن يكون فيها تشهد واحد، وإما أن يكون فيها تشهدان، فإن كانت ثنائية ففيها تشهد واحد، وإن كانت ثلاثية أو رباعية ففيها تشهدان: التشهد الأول والتشهد الأخير الذي قبل السلام.
والجلوس في الصلاة جلوسان: جلوس للتشهد الأول، وجلوس للتشهد الأخير.
* وقد اختلف العلماء في كيفية الجلوس في التشهد وغير التشهد، فمنهم من قال: إن الجلوس يكون بالافتراش مطلقًا، وهو أن يفرش رجله اليسرى ويقعد عليها، وينصب الرجل اليمنى ويجعل أصابعها متجهة إلى القبلة.
وقال بعضهم: بالتورك مطلقًا، أي: أنه يخرج رجله اليسرى من تحت ساقه الأيمن إلى جهة اليمين، ويجعل وركه على الأرض.
وفرق بعض أهل العلم بين الجلوس بين السجدتين والجلوس في التشهد الأول، فجعل فيهما الافتراش، وجعل في التشهد الأخير في الصلاة التي لها تشهدان: التورك.
وقد جاء الافتراش في الجلوس بين السجدتين، وجاء أيضًا الإقعاء، وهو الجلوس على العقبين، كما في حديث ابن عباس حيث قال: (سنة نبيكم محمد ﷺ، أو هو من السنة)، يعني: أن ينصب قدميه، ويجعل إليتيه على العقبين.
وأما التشهد الأول فيفترش فيه، والتشهد الأخير يتورك فيه، وهذا هو ما دل عليه الدليل.
* وإذا كانت الصلاة ثنائية فهل يتورك فيها أو يفترش؟
ألحق بعض أهل العلم الثنائية بالتشهد الأول، وقال: إنه يفترش فيها،
وألحق بعضهم الثنائية بالصلاة التي لها تشهدان، وقال: إنه يتورك؛ لأن هذا الجلوس بعده التسليم، كما أن الصلاة الرباعية يتورك في آخرها في الجلوس الذي بعده التسليم وقد جاء في بعض الأحاديث: (حتى إذا كان الجلوس الذي فيه التسليم)،
وعلى هذا فهناك قولان:
القول الأول: إن الصلاة الثنائية حكمها الافتراش كالتشهد الأول،
والقول الثاني: إن الصلاة الثنائية يتورك فيها؛ لأن السلام يأتي بعد ذلك الجلوس، وقد جاء في بعض الروايات أن التورك يكون في الجلوس الذي بعده التسليم، لكن الروايات التي جاء فيها ذكر الجلوس الذي بعده التسليم إنما جاء ذلك في الصلاة الرباعية، فقد ذكر الجلوس الأول ثم ذكر الجلوس الثاني الذي بعده التسليم،
وعلى هذا فالقول الأرجح فيما يظهر أن الجلوس في الصلاة الثنائية كالجلوس في التشهد الأول وليس كالجلوس في التشهد الأخير في الصلاة الرباعية، لأنه جاء التنصيص على أن الجلوس في التشهد متوركًا إنما يكون في الصلاة الرباعية ومثلها الثلاثية؛ لأن فيها تشهدين.
وهذا ما رجحه الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم راجع صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم 3/832
وقرر الألباني أيضا سنة جلسة الاقعاء بين السجدتين وأن الأحاديث المثبتة لا تعارضها أحاديث النهي عن إقعاء كإقعاء الكلب لأن النهي عن إقعاء خاص وهو إقعاء الكلب وصورته أن يلصق أليتيه بالأرض وينصب ساقيه ويضع يديه على الأرض كما فسره علماء اللغه كأبي عبيدة. فهذا اقعاء غير الإقعاء الثابت في السنة وبذلك يجمع بين الأخبار كما بينه البيهقي وتبعه ابن الصلاح والنووي وغيرهم من المحققين وحينئذ فلا مبرر للقول بالنسخ كما فعل الخطابي وغيره.
والإقعاء الذي هو السنة لا يعارض الإفتراش الثابت في حديث أبي حميد ففعل الإقعاء ليبين الرخصة والجواز بمرة أو مرات قليلة ويواظب على الأفضل منها على المختار والاولى . انتهى يقصد يواظب على الإفتراش وفعل الإقعاء لبيان الرخصة
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم 2/801
قال: [قلت: (لأنظرن إلى صلاة رسول الله ﷺ كيف يصلي)].
قول وائل بن حجر رضي الله عنه: [قلت] إما أن يكون قال ذلك في نفسه بمعنى أنه ألزم نفسه وهيأ نفسه لهذا، وأنه يريد أن يفعل ذلك حتى يعرف كيفية صلاة رسول الله ﷺ، وإما أن يكون قال ذلك لغيره،
وهو دال على حرص أصحاب رسول الله ﷺ رضي الله عنهم وأرضاهم على معرفة السنن ومعرفة الأحكام الشرعية قولًا وفعلًا .
فقال: [(فقام رسول الله ﷺ فاستقبل القبلة فكبر)] يعني: أنه لابد من القيام في الصلاة، فالإنسان يصلي قائمًا إذا كان يستطيع القيام، وأما إذا كان لا يستطيع القيام فإنه يصلي على حسب حاله، كما سبق أن مر بنا في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه: (صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب).
والله تعالى يقول: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلّا وُسْعَها﴾ [البقرة:٢٨٦]، ومر بنا أنه لو صلى الفرض قاعدًا مع قدرته على القيام لم تصح صلاته، وأما في النافلة فيصح أن يصلي قاعدًا مع قدرته على القيام، لكن أجره على النصف من أجر القائم كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله ﷺ.
قوله: (قام فاستقبل القبلة) فيه أنه لابد للإنسان عند القيام للصلاة أن يستقبل القبلة، واستقبالها شرط من شروط الصلاة بالنسبة للفريضة، وكذلك بالنسبة للنافلة إلا إذا كان الإنسان راكبًا فإنه يدخل في الصلاة مستقبل القبلة ثم يصلي حيثما توجهت به راحلته كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله ﷺ.
قوله: (وكبر) أي: دخل في الصلاة، وهذه هي تكبيرة الإحرام، وهي ركن من أركان الصلاة.
وسميت تكبيرة الإحرام؛ لقول رسول الله ﷺ: (تحريمها التكبير) أي: أن الإنسان إذا وجد منه التكبير في الإحرام حرم عليه بهذا العمل أمور كانت حلالًا له قبل ذلك، كالأكل والشرب والكلام والالتفات والذهاب والإياب والقيام والقعود وغير ذلك.
قوله: [(ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه)].
أي: أنه عندما كبر للإحرام رفع يديه حتى حاذتا أذنيه، وهذه هي السنة عن رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: [(ثم أخذ شماله بيمينه)].
أي: وضع اليمنى على اليسرى على الصدر، وذلك بعدما رفع يديه ودخل في الصلاة.
وكيفيه وضعها أن تكون على الساعد -أي: الذراع- وعلى الرسغ الذي هو المفصل وعلى الكف، فتكون اليد اليمنى على الأمور الثلاثة، ولا تكون على الكف وحده أو على الذراع وحده أو تكون على العضد وإنما تكون على الهيئة التي ذكرنا.
وهذه الرواية فيها في قبض اليدين تقيد الروايات المطلقة التي فيها قبض اليدين قبل الركوع وبعده مثل حديث (كان إذا كان قائما في الصلاة قبض بيمينه على شماله) . وحديث (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة ) ، فهذا عام . يقيد بحديث وائل وان ذلك قبل الركوع فقط .
وحديث وائل وغيره من الأحاديث فيه رد على مذهب من رأى أسبال اليدين
قوله: [(فلما أراد أن يركع رفعهما إلى مثل ذلك)].
أي: إلى حذاء الأذنين، ورفع اليدين في الصلاة ثبت في ثلاثة مواضع: عند الإحرام، وعند الركوع، وعند رفعه من الركوع، وجاء في صحيح البخاري موضع رابع وهو عند القيام من التشهد الأول في الصلاة التي لها تشهدان، فهذه المواضع الأربعة ثلاثة منها ثبتت في الصحيحين وواحد منها ثبت في صحيح البخاري.
قوله: [(ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضعه يده اليسرى على فخذه اليسرى)].
هذا فيه اختصار؛ لأنه ما ذكر الركوع.
قوله: [(ثم جلس فافترش رجله اليسرى ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثنتين وحلق حلقة، ورأيته يقول: هكذا وحلق بشر الإبهام والوسطى وأشار بالسبابة)].
يعني: جعل الوسطى مع الإبهام حلقة، وأما الخنصر والبنصر فقد قبضهما وأشار بسبابته، وهذه الهيئة ثبتت عن رسول الله ﷺ، وهناك هيئة أخرى ثبتت وهي أنه يقبض الثلاث من غير تحليق ويشير بالسبابة، وتكون الإبهام على الوسطى ولكن من غير تحليق.
قوله: [(ووضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، وحد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى)].
المراد وضع باطن الكفّين على الركبتين، وقد أجمع العلماء على استحباب وضع اليسرى عند الركبة، أو على الركبة.
ووضْعُ اليدين على الركبتين في التشهّد مجمع على استحبابه، والحكمة من وضعهما على الركبتين المحافظةُ من العبث، والمراعاةُ للأدب.
قوله: [(وأشار بالسبابة)].
أي: من ابتداء القعود للتشهّد إلى انتهائه، على ما هو الصواب.
و«السّبّابة»: هي الإصبَعُ التي تلي الإبهام؛ سُمّيت بذلك؛ لأنها يشار بها عند السبّ، قاله الفيّوميّ –رحمه الله- [«المصباح المنير» ١/ ٢٦٢].
وتسمّى المُسَبِّحة أيضًا -بضم الميم، وكسر الباء المشددة- سميت بذلك؛ لأن المصلي يشير بها إلى التوحيد والتنزيه لله تعالى عن الشرك. قاله النووي رحمه الله تعالى [«لسان العرب» ج ١ ص ٣٧٨].
وظواهر الأحاديث تدلّ على أن الإشارة من أول الجلوس إلى آخره، فالحقّ أنه يُشير من أوله إلى آخره، فتبصّر، لا كما يقال: إن الإشارة عند الشهادتين فقط، فإن ذلك مما لا دليل عليه، كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
قال الحافظ النووي: وأما الإشارة بالمسبِّحة فمستحبة عندنا؛ للأحاديث الصحيحة.
وقال: ويُشير بمسبحة اليمنى لا غير، فلو كانت مقطوعة أو عَلِيلة لم يشر بغيرها، لا من الأصل باليمنى، ولا اليسرى، والسنة أن لا يجاوز بصره إشارته، وفيه حديث صحيح في «سنن أبي داود»، ويشير بها موجَّهةً إلى القبلة، وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص. انتهى كلام النوويّ –رحمه الله- [«شرح النوويّ» ٥/ ٨١ – ٨٢].
وقال القرطبيّ -رحمه الله -: قوله: «وعقد ثلاثًا وخمسين» قد بَيَّنَ هذا بيانًا شافيًا وائل بن حُجْر -رضي الله عنه- فيما رواه أبو داود، قال: (وجَعَل حدَّ مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قَبَضَ اثنتين من أصابعه، وحَلَّقَ حَلْقةً)، وإلى ظاهر حديث وائل –رضي الله عنه- هذا ذهب بعض أهل العلم، فقالوا بالتحليق، وكرهه بعض علماء المدينة؛ أخذًا بظاهر حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- حيث حَكى أنه -ﷺ- عقد ثلاثًا وخمسين، ومن قال بالتحليق منهم من ذهب إلى أن التحليق برؤوس الأنامل، وهو الخطّابيّ، ومنهم من ذهب إلى أنه يَضَع أنملة الوسطى بين عُقدتي الإبهام، والأمر قريبٌ، ويُفيد مجموع الأحاديث التخيير. انتهى كلام القرطبيّ –رحمه الله- [«المفهم» ٢/ ٢٠١]، وهو حسنٌ.
[شرح سنن أبي داود للعباد، والبحر المحيط، بتصرف يسير].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): الأحاديث
1 – حَدَّثَنِي عامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أبِيهِ رضي الله عنهما، قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-: إذا قَعَدَ فِي الصَّلاةِ، جَعَلَ قَدَمَهُ اليُسْرى بَيْنَ فَخِذِهِ وساقِهِ، وفَرَشَ قَدَمَهُ اليُمْنى، ووَضَعَ يَدَهُ اليُسْرى عَلى رُكْبَتِهِ اليُسْرى، ووَضَعَ يَدَهُ اليُمْنى عَلى فَخِذِهِ اليُمْنى، وأشارَ بِإصبعِهِ». رواه مسلم (١٣١٠)، بابُ: صِفَةِ الجُلُوسِ فِي الصَّلاةِ.
2 – عَنْ عامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أبِيهِ، قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- إذا قَعَدَ يَدْعُو وضَعَ يَدَهُ اليُمْنى عَلى فَخِذِهِ اليُمْنى، ويَدَهُ اليُسْرى عَلى فَخِذِهِ اليُسْرى، وأشارَ بِإصبَعِهِ السَّبابَةِ، ووَضَعَ إبْهامَهُ عَلى إصْبَعِهِ الوُسْطى، ويُلْقِمُ كَفَّهُ اليُسْرى رُكْبَتَهُ». رواه مسلم (١٣١١).
3 – عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أنَّ النَّبِيَّ -ﷺ- كانَ إذا جَلَسَ فِي الصَّلاةِ، وضَعَ يَدَيْهِ عَلى رُكْبَتَيْهِ، ورَفَعَ إصْبَعَهُ اليُمْنى الَّتِي تَلِي الإبْهامَ، فَدَعا بِها، ويَدَهُ اليُسْرى عَلى رُكْبَتِهِ اليُسْرى، باسِطَها عَلَيْها». رواه مسلم (١٣١٢).
4 – عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -ﷺ- كانَ إذا قَعَدَ فِي التَّشَهُّدِ، وضَعَ يَدَهُ اليُسْرى عَلى رُكْبَتِهِ اليُسْرى، ووَضَعَ يَدَهُ اليُمْنى عَلى رُكْبَتِهِ اليُمْنى، وعَقَدَ ثَلاثَةً وخَمْسِينَ، وأشارَ بِالسَّبّابَةِ». رواه مسلم (١٣١٣).
5 – عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المُعاوِيِّ، أنَّهُ قالَ: رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وأنا أعْبَثُ بِالحَصى فِي الصَّلاةِ، فَلَمّا انْصَرَفَ نَهانِي، فَقالَ: اصْنَعْ كَما كانَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- يَصْنَعُ، فَقُلْتُ: وكَيْفَ كانَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- يَصْنَعُ؟ قالَ: «كانَ إذا جَلَسَ فِي الصَّلاةِ، وضَعَ كَفَّهُ اليُمْنى عَلى فَخِذِهِ اليُمْنى، وقَبَضَ أصابِعَهُ كُلِّها، وأشارَ بِإصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الإبْهامَ، ووَضَعَ كَفَّهُ اليُسْرى عَلى فَخِذِهِ اليُسْرى». رواه مسلم (١٣١٤).
6 – عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطاءٍ، أنَّهُ كانَ جالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ، فَذَكَرْنا صَلاَةَ النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ أبُو حُمَيْدٍ السّاعِدِيُّ: أنا كُنْتُ أحْفَظَكُمْ لِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ «رَأيْتُهُ إذا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذاءَ مَنكِبَيْهِ، وإذا رَكَعَ أمْكَنَ يَدَيْهِ مِن رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإذا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوى حَتّى يَعُودَ كُلُّ فَقارٍ مَكانَهُ، فَإذا سَجَدَ وضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ ولاَ قابِضِهِما، واسْتَقْبَلَ بِأطْرافِ أصابِعِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ، فَإذا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلى رِجْلِهِ اليُسْرى، ونَصَبَ اليُمْنى، وإذا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرى، ونَصَبَ الأُخْرى وقَعَدَ عَلى مَقْعَدَتِهِ» وسَمِعَ اللَّيْثُ يَزِيدَ بْنَ أبِي حَبِيبٍ، ويَزِيدُ مِن مُحَمَّدِ بْنِ حَلْحَلَةَ، وابْنُ حَلْحَلَةَ مِن ابْنِ عَطاءٍ، قالَ أبُو صالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ: كُلُّ فَقارٍ، وقالَ ابْنُ المُبارَكِ: عَنْ يَحْيى بْنِ أيُّوبَ، قالَ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أبِي حَبِيبٍ، أنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو حَدَّثَهُ، كُلُّ فَقارٍ، (خ) ٨٢٨.
(المسألة الثانية): اشكال:
عامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أبِيهِ رضي الله عنهما، قالَ: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ-: إذا قَعَدَ فِي الصَّلاةِ، جَعَلَ قَدَمَهُ اليُسْرى بَيْنَ فَخِذِهِ وساقِهِ، وفَرَشَ قَدَمَهُ اليُمْنى، ووَضَعَ يَدَهُ اليُسْرى عَلى رُكْبَتِهِ اليُسْرى، ووَضَعَ يَدَهُ اليُمْنى عَلى فَخِذِهِ اليُمْنى، وأشارَ بِإصبعِهِ». رواه مسلم.
(وفَرَشَ) من بابي نصر وضرب: أي بسط، (قَدَمَهُ اليُمْنى) أي: جعل ظهرها على الأرض، وليست منصوبة، وهذا لا ينافي ما ثبت في الروايات الأخرى التي ذُكر فيها نصبه قدمه اليمنى؛ لإمكان حمله على اختلاف الأوقات، فهو -ﷺ- فعل هذا في بعض الأوقات، وهذا في بعض الأوقات؛ لبيان الجواز، أفاده في «المنهل» [«المنهل العذب المورود في شرح سنن أبي داود» ٦/ ١٠٣].
وقال النوويّ –رحمه الله-: هذا الذي ذكره من صفة القعود هو التورُّك، لكن قوله: «وفَرَشَ قدمه اليمنى» مشكلٌ؛ لأن السنة في القدم اليمنى أن تكون منصوبة باتفاق العلماء، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على ذلك، في «صحيح البخاريّ» وغيره، قال القاضي عياض – رحمه الله -: قال الفقيه أبو محمد الخُشَنيّ: صوابه: وفَرَش قدمه اليسرى، ثم أنكر القاضي قوله؛ لأنه قد ذكر في هذه الرواية ما يَفْعَل باليسرى، وأنّه جعلها بين فخذه وساقه، قال: ولعل صوابه: ونصب قدمه اليمنى، قال: وقد تكون الرواية صحيحة في اليمنى، ويكون معنى فرشها أنه لم يَنصِبها على أطراف أصابعه في هذه المرّة، ولا فَتَحَ أصابعها كما كان يفعل في غالب الأحوال، هذا كلام القاضي.
قال النوويّ: وهذا التأويل الأخير الذي ذكره هو المختار، ويكون فَعَلَ هذا لبيان الجواز، وأن وضْع أطراف الأصابع على الأرض، وإن كان مستحبًّا يجوز تركه، وهذا التأويل له نظائر كثيرةٌ، لا سيما في باب الصلاة، وهو أولى من تغليط رواية ثابتة في «الصحيح»، واتفق عليها جميع نسخ مسلم. انتهى [«شرح النوويّ» ٥/ ٨٠ – ٨١].
وقال القرطبيّ –رحمه الله-: قوله: «وفَرَشَ قدمه اليمنى» هكذا الرواية، ولا يصحّ غيرها نقلًا، وقد أشكلت هذه اللفظة على جماعة حتى قال أبو محمد الخُشَنيّ: صوابه: «وفَرَشَ قدمه اليسرى»، ورأى أنه غَلَطٌ؛ لأن المعروف في اليمنى أنها منصوبة، كما جاء في حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- من رواية أبي داود أنه -ﷺ- كان يَنصب اليمنى، ويَثْنِي اليسرى، وكذا جاء في البخاريّ من حديث أبي حميد –رضي الله عنه- قال: «وإذا جلس في الرَّكعة الآخرة جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى، وقَعَدَ على مقعدته»، والصَّواب حَمْلُ الرواية على الصحّة وعلى ظاهرها، وأنّه -ﷺ- في هذه الكرّة لم يَنصب قدمه اليمنى، ولا فَتَحَ أصابعه، وإنما باشر الأرض بجانب رجله اليسرى، وبسطها عليها، إما لعذر، كما كان يفعل ابن عُمر –رضي الله عنهما-، حيث قال: إن رجليّ لا تحملاني، وإما ليُبَيِّنَ أن نصبهما، وفتحَ أصابعهما ليس بواجب، وهذا هو الأظهر، واللَّه أعلم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله [«المفهم» ٢/ ٢٠٠]، وهو تحقيقٌ نفيس، واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في كيفيّة الجلوس في الصلاة:
قال الإمام أبو بكر بن المنذر –رحمه الله-: افترق أهل العلم في صفة الجلوس في التشهد الأول والآخر ثلاث فِرَق.
فسوّت فرقة بين الجلسة الأولى والأخيرة، فرأت أن ينصب الجالس رجله اليمنى، ويفترش اليسرى، فيجلس على بطن قدمه، هذا قول سفيان الثوريّ، وقال أصحاب الرأي: يقعد الرجل في الصلاة إذا قعد في الثانية والرابعة يفترش رجله اليسرى، فيجعلها بين ألْيتيه، فيقعد عليها، ويَنْصِب اليمنى نصبًا، ويوجه أصابع رجله اليمنى نحو القبلة.
واحتَجَّ من هذا مذهبه بما أخرجه أحمد، وأصحاب السنن بإسناد صحيح، عن وائل بن حجر –رضي الله عنه-، قال: «أتيت رسول اللَّه -ﷺ-، فقلت: لأنظرنّ إلى صلاته، كيف يصلّي؟، فلما جلس افترش رجله اليسرى، ووضع يده على ركبته اليسرى، ووضع حدّ مرفقه على فخذه اليمنى».
وبما أخرجه البخاريّ، وأصحاب السنن عن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: «من سنّة الصلاة، أن تنصب اليمنى، وتَثْني اليسرى»، ولفظ أبي داود، والنسائيّ: «من سنّة الصلاة أن تُضْجِع رجلك اليسرى، وتَنْصِب اليمنى».
ورأت فرقة أن يجلس بين السَّجدتين كما يجلس في التشهد، ينصب رجله اليمنى، ويَثني اليسرى، ويقعد على ورِكِه الأيسر حتى يستوي قاعدًا، ويعتدل.
هذا قول مالك، قال: وهذا أحبّ ما سمعت إليّ، وقال مالك: إذا نصب اليمنى جعل بطن الإبهام على الأرض.
واحتج بما رواه في «الموطأ» عن يحيى بن سعيد، أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد، فنصب اليمنى، وثَنى اليسرى، وجلس على وركه اليسرى، ولم يجلس على قدمه، ثم قال: أراني هذا عبد اللَّه بن عبد اللَّه بن عمر، وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك.
ورأت فرقة ثالثة أن يجلس الجلسة الأولى كالذي ذكرناه عن الثوريّ، ويجلس في الرابعة على نحو ما حكيناه عن مالك.
هذا قول الشافعيّ، وأحمد، وإسحاق.
واحتج هؤلاء بحديث أبي حميد الساعديّ –رضي الله عنه-. انتهى كلام ابن المنذر باختصار وتصرّف [«الأوسط» ٣/ ٢٠٢ – ٢٠٤].
وقال النوويّ رحمه الله: مذهبنا -يعني الشافعيّة- أنه يُستحبُّ أن يجلس في التشهد الأول مفترشًا، وفي الثاني متوركًا، فإن كانت الصلاة ركعتين جلس متوركًا، وقال مالك: يجلس فيهما متوركًا، وقال أبو حنيفة والثوريّ: يجلس فيهما مفترشًا، وقال أحمد: إن كانت الصلاة ركعتين افترش، وإن كانت أربعًا افترش في الأول، وتَوَرَّك في الثاني.
واحتُجَّ لمن قال يفرش فيهما بحديث عائشة –رضي الله عنها-: «أنّ النبيّ -ﷺ- كان يَفرِش رجله اليسرى، ويَنصب اليمنى، ويَنهى عن عقب الشيطان»، رواه مسلم، وفي رواية البيهقي: «يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى».
وعن وائل بن حُجْر –رضي الله عنه- أنّ النبيّ -ﷺ- «كان يفرش رجله اليسرى».
واحتُجّ للتورك بحديث عبد اللَّه بن الزبير –رضي الله عنه-
وعن ابن عمر –رضي الله عنهما-: «سنّة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى، وتثني اليسرى»، رواه البخاريّ.
وروى مالك بإسناد صحيح عن ابن عمر – رضي الله عنهما -: «الجلوس على قدمه اليسرى».
واحتج الشافعيّة بحديث أبي حميد الساعديّ –رضي الله عنه- في عشرة من أصحاب النبيّ -ﷺ- أنه وصف صلاة النبيّ -ﷺ-، قال: «فإذا جلس في الرّكعتين جلس على رجله اليسرى، ونصب اليمنى، فإذا جلس في الرَّكعة الأخيرة قدّم رجله اليسرى، ونصب الأُخرى، وقعد على مقعدته»، رواه البخاري بهذا اللفظ.
قال الشافعيّ وأصحابه: فحديث أبي حميد وأصحابه صريح في الفرق بين التشهدين، وباقي الأحاديث مطلقة، فيجب حملها على موافقته، فمن روى التورك أراد الجلوس في التشهد الأخير، ومن روى الافتراش أراد الأول، وهذا متعين للجمع بين الأحاديث الصحيحة، لا سيما وحديث أبي حميد وافقه عليه عشرة من كبار الصحابة –رضي الله عنهم-، واللَّه أعلم. انتهى كلام النوويّ –رحمه الله- ببعض تصرّف [«المجموع شرح المهذّب» ٣/ ٤٣٠ – ٤٣١].
قال الأتيوبي عفا اللَّه تعالى عنه: الراجح عندي من هذه المذاهب كلِّها هو ما ذهب إليه الإمام أحمد –رحمه الله-، وهو أن التورّك يكون للصلاة التي يكون فيها تشهدان، وما عدا ذلك فالسنة فيه الافتراش، فهذا التفصيل هو الأرجح عندي، إذ هو أقرب للجمع بين الأحاديث، فإن حديث عائشة –رضي الله عنها- نصّ صريح في أن السنة في كل تشهد هو الافتراش، فقد أخرج مسلم في «صحيحه» من حديث أبي الجَوْزاء عنها، في صفة صلاة النبيّ -ﷺ-، وفيه: «وكان يقول في ركعتين التحيةَ، وكان يفرُش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، وكان ينهى عن عُقْبَة الشيطان».
فإن هذا نصّ صريح في أن السنة في الجلوس للتشّهد في كل ركعتين هو الافتراش.
لكن لما صحّ لدينا حديث أبي حميد –رضي الله عنه-، وكان فيه زيادة أخذنا بالزيادة، وهي أن السنة في التشهد الأخير فيما كان فيه تشهدان التورُّك، فبقي ما عداه على حديث عائشة –رضي الله عنها-.
والحاصل أن الافتراش هو السنة في الجلوس مطلقًا، ما عدا الجلوسَ للتشهد الأخير في الصلاة الثلاثية، والرباعية، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: هذه الكيفيات المذكورة في التشهد ليست للوجوب، بل هي للاستحباب، فلو تَوَرَّك في الأول، وافترش في الأخير جازت الصلاة، واللَّه تعالى أعلم.
[تنبيه آخر]: قيل: الحكمة في الافتراش في التشهد الأول، والتورّك في الثاني أنه أقرب إلى تذكر الصلاة، وعدم اشتباه عدد الركعات،
ولأن السنة تخفيف التشهد الأول، فيجلس مفترشًا؛ ليكون أسهل للقيام، والسنة تطويل الثاني، ولا قيام بعده، فيجلس متوركًا ليكون أعون له، وأمكن ليتوفر الدعاء،
ولأن المسبوق إذا رآه علم في أي التشهدين، ذكره النوويّ –رحمه الله-، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [البحر المحيط].
(المسألة الرابعة): قد ورد عن النبيّ -ﷺ- في كيفية وضع اليد اليمنى هيئات:
(الأولى): ما في حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- هذا: «كان رسول اللَّه -ﷺ- إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام…» الحديث.
(الثانية): ما في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أيضًا في الرواية الماضية: «أن رسول اللَّه -ﷺ- كان إذا قعد في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثة وخمسين، وأشار بالسبابة».
(الثالثة): ما تقدّم في حديث عبد اللَّه بن الزبير -﵄-: «كان رسول اللَّه -ﷺ- إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوُسطى، ويُلْقِم كفه اليسرى ركبته».
(الرابعة): ما في حديث وائل بن حجر –رضي الله عنه- عند الإمام أحمد، والنسائيّ بإسناد صحيح، وفيه: «وجعل حَدَّ مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض ثنتين من أصابعه، وحلَّقَ حَلْقَة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها، يدعو بها».
(الخامسة): وضع اليد اليمنى على الفخذ من غير قبض، والإشارة بالسبابة، وقد تقدّم في حديث عبد اللَّه بن الزبير -رضي الله عنه- في الرواية الأولى؛ لأنه اقتصر فيها على مجرد الوضع والإشارة، وكذلك أخرج أبو داود عن ابن عمر ما يدلّ على ذلك، وأخرج أبو داود، والترمذيّ من حديث أبي حميد بدون ذكر القبض.
قال العلامة الشوكانيّ –رحمه الله-: اللَّهم إلا أن تُحمل الرواية التي لم يُذكر فيها القبض على الروايات التي ذكر فيها القبض حملَ المطلق على المقيَّد.
قال الأثيوبي عفا اللَّه تعالى عنه: هذا الحمل هو المتعيِّن في المسألة؛ توفيقًا بين الروايات، واللَّه تعالى أعلم.
وقد جعل العلامة الإمام ابن القيم –رحمه الله- في «الهدي» الروايات المذكورة كلَّها واحدةً، قال: فإن مَن قال: قبض أصابعه الثلاث أراد به أن الوُسطى كانت مضمومة، ولم تكن منشورة كالسبابة، ومن قال: قبض اثنتين أراد أن الوُسطى لم تكن مقبوضة مع البنصر، بل الخنصر والبنصر متساويتان في القبض دون الوسطى، وقد صرّح بذلك من قال: وعقد ثلاثًا وخمسين، فإن الوُسطى في هذا العقد تكون مضمومةً، ولا تكون مقبوضة مع البنصر.
وقد استَشْكَل كثير من الفضلاء هذا؛ إذ عقد ثلاث وخمسين لا يلائم واحدة من الصفتين المذكورتين، فإن الخنصر لا بدّ أن تركب البنصر في هذا العقد.
وقد أجاب عن هذا بعض الفضلاء بأن الثلاثة لها صفتان في هذا العقد: قديمةٌ، وهي التي ذُكرت في حديث ابن عمر، تكون فيها الأصابع الثلاث مضمومة مع تحليق الإبهام مع الوسطى، وحديثةٌ، وهي المعروفة اليوم بين أهل الحساب، واللَّه أعلم. انتهى كلام العلامة ابن القيم –رحمه الله-.
قال الأتيوبي عفا اللَّه عنه: وعندي أن الأولى حمل الروايات على اختلاف الأوقات، ففي بعضها قبض أصابعه كلّها، وأشار بالسبّابة، وفي بعضها قبض ثنتين من أصابعه، وهما الخنصر والبنصر، وحلّق الإبهام والوُسطى، وأشار بالسبّابة، وهو معنى عقد ثلاثة وخمسين، وأما حديث وضع اليمنى على الفخذ من دون قبض، فيحتمل أن يكون لبيان الجواز، أو يُحمَل على الأحاديث الأخرى التي دلّت على القبض؛ حملًا للمطلق على المقيّد، كما سبق التنبيه عليه، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [البحر المحيط].
(المسألة الخامسة): في بيان معنى عقد ثلاث وخمسين الوارد في حديث التشهد:
قال النوويّ –رحمه الله-: قوله: «وعقد ثلاثًا وخمسين» شرطه عند أهل الحساب أن يَضَع طرف الخنصر على البنصر، وليس ذلك مرادًا ههنا، بل المراد أن يضع الخنصر على الراحة، ويكون على الصورة التي يسميها أهل الحساب تسعة وخمسين. انتهى وبين صفة ابن عابدين وراجع [البحر المحيط]. حيث نقله بأكمله ونظمه في أبيات
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في تحريك السبّابة عند التشهّد:
قال القرطبيّ –رحمه الله-: اختَلَفت الروايات في ذلك، فزاد أبو داود في حديث ابن الزبير: «أنه -ﷺ- كان يُشير بإصبعه إذا دعا، ولا يُحرّكها»، وإلى هذا ذهب بعض العراقيين، فمنع من تحريكها، وبعض أصحابنا رأوا أن مدّها إشارة إلى دوام التوحيد.
وفي حديث وائل بن حجر بعد قوله: «وحَلّق حلقةً، ثم رفع إصبعه، فرأيته يُحرّكها، يدعو بها»، رواه النسائيّ.
وإلى هذا ذهب أكثر المالكيّة،
ثم من قال بالتحريك، فهل يواليه، أو لا يواليه؟
اختُلِف فيه على قولين، وسبب ذلك اختلافُهُم في ماذا يُعلَّلُ به ذلك التحريك؟ فمن والى التحريك تأول ذلك بأنها مُذكّرةٌ بموالاة الحضور في الصلاة، وبأنها مِقْمَعة ومِدفعة للشيطان، ومن لم يُوالي رأى تحريكها عند التلفّظ بكلمتي الشهادة فقط، وتأوّل في الحركة كأنها نُطق تلك الجارحة بالتوحيد. انتهى كلام القرطبيّ – رحمه الله – ببعض تصرّف.
قال الأتيوبي عفا اللَّه عنه: قد تقدّم أن الإشارة تكون من أول الجلوس إلى آخره، كما هو ظاهر الأحاديث، وليس عند الشهادتين فقط؛ إذ لا دليل عليه.
ثم إن عدم التحريك هو الأولى عندي، كما هو مذهب جمهور العلماء؛ لما رواه أبو داود، والنسائيّ من طريق زياد بن سعد، عن محمد بن عجلان، عن عامر بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه: «أن النبيّ -ﷺ- كان يشير بإصبعه إذا دعا، ولا يُحرّكها»، فهذا صريح في عدم التحريك.
وأما ما أخرجه أحمد، والنسائيّ عن وائل بن حجر –رضي الله عنه- وفيه: «فرأيته يحرّكها»، فقد أعلّه بعضهم بالشذوذ، حيث خالف زائدة بن قُدامة جماعة من الحفاظ الذين رووه عن عاصم بن كُليب، وقد ألّف بعض المعاصرين في ذلك رسالة، وعلى تقدير صحته، فيُحمل على أنه فعل ذلك لبيان الجواز، فيُعمل به في بعض الأحيان.
وأما تضعيف بعضهم حديث عبد اللَّه بن الزبير الذي فيه أنه لا يحرّكها بتفرّد محمد بن عجلان، فليس بجيّد، فإن زيادته ليست منكرةً؛ لأنه ثقةٌ متّفقٌ على توثيقه، وإنما تكلّموا باضطرابه في أحاديث أبي هريرة –رضي الله عنه- فقط، وليس هذا منها، ولأن روايته يؤيّدها حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- الذي فيه وصف كيفيّة القبض والإشارة وصفًا دقيقًا، حيث بيّن فيه بأنه عقد ثلاثًا وخمسين، فإنه خالٍ عن التحريك، فلو كان -ﷺ- يُحرّكها لَما أهمله ابن عمر – رضي الله عنهما -، فهو مؤيّد لرواية ابن عجلان.
والحاصل أن الأولى عدم التحريك، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [البحر المحيط].
وذهب الألباني إلى مشروعية التحريك وأنه لا ينافي أحاديث الإشارة. وراجع صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم 3/838
(المسألة السابعة): الفوائد
1 – (منها): بيان كيفيّة الجلوس للتشهّد في الصلاة، وذلك بأن يضع قدمه اليسرى تحت فخذه وساقه، ويفرش اليمنى، وهذا هو التورّك، وهذه إحدى كيفيّات الجلوس، وله كيفيّة أخرى.
2 – (ومنها): بيان استحباب وضع اليد اليسرى على الركبة اليسرى، واليمنى على اليمنى.
3 – (منها): بيان كيفيّة وضع اليدين في حال الجلوس في الصلاة، فأما اليمنى فالمستحبّ فيها القبض، والإشارة بالسبابة، وقد مر بيان هيئات قبضها قريبًا، وأما اليسرى فالمستحبّ فيها الوضع.
قال النوويّ –رحمه الله-: وقد أجْمَع العلماء على استحباب وضعها -يعني اليسرى- عند الركبة، أو على الركبة، وبعضهم يقول: يَعطِف أصابعها على الركبة، وهو معنى قوله: «ويلقم كفه اليسرى على ركبته». انتهى.
ثم إنه لا خلاف بين أهل العلم في وضع اليدين على الركبتين، والإشارة بمسبحة اليمنى.
قال صاحب «التعليق الممجد» من العلماء الحنفية: أصحابنا الثلاثة -يعني الإمام أبا حنيفة، وأبا يوسف، ومحمد بن الحسن- اتفقوا على تجويز الإشارة، لثبوتها عن النبيّ -ﷺ- وأصحابه بروايات متعددة، وقد قال به غير واحد من العلماء، حتى قال ابن عبد البرّ: إنه لا خلاف في ذلك، وإلى اللَّه المشتكى من صنيع كثير من أصحابنا، أصحاب الفتاوى، كصاحب «الخلاصة» وغيره حيث ذكروا أن المختار عدم الإشارة، بل ذكر بعضهم أنها مكروهة، فالحذرَ الحذرَ من الاعتماد على قولهم في هذه المسألة مع كونه مخالفًا لما ثبت عن النبيّ -ﷺ- وأصحابه، بل وعن أئمتنا أيضًا، بل لو ثبت عن أئمتنا التصريح بالنفي، وثبت عن رسول اللَّه -ﷺ- وأصحابه الإثبات لكان فعل الرسول -ﷺ- وأصحابه –رضي الله عنهم- أحقّ وألزم بالقبول، فكيف، وقال به أئمتنا أيضًا؟ انتهى كلام صاحب «التعليق الممجد» باختصار، وهو تحقيقٌ نفيس.
4 – (ومنها): استحباب قبض اليد اليمنى.
5 – (ومنها): استحباب الإشارة بالسبّابة.
6 – (ومنها): استحباب الإشارة بالمسبّحة، وتوجيهها إلى القبلة، كما دلّت عليه رواية النسائيّ المذكورة.
7 – (ومنها): بيان موضع نظر المصلِّي في حال التشهد، وهي الإصبع التي أشار بها، فيستحب للمصلّي أن ينظر في حال التشهد إلى المسبّحة، ولا يتجاوزها، ففي رواية أبي داود، والنسائيّ من حديث عبد اللَّه بن الزبير أن رسول اللَّه -ﷺ- «كان إذا قعد في التشهد وضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، وأشار بالسبّابة لا يجاوز بصره إشارته». [البحر المحيط، بتصرف يسير].
8 – (ومنها): للإشارة بالسبّاحة عند ذكر الله تعالى معانٍ كريمة، فهي تشير إلى وحدانية الله تعالى، وتفرده في الإلهية وعبادته.
كما تشير إلى علوه تعالى على خلقه ذاتًا وصفة، وقدرًا وقهرًا؛ فقد روي عن ابن عباس أنّه قال في الإشارة: «هو الإخلاص»، فالحكمة في ذلك أن يجمع في توحيده بين القول والفعل والاعتقاد.[ توضيح الأحكام من بلوغ المرام].
قال السبكي في (الدين الخالص): (والحكمة) في تحريك السبابة أن بها عرقا يتصل بالقلب فإذا تحركت تحرك وعلم أنه في الصلاة وتنبه لوساوس الشيطان فلا يسهو في صلاته؛ ولذا ورد أنها شديدة على الشيطان”. انتهى.
9 – (ومنها): حرص أصحاب رسول الله ﷺ رضي الله عنهم وأرضاهم على معرفة السنن ومعرفة الأحكام الشرعية قولًا وفعلًا؛ وذلك أن وائل بن حجر رضي الله عنه يريد أن يتأمل ويتحقق من كيفيتها ومن هيئتها حتى يكون مقبلًا ومستعدًا ومتهيأً ليس عنده غفلة في النظر إلى صلاته ﷺ، بل يكون عنده الإقبال والرغبة والحرص والتهيؤ.
(المسألة الثامنة): الفتاوى:
[1] تحريك السبابة في التشهد
السؤال
كيف تكون الإشارة بالسبابة في التشهد، هل يحركها دائمًا أم يرفع السبابة فإذا دعا خفضها؟ ونرى من الناس من يبسط كفه في التشهد فهل هو صحيح؟
الجواب
أولًا: الذي يبسط هو اليد اليسرى تبسط على الفخذ الأيسر أو تلقم الركبة، أما اليمنى فإنها تقبض منها الخنصر والبنصر، والوسطى مع الإبهام تحلق، وثمَّ صفة أخرى أنها تُضم مع البنصر، ويضم الإبهام إلى الثلاثة فتكون أربعة وتبقى السبابة مفتوحة.
بالنسبة للسبابة من الناس من فهم من السنة أنه ينصبها دائمًا كهذا كأنها حربة ولا يحركها أبدًا، ومن الناس من يجعلها في طبيعتها حتى يعود كل مفصل إلى مكانه وعند الدعاء يرفعها، كلما دعا الله رفعها إشارة إلى علو من يدعوه ﷾، وأما تحريكها عند التشهد فليس فيه حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.[دروس الشيخ محمد بن صالح العثيمين]
[2] ١٦٩ – حكم تحريك إصبع السبابة والإشارة بها في الصلاة
س: السائل: س. أ. يقول: كيف كان هدي النبي ﷺ في رفع إصبع السبابة وتحريكها في الصلاة؟ وجزاكم الله خيرا.
ج: كان ﵊ يشير بها من حين يجلس للتشهد، يشير بالسبابة غير قائمة محنية قليلا، كما روى النسائي أن النبي ﷺ كان يفعل ذلك، فهو يشير بها منذ أن يجلس إلى أن يسلم، وهي غير منتصبة كثيرا، بل محنية قليلا، ويحركها عند الدعاء ﵊، ويجعل نظره إليها وقت الجلوس، لا يتجاوز بصره سبابته ﵊، هذا هو السنة.[فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر].
[3] س: هل رفع السبابة في التشهد سنة أم بدعة؟ وما الدليل على ذلك مأجورين؟
ج: السنة الإشارة في التشهد كما كان النبي يفعل ﷺ، كان يشير بالسبابة في الأحاديث الصحيحة في التشهد الأول والأخير، يشير بها للوحدانية ، ويقبض الأصابع كلها ويشير بالسبابة في التشهد الأول والأخير، ولا تزال منصوبة إلى سلامه من التشهد الأخير ، وربما حلق الإبهام والوسطى وقبض الخنصر والبنصر، وأشار بالسبابة، تارة يقبض أصابعه كلها ويشير بالسبابة، وتارة يحلق الإبهام مع الوسطى ويقبض الخنصر والبنصر ويشير بالسبابة، هذا هو السنة إشارة للوحدانية، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، واليسرى على اليسرى حال جلوسه للتشهد، وربما وضع يديه على الركبتين، وكان بين السجدتين يضعهما على الركبتين، وربما وضعهما على الفخذين بين السجدتين، وفي التشهد يضع اليسرى على فخذه اليسرى أو على ركبته اليسرى، واليمنى على فخذه اليمنى، ويحلق إبهامه مع الوسطى ويشير بالسبابة، وربما قبض أصابعه كلها وأشار بالسبابة حال تشهده عليه الصلاة والسلام.[ فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر].
[4] س: في التشهد هل تستحب الإشارة بالسبابة من بدء التشهد إلى نهايته، أم يكون عند ذكر اسم الله فقط؟ وهل صحيح أن الإشارة بالسبابة تكون على الشيطان أشد من وقع الضرب على المطرقة؟ وهل يكون عند الإشارة بالنطق بالشهادتين، أم في سائر الإشارات؟
ج: الإشارة تكون في التشهدين موجودة من أول ما يجلس للتشهد، كان النبي ﷺ إذا جلس للتشهد الأول والأخير رفع إصبعه السبابة رفعا غير كامل إشارة للتوحيد، هذا هو السنة من أول التشهد إلى آخره، عند ذكر الله وغيره تكون الإصبع واقفة، وإذا حركها عند الدعاء قليلا فحسن، فإن النبي ﷺ ربما حركها عند الدعاء ﵊، وأما كونها أشد على الشيطان من كذا وكذا فهذا ليس في الحديث، وإنما هو من كلام بعض السلف ولا يعتمد عليه، ولكنها بكل حال تغيظ الشيطان؛ لأن ذكر الله يغيظه، وهو يحب كل بلاء ويحب كل شر على المسلمين، إذا ذكر المؤمن ربه ووحده سبحانه فهذا يغيظ الشيطان ويؤلمه، وهكذا إذا استعاذ بالله منه، ومن نزغاته كل هذا يؤلمه، ولكن ذلك من أسباب السلامة من شره، ذكر الله كثيرا والاستعاذة بالله من الشيطان كل هذا من أسباب السلامة من نزغاته وبلاياه، أعاذنا الله والمسلمين منه.[ فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر].
[5] البعض من الناس يحركون السبابة في التشهد إلى آخره هل يجوز ذلك أم أن تحريك السبابة يقتصر على أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؟
فأجاب تعالى: تحريك السبابة إنما يكون عند الدعاء وليس في جميع التشهد فإذا دعا حركها كما جاء ذلك في بعض الأحاديث (يحركها يدعو بها) ووجه ذلك أن الداعي إنما يدعو الله ﷿ والله ﷾ في السماء لقوله تعالى (أأمِنتُمْ مَن فِي السَّماءِ أنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ فَإذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أمْ أمِنتُمْ مَن فِي السَّماءِ أنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) (الملك:١٦-١٧) وقال النبي ﵊ ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء فالله تعالى في السماء أي في العلو فوق كل شيء فإذا دعوت الله فإنك تشير إلى العلو ولهذا ثبت عن النبي ﵊ أنه خطب الناس في حجة الوداع وقال (ألا هل بلغت قالوا نعم فرفع أصبعه إلى السماء وجعل ينكتها إلى الناس يقول اللهم اشهد اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاثًا) وهذا يدل على أن الله تعالى فوق كل شيء وهو أمر واضح بالفطرة والعقل والسمع والإجماع وعلى هذا فكلما دعوت الله ﷿ فإنك تحرك السبابة تشير بها إلى السماء وفي غير ذلك تجعلها ساكنة فلنتتبع الآن مواضع الدعاء في التشهد في السلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين اللهم صلّ على محمد، اللهم بارك على محمد، أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال، هذه ثمانية مواضع للدعاء فتشير بها نحو السماء.[ فتاوى نور على الدرب للعثيمين].
6 – حكم رفع اليدين في السجود (فتوى لبعض أهل الفتوى ) وتم إضافة ما ثبت من آثار في الرفع في السجود .
السؤال :
هل في السنة ما يثبت صحة رفع اليدين بين السجدتين ؟ فالإمام الألباني رحمه الله ذكر خمسة أحاديث تنص على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه بين السجدتين ، لكننا نجد حديثاً آخر في صحيح البخاري ، والبيهقي من رواية بن عمر ذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه بين السجدتين مطلقاً ، فما توجيهكم ؟
الجواب :
الحمد لله
أولا :
روى البخاري (735) ، ومسلم (390) عن ابن عمر : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ أَيْضًا وَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ )
وروى البخاري (739) عَنْ نَافِعٍ : ” أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ” .
” فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ ، وَأَنَّهُ مِنْ سُنَنِ الصَّلاَةِ ، وَقَال السُّيُوطِيُّ : الرَّفْعُ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ خَمْسِينَ صَحَابِيًّا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ التَّشَهُّدِ لِلرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ ، وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ ” انتهى من ” الموسوعة الفقهية ” (27 /95) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” مواضع رَفْع اليدين أربعة :
عند تكبيرة الإحرام ، وعند الرُّكوعِ ، وعند الرَّفْعِ منه ، وإذا قام من التشهُّدِ الأول ” .
انتهى من ” الشرح الممتع ” (3 /214) .
راجع جواب السؤال رقم : (3267) .
تنبيه : ما نسب في “الموسوعة الفقهية” ، إلى الشافعية من استحباب رفع اليدين عن القيام من التشهد للركعة الثالثة : غير صحيح ، فالمشهور من المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب : أنه لا يرفع اليدين إلا في تكبيرة الإحرام ، والركوع ، والرفع منه .
ينظر : ” المجموع شرح المهذب ” للنووي (3/425) .
ثانيا :
روى البخاري (737) ، ومسلم (391) – واللفظ له – عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ : ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ” .
ورواه النسائي (1085) وزاد : ” وَإِذَا سَجَدَ ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ، حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا فُرُوعَ أُذُنَيْهِ ” وصححه الألباني في “صحيح النسائي” .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
” وأصح ما وقفت عليه من الأحاديث في الرفع في السجود ما رواه النسائي … ” ثم ذكر هذا الحديث .
ورواه أحمد (20014) ولفظه : عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِيَالَ فُرُوعِ أُذُنَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ” .
وروى ابن أبي شيبة (2449) عَنْ أَنَسٍ ” أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ” وصححه الألباني في ” الإرواء ” (2/68) .
فاختلف العلماء في الجمع بين حديث ابن عمر الذي ينفي فيه الرفع في السجود ، وبين حديث مالك بن الحويرث ، وحديث أنس ، وما روي في معناهما مما يفيد الرفع في السجود :
– فذهب بعضهم إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع أحيانا ، ولكن كان أكثر حاله على عدم الرفع .
وقد ذكر ابن رجب رحمه الله بعض الروايات التي فيها الرفع في السجود ثم قال : ” ويجاب عن هذه الروايات كلها ، على تقدير أن يكون ذكر الرفع فيها محفوظا، ولم يكن قد اشتبه بذكر التكبير بالرفع = بأن مالك بن الحويرث ، ووائل بن حجر : لم يكونا من أهل المدينة ، وإنما كانا قد قدما إليها مرة أو مرتين ، فلعلهما رأيا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعل ذَلِكَ مرة ، وقد عارض ذَلِكَ نفي ابن عمر، مع ملازمته للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشدة حرصه على حفظ أفعاله واقتدائه به فيها ، فهذا يدل على أن أكثر أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كانَ ترك الرفع فيما عدا المواضع الثلاثة والقيام من الركعتين ، وقد روي في الرفع عندَ السجود وغيره أحاديث معلولة ” .انتهى من “فتح الباري” لابن رجب (6/ 354)
وقال السندي رحمه الله :
” الظَّاهِر أَنَّهُ كَانَ يَفْعَل ذَلِكَ أَحْيَانًا وَيَتْرُك أَحْيَانًا ، لَكِنَّ غَالِب الْعُلَمَاء عَلَى تَرْك الرَّفْع وَقْت السُّجُود ، وَكَأَنَّهُمْ أَخَذُوا بِذَلِكَ بِنَاء عَلَى أَنَّ الْأَصْل هُوَ الْعَدَم ، فَحِين تَعَارَضَتْ رِوَايَتَا الْفِعْل وَالتَّرْك : أَخَذُوا بِالْأَصْلِ . وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ” انتهى.
– وذهب الأكثرون إلى ترجيح عدم الرفع ؛ لأنه المحفوظ رواية ودراية ، وحكموا على روايات الرفع بالشذوذ ، وأن الراوي أخطأ فذكر الرفع بدل التكبير ؛ لأن الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر في كل خفض ورفع ، كما في البخاري (785) ، ومسلم (392) .
وروى الترمذي (253) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : ” كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ” .
قال الترمذي عقبه : ” حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَغَيْرُهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ ، وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ ” انتهى .
وفي “العلل” ، للإمام الدارقطني (1763) : أنه َسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ ، وَيَقُولُ: لَوْ قُطِعَتْ يَدِي لَرَفَعْتُ ذِرَاعِي ، وَلَوْ قُطِعَتْ ذِرَاعِي لَرَفَعْتُ عَضُدِي.
فَقَالَ: هَذَا رَوَاهُ رَفْدَةُ بْنُ قُضَاعَةَ الْغَسَّانِيُّ ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي سَلَمَةَ كَذَلِكَ.
وَخَالَفَهُ مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، وَغَيْرُهُ ، فَرَوَوْهُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ : ” رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكَبِّرُ لَمْ يَذْكُرِ الرَّفْعَ وَفِي آخِرِهِ : إِنَّهَا لَصَلَاةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ.
وَقَدْ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛
فَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ ، عن أبي هُرَيْرَةَ ؛ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خفض ورفع ، ويقول: ” أَنَا أَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “.
وَلَمْ يُتَابِعْ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ عَلَى ذَلِكَ.
وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ: ” أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ ” .انتهى من “العلل” (9/283) .
وفي ” تذكرة الحفاظ ” لابن القيسراني (89، رقم 192) :
” 192 – ” إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ. . . ) الْحَدِيثَ.
رَوَاهُ رَفْدَةُ بْنُ قُضَاعَةَ الْغَسَّانِيُّ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ .
وَهَذَا خَبَرٌ إِسْنَادُهُ مَقْلُوبٌ وَحَدِيثُهُ مُنْكَرٌ ، مَا رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَيْهِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ قَطُّ.
وَإِخْبَارُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ يُصَرِّحُ بِضِدِّهِ ؛ أِنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.
وَرَفْدَةُ هَذَا ضَعِيفٌ، تَفَرَّدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ ” انتهى .
وينظر: “منهج الإمام أحمد في إعلال الحديث” ، (1/129-131) .
سئل علماء اللجنة :
ورد بعض الأحاديث برفع اليدين بين السجدتين وفي بعضها نهي عن الرفع بينهما، فما وجه الجمع بينهما ؟
فأجابوا : ” سلك بعض العلماء مسلك الترجيح في ذلك ؛ فرجحوا ما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما من عدم رفع اليدين عند السجود والرفع منه، واعتبروا رواية الرفع فيهما شاذة لمخالفتها لرواية الأوثق .
وسلك آخرون مسلك الجمع بين الروايات لكونه ممكنا فلا يعدل عنه إلى الترجيح ، لاقتضاء الجمع العمل بكل ما ثبت ، واقتضاء الترجيح رد بعض ما ثبت وهو خلاف الأصل . وبيان ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه في السجود والرفع منه أحيانا ، وتركه أحيانا فروى كل ما شاهد .
والعمل بالأول أولى للقاعدة التي ذكرت معه ” انتهى من “فتاوى اللجنة الدائمة” (6 /345) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
” وإذا كان ابن عمر – رضي الله عنهما – وهو الحريص على تتبع فعل الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقد تتبعه فعلا ، فرآه يرفع يديه في التكبير، والركوع، والرفع منه، والقيام من التشهد الأول ، وقال: “لا يفعل ذلك في السجود”. فهذا أصح من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم “كان يرفع يديه كلما خفض وكلما رفع”، ولا يقال: إن هذا من باب المثبت والنافي، وأن من أثبت الرفع فهو مقدم على النافي في حديث ابن عمر ، رضي الله عنهما ؛ لأن حديث ابن عمر صريح في أن نفيه ليس لعدم علمه بالرفع ، بل لعلمه بعدم الرفع ، فقد تأكد ابن عمر من عدم الرفع ، وجزم بأنه لم يفعله في السجود ، مع أنه جزم بأنه فعله في الركوع ، والرفع منه ، وعند تكبيرة الإحرام ، والقيام من التشهد الأول.
فليست هذه المسألة من باب المثبت والنافي التي يقدم فيها المثبت لاحتمال أن النافي كان جاهلا بالأمر، لأن النافي هنا كان نفيه عن علم وتتبع وتقسيم ، فكان نفيه نفي علم ، لا احتمال للجهل فيه فتأمل هذا فإنه مهم مفيد ” انتهى من ” مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين” (13 /45-46).
وقد صح رفع اليدين بين السجدتين عن أنس بن مالك وعبدالله بن عمر كما في مصنف ابن أبي شيبة 1/271 وصح ايضا عن طاوس ونافع وايوب وجاء عن الحسن وابن سيرين كما في المصنف 1/271 وراجع فتح الباري 739
والراجح من القولين – والله أعلم – هو القول بعدم الرفع ، وعليه أكثر أهل العلم ، لكن من ترجح عنده ثبوت رواية الرفع ، وأخذ بالقول الأول ، ورفع أحيانا : فلا ينكر عليه ؛ فهي مسألة اجتهادية . انتهى