: 119 جامع الأجوبة الفقهية
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري وعامر الراشدي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
ذكرنا غسل اليدين عند الاستيقاظ من النوم
لكن هنا مسألة:
ما هي العلة في الأمر بالغسل؟
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-اختلف الفقهاء في تعيين العلة التي من أجلها جاء الأمر بالغسل على ثلاثة أقوال:
-الأول: أن العلة هي الشك من نجاسة اليدين في حال النوم:
-قال الإمام الكاساني في بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 20)
لأن النجس غير معلوم بل هو موهوم وإليه أشار في الحديث حيث قال: فإنه لا يدري أين باتت يده، وهذا إشارة إلى توهم النجاسة، واحتمالها فيناسبه الندب إلى الغسل، واستحبابه لا الإيجاب.
-قال النووي في شرح مسلم (179/ 3):
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: أين باتت يده، استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يُتَحَاشى التصريح به؛ إذ لم يقل: فلعل يده وقعت في دبره، أو على ذكره، أو نجاسة، أو نحو ذلك، وإن كان هذا هو المقصود. ونظائر ذلك في القرآن والأحاديث كثيرة. هذا إذا كان السامع يفهم بالكناية المقصود، فإن لم يفهمه فلا بد من التصريح؛ لنفي اللبس، وعليه يحمل ما جاء مصرحا به من ذلك. والله أعلم.
-ونقل صاحب تحفة الأحوذي (1/ 91) عن الإمام النووي أنه قال:
ثم مذهبنا ومذهب المحققين أن هذا الحكم ليس مخصوصا بالقيام من النوم بل المعتبر فيه الشك في نجاسة اليد فمتى شك في نجاستها كره له غمسها في الإناء قبل غسلها سواء قام من نوم الليل أو النهار أو شك في نجاستها من غير نوم وهذا مذهب جمهور العلماء وحكي عن أحمد بن حنبل رواية أنه إن قام من نوم الليل كره كراهة تحريم وإن قام من نوم النهار كره كراهة تنزيه ووافقه عليه داود الظاهري اعتمادا على لفظ المبيت في الحديث وهذا مذهب ضعيف جدا فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه على العلة بقوله فإنه لا يدري أين باتت يده ومعناه أنه لا يأمن النجاسة على يده أو هذا عام لوجود احتمال النجاسة في نوم الليل والنهار وفي اليقظة وذكر الليل أولا لكونه الغالب ولم يقتصر عليه خوفا من توهم أنه مخصوص به بل ذكر العلة بعده انتهى كلام النووي.
-وجاء في الحاوي الكبير (1/ 102)
فأما الجواب عن الخبر فهو أن ما ذكر فيه من التعليل دليلنا على حمله على الاستحباب دون الإيجاب لأنه أمر بغسل اليد خوف النجاسة وهو قوله فإنه لا يدري أين باتت يده لأن القوم كانوا يستعملون الأحجار وينامون فيعرقون وربما حصلت أيديهم موضع النجاسة فنجست وهذا متوهم وتنجسيها شك وما وقع الشك في تنجيسه لم يجب غسله وإنما يستحب.
-وقال ابن قدامة في المغني (1/ 73):والحديث محمول على الاستحباب، لتعليله بما يقتضي ذلك، وهو قوله: فإنه لا يدري أين باتت يده» وطريان الشك على يقين الطهارة لا يؤثر فيها، كما لو تيقن الطهارة وشك في الحدث، فيدل ذلك على أنه أراد الندب.
– القول الثاني: أن العلة تعبدية محضه على المكلف غُسل يديه وإن لم يعرف الحكمة.
جاء في مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (1/ 92)
وعلم منه أنه لا أثر لغمس بعض اليد ولا ليد كافر ولا غير مكلف ولا غير قائم من نوم ليل ينقض الوضوء كنوم النهار، لأن الصحابة المكلفين هم المخاطبون بذلك، والمبيت إنما يكون بالليل، والخبر إنما ورد في كل اليد، وهو تعبدي، فلا يقاس عليه بعضها.
-وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الثانية (4/ 19): قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) رواه مسلم.
هل من قام من نوم ليلا ووضع يديه في إناء به ماء، هل سلب طهورية الماء ولا يجوز الوضوء به أم باق على الطهورية ويجوز الوضوء به، فأيهما أصح وأولى؟
الجواب: النهي الوارد في هذا الحديث أمر تعبدي لا يقتضي تنجيس الماء، والصحيح جواز الوضوء به ” انتهى.
-الثالث: أنه لمبيت الشيطان على يده.
-قال شيخ الاسلام في مجموع الفتاوى (21/ 44)
وأما الحكمة في غسل اليد ففيها ثلاثة أقوال: أحدها أنه خوف نجاسة تكون على اليد؛ مثل مرور يده موضع الاستجمار مع العرق؛ أو على زبلة ونحو ذلك.
والثاني: أنه تعبد ولا يعقل معناه.
والثالث: أنه من مبيت يده ملامسة للشيطان كما في الصحيحين عن أبي هريرة؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنشق بمنخريه من الماء؛ فإن الشيطان يبيت على خيشومه} فأمر بالغسل معللا بمبيت الشيطان على خيشومه؛ فعلم أن ذلك سبب للغسل عن النجاسة والحديث معروف. وقوله: {فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟} يمكن أن يراد به ذلك؛ فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار. والله أعلم.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-قلت: الحكمة من غسل اليدين:
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى- يقول: إن مشروعية غسل اليدين، هو ملامسة الشيطان لهما؛ ويدل على ذلك التعليل: فإن أحدكم لا يدري أين باتت، ومثله جاء في الحديث الذي قبله: فإن الشيطان يبيت على خيشومه.
وهذا تعليل مرضي مقبول؛
-ولكن الراجح من قولي العلماء: أنه معقول؛ ويدل عليه قوله: فإنه لا يدري أين باتت يده.
-وممن يرى أن الأمر فيها تعبدي: المالكية والحنابلة.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
قال ابن عبدالبر في الإستذكار: بعد أن ذكر مذهب الشافعية وأن النهي عن غمس اليد إنما هو لخشية أن تكون في يده نجاسة أمره بطرح الماء من الإناء على يده ليغسلها ولم يأمر بإدخال يده في الإناء ليغسلها فيه. بل نهاه عن ذلك ….
قال ابوعمر: هذا خلاف أصلهم أن الشك لا يوجب شيئا وأن كل شئ على أصل حاله حتى يتبين خلافه.
وينبغي أن تكون اليد على طهارتها حتى تتبين النجاسة وهذا عين الفقه وعليه الفقهاء، لأن غسل اليد هاهنا عندهم ندب واستحسان لا لعلة ولا احتياط كما زعم من قال: إن ذلك كان منه عليه السلام لأنهم كانوا يستنجون بالأحجار فيبقى الأذى.
وقد يجوز أن يكون الأصل في مخرج النهي ما ذكر ثم ثبت الندب في ذلك لمن استنجى بالماء قياسا على المحدث.
الإستذكار 1/ 201
يقصد أن العلة تعبدية
ونقلنا في جامع الأجوبة الفقهية 116 شذوذ لفظة (منه) في قوله (أين باتت يده منه) وذكرنا تعقب بعض العلماء على ابن تيمية في أن العلة بيتوتة الشيطان وبينا وجاهة قول ابن تيمية. وأنه لا يمنع من بيتوتة الشيطان والنجاسة، ولو لم تر النجاسة لان ذلك يحمل على المظنة
ونقلنا كلام ابن باز قال:
((فإن الشيطان يبيت على خيشومه)) هذا من جنس الشيطان ومعلوم أن الشياطين تلتمس المواضع القذرة وهي قذرة وتؤول إلى القذر وتدعوا إلى القذر هذا من فعلها.
ونسب بعض المعاصرين لابن القيم الانتصار لقول ابن تيمية كما في تهذيب السنن.
ولم أقف على كلامه في حواشي طبعتي من سنن أبي داود بشرح العون في شرح حديث (إذا قام أحدكم من الليل فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاث مرات فإنه لا يدري أين باتت يده)
ثم وقفت عليه في تهذيب السنن تحت حديث اذا كان الماء قلتين فإنه لا ينجس: فقرر أنه ليس في حديث النهي عن غمس اليد في الإناء ما يدل على نجاسة الماء ثم ذكر الاختلاف في علة النهي. فقيل تعدي ورده بأنه معلل في الحديث
وقيل للنجاسة. ورده: قال: لأن النهي عام للمستنجي والمستجمر والصحيح وصاحب البذرات. فيلزمكم أن تخصوا النهي بالمستجمر وصاحب البثور وهذا لم يقله أحد. وقيل وهو الصحيح إنه معلل بخشية مبيت الشيطان على يده. أو مبيتها عليه وهذه العلة نظير تعليل صاحب الشرع الاستنشاق بمبيت الشيطان على الخيشوم. لأنه اوسخ شئ في ظاهره. واليد أعم ما يباشر المعاصي. انتهى باختصار
ويرد على ابن القيم أن الأمر عام حتى الذين لم يقترفوا المعاصي كالنبي صلى الله عليه وسلم.