1188 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1188):
١١٨٨ – قال أبو داود رحمه الله (ج ٣ ص ٢٠٥): حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن سلمة عن حجر أبي العنبس الحضرمي عن وائل بن حجر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا قرأ ﴿ولا الضالين﴾ قال «آمين» ورفع بها صوته.
هذا حديث صحيحٌ، ورجاله رجال الصحيح، إلا حُجْرًا، وقد وثَّقه ابن مَعِين كما في «تهذيب التهذيب».
وأخرجه الترمذي (ج ٢ ص ٦٥).
* وقال أبو داود رحمه الله (ج ٣ ص ٢٠٨): حدثنا مخلد بن خالد الشعيري أخبرنا ابن نمير أخبرنا علي بن صالح عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر: أنه صلى خلف رسول الله [ص ٢٣٧] صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجهر بآمين وسلم عن يمينه وعن شماله حتى رأيت بياض خده.
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا حُجْرَ بن عَنْبَسٍ وقد وثَّقه ابن معين، وعلي بن صالح هو علي بن صالح بن حَيٍّ الهمداني من رجال مسلم.
وأخرجه الترمذي (ج ٢ ص ٧٨).
* وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٤ ص ٣١٦): حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن عنبس عن وائل بن حجر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قرأ ﴿ولا الضالين﴾ فقال «آمين» يمد بها صوته.
وعلق الوادعي رحمه الله في الحاشية عن (عن حجر أبي العنبس)، قائلا: ” البخاري يرى أن كنية حجر: أبو السكن، وهو في الترمذي: حجر بن عنبس”. انتهى.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
ذكر الحديث الإمام أبوداود رحمه الله في كتاب السنن، كتاب الصلاة، ١٧١ – باب التأمين وراء الإمام، رقم (٩٣٢).
قال المحقق: (شعَيب الأرنؤوط – محَمَّد كامِل قره بللي): “إسناده صحيح. سفيان: هو ابن سعيد الثوري.
وأخرجه الترمذي (٢٤٦) من طريق سفيان الثوري، بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائى في «الكبرى» (٩٥٥) و(١٠٠٦)، وابن ماجه (٨٥٥) من طريق
أبي إسحاق السبيعي، عن عبد الجبار بن وائل، عن أبيه. وعبد الجبار لم يسمع من أبيه.
وهو في «مسند أحمد» (١٨٨٤٢) و(١٨٨٧٣).
وانظر ما بعده”.
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
٤ – كتاب الصلاة، ٩٣ – الجهر بالتأمين، رقم (٩٤٥).
و٣٣ – كتاب التفسير، ١٥ – سورة الفاتحة، رقم (٣٨٦٥).
الأول: شرح الحديث:
أورد أبو داود هذه الترجمة وهي: [التأمين وراء الإمام].
يعني: حكم تأمين المأموم وراء الإمام أنه يؤمن ويرفع صوته بالتأمين، كما أن الإمام يرفع صوته بالتأمين، وقد جاءت السنة عن رسول الله ﷺ بأن الإمام يؤمن، وكذلك المأموم جاء أنه يؤمن.
وجاء في هذا الحديث أن النبي ﷺ كان يرفع صوته بالتأمين، وليس فيه شيء يتعلق بالمأموم، مع أن الترجمة هي للتأمين وراء الإمام، ولكن وجه إيراده في هذه الترجمة: أن المأموم مطلوب منه أن يتابع الإمام، وأن يفعل مثل ما يفعل الإمام، ولا يخالفه إلا فيما استثني .
وستأتي أحاديث عن النبي ﷺ فيها أمر المأمومين بأن يؤمنوا تبعًا للإمام، وأنه إذا قال: ﴿غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ﴾ [الفاتحة:٧] فليقل المأموم: آمين، يعني: يؤمن وذلك لقوله ﷺ: (إذا أمن الإمام فأمنوا)
قوله: [(كان رسول الله ﷺ)] (كان) تدل على الدوام والاستمرار، يعني: هذا شأنه دائمًا، ولكن قد تأتي (كان) أحيانًا ولا يراد بها الاستمرار، ولكن يراد بها المرة الواحدة، ومن ذلك حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (كنت أطيب رسول الله ﷺ لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) فإن قولها: (ولحله قبل أن يطوف بالبيت) إنما حصل مرة واحدة في حجة الوداع.[شرح سنن أبي داود للعباد]
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى):
جاء في (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد): “الخامس: في تأمينه- ﷺ- عقب الفاتحة في الصلاة.
روى أبو داود عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- ﷺ- إذا تلا «غير المغضوب عليهم ولا الضالين»، قال: «آمين»، حتى يسمع من يليه من الصف الأول، زاد أبو داود وابن ماجة، «فيرتج بها المسجد».
وروى الدارقطني وحسنه، عنه قال: كان رسول الله- ﷺ- إذا فرغ من القراءة، رفع صوته وقال: «آمين».
وروى الترمذي وحسنه وابن أبي شيبة، والإمام أحمد، والأربعة، والحاكم وصححه عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- قال: «سمعت رسول الله- ﷺ- قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين. فقال آمين ومد بها صوته».
وفي رواية فلما قال «ولا الضالين» فقال «آمين» ومد بها صوته.
وفي رواية شعبة «خفض بها صوته» وخطأ البخاري هذه الرواية، وفي رواية فلما قال «ولا الضالين» قال: «آمين» فسمعناها منه.
ورواه الطبراني برجال ثقات، بلفظ: «فلما فرغ من فاتحة الكتاب قال: آمين ثلاث مرات»، قال الحافظ: «والظاهر أن قوله: ثلاث مرات، يعني أنه رآه في ثلاث مرات، في ثلاث صلوات، ذلك لا أنه ثلّث التأمين».
وروى أبو داود، والدارقطني- وصححه- والترمذي نحوه- وحسنه، وابن ماجة عنه قال: كان رسول الله- ﷺ- إذا قرأ «ولا الضالين»، قال: «آمين» ورفع بها صوته.
وروى ابن ماجه، والدارقطني نحوه وحسنه عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- ﷺ- إذا قال: «غير المغضوب عليهم ولا الضالين» قال: «آمين» حتى يسمعها أهل الصف الأول فيرتج بها المسجد».
وروى ابن ماجه عن علي- رضي الله تعالى عنه- قال: «سمعت رسول الله- ﷺ- إذا قرأ ولا الضالين قال: «آمين».
وروى الطبراني بسند جيد عنه، والبيهقيّ عن وائل بن حجر- رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله- ﷺ- حين قال: «غير المغضوب عليهم ولا الضالين». قال: «رب اغفر لي آمين»، والله أعلم”. انتهى.
وسيأتي بيان ضعف حديث رب اغفر لي آمين من كلام الألباني وابن رجب
فصل:
قال الشيخ الألباني في أصل صفة الصلاة : “التَّأمِينُ، وجَهْرُ الإمامِ به ثم» :
كان ﷺ إذا انتهى من قراءة ﴿فاتحة الكتاب﴾؛ قال: «آمين». يجهر، ويمد بها صوته”.
ثم علق رحمه الله في الحاشية: “جاء في ذلك أحاديث:
الأول: عن وائل بن حُجُر، وله طرق:
١- عن سفيان الثوري عن سَلَمة بن كُهَيل عن حُجر بن عَنْبَس عنه قال:
كان رسول الله ﷺ إذا قرأ: ﴿ولا الضّالِّينَ﴾؛ قال:
» آمين«. ورفع بها صوته.
أخرجه البخاري في» القراءة «(٢٠)، وأبو داود (١/١٤٨)، والترمذي (٢/٢٧)،
والدارمي (١/٢٨٤)، والدارقطني (١٢٧)، والبيهقي (٢/٥٧)، وأحمد (٤/٣١٦) من
طرق عن سفيان به. وقال الترمذي وأحمد: و(مدّ) .. بدل: (ورفع). وهي رواية
للبخاري، والدارقطني، والبيهقي. وقال الترمذي:
» حديث حسن «- وكذا قال الحافظ في» تخريج أحاديث الكشاف « -،
والدارقطني: صحيح. …..
وخالفهم شعبة عن سلمة؛ فقال:
خفض بها صوته.
أخرجه الطيالسي (١٣٨)، وأحمد (٣١٦). قال الدارقطني:
«كذا قال شعبة. ويقال: إنه وهم فيه؛ لأن سفيان الثوري، ومحمد بن سلمة بن
كُهيل – وغيرهما – رَوَوْه عن سلمة؛ فقالوا: ورفع صوته بآمين».
وهو الصواب. وكذا قال البخاري، والترمذي، والبيهقي وغيرهم؛ أن الصواب: لفظ سفيان
وغيره، وأن شعبة أخطأ فيه؛ على أن أبا الوليد الطيالسي رواه عن شعبة بنحو رواية الثوري.
أخرجه البيهقي (٢/٥٨١) بلفظ: قال:
«آمين».- رافعًا بها صوته -. فرجع حديثه إلى حديث الثوري، وهو الأصح – كما
قال الحافظ؛ وسبقه إلى ذلك ابن القيم في «إعلام الموقعين» ([٢/٣٩٦]) -.
٢- قال أحمد (٤/٣١٨): ثنا أسود بن عامر: ثنا شَرِيك عن أبي إسحاق عن
علقمة بن وائل عن أبيه قال:
سمعت النبي ﷺ يجهر بآمين.
وأخرجه البيهقي.
وإسناده حسن.
وذكره من حديث أبي هريرة وابن عمر وام حصين وحكم على طرقها وقال :
وبالجملة؛ فهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا، ولو لم يكن في الباب إلا حديث وائل؛ لكفى.
وفيه مسائل:
الأولى: أنه يشرع التأمين للإمام. وهو مذهب الجمهور من العلماء، وخالف في ذلك أبو حنيفة في رواية؛ فقال:
«يُؤَمّن مَن خلف الإمام، ولا يؤمن الإمام».
ذكره تلميذه محمد في «الموطأ» (١٠٣)، ثم خالفه؛ فقال: ينبغي إذا فرغ الإمام من ﴿أم الكتاب﴾ أن يُؤَمّن الإمام، ويؤمن من خلفه،
ويجهرون بذلك. اهـ.
وقد روي عن مالك مثلُ ما ذكرنا عن أبي حنيفة، وفي رواية عن مالك:
«لا يُؤَمِّن في الجهرية فقط». وأحاديث الباب تَرُدُّ عليهما – كما قال الشوكاني
(٢/١٨٦) -، فلا جرم أن أطبقت كتب المتون على مخالفة هذه الرواية عن أبي حنيفة؛ ففيها:
«ويُؤَمِّن الإمام والمأموم».
المسألة الثانية: أن الحديث دليل على أن السنة في حق الإمام أن يرفع صوته
بالتأمين. قال الترمذي:
«وبه يقول غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ، والتابعين، ومن
بعدهم؛ يرون أن الرجل يرفع صوته بالتأمين، ولا يخفيها، وبه يقول الشافعي، وأحمد،
وإسحاق». اهـ.
ونقل الألباني هنا في الحاشية كلاما نفيسا للإمام احمد سال احمد عن الجهر بالتأمين؟ فقال : يسمع من خلفه . وقال إسحاق بن راهوية : وأما الجهر بآمين فإنه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من بعده ليوافق تأمينه تأمين الملائكة وهو الإمام ألزم وعليه أن يجهر جهرا يسمع من يليه فقط وإن زاد على ذلك حتى يسمع آخر الصفوف فحسن أيضاً لما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : آمين حتى أسمع صف النساء وهو خلف الرجال فلا بد من ذلك أَمَّ او مأموم وإياك أن ترائي الناس او تدعه استحياء أو خوفا من أن تنسب إلى مكروه فإن الله لا يستحيي من الحق . انتهى
وخالف في ذلك علماؤنا؛ فقالوا:
«إنه يسر بالتأمين الإمامُ وغيره». والحق أنه ليس لهم حجة في ذلك؛ إلا حديث شعبة:
وخفض بها صوته. وقد علمت أنه خطأ، مخالف لمن هو أحفظ منه وأكثر عددًا،
ومعارض لجميع الأحاديث التي ذكرناها؛ ولذلك لم يَسع ابنَ الهمام إلا أن قال (٣٠٧):
«ولو كان إليَّ في هذا شيء؛ لوفَّقْتُ بأن رواية الخفض يراد بها: عدم القرع العنيف،
ورواية الجهر: بمعنى قولها في زير الصوت وذيله». ثم استدل على ذلك بحديث أبي هريرة:
فيرتج بها المسجد. قال:
«وارتجاجه: إذا قيل في اليم؛ فإنه الذي يحصل عنه دوي – كما يشاهد في المساجد -؛
بخلاف ما إذا كان يقرع، وعلى هذا فينبغي أن يقال على هذا الوجه: لا يقرع – كما
يفعله بعضهم -». اهـ.
وتأمل ما تحت قوله: «ولو كان إليَّ في هذا شي». من الاحتياط في عدم التصريح
بمخالفة المذهب؛ مما لا نرضاه له ولأمثاله من محققي العلماء، وقد جهر بالحق من
علمائنا أبو الحسنات اللكنوي؛ حيث قال:
«والإنصاف أن الجهر قوي من حيث الدليل، وقد أشار إليه ابن أمير حاج في
» الحَلْبة «؛ حيث قال: …» فذكر كلامه. وفيه:
«ورجح مشايخنا ما للمذهب بما لا يعرى عن شيء لمتأمله». انتهى.
المسألة الثالثة: هل يجهر المؤتمون بها؟ فيه خلاف؛ فذهب إسحاق – كما سبق – إلى
أنهم يجهرون بها، وهو مذهب الشافعي القديم؛ كما في «الفتح» (٢/٢١٢) وغيره قال:
«وعليه الفتوى. وقال الرافعي: قال الأكثر: في المسألة قولان؛ أصحهما أنه يجهر».
قلت: وقال النووي في «صحيح مسلم»:«وهو الصحيح من مذهبنا». وإليه ذهب ابن القيم في «إعلام الموقعين» (٣/٧)، وقال:
«قال الربيع: سئل الشافعي عن الإمام: هل يرفع صوته بآمين؟ قال: نعم، يرفع بها من
خلفه أصواتهم. فقلت: وما الحجة؟ فقال: أنبأنا مسلم بن خالد عن ابن جريج عن عطاء:
كنت أسمع الأئمةَ: ابنَ الزبيرِ ومَن بعده يقولون: آمين. ومن خلفهم: آمين. حتى
إن للمسجد لَلجُّة».
قلت: هذا الأثر أخرجه البيهقي (٢/٥٩) من طريق الربيع.
ثم أخرج هو وابن حبان في كتاب «الثقات» – على ما في «التعليق المغني» – من
طريق مطرف عن خالد بن أبي نَوْف (*) – وفي البيهقي: أيوب. وهو تحريف – عن عطاء
قال:
أدركت مئتين من أصحاب النبي ﷺ في هذا المسجد؛ إذا قال الإمام: ﴿غَيْرِ
المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ﴾؛ سمعت لهم رجة بـ (آمين).
ولكن في ثبوت هذين الأثرين نظر:
أما الأول: ففيه علتان:
الأولى: عنعنة ابن جريج، وهو مدلس.
والثانية: ضعف مسلم بن خالد – وهو: الزنجي المكي الفقيه -؛ وقد ساق له الذهبي
في «الميزان»، والحافظ في «التهذيب» أحاديثَ مناكيرَ، ثم قال الذهبي:
«فهذه الأحاديث وأمثالها تُرَدُّ بها قوة الرجل، ويضعف». وقال الحافظ في «التقريب»:
«صدوق كثير الأوهام».
وأما الأثر الثاني: فعلته جهالة خالد بن أبي نوف؛ فإنه لم يرو عنه إلا اثنان:
أحدهما: مطرف هذا – وهو: ابن طريف -، والآخر: يونس بن أبي إسحاق. فهو في عداد
مجهولي العدالة، وتوثيق ابن حبان له لا يفيد؛ لما علم من تساهله في التوثيق. فظهر
من هذا البيان أنهما أثران لا يصلح الاحتجاج بهما، ولعله من أجل ذلك رجع الشافعي
عن قوله القديم؛ فقال في الجديد: إن المؤتم لا يجهر بآمين. ونصه في «الأم» (١/٦٥):
«فإذا فرغ الإمام من قراءة ﴿أم القرآن﴾؛ قال: آمين. ورفع بها صوته؛ ليقتديَ بها
من خلفه. فإذا قالها؛ قالوها، وأسمعوا أنفسهم، ولا أحب أن يجهروا بها، فإن فعلوا؛
فلا شيء عليهم». اهـ.
وبهذا نأخذ إن شاء الله تعالى؛ لما سبق، وأيضًا لم يذكر أحد ممن روى جهره ﷺ
بالتأمين أن الصحابة كانوا يجهرون بها وراءه، فلو كانوا يفعلون ذلك؛ لنقلوه إلينا، لا
سيما وأن الجهر بها خلاف الأصل. قال تعالى (٧/٥٥): ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وخُفْيَةً
إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾؛ فلا يجوز الخروج عن هذا الأصل إلا بدليل صحيح.
وقد خرَجنا عنه فيما يتعلق بجهر الإمام؛ لثبوت ذلك عنه ﷺ، فيبقى ما عداه
على الأصل. وبالله التوفيق.
ثم إني بعد كتابة ما تقدم رأيت ابن حزم قد أخرج الأثر في «المحلى» (٣/٣٦٤) إلى
عبد الرزاق عن ابن جريج قال:
قلت لعطاء: أكان ابن الزبير يؤمّن على أثر ﴿أم القرآن﴾ ؟ قال:
نعم، ويؤمّن من وراءه حتى إن للمسجد للجة. قال عطاء:
وكان أبو هريرة يدخل المسجد وقد قام الإمام قبله، فيقول ويناديه:
لا تسبقني بـ (آمين).
قال عطاء:
ولقد كنت أسمع الأئمة يقولون هم أنفسهم على أثَر ﴿أم القرآن﴾: (آمين)، هم
ومن وراءهم؛ حتى إن للمسجد للجة.
فهذا الإسناد صحيح، ولكن لا حجة فيه؛ لأنه ليس مرفوعًا إليه ﷺ.
وعلقه البخاري في «صحيحه»، ووصله الشافعي (١/٦٥) (*).
تنبيه في حاشية أصل صفة الصلاة : في الضعيفة في مصنف عبدالرزاق ومن طريقه ابن حزم فقد صرح ابن جريج فأمنا تدليسه
وقد صح عن أبي هريرة يصلي خلف مروان فيمد صوته بآمين أخرجه البيهقي 2/59 فإذا لم يثبت عن غير ابي هريرة وابن الزبير من الصحابة خلاف الجهر الذي صح عنهما فالقلب يطمئن للأخذ بذلك أيضا ولا اعلم الآن أثرا يخالف ذلك . وقال في تمام المنة : فملت الى اتباعهما ثم رأيت الإمام أحمد قال به
وقال في صفة الصلاة المطبوع ص١٠٢ : تأمين المقتدين وراء الإمام يكون جهرا ومقرونا مع تأمين الإمام؛ لا يسبقونه به كما يفعل جماهير المصلين ولا يتأخرون عنه هذا الذي ترجح عندي أخيرا.
المسألة الرابعة: قال الحافظ أبو زرعة في «شرح التقريب» (٢/٢٦٩):» المستحب الاقتصار على التأمين عقب ﴿الفاتِحَة﴾ من غير زيادة عليه؛ اتباعًا للحديث، وأما ما رواه البيهقي من حديث وائل بن حُجْر:
أنه سمع رسول الله ﷺ حين قال: ﴿غَيْرِ المُغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ﴾ قال:
«رب اغفر لي، آمين». فإن في إسناده أبا بكر النهشلي، وهو ضعيف«.
قلت: هو في» سنن البيهقي «(٢/٥٨) من طريق أحمد بن عبد الجبار العُطارِدي:
ثنا أبي عن أبي بكر النهشلي عن أبي إسحاق عن أبي عبد الله اليَحْصَبي عن وائل به.
ومن هذا الوجه أخرجه الطبراني أيضًا – كما في» المجمع «-، وأعله بأحمد بن
عبد الجبار هذا؛ فقال:
» وثقه الدارقطني، وأثنى عليه أبو كُريب، وضعفه جماعة، وقال ابن عدي: لم أرَ
له حديثًا منكرًا«. وفي» التقريب «:
هو» ضعيف«. وقال في ترجمة أبي بكر النهشلي:
» صدوق، رمي بالإرجاء«.
قلت: فإعلاله بالعُطارِدي – كما صنع الهيثمي – أولى من إعلاله بالنهشلي. انتهى من الحاشية.
ثم قال في الأصل:
“وكان يأمر المقتدين بالتأمين بُعَيْدَ تأمين الإمام؛ فيقول:
«إذا قال الإمام: ﴿غَيْرِ المُغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ﴾؛ فقولوا (١):
آمين”.
وعلق في الحاشية: “حمل الجمهور هذا الأمر على الندب، ومنهم ابن حزم في» المحلى «(٣/٢٦٢).
قال الحافظ (٢/٢١٠):
» وحكى ابنُ بَزِيزة عن بعض أهل العلم وجوبه على المأموم؛ عملًا بظاهر الأمر.
قال: وأوجبه الظاهرية على كل مصل». قال الشوكاني (٢/١٨٧):
«والظاهر من الحديث الوجوب على المأموم فقط، لكن لا مطلقًا؛ بل مقيدًا بأن يُؤَمِّن
الإمام. وأما الإمام والمنفرد؛ فمندوب فقط». اهـ. قال الحافظ أبو زرعة [العراقي]
(٢/٢٦٦):
«في الحديث رد على الإمامية؛ في دعواهم أن التأمين في الصلاة مبطل لها، وهم
في ذلك خارقون لإجماع السلف والخلف، ولا حجة لهم في ذلك؛ لا صحيحة ولا
سقيمة». اهـ. وقال الخطابي (١/٢٢٤):
«معنى الحديث: قولوا مع الإمام؛ حتى يقع تأمينكم وتأمينه معًا. فأما قوله:»إذا
أمن الإمام؛ فأمنوا «؛ فإنه لا يخالفه، ولا يدل على أنهم يؤخرونه عن وقت تأمينه، وإنما
هو كقول القائل: إذا رحل الأمير؛ فارحلوا. يريد: إذا أخذ الأمير في الرحيل، فتهيأوا
للارتحال؛ ليكون رحيلكم مع رحيله، وبيان هذا في الحديث الآخر:»إن الإمام يقول:
آمين؛ والملائكة تقول: آمين. فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة؛ غفر له ما تقدم من
ذنبه«. فأحب أن يجتمع التأمينان في وقت واحد؛ رجاءَ المغفرة». اهـ”. انتهى
وسيأتي تكرار بعض هذه المسائل.
قلت سيف بن دورة:
في تحفة الذكرين للشوكاني قال في حديث رب اغفر لي آمين: أخرجه الطَّبَرانِيّ وفِي إسْناده أحْمد بن عبد الجَبّار العطاردي وثَّقَهُ الدّارَقُطْنِيّ وأثْنى عَلَيْهِ أبُو كريب وضَعفه جماعَة وقالَ ابْن عدي لم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا وأخرجه أيْضا البَيْهَقِيّ وفِي لفظ من هَذا الحَدِيث للطبراني بِإسْناد حسن أنه قالَ آمين ثَلاث مَرّات
لكن ابن رجب ضعفه :
ويكون تأمين المأمومين مع تأمين الإمام، لا قبله ولا بعده عند أصحابنا وأصحاب الشافعي، وقالوا: لا يستحب للمأموم مقارنة إمامه في شيء غير هذا….. ثم ذكر حديثا بين ضعفه في ان المأموم يبدأ بالتأمين بعد انتهاء الإمام من آمين
ولا يستجب أن يصل آمين بذكر آخر، مثل أن يقول: آمين رب العالمين؛ لأنه لم تأت به السنة، هذا قول أصحابنا.
وقال الشافعي: هو حسن:
ولا يسحتب أن يقدم على التأمين دعاء؛ لأن التأمين على دعاء الفاتحة، وهو هداية الصراط المستقيم، وهو أهم الأدعية وأجلها.
ومن السلف من استحب ذلك للمأموم، منهم: الربيع بن خثيم والثوري.
وروى أبو نعيم في «كتاب الصلاة» حدثنا أبو مالك النخعي، عن المغيرة بن النعمان، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: إذا قال
الإمام: ﴿غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ﴾ فسل موجبة، ثم قل: آمين.
أبو مالك هذا، ضعيف.
وروى أبو بكر النهشلي، عن أبي إسحاق عن أبي عبد الله اليحصبي، عن وائل بن حجر، أنه سمع النبي – ﷺ – حين قال: ﴿غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ﴾ قال:
«رب اغفر لي، آمين».
خرجه البيهقي وغيره.
وهذا الإسناد لا يحتج به.
وروى أبو حمزة، عن إبراهيم النخعي، قال: كانوا يستحبون ذلك.
وأبو حمزة، هو ميمون الأعور، ضعيف.
وظاهر الأحاديث: يدل على أن يوصل التأمين بالفاتحة من غير سكوت.
وروى ابن المبارك: ثنا عاصم الأحوال، عن حفصة بنت سيرين، عن عبد الله بن مسعود، قال: إذا قرأ ﴿غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضّالِّينَ﴾ ووصل بآمين، فوافق تأمينه تأمين الملائكة استجيبت الدعوة.
حفصة، لم تسمع من ابن مسعود.
واستحب الشافعية أن يسكت بين الفاتحة والتأمين سكتة لطيفة؛ ليفصل القرآن عما ليس منه.
والتأمين سنة في الصلاة، وليس بواجب عند جمهور العلماء.
وروى إسحاق بن إبراهيم بن هانئ، عن أحمد، قال: آمين أمر من النبي – ﷺ – قال: «إذا أمن القارئ فأمنوا» فهذا أمر منه، والأمر أوكد من الفعل…… انتهى الفتح لابن رجب
(المسألة الثانية): صيغ ومعنى التأمين
“قولوا: آمين، وهي بالمد والتخفيف في جميع الروايات، وعن جميع القراء، وحَكى الواحديّ عن حمزة والكسائي الإمالة، وفيها ثلاث لغات أخرى شاذّةٌ: القصرُ، حَكاه ثعلب، وأنشد له شاهدًا، وأنكره ابن درستويه، وطَعَن في الشاهد بأنه لضرورة الشعر، وحَكى عياضٌ ومن تبعه عن ثعلب أنه إنما أجازه في الشعر خاصّة، والتشديد مع المدّ والقصر، وخطّأهما جماعة من أهل اللغة.
و«آمين» من أسماء الأفعال مثل «صَهْ» للسكوت، وتفتح في الوصل؛ لأنها مبنية بالاتفاق، مثل «كيف»، وإنما لم تُكْسَر؛ لثقل الكسرة بعد الياء، ومعناها: اللهم استَجِبْ عند الجمهور، وقيل غير ذلك مما يَرجع جميعه إلى هذا المعنى، كقول من قال: معناه: اللهم أُمَّنا بخير، وقيل: كذلك يكون، وقيل: درجة في الجنة تَجب لقائلها، وقيل: لمن استجيب له كما استجيب للملائكة، وقيل: هو اسم من أسماء اللَّه تعالى، رواه عبد الرزاق، عن أبي هريرة –رضي الله عنه-، بإسناد ضعيف، وعن هلال بن يساف التابعيّ مثله، وأنكره جماعة، وقال مَن مدَّ وشدَّد: معناها قاصدين إليك، ونُقِل ذلك عن جعفر الصادق، وقال مَن قَصَر وشَدَّد: هي كلمة عبرانية، أو سريانية، وعند أبي داود من حديث أبي زُهير النميريّ الصحابي: أن آمين مثل الطابَع على الصحيفة، ثم ذكر قوله -ﷺ-: «إن خَتَم بآمين فقد أوجب». انتهى [«الفتح» ٢/ ٣٠٦].
(المسألة الثالثة): متى يشرع أن يقال آمين.
قال ابن المُنَيِّر : وأيُّ فضل أعظم من كونه قولًا يسيرًا، لا كلفة فيه، ثم قد ترتبت عليه المغفرة. انتهى.
قال الحافظ : ويؤخذ منه مشروعية التأمين لكل من قرأ الفاتحة، سواء كان داخل الصلاة، أو خارجها، لقوله: «إذا قال أحدكم»، لكن في رواية مسلم من هذا الوجه: «إذا قال أحدكم في صلاته»، فيحمل المطلق على القيد.
نعم في رواية همام، غن أبي هريرة عند أحمد -وساق مسلم إسنادها-: «إذا أمن القارئ، فأمنوا»، فهذا يمكن حمله على الإطلاق،
فيستحب التأمين إذا أمّن القارئ مطلقًا لكل من سمعه، من مصل، أو غيره.
ويمكن أن يقال: المراد بالقارئ الإمام إذا قرأ الفاتحة، فإن الحديث واحد، اختلفت ألفاظه. انتهى [فتح ج ٢ ص ٥١٧].
قال الأتيوبي عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن الإطلاق هو الأولى، والأحوط؛ عملًا بإطلاق قوله: «إذا أمّنَ القارئ فأمِّنُوا»، حديث الباب، فينبغي التأمين لقراءة فاتحة الكتاب مطلقًا، في الصلاة، أو خارجها. والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): موافقة الملائكة في التأمين
قال الحافظ العراقيّ – رحمه الله-: الصحيح أن المراد الموافقة في الزمن، بحيث يقع تأمين ابن آدم وتأمين الملائكة معًا، وهو ظاهر الحديث، وقيل: المراد بذلك الموافقة في صفة التأمين، من كونه بإخلاص وخشوع، قال القرطبيّ: وهذا بعيد، وقيل: من وافق الملائكة في استجابة الدعاء غُفِر له، وقيل: من وافقهم في لفظ الدعاء، قال القرطبيّ، وابنُ دقيق العيد: والأول أظهر. انتهى [«طرح التثريب» ٢/ ٢٦٦].
وقال في «الفتح» ما حاصله:
المراد الموافقة في القول والزمان خلافًا لمن قال: المراد الموافقة في الإخلاص والخشوع، كابن حبّان، فإنه لَمّا ذكر الحديث قال: يريد موافقة الملائكة في الإخلاص بغير إعجاب، وكذا جنح إليه غيره، فقال: نحو ذلك من الصفات المحمودة، أو في إجابة الدعاء، أو في الدعاء بالطاعة خاصّة، أو المراد بتأمين الملائكة استغفارهم للمؤمنين.
وقال ابن المُنَيِّر -رحمه الله-:
الحكمة في إيثار الموافقة في القول والزمان أن يكون المأموم على يقظة للإتيان بالوظيفة في محلها؛ لأن الملائكة لا غفلة عندهم، فمن وافقهم كان متيقظًا.
(المسألة الخامسة): مشروعية التأمين للإمام
قال الحافظ رحمه الله تعالى: [قوله: إذا أمن الإمام فأمنوا] ظاهرٌ في أن الإمام يؤمن. وقيل: معناه إذا دعا، والمراد دعاء الفاتحة من قوله: ﴿اهْدِنا﴾ [الفاتحة ٦] إلى آخره، بناءً على أن التأمين دعاء. وقيل: معناه إذا بلغ إلى موضع استدعى التأمين، وهو قوله: ﴿ولا الضّالِّينَ﴾ [الفاتحة ٧]، ويرد ذلك التصريحُ بالمراد في حديث الباب.
واستدل به على مشروعية التأمين للإمام، قيل: وفيه نظر، لكونها قضية شرطية.
وأجيبَ بأن التعبير بـ «إذا» يشعر بتحقق الوقوع.
وخالف مالك في إحدى الروايتين عنه، وهي رواية ابن القاسم، فقال: لا يؤمن الإمام في الجهرية، وفي رواية عنه: لا يؤمن مطلقًا، وأجاب عن حديث ابن شهاب هذا بأنه لم يره في حديث غيره، وهي علة غير قادحة، فإن ابن شهاب إمام لا يضرّه التفرد، مع ما سيذكر قريبًا أن ذلك جاء في حديث غيره.
وررجح بعض المالكية كون الإمام لا يؤمّن من حيث المعنى بأنه داع، فناسب أن يختص المأموم بالتأمين، وهذا يجيء على قولهم: إنه لا قراءة على المأموم، وأما من أوجبها عليه فله أن يقول: كما اشتركا في القراءة، فينبغي أن يشتركا في التأمين.
ومنهم من أوّل قوله: «إذا أمن الإمام»، فقال: معناه دعا، قال: وتسمية الداعي مُؤَمِّنًا سائغة، لأن المؤمّن يسمى داعيًا، كما جاء في قوله تعالى: ﴿قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما﴾ [يونس ٨٩]، وكان موسى داعيًا، وهارون مؤمِّنًا، كما رواه ابن مردويه من حديث أنس.
وتعقب بعدم الملازمة، فلا يلزم من تسمية المؤمِّن داعيًا عكسه. قاله ابن عبد البر.
على أن الحديث في الأصل لم يصح، ولو صح، فإطلاق كون هارون داعيًا إنما هو للتغليب.
وقال بعضهم: معنى قوله: «إذا أمّن»: بلغ موضع التأمين، كما يقال: أنجد: إذا بلغ نَجْدًا، وإن لم يدخلها.
قال ابن العربي: هذا بعيد لغة وشرعًا. وقال ابن دقيق العيد: هذا مجاز، فإن وجد دليل يرجحه عمل به، وإلا فالأصل عدمه.
قال الحافظ: قلت: استدلوا برواية أبي صالح، عن أبي هريرة بلفظ: «إذا قال الإمام: ﴿ولا الضّالِّينَ﴾ [الفاتحة ٧]، فقولوا: آمين»، قالوا: فالجمع بين الروايتين يقتضي حمل قوله: «إذا أمن» على المجاز.
وأجاب الجمهور -على تسليم المجاز المذكور- بأن المراد بقوله: «إذا أمن» أي أراد التأمين، ليتوافق تأمين الإمام والمأموم معًا، ولا يلزم من ذلك أن لا يقولها الإمام.
وقد ورد التصريح بأن الإمام يقولها، وذلك في رواية، ويدل على خلاف تأويلهم رواية معمر، عن ابن شهاب في هذا الحديث، بلفظ: «إذا قال الإمام: ﴿ولا الضّالِّينَ﴾ [الفاتحة ٧] فقولوا: آمين، فإن الملائكة تقول: آمين، وإن الإمام يقول: آمين …» الحديث. أخرجه أبو داود، والنسائي، والسّرّاج، وهو صريح في كون الإمام يؤمِّن.
وقيل في الجمع بينهما: المراد بقوله: «إذا قال: ﴿ولا الضّالِّينَ﴾ [الفاتحة ٧] فقولوا: آمين»، أي: ولو لم يقل الإمام: آمين.
وقيل: يؤخذ من الخبرين تخيير المأموم في قولها مع الإمام أو بعده. قاله الطبري.
وقيل: الأول لمن قرب من الإمام، والثاني لمن تباعد عنه؛ لأن جهر الإمام بالتأمين أخفض من جهره بالقراءة، فقد يسمع قراءته من لا يسمع تأمينه، فمن سمع تأمينه أمَّن معه، وإلا يؤمن إذا سمعه يقول: ﴿ولا الضّالِّينَ﴾ [الفاتحة ٧]؛ لأنه وقت تأمينه. قاله الخطابي.
وهذه الوجوه كلها محتملة، وليست بدون الوجه الذي ذكروه.
وقد رده ابن شهاب بقوله: «وكان رسول الله – ﷺ – يقول: آمين». كأنه استشعر التأويل المذكور، فبين أن المراد بقوله: «إذا أمّن» حقيقة التأمين، وهو وإن كان، مرسلًا، فقد اعتضد بصنيع أبي هريرة راويه..
(المسألة السادسة): في موافقة الإمام في التأمين
(فأمنوا) جواب «إذا». استدلّ به على تأخير تأمين المأموم عن تأمين الإمام؛ لأنه رتب عليه بالفاء، لكن تقدم في الجمع بين الروايتين أن المراد المقارنة، وبذلك قال الجمهور.
وقال أبو محمد الجويني: لا تستحب مقارنة الإمام في شيء من الصلاة غيرِهِ.