1187 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم ١١٨٧):
مسند وائل بن حُجْر رضي الله عنه.
قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٤ ص ٣١٦): حدثنا وكيع، حدثنا سفيان، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل الحضرمي رضي الله عنه: أنه رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين سجد ويداه قريبتان من أذنيه.
هذا حديث حسنٌ.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الأول: الوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
٤ – كتاب الصلاة، ١٠٨ – أين توضع اليدان عند السجود؟، برقم (٩٧١).
وفي تحقيق مسند الإمام أحمد بن حنبل، قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح رجاله ثقات، برقم (18865).
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): مكانُ وضعِ اليدينِ في السُّجودِ
يُسَنُّ وضعُ اليدينِ حَذْوَ المَنْكِبَيْنِ، أو حَذْوَ الأُذُنينِ في السُّجودِ، وهذا مذهبُ المالكيَّةِ، واختارَه ابنُ قُدامةَ، وابنُ بازٍ، وابنُ عُثَيمين.
قال ابنُ قُدامة رحمه الله: (ويُستَحَبُّ أن يضع راحتيه على الأرض، مبسوطتينِ، مضمومتيِ الأصابِعِ بعضها إلى بعض، مستقبِلًا بهما القِبلة، ويضعهما حَذْوَ منكبيه، ذكره القاضي، وهو مذهب الشافعي؛ لقول أبي حميد: إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وضَع كفيه حَذْوَ منكبيه، وروى الأثرم قال: رأيتُ أبا عبد الله سجد ويداه بحِذاء أذنيه، ورُوي ذلك عن ابن عمر، وسعيد بن جبير؛ لِمَا روَى وائل بن حُجْرٍ «أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سجد فجعل كفَّيه بحذاءِ أُذُنَيه»؛ رواه الأثرم، وأبو داود، ولفظه: ثم سجد ووضع وجهه بين كفيه، والجميع حسن) ((المغني)) (1/374).
وقال ابن باز رحمه الله: (فالسنَّةُ للمرأة أن تُصلِّي كما يُصلِّي الرجلُ؛ في الركوع، والسجود، والقراءة، ووضْع اليدين على الصَّدر، وغير ذلك، هذا هو الأفضل، وهكذا وضْعُمها على الركبتين في الركوع، وهكذا وضْعُهما على الأرض في السجود حيالَ المَنْكِبين أو حيال الأذنين) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/80). وقال أيضًا: (ومعلومٌ أنَّ السنَّة للمصلي في حالِ الركوع أن يضع كفَّيه على ركبتيه، وفي حال السجودِ أن يضعَهما على الأرضِ حيال مَنْكِبيه أو حيالَ أذنيه، وفي حال الجلوس بين السَّجدتين، وفي التشهُّد أن يضعَهما على فَخِذيه وركبتيه، على التفصيل الذي أوضحَتْه السنَّة في ذلك) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (11/132).
وقال ابن عُثَيمين رحمه الله: (وعلى هذا، يكون موضع اليدين على حذاء المنكبين، وإن شاء قدَّمهما وجعَلهما على حذاءِ الجبهة، أو فُروع الأذنين؛ لأن كلَّ هذا مما جاءت به السنَّةُ) ((الشرح الممتع)) (3/122).
الأدلة:
1- عن أبي حُمَيدٍ السَّاعديِّ رضيَ اللهُ عنه، وهو يَحكي صلاةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ثم ركَع فوضَع يدَيْهِ على رُكبتَيْهِ كأنَّه قابضٌ عليهما، ووتَّرَ يدَيْهِ فتجافى عن جَنبَيْهِ، قال: ثم سجَدَ فأمكَنَ أنفَه وجبهتَه، ونحَّى يدَيْهِ عن جَنبَيْهِ ووضَع كفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ثم رفَع رأسَه حتَّى رجَع كلُّ عَظْمٍ في موضعِه، حتَّى فرَغَ، ثم جلَس فافتَرَش رِجْلَه اليُسرى، وأقبَل بصدرِ اليُمنى على قِبْلتِه، ووضَع كفَّه اليمنى على رُكبتِه اليُمنى، وكفَّه اليُسرى على رُكبتِه اليُسرى وأشار بأُصبُعِه ))[أخرجه أبو داود (734) واللفظ له، والترمذي (293)، وابن خزيمة (640) قال الترمذيُّ: حسن صحيح، وصححه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/331)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (734)].
2- عن وائلِ بنِ حُجْرٍ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((صلَّيْتُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فكان إذا كبَّر رفَع يدَيْهِ ثم التحَفَ، ثم أخَذ شِمالَه بيمينِه، وأدخَل يدَيْهِ في ثوبِه، فإذا أراد أنْ يركَعَ أخرجَ يدَيْهِ ثم رفَعهما، وإذا أراد أنْ يرفَعَ رأسَه مِن الرُّكوعِ رفَع يدَيْهِ ثم سجَدَ، ووضَع وجهَه بين كفَّيْهِ وإذا رفَع رأسَه مِن السُّجودِ أيضًا رفَع يدَيْهِ حتَّى فرَغَ مِن صلاتِه ))[رواه أبو داود (723)، وأحمد (4/317) (18886)، الطبراني (22/28) (61). احتج به ابن حزم في ((المحلى)) (4/92)، وذكر ثبوته ابن عبد البر في ((التمهيد)) (20/71)، وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/367): أصله في مسلم، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (723)].
عن وائلِ بنِ حُجرٍ: ((أنَّه رأى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رفَعَ يَدَيه حين دخَلَ في الصَّلاةِ كبَّرَ- وصَفَّ همَّامٌ حِيالَ أذُنَيه- ثم التحَفَ بِثَوبِه، ثم وضعَ يَدَه اليُمنى على اليُسرى، فلمَّا أراد أن يركَعَ أخرَجَ يَدَيه مِن الثَّوبِ، ثم رفَعَهما، ثم كبَّرَ فركَع، فلما قال: سَمِعَ اللهُ لمِنَ حَمِدَه رفَعَ يَدَيه، فلما سجَدَ سجَدَ بين كَفَّيه ))[رواه مسلم (401)]. [ الموسوعة الفقهية]
قال باحث :
قال الألباني رحمه الله في صفة الصلاة لوضع اليدين حال السجود صفتان:
الأولى: حذو المنكبين, والثانية: حذو الأذنين وذكر حديث وائل بن حجر- عند أبو داود والنسائي وغيرهما – دليلا على الصفة الثانية فقد جاء فيه (فجعل كفيه بحذاء أذنيه) وجاء في لفظ مسلم (فلما سجد؛ سجد بين كفيه) وأيضا ما جاء عند الترمذي – وحسنه – (عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء بن عازب: أين كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع وجهه إذا سجد؟ فقال: بين كفيه).
وللصفة الأولى وهي جعل اليدين حذو المنكبين أورد الشيخ رحمه الله حديث أبي حميد الساعدي في عشرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دليلا على تلك الصفة وقد جاء فيه (. ثم يهوي إلى الأرض؛ فيجافي يديه عن جنبيه) فليس فيه أن اليدين تكونان حذاء المنكبين وهذا ما استشكلته, فهل ثبت في السنة جعل اليدين حذو المنكبين في السجود؟
وقد وجدت الشيخ الألباني رحمه الله نفسه يضعف رواية (حذو منكبيه) فقد قال في صفة الصلاة:
وقال وكيع عنه:سجد ويداه قريبتان من أذنيه.أخرجه البيهقي، وأحمد (4/ 316).والصواب عندي رواية الجماعة عنه؛ لموافقتها لرواية كل من رواه عن عاصم:ومنهم: بِشْر بن المُفَضَّل: عند أبي داود، والنسائي (1/ 186).ومنهم: ابن إدريس: عند النسائي (1/ 166).وخالد بن عبد الله: عند البيهقي (2/ 131).ومنهم: زهير بن معاوية: عند أحمد (4/ 318).وأما رواية عبد الواحد بن زياد عن عاصم به بلفظ: حذو منكبيه – أخرجها البيهقي (2/ 72 و 111) -؛ فهي رواية شاذة؛ كرواية وكيع عن سفيان.
قال العلامة الألباني في الإرواء (2/ 81):
– (في حديث أبي حميد: (ووضع كفيه حذو منكبيه) رواه أبو داود والترمذي وصححه وفي لفظ: (سجد غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف رجليه القبلة)) ص 93. صحيح وقد تقدم تخريجه باللفظ الثاني (305) – يقصد الألباني سجد غير مفترش
وأما اللفظ الأول- يقصد الألباني حذو منكبيه – فهو في رواية فليح بن سليمان بسنده عن أبي حميد وقد مضت (309) وفيها ضعف كما مر لكن لها شاهد من حديث وائل ابن حجر أخرجه البيهقي (2/ 82) بسند صحيح. وقد صح أيضا عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه كان يضعهما حذو أذنيه كما ذكرته في صفة لصلاة
الشاهد الذي ذكره الشيخ الألباني عند البيهقي (2/ 72): بلفظ (فلما ركع وضع يديه على ركبتيه فلما أراد أن يرفع رفع يديه حتى كانتا حذو منكبيه فلما سجد وضع يديه من وجهه ذلك الموضع)
معنى الشاهد موضعها من السجود مثل موضعها في الرفع عند التكبير
(المسألة الثانية): رفعُ الذِّراعَيْنِ عنِ الأرضِ حينَ السُّجودِ
يُستحَبُّ رفعُ الذِّراعَيْنِ عن الأرضِ حينَ السُّجودِ، ويُكرَهُ افتراشُ الذِّراعينِ فيه، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّةِ الأربعةِ: الحنفيَّةِ، والمالكيَّةِ، والشافعيَّةِ، والحنابلةِ.
الأدلَّة:
1- عن أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((اعتدِلوا في السُّجودِ، ولا يبسُطْ أحدُكم ذراعَيْهِ انبساطَ الكلبِ )) [رواه البخاري (822)، ومسلم (493)].
2- عن البَرَاءِ بنِ عازبٍ رضيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا سجَدْتَ فضَعْ كفَّيْكَ وارفَعْ مِرْفَقَيْكَ)) [رواه مسلم (494)].[ الموسوعة الفقهية]
(المسألة الثالثة): السجود
المطلب الأوَّلُ: حُكمُ السُّجودِ
السُّجودُ ركنٌ مِن أركانِ الصَّلاةِ، وفرضٌ مِن فُروضِها.
الأدلَّة:
قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77].
عن أبي هُرَيرةَ رضيَ اللهُ عنه، قال: ((إنَّ رجلًا دخَل المسجدَ، ورسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالسٌ في ناحيةِ المسجدِ، فصلَّى ثم جاء فسلَّمَ عليه، فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (وعليك السَّلامُ، ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنَّك لم تُصَلِّ)، فرجَع فصلَّى ثم جاء فسلَّمَ، فقال: (وعليك السَّلامُ، فارجِعْ فصَلِّ؛ فإنَّك لم تُصَلِّ)، فقال في الثَّانيةِ، أو في التي بعدَها: علِّمْني يا رسولَ اللهِ، فقال: (إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ فأسبِغِ الوُضوءَ، ثم استقبِلِ القِبْلةَ فكبِّرْ، ثم اقرَأْ بما تيسَّرَ معك مِن القُرآنِ، ثم اركَعْ حتَّى تطمئِنَّ راكعًا، ثم ارفَعْ حتَّى تستويَ قائمًا، ثم اسجُدْ حتَّى تطمئِنَّ ساجدًا، ثم ارفَعْ حتَّى تطمئِنَّ جالسًا، ثم اسجُدْ حتَّى تطمئِنَّ ساجدًا، ثم ارفَعْ حتَّى تطمئِنَّ جالسًا، ثم افعَلْ ذلك في صلاتِكَ كلِّها )) [رواه البخاري (6251)، ومسلم (397)].
ونقَل الإجماعَ على فرضيَّةِ السُّجودِ: ابنُ عبدِ البرِّ، والنَّوويُّ، وابنُ حزمٍ، وابنُ قُدامةَ، وابنُ تيميَّةَ.
قال ابن عبد البرِّ: (وحجتُهم: أن عمل البدن كله فرضٌ؛ للإجماع على فرض القيام، والركوع، والسجود) ((التمهيد)) (10/212).
وقال النَّوويُّ: (والسجود فرضٌ، بنص الكتاب والسنن والإجماع) ((المجموع)) (3/421).
وقال ابنُ قُدامة: (أما السجود فواجب بالنص والإجماع) ((المغني)) (1/369)
وقال ابنُ تَيميَّة: (فإن اللهَ تعالى أوجَب الركوع والسجود في الكتاب والسنَّة، وهو واجب بالإجماع) ((مجموع الفتاوى)) (22/566). [ الموسوعة الفقهية]
المطلب الثاني: عددُ السَّجداتِ في كلِّ ركعةٍ
الواجبُ في السُّجودِ سَجدتانِ في كلِّ ركعةٍ.
الأدلة
أولاً: عن أبي هريرة رَضِيَ اللهُ عَنْه، في حديث المسيء صلاته قال: قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((…ثم اسجُدْ حتَّى تطمئِنَّ ساجدًا، ثم ارفَعْ حتَّى تطمئِنَّ جالسًا، ثم اسجُدْ حتَّى تطمئِنَّ ساجدًا، ثم ارفَعْ حتَّى تطمئِنَّ جالسًا، ثم افعَلْ ذلك في صلاتِكَ كلِّها)) [رواه البخاري (6251)، ومسلم (397)].
ثانيًا: نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ حزمٍ، والهيتميُّ، والرَّمليُّ.
قال ابنُ حزم: (واتَّفقوا على أنَّ… السجود سجدتانِ في كلِّ فرض). ((مراتب الإجماع)) (ص: 26).
قال الهيتميُّ في بيان أركان الصَّلاة: (السابع: السُّجود مرتين في كلِّ ركعة؛ للكتاب، والسَّنة، وإجماع الأمَّة). ((تحفة المحتاج)) (2/69).
قال الرَّمليُّ: (“السابع” من أركانها (السجود) مرَّتين في كلِّ ركعة؛ للكتاب، والسُّنة، والإجماع). ((نهاية المحتاج)) (1/509). [ الموسوعة الفقهية]
المطلب الثالثُ: أعضاءُ السُّجودِ
يجبُ السُّجودُ على الأعضاءِ السَّبعةِ: الجبهةِ مع الأنفِ، واليدينِ والرُّكبتينِ والقدَمينِ، وهو مذهبُ الحنابلةِ، والأصحُّ عند الشافعيَّةِ، وقولٌ للمالكيَّةِ، واختارَه ابنُ حزمٍ، وابنُ بازٍ، وابنُ عُثَيمين.
واستثنى بعضهم الأنف، قال ابنُ قُدامة: (والسجودُ على جميع هذه الأعضاء واجبٌ، إلَّا الأنفَ، فإن فيه خلافًا). ((المغني)) (1/370). وقال الشَّوكانيُّ: (وقد اختلف العلماء في وجوب السجود على هذه السبعة الأعضاء؛ فذهبتِ العترة والشافعي – في أحد قوليه – إلى وجوب السجود على جميعها؛ للأوامر التي سيأتي مِن غير فصل بينها، وقال أبو حنيفة والشافعي – في أحد قوليه – وأكثر الفقهاء: الواجبُ السجودُ على الجبهة فقط؛ لقوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “ومكِّن جبهتَك”، ووافقهم المؤيد بالله في عدم وجوب السجود على القدمين، والحقُّ ما قاله الأوَّلون) ((نيل الأوطار)) (2/298).
وأعضاء السجود:
– (وجهه) المراد بالوجه الجبهة والأنف، كما جاء في بعض الروايات.
– (الكفين) وقع في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – بلفظ « اليدين»، فقال ابن دقيق العيد -رحمه الله -: المراد بهما الكفان، لئلا يدخل تحت المنهي عنه، من افتراش السبع والكلب. انتهى.
– (وركبتاه، وقدماه) ووقع في حديث؛ ابن عباس – رضي الله عنهما – بلفظ: «وأطراف القدمين»، فهو مبين للمراد بالقدمين هنا، فإن المراد نصب أطراف القدمين على الأرض.
وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.
الأَدِلَّةُ:
أوَّلًا:
عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أُمِرْتُ أنْ أسجُدَ على سبعةِ أعظُمٍ؛ على الجبهةِ – وأشارَ بيدِه إلى أنفِه – واليدينِ، والرُّكبتينِ، وأطرافِ القدَمينِ ))[رواه البخاري (812)، ومسلم (490)].
أنَّه أُمِرَ بالسُّجودِ على الأعظُمِ السَّبعةِ، والأصلُ في الأمرِ أنَّه للوجوبِ.
وأورد النسائي رحمه الله في (المجتبى) عَنِ العَبّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، أنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ – ﷺ – يَقُولُ: «إذا سَجَدَ العَبْدُ سَجَدَ مِنهُ سَبْعَةُ آرابٍ: وجْهُهُ، وكَفّاهُ، ورُكْبَتاهُ، وقَدَماهُ».
قال الأتيوبي رحمه الله: حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه هذا صحيح.
(على سبعة أعضاء) متعلق بـ«يسجد»
و«الأعضاء»: جمع عضو بضم العين، على الأشهر، وتكسر، وهو كلُّ عظم وافر من الجسد. قاله في «المصباح».
ثانيًا: من الإجماع
نقَل ابنُ جُزَيٍّ الإجماعَ على وجوبِ السُّجودِ على الوجهِ واليدينِ.
قال ابن جُزي: (ويؤمر أن يسجد على سبعة أعضاء، وهي: الوجه، واليدان، والركبتان، والقدَمان، فأما الوجه واليدان فواجبٌ إجماعًا) ((القوانين الفقهية)) (1/68). ويُنظر: ((حاشية الدسوقي)) (1/240). [ الموسوعة الفقهية، بتصرف].
فائدة:
قال العلامة الصنعاني -رحمه الله- «حاشية العمدة»: قوله: «على سبعة أعضاء» أي: معتمدا عليها في أداء واجب السجود، وهو إيصال المكلف جبهته إلى الأرض تعظيما لله تعالى، والساجد هو الشخص، ونسبة السجود إلى الوجه في مثل «سجد وجهي»، وحديث ابن عمر المتقدم «إن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه» مجاز عما يقع به السجود. انتهي.
فصل:
قال الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى في شرح حديث ابن عباس – رضي الله عنهما-: ما نصّه: ظاهره يدلّ على وجوب السجود على هذه الأعضاء؛ لأن الأمر للوجوب.
والواجب عند الشافعي -رحمه الله- منها الجبهة، لم يتردد قوله فيه، واختلف قوله في اليدين والركبتين والقدمين، وهذا الحديث يدلّ للوجوب، وقد رجح بعض أصحابه عدم الوجوب، ولم أرهم عارضوا هذا بدليل قويّ، أقوى من دلالته، فإنه استدلّ لعدم الوجوب بقوله – ﷺ – في حديث رفاعة من حديث المسيء صلاته: «ثم يسجد، فيمكن جبهته»، وهذا غايته أن تكون دلالته دلالة مفهوم، وهو مفهوم لقب، أو غاية، والمنطوق الدال على وجوب السجود على هذه الأعضاء مقدم عليه، وليس هذا من باب تخصيص العموم بالمفهوم، كما مرّ لنا في قوله – ﷺ -: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا»، مع قوله: «جعلت لنا الأرض مسجدا، وجعلت تربتها لنا طهورا»، فإنه ثمة يُعمَل بذلك العموم من وجه، إذا قدمنا دلالة المفهوم، وها هنا إذا قدمنا دلالة المفهوم أسقطنا الدليل على وجوب السجود على هذه الأعضاء -أعني اليدين، والركبتين، والقدمين- مع تناول اللفظ لها بخصوصها.
وأضعف من هذا ما استدلّ به على عدم الوجوب من قوله – ﷺ -: «سجد وجهي للذي خلقه» قالوا: فأضاف السجود إلى الوجه، فإنه لا يلزم من إضافة السجود إلى الوجه انحصار السجود فيه.
وأضعف من هذا الاستدلال على عدم الوجوب بأن مسمى السجود يحصل بوضع الجبهة، فإن هذا الحديث يدلّ على إثبات زيادة على المسمى، فلا تترك.
وأضعف من هذا: المعارضة بقياس شبهي، ليس بقوي، مثل أن يقال: أعضاء لا يجب كشفها، فلا يجب وضعها كغيرها من الأعضاء، سوى الجبهة.
وقد رجح المحاملي من أصحاب الشافعي القول بالوجوب، وهو أحسن عندنا من قول من رجح عدم الوجوب.
وذهب أبو حنيفة -رحمه الله -: إلى أنه إن سجد على الأنف وحده كفاه، وهو قول في مذهب مالك وأصحابه.
وذهب بعض العلماء إلى أن الواجب السجود على الجبهة والأنف معا، وهو قول في مذهب مالك أيضًا، ويحتج لهذا المذهب بحديث ابن عباس – رضي الله عنه- هذا، فإن في بعض طرقه «الجبهة والأنف معا»، وفي هذه الطرق التي ذكرها المصنف -يعني صاحب العمدة- «الجبهة»، وأشار بيده إلى أنفه، فقيل: معنى ذلك أنهما جعلا كالعضو الواحد، ويكون الأنف كالتبع للجبهة، واستدلّ على هذا بوجهين:
(أحدهما): أنه لو كان كعضو منفرد عن الجبهة حكما، لكانت الأعضاء المأمور بالسجود عليها ثمانية، لا سبعة، فلا يطابق العدد المذكور في أول الحديث.
(الثاني): أنه قد اختلفت العبارة مع الإشارة إلى الأنف، فإذا جعلا كعضو واحد أمكن أن تكون الإشارة إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، فتطابق الإشارة العبارة، وربما استنتج من هذا أنه إذا سجد على الأنف وحده أجزأه، لأنهما إذا جعلا كعضو واحد كان السجود على الأنف كالسجود على بعض الجبهة، فيجزىء.
والحق أن مثل هذا لا يعارض التصريح بذكر الجبهة والأنف. لكونهما داخلين تحت الأمر، وإن أمكن أن يُعتَد أنهما كعضو واحد من حيث العدد المذكور، فذلك في التسمية والعبارة، لا في الحكم الذي دلّ عليه الأمر.
وأيضًا فإن الإشارة قد لا تعين المشار إليه، فإنها إنما تتعلق بالجبهة، فإذا تفاوت ما في الجبهة أمكن أن لا يعين المشار إليه يقينًا، وأما اللفظ فإنه معين لما وضع له، فتقديمه أولى. انتهى كلام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى «إحكام الأحكام» ج ٢ ص ٣٠٦ – ٣١١. بنسخة الحاشية.
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: خلاصة ما أشار إليه ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى وجوب العمل بمقتضى منطوق الحديث، وهو تقرير حسن، فلا يجوز الاقتصار على الجبهة دون الأنف، ولا العكس. وسنحقق الخلاف في المسألة التالية، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.[ذخيرة العقبى]
(فرع):
في اختلاف أهل العلم في الساجد على الجبهة دون الأنف، أو على الأنف دون الجبهة.
قال الإمام أبو بكر ابن المنذر رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم في الساجد على الجبهة، دون الأنف:
فممن أمر بالسجود على الأنف ابن عباس، وعكرمة، وعبد الرحمن بن أبي ليلى. وقال سعيد بن جبير: من لم يضع أنفه على الأرض في سجوده لم تتم صلاته. وقال طاوس: الأنف من الجبين. وقال النخعي: السجود على الجبهة والأنف. وكقول النخعي قال مالك بن أنس، وسفيان الثوري، وأحمد.
وقال أحمد: لا يجزيه السجود على أحدهما دون الآخر.
وقال إسحاق: إذا سجد على الجبهة دون الأنف عمدا فصلاته فاسدة. وقال أبو خيثمة، وابن أبي شيبة: لا يجزيه السجود على أحدهما دون الآخر. وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: يسجد على سبع، وأشارا بأيديهما الجبهة إلى ما دون الأنف، وقالا: هذا من الجبهة.
وقالت طائفة: يجزئ على جبهته دون أنفه، هذا قول عطاء، وطاوس، وعكرمة، ومحمد بن سيرين، والحسن البصري، وبه يقول الشافعي، وأبو ثور، ويعقوب، ومحمد.
وقال قتادة: رخص في ذلك. وقال سفيان الثوري: يجزيه، ولا أرى له. وقال أحمد: إذا لم يسجد على أنفه ما أجتري أن أحكم.
قال ابن المنذر -رحمه الله-: وهذا مع ما ذكرناه عنه اختلاف من قوله.
وقالت طائفة: إن وضع جبهته، ولم يضع أنفه، أو وضع أنفه، ولم يضع جبهته، فقد أساء، وصلاته تامّة. هذا قول النعمان، وهو قول، لا أحسب أحدا سبقه إليه، ولا تبعه عليه. وقال يعقوب، ومحمد: إن سجد على أنفه دون جبهته، وهو يقدر على السجود على جبهته لم يجزه ذلك. انتهى كلام ابن المنذر رحمه الله تعالى. «الأوسط» ج ٣ ص ١٧٤ – ١٧٧.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الراجح عندي من هذه الأقوال قول من قال بوجوب السجود على الجبهة والأنف، لظاهر حديث الباب، فإنه سَوّى بين هذه الأعضاء في الأمر بالسجود عليها، فلا يجوز الاكتفاء ببعضها بلا حجة تجيز ذلك، ولا ضرورة تلجىء إليه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة):
قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى أيضا: قد يستدلّ بهذا الحديث على أنه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء، فإن مسمى السجود يحصل بالوضع، فمن وضعها، فقد أتى بما أمر به، فوجب أن يخرج عن العهدة، وهذا يلتفت إلى بحث أصولي، وهو أن الإجزاء في مثل هذا، هل هو راجع إلى اللفظ، أم إلى أن الأصل عدم وجوب الزائد على الملفوظ به، مضموما إلى فعل المأمور؟
وحاصله: أن فعل المأمور به، هل هو علة الإجزاء، أو جزء علة الإجزاء؟
ولم يختلف في أن كشف الركبتين غير واجب، وكذلك القدمان.
أما الأول فلما يُحذَر فيه من كشف العورة. وأما الثاني -وهو عدم كشف القدمين- فعليه دليل لطيف جدًّا؛ لأن الشارع وقت المسح على الخف بمدة تقع فيها الصلاة مع الخف، فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخفين، وانتقضت الطهارة، وبطلت الصلاة، وهذا باطل، ومن نازع في انتقاض الطهارة بنزع الخفّ، فيردّ عليه بحديث صفوان الذي فيه «أمرنا أن لا ننزع خفافنا» إلى آخره.
[قال الأتيوبي رحمه الله معلقا: قلت: قد تقدم في «الطهارة» ترجيح القول بعدم انتقاض المسح بنزع الخف. فتنبه].
فنقول: لو وجب كشف القدمين لناقضه إباحة عدم النزع في هذه المدة التي دلّ عليها لفظة: «أمرنا» المحمولة على الإباحة، وأما اليدان فللشافعي تردد في وجوب كشفهما. انتهى كلام ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى.
واعترض الحافظ على قوله الأخير، فقال: وفيه نظر، فللمخالف أن يقول: يخص لابس الخف، لأجل الرخصة.
قال: وأما كشف اليدين ففيه أثر الحسن، أخرجه عبد الرزاق، عن هشام بن حسّان، عنه: «أن أصحاب رسول الله – ﷺ -، كانوا يسجدون، وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته، وعمامته». وهكذا رواه ابن أبي شيبة من طريق هشام. وعلق البخاري في «صحيحه» نحوه. انتهى كلام الحافظ بتصرف[«فتح» ج ٢ ص ٣٤٦].
قال الأتيوبي عفا الله عنه: الحاصل أن الراجح عدم وجوب كشف هذه الأعضاء، لما ذكره ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى، ولما ثبت من أنه – ﷺ – سجد على كور عمامته، كما قاله الصنعاني رحمه الله تعالى، ولما ذُكِرَ من فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
«إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب».[ذخيرة العقبى]
(المسألة الخامسة): الفتاوى
[1] السؤال: ما هو وضع أصابع اليدين أثناء السجود الفرد الكامل أو الوسط بين الفرد والقبض؟
الجواب:
الشيخ: قال العلماء: إن وضع اليدين في حال السجود أن يضم الأصابع بعضها إلى بعض، وأن يوجهها إلى القبلة، وأن تكون اليد بحذاء المنكب، أو بحذاء الأذنين، كل ذلك أعني كون بحذاء المنكب، أو بحذاء الأذنين، كل ذلك جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما بالنسبة للذراع والعضد فإن الذارع يكون قائماً لا منبطحاً على الأرض، ولا مقرباً منها، ولكنه يكون قائماً، والعضد يكون منفرجاً عن الجنب، إلا إذا كان الصف، وكان تفريجه يؤذي من إلى جانبه، فإنه لا يفعل ذلك؛ لأن إيذاء الغير إما مكروهاً أو محرماً، والتفريج تفريج العضدين عن الجنبين أمر مستحب، وينبغي للإنسان ألا يقع في مكروه أو محرم من أجل المحافظة على ما هو مستحب. [وضع أصابع اليدين حال السجود، فتاوى نور على الدرب، الشريط رقم [233]]
[2] س: الأخت التي رمزت لاسمها بأم عبدالسلام من القصب تقول في سؤالها: الإنسان الذي يصلي على الكرسي لعجزه هل يجب أن يكون هناك فرق بين ركوعه وسجوده من ناحية وضع اليدين وانحناء الظهر، أم أن الأمر في هذا واسع. أرشدونا جزاكم الله خيرًا؟
ج: الواجب على من صلى جالسًا على الأرض، أو على الكرسي، أن يجعل سجوده أخفض من ركوعه، والسنة له أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع، أما في حال السجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع، فإن لم يستطع جعلهما على ركبتيه، لما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة وأشار إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين)).
ومن عجز عن ذلك وصلي على الكرسي فلا حرج في ذلك، لقول الله سبحانه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] وقول النبي ﷺ: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم))، متفق على صحته.
[مجموع الفتاوى للإمام ابن باز رحمه الله، من عجز عن الصلاة لعجزه هل يجب أن يكون هناك فرق بين ركوعه وسجوده؟]