1185 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
(1185) عن الهرماس بن زياد قال رأيت النبي صَلى الله عَليه وسَلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنًى
——–
الحديث انكر على عكرمة بن عمار كما في الكامل لابن عدي وميزان الذهبي
بينما نقل صاحب أنيس الساري تصحيحه عن غيرهم:
قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح «المجمع (3) / (258)
وقال الذهبي والعراقي: هذا حديث حسن»
وقال الحافظ: إسناده صحيح «الإصابة (10) / (240)
قلت: وهو كما قال.
قال الذهبي كما في تاريخ الإسلام. وهو أيضا في المجلدين الخاصين بالسيرة من سير اعلام النبلاء طبعة دار الحديث:
وكانت له النّاقة التي هاجر عليها من مكّة، تسمّى القصواء، والعضباء والجدعاء، وكانت شهباء.
وقال أيمن بن نابل، عن قدامة بن عبد الله قال: رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم على ناقة صهباء يرمي الجمرة، لا ضرب وطرد، ولا إليك إليك. حديث حسن. انتهى
وهي التي سابق بها النبي صلي الله عليه وسلم ففي سنن أبي داود:
عن أنس، قال: كانت العضباءُ لا تُسبَقُ، فجاءَ أعرابيٌّ على قَعُودِ له، فسَابقَهَا فسَبَقَها الأعرابيُّ، فكأنَّ ذلك شقَّ على أصحابِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: “حقٌ على اللهِ أن لا يُرْفَعَ شي من الدُنيا إلا وضعَها”
وقوله:”العضباء”، قال ابن الأثير في “النهاية”: هو علم لها منقول من قولهم: ناقة عضباء، أي: مشقوقة الأذن، ولم تكن مشقوقة الأذن. وقال الزمخشري: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء، وهي القصيرة اليد.
قال ابن كثير بعد أن ذكر الحديث من سنن أبي داود: ورَواهُ أحْمَدُ والنَّسائِيُّ مِن غَيْرِ وجْهٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمّارٍ، عَنِ الهِرْماسِ قالَ: كانَ أبِي مُرْدِفِي، «فَرَأيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? يَخْطُبُ النّاسَ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ عَلى ناقَتِهِ العَضْباءِ». لَفْظُ أحْمَدَ وهُوَ مِن ثُلاثِيّاتِ «المُسْنَدِ». ولِلَّهِ الحَمْدُ. البداية والنهاية
قال عبيد الله الرحماني المباركفوري:
قال الطبري بعد ذكر حديث الهرماس وحديث رافع المزني: وهذه الخطبة الثالثة من خطب الحج، ولا تضاد بين الحديثين إذ قد يجوز أن يكون خطب على الناقة ثم تحول إلى البغلة ويجوز أن يكون الخطبتان في وقتين، وكانت إحدى الخطبتين تعليمًا للناس لا أنها من خطب الحج – انتهى فتأمل (وعلي يعبر عنه) من التعبير أي يبلغ حديثه من هو بعيد من النبي – ? – فهو ? وقف حيث يبلغه صوت
مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (9) / (319) —
قال ابن قُدامة في المغني:
[فَصْل يُسَنُّ أنْ يَخْطُبَ الإمامُ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ خُطْبَةً يُعَلِّمُ النّاسَ فِيها مَناسِكَهُمْ]
((2562)) فَصْلٌ: ويُسَنُّ أنْ يَخْطُبَ الإمامُ بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ خُطْبَةً، يُعَلِّمُ النّاسَ فِيها مَناسِكَهُمْ مِن النَّحْرِ والإفاضَةِ والرَّمْيِ. نَصَّ عَلَيْهِ أحْمَدُ، وهُوَ مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ، وابْنِ المُنْذِرَ. وذَكَرَ بَعْضُ أصْحابِنا أنَّهُ لا يَخْطُبُ يَوْمَئِذٍ. وهُوَ مَذْهَبُ مالِكٍ؛ لِأنَّها تُسَنُّ فِي اليَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ، فَلَمْ تُسَنَّ فِيهِ.
ولَنا، ما رَوى ابْنُ عَبّاسٍ، «أنَّ النَّبِيَّ – ? – خَطَبَ النّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ. يَعْنِي بِمِنًى» أخْرَجَهُ البُخارِيُّ. وعَنْ «رافِعِ بْنِ عَمْرٍو المُزَنِيِّ قالَ: رَأيْت رَسُولَ اللَّهِ – ? – يَخْطُبُ النّاسَ بِمِنًى. حِينَ ارْتَفَعَ الضُّحى، عَلى بَغْلَةٍ شَهْباءَ وعَلِيٌّ يُعَبِّرُ عَنْهُ، والنّاسُ بَيْنَ قائِمٍ وقاعِدٍ، وقالَ أبُو أُمامَةَ: سَمِعْت خُطْبَةَ النَّبِيِّ – ? – بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ
وقالَ الهِرْماسُ بْنُ زِيادٍ الباهِلِيُّ: رَأيْت النَّبِيَّ – ? – يَخْطُبُ النّاسَ عَلى ناقَتِهِ العَضْباءِ، يَوْمَ الأضْحى بِمِنًى». وقالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعاذٍ: «خَطَبَنا رَسُولُ اللَّهِ – ? – ونَحْنُ بِمِنًى، فَفُتِحَتْ أسْماعُنا، حَتّى كُنّا نَسْمَعُ ونَحْنُ فِي مَنازِلِنا، فَطَفِقَ يُعَلِّمُهُمْ مَناسِكَهُمْ، حَتّى بَلَغَ الجِمارَ». رَوى هَذِهِ الأحادِيثَ كُلَّها أبُو داوُد، إلّا حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ. ولِأنَّهُ يَوْمٌ تَكْثُرُ فِيهِ أفْعالُ الحَجِّ، ويَحْتاجُ إلى تَعْلِيمِ النّاسِ أحْكامَ ذَلِكَ، فاحْتِيجَ إلى الخُطْبَةِ مِن أجْلِهِ، كَيَوْمِ عَرَفَةَ.
المغني 3/ 394
قال العباد في شرح سنن أبي داود:
قوله: [باب من قال: خطب يوم النحر].
وأورد فيه حديث الهرماس بن زياد الباهلي
فيه إثبات الخطبة في يوم النحر انتهى
وثبت كذلك من الخطب؛ خطبة يوم عرفة وأوسط أيام التشريق.
قال ابن الرفعة في كفاية التنبيه:
قال: ثم يخطب الإمام بعد الظهر بمنى، ويعلم الناس النحر والرمي والإفاضة.
أما استحباب الخطبة بمنى في هذا اليوم؛ فلما روى أبو داود عن أبي أمامة – وهو الباهلي قال: «سمعت [خطبة] رسول الله ? بمنى يوم النحر».
وروى- أيضًا- عن الهرماس بن زياد الباهلي قال: «رأيت رسول الله ? يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى»، وأخرجه النسائي.
وعن الحناطي رواية وجه: أن موصع هذه الخطية مكة.
وأما كونها بعد الظهر؛ فلأنها خطبة مشروعة في الحج، فكانت بعد الظهر؛ كغيرها من الخطب فيه.
وما ذكره الشيخ هو الذي نص عليه في «المختصر»، ولم يحك أبو الطيب وابن الصباغ غيره.
لكن قد روى أبو داود عن رافع بن عمرو المزني قال: «رأيت رسول الله ? يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلي – رضي الله عنه- يعبر عنه، والناس بين قائم وقاعد». وأخرجه النسائي.
وأما كونه يعلم الناس فيها النحر والرمي والإفاضة؛ فلما روى أبو داود عن عبد الرحمن ابن معاذ التيمي قال: خطبنا رسول الله ? [ونحن] بمنى، ففتحنا …..
الأحاديث التي ذكرت خطبته يوم النحر من مختصر نيل الاوطار:
بابُ اسْتِحْبابِ الخُطْبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ
(1687) – عَنْ الهِرْماسِ بْنِ زِيادٍ قالَ: رَأيْتُ النَّبِيَّ – ? – يَخْطُبُ النّاسَ عَلى ناقَتِهِ العَضْباءَ يَوْمَ الأضْحى بِمِنًى. رَواهُ أحْمَدُ وأبُو داوُد.
(1688) – وعَنْ أبِي أُمامَةَ قالَ: سَمِعْتُ خُطْبَةَ النَّبِيِّ – ? – بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ. رَواهُ أبُو داوُد.
(1689) – وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعاذٍ التَّيْمِيِّ قالَ: خَطَبَنا رَسُولُ اللَّهِ – ? – ونَحْنُ بِمِنًى، فَفُتِحَتْ أسْماعُنا حَتّى كُنّا نَسْمَعُ ما يَقُولُ ونَحْنُ فِي مَنازِلِنا،
فَطَفِقَ يُعَلِّمَهُمْ مَناسِكَهُمْ حَتّى بَلَغَ الجِمارَ، فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ السَّبّابَتَيْنِ ثُمَّ قالَ: «بِحَصى الخَذْفِ». ثُمَّ أمَرَ المُهاجِرِينَ فَنَزَلُوا فِي مُقَدَّمِ المَسْجِدَ، وأمَرَ الأنْصارَ
بستان الأحبار مختصر نيل الأوطار (1) / (454) — فيصل المبارك
واستشكل المعلمي حديث:
قال أحمد: ثنا وكيع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أخيه، عن أبي كاهل – قال إسماعيل: قد رأيت أبا كاهل – قال: «رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب الناس يوم عيد على ناقة خرماء، وحبشيّ ممسك بخطامها».
أقول: قد يُستنكر هذا الحديث بأن المعروف أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخطب في العيدين على الأرض.
ويجاب: بأنه قد خطب يوم الأضحى بمنى على ناقته العضباء. أخرجه أبو داود ((1)) بسندٍ على شرط مسلم، قال: حدثنا هارون بن عبد الله، نا هشام بن عبد الملك، نا عكرمة، حدثني الهرماس بن زياد الباهلي قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى».
فلعل المراد بما وقع في حديث سعيد عن أبي كاهل من قوله: «يوم عيد» هو يوم الأضحى بمنى.
ثم قال أبو داود: باب أي وقت يخطب يوم النحر؟
حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي نا مروان عن هلال بن عامر المزني حدثني رافع بن عمرو المزني قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب الناس بمنى حتى ارتفع الضحى، على بغلة شهباء، وعليٌّ ? يُعَبّر عنه، والناس بين قائم وقاعد.
فقال في الترجمة: «يوم النحر»، وليس ذلك في الحديث، وقد خطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى في أيام التشريق. ومع ذلك فمروان هو ابن معاوية، يدلس عن المجاهيل والمتروكين.
ويشهد لحديث الهرماس حديث أم الحصين عند النسائي وغيره
وفيه:» فرأيت بلالًا يقود راحلته، وأسامة بن زيد رافع عليه ثوبه يُظلّه من الحرّ، وهو محرم، حتى رمى جمرة العقبة، ثم خطب الناس … انتهى
وحديث ام الحصين الذي ذكره ذكر في حاشية محقق اثار المعلمي:
الحديث أخرجه مسلم ((1298))، وأبو داود ((1834))، وأحمد ((27259)).
وفيه مشروعية الخطبة على الراحلة. وورد من حديث أبي بكرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب على راحلته يوم النحر البخاري 963، ومسلم 884
الثاني: مسائل ملحقة:
الأولى: أنواع الخطب التي خطبها النبي صلى الله عليه وسلم.
فلقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجَّة الوداع ثلاث خطبٍ:
الأولى: يوم عرفة على صعيد عرفات.
الثانية: يوم النحر العاشر من ذي الحجَّة بمنى.
الثالثة: في أوسط أيام التشريق بمنى.
قال العلامةُ ابن عثيمين – رحمه الله -:
كانت خُطب الرسول عليه الصلاة والسلام على قسمين: خطبٌ راتبة وخطب عارضة.
فأمَّا الرَّاتبة:
فهي خطبةٌ في الجُمعِ والأعياد، فإنَّه صلَّي الله عليه وسلَّم كان يخطبُ النّاسَ في كلِّ جمعةٍ وفي كلِّ عيدٍ، واختلف العلماءُ – رحمهم الله – في خطبةِ صلاة الكسوفِ، هل هي راتبة أو عارضةٌ، وسببُ اختلافهم: أنَّ الكسوفَ لم يقع في عهد النبي صلي الله عليه وسلم إلا مرَّةً واحدةً، ولما صلَّى قام فخطب الناس عليه الصلاة والسلام، فذهب بعض العلماءِ إلى أنَّها من الخطب الرَّاتبةِ، وقال: إنَّ الأصل أنَّ ما شرعَه النَّبيُّ صلي الله عليه وسلم فهو ثابتٌ مستقرٌّ، ولم يقعِ الكسوفُ مرَّةً أخرى فيترك النبي صلي الله عليه وسلم الخطبة، حتى نقول إنَّها من الخطب العارضة.
وقال بعضُ العلماءِ: بل هي من الخُطبِ العارضة، التي إنْ كان لها ما يدعو لها خطب وإلا فلا، ولكن الأقرب أنَّها من الخطب الراتبة، وأنَّه يُسنُّ للإنسان إذا صلى صلاة الكسوف أن يقوم فيخطب الناس ويذكرهم ويخوفكم كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم.
أمَّا الخطب العارضة:
فهي التي يخطبها عند الحاجة إليها، مثل خطبته صلى الله عليه وسلم حينما اشترط أهل بريرة – … فخطب الناس وأخبرهم: أنَّ «الولاءَ لمن اعتق».
وكذلك خطبته حين شفَع أسامة بن زيد – رضي الله عنه – في المرأة المخزومية … ثم قام فخطب الناس وأخبرهم أنَّ الذي أهلك من كان قبلنا أنَّهم كانوا إذا سرَق فيهم الشَّريفُ تركوه، وإذا سرق فيهم الوضيعُ أقاموا عليه الحدَّ.
وفي حجة الوداع خطب النبي صلي الله عليه وسلم يوم عرفة، وخطب يوم النحر، ووعظ الناس وذكَّرهم، وهذه خطبةٌ من الخُطب الرَّواتب التي يُسنُّ لقائدِ الحجيج أن يخطب الناس كما خطبهم النبي صلي الله عليه وسلم، وكان من جملة ما ذكر في خطبته في حجة الوداع، أنَّه قال: «يَا أيُّها الناس اتَّقوا ربَّكُم»، وهذه كقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ} [النساء: من الآية 1]، فأمر الرسول صلي الله عليه وسلم الناسَ جميعًا أنْ يتَّقوا ربَّهم الذي خلقهم، وأمَّدهم بنعمِهِ، وأعدَّهم لقبولِ رسالاتِه، فأمرهم أن يتَّقوا الله. [«شرح رياض الصالحين» (1/ 534 – 537)].
فصل:
جاء في (سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد):
“الباب الخامس في: صفة خطبته وما وقفت عليه من خطبه- ?
قال في «زاد المعاد»: كان مدار خطبته- ?- على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وصفات كماله ومحامده وتعليم قواعد الإسلام وذكر الجنة والنار والمعاد والأمر بالتقوى، وتبيين موارد غضبه، ومواقع رضاه.
وكان يقول في خطبه أيضا: «أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كل ما أمرتم به، ولكن سدّدوا وأبشروا»، وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم، ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله تعالى ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة.
كان يقصر خطبته أحيانا ويطيلها أحيانا بحسب حاجة الناس. كانت خطبته العارضة أطول من خطبته الراتبة، وكان يخطب النساء على حدة ويحثهن على الصدقة.
ولم يكن له شاويش يخرج بين يديه إذا خرج من حجرته، ولم يكن يلبس ما يلبسه الخطباء اليوم، ولا طرحة ولا غيرها، وكان يخطب على الأرض، وعلى المنبر، وعلى البعير، وعلى الناقة.
وكان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته كأنه منذر جيش، وكان يخطب كثيرا بالقرآن، وكان أحيانا يتوكأ على قوس ولم يحفظ أنه ((يتوكأ)) على سيف.
وكان منبره على ثلاث درجات، فإذا استوى عليه واستقبل الناس أخذ المؤذّن في الأذان فقط، ولم يقل شيئا قبله ولا بعده.
فإذا أخذ في الخطبة واشتد غضبه، لم يرفع أحد صوته، بشيء البتة- لا مؤذن ولا غيره.
وروى أبو داود، عن ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- ?- كان إذا تشهد قال: «الحمد لله نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا».
وفي رواية ابن شهاب مرسلا: «ومن يعصهما فقد غوى». [أبو داود (1) / (287) ((1098))].
وروى الطبراني برجال ثقات عنه قال: خطبنا رسول الله- ?- فقال: «أما بعد».
وروى الطبراني عن شداد بن أوس- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- ?- يقول: «أيها الناس إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البرّ والفاجر، وإن الآخرة وعد صادق، يحكم فيها ملك قادر، يحق الحق، ويبطل الباطل، أيها الناس كونوا أبناء الآخرة ولا تكونوا أبناء الدنيا، فإن كل أم يتبعها ولدها» [الطبراني في الكبير وقال الهيثمي (2) / (188) فيه سعيد بن سنان ضعيف جدا].
وروى الإمامان الشافعي، وأحمد، ومسلم، وابن ماجه، عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- «أن رسول الله- ?- خطب يوما فقال: «إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونستهديه ونستنصره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى حتى يفيء إلى أمر الله» [أخرجه مسلم ((2) / (593)) حديث ((46) / (868)) والنسائي (6) / (74) وابن ماجة (1) / (610) ((1893))].
وروى ابن أبي الدنيا، والبيهقي في «الشعب»، عن الحسن البصري- رحمه الله تعالى- قال: طلبت خطبة النبي- ?- في الجمعة فأعيتني، فلزمت رجلا من أصحاب النبي- ?- فسألته عن ذلك فقال: كان يقول في خطبته يوم الجمعة: «يا أيها الناس إن لكم علما فانتهوا إلى علمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، فإن المؤمن بين مخافتين، بين أجل قد مضى لا يدري كيف صنع الله فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري كيف الله بصانع فيه، فليتزود المؤمن لنفسه بنفسه، ومن دنياه لآخرته. الدنيا خلقت لكم، والذي نفس محمد بيده ما بعد الموت مستعتب وما بعد الدنيا دار إلا الجنة أو النار، واستغفروا الله لي ولكم.
وروى البيهقي في «الأسماء والصفات» عن ابن شهاب قال: بلغنا عن رسول الله- ?- أنه كان يقول إذا خطب: «كل ما هو آتٍ قريب لا بعد لما هو آت، لا يعجل الله بعجلة أحد ولا يخف لأمر الناس، ما شاء الله كان ولو كره الناس، لا مبعد لما قرّب الله، ولا مقرب لما بعّد الله، ولا يكون شيء إلا بإذن الله بحق».
وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن النعمان بن بشير- رضي الله تعالى عنه- قال: سمعت رسول الله- ?- يخطب يقول: «أنذرتكم النار، أنذرتكم النار»، حتى لو أن رجلا كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا قال: حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه.
وفي رواية «وسمع أهل السوق صوته وهو على المنبر».
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، عن زيد بن أرقم- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- ?- خطبهم فقال: «أما بعد».
وروى الإمام أحمد، والنسائي، ومسلم، وابن ماجه، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: كان رسول الله- ?- «إذا خطب».
وفي رواية: إذا ذكر الساعة احمرت عيناه، وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: «صبّحكم».
وفي رواية: كانت خطبة رسول الله- ?- يوم الجمعة يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله، ثم يقول بأثر ذلك وقد علا صوته. .
«أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار»، ثم يقول: «من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ثم يقول: «بعثت أنا والساعة كهاتين، ثم يقول: من ترك مالا فلأهله، ومن ترك ضياعا فعليّ وإليّ فأنا أولى بالمؤمنين».
وروى الإمام أحمد، والطبراني، والبزار- على الشك- برجال الصحيح عن علي أو الزبير- رضي الله تعالى عنهما- قال: كان رسول الله- ?- يخطبنا فيذكرنا بأيام الله حتى يعرف ذلك في وجهه، وكأنّه نذير قوم يصبحهم الأمر غدوة، وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم حتى يرتفع [أخرجه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه وأبو يعلى عن الزبير وحده وقال الهيثمي (2) / (188) رجاله رجال الصحيح].
وروى الإمام الشافعي، عن عمرو- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- ?- خطب يوما فقال في خطبته: «ألا إن الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر، ألا وإن الآخرة أجل صادق، يقضي فيها ملك قادر، ألا إن الخير كله بحذافيره في الجنة، إلا وإن الشّر كله
بحذافيره في النار، [إلا فاعلموا] وأنتم من الله- عز وجل- على حذر، واعلموا أنكم معرضون على أعمالكم، {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. ومَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}.
وروى الإمامان: الشافعي، وأحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة، وأحمد بن منيع، عن أم هشام بنت حارثة بن النعمان- رضي الله تعالى عنها- قالت: «ما أخذت ق والقُرْآنِ المَجِيدِ إلا من في رسول الله- ?- كان يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس» [أخرجه مسلم (2) / (595) في الجمعة ((52) / (873)) وأبو داود (1) / (288) ((1102)) والنسائي (3) / (107)].
وروى ابن سعد عن أم صبيّة: خولة بنت قيس الجهنية- رضي الله تعالى عنها- قالت: «كنت أسمع خطبة رسول الله- ?- يوم الجمعة وأنا في مؤخر النساء وأسمع قراءة ق والقُرْآنِ المَجِيدِ على المنبر وأنا في مؤخر المسجد».
وروى الشيخان، وأبو داود، والترمذي، عن يعلى بن أمية- رضي الله تعالى عنه- قال:
سمعت رسول الله- ?- يقرأ على المنبر ونادَوْا يا مالِكُ [الزخرف (77)]. [البخاري ((8) / (568)) حديث ((4819)) ومسلم ((2) / (594)) حديث ((49) / (871)) وأبو داود (4) / (25) والترمذي ((2) / (382)) وقال حسن غريب ((508))]
وروى الإمام أحمد، ومسلم، والثلاثة، عن جابر بن سمرة- رضي الله تعالى عنه- قال:
«كنت أصلي مع رسول الله- ?- الصلوات فكانت صلاته قصدا، وخطبته قصدا»، زاد أبو داود: «يقرأ بآيات من القرآن، ويذكر الناس» [أحمد في المسند (5) / (93) ومسلم (2) / (590)) حديث ((41) / (866)) وأبو داود (1) / (288) ((1101)) والترمذي (2) / (381) ((507)) والنسائي (3) / (90)].
وروى أبو داود عنه: قال: «كان رسول الله- ?- لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هي كلمات يسيرات».
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وأبو نعيم عن الحكم بن حزن الكلفي أنه شهد الجمعة مع رسول الله- ?- فقام فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات ثم قال:
«أيها الناس إنكم لن تطيقوا أو لن تفعلوا كلّ ما أمرتم به، ولكن سددوا وأبشروا».
وروى النسائي عن عبد الله بن أبي أوفى- رضي الله تعالى عنه- قال: «كان رسول الله- ?- يكثر الذكر، ويقلّ اللغو، ويطيل الصلاة، ويقصّر الخطبة، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة، والمسكين لبعض الحاجة».
وروى الإمام أحمد، وابن ماجة، عن أبي بن كعب- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- ?- قرأ يوم الجمعة تَبارَكَ وهو قائم يذكر بأيام الله».
وروى عبد الله ابن الإمام أحمد برجال الصحيح عنه- أن رسول الله- ?- قرأ يوم الجمعة (براءة) وهو قائم يذكر بأيام الله تعالى.
وروى عبد بن حميد- بسند ضعيف- عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله- ?- قرأ في خطبته (المائدة) وسورة (التوبة) ثم قال النبي- ?- «أحلّوا ما أحل الله فيهما وحرّموا ما حرم الله تعالى فيهما».
وروى الطبراني برجال ثقات غير إسحاق بن زريق فيحرر حاله عن علي- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- ?- كان يقرأ على المنبر قُلْ يا أيُّها الكافِرُونَ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أحَدٌ [الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي (2) / (190) تفرد به إسحاق بن زريق ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله موثقون].
وروى الطبراني عن جابر- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- ?- خطب فقرأ في خطبته آخر (الزّمر) فتحرك المنبر مرتين» [الطبراني في الأوسط قال الهيثمي (2) / (90) من رواية أبي بحر البكراوي عن عباد بن ميسرة وكلاهما ضعيف إلا أن أحمد قال في أبي بحر: لا بأس به].
وروى البزار، والطبراني، عن سمرة بن جندب- رضي الله تعالى عنه- «أن رسول الله- ?- كان يستغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات كل جمعة» [البزار كما في الكشف (1) / (307) ((641)) وقال الهيثمي (2) / (190) رواه البزّار والطبراني وقال في إسناد البزار يوسف بن خالد السمتي وهو ضعيف].
وروى البيهقي، عن جابر- رضي الله تعالى عنه- قال: «خطبنا رسول الله- ?- فقال: «يا أيّها النّاس توبوا قبل أن تموتوا، وبادروا بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبين ربكم ترحموا» [أخرجه ابن ماجة بإسناد ضعيف ((1081)) والبيهقي ((2) / (90) و (171)) وابن عدي في الكامل (4) / (1498)]. انتهى المقصود.
الثانية: الروايات التي أوردها الشيخ الوادعي في الصحيح المسند:
481 – قال الامام الترمذي رحمه الله (ج3 ص283): حدثنا موسى بن عبد الرحمن الكوفي حدثنا زيد بن الحباب أخبرنا معاوية بن صالح حدثني سليم بن عامر قال سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يخطب في حجة الوداع فقال اتقوا الله ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم قال فقلت لأبي أمامة منذ كم سمعت هذا الحديث؟ قال سمعته وأنا بن ثلاثين سنة.
وذكر روايات للحديث عند أحمد والحاكم
وفي الصحيح المسند
740 – قال أبو داود رحمه الله (ج5ص420): حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا هِشَامٌ يَعْنِي ابْنَ الْغَازِ حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ فَقَالَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمُ النَّحْرِ قَالَ: ((هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)).
هذا حديث حسن، وقد أخرجه البخاري تعليقا كما في “عون المعبود”.
وايضا في الصحيح المسند
916 – قال ابن العاصم رحمه الله في: الآحاد والمثاني”:حدثنا محمد بن المثنى، نا عثمان بن عمر بن فارس، نا عبد المجيد صاحب الدقيق من أهل البصرة قال: مررنا بالزجيج فدخلنا على رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من بني عامر بن صعصعة يقال له: العداء بن خالد بن هوذة فسلمنا عليه فرد علينا السلام. فقال: من القوم؟ قلنا: من أهل البصرة أتيناك نسلم عليك وتدعو لنا بدعوات. فقال: فما فعل محمد بن المهلب؟ فقلنا: هو ذاك يدعو الناس إلى كتاب الله عز وجل وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وما هو وذاك؟ قلنا: فما تأمرنا أين نكون مع هؤلاء أو مع هؤلاء أو نقعد؟ قال: إن تقعدوا تفلحوا وترشدوا ثلاثا. ثم قال: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما في الركابين ينادي يوم عرفة: «ألا إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقونه ألا هل بلغت؟ ثلاثا» قالوا: نعم. قال: «اللهم اشهد اللهم اشهد ثلاثا»
هذا حديث صحيح.
وايضا في الصحيح المسند
1065 – قال الإمام البزار رحمه الله: حدثنا إبراهيم بن هانئ، قال: حدثنا عثمان بن صالح، قال: أنا ابن وهب، عن أبي هانئ الخولاني، عن عمرو بن مالك الجنبي، أن فضالة بن عبيد الأنصاري، حدثه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال في حجة الوداع: هذا يوم حرام، وبلد حرام، فدماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، مثل هذا اليوم وهذه البلدة إلى يوم تلقونه، وحتى دفعة دفعها مسلم مسلما يريد بها سوءا حراما، وسأخبركم من المسلم، من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله.
هذا حديث حسن.
ثم ذكر روايات للحديث عند أحمد وابن ماجه
وفي الصحيح المسند
1244 – قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا أبو سعيد وعفان قالا حدثنا ربيعة بن كلثوم حدثني أبي قال سمعت أبا غادية يقول صلى الله عليه وسلم بايعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أبو سعيد فقلت له بيمينك قال نعم قالا جميعا في الحديث وخطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم العقبة فقال يا أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى يوم تلقون ربكم عز و جل كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم أشهد ثم قال ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
هذا حديث صحيح.
وأبو الغادية هذا هو قاتل عمار بن ياسر رضي الله عنه فكان الناس يتعجبون من جرأته بعد روايته هذا الحديث، نسأل الله السلامة ونعوذ بالله من الفتن.
ثم ذكر روايات للحديث عند أحمد
وفي الصحيح المسند
1475 – قال الإمام أحمد رحمه الله: ثنا يحيى ثنا شعبة حدثني عمرو بن مرة قال سمعت مرة قال حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال صلى الله عليه وسلم قام فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم على ناقة حمراء مخضرمة فقال أتدرون أي يومكم هذا قال قلنا يوم النحر قال صدقتم يوم الحج الأكبر أتدرون أي شهر شهركم هذا قلنا ذو الحجة قال صدقتم شهر الله الأصم أتدرون أي بلد بلدكم هذا قال قلنا المشعر الحرام قال صدقتم قال فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أو قال كحرمة يومكم هذا وشهركم هذا وبلدكم هذا إلا وأنى فرطكم على الحوض أنظركم وأني مكاثر بكم الأمم فلا تسودوا وجهي إلا وقد رأيتموني وسمعتم منى وستسألون عنى فمن كذب علي فليتبوأ مقعده من النار إلا وأنى مستنقذ رجالا أو إناثا ومستنقذ منى آخرون فأقول يا رب أصحابي فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك.
هذا حديث صحيح.
وفي الصحيح المسند
1523 – قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا إسماعيل حدثنا سعيد الجريري عن أبي نضرة حدثني من سمع خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق فقال يا أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال أي يوم هذا قالوا يوم حرام ثم قال أي شهر هذا قالوا شهر حرام قال ثم قال أي بلد هذا قالوا بلد حرام قال فإن الله قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم قال ولا أدري قال أو أعراضكم أم لا كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليبلغ الشاهد الغائب.
هذا حديث صحيح.
الثالثة: المقاصد العامة من خطب الوداع:
1 – الترغيب في طاعة الله وطاعة رسوله:
يدل عليه قوله صلى الله عليه: ((وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟))، قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: ((اللهم اشهد، اللهم اشهد)) ثلاث مرات؛ رواه مسلم.
والنبي صلى الله عليه وسلم يأمر الناس بجملة من العبادات ترغيب لذالك؛ فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع، فقال: ((اتقوا الله ربكم، وصلُّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا ذا أمركم، تدخلوا جنة ربكم)).
قال العلامةُ ابن عثيمين – رحمه الله -:
وقوله: «وصلُّوا خمْسَكم»؛ أي: صلُّوا الصلوات الخَمْس التي فرضها الله – عزَّ وجلَّ – علي رسوله صلَّي الله عليه وسلم.
وقوله: «وصُوموا شَهْرَكم»؛ أي: شهر رمضان.
وقوله: «وأدُّوا زكاةَ أموالكم»؛ أي: أعطوها مستحقيها ولا تبخلوا بها.
وقوله: «أطيعوا أمراءكم»؛ أي: من جعلهم الله أمراء عليكم، وهذا يشمل أمراء المناطق والبلدان، ويشمل الأمير العام: أي أمير الدولة كلَّها، فإنَّ الواجبَ على الرعيَّة طاعتُهم في غير معصية الله، أمَّا في معصية الله فلا تجوز طاعتهم ولو أمروا بذلك، لأن طاعة المخلوق لا تقدم علي طاعة الخالق جلَّ وعلا، ولهذا قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: من الآية59]، فعطف طاعة ولاة الأمور علي طاعة الله تعالى ورسوله صلي الله عليه وسلم وهذا يدلُّ علي أنَّها تابعة، لأنَّ المعطوف تابع للمعطوِف عليه لا مستقلٌ، ولهذا تجد أنَّ الله – جلَّ وعلا – قال: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: من الآية 59]، فأتى بالفعل ليتبيَّن بذلك أنَّ طاعة النبي صلي الله عليه وسلم طاعة مستقلَّة، أي: تجب طاعتُه استقلالًا كما تجب طاعة الله؛ ومع هذا فإنَّ طاعتَه من طاعة الله واجبة، فإنَّ النبي صلي الله عليه وسلم لا يأمرُ إلَّا بما يُرْضِي الله، أمَّا غيره من ولاة الأمور فإنَّهم قد يأمرون بغير ما يُرضي الله، ولهذا جعل طاعتَهم تابعةً لطاعة الله ورسوله.
ولا يجوز للإنسان أن يعصي ولاة الأمور في غير معصية الله، ويقول: إن هذا ليس بدين، لأنَّ بعض الجُهَّال، إذا نَظَّم ولاة الأمور أنظمةً لا تخالف الشَّرع، قال: لا يلزمني أن أقوم بهذه الأنظمة، لأنَّها ليست بشرع، لأنَّها لا توجدُ في كتابِ اللهِ تعالى، ولا في سُنَّة رسوله صلي الله عليه وسلم، وهذا من جهله، بل نقول: إنَّ امتثال هذه الأنظمة موجود في كتاب الله، موجود في سُنَّة الرسول عليه الصلاة والسلام، قال الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، وورد عن النبي عليه الصلاة والسلام في أحاديث كثيرة أنَّه أمر بطاعة ولاة الأمور، ومنها هذا الحديث، فطاعة ولاة الأمور فيما يُنظِّمونه مما لا يخالفُ أمر الله تعالى ورسوله صلي الله عليه وسلم مما أمر الله به ورسولُه صلَّي الله عليه وسلم.
ولو كنَّا لا نطيع ولاة الأمور إلَّا بما أمر الله تعالى به ورسوُله صلي الله عليه وسلم لم يكن للأمر بطاعتِهم فائدة، لأنَّ طاعة الله تعالى ورسوله مأمورٌ بها، سواءٌ أمر بها ولاة الأمور أم لم يأمروا بها، فهذه الأمور التي أوصى بها النبي صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع: تقوي الله، والصلوات الخمس، والزكاة، والصيام، وطاعة ولاة الأمور، هذه من الأمور الهامة التي يجب على الإنسان أن يعتني بها، وأن يمتثل أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم فيها، والله اعلم. [«شرح رياض الصالحين» (1/ 534 – 537)]
2 – الولاء لله ولرسوله والمؤمنين:
يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: ((ألا إن المسلم أخو المسلم فليس يحل لمسلم من أخيه شيء إلا ما أحل من نفسه))، هذه الرواية للترمذي، وقال: حسن صحيح.
3 – التحاكم لشرع الله وقطع العلاقة بأمور الجاهلية التي تناقض الدين:
يدل عليه في خطبة الوداع: ما رواه جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قِصَّةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ: ((أَلا وَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمِيَّ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلَّهُ))؛ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ.
وقد ذكر الله تعالى هذا المقصد العظيم في سورة المائدة تحكيم شريعة الإسلام عند التنازع والخلاف، والوقوف عند حدود الله بالالتزام، {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45].
4 – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يدل عليه:
عَن عبدالرَّحْمَن بن أبي بكرَة عَن أَبِيه قَالَ: «ذكر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قعد على بعيره وَأمْسك إِنْسَان بخطامه – أَو بزمامه – قَالَ: أَي يَوْم هَذَا؟ فسكتنا حَتَّى ظننا أَنه سيسميه بِغَيْر اسْمه، قَالَ: أَلَيْسَ يَوْم النَّحْر؟ فَقُلْنَا: بلَى، قَالَ: فَأَي شهر هَذَا؟ فسكتنا حَتَّى ظننا أَنه سيسميه بِغَيْر اسْمه، قَالَ: ألْيَسْ ذِي الْحجَّة؟ قُلْنَا: بلَى، قَالَ: فَإِن دماءكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ بَيْنكُم حرَام كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا، فِي شهركم هَذَا، فِي بدلكم هَذَا، ليبلغ الشَّاهِد الْغَائِب، فَإِن الشَّاهِد عَسى أَن يبلغ من هُوَ أوعى لَهُ مِنْهُ»؛ متفق عليه.
5 – العدل بين البشر:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةَ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ”، هذا ومن مقاصد الشريعة الغراء تحقيق العدل بين الناس جميعًا مهما اختلفت أجناسهم أو أديانهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة: 8].
تنويه: كما اشتملت خطبة الوداع على حفظ الكليات الخمس:
قَالَ صلى الله عليه وسلم: ((فَإِن دماءَكم وَأَمْوَالكُمْ وَأَعْرَاضكُمْ بَيْنكُم حرَام، كَحُرْمَةِ يومكم هَذَا، فِي شهركم هَذَا))؛ متفق عليه، ورغم اختلاف كل خطبة من خطبه الثلاث عن الأخرى، فإن هذه الوصية جاءت في خطبه الثلاث: “حفظ الدين والدماء والأموال والاعراض”. [خطب حجة الوداع في ظلال سورة المائدة].
الرابعة: الدُّروس المُستفادَة مِن هذه الخُطبَة:
الدرس الأول: بيَّن النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – حُرمة الدماء والأموال، ووضَّح لنا أن هذه الحُرمة تُساوي حُرمة اليوم والشهر والبلد، ومعلومٌ أن حُرمة البلد الحرام – وهو مكة – حُرمةٌ عظيمة، وحُرمة الشهر الحرام – وهو شهر ذي الحجَّة – حرمة عظيمة.
الدرس الثاني: وضَع النبي – صلى الله عليه وسلم – كلَّ شيء مِن أمر الجاهلية، فقال: ((ألا وإنَّ كل شيء مِن أمر الجاهلية موضوعٌ تحت قدميَّ هاتَين))، فكل شيء مِن أمر الجاهليَّة باطل، فالإسلام قد أبطَل أمور الجاهليَّة؛ فلا كِبر، ولا بطَر، ولا أشَر، ولا لواد البنات (دفنهنَّ أحياء)، ولا فضْل لقبيلةِ كذا على قبيلةِ كذا، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح.
الدرس الثالث: المُعامَلة الحسَنة مع النساء:
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((فاتَّقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنَّ بأمانة الله، واستحللتُم فروجهنَّ بكلمة الله.
الدرس الرابع: بيان أن رسول الله – ? – بلّغ جميع ما أُرسل بتبليغه، وقال البخاريّ – رحمه الله – في «صحيحه»: قال الزهريّ: من الله الرسالة، وعلى الرسول التبليغ، وعلينا التسليم. انتهى.
وقد شهدت له – ? – أمته بتبليغه، وأدائه الأمانة، واستنطقهم بذلك في أعظم المحافل في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع، وقد كان هناك من أصحابه نحو أربعين ألفًا، أو أكثر، فقد أخرج مسلم في «صحيحه» من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – الطويل، وفيه: قال رسول الله – ?: «أيها الناس إنكم مسؤولون عنّي في أنتم قائلون؟» قالوا: نشهد أنك قد بلّغتَ، وأدّيت، ونصحت، فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينْكُتها إلى الناس: «اللهم اشهد، اللهم اشهد»، ثلاث مرات.
الدرس الخامس: ((اللهم اشهَد، اللهم اشهد)):
إشارة النبي ? بأصبعه إلى السماء في خطبته في حجة الوداع عندما كان يستشهد الله على الناس قائلًا: (ألا هل بلغت؟! قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد)، فقد كان يرفع أصبعه إلى السماء ثم ينكتها إلى الناس ويقول: (اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد) فإشارة النبي ? بأصبعه إلى السماء دليل صريح على أن الله في العلو.
وأما المعطلة من الجهمية وغيرهم فهم ينكرون الإشارة بالأصبع، فلو رفعت أصبعك عند جهمي واستطاع قطعها لقطعها؛ لأنه يقول: إن الله في كل مكان، والإشارة إليه تنقص له، فإذا جعلته فوق فقد تنقصته وجعلته محدودًا في جهة محددة، وهو في كل مكان. قال الراجحي [دروس في العقيدة]. [الدروس المستفادة من خطبة النبي صلى الله عليه وسلم، بتصرف].
[*] هذا مقتبس من التعليق على الصحيح المسند (ج2/ رقم 1157 – 1150) عن خطب النبي صلى الله عليه وسلم.