1182 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1182):
مسند هُبَيْبِ بن مُغْفِلٍ رضي الله عنه
١١٨٢ – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٤ ص ٢٣٧): حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب يعني عبد الله بن وهب المصري قال عبد الله (وهو ابن الإمام أحمد): وسمعته أنا من هارون حدثنا عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران: عن هبيب بن مُغْفِلٍ (١) الغفاري أنه رأى محمدًا القرشي قام يجر إزاره فنظر إليه هبيب فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول «من وطئه خيلاء وطئه في النار».
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا أسلم أبا عمران، وقد وثَّقه النسائي كما في في «تهذيب التهذيب».
وهبيب بموحدتين مصغرًا، كما في «الإصابة».
الحديث أخرجه أبو يعلى (ج ٣ ص ١١١).
* قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٤ ص ٢٣٧): حدثنا هارون بن معروف قال حدثنا عبد الله بن وهب قال عبد الله وسمعته أنا من هارون قال حدثني عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران: عن هبيب بن مغفل الغفاري أنه رأى محمدًا القرشي قام يجر إزاره فنظر إليه هبيب فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «من وطئه خيلاء وطئه في النار».
حدثنا يحيى بن إسحاق قال أخبرنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال أخبرني أسلم أبو عمران عن هبيب الغفاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من وطئ على إزاره خيلاء وطئ في نار جهنم».
حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم: أنه سمع هبيب بن مغفل صاحب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ورأى رجلًا يجر إزاره خلفه ويطؤه خيلاء فقال: سبحان الله سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: «من وطئه من الخيلاء وطئه في النار».
هذا حديث صحيحٌ.
————
(١) في الأصل: معقل. والصواب ما أثبتناه، كما في «الإصابة»، قال الحافظ: بضم أوله، وسكون الغين المعجمة، وكسر الفاء بعدها لام.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
في “2-كتاب الإيمان، ٥٦ – أسباب دخول النار وهي محمولة في حق الموحد على دخول مؤقت، ثم يخرجون إلى الجنة، برقم (٦٣٠).
و”19- كتاب اللباس، ١٣ – تحريم الإسبال”، برقم (٢٧٩٨).
و”27- كتاب الكبائر، ٢٥ – جر الإزار”، برقم (٣٣٢٥).
الأول: شرح الحديث:
ورد في حديث ابن عمر: «مررت على رسول الله -ﷺ-، وفي إزاري استرخاء، فقال: يا عبد الله ارفع إزارك، فرفعته، ثم قال: زِدْ، فزدت، فما زلت أتحراها بعدُ، فقال بعض القوم: أين؟ فقال: أنصاف الساقين».
قال العلماء: الخيلاء بالمد، والمخيلة، والبَطَرُ، والكبر، والزهو، والتبختر، كلها بمعنى واحد، وهو حرام، ويقال: خال الرجل خالًا، واختال اختيالًا: إذا تكبَّر، وهو رجل خالٍ؛ أي: متكبر، وصاحب خال؛ أي: صاحب كِبْر، قاله النوويّ -رحمه الله- [«شرح النوويّ» ١٤/ ٦٠ – ٦١].
وقال القرطبيّ –رحمه الله-: الخيلاء، والمَخِيلة: التكبّر، والمشهور في الخيلاء ضمّ الخاء، وقد قِيلت بكسرها، قال: والثوب يعمّ الإزار، والرداء، والقميص، فلا يجوز جرّ شيء منها. انتهى [«المفهم» ٥/ ٤٠٥].
وزاد مسلم في رواية: «يَوْمَ القِيامَةِ»،
يعني عن ابن عمر، قال: قال رسول الله – ﷺ -: (إن الذي يجر ثوبه من الخيلاء، لا ينظر الله إليه يوم القيامة )
وإنما خصّ يوم القيامة إشارة إلى أنه محل تمام النعم، بخلاف الدنيا، فإنّ نِعَمها مهما كثُرت تنقطع بما يتجدد من الحوادث. والله تعالى أعلم بالصواب.
الفوائد:
١ – (منها): بيان تغليظ الوعيد في جرّ الإزار.
٢ – (ومنها): تحريم جرّ الإزار تحت الكعبين، ولو لم يكن بقصد الخيلاء؛ للأحاديث الدالة عليه، كحديث أبي هريرة –رضي الله عنه- مرفوعًا: «ما تحت الكعبين ففي النار» [حديث صحيح، أخرجه النسائيّ].
٣ – (ومنها): تحريم الخيلاء؛ لأنه من صفات أهل النار، لِما أخرجه الشيخان في «صحيحيهما» من حديث حارثة بن وهب الخزاعي -رضي الله عنه-، قال: سمعت النبيّ -ﷺ- يقول: ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف، مُتَضَعِّف، لو أقسم على الله لأبرّه، ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عُتُلّ، جَوّاظ، مستكبر«.
و(العُتُلّ): الجافي الغليظ، وقيل: الجافي الشديد الخصومة اللئيم، وقيل: الأكول، وقيل: العتلّ: الشديد من كل شيء، قاله في»مشارق الأنوار«٢/ ٦٥.
و(الجوّاظ): بفتح الجيم، وتشديد الواو، وبالظاء المعجمة: المَنُوع، أو المختال في مشيته، قاله في»عمدة القاري” ٢٢/ ١٤٠.
٤ – (ومنها): أن فيه دلالة واضحة على عدم اختصاص الإسبال بالإزار، بل يكون في القميص، والعمامة، والطيلسان، والرداء، والشّمْلة؛ لأن لفظ الثوب يشمل الكلّ، وقد جاء من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – مرفوعًا: «الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة، من جز منها شيئًا خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة»، وهو حديث حسنٌ رواه النسائيّ.
وقال ابن بطّال: وإسبال العمامة: المراد به: إرسال العذبة زائدًا على ما جرت به العادة. انتهى.
وتطويل أكمام القميص تطويلًا زائدًا على المعتاد: من الإسبال.
وقد نقل القاضي عياض عن العلماء كراهة كلّ ما زاد على المعتاد في اللباس في الطول، والسعة. كذا في «نيل الأوطار» [«نيل الأوطار» ٢/ ٢١٠].
وقال السنديّ: الأسبال في العمامة: بإرسال العذبات زيادةً على العادة عددًا وطولًا، وغايتها إلى نصف الظَّهر، والزيادة عليه بدعة، كذا ذكروا. انتهى.
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: تحديد الغاية في تطويل العذبة بنصف الظَّهر يحتاج إلى دليل، والله تعالى أعلم.
٥ – (ومنها): ما قاله في «الفتح»: يُستنبط من سياق الأحاديث، أن التقييد بالجرّ خرج للغالب، وأن البطر، والتبختر مذموم، ولو لمن شَمَّر ثوبه، والذي يجتمع من الأدلة أن من قصد بالملبوس الحَسَن إظهار نعمة الله عليه، مستحضرًا لها، شاكرًا عليها، غير محتقِر لمن ليس له مثله، لا يضرّه ما لبس من المباحات، ولو كان في غاية النفاسة، ففي «صحيح مسلم» عن ابن مسعود – رضي الله عنه -: أن رسول الله – ﷺ – قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبْر»، فقال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة؟، فقال: «إن الله جميل يحب الجمال، الكِبْر بَطَر الحقّ، وغَمْطُ الناس». وقوله: «وغمط»- بفتح المعجمة، وسكون الميم، ثم مهملة-: الاحتقار.
وأما ما أخرجه الطبريّ، من حديث عليّ – رضي الله عنه -: إن الرجل يعجبه أن يكون شراك نعله أجود، من شراك صاحبه، فيدخل في قوله تعالى: {تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرْضِ ولا فَسادًا والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)} الآية [القصص ٨٣]، فقد جمع الطبريّ بينه، وبين حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – بأن حديث عليّ – رضي الله عنه – محمول على من أحب ذلك؛ ليتعظم به على صاحبه، لا من أحب ذلك؛ ابتهاجًا بنعمة الله عليه، فقد أخرج الترمذيّ، وحسّنه، من رواية عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، رفعه: «إن الله يحب أن يَرى أثر نعمته على عبده»، وله شاهد عند أبي يعلى، من حديث أبي سعيد – رضي الله عنه -.
وأخرج النسائيّ، وأبو داود، وصححه ابن حبان، والحاكم، من حديث أبي الأحوص، عوف بن مالك الجشميّ، عن أبيه، أن النبيّ – ﷺ -، قال له- ورآه رَثّ الثياب-: «إذا آتاك الله مالًا، فلْيُرَ أثره عليك»؛ أي: بأن يلبس ثيابًا تليق بحاله، من النفاسة والنظافة؛ ليعرفه المحتاجون للطلب منه، مع مراعاة القصد، وترك الإسراف؛ جمعًا بين الأدلة. انتهى ما في «الفتح» [«الفتح» ١٣/ ٢٦٠ – ٢٦١، كتاب «اللباس» رقم (٥٧٨٨)]، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
6- قال ابن تيمية: وسُئِلَ:
عَنْ المُتَنَزِّهِ عَنْ الأقْمِشَةِ الثَّمِينَةِ مِثْلِ الحَرِيرِ والكَتّانِ المُتَغالى فِي تَحْسِينِهِ وما ناسَبَها: هَلْ فِي تَرْكِ ذَلِكَ أجْرٌ أمْ لا؟ أفْتُونا مَأْجُورِينَ.
فَأجابَ:
الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالَمِينَ، أمّا ما حَرَّمَهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ كالحَرِيرِ فَإنَّهُ يُثابُ عَلى تَرْكِهِ كَما يُعاقَبُ عَلى فِعْلِهِ. وقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: ﴿مَن يَلْبَسُ الحَرِيرَ فِي الدُّنْيا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ﴾ وقالَ عَنْ الحَرِيرِ والذَّهَبِ: ﴿هَذا حَرامٌ عَلى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإناثِها﴾. وأمّا المُباحاتُ: فَيُثابُ عَلى تَرْكِ فُضُولِها وهُوَ ما لا يَحْتاجُ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ دِينِهِ كَما أنَّ الإسْرافَ فِي المُباحاتِ مَنهِيٌّ عَنْهُ … الى أن قال
الفعل الواحد في الظاهر يثاب الإنسان على فعله مع النية الصالحة ويعاقب على فعله مع النية الفاسدة ….. ثم قال :
فَمَن تَرَكَ جَمِيلَ الثِّيابِ، بُخْلًا بِالمالِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أجْرٌ، ومَن تَرَكَهُ مُتَعَبِّدًا بِتَحْرِيمِ المُباحاتِ، كانَ آثِمًا، ومَن لَبِسَ جَمِيلَ الثِّيابِ إظْهارًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ، واسْتِعانَةً عَلى طاعَةِ اللَّهِ، كانَ مَأْجُورًا، ومَن لَبِسَهُ فَخْرًا وخُيَلاءَ، كانَ آثِمًا، فَإنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ» .
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ٢٢/ ١٣٨ – ١٣٩
الثاني: المسائل:
الإسبالُ: هو إطالةُ الثَّوبِ إلى ما تحتَ الكعبَينِ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (2/339)، ((شرح النووي على مُسْلِم)) (14/62)، ((المجموع)) للنووي (4/457).
المبحث الأول: حُكمُ الإسبالِ للخُيَلاءِ
يَحرُمُ الإسبالُ للخُيَلاءِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلة.
[((الفتاوى الهندية)) (5/333)،((مواهب الجليل)) للحَطَّاب (1/220)، ((حاشية العدوي على كفاية الطالب الرَّبَّاني)) (2/452)، ((المجموع)) للنووي (4/454 )، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/69)، ((شرح منتهى الإرادات )) للبُهُوتي (1/158)، ((كشَّاف القِناع)) للبُهُوتي (1/277)]
الأدِلَّةُ:
1- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن جَرَّ ثوبَه خُيَلاءَ، لم يَنظُرِ اللهُ إليه يومَ القيامةِ ))أخرَجَه البُخاريُّ (3665) واللَّفظُ له، ومُسْلِم (2085).
2- عن جابرِ بنِ سُلَيمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إيَّاكَ وإسبال الإزارِ؛ فإنَّها مِن المَخِيلةِ (7) ، وإنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المَخِيلةَ… )) أخرجه أبو داود (4084)، والبيهقي (21623). قال الذهبي في ((المهذَّب)) (8/4253): لبعضه طرُقٌ عن جابرٍ، وإسناده حسن، وصَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4084)، وقال الوادعي في ((الصحيح المسند)) (202): يرتقي إلى درجة الصِّحَّة.
وَجهُ الدَّلالةِ من الحديثين:
دلَّ الحديثان على أنَّه لا يجوزُ إسبالُ الثِّيابِ خُيَلاءَ، وأنَّه مِن كبائِرِ الذُّنوبِ. ((مجموع فتاوى ابن باز)) (8/275).
المبحث الثاني: اختلاف أهل العلم في حكم الإسبال تحت الكعبين سواء لخيلاء أو لغير خيلاء :
قال في «الفتح»: في هذه الأحاديث أن إسبال الإزار للخيلاء كبيرة، وأما الإسبال لغير الخيلاء، فظاهر الأحاديث تحريمه أيضًا، ولكن استُدلّ بالتقييد في هذه الأحاديث بالخيلاء، على أن الإطلاق في الزجر الوارد في ذم الإسبال، محمول على المقيَّد هنا، فلا يحرم الجر والإسبال، إذا سَلِم من الخيلاء، قال ابن عبد البرّ: مفهومه أن الجرّ لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد، إلا أنّ جرَّ القميص وغيره من الثياب مذموم، على كل حال.
وقال النووي: لا يجوز الإسبال تحت الكعبين للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروه، وهكذا نصّ الشافعيّ على الفرق بين الجر للخيلاء، ولغير الخيلاء، قال: والمستحب أن يكون الإزار إلى نصف الساق، والجائز بلا كراهية ما تحته إلى الكعبين، وما نزل عن الكعبين ممنوع، منع تحريم إن كان للخيلاء، وإلا فمَنع تنزيه؛ لأن الأحاديث الواردة في الزجر عن الإسبال مطلقة، فيجب تقييدها بالإسبال للخيلاء. انتهى [«شرح النوويّ» ٢/ ١٤٦].
والنص الذي أشار إليه ذكره البويطيّ في «مختصره» عن الشافعيّ، قال: لا يجوز السدل في الصلاة، ولا في غيرها للخيلاء، ولغيرها خفيف؛ لقول النبيّ – ﷺ – لأبي بكر. انتهى.
وقوله: «خفيف» ليس صريحًا في نفي التحريم، بل هو محمول على أن ذلك بالنسبة للجر خيلاء، فأما لغير الخيلاء فيختلف الحال، فإن كان الثوب على قَدْر لابسه، لكنه يُسدله فهذا لا يظهر فيه تحريم، ولا سيما إن كان عن غير قصد؛ كالذي وقع لأبي بكر – رضي الله عنه -،
– وإن كان الثوب زائدًا على قدر لابسه، فهذا قد يتجه المنع فيه، من جهة الإسراف، فينتهي إلى التحريم،
– وقد يتجه المنع فيه من جهة التشبه بالنساء، وهو أمكن فيه من الأول.
وقد صحح الحاكم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: «أن رسول الله – ﷺ -، لعن الرجل يلبس لِبْسة المرأة».
– وقد يتجه المنع فيه من جهة أن لابسه لا يأمن من تعلق النجاسة به، وإلى ذلك يشير الحديث الذي أخرجه الترمذيّ في «الشمائل»، والنسائيّ، من طريق أشعث بن أبي الشعثاء- واسم أبيه شليم المحاربيّ- عن عمته- واسمها رُهْم بضم الراء، وسكون الهاء، وهي بنت الأسود بن حنظلة- عن عمها- واسمه عُبيد بن خالد- قال: كنت أمشي، وعلي بُرد أجرّه، فقال لي رجل: «ارفع ثوبك، فإنه أنقى، وأبقى»، فنظرت، فإذا هو النبيّ – ﷺ -، فقلت: إنما هي
بردة ملحاء، فقال: «أما لك فيّ أسوة؟» قال: فنظرت، فإذا إزاره إلى أنصاف ساقيه«، وسنده جيد.
وقوله: (ملحاء)- بفتح الميم، وبمهملة قبلها سكون، ممدودة-؛ أي: فيها خطوط سُود، وبيض.
وفي قصة قتل عمر – رضي الله عنه – أنه قال للشاب الذي دخل عليه: «ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك».
– ويتجه المنع أيضًا في الإسبال من جهة أخرى، وهي كونه مظنة الخيلاء.
قال ابن العربي رحمه الله: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجرّه خيلاء؛ لأن النهي قد تناوله لفظًا، ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حُكمًا، أن يقول: لا أمتثله؛ لأن تلك العلة ليست فيّ؛ فإنها دعوى غير مسلَّمة، بل إطالته ذيله دالة على تكبره. انتهى ملخصًا.
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله ابن العربيّ رحمه الله هو عين التحقيق،
ويؤيده ما أخرجه أحمد بن منيع، من وجه آخر، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – في
أثناء حديث رفعه: «وإياك وجرَّ الإزار، فإن جرَّ الإزار من المخيلة»، وأخرج
الطبراني من حديث أبي أمامة – رضي الله عنه -: «بينما نحن مع رسول الله – ﷺ – إذ لحقنا
عمرو بن زُرارة الأنصاريّ، في حلة إزار ورداء، قد أسبل، فجعل رسول الله – ﷺ –
يأخذ بناحية ثوبه، ويتواضع لله، ويقول: عبدك وابن عبدك وأمتك، حتى
سمعها عمرو، فقال: يا رسول الله، إني حَمْشُ الساقين، فقال: يا عمرو،
إن الله قد أحسن كل شيء خلقه، يا عمرو، إن الله لا يحب المسبل…»
الحديث، وأخرجه أحمد من حديث عمرو نفسه، لكن قال في روايته، عن
عمرو بن فلان، وأخرجه الطبراني أيضًا، فقال: عن عمرو بن زرارة، وفيه:
«وضرب رسول الله – ﷺ – بأربع أصابع تحت ركبة عمرو، فقال: يا عمرو هذا
موضع الإزار، ثم ضرب بأربع أصابع، تحت الأربع، فقال: يا عمرو هذا
موضع الإزار…» الحديث، ورجاله ثقات، وظاهره أن عمرًا المذكور، لم يقصد بإسباله الخيلاء، وقد منعه من ذلك؛ لكونه مظنة.
وأخرج الطبراني، من حديث الشَّرِيد الثقفيّ، قال: أبصرَ النبيّ – ﷺ – رجلًا قد أسبل إزاره، فقال: «ارفع إزارك»، فقال: إني أحنف تَصطكّ ركبتاي، فقال: «ارفع إزارك، فكلُّ خَلْق الله حسن»، أخرجه مسدّد، وأبو بكر بن أبي شيبة، من طُرُق عن رجل من ثقيف، لم يُسمَّ، وفي آخره: «ذاك أقبح مما بساقك».
وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن ابن مسعود – رضي الله عنه – بسند جيد أنه كان يُسبل إزاره، فقيل له في ذلك؟ فقال: إني حَمْشُ الساقين، فهو محمول على أنه أسبله زيادة على المستحب، وهو أن يكون إلى نصف الساق، ولا يظن به أنه جاوز به الكعبين، والتعليل يرشد إليه، ومع ذلك فلعله لم تبلغه قصة عمرو بن
زرارة. والله أعلم.
وأخرج النسائي في «الكبرى»، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، من حديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه -: رأيت رسول الله – ﷺ -، أخذ برداء سفيان بن سهيل، وهو يقول: «يا سفيان لا تُسبل، فإن الله لا يحب المسبلين». قاله في «الفتح» [«الفتح» ١٣/ ٢٦٦ – ٢٦٨، كتاب «اللباس» رقم (٥٧٨٨)].
ومما يؤيّد أن الجرّ المذكور محرّم مطلقًا فَهُمْ أم سلمة – رضي الله عنها -، حينما
سمعت من النبيّ – ﷺ – قوله: «من جرّ ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه» قالت:
فكيف تصنع النساء بذيولهنّ؟، قال: «يرخينه شبرًا…» الحديث.
قال في «الفتح»: يستفاد من هذا الفهم- يعني: فهم أم سلمة هذا- التعقبُ على من قال: إن الأحاديث المطلقة في الزجر عن الإسبال، مقيدة بالأحاديث الأخرى المصرحة بمن فعله خيلاء، قال النووي: ظواهر الأحاديث في تقييدها بالجر خيلاء، يقتضي أن التحريم مختص بالخيلاء.
ووجه التعقب أنه لو كان كذلك، لَما كان في استفسار أم سلمة، عن حكم النساء في جرّ ذيولهن معنى، بل فهمت الزجر عن الإسبال مطلقًا، سواء كان عن مَخِيلة أم لا، فسألت عن حُكم النساء في ذلك؛ لاحتياجهنّ إلى الإسبال، من أجل ستر العورة؛ لأن جميع قدمها عورة، فبَيَّن لها أن حكمهن في ذلك خارج عن حكم الرجال في هذا المعنى فقط، وقد نقل عياض الإجماع على أن المنع في حق الرجال دون النساء، ومراده مَنع الإسبال؛
لتقريره – ﷺ – أم سلمة على فَهْمها، إلا أنه بَيَّن لها أنه عام مخصوص؛ لتفرقته في
الجواب بين الرجال والنساء في الإسبال، وتبيينه القدر الذي يمنع ما بعده في حقهن، كما بَيَّن ذلك في حق الرجال. انتهى.
فالراجح:
يَحرُمُ على الرِّجالِ إسبالُ الثِّيابِ، وإن لم يكُنْ للخُيَلاءِ، وهو روايةٌ عند الحَنابِلة، وقولُ ابنِ حَزمٍ، وابنِ العربي، وابنِ تيميَّةَ، وابنِ حَجَر، والصنعانيِّ، وابنِ بازٍ، وابنِ عثيمينَ.
الأدِلَّةُ:
1- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما أسفَلَ مِن الكَعبينِ مِن الإزارِ، ففي النَّارِ )) أخرَجَه البُخاريُّ (5787)..
2- عن أبي ذَرٍّ الغِفارِيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ثلاثةٌ لا يُكَلِّمُهم اللهُ يومَ القيامةِ … المُسبِلُ، والمَنَّانُ، والمُنَفِّقُ سِلعَتَه بالحَلِفِ الكاذِبِ )) أخرجه مُسْلِم (106).
هذان الحديثانِ يُبَيِّنانِ أنَّه لا يجوزُ إسْبالُ الثِّيابِ للرَّجُلِ مُطلَقًا، ومع الخُيَلاءِ يكونُ أشَدَّ إثمًا. ((مجموع فتاوى ابن باز)) (8/275).
قال ابن عثيمين: إسبال الثوب محرم سواء كان لخيلاء أو لغير خيلاء، لكن إن كان للخيلاء فإن وعيده شديد جداً؛ قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم»، قالوا: من هم يا رسول الله، قال: «المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب». وهذا وعيد عظيم، وأما الإسبال بدون خيلاء؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ما أسفل من الكعبين ففي النار». فهو يعذب بالنار عذاباً جزئياً على قدر ما حصل منه من المعصية، والفرق بين الوعيدين عظيم.[فتاوى نور على الدرب للشيخ ابن عثيمين، الشريط رقم [294]].
[تنبيه]:
أخرج البخاريّ في «صحيحه» عن ابن عمر – رضي الله عنهما -، عن النبيّ – ﷺ – قال: «مَن جَرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، قال أبو بكر: يا رسول الله إن أحد شقّي إزاري يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال النبيّ – ﷺ -: «لست ممن يصنعه خيلاء». انتهى.
وهذا الحديث يدلّ على أنه لا حرج على من جرّ إزاره بغير قصد مطلقًا،
وأما ما أخرجه ابن أبي شيبة، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أنه كان يكره جرّ الإزار على كلّ حال، فقال ابن بطّال: هو من تشديداته، وإلا فقد روى هو حديث الباب،
فلم يَخْفَ عليه الحكم، قال الحافظ: بل كراهة ابن عمر محمولة على من قصد ذلك، سواء كان عن مَخِيلة، أم لا، وهو المطابق لروايته المذكورة، ولا يُظنّ بابن عمر أنه يؤاخِذ من لم يقصد شيئًا، وإنما يُريد بالكراهة: من انجرّ إزاره بغير اختياره، ثم تمادى على ذلك، ولم يتداركه، وهذا متّفقٌ عليه، وإن اختلفوا هل الكراهة فيه للتحريم، أو للتنزيه؟
وفيه أيضًا اعتبار أحوال الأشخاص في الأحكام باختلافها، وهو أصلٌ مطّردٌ غالبًا. قاله في «الفتح» [«الفَتْحُ» ١١/ ٤٢٦].
[تنبيه آخر]: قصة سؤال أم سلمة أخرجها النسائيّ، من رواية يحيى بن أبي كثير، عن نافع، عن أم سلمة نفسها،
وفيه اختلافات أخرى، ومع ذلك فله شاهد من حديث ابن عمر، أخرجه أبو
داود، من رواية أبي الصديق، عن ابن عمر، قال: «رخص رسول الله – ﷺ –
لأمهات المؤمنين شبرًا، ثم استزدنه، فزادهن شبرًا، فكن يُرسلن إلينا، فنذرع
لهن ذراعًا»، وأفادت هذه الرواية قَدْر الذراع المأذون فيه، وأنه شبران بشبر
اليد المعتدلة.
والحاصل أن للرجال حالين:
حال استحباب: وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق، وحال جواز: وهو إلى الكعبين،
وكذلك للنساء حالان:
حال استحباب: وهو ما يزيد على ما هو جائز للرجال بقدر الشبر، وحال
جواز بقدر ذراع، ويؤيد هذا التفصيل في حق النساء، ما أخرجه الطبراني في
«الأوسط» من طريق معتمر، عن حميد، عن أنس: «أن النبي – ﷺ – شَبَرَ لفاطمة
من عَقِبها شبرًا، وقال: هذا ذيل المرأة»، وأخرجه أبو يعلى بلفظ: «شَبَر من
ذيلها شبرًا، أو شبرين، وقال: لا تزدن على هذا»، ولم يسمِّ فاطمة، قال
الطبراني: تفرَّد به معتمر، عن حميد، قال الحافظ: و«أو» شكٌّ من الراوي،
والذي جزم بالشبر هو المعتمَد، ويؤيده ما أخرجه الترمذي، من حديث أم سلمة: «أن النبيّ – ﷺ – شَبَرَ لفاطمة شبرًا». انتهى ما في «الفتح»[«الفَتْحُ» ١١/ ٤٣٠ – ٤٣٢]، وهو بحثٌ نفيس جدًّا. والله تعالى أعلم.
[تنبيه آخر]:
ساق البخاريّ – رحمه الله – في «صحيحه» رواية شعبة من طريق شَبابة بن سَوّار، قال: حدثنا شعبة، قال: لقيت محارب بن دثار، على فرس، وهو يأتي مكانه الذي يقضي فيه، فسألته عن هذا الحديث، فحدثني، فقال: سمعت عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – يقول: قال رسول الله – ﷺ -: «من جر ثوبه مخيلة، لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، فقلت لمحارب: أذَكر إزاره؟ قال: ما خصّ إزارًا، ولا قميصًا.
وسبب سؤال شعبة عن الإزار، أن أكثر الطرق جاءت بلفظ «الإزار»،
وجواب محارب حاصله أن التعبير بالثوب، يشمل الإزار وغيره، وقد جاء التصريح بما اقتضاه ذلك، فقد أخرج أصحاب السنن، إلا الترمذيّ، واستغربه ابن أبي شيبة، من طريق عبد العزيز بن أبي رَوّاد، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن النبيّ – ﷺ -، قال: «الإسبال في الإزار، والقميص، والعمامة، من جرَّ منها شيئًا خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة».
قال الحافظ: وعبدُ العزيز فيه مقال، وقد أخرج أبو داود، من رواية يزيد بن أبي سمية، عن ابن عمر، قال: ما قال رسول الله – ﷺ – في الإزار، فهو في القميص.
وقال الطبريّ: إنما ورد الخبر بلفظ «الإزار»؛ لأن أكثر الناس في عهده كانوا يلبسون الإزار، والأردية، فلمّا لبس الناس القميص، والدراريع، كان حُكمها حُكم الإزار في النهي.
قال ابن بطال: هذا قياس صحيح، لو لم يأت النص بالثوب، فإنه يشمل جميع ذلك، وفي تصوير جرّ العمامة نَظَر، إلا أن يكون المراد ما جَرَت به عادة العرب، من إرخاء العذبات فمهما زاد على العادة في ذلك، كان من الإسبال.
وقد أخرج النسائيّ من حديث جعفر بن عمرو بن أمية، عن أبيه، قال:
«كأني انظر الساعةَ إلى رسول الله – ﷺ – على المنبر، وعليه عمامة، قد أرخى
طرفها بين كتفيه».
وهل يدخل في الزجر عن جرّ الثوب تطويل أكمام القميص ونحوه؟
محل نَظَر، والذي يظهر أن من أطالها حتى خرج عن العادة، كما يفعله بعض
الحجازيين، دخل في ذلك، قال شيخنا- يعني: الحافظ العراقيّ- في «شرح
الترمذي»: ما مسَّ الأرض منها خيلاء، لا شك في تحريمه، قال: ولو قيل
بتحريم ما زاد على المعتاد، لم يكن بعيدًا، ولكن حَدَث للناس اصطلاح
بتطويلها، وصار لكل نوع من الناس شِعار يُعرفون به، ومهما كان من ذلك
على سبيل الخيلاء، فلا شك في تحريمه، وما كان على طريق العادة فلا تحريم فيه، ما لم يصل إلى جرّ الذيل الممنوع. ونقل عياض عن العلماء كراهة: كل ما زاد على العادة، وعلى المعتاد في اللباس من الطول والسعة. انتهى [«الفَتْح» ١١/ ٤٣٤ – ٤٣٥].
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: التفصيل الذي ذكره الحافظ العراقيّ رحمه الله في كلامه المذكور آنفًا، حسنٌ جدًّا. والله تعالى أعلم.
[انظر: (٨) – (بابُ تَحْرِيمِ جَرِّ الثَّوْبِ خُيَلاءَ، وبَيانِ حَدِّ ما يَجُوزُ إرْخاؤُهُ إلَيْهِ، وما يُسْتَحبُّ)، من صحيح مسلم، شرح الموسوم بالبحر المحيط الثجاج، بتصرف]
قال ابن رجب :
وهو يبين معنى ما في صحيح البخاري «عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: ما تحت الكعبين من الأزرار ففي النار» أن المراد ما تحت الكعب من البدن والثوب معًا.
وأنه يسحب ثوبه في النار كما يسحبه في الدنيا خيلاء. ( راجع التخويف من النار )
مطلب: تقصيرُ الثَّوبِ للرَّجُل
يُستحَبُّ للرَّجُلِ تَقصيرُ الإزارِ والثَّوبِ الى نِصفِ السَّاقِ، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة.
قال ابن باز: (إذا كان في بيئةٍ تَعيبُه في ذلك ويتأذَّى من ذلك، فلا حاجةَ إلى أن يرفَعَ إلى نصفِ السَّاقِ، الحمد لله عنده رخصةٌ، يُرخِي إلى الكعبِ، والحمد لله، ويستريحُ من الأذى، ولا بأس؛ لأنَّها سُنَّةٌ فقط مُستحَبٌّ، المُحَرَّمُ أن يَنزِلَ عن الكَعبِ، هذا هو المحَرَّم، أمَّا مِن الكعبِ إلى النِّصفِ، هذا كلُّه مُوَسَّعٌ فيه، والحمد لله). ((الموقع الرسمي لابن باز)).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه، قال: قال رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إِزْرةُ المُسلِمِ إلى نِصفِ السَّاقِ، ولا حَرَجَ- أو لا جُناحَ- فيما بينه وبين الكَعبَينِ، ما كان أسفَلَ مِن الكَعبَينِ فهو في النَّارِ، مَن جَرَّ إزارَه بطَرًا لم ينظُرِ اللهُ إليه ))[أخرجه أبو داود (4093) وصححه الألباني
الحديثُ فيه دلالةٌ على أنَّ المُستحَبَّ أن يكونَ إزارُ المُسلِمِ إلى نِصفِ السَّاقِ [يُنظر: ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (11/103)].
المبحث الثالث: حُكمُ الإسبالِ للمَرأةِ
يجوزُ للمرأةِ أن تُسْبِل ثَوبَها، على ألَّا يزيدَ ذلك عن الذِّراعِ كما جاء في الحديث.
الأدِلَّة:
أولًا: مِن الكِتاب
قَولُه تعالى: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31].
أنَّ الآيةَ نصٌّ على أنَّ الرِّجْلَينِ والسَّاقينِ ممَّا يُخْفَى، ولا يحِلُّ إبداؤُه [((المحلى)) لابن حزم (3/216 )]، ولا يتأتَّى هذا إلَّا بإطالةِ الثَّوبِ.
ثانيًا: مِن السُّنَّةِ
عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن جَرَّ ثَوبَه خُيَلاءَ لم ينظُرِ اللهُ إليه يومَ القيامةِ، فقالت أمُّ سَلَمةَ: فكيف يَصنَعْنَ النِّساءُ بذُيولهِنَّ؟ قال: يُرخِينَ شِبرًا، فقالت: إذًا تنكَشِفُ أقدامُهنَّ، قال: فيُرخينَه ذِراعًا، لا يَزِدنَ عليه )) .
ثالثًا: من الإجماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: النَّوويُّ، والطِّيبيُّ، والهَرَويُّ، والمناويُّ، وابنُ رسلانَ ووافقه الشوكانيُّ.
قال النووي: (وأجمع العلماءُ على جوازِ الإسبالِ للنِّساءِ، وقد صحَّ عن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الإذنُ لهن في إرخاءِ ذُيولِهنَّ ذِراعًا). ((شرح النووي على مُسْلِم)) (14/62).
قال الطيبي: (أجمعوا على جوازِ الإسبالِ للنِّساءِ). ((شرح المشكاة)) (9/2893).
قال الهَرَوي: (أجمعوا على جوازِ الإسبالِ للنِّساءِ، وقد صحَّ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الإذنُ لهنَّ في إرخاءِ ذُيولِهنَّ). ((مرقاة المفاتيح)) (7/2767).
قال المُناويُّ: (أجمعوا على حِلِّ الإسبالِ للمرأة). ((فيض القدير)) (2/278).
قال الشوكاني: (أجمع المُسْلِمونَ على جواز الإسبالِ للنِّساءِ، كَمَا صرَّحَ بذلك ابنُ رسلان في شرح السُّنَنِ). ((نيل الأوطار)) (2/132)، ويُنظر: ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (11/96).
مطلب: إطالةُ ذَيلِ الفُستانِ للعَروسِ
يَجوزُ للعَروسِ إطالةُ ذَيلِ الفُستانِ، على ألَّا يزيدَ ذلك عن الذِّراعِ، وعلى ألَّا يكونَ فيه تشَبُّهٌ بالكافراتِ، وهو قولُ ابنِ باز.
سئِلَ ابنُ باز: (ما رأيُكم بفستانِ الفرَحِ الذي تسحبُه العروسُ وراءَها بطولِ ثلاثةِ أمتار تقريبًا؟ فأجاب: أمَّا ما يتعلَّقُ بالمرأة، فالسُّنَّة أن تضفيَ ثوبَها شِبرًا، ولا تزيد على ذراعٍ؛ لأجلِ السِّترِ وعدمِ إظهار القَدَمين، وأمَّا الزيادةُ على ذراعٍ، فمُنكَرٌ للعروسِ أو غيرها، لا يجوزُ، وهذا إضاعةٌ للأموالِ بغيرِ حَقٍّ في الملابسِ ذاتِ الأثمانِ الغالية، فينبغي التوسُّطُ في الملابسِ، لا حاجةَ إلى ترصيعِها بأشياءَ تُهدِرُ الأموالَ العظيمةَ التي تنفَعُ الأمَّةَ في دينِها ودنياها). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/121).
الأدِلَّة:
أولًا: مِن السُّنَّةِ
عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن جَرَّ ثَوبَه خُيَلاءَ لم ينظُرِ اللهُ إليه يومَ القيامةِ، فقالت أمُّ سَلَمةَ: فكيف يَصنَعْنَ النِّساءُ بذُيولهِنَّ؟ قال: يُرخِينَ شِبرًا، فقالت: إذًا تنكَشِفُ أقدامُهنَّ، قال: فيُرخينَه ذِراعًا، لا يَزِدنَ عليه )).
[أخرجه التِّرمذي (1731)، والنَّسائي (5336)، وأحمد (5173). قال التِّرمذي: حسنٌ صحيحٌ، وصَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((المسند)) (7/140)، وصَحَّحه الألباني في ((صحيح التِّرمذي)) (1731). قال الباجيُّ: (قَول أمِّ سَلَمةَ رَضِيَ الله عنها حين ذكَرَ الإزارَ- يعني ما أسفَلَ من ذلك ففي النَّارِ: والمرأةُ يا رسولَ اللهِ؟- يعني: أن المرأة تحتاجُ إلى أن تُرخيَ إزارَها أسفَلَ مِن الكَعبَينِ؛ لتستُرَ بذلك قدَميها وأسفَلَ ساقَيها-؛ لأنَّ ذلك عورةٌ منها، فقال: «تُرخيه شِبْرًا» يريدُ: تُرخيه على الأرضِ شبرًا ليستُرَ قَدَميها وما فوق ذلك من ساقَيها، وهذا يقتضي أنَّ نِساءَ العرَبِ لم يكُنْ مِن زيِّهنَّ خُفٌّ ولا جَورَبٌ، كُنَّ يلبَسنَ النِّعالَ، أو يَمشِينَ بغيرِ شَيءٍ، ويقتَصِرنَ مِن سَترِ أرجُلِهنَّ على إرخاءِ الذَّيلِ. والله أعلم. وقولُها- رضي الله عنها- في إرخاءِ الذَّيلِ شِبرًا: إذًا ينكَشِفُ عنها، تريدُ: أنَّه لا يكفيها فيما تستَتِرُ به؛ لأنَّ تحريكَ رِجلَيها له في سرعةِ مَشيِها وقِصَر الذَّيلِ يَكشِفُه عنها، فلمَّا تبيَّنَ ذلك للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «فذِراعًا، لا تزيدُ عليه»، وهذا يقتضي أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنما أباح منه ما أباح للضَّرورةِ إليه، وهذا لفظُ افعَلْ وأراد بعد الحَظرِ، ومع ذلك فإنَّه يقتضي الوجوبَ؛ لأنَّه نهى عن إرخاءِ الذَّيلِ، ثمَّ أمر المرأةَ بإسبالِ ما يستُرُها منه، وذلك على الوجوبِ، ولا يحِلُّ للمرأةِ أن تترُكَ ما تستَتِرُ به). ((المنتقى شرح الموطَّا)) (7/226، 227)].
ثانيًا: لأنَّ ما زاد عن ذراعٍ فيه إضاعةٌ للأموالِ بغيرِ حَقٍّ في الملابسِ ذاتِ الأثمانِ الغاليةِ [((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/121)].[ الموسوعة الفقهية – الدرر]