1181 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير ومحمد البلوشي وكديم
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل الوادعي في الصحيح المسند (ج2/ رقم 1181):
قال أبو داود رحمه الله (ج ١٣ ص ٢٩٦): حدثنا الربيع بن نافع عن يزيد يعني ابن المقدام بن شريح عن أبيه عن جده شريح عن أبيه هانئ: أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع قومه، سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: «إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنى أبا الحكم؟» فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين. فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ما أحسن هذا فما لك من الولد؟» قال: لي شريح ومسلم وعبد الله. قال «فمن أكبرهم؟» قلت: شريح. قال: «فأنت أبو شريح».
هذا حديث حسنٌ.
الحديث أخرجه النسائي (ج ٨ ص ٢٢٦).
* وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (ص ٢٨٢) فقال رحمه الله: حدثنا أحمد بن يعقوب قال حدثنا يزيد بن المقدام بن شريح بن هانئ الحارثي عن أبيه المقدام عن شريح بن هانئ، قال: حدثني هانئ بن يزيد: أنه لما وفد إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع قومه، فسمعهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: «إن الله هو الحكم وإليه الحكم، فلم تكنيت بأبي الحكم؟» قال: لا، ولكن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين. قال «ما أحسن هذا»، ثم قال «ما لك من الولد؟» قلت: لي شريح وعبد الله ومسلم. قال: «فمن أكبرهم؟» قلت: شريح. قال: «فأنت أبو شريح».
ودعا له ولولده، وسمع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يسمون رجلًا منهم عبد الحجر، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ما اسمك؟» قال: عبد الحجر، قال: «لا أنت عبد الله».
قال شريح: وإن هانئًا لما حضر رجوعه إلى بلده، أتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: أخبرني بأي شيء يوجب لي الجنة؟ قال «عليك بحسن الكلام، وبذل الطعام».
قال الوادعي في الحاشية عند قول شريح (وإن هانئًا): “ظاهره الإرسال”.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
ذكر الحديث أبو داود رحمه الله في السنن، “أوَّلُ كِتابِ الأدَبِ”، ” (٦٣)، بابٌ: في تَغْيِيرِ الاِسْمِ القَبِيحِ”، برقم (٤٩٥٢).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع:
“32- كتاب الأدب، ١٠٩ – الأسماء والكنى”، برقم (٣٧٢٤).
وفي”٣٣ – كتاب التفسير، ٣٠٨ – قوله تعالى: {وما اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلى اللَّهِ}”، برقم (٤٢٨٢).
وفي” 34-كتاب التوحيد، ٤٥ – لا يكنى بأبي الحكم”، برقم (٤٥١٨).
الأول: شرح الحديث:
(يَكْنُونَ) بضم أوله مع تشديد النون، أو بفتحه، مع تخفيفها: يسمّونه، يقال: كنى زيدًا أبا عمرو، وبأبي عمرو كُنيةً بالكسر والضمّ: سمّاه به، كأكناه، وكنّاه، وأبو فلان كنيته، وكنوته بالضمّ، ويكسران. أفاده فِي «القاموس»،
وفي «المصباح»: الكنية اسم يُطلق عَلى الشخص للتعظيم، نحو أبي حفص، وأبي الحسن، أو علامة عليه انتهى.
«إنَّ الله هُو الحَكَمُ) بفتحتين (وإلَيْهِ الحُكْمُ) بضمّ، فسكون: أي: منه تعالى يُبتدأ الحكم، وإليه ينتهي الحكم، وفي إطلاق أبي الحكم عَلى غيره يوهم الاشتراك فِي وصفه عَلى الجملة، وإن لم يُطلق عليه أبو الحكم. كذا فِي»المرقاة«.
قالَ فِي»شرح السنّة”: الحكم: هو الحاكم الذي إذا حكم لا يُرد حكمه، وهذه الصفة لا تليق بغير الله ، ومن أسمائه الحكَم. انتهى.
وقالَ ابن الأثير فِي «النهاية»: إنما كره النبيّ -ﷺ- له ذلك؛ لئلا يشارك الله تعالى فِي صفته. انتهى.
(فَلِمَ تُكَنّى أبا الحَكمِ؟ «فَقالَ هانىء: إنَّ قَوْمِي إذا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أتَوْنِي، فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَرَضِيَ كِلاَ الفَرِيقَيْنِ) وفي»الكبرى«:»ما أحسن هَذا«أي: الذي ذكرته منْ وجه التكنية، وأتى بصيغة التعجّب مبالغة فِي حسنه، لكن لَمّا كانَ فيه منْ الإيهام ما سبق أراد تحويل كنيته إلى ما يناسبه، (فَمَن أكْبَرُهُمْ؟) إنما سأله عن أكبرهم رعاية لفضل الأكبر سنّا (قالَ) هانىء (شُرَيْحٌ، قالَ) -ﷺ- (فَأنْتَ أبُو شُرَيْحِ»، فَدَعا لَهُ، ولِوَلَدِهِ) أي: شُريح الذي كناه به، قالَ القاري رحمه الله تعالى: فصار ببركته -ﷺ- أكبر رتبةً، وأكثر فضلًا، فإنه منْ جلّة أصحاب عليّ –رضي الله عنه-، وكان مفتيًا فِي زمن الصحابة –رضي الله عنهم-، ويردّ عَلى بعضهم، وقَدْ ولّاه عليّ – رضي الله عنه – قاضيًا، وخالفه فِي قبول شهادة الحسن له، والقضيّة مشهورة. انتهى.
وقالَ أبو داود فِي «سننه» بعد أن أخرج الحَدِيث: ما نصّه: «قالَ أبو داود: شُريح هَذا هو الذي كسر السلسلة، وهو ممن دخل تَسْتُر. وفي نسخة:»قالَ أبو داود: وبلغني أن شريحًا كسر باب تستُر، وذلك أنه دخل منْ سِرْبٍ. انتهى”.[ ذخيرة العقبى، بتصرف]
فالكنية ما صدر بأب وأم ، واللقب ما أشعر بذم او مدح فمن الألقاب زين العابدين ….
والكنية قد تكون بالأوصاف كأبي الفضل وأبي المعالي وأبي الحكم وأبي الخير او بالنسبة للأولاد أو بما يلابسه كأبي هريرة أو للعلمية الصرفة كأبي بكر وأبي عمرو وقد يكنى الصغير كما في حديث يا أبا عمير ما فعل النغير وقد يكنى من ليس له ولد كعائشة ام المؤمنين تكنى بأم عبدالله .
والثاني: الفوائد
1- (منها): بيان جواز تحكيم الخصمين منْ يحكم بينهما.
2- (ومنها): بيان استحباب الإصلاح بين المتخاصمين، وأن القاضي يستحبّ له الإصلاح بينهما كما يستحبّ لغيره.
2- (ومنها): أنه إذا حكم الرجل المحكّم بين الخصمين، نفذ حكمه عليهما؛ لأنه -ﷺ- استحسن فعل هانىء –رضي الله عنه-.
3- (ومنها): استحباب التكنّي بأكبر الأولاد؛ رعاية لحقّ الأكبر.
4- (ومنها): كراهة التكنّي بأبي الحكم؛ لما فيه منْ إيهام التشريك مع الله تعالى فِي صفته الخاصّة به.
5- (ومنها): استحباب تغيير الأسماء القبيحة، ولذا أورد هَذا الحَدِيث أبو داود تحت ترجمة «باب فِي تغيير الاسم القبيح». [ذخيرة العقبى].
6- (ومنها): تحسين اسم المولود، واختيار الاسم الذي لا محذور فيه شرعًا.
7- (ومنها): الحَكَمُ هُوَ الحاكِمُ الَّذِي إذا حَكَمَ لا يُرَدُّ حُكْمُهُ وهَذِهِ الصِّفَةُ لا تَلِيقُ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعالى ومِن أسْمائِهِ الحَكَمُ.
8- (ومنها): قال العلامة أبو محمد البغوي (ت ٥١٦) في (شرح السنة): “إن الأولى أن يكتني الرجل بأكبر بنيه، فَإن لم يكن لَهُ ابْن، فبأكبر بَناته، وكَذَلِكَ المراة تكتني بأكبر بنيها، فَإن لم يكن لَها ابْن، فبأكبر بناتها، وكانَ اسْم أم سَلمَة هِنْد، فتكنت بِابْن لَها يقالَ لَهُ: سَلمَة، وأم حَبِيبَة اسْمها رَملَة، فتكنت بحبيبة.
ورُوِيَ عَن عُمَر بْن الخَطّابِ ، أنَّهُ قالَ: «لا تسموا الحكم، ولا أبا الحكم، فَإن اللَّه هُوَ الحكم»”. انتهى.
9 – الحديث فيه احترام أسماء الله وصفاته ولو لم يقصد معناها. فأسماء الله إما خاصة به كاالله والرحمن والمتكبر… وأسماء يصح أن يوصف بها غير الله كالرحيم والحكيم لكن منعه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لوحظ فيه معنى الصفة فيدفعهم ذلك للغلو انتهى كلام ابن عثيمين مع زيادة
10- مرجع الاختلاف لله ورسوله فالحكم إلى الله هو الحكم إلى كتابه والحكم إلى رسوله هو الحكم إلى سنته وقد بينت الشريعة كل ما يحتاجه الناس خلافا لما عليه اهل الجاهلية واليهود والنصارى حيث بدلوا ووضعوا شرائع حسب اهوائهم وشابههم في هذه العصور بعض الجهال من أهل هذه الملة .
11- فيه فضيلة لأبي شريح حيث كان عادلا.
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): مسألة التحكيم
[1] التحكيم
التّحكيم في اللّغة: مصدر حكّمه يحكّمه إذا جعل إليه الحكم، تقول: حَكَّمَهُ في الأمْرِ تَحْكِيمًا إذا أمَرَهُ أنْ يَحْكُمَ بينهم أو أجازَ حُكْمَه فيما بَيْنَهُم. [انظر: جمهرة اللغة، مادة «حكم» (١/ ٥٦٤)، الحكم والمحيط الأعظم (٣/ ٤٩)، مختار الصحاح، مادة: «حكم» (ص: ٦٢)، تاج العروس (٣١/ ٥١١)، مادة: «حكم».]
ومن ذلك كله قوله تعالى: ﴿فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ﴾ أي: يجعلونك حكمًا بينهم في خصوماتهم.
وفي الاصطلاح: تولية الخصمين حاكمًا يحكم بينهما [البحر الرائق (٧/ ٢٤)].
[2] مشروعية التحكيم:
يدل على مشروعية التحكيم الكتاب والسنة والإجماع.
أمّا الكتاب:
فقوله تعالى: ﴿وإنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فابْعَثُوا حَكَمًا مِن أهْلِهِ وحَكَمًا مِن أهْلِها إنْ يُرِيدا إصْلاحًا يُوَفِّقِ الله بَيْنَهُما إنَّ اللهَ كانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾، فقد أمر الله تعالى بتحكيم حكمين للفصل بين الزوجين عند خوف الشقاق بينهما، قال القرطبيّ: «وفي هذه الآية دليل على إثبات التحكيم».
وأمّا السُّنَّة:
فما رواه البخاري ومسلمٌ عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قال: لَمّا نَزَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ على حُكْمِ سَعْد بن مُعاذٍ، بَعَثَ (إليه) رسول الله – ﷺ – وكان قَرِيبًا منه، فَجاءَ على حِمارٍ، فلما دَنا قال رسول الله – ﷺ -: «قُومُوا إلى سَيِّدِكُمْ» فَجاءَ فَجَلَسَ إلى رسول الله – ﷺ – فقال له: «إنَّ هَؤُلاءِ نَزَلُوا على حُكْمِكَ» قال: فَإنِّي أحْكُمُ أنْ تُقْتَلَ المقاتِلَةُ، وأنْ تسبي الذُّرِّيَّةُ، قال: «لقد حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ الملِكِ». وفي لفظ لمسلم: «قضيت بحكم الله».
وما رواه أبو داود بسنده عن شُرَيْحٍ عن أبيه هانِيءٍ أنّهُ لَمّا وفَدَ إلى رسول الله – ﷺ – مع قَوْمِهِ، سَمِعَهُمْ يَكْنُونَهُ بأبِي الحكَمِ….
وقد ثبت التحكيم من أفعال الصحابة –رضي الله عنهم – وأقوالهم،
ومن ذلك ما رواه الشعبي قال: «كان بين عمر وأُبي بن كعب –رضي الله عنه- خصومة فجعلا بينهما زيد بن ثابت فأتياه فضربا الباب فخرج إليهما فقال: ألا أرسلت إلي يا أمير المؤمنين؟ فقال: في بيته يؤتى الحكم، فدخلا فقال: في الرحب والسعة وألقى له وسادة، فقال: هذا أول جورك، فتكلما فقال لأُبي: بينتك وإن رأيت أن تعفي أمير المؤمنين من اليمين فافعل، فقال أُبي: نعفيه ونصدقه، فقال عمر –رضي الله عنه-: أيقضى علي باليمين ثم لا أحلف فحلف فلما وجبت له الأرض وهبها لأُبي» وفي لفظ: «فحلف عمر – رضي الله عنه – ثم أقسم: لا يدرك زيد بن ثابت القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء».[أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة [١/ ٤٠٠ (١٢٦٨)]، والبيهقيُّ في السنن الكبرى (١٠/ ١٣٦، ١٤٥، ١٤٤)، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (١٩/ ٣١٨). وقال الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (٤/ ١٨): رواه البَيْهَقِيُّ من حديث عامِرٍ الشَّعْبِيِّ، وسكت عليه.].
قلت سيف : مرسل
وعن ابن أبي مليكة»أن عثمان ابتاع من طلحة بن عبيد الله أرضًا بالمدينة ناقله بأرض له بالكوفة فلما تباينا ندم عثمان ثم قال: «بايعتك ما لم أره، فقال طلحة: إنما النظر لي إنما ابتعتُ مغيبًا وأما أنت فقد رأيت ما ابتعتَ، فجعلا بينهما حكمًا فحكما جبير بن مطعم فقضى على عثمان أن البيع جائز وأن النظر لطلحة أنه ابتاع مغيبًا» [رواه البيهقي (٥/ ٢٦٨)، وقال: وروي في ذلك عن النبي – ﷺ – ولا يصح. وذكره الحافظ في التلخيص (٤/ ١٨٦)، وسكت عليه].
وأما الإجماع:
فقد حكاه النووي قال: وقد أجمع العلماء على التحكيم ولم يخالف فيه إلا الخوارج فإنهم أنكروا على علي –رضي الله عنه- التحكيم وأقام الحجة عليهم [شرح النووي على صحيح مسلم (١٢/ ٩٢)].
[3] منزلة التحكيم من القضاء:
التحكيم شعبة من القضاء إلا أنه أحط رتبة منه، وولايته مستفادة من طرفي الخصومة ولهذا كان نطاقه أضيق من نطاق القضاء، إذ هو قاصر على الأموال. قال ابن الهمام الحنفي: «هذا أيضًا من فروع القضاء، والمحكم أحط رتبة من القاضي فإن القاضي يقضي فيما لا يقضي فيه الحكم» [شرح فتح القدير (٧/ ٣١٥)].
وقال ابن فرحون المالكي: «وأما ولاية التحكيم بين الخصمين فهي ولاية مستفادة من آحاد الناس، وهي شعبة من القضاء متعلقة بالأموال دون الحدود، واللعان والقصاص» [تبصرة الحكام (١/ ٣٢)، وانظر: معين الحكام للطرابلسي (١/ ٢٨)].
[4] أركان التحكيم:
أركان التحكيم أربعة، وهي كما يأتي:
الركن الأول المحكِّمان:
وهما طرفا النزاع، وقد يكون الطرفان شخصين اثنين، وقد يكونان أكثر من ذلك.
ويشترط فيهما: أهلية التعاقد بأن يكونا مكلفين؛ لأن التحكيم نوع من العقود فلا يجوز التحكيم من مجنون ولا صغير ولا محجور عليه ونحوهم. [ انظر: البحر الرائق (٧/ ٢٤)، حاشية ابن عابدين (٥/ ٤٣٠)، مغني المحتاج (٤/ ٣٧٩)].
الركن الثاني المحكَّم:
وهو الذي يفصل الخصومة في القضية المتنازع عليها. ويشترط فيه ما يأتي:
١ – الأهلية لولاية القضاء: وذلك بأن تتوافر فيه شروط القاضي في الجملة على نحو ما تقدم بيانها وإن اختلفت المذاهب في بعض ذلك من حيث التفصيل.
جاء في البحر الرائق: «ويشترط في المحكَّم بالفتح صلاحيته للقضاء بكونه أهلًا للشهادة فلو حكما عبدًا أو صبيًا أو ذميًا أو محدودًا في قذف لم يصح وتشترط الأهلية وقته ووقت الحكم جميعًا»[البحر الرائق (٧/ ٢٤)].
وقال ابن فرحون: «قال اللخمي: إنما يجوز التحكيم إذا كان المحكم عدلًا من أهل الاجتهاد أو عاميًا واسترشد العلماء، فإن حكم ولم يسترشد رد وإن وافق قول قائل؛ لأن ذلك تخاطر منهما وغرر. وقال المازري: لا يحكم إلا من يصح أن يولي القضاء»[تبصرة الحكام (١/ ٦٣)، ومثله في مواهب الجليل (٦/ ١١٢). وانظر: الذخيرة للقرافي (١٠/ ٣٨)].
وقال النووي: «ولو حكم خصمان رجلًا في غير حد الله تعالى جاز مطلقًا بشرط أهلية القضاء»[منهاج الطالبين (ص: ١٤٨)].
قال الخطيب الشربيني: «واحترز بقوله بشرط أهلية القضاء عما إذا كان غير أهل فلا ينفذ حكمه قطعًا، والمراد بالأهلية الأهلية المطلقة لا بالنسبة إلى تلك الواقعة، ولهذا قال في المحرر: ويشترط فيه صفة القاضي»[مغني المحتاج (٤/ ٣٧٨)].
وقال ابن قدامة: “إذا تحاكم رجلان إلى رجل حكماه بينهما ورضياه وكان ممّن يصلح للقضاء فحكم بينهما جاز ذلك ونفذ حكمه عليهما» [المغني (١٠/ ١٣٧). وانظر الإنصاف (١١/ ١٩٧)].
٢ – أن يكون معلومًا: فلا يجوز تحكيم المجهول كما لو قال الطرفان: حكمنا أول شخص يصادفنا في الطريق أو أول من يدخل المسجد أو البيت ونحو ذلك إلا إذا حصل منهما الرضا به بعد معرفته وحصول العلم به؛ إذ يصير بذلك تحكيمًا جديدًا للمعلوم. ولا يشترط أن يكون المحكم شخصًا يعرفه الطرفان أو من معارفهما فلو عين المتخاصمان شخصًا لا يعرفانه حكما فهو جائز إذا توافر فيه الشروط الأخرى [انظر: البحر الرائق (٤/ ٧ / ٢٦)، شرح مجلة الأحكام العدلية لعلي حيدر (٤/ ٦٩٦)].
الركن الثالث المحكَّم فيه:
وهي القضية المتنازع عليها، ويشترط فيها أمران:
١ – أن تكون محددة ومعلومة فلا يجوز التحكيم في قضية مجهولة.
٢ – وأن تكون مما يجوز التحكيم فيها. وقد اختلف الفقهاء فيما يجوز التحكيم فيه مما لا يجوز على قولين:
القول الأول: أن التحكيم يجوز في كل ما يتحاكم فيه الخصمان دون استثناء في المال والقصاص والحد والنكاح واللعان وغيرها قياسًا على قاضي الإمام، وهو مذهب الحنابلة [ انظر: المغني لابن قدامة (١٠/ ١٣٧)، الكافي للمؤلف نفسه (٤/ ٤٣٦)، الإنصاف (١١/ ١٩٧)].
القول الثاني: أن التحكيم يجوز في بعض الحقوق دون بعض وهو مذهب الجمهور واختلفوا في تحديد ذلك:
١ – فذهب الحنفية إلى أن التحكيم يجوز في سائر المجتهدات غير الحدود والقصاص، أما الحدود فلأنه من اختصاص الوالي العام وليس لهما ولاية على سائر الناس، ولأنها تدرأ بالشبهات، وأما القصاص وحد القذف؛ فلأن حكم المحكم بمنزلة الصلح ولا يجوز استيفاء القصاص وحد القذف بالصلح، ولأنهما يدرآن بالشبهات وفي حكمه شبهة؛ لأنه حكم في حقهما لا في حق غيرهما وأي شبهة أعظم من هذا [انظر: بدائع الصنائع (٧/ ٣)، شرح فتح القدير (٧/ ٣١٨)، البحر الرائق (٧/ ٢٧)، الفتاوى الهندية (٣/ ٣٩٧)].
٢ – وذهب المالكية إلى أنه يجوز فيما يصح لأحدهما ترك حقه فيه كالأموال وما في معناها، ولا يجوز فيما يتعلق به حق لغير المتخاصمين وهي سبعة أمور: الحدود، واللعان، والقتل، والولاء لشخص على آخر، والنسب، والطلاق، والعتق، فلا يجوز التحكيم في واحد من هذه السبعة؛ لأنه يتعلق بها حق لغير الخصمين إما لله تعالى وإما لآدمي كما في اللعان والولاء والنسب لما في ذلك من قطع النسب، وفي الطلاق والعتق حق لله تعالى؛ إذ لا يجوز بقاء المطلقة البائن في العصمة ولا رد العبد في الرق، وأما الحد والقتل فالحق فيهما لله تعالى؛ لأن الحدود زواجر وهي حق لله [انظر: التاج والإكليل (٨/ ٣٦٠)، تبصرة الحكام (١/ ٦٣)، الشرح الكبير (٤/ ١٣٦)، شرح الخرشي على مختصر خليل (٧/ ١٤٥)، منح الجليل (٨/ ٢٨٤)].
٣ – وذهب الشافعية في الصحيح من مذهبهم إلى جوازه في جميع الحقوق غير حدود الله تعالى وتعزيراته؛ لأنه ليس لها طالب معين [روضة الطالبين (١١/ ١٢١)، مغني المحتاج (٣/ ٣٧٨)، نهاية المحتاج (٨/ ٢٤٢)].
٤ – وذهب بعض الحنابلة إلى أنه يجوز في الأموال خاصة وما في حكمها ولا يجوز في أربعة أشياء النكاح واللعان والقذف والقصاص؛ لأنها مبنية على الاحتياط فيعتبر للحكم فيها قاضي الإمام كالحدود [انظر: المغني لابن قدامة (١٠/ ١٣٧)، الكافي للمؤلف نفسه (٤/ ٤٣٦)، الإنصاف (٩/ ٢٤١)، كشاف القناع (٦/ ٣٠٩)].
الراجح: أن التحكيم لا يجوز إلا في نطاق ضيق حرصًا على استقرار أحكام الناس في لجوئهم إلى القضاء العام، فلا يجوز إلا في الأموال وما في معناها مما للخصمين إسقاط الحق فيه؛ لأن غير ذلك يتعلق به عادة حق لطرف آخر غيرهما وهو إما آدمي أو الله تعالى ومبنى ذلك الاحتياط.
الركن الرابع الصيغة:
لا يشترط في التحكيم التقيد بلفظ التحكيم وما اشتق منه، بل يجوز التحكيم بكل لفظ دال عليه كأن يقولا له: احكم بيننا أو افصل بيننا جعلناك حكمًا أو قاضيًا أو الفاصل بيننا أو حكمناك في كذا ونحو ذلك فيقبل المحكم ذلك [البحر الرائق (٧/ ٢٤)، رد المحتار (٥/ ٤٢٨)].
[5] الشروط العامة للتحكيم:
يشترط في التحكيم ما يأتي:
١ – أن يقوم نزاع بين طرفين: فلو لم يكن هناك نزاع لم ينعقد التحكيم. فلو قال شخصان إذا اختلفنا فأنت الحكم بيننا ونحو ذلك لم ينعقد التحكيم حتى يقع النزاع فيحكمانه من جديد.
٢ – رضا الطرفين على قبول الحكم؛ لأن الحق لهما وهذا في غير من يحكمه القاضي بين الطرفين أما ما يحكمه فلا يشترط رضاهما به لأنه نائب عنه فيقوم مقامه.
وهل يشترط تقدم الرضا؟
لا يشترط عند الحنفية فلو رضيا بحكم المحكم بعد صدوره جاز، وعند الشافعية لا بد من تقدم الرضا به قبل حكمه؛ لأن رضا الخصمين هو المثبت للولاية فلا بد من تقدمه [فتح القدير (٥/ ٥٠٢)، البحر الرائق (٧/ ٢٥)، مغني المحتاج (٣/ ٣٧٨)].
وهل يشترط استمرار الرضا حتى صدور الحكم؟
اختلف الفقهاء في ذلك:
١ – فذهب الحنفية والشافعية وبعض المالكية إلى اشتراط ذلك، فيجوز عندهم لكل من طرفي التحكيم الرجوع عن التحكيم قبل صدور الحكم لا بعده؛ لأنه مقلد من جهتهما فلهما عزله قبل أن يحكم كالقاضي المقلد من قبل الإمام فله عزله قبل حكمه للناس، فإن رجعا عنه أو رجع أحدهما قبل صدور الحكم ولو بعد إقامة البينة والشروع فيه بطل التحكيم وانعزل المحكم، أما إن رجعا بعد صدوره أو رجع أحدهما فإن الحكم ماض ولا يبطل لأنه صدر مستوفيًا شروطه كحكم القاضي [انظر: بدائع الصنائع (٧/ ٣)، شرح فتح القدير (٧/ ٣١٧)، تبيين الحقائق (٤/ ١٩٣)، البحر الرائق (٧/ ٢٦)، تبصرة الحكام (١/ ٤٣)، الحاوي الكبير (١٦/ ٣٢٥)، مغني المحتاج (٣/ ٣٧٨)].
٢ – وذهب المالكية في الراجح عندهم: إلى عدم اشتراط دوامه فليس لأحدهما الرجوع بعد بدء الخصومة أمام الحكم [انظر: تبصرة الحكام (١/ ٤٣)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (٤/ ١٢١)، منح الجليل (٨/ ٣٠١)]. بل وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك فقال بعدم جواز الرجوع لأحدهما بعد التحكيم ولو قبل بدء الخصومة أمام المحكم [انظر: تبصرة الحكام (١/ ٤٣)].
٣ – وذهب الحنابلة والشافعية في وجه إلى أن لكل من المحكمين الرجوع قبل الشروع في الحكم؛ لأنه لا يلزم حكمه إلا برضا الخصمين أشبه رجوع الموكل عن التوكيل قبل التصرف فيما وكل فيه، أما بعده وقبل تمامه ففيه وجهان أحدهما: له ذلك؛ لأن الحكم لم يتم أشبه ما قبل الشروع. والثاني: ليس له ذلك كرجوع الموكل بعد صدور ما وكل فيه من وكيله. ولأنه يؤدي إلى أن كل واحد منهما إذا رأى من الحكم ما لا يوافقه رجع فبطل المقصود به، قال المرداوي وهو الصواب [المغني (١٠/ ١٣٧)، الإنصاف (١١/ ١٩٩)، كشاف القناع (٦/ ٣٠٩)، الحاوي الكبير للماوردي (١٦/ ٣٢٦)].
٣ – رضا الحَكَم وقبوله التحكيم: فيشترط أن يقبل الحكم التحكيم في القضية المتنازع عليها فلو رفضه فلا يصح حكمه فيها حتى يجدد تحكيمه فيقبل [شرح مجلة الأحكام العدلية لعلي حيدر (٤/ ٦٩٦)].
[6] لزوم الحكم ونفاذه:
إذا صدر حكم المحكم مستوفيًا شروطه كان نافذًا ورفع الخلاف بين الخصوم ولم يتوقف على رضاهما؛ لأن الحكم صدر عن ولاية شرعية صحيحة عليهما كالقاضي المولى من الإمام، ولأنه لا يكون دون الصلح وبعد أن يتم الصلح ليس لواحد أن يرجع [بدائع الصنائع (٧/ ٣)، شرح فتح القدير (٧/ ٣١٧)، فتح العلي مالك (٢/ ٤٥)، الحاوي الكبير (١٦/ ٣٢٦)].
قال الزيلعيُّ: «فإن حكم لزمهما؛ لأن حكمه صدر عن ولاية شرعية عليهما كالقاضي إذا حكم لزم»[تبيين الحقائق (٤/ ١٩٣)]. وقال ابن فرحون: «إذا حكم المحكم فليس لأحد أن ينقض حكمه، وإن خالف مذهبه إلا أن يكون جورًا بيِّنًا لم يختلف فيه أهل العلم» [تبصرة الحكام (١/ ٦٣)].
وقال الخطيب الشربيني: «ولا يشترط الرضا بعد الحكم في الأظهر كحكم المولى من جهة الإمام». وقال ابن قدامة: «إذا تحاكم رجلان إلى رجل حكماه بينهما ورضياه وكان ممّن يصلح للقضاء فحكم بينهما جاز ذلك ونفذ حكمه عليهما» [المغني (١٠/ ١٣٧)].
والراجح: نرى أن حكم المحكم ملزم، وإلا لم تكن هناك فائدة من التحكيم وهو مذهب الجمهور، على أن لزوم الحكم قاصر على الخصوم ولا يتعداهم إلى من سواهم. وله أن يشهد على ما ثبت من الحق عنده في المجلس قبل التفرق؛ إذ لا يقبل قوله بعد الافتراق كالقاضي بعد العزل [مغني المحتاج (٤/ ٣٧٨)]. [الفقه الميسر]
فصل فِي اختلاف أهل العلم فِي التحكيم:
قال الإمام النسائيّ رحمه الله: «باب إذا حَكَّمُوا رجلًا، فقضى بينهم»؛ أي: جاز، ثم أورد فيه بسند صحيح عن شُرَيح بن هانئ، عن أبيه هانئ …. انتهى [«سنن النسائيّ – المجتبى» ٨/ ٢٢٦].
فاحتجّ النسائيّ رحمه الله بهذا الحديث على جواز التحكيم بين المتخاصمين، وهو احتجاج واضح؛ لأنه – ﷺ – استحسن ما فعله قوم هانئ – رضي الله عنه – به من التحكيم، فدلّ على جوازه، وأن حكمه يلزمهما، فتأمل، والله تعالى أعلم.
وقال العلّامة ابن قُدامة رحمه الله في «المغني»: وإذا تحاكم رجلان إلى رجل، حَكّماه بينهما ورضياه، وكان ممن يصلح للقضاء، فحكم بينهما جاز ذلك، ونفذ حكمه عليهما، وبهذا قال أبو حنيفة، وللشافعيّ قولان: أحدهما: لا يلزمهما حكمه، إلا بتراضيهما؛ لأن حكمه إنما يلزم بالرضا به، ولا يكون الرضا إلا بعد المعرفة بحكمه.
قال: «من حكم بين اثنين تراضيا به، لم يعدل بينهما، فهو ملعون»، ولولا أن حكمه يلزمهما لَما لَحِقَه هذا الذمّ، ولأن عمر وأبيًّا تحاكما إلى زيد، وحاكم عمرُ أعرابيًّا إلى شريح قبل أن يوليه، وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم، ولم يكونوا قضاة.
[فإن قيل]: فعمر وعثمان كانا إمامين، فإذا ردّا الحكم إلى رجل صار قاضيًا.
[قلنا]: لم يُنقل عنهما إلا الرضا بتحكيمه خاصة، وبهذا لا يصير قاضيًا، وما ذكروه يَبطُل بما إذا رضي بتصرف وكيله، فإنه يلزمه قبل المعرفة به.
إذا ثبت هذا، فإنه لا يجوز نقض حكمه فيما لا يُنقَض به حكم من له ولاية، وبهذا قال الشافعيّ، وقال أبو حنيفة: للحاكم نقضه، إذا خالف رأيه؛ لأن هذا عقد في حق الحاكم، فمَلَك فسخه كالعقد الموقوف في حقه.
قال: ولنا أن هذا حكم صحيح لازم، فلم يجز فسخه؛ لمخالفته رأيه كحكم من له ولاية، وما ذكروه غير صحيح، فإن حكمه لازم للخصمين، فكيف يكون موقوفًا؟ ولو كان كذلك لَمَلَك فسخه، وإن لم يخالف رأيه، ولا نسلّم الوقوف في العقود.
إذا ثبت هذا فإن لكل واحد من الخصمين الرجوع عن تحكيمه، قبل شروعه في الحكم؛ لأنه لا يثبت إلا برضاه، فأشبه ما لو رجع عن التوكيل قبل التصرف، وإن رجع بعد شروعه ففيه وجهان:
[أحدهما]: له ذلك؛ لأن الحكم لمّا لم يتم أشبه ما قبل الشروع.
[والثاني]: ليس له ذلك؛ لأنه يؤدي إلى أن كل واحد منهما إذا رأى من الحكم ما لا يوافقه رجع، فبطل المقصود به.
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: القول الثاني هو الأظهر عندي؛ لوضوح حجته، والله تعالى أعلم.
قال ابن قدامة رحمه الله: قال القاضي: وينفذ حكم من حَكّماه في جميع الأحكام، إلا أربعة أشياء: النكاح، واللِّعان، والقذف، والقِصاص؛ لأن لهذه الأحكام مزية على غيرها، فاختص الإمام بالنظر فيها، ونائبه يقوم مقامه، وقال أبو الخطاب: ظاهر كلام أحمد أنه ينفذ حكمه فيها، ولأصحاب الشافعيّ وجهان كهذين. انتهى كلام ابن قُدامة رحمه الله [«المغني» لابن قُدامة رحمه الله ١٤/ ٩٢ – ٩٣].
قال الأتيوبي عفا الله تعالى عنه: القول بنفوذ حكمه مطلقًا هو الذي يترجّح عندي؛ لإطلاق حديث أبي شريح – رضي الله عنه – المذكور في الباب؛ فإن النبيّ – ﷺ – لم يستفسره حين ذَكَر له التحكيم مطلقًا، ولم يقيّد له حين استحسن فعله، فدلّ على جواز حكمه مطلقًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.[ البحر المحيط الثجاج].
وسيأتي ذكر بعض ما يتعلق بهذه المسائل.
(المسألة الثانية): أبوالحكم :
أورده بكر أبو زيد رحمه الله في (معجم المناهي اللفظية، ص95-96-تراث):
“أبو الحكم:
يُروى عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: ((نهى النبي – ﷺ – أن يسمى الرجل: حربًا، أو: وليدًا، أو مُرَّة، أو:
الحكم، أو: أبا الحكم، أو: أفلح، أو: نجيحًا، أو يسارًا))، رواه الطبراني في معجميه: الكبير، والأوسط.
قال الهيثمي: «وفيه محمد بن محصن العكاش وهو متروك».اهـ.
قال المناوي بعده: «وبه يعرف ما في رمز السيوطي لحسنه».اهـ.
لكن في الباب حديث: …. فذكر حديث شريح عن أبيه
قال العلامة ابن القيم (ت ٧٥١):
” فصل
ومِمّا يمْنَع تَسْمِيَة الإنْسان بِهِ أسماء الرب تبارك وتَعالى فَلا يجوز التَّسْمِيَة بالأحد والصمد ولا بالخالق ولا بالرازق وكَذَلِكَ سائِر الأسْماء المختصة بالرب تبارك وتَعالى ولا تجوز تَسْمِيَة المُلُوك بالقاهر والظّاهِر كَما لا يجوز تسميتهم بالجبار والمتكبر والأول والآخر والباطِن وعلام الغيوب
وقد قالَ أبُو داوُد فِي سنَنه حَدثنا الرّبيع بن نافِع عَن يزِيد بن المِقْدام ابْن شُرَيْح عَن أبِيه عَن جده شُرَيْح عَن أبِيه هانىء أنه لما وفد إلى رَسُول الله ﷺ إلى المَدِينَة …..الحديث وقد تقدم ذكر الحَدِيث الصَّحِيح أغيظ رجل على الله رجل تسمى بِملك الأمْلاك
وقالَ أبُو داوُد حَدثنا مُسَدّد حَدثنا بشر بن المفضل حَدثنا أبُو سَلمَة سعيد بن يزِيد عَن أبي نَضرة عَن مطرف بن عبد الله بن الشخير قالَ قالَ أبي انْطَلَقت فِي وفد بني عامر إلى رَسُول الله ﷺ فَقُلْنا أنْت سيدنا فَقالَ السَّيِّد الله قُلْنا وأفضلنا فضلا وأعظمنا طولا فَقالَ قُولُوا بقولكم أو بِبَعْض قَوْلكُم ولا يستجرينكم الشَّيْطان ولا يُنافِي هَذا قَوْله ﷺ أنا سيد ولد آدم فَإن هَذا إخْبار مِنهُ عَمّا أعطاهُ الله من سيادة النَّوْع الإنساني وفضله وشرفه عَلَيْهِم وأما وصف الرب تَعالى بِأنَّهُ السَّيِّد فَذَلِك وصف لرَبه على الإطْلاق فَإن سيد الخلق هُوَ مالك أمرهم الَّذِي إلَيْهِ يرجعُونَ وبأمره يعلمُونَ وعَن قَوْله يصدرون فَإذا كانَت المَلائِكَة والإنْس والجِنّ خلقا لَهُ وملكا لَهُ لَيْسَ لَهُم غنى عَنهُ طرفَة عين وكل رغباتهم إلَيْهِ وكل حوائجهم اليه كانَ هُوَ السَّيِّد على الحَقِيقَة قالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبّاس فِي تَفْسِير قَول الله الصَّمد قالَ السَّيِّد الَّذِي كمل سؤدده والمَقْصُود أنه لا يجوز لأحد أن يتسمى بأسماء الله المختصة بِهِ
وأما الأسْماء الَّتِي تطلق عَلَيْهِ وعَلى غَيره كالسميع والبصير والرؤوف والرحيم فَيجوز أن يخبر بمعانيها عَن المَخْلُوق ولا يجوز أن يتسمى بها على الإطْلاق بِحَيْثُ يُطلق عَلَيْهِ كَما يُطلق على الرب تَعالى”. [ تحفة المودود بأحكام المولود].
وجاء في زاد المعاد في هدي خير العباد:
[كَراهَةُ اسْتِعْمالِ اللَّفْظِ الشَّرِيفِ فِي حَقِّ مَن لَيْسَ كَذَلِكَ]
فَمِنَ الأوَّلِ مَنعُهُ أنْ يُقالَ لِلْمُنافِقِ «يا سَيَّدَنا» وقالَ («فَإنَّهُ إنْ يَكُ سَيَّدًا فَقَدْ أسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ ) ومَنعُهُ أنْ تُسَمّى شَجَرَةُ العِنَبِ كَرْمًا، ومَنعُهُ تَسْمِيَةَ أبي جهل بأبي الحكم، وكَذَلِكَ تَغْيِيرُهُ لِاسْمِ أبي الحكم مِنَ الصَّحابَةِ بأبي شريح، وقالَ: («إنَّ اللَّهَ هُوَ الحَكَمُ وإلَيْهِ الحُكْمُ»)
ومِن ذَلِكَ نَهْيُهُ لِلْمَمْلُوكِ أنْ يَقُولَ لِسَيِّدِهِ أوْ لِسَيِّدَتِهِ: رَبِّي ورَبَّتِي، ولِلسَّيِّدِ أنْ يَقُولَ لِمَمْلُوكِهِ: عَبْدِي، ولَكِنْ يَقُولُ المالِكُ فَتايَ وفَتاتِي، ويَقُولُ المَمْلُوكُ سَيِّدِي وسَيِّدَتِي، وقالَ لِمَنِ ادَّعى أنَّهُ طَبِيبٌ: («أنْتَ رَجُلٌ رَفِيقٌ، وطَبِيبُها الَّذِي خَلَقَها») والجاهِلُونَ يُسَمُّونَ الكافِرَ الَّذِي لَهُ عِلْمٌ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّبِيعَةِ حَكِيمًا، وهُوَ مِن أسْفَهِ الخَلْقِ. …إلخ.
س١٩٣: سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -: عن حكم التسمي بأسماء الله مثل كريم، وعزيز ونحوهما؟
فأجاب بقوله: التسمي بأسماء الله- عزوجل – يكون على وجهين:
الوجه الأول: وهو على قسمين:
القسم الأول: أن يحلى بـ «ال» ففي هذه الحال لا يسمى به غير الله- عزوجل-، كما لو سَمّيْت أحد بالعزيز- والسيد- والحكيم- وما أشبه ذلك فإن هذا لا يسمى به غير الله، لأن «ال» هذه تدل على لمح الأصل وهو المعنى الذي تضمنه هذا الاسم.
إذا قصد بالاسم معنى الصفة وليس محلى بـ «ال» فإنه لا يسمى به، ولهذا غيّر النبي – ﷺ – كنية أبي الحكم التي تكنى بها؛ لأن أصحابه يتحاكمون إليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله هو الحكم وإليه الحكم»، ثم كناه بأكبر أولاده شريح فدل ذلك على أنه إذا تسمى أحد باسم من أسماء الله ملاحظًا بذلك معنى الصفة التي تضمنها هذا الاسم فإنه يمنع؛ لأن هذه التسمية تكون مطابقة تمامًا لأسماء الله- عزوجل – فإن أسماء الله- تعالى- أعلام وأوصاف لدلالتها على المعنى الذي تضمنه الاسم.
الوجه الثاني: أن يتسمى بالاسم غير محلى بـ «ال» وليس المقصود به معنى الصفة، فهذا لا بأس به مثل حكيم، ومن أسماء بعض الصحابة حكيم بن حزام الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبع مما ليس عندك»، وهذا دليل على أنه إذا لم يقصد بالاسم معنى الصفة فإنه لا بأس به.
لكن في مثل «جبار» لا ينبغي أن يتسمى به، وإن كان لم يلاحظ الصفة؛ وذلك لأنه قد يؤثر في نفس المسمى فيكون معه جبروت وعلو واستكبار على الخلق فمثل هذه الأشياء التي قد تؤثر على صاحبها ينبغي للإنسان أن يتجنبها. والله أعلم.[ مجموع فتاوى ورسائل العثيمين]
س١٩٥: سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين- رحمه الله-: عن حكم التسمي بأسماء الله تعالى مثل الرحيم والحكيم؟
فأجاب بقوله: يجوز أن يسمي الإنسان بهذه الأسماء بشرط: ألا يلاحظ فيها المعنى الذي اشتقت منه.
وأن تكون مجرد علم فقط، ومن أسماء الصحابة الحكم، وحكيم ابن حزام، وكذلك اشتهر بين الناس اسم: عادل وليس بمنكر.
أما إذا لوحظ فيه المعنى الذي اشتقت منه هذه الأسماء فإن الظاهر أنه لا يجوز؛ لأن النبي – ﷺ -، غيّر اسم أبي الحكم الذي تكنى به؛ لكون قومه يتحاكمون إليه وقال النبي – ﷺ -: «إن الله هو الحكم وإليه الحكم» ثم كناه بأكبر أولاده شريح وقال له: «أنت أبو شريح».
وذلك أن هذه الكنية التي تكنى بها هذا الرجل لوحظ فيها معنى الاسم، فإن هذا مماثلًا لأسماء الله- عزوجل – لأن أسماء الله- عزوجل ليست مجرد أعلام، بل هي أعلام من حيث دلالتها
على ذات الله- عزوجل – وأوصاف من حيث دلالتها على المعنى الذي تتضمنه، وأما أسماء غيره- عزوجل – فإنها مجرد أعلام إلا أسماء النبي – ﷺ – فإنها أعلام وأوصاف، وكذلك أسماء كتب الله- عزوجل – فهي أعلام وأوصاف أيضًا.[مجموع فتاوى ورسائل العثيمين]
يقصد أن غير النبي صلى الله عليه وسلم قد يتسمى بمحمد وهو سيء فقط مجرد اسم وليس فيه من الصفة التي يدل عليها الاسم شيء
قال الشيخ صالح الفوزان في [الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، ص147-تراث]:
“والواجب احترام أسمائه من أن يسمى بها غيره، وذلك من تحقيق التوحيد.
فعن أبي شريح؛ أنه كان يكنى أبا الحكم، فقال النبي ﷺ:»إن الله هو الحكم، وإليه الحكم….
ثم ذكر نحوا من كلام ابن عثيمين
والعلامة المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وضع حديث الباب في كتاب التوحيد تحت: “باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك”.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي:
“الحكم: (الحكم، العدل)
قال الله تعالى: «ومن أسمائه الحكم العدل الذي يحكم بين عباده في الدنيا، والآخرة بعدله، وقسطه فلا يظلم مثقال ذرة، ولا يحمل أحدًا وزر أحد، ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه، ويؤدي الحقوق إلى أهلها، فلا يدع صاحب حق إلا وصل إليه حقه.
وهو العدل في تدبيره، وتقديره ﴿إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ٥٦.
والحكم العدل الذي إليه الحكم في كل شيء فيحكم تعالى بشرعه، ويبين لعباده جميع الطرق التي يحكم بها بين المتخاصمين، ويفصل بين المتنازعين، من الطرق العادلة الحكيمة، ويحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ويحكم فيها بأحكام القضاء، والقدر، فيجري عليهم منها ما تقتضيه حكمته ويضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها، ويقضي بينهم يوم الجزاء، والحساب، فيقضي بينهم بالحق، ويحمده الخلائق على حكمه حتى من قضى عليهم بالعذاب يعترفون له بالعدل، وأنه لم يظلمهم مثقال ذرة»[توضيح الكافية الشافية (ص١٢٧) والحق الواضح المبين (ص٨٠)].[تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي].
قال سعيد بن وهف القحطاني رحمه الله في (شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة):
٤٥ – الحَكَمُ
قال اللَّه تعالى: ﴿فاصْبِرُواْ حَتّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنا وهُوَ خَيْرُ الحاكِمِينَ﴾، وقال تعالى: ﴿وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وعَدْلًا لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِماتِهِ﴾، وقال تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ والإحْسانِ﴾، وقال النبي – ﷺ -: «إن اللَّه هو الحكمُ وإليه الحكم».
وقال تعالى: {أفَغَيْرَ اللَّهِ أبْتَغِي حَكَمًا وهُوَ الَّذِي أنَزَلَ إلَيْكُمُ الكِتابَ مُفَصَّلًا} الآية.
واللَّه سبحانه هو الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه، فلا يظلم مثقال ذرة، ولا يحمّل أحدًا وزر أحد، ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه، ويؤدي الحقوق إلى أهلها. فلا يدع صاحب حق إلا وصَّل إليه حقه. وهو العدل في تدبيره وتقديره، وهو سبحانه موصوف بالعدل في فعله، وأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة، ليس فيها شائبة جور أصلًا، فهي كلها بين الفضل والرحمة، وبين العدل والحكمة كما قدمنا.
وما ينزله سبحانه بالعصاة والمكذبين من أنواع الهلاك والخزي في الدنيا، وما أعده لهم من العذاب المهين في الآخرة فإنما فعل بهم ما يستحقونه، فإنه لا يأخذ إلا بذنب، ولا يعذب إلا بعد إقامة الحجة، وأقواله كلها عدل، فهو لا يأمرهم إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة، وكذلك حكمه بين عباده يوم فصل القضاء، ووزنه لأعمالهم عدلٌ لا جور فيه،كما قال تعالى: ﴿ونَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وإن كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أتَيْنا بِها وكَفى بِنا حاسِبِينَ﴾.
وهو سبحانه «الحكم» بالعدل في وصفه وفي فعله وفي قوله وفي حكمه بالقسط. وهذا معنى قوله: ﴿إنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾؛ فإنّ أقواله صدق، وأفعاله دائرة بين العدل والفضل، فهي كلها أفعال رشيدة، وحكمه بين عباده فيما اختلفوا فيه أحكام عادلة لا ظلم فيها بوجهٍ من الوجوه، وكذلك أحكام الجزاء والثواب والعقاب. انتهى.