1172 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم .
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1172):
قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا عفان حدثنا سعيد بن زيد قال سمعت أبا سليمان العصري حدثني عقبة بن صهبان، قال: سمعت أبا بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يحمل الناس على الصراط يوم القيامة، فتقادع(1) بهم جنبة الصراط تقادع الفراش في النار))، قال: ((فينجي الله تبارك وتعالى برحمته من يشاء)) قال ((ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء أن يشفعوا فيشفعون ويخرجون ويشفعون ويخرجون ويشفعون ويخرجون)) وزاد عفان مرة فقال أيضا: ((ويشفعون ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان)).
قال أبو عبدالرحمن (هو عبدالله بن أحمد): حدثنا محمد بن ابان حدثنا سعيد بن زيد مثله.
هذا حديث حسن .
(1) ذكر الوادعي في الحاشية: “في «النهاية»: أي: تسقطهم فيها بعضهم فوق بعض، وتقادع القوم: إذا مات بعضهم أثر بعض، وأصل القدع الكف والمنع”.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
بوب عليه الساعاتي في الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد: “باب فيما جاء في الصراط وشفاعة الأنبياء والمؤمنين وتحنن الله تعالى برحمته على عباده الموحدين”، برقم (380).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع، وبوب عليه: “٤٤ – الشفاعة لأصحاب الكبائر”، برقم (598). و “٣٣ – الإيمان بالملائكة”، رقم (574).
الأول: شرح الحديث:
قال أبو عُبيد القاسم بن سلاّم رحمه الله في (غريب الحديث):
“التَّقادع هو التَّتابع والتَّهافت في الشَّيء.
ويقال للقوم إذا مات بعضهم في إثر بعض: قد تقادعوا.
فالمعنى أنّهم يتهافتون في النّار والله أعلم.”.
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
تمهيد
الشفاعة من الأمور التي ثبتت بالكتاب والسنة، وأحاديثها متواترة؛ قال تعالى:
مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ [البقرة:255] فنفي الشفاعة بلا إذن إثباتٌ للشفاعة من بعد الإذن.
قال تعالى: عن الملائكة:( وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى ) [النجم:26]. فبيَّن الله الشفاعة الصحيحة، وهي التي تكون بإذنه، ولمن يرتضي قوله وعمله.[شرح العقيدة الواسطية للهراس – ص 215]
وقد أنكرها كثير من أهل البدع من الخوارج والمعتزلة والزيدية، وقال هؤلاء: من يدخل النار لا يخرج منها لا بشفاعة ولا غيرها، وعند هؤلاء ما ثمَّ إلا من يدخل الجنة فلا يدخل النار، ومن يدخل النار فلا يدخل الجنة، ولا يجتمع عندهم في الشخص الواحد ثواب وعقاب.
وأما الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر الأئمة كالأربعة وغيرهم فيقرّون بما تواترت به الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يخرج من النار قومًا بعد أن يعذبهم الله ما شاء أن يعذبهم، يخرجهم بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ويخرج آخرين بشفاعة غيره، ويخرج قومًا بلا شفاعة.
واحتج هؤلاء المنكرون للشفاعة بقوله تعالى: ( وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ )[البقرة:48] وبقوله: ( وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ) [البقرة:123] وبقوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ )[البقرة:254] وبقوله:( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ )[غافر:18] وبقوله: ( فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )[المدثر:48].
وجواب أهل السنّة أن هذا لعله يراد به شيئان:
أحدهما: أنها لا تنفع المشركين، كما قال تعالى في نعتهم:( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ) [المدثر:42-48] فهؤلاء نفى عنهم نفع شفاعة الشافعين لأنهم كانوا كفارًا.
والثاني: أنه يراد بذلك نفي الشفاعة التي أثبتها أهل الشرك، ومن شابههم من أهل البدع، من أهل الكتاب والمسلمين، الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه، كما يشفع الناس بعضهم عند بعض فيقبل المشفوع إليه شفاعة الشافع لحاجته إليه رغبة ورهبة، كما يعامل المخلوقُ المخلوق بالمعاوضة. فالمشركون كانوا يتخذون من دون الله شفعاء من الملائكة والأنبياء والصالحين، ويصورون تماثيلهم فيستشفعون بها ويقولون: هؤلاء خواص الله، فنحن نتوسل إلى الله بدعائهم وعبادتهم ليشفعوا لنا، كما يُتوَسل إلى الملوك بخواصِّهم لكونهم أقرب إلى الملوك من غيرهم، فيشفعون عند الملوك بغير إذن الملوك، وقد يشفع أحدهم عند الملك فيما لا يختاره فيحتاج إلى إجابة شفاعته رغبة ورهبة. فأنكر الله هذه الشفاعة فقال تعالى:( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ )[البقرة:255]، وقال: ( وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى ) [النجم:26] وقال عن الملائكة: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ [الأنبياء:26-28] وقال: ( قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) [سبأ:22-23] .[:قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية – ص 12]
قال القاضي البيضاوي : تمسكت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر ، وأجيب بأنها مخصوصة للكفار ، ويؤيد هذا أن ميثاق الخطاب معهم .
والآية نزلت ردا لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم . انتهى .
وعن قوله تعالى ( { مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } ) المراد بالظالمين الكفار ، فإن الظالم على الإطلاق هو الكافر
وقالت المعتزلة في قوله تعالى ( { إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ } ) – ( { وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى } ) – ( { وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى } ) . ومن أخزاه الله لا يرتضيه ، ومن ارتضاه لا يخزيه ، قال تعالى : ( { يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } ) الآية .
والجواب عن الآية الأولى ما قال سيدنا أنس بن مالك – رضي الله عنه – خادم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – معنى ( { مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ } ) من تخلد .
وقال قتادة : تدخل مقلوب تخلد . ولا نقول كما قال أهل حروراء : ” يعني الخوارج ” ، فعلى هذا قوله قد أخزيته على بابه من الهلاك أي : أهلكته وأبعدته ومقته ، ولهذا قال سعيد بن المسيب : الآية جاءت خاصة في قوم لا يخرجون من النار ، دليله قوله في آخر الآية ( { وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } ) أي الكفار ، وإن سلم أن الآية في عصاة الموحدين فالمراد بالخزي الحياء ، يقال : خزي يخزى خزاية إذا استحى ، فهو خزيان ، وامرأة خزيا ، فخزي المؤمنين يومئذ استحياؤهم من دخول النار ودار البوار مع أهل الشرك والكفار ، ثم يخرجون بشفاعة النبي الكريم ، ورحمة الرءوف الرحيم ، ونفي النصرة لا يستلزم نفي الشفاعة لأنها طلب من خضوع ، والنصرة ربما تبنى على المدافعة والممانعة والاستعلاء ، على أنا نقول لا يسلم لهم زعمهم أن الفاسق
غير مرضي مطلقا ، بل هو مرضي من جهة الإيمان والعمل الصالح ، وإن كان مبغوضا من جهة الذنوب والعصيان وارتكاب القبائح ، بخلاف الكافر فإنه ليس بمرضي مطلقا لعدم الأساس الذي تبنى عليه الحسنات والاعتداد بالكمالات وهو الإيمان .
انتهى جواب السفاريني
————-
(المسألة الأولى): الشفاعة
[تعريف الشفاعة:]
“الشفاعة: مأخوذة من الشفع، وهو ضد الوتر، وهو جعل الوتر شفعاً مثل أن تجعل الواحد اثنين، والثلاثة أربعة، وهكذا هذا من حيث اللغة.
أما في الاصطلاح: فهي “التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة”، يعني: أن يكون الشافع بين المشفوع إليه، والمشفوع له واسطة لجلب منفعة إلى المشفوع له، أو يدفع عنه مضرة.
[أنواع الشفاعة:]
والشفاعة نوعان:
النوع الأول: شفاعة ثابتة صحيحة، وهي التي أثبتها الله تعالى في كتابه، أو أثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم ولا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه؛ قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: ((من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)).
[شروط الشفاعة المثبتة]
وهذه الشفاعة لها شروط ثلاثة:
الشرط الأول: رضا الله عن الشافع.
الشرط الثاني: رضا الله عن المشفوع له.
الشرط الثالث: إذن الله تعالى للشافع أن يشفع.
وهذه الشروط مجملة في قوله تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى}، ومُفصَّلة في قوله: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}، وقوله: {يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً}، وقوله: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى}، فلا بد من هذه الشروط الثلاثة حتى تتحقق الشفاعة.
[أقسام الشفاعة الثابتة]
ثم إن الشفاعة الثابتة ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أنها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الشفاعة العامة، ومعنى العموم أن الله سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم، وهذه الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وهي: أن يشفع في أهل النار من عصاة المؤمنين أن يخرجوا من النار.
القسم الثاني: الشفاعة الخاصة: التي تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم وأعظمها الشفاعة العظمى التي تكون يوم القيامة، حين يلحق الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله عز وجل أن يريحهم من هذا الموقف العظيم فيذهبون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى وكلهم لا يشفع حتى تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقوم ويشفع عند الله عز وجل أن يخَلِّص عباده من هذا الموقف العظيم، فيجيب الله تعالى دعاءه، ويقبل شفاعته، وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله تعالى به في قوله: {ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً}.
ومن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط أوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فتمحص قلوب بعضهم من بعض حتى يهذبوا وينقوا ثم يؤذن لهم في دخول الجنة فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
النوع الثاني: الشفاعة الباطلة التي لا تنفع أصحابها، وهي ما يدَّعيه المشركون من شفاعة آلهتهم لهم عند الله عز وجل، فإن هذه الشفاعة لا تنفعهم كما قال الله تعالى: {فما تنفعهم شفاعة الشافعين}، وذلك لأن الله تعالى لا يرضى لهؤلاء المشركين شركهم، ولا يمكن أن يأذن بالشفاعة لهم؛ لأنه لا شفاعة إلا لمن ارتضاه الله عز وجل والله لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد، فتعلق المشركين بآلهتهم يعبدونها ويقولون: {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} تعلقٌ باطلٌ غير نافع، بل هذا لا يزيدهم من الله تعالى إلا بُعداً، على أن المشركين يرجون شفاعة أصنامهم بوسيلة باطلة وهي عبادة هذه الأصنام، وهذا من سفههم أن يحاولوا التقرب إلى الله تعالى بما لا يزيدهم منه إلا بعداً.
[مجموع فتاوى و رسائل الشيخ محمد صالح العثيمين، المجلد الحادي عشر – باب اليوم الآخر].
(المسألة الثانية):
أقسام الشفعاء المقبولة شفاعتهم:
المطلب الأول: شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
أما ثبوت شفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لما يدل على منزلته العظمى، بإكرام الله له بكثرة شفاعاته.
المطلب الثاني: شفاعة الأنبياء الآخرين غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
ومن إكرام الله تعالى لأنبيائه وأصفيائه قبول شفاعتهم فيمن يشفعون له ممن سبقت لهم الرحمة، فيتقدمون بطلب شفاعتهم إلى ربهم في إخراج أقوام من النار دخولها بذنوبهم ليخرجوا منها.
وقد ثبتت هذه الشفاعة بما جاء في الصحيحين من حديث طويل عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة, وشفع النبيون, وشفع المؤمنون. ولم يبق إلا أرحم الراحمين. فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط قد عادوا حمماً))رواه البخاري (7439)، ومسلم (183).
وليس معنى هذا أن الله يخرجهم من النار وهم كفار؛ بل المعنى أنهم لم يعملوا خيراً سوى الشهادتين ولولاهما لما خرجوا؛ شأنهم شأن غيرهم من الكفار.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يحمل الناس على الصراط يوم القيامة فتتقادع بهم جنبتا الصراط تقادع الفراش في النار. قال: فينجي الله تعالى برحمته من يشاء, قال: ثم يؤذن للملائكة, والنبيين, والشهداء أن يشفعوا فيشفعون ويخرجون, فيشفعون ويخرجون, فيشفعون ويخرجون)) وزاد عفان مرة فقال أيضاً: ((ويشفعون ويخرجون من كان في قلبه ما يزن ذرة من إيمان))[رواه أحمد (5/43) (20457)، والطبراني في ((المعجم الصغير)) (2/142) (929)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (837). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/362): رجاله رجال الصحيح، وقال السيوطي في ((البدور السافرة)) (251): إسناده صحيح].
وقد بوب الهيثمي في كتابه (موارد الظمآن)، لإثبات شفاعة الأنبياء والملائكة بقوله: (باب في شفاعة الملائكة والنبيين)
وقد ذكر الإمام ابن كثير وغيره من المفسرين عند شرح هذه الآية:(( رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ ))[ الحجر: 2] كثيراً من النصوص التي تدل على أن الله يخرج من النار أقواماً بفضل رحمته وشفاعة الشافعين لهم [((تفسير ابن كثير)) (2/546)]، من الأنبياء وغيرهم.
المطلب الثالث: شفاعة الملائكة.
ومن الشفعاء كذلك الملائكة عليهم السلام, فقد ثبتت شفاعتهم بالأدلة الصحيحة من كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ثبت أنهم يشفعون إذا أذن الله لهم ورضي.
أما الأدلة على إثبات شفاعتهم من القرآن الكريم فهي:
1- قوله عز وجل مبيناً درجتهم في الشفاعة: ((وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى)) [ النجم: 26].
2- وقوله تعالى: ((وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ))[ الأنبياء: 28].
وفي هذه الآيات يثبت الله سبحانه وتعالى أن الملائكة يشفعون في المذنبين، وأن شفاعتهم تقبل بعد إذنه ورضاه في يوم القيامة.
المطلب الرابع: شفاعة الشهداء.
ومن الشفعاء الذين أكرمهم الله تعالى بقبول شفاعتهم: الشهداء.
أما الأدلة على ثبوت شفاعة الشهداء:
فمنها ما جاء في حديث الوليد بن رباح الذماري عن نمران بن عتبة الذماري قال: دخلنا على أم الدرداء ونحن أيتام، فقالت: أبشروا، فإني سمعت أبا الدرداء يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يشفع الشهيد في سبعين من أهل بيته))[رواه أبو داود (2522)، وابن حبان (10/517) (4660)، والبيهقي (9/164) (18308). والحديث سكت عنه أبو داود، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).].
وقد بوب الإمام أبو داود على هذا الحديث بقوله: (باب في الشهيد يشفع)، ثم أشار إلى السند بأن الصواب في اسم الوليد بن رباح أنه (رباح بن الوليد).
وعن المقدام بن معدي كرب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أول دفعة, ويرى مقعده من الجنة، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه))[رواه الترمذي (1663)، وابن ماجه (2274)، وأحمد (4/131) (17221)، والبيهقى فى ((شعب الإيمان)) (4/25). قال الترمذي: حسن صحيح غريب، وحسنه ابن حجر في ((تخريج مشكاة المصابيح)) (4/16) كما قال ذلك في المقدمة، وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي))].
المطلب الخامس: شفاعة الولدان.
ومن الشفاعات الثابتة ما جاء في شفاعة الولدان في آبائهم وأمهاتهم إذا احتسبوهم عند الله تعالى بنية صادقة، رحمة من الله تعالى وكرماً منه، ليجبر قلوب الآباء والأمهات بما لحقهم من فقد أولادهم.
ومن الأدلة على ذلك ما قاله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عنه أبي هريرة رضي الله عنه: ((لا يموت لمسلم ثلاث من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم))[رواه البخاري (1251)، ومسلم (2632)].
وعنه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنسوة من الأنصار: ((لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد فتحتسبه إلا دخلت الجنة, فقالت امرأة منهن: أو اثنين يا رسول الله؟ قال: أو اثنين))[رواه مسلم (2632)].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: ((اجعل لنا يوماً، فوعظهن، وقال: أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا له حجاباً من النار. قالت امرأة: واثنان؟ قال: واثنان وفي رواية:لم يبلغوا الحنث))[رواه البخاري (1249)، ومسلم (2633)].
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم))[رواه البخاري (1381)].
المطلب السادس: شفاعة المؤمنين بعضهم لبعض.
وثبت كذلك أن الصالحين من المؤمنين يشفعون في إخوانهم الذين في النار وهم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فدخلوا النار تطهيراً لهم.
ومن الأدلة على ذلك:
ما جاء عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال: ((قلنا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحواً؟ قلنا: لا، قال: فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ إلا كما تضارون في رؤيتهما. …… فيشفع النبيون, والملائكة, والمؤمنون، فيقول الجبار: بقيت شفاعتي، فيقبض قبضة من النار، فيخرج أقواماً قد امتحشوا، فيلقون في نهر بأفواه الجنة يقال له: ماء الحياة، فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل، قد رأيتموها إلى جانب الصخرة، وإلى جانب الشجرة؛ فما كان إلى الشمس منها كان أخضر، وما كان منها إلى الظل كان أبيض، فيخرجون كأنهم اللؤلؤ، فيجعل في رقابهم الخواتيم، فيدخلون الجنة، فيقول أهل الجنة: هؤلاء عتقاء الرحمن، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، فيقال لهم: لكم ما رأيتم ومثله معه)) رواه البخاري (7439)، ومسلم (183). وهذا لفظ البخاري
وعن الصنابحي عن عبادة بن الصامت أنه قال: ((دخلت عليه وهو في الموت فبكيت، فقال: مهلاً، لم تبكي؟ فوالله لئن شهدت لأشهدن لك، ولئن شفعت لأشفعن لك، ولئن استطعت لأنفعنك. ثم قال: والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثاً واحداً وسوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرم الله عليه النار))[رواه مسلم (29)].
وأخرج الإمام أحمد من مسند أبي بكر الصديق في إثبات شفاعة الصالحين والمؤمنين مطولا وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: ((ثم يقال: ادعوا الأنبياء، فيشفعون، ثم يقال: ادعوا الصديقين، فيشفعون، ثم يقال: ادعوا الشهداء فيشفعون)) [رواه أحمد (1/4) (15)، والبزار (1/149) (76)، وابن أبى عاصم (812)، وأبو يعلى (1/56) (56)، وابن حبان (14/393) (6476). والمقدسي قي المختارة 39 قال ابن القيم في ((حادي الأرواح)) (255): متواتر، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/377): رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزار ورجالهم ثقات، وصحح إسناده أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (1/29)].
وحسنه محققو المسند
وقال الألباني :
إسناده حسن رجاله ثقات غير والان وهو ابن بهيس١ العدوي فقد قال فيه ابن معين: بصري ثقة كما في الجرح والتعديل ٤/١/٤٣ ولم يرو عنه غير ابن نوفل ولم يحك سوى التوثيق وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج حديثه هذا في صحيحه رقم ٢٥٨٩
لكن ذكره ابن الجوزي في العلل المتناهية برقم 1539
وقال : «وهكذا روى هَذا الحديث روح والحسين بْن عمرو بْن سيف عن أبِي نعامة واسمه عمرو بْن عِيسى العدوي ورواه الحريري عن أبِي هنيدة فأسنده عن حذيفة عن النَّبِيّ ﷺ ولم يذكر أبا بَكْر ووالان مجهول لا يعرف قال أبُو حاتم:»الرازي والان مجهول وقال الدارقطني والان غير مشهور إلا فِي هَذا الحديث قالَ والحَدِيثُ غَيْرُ ثابِتٍ
واليك كلام الدارقطني كما في العلل:
١٤- وسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمانِ، عَنْ أبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: حَدِيثَ الشَّفاعَةِ.
فَقالَ: يَرْوِيهِ أبُو نَعامَةَ عَمْرُو بْنُ عِيسى العَدَوِيُّ، عَنْ أبِي هُنَيْدَةَ البَراءِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ والانَ العَدَوِيِّ، عَنْ حذيفة، عَنْ أبِي بَكْرٍ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، ورَوْحٌ، والحَسَنُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُوسُفَ.
ورَواهُ الجُرَيْرِيُّ، عَنْ أبِي هُنَيْدَةَ، وأسْنَدَهُ عَنْ حُذَيْفَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.
ولَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ أبا بَكْرٍ.
ووالانُ غَيْرُ مَشْهُورٍ إلّا فِي هَذا الحَدِيثِ، والحَدِيثُ غير ثابت. انتهى
من علل الدارقطني
قال الخطيب في تاريخ بغداد:
حَدِيثُ والانَ رَواهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، ورَوْحُ بْنُ عُبادَةَ، عَنْ أبِي نَعامَةَ العَدَوِيِّ، عَنْ أبِي هُنَيْدَةَ البَراءِ بْنِ نَوْفلٍ، عَنْ والانَ العدوي، عن حذيفة بن اليمان، عن أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ فِي الشَّفاعَةِ، ولَيْسَ يُعْرَفُ لِوالانَ حَدِيثٌ غَيْرُهُ.
قلت سيف بن دورة : قال الشيخ مقبل في الشفاعة : قال الدارقُطني : والان مجهول. والحديث غير ثابت .
قال مقبل : والان وثقه ابن معين كما في تعجيل المنفعة وروى عنه اثنان كما في التوحيد لابن خزيمة فحديثه يصلح في الشواهد والمتابعات. وما انفرد به توقف فيه . وقد انفرد هنا بالسجود مرتين قدر جمعة وبقوله أدعو الصديقين. وتقديمهم الأنبياء. وبقصة الذي أوصى بأن يحرق ، وقصة الوصية بالإحراق في الصحيحين في غير حديث الشفاعة ومن غير هذه الطريق انتهى من تخريجنا لفتح الباري
وكذا حديث أبي بكرة وهو الحديث الذي أورده مقبل هنا في الصحيح المسند
كما ثبت أيضاً حصول شفاعة المؤمنين لإخوانهم قبل يوم القيامة، وذلك في الدنيا، وهي استشفاعهم إلى الله تعالى في الصلاة على من مات منهم بالرحمة والغفران والتجاوز، فقد أخرج الإمام مسلم رحمه الله عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه))رواه مسلم (947).
وأخرج كذلك عن عبد الله بن عباس ((أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان فقال: يا كريب، انظر ما اجتمع له الناس، قال: فخرجت، فإذا ناس قد اجتمعوا له، فأخبرته، فقال: تقول: هم أربعون؟ قال: نعم، قال: فأخرجوه فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم فيه)) رواه مسلم (948).
وتمام الحديث عن ابن ماجه: ((ما من أربعين من مؤمن يشفعون لمؤمن إلا شفعهم الله فيه)) [رواه ابن ماجه (1219). وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه))].
المطلب السابع: شفاعة القرآن الكريم.
وكذلك فإن من مظاهر رحمة الله تعالى وكرمه على عباده أن جعل القرآن الكريم أيضاً من الشفعاء المقبول شفاعتهم، وليس ذلك فقط بل أيضاً يطلب المزيد من الإكرام لصاحبه.
وكيف لا يكون كذلك وهو كلام الله – تعالى وتقدس- وهو حبله المتين وصراطه المستقيم، أنزله على أفضل خلقه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وجعل تلاوته ثواباً في الدنيا، لكل حرف حسنة وشفاعة في يوم القيامة، ولما كان القرآن الكريم كذلك فلابد لنا من إيضاح بعض النقاط الآتية:
1- بيان الفضل العظيم الذي ورد في القرآن عموماً.
2- وبيان ما جاء في أفضلية بعض سور القرآن وكلها فاضلة.
3- وبيان ما ورد من نصوص كذلك تحث على قراءة القرآن والمواظبة على ذلك.
فقد قال صلى الله عليه وسلم – محرضاً على قراءة القرآن -: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كالأترجة، طعمها طيب, وريحها طيب. والذي لا يقرأ القرآن كالتمرة، طعمها طيب ولا ريح لها. ومثل الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مر. ومثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة، طعمها مر ولا ريح لها))رواه البخاري (5020). من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا على اثنتين: رجل آتاه الله الكتاب وقام به آناء الليل، ورجل أعطاه الله مالاً فهو يتصدق به آناء الليل وآناء النهار)) رواه البخاري (5025)، ومسلم (815). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة عن فضل بعض الآيات والسور، مثل سورة البقرة،
والكهف, والفتح, وقل هو الله أحد, والمعوذتين، وآية الكرسي، وغير ذلك مما لا نطيل بالاستدلال عليه.
فينبغي على كل مسلم أن يكثر من قراءة القرآن بتدبر وعناية، وأن يحتسب ذلك عند الله تعالى، ليأخذ جزاءه في يوم القيامة، وأن يحذر أن يتصف بأنه من الذين اتخذوه مهجوراً، و فيما يلي نعرض بعض النصوص التي يتعلق بها غرض البحث.
فمما ورد في شفاعة القرآن عموماً ما جاء عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اعملوا بالقرآن, وأحلوا حلاله, وحرموا حرامه, واقتدوا به, ولا تكفروا بشيء منه, وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله وإلى أولي العلم من بعدي, كيما يخبرونكم, وآمنوا بالتوراة, والإنجيل, والزبور, وما أوتي النبيون من ربهم, وليسعكم القرآن وما فيه من البيان, فإنه شافع مشفع, وماحل مصدق, ألا ولكل آية منه نور يوم القيامة, وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول, وأعطيت طه وطواسين وحواميم من ألواح موسى, وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش))[رواه الطبراني (20/225) (525) وأخرجه الحاكم (1/757)، والبيهقي (10/9) (19490). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الهيثمي (1/174): له إسنادان في أحدهما عبيد الله بن أبى حميد وقد أجمعوا على ضعفه، وفى الآخر عمران القطان ذكره ابن حبان في الثقات وضعفه الباقون].
وعن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((القرآن شافع مشفع، وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار)) [رواه الطبراني (9/132) (8655)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (4/108)، وابن أبي شيبة (6/131) (30054)، وابن عدي (3 /127). قال أبو نعيم: غريب من حديث الأعمش تفرد به عنه الربيع، وقال ابن عدي: ربيع بن بدر بن عمرو بن جراد السعدي.. عامة حديثه ورواياته عمن يروي عنهم مما لا يتابعه أحد عليه، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/164): فيه الربيع بن بدر وهو متروك].
وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة, يقول الصيام: أي رب، منعته الطعام والشهوات بالنهار، فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه، فيشفعان))[رواه أحمد (2/174) (6626)، والطبراني كما في ((مجمع الزوائد)) (3/184)، والحاكم (1/740)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (8/161)، والمنذري في ((الترغيب والترهيب)) (2/107). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، وقال المنذري: رجاله محتج بهم في الصحيح، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/184): رجال الطبراني رجال الصحيح، وقال في (10/384): رواه أحمد وإسناده حسن على ضعف في ابن لهيعة وقد وثق].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يجيء القرآن يوم القيامة فيقول: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب أرض عنه، فيرضى عنه، فيقال له: اقرأ وارق وتزاد بكل آية حسنة))[رواه الترمذي (2915)، والحاكم (1/738)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (2/347). قال الترمذي: حسن صحيح، وصحح إسناده الحاكم، وعبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (901) كما أشار إلى ذلك في المقدمة].[ الموسوعة العقدية، بتصرف]
تنبيه : ينص غير واحد ان المقصود بشفاعة القرآن ومحاجته هو ثواب القرآن
وسيأتي في آخر البحث النقولات عنهم بإذن الله
(المسألة الثانية): الفتاوى:
[1]: أنواع شفاعات النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.
السؤال: له سؤال ثانٍ في هذه الرسالة يقول: للنبي ﷺ يوم القيامة ثلاث شفاعات فلمن تجوز الشفاعة الأولى والثانية والثالثة؟
“الجواب: له ﷺ ثلاث شفاعات خاصة به عليه الصلاة والسلام، إحداها الشفاعة العظمى في أهل الموقف يوم القيامة، فيشفع لهم حتى يقضى بينهم، وهذا هو المقام المحمود الذي قال فيه سبحانه: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا [الإسراء:79].
فهذا المقام المحمود الذي يبعثه الله يوم القيامة، وهو أنه يشفع في أهل الموقف عليه الصلاة والسلام، .. يشفع إلى الله أن يقضي بينهم في هذا الموقف العظيم حتى ينصرف كل إلى ما كتب الله له.
الشفاعة الثانية: الشفاعة في أهل الجنة حتى يدخلوا الجنة، فإنهم لا يدخلونها إلا بشفاعته عليه الصلاة والسلام، فيشفع إلى ربه فيؤذن لهم في دخول الجنة.
الشفاعة الثالثة: خاصة بعمه أبي طالب ، يشفع في عمه أبي طالب أن يخفف عنه، قال ﷺ: إنه وجده في غمرات النار، فشفع له حتى صار في ضحضاح من النار فالرسول ﷺ شفع لعمه أبي طالب فقط في التخفيف لا في الخروج؛ لأنه كافر مات كافراً، هذا الذي عليه أهل العلم والتحقيق، أنه مات كافراً ، أراده النبي ﷺ عند موته أن يقول: لا إله إلا الله، فأبى، وقال: هو على ملة عبد المطلب ، نعوذ بالله، فمات على الكفر بالله.
فالرسول ﷺ شفع له بأن يكون في ضحضاح من النار، بسبب ما حصل من نصره للنبي ﷺ وتعبه وحمايته له عليه الصلاة والسلام، حرص ﷺ أن يسلم ولكن لم يقدر له الإسلام، فصار هذا من الآيات الدالة على أنه ﷺ لا يملك هداية أحد، الهداية بيد الله ، هو الذي يهدي من يشاء، ولهذا لما مات عمه أبو طالب على الكفر أنزل الله في حقه:(( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] وقال سبحانه: لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ))[البقرة:272] .. لهذا شفع فيه أن يكون في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه نسأل الله العافية، فقد قال ﷺ: أهون الناس عذاباً يوم القيامة أبو طالب ؛ فإنه في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وفي لفظ آخر يقول ﷺ: إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة من يكون له نعلان من نار يغلي منهما دماغه، فهو يرى أنه أشد الناس عذاباً وهو أهونهم عذاباً نسأل الله العافية. نعم.
في شفاعات أخرى، في شفاعة فيمن دخل النار وأن لا يدخلها، … أن يخرج منها ومن لم يدخلها أن لا يدخلها من العصاة، فإن العصاة قسمان: قسم يعفى عنه قبل دخول النار بالشفاعة أو برحمة الله ، وعفوه جل وعلا، وقسم يدخلون النار بمعاصيهم وسيئاتهم ثم بعدما يمضي عليهم ما شاء الله في النار يخرجون منها بشفاعة الشفعاء أو برحمة الرب سبحانه المجردة من دون شفاعة أحد؛
الأعمال الموجبة لشفاعته – صلى الله عليه وسلم
1_ أخرج البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال :
« قلت : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟ قال : ” ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث ، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه » ”
2_ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ )أخرجه البخاري وأخرج مسلم نحوه من حديث ابن عمرو.
3_ عن عامر بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها وقال المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة ) أخرجه مسلم
قال النووي: قال أهل اللغة اللاواء بالمد الشدة والجوع وأما الجهد فهو المشقة وهو بفتح الجيم وفي لغة قليلة بضمها وأما الجهد بمعنى الطاقة فبضمها على المشهور وحكي فتحها انتهى
4_ وأخرج الترمذي في السنن عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم 🙁 من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها ) وفي الباب عن سبيعة بنت الحارث الأسلمية قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث أيوب السختياني .
5_ وعَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ، مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، عَنْ خَادِمٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يَقُولُ لِلْخَادِمِ: ” أَلَكَ حَاجَةٌ ؟ ” قَالَ: حَتَّى كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، حَاجَتِي قَالَ: ” وَمَا حَاجَتُكَ ؟ ” قَالَ: حَاجَتِي أَنْ تَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ: ” وَمَنْ دَلَّكَ عَلَى هَذَا ؟ ” قَالَ: رَبِّي قَالَ: ” إِمَّا لَا، فَأَعِنِّي بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ” أخرجه أحمد وصححه الألباني في الصحيحة 2102
الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم.
هذا مجمل فيه تفصيل؛ لأن التوسل والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم يراد به ثلاثة أمور أمران متفق عليهما بين المسلمين والثالث مختلف فيه
أما الأمران المتفق عليهما التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى التوسل بالإيمان به وطاعته فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به وهو أصل الإيمان والإسلام .
الثاني: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته وهذا أيضا جائز ونافع يتوسل به من دعا له وشفع وهذا كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته، ومن أنكر التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدا، وإن كان الثاني أخفى من الأول التوسل بالنبي بمعنى التوسل بالإيمان به وطاعته هذا فرض أو التوسل بدعائه بمعنى أنه يدعو وأنت تؤمن كما في حياته وكما يكون يوم القيامة .
الثالث: التوسل بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته لا عند قبره ولا غير قبره ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية.
فالصواب: أن هذا ممنوع فإذا التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم التوسل بالإيمان به هذا فرض التوسل بدعائه في حياته ويوم القيامة هذا أيضا جائز التوسل بذاته هذا ممنوع وكذلك التوسل بالجاه كأن يقول: أتوسل بجاه فلان أو بحق فلان أو بحرمة فلان هذا ممنوع وهذا مبتدع. انتهى كلام الراجحي باختصار ( شرح الطحاوية )
——
كيف الجمع بين قولنا أن القرآن من كلام الله وكلام الله صفة له غير مخلوقة وبين الحديث التالي:
[ اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة قال معاوية بلغني أن البطلة السحرة ] أخرجه مسلم في صحيحه.
فالجواب :
ليس معنى الأحاديث أن القرآن الذي هو صفة الله يأتي ويتكلم بل هذا موافق لأصول من يقول أن القرآن مخلوق أما عند أهل السنة فمعنى الحديث على وجهين:
1_ أي ثواب ذلك ولا شك أن هذا مخلوق من مخلوقات الله.
2_ أن الله جل وعلا يجعلها أجساما كذلك وليست هي القرآن ولكن يجعل ذلك أجساما لتكون المحاجة وأما القرآن فهو كلام الله جل وعلا منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود.
أقوال الأئمة رحمهم الله.
1_ قال الإمام أبو عبيد قاسم بن سلام رحمه الله (ت: 224 هـ ) : يعني ثوابهما …. اهـ.فضائل القرآن ومعالمه وآدابه 2/ 41 – ح 434 –
2_ وهذا قول الإمام أحمد رحمه الله (ت:241هـ)
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
لما احتجوا عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم { تجيء البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف } ونحو ذلك من الحديث الذي فيه إتيان القرآن ومجيئه .
وقالوا له : لا يوصف بالإتيان والمجيء إلا مخلوق ; فعارضهم أحمد بقوله : – وأحمد وغيره من أئمة السنة – فسروا هذا الحديث بأن المراد به مجيء ثواب البقرة وآل عمران كما ذكر مثل ذلك من مجيء الأعمال في القبر وفي القيامة والمراد منه ثواب الأعمال . (شرح حديث النزول:55)
3_ وابن تيمية ذكر هذا عدة مرات فهو مقر لهذا رحمه الله.
4_ قال الإمام ابن قتيبة رحمه الله (ت: 276 هـ)
في تأويل مختلف الحديث:…..
القرآن لا يكون جسما ولا ذا حدود وأقطار وإنما أراد بقوله سنام القرآن البقرة أعلاه كما أن السنام من البعير أعلاه وأراد بقوله قلب القرآن يس أنها من القرآن كمحل القلب من البدن وأراد بقوله تجيء البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة ويأتي ثوابه الرجل في قبره ويأتي الرجل يوم القيامة حتى يجادل عنه ويجوز أن يكون الله تعالى يجعل له مثالا يحاج عنه ويستنقذه
6 – قال الإمام الترمذي رحمه الله (ت: 279 هـ ) :
قال أبو عيسى هذا حديث غريب من هذا الوجه
ومعنى هذا الحديث عن أهل العلم أنه يجيء ثواب قراءته كذا فسر بعض أهل العلم هذا الحديث وما يشبه هذا من الأحاديث أنه يجيء ثواب قراءة القرآن.
وفي حديث النواس عن النبي صلى الله عليه و سلم ما يدل على ما فسروا إذ قال النبي صلى الله عليه و سلم وأهله الذين يعملون به في الدنيا ففي هذا دلالة أنه يجيء ثواب العمل اهـ.
6_ قال الإمام إبراهيم بن إسحاق الحربي رحمه الله (ت: 285هـ) :
في غريبه 1/224:
قوله : كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ يُظِلاَّنِ مَنْ كَانَ يَقْرَؤُهُما نُسِبَ الفِعْلُ إِلَيْهِمَا . وَإِنَمَا المَعْنَى لِثَوَابٍ يَفْعَلُهُ اللُّه بِمَنْ يَقْرَأُ بِهِما لِقَوْلِهِ ظِلُّ المُؤْمِنِ صَدَقَتُهُ يقول : ثَوَابُ صَدَقَتِهِ . اهـ.
7_ قال الإمام البزار رحمه الله (ت: 292 هـ ) في مسنده (4421) :
وإنما معنى ” يجيئان يوم القيامة ” يجيء ثوابهما كما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ” إن اللقمة لتجيء مثل أحد ” وقال : ” ظل المؤمن يومئذ صدقته ” فإنما هذا كله على ثوابه . اهـ.
8_ قال الإمام أبو عوانه رحمه الله (ت: 316 هـ.) في مستخرجه:
قال أبو عبيد في قوله “يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان”: إنما هو الثواب….
9_ ويقول الإمام ابن بطة رحمه الله (ت: 387 هـ )
في “الإبانة الكبرى” (5/476) :
” ثم إن الجهمية لجأت إلى المغالطة في أحاديث تأولوها ، موهوا بها على من لا يعرف الحديث ، وإنما عنى في هذه الأحاديث في قوله : (يجيء القرآن وتجيء البقرة وتجيء الصلاة ويجيء الصيام) يجيء ثواب ذلك كله ، وكل هذا مبين في الكتاب والسنة .
10_ ونقل الإمام البغوي رحمه الله (ت:516 هـ) في شرح السنة كلام الترمذي
11_ ونقل عبد العظيم بن عبد القوي المنذري رحمه الله (ت: 656 هـ ):
في الترغيب والترهيب (2251) كلام الترمذي السابق.
12_ قال الإمام ابن القيم رحمه الله (ت: 751) :
و لم يهتد الفريقان الى هذا القول الذي ذكرناه و أن الله سبحانه ينشئ من الأعراض أجسام و يجعلها مادة لها كما في الصحيح عنه تجيء البقرة و آل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان الحديث فهذه هي القراءة التي ينشئها الله سبحانه تعالى غمامتين اهـ (حادي الأرواح: 284)
13_ وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله (ت: 774 هـ ) :
والذي يوضع في الميزان يوم القيامة قيل: الأعمال وإن كانت أعراضًا، إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما.
قال البغوي: يروى هذا عن ابن عباس كما جاء في الصحيح من أن “البقرة” و “آل عمران” يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان
تنبيهات :
وقد ذكر الأئمة أن إسماعيل ابن علية تكلم فيه العلماء بسبب خطئه في هذا الحديث حتى تراجع على رؤوس الأشهاد ومع ذلك أبغضه بعض علماء الحديث إلى أن مات وإن كان الحق أن الله عز وجل يقبل توبة العبد إذا تاب.
جاء في تاريخ بغداد:
-أن- حماد بن سلمة قال ما كنا نشبه شمائل إسماعيل بن علية إلا بشمائل يونس بن عبيد حتى دخل فيما دخل فيه قال عفان-الراوي عن حماد- مرة أخرى حتى أحدث ما أحدث قال عفان وكان بن علية وهو شاب من العباد بالبصرة .
قلت: والحدث الذي حفظ على بن علية شيء يتعلق بالكلام في القرآن
أخبرنا احمد بن أبي جعفر حدثنا محمد بن العباس الخزاز حدثنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب قال قال إبراهيم الحربي وسأله أبو يعقوب فقال دخل بن علية على محمد بن هارون فقال له يا بن كذا وكذا أي شتمه أيش قلت فقال: أنا تائب إلى الله لم اعلم أخطأت.
فقال: إنما كان حدث بهذا الحديث [ تجيء البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف يحاجان عن صاحبهما ] قال فقيل: لابن علية ألهما لسانان قال: نعم فكيف تكلما فقيل: أنه يقول القرآن مخلوق وإنما غلط …..
-عن-الفضل بن زياد قال سألت أبا عبد الله احمد بن حنبل عن وهيب وإسماعيل بن إبراهيم بن علية قلت أيهما أحب إليك إذا اختلفا فقال وهيب كان عبد الرحمن بن مهدى يختار وهيبا على إسماعيل قلت في حفظه قال في كل شيء ما زال إسماعيل وضيعا من الكلام الذي تكلم به إلى ان مات قلت أليس قد رجع وتاب على رؤوس الناس فقال بلى ولكن ما زال مبغضا من أهل الحديث بعد كلامه ذاك إلى أن مات اهـ. والقصة في عدد من كتب التراجم والتاريخ.
ولا شك أنه زلة عالم وإلا نقل عن الإمام ابن علية أنه قال القرآن كلام الله غير مخلوق.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
وهنا يرد إشكال: كيف يوزن العمل وهو ليس بجسم، وكيف الحمد تملأ الميزان وهي ليست بجسم؟
والجواب عن كل هذا سهل، وهو: أن الله عزّ وجل قادر على أن يجعل الأعمال أجساماً والمعاني أجساماً، فإنه على كل شيء قدير عزّ وجل، ألم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان تظلان صاحبهما[163] ،وهما عمل، لكن الله على كل شيء قدير اهـ (رسائل ابن عثيمين:29/12) راجع شرح الأربعين النووي حديث 23
وقول الشيخ هنا أنهما عمل يدل أنه يرى أن المقصود قراءة العبد وثوابه لا القرآن موافقا بذلك ما قاله أئمة أهل السنة.
فإن قيل أن هذا تأويل من أهل السنة فالجواب:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
النبي صلى الله عليه وسلم قال : { اقرءوا البقرة وآل عمران فإنهما يجيئان يوم القيامة كأنهما غيايتان أو غمامتان أو فرقان من طير صواف يحاجان عن أصحابهما } وهذا الحديث في الصحيح : فلما أمر بقراءتهما وذكر مجيئهما يحاجان عن القارئ : علم أنه أراد بذلك قراءة القارئ لهما وهو عمله وأخبر بمجيء عمله الذي هو التلاوة لهما في الصورة التي ذكرها كما أخبر بمجيء غير ذلك من الأعمال . اهـ (شرح حديث النزول:55)
ولا يفهم من ظاهر الأحاديث أن صفة الله تنفصل وتأتي وتتحول إلى مخلوق فهذا ظاهر البطلان.