1171فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم .
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1171 ):
قال الإمام النسائي رحمه الله (ج ٤ ص ٤٢): أخبرنا محمد بن عبد الأعلى قال حدثنا خالد قال أنبأنا عيينة بن عبد الرحمن بن يونس (١) قال حدثني أبي قال: شهدت جنازة عبد الرحمن بن سمرة وخرج زياد يمشي بين يدي السرير فجعل رجال من أهل عبد الرحمن ومواليهم يستقبلون السرير ويمشون على أعقابهم ويقولون رويدًا رويدًا بارك الله فيكم فكانوا يدبون دبيبًا حتى إذا كنا ببعض طريق المربد لحقنا أبو بكرة على بغلة فلما رأى الذي يصنعون حمل عليهم ببغلته وأهوى إليهم بالسوط وقال: خلوا فوالذي أكرم وجه أبي القاسم صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنا لنكاد نرمل بها رملًا فانبسط القوم.
هذا حديث صحيحٌ.
[ص ٢٢٣] وقد أخرجه أبو داود (ج ٨ ص ٤٧٠) من طريقين إلى عيينة بن عبد الرحمن، وفي إحداهما أن المتوفى عثمان بن أبي العاص.
وهذا الحديث ذكره ابن أبي حاتم في «العلل» (ج ١ ص ٣٧١) وذكر فيه من طريق شعبة عن عيينة بن عبد الرحمن به، وفيه: أن الذي حمل عليهم بالسوط عثمان بن أبي العاص، ثم قال: سمعت أبي يقول: روى هذا الحديث هُشَيْمٌ ووكيع وأبو داود الطيالسي وسَعْدانُ بن يحيى، عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، وقال فيه: فحمل عليهم أبو بكرة بدل عثمان بن أبي العاص، وهذا أصح. اهـ
* قال الإمام أحمد (ج ٥ ص ٣٦): حدثنا يحيى عن عيينة.
ووكيع حدثنا عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنا لنكاد أن نرمل بها.
قال وكيع: أن نرمل بالجنازة رملًا.
هذا حديث صحيحٌ.
* وقال الإمام أحمد (ج ٥ ص ٣٧): حدثنا هشيم عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي بكرة قال: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإنا لنرمل بالجنازة رملًا.
* وقال الإمام أحمد (ج ٥ ص ٣٨): حدثنا يحيى بن سعيد عن عيينة حدثنا أبي قال خرجت في جنازة عبد الرحمن بن سمرة قال: فجعل رجال من أهله يستقبلون الجنازة فيمشون على أعقابهم ويقولون رويدًا بارك الله فيكم قال فلحقنا أبو بكرة من طريق المربد فلما رأى أولئك وما يصنعون حمل عليهم ببغلته وأهوى لهم بالسوط وقال: خلوا فوالذي كرم وجه أبي القاسم صلى الله عليه وعلى آله وسلم لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم [ص ٢٢٤] وإنا لنكاد أن نرمل بها.
وقال يحيى مرة: لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
—–
(1) ذكر الوادعي رحمه الله في حاشية الصحيح المسند: “هكذا في «سنن النسائي»، والصواب: ابن جَوْشَنٍ”.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
ذكر الحديث الإمام النسائي رحمه الله في السنن، 20 كتاب الجنائز، “٤٤ – السُّرْعَةُ بِالجَنازَةِ”، برقم (1912).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع، 5- كتاب الجنائز، ” 33 – الإسراع بالجنازة”.
======
الأول: شرح الحديث:
التعليق:
[تنبيه]: قوله: «ابن يونس» هكذا وقع في نسخ «المجتبى»، والظاهر أنه غلطٌ، تصحّف، من «ابن جَوْشَن»، فقد ترجمه في «التقريب» ص ٢٧٣ و«تهذيب التهذيب» ج ٨ ص [٢٤٠ – ٢٤١]، و«تهذيب الكمال» ج ٢٣ ص [٧٧ – ٨١] و«الخلاصة» ص [٣٠٧] وكلهم ذكروه بأنه عُيينة بن عبد الرحمن بن جَوْشَن، فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم.
لطائف هذا الإسناد:
(منها): أنه من خماسيات المصنّف – تَعالى-.
(ومنها): أنه مسلسل بالبصريين.
(ومنها): أن فيه رواية الابن عن أبيه.
(ومنها): أن أبا بكرة – رضي الله عنه- ممن اشتهر بهذه الكنية، وهي لقب بصورة الكنية؛ لُقب بها؛ لكونه تدلّى من حصن الطائف ببكرة البئر، فأسلم، وكنيته أبو عبد الرحمن. واللَّه تعالى أعلم.
شرح الحديث:
عن عبد الرحمن بن جَوْشَن أنه (قال: شَهِدْتُ جَنازَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ) أي حضرتها، أو اطّلعت عليها، وعاينتها أفاده في «المصباح».
وعبد الرحمن بن سَمُرة بن حبيب بن عبد شمس العبشميّ، أبو سعيد، صحابيّ من مسلمة الفتح، يقال: كان اسمه عبد كلال، افتتح سِجِسْتان، ثم سكن البصرة، ومات – رضي الله عنه – بها سنة خمسين من الهجرة، أو بعدها، وتقدمت ترجمته في ٢/ ١٤٦٠.
[تنبيه]: قوله: «شهدت جنازة عبد الرحمن بن سمرة»، هذه رواية الجماعة: إسماعيل ابن علية، ويحى بن سعيد القطان، ووكيع بن الجرّاح، وخالد بن الحارث الهجيمي، وعيسى بن يونس، كلهم عن عُيينة، عن أبيه، فقالوا: «جنازة عبد الرحمن ابن سمرة، وخالفهم شعبة، عن عيينة، فقال: جنازة عثمان بن أبي العاص [ انظر «السنن الكبرى» للبيهقيّ ج ٤ ص ٢٢] وروايته شاذّة، والمحفوظ رواية الجماعة. واللَّه تعالى أعلم.
(وخَرَجَ زِيادٌ) لعله أراد زياد ابن أبيه، لأنه كان أميرًا (يَمْشِي بَينَ يَدَي السَّرِيرِ) أي: أمام الجنازة (فَجَعَلَ رِجالٌ، مِن أهْل عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بن سمرة – رضي الله عنه- (ومَوالِيَهِمْ) وفي نسخة:»ومواليه« (يَسْتَقْبِلُونَ السَّرِيرَ) أي: يواجهونه (ويَمْشُونَ عَلى أعْقابهمْ) أي: وراءهم (ويَقُولُونَ: رُوَيْدًا، رُوَيْدًا) أي: أمهلوا، ولا تسرعوا في المشي (بارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ) جملة دعائية، أرادوا بها حَثّ الناس على عدم الإسراع (فَكانُوا) أي: الناس الذين حملوا جنازته (يَدِبُّونَ دَبيبًا) أي يُبطئون في المشي، يقال: دب الصغير يَدِبّ، من باب ضرب، دَبيبًا، ودبّ الجَيشُ دَبيبًا أيضا: ساروا سيرًا ليّنا. قاله في»المصباح (حَتّى إذا كُنّا بِبَعْضِ طَرِيقِ المِرْبَدِ) بكسر الميم، وسكون الراء، وفتح الباء: اسم موضع بالبصرة، سمي به لأنهم كانوا يَحبسون فيه الإبل. أفاده في «اللسان» (لَحِقَنا أبُو بَكْرَةَ عَلى بَغْلَة)
والبَغلة بفتح، فسكون: الأنثى من ولد الفرس من الحمار، وجمعها بَغَلات، مثلُ سجْدَة، وسَجَدات، وبِغالٌ بالكسر، والذكر بَغْلٌ، وجمعه في القلّة أبْغالٌ، وفي الكثرة بغال (فَلَمّا رَأى الَّذِي) وفي نسخة: «الذين» (يَصْنَعُونَ) أي لما رأى أبو بكرة – رضي الله عنه – عَمَلَ أهلِ عبد الرحمن، من حملهم الناس على عدم الإسراع (حَمَلَ عَلَيْهِمْ بِبَغْلَتِهِ) أي شَدّ في ركوبه نحوهم، ليحثّهم على الإسراع (وأهْوى إلَيْهِمْ) وفي نسخة: «لهم» (بِالسَّوْطِ) أي: مدّ يده بالسوط نحوَهم، ليسوقهم به، ويُهَدِّدهم، حيث تركوا السنة، وهو الإسراع بالجنازة (وقالَ: خَلُّوا) أي: اتركوا فعلكم هذا، ودعوا الناس يسرعون بالجنازة، كما هو السنّة.
وفيه فضل أبي بكرة – رضي الله عنه -، حيث أزال المنكر، (فَوالَّذِي أكْرَمَ وجْهَ أبِي القاسِمِ – ﷺ -) إنما خصّ الوجه؛ لأنه مجمع شرف الإنسان، ومظهر محاسنه، أو أراد به ذاته الشريفة – ﷺ -، وإنما آثر القسم بهذه الصيغة حثّا لهم، وتأكيدًا على أن هذا الأمر من سنته – ﷺ -، فينبغي التمسّك به، والاهتمام باتباعه (لَقَدْ رَأيْتُنا) أي رأيت نفسي، وأصحاب النبي – ﷺ – (مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – ﷺ -، وإنّا لَنَكادُ) أي نقرُب (نَرْمُلُ بِها رَمَلًا) أي نسرع بالجناز، يقال: رَمَلَ رَمَلًا، من باب طَلَب، ورَمَلانًا أيضًا: إذا هَرْوَل [قال في «المصباح»: هَرْول: أسرع في مشيه، دون الخَبَب، ولهذا يقال: هو بين المشي والعَدْو، وجعل جماعة الواوَ أصلا انتهى.]. قاله في «المصباح» (فانْبَسَطَ القَوْمُ) أي انشرحوا لما سمعوا من أن سنة النبي – ﷺ – في المشي بالجنازة هو الإسراع، خلاف ما هم عليه، ويحتمل أن يكون المعنى: فانبسطوا بسبب فتح الطريق لهم، وتمكُّنِهِم من الإسراع بعد أن كانوا متضايقين بمنعهم عنه. “.[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى].
الفوائد:
1 – (منها): ما بوّب له النسائي –رحمه الله تَعالى-، وهو السرعة بالجنازة، ووجه ذلك أن فيه تقسيم الجنائز إلى قسمين، صالحة تقول: قدموني، قدموني ، وغير صالحة، تقول: أين يذهبون بها؟، فيطلب الإسراع بهما؛ لأن الصالح يستريح بلقاء ما قدّمه من أعماله الصالحة، وغير الصالح يستريح منه الرجال الذين يحملونه بوضعه عن رقابهم.
والمراد به الإسراع المتوسط الذي لا يُخشى معه سقوط الميت، ونحوه، لكن إن خُشي على الميت من التأخير تغيّر، أو انفجار، أو انتفاخ زيد في الإسراع، وعكسه، إن خشي من الإسراع أن يحدث انفجار مثلًا فلا يُسرع، قال الشافعي -رحمه الله تَعالى-: فإن كان بالميت علّة، يُخاف أن يتنجّس منه شيء، أحببت أن يُرفق بالمشي انتهى [نقله في «الطرح» ج ٣ ص ٢٩٢].
قال ابن الملقّن –رحمه الله-: وكره بعضهم الإسراع، وهو محمول على الإسراع المحذور. قال: ولا تُؤخّر لزيادة مصلّين، ولا لانتظار أحد غير الوليّ، فيُنتظر لأجله، إن لم يُخَف تغيّرها. انتهى.
2 – (منها): مشروعية حمل الجنازة للرجال، دون النساء.
وأنه يستدلّ به على أن حمل الجنازة يختصّ بالرجال، للإتيان فيه بضمير المذكر، ولا يخفى ما فيه. قاله في «الفتح» [«فتح» ج ٣ ص ٥٣٩]. وقال ابن الملقّن -: الخطاب بالإسراع للرجال، فإن النساء يضعفن عن الحمل، وربّما انكشف بعض أبدانهنّ. انتهى. [«الإعلام» ج٤ ص ٤٧٠]
3 – “(منها): استحباب المبادرة إلى دفن الميت، لكن بعد أن يُتَحَقّق أنه مات، أما مثل المطعون، والمفلوج، والمسبوت [في الحاشية: “المطعون«هو المصاب بالطاعون، وهو داء معروف. و»المفلوج«: هو المصاب بالفالج. و»المسبوت«: هو المصاب بالغشية، يقال: سُبت المريض: إذا غُشي عليه.
وقد اعترض بعض المحققين على تحديد تحقق موت مثل هؤلاء باليوم والليلة، وقال: الأولى عدم التحديد، بل يُرجَع إلى العلامات الدالة على الموت، فمتى وُجد منها ما يدلّ على يقين الموت اكتفي بذلك، وإن لم يمض يوم وليلة. انتهى.
قال الأتيوبي: هو وجيه حسنٌ. واللَّه تعالى أعلم.”.]، فينبغي أن لا يُسرع بدفنهم حتى يمضي يوم وليلة، ليُتَحقّق موتهم، نبّه على ذلك ابن بزيزة. [راجع»الفتح” ج ٣ ص ٥٣٩ – ٥٤٠]
قلت سيف بن دورة: هو يرجع لأهل الاختصاص فتطور الطب والأجهزة له اعتبار .
ومع هذا التطور الذي نعيشه في كافة المجالات ومنها الطب يبقى علم الانسان قاصر أمام علم الله وقدرته فإلى الآن الطب لم يستطع حسم مسألة الموته الدماغية . فلم توجد أجهزة تستطيع معرفة ما هية الروح.
4 – “(منها): أن فيه إكرام أهل الخير والصلاح، إذا ماتوا بالمبادرة إلى الوصول إلى جزاء ما قدّموه، من الأعمال الصالحة، وجزاؤها من فضل اللَّه تعالى ورحمته. ومنها: أن فيه تقليل مصاحبة أهل الشرّ، إلا فيما شُرع عند موتهم، كتجهيزهم، ودفنهم، وذلك لبعدهم عن رحمة اللَّه تعالى، فلا مصلحة في مصاحبتهم، وكذا ينبغي اجتناب مصاحبة أهل البَطالة، وغير الصالحين. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [ذخيرة العقبى في شرح المجتبى، بتصرف].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى):
في اختلاف أهل العلم في مشروعية الإسراع بالجنازة، وفي حدّه:
قال الحافظ وليّ الدين –رحمه الله تَعالى-: حكى البيهقيّ في «المعرفة» عن الشافعيّ: أن الإسراع بالجنازة هو فوق سجيّة المشي، وحكى عنه ابن المنذر، وابن بطّال أنه سجيّة المشي، والأول أثبت، ويوافقه قول أصحابنا، وهذه عبارة الرافعيّ والنوويّ: المراد بالإسراع فوق المشي المعتاد، دون الخَبَب، وكذا قال الحنفيّة، وهذه عبارة صاحب «الهداية»: ويمشون به مسرعين، دون الخبب.
وحكى ابن قُدامة، عن القاضي، من الحنابلة أن المستحبّ إسراع، لا يخرج عن المشي المعتاد، قال: وهو قول الشافعيّ، قال: وقال أصحاب الرأي: يَخُبّ، ويرمُلُ.
وقال ابن المنذر بعد ذكره هذا الحديث: وروي ذلك عن عمر بن الخطاب، وعمران ابن حُصين، وأبي هريرة، قال: وقال الشافعيّ: يسرع بالجنازة إسراع السجيّة، مشي الماشي، قال: وقال أصحاب الرأي: العجلة أحبّ إلينا من الإبطاء بها. وروى ابن أبي شيبة الوصيّةَ به عن عمر، وعمران بن حُصين، وأبي هريرة، وعلقمة، وأبي وائل، وعلي بن الحسين.
وعن أبي الصدّيق الناجيّ: إن كان الرجل ليتقطّع شِسْعُهُ في الجنازة، فما يدركها، وما يكاد أن يدركها.
وعن ابن عمر: لَتُسرعنّ بها، أو لأرجعنّ.
وعن الحسن، ومحمد [أي الحسن البصري، ومحمد بن سيرين] أنهما كانا يعجبهما أن يسرع بالجنازة. وكان الحسن إذا رأى منهم إبطاء قال: امضوا، لا تحبسوا ميتكم.
وعن عبد اللَّه بن عمرو بن العاص أن أباه أوصاه، فقال: إذا أنت حملتني على السرير، فامش بي مشيًا بين الماشيين.
وحكى الطحاوي في المسألة خلافًا، فحكى عن قوم أن السرعة بالجنازة أفضل، قال: وهو قول أبي حنيفة، وصاحبيه، وجمهور العلماء، قال: وخالفهم آخرون، وقالوا: المشي بها مشيًا ليّنا أفضل.
وقال القاضي عياض: معنى هذا الإسراع عند بعضهم ترك التراخي في المشي بها، والتباطؤ، والزَّهْوِ في المشي، ويكره الإسراع الذي يشقّ على من تبعها، ويحرك الميت، وربما كان سبب خروج شيء منه،
وعلى هذا حملو نهي مَن نهى من السلف عن الدَّبيب بها دبيب اليهود، وأمر بالإسراع، وجمعوا بينه وبين من رُوي عنه النهي عن الإسراع.
واستدلّوا بما جاء في الحديث مفسّرًا عنه – ﷺ -: «هو ما دون الخَبَب»، وفي حديث آخر: «عليكم بالقصد في جنائزكم».
وهو قول جمهور العلماء، وأبي حنيفة، وأصحابه، والشافعيّ، وابن حبيب من أصحابنا، وحمل بعضهم ما جاء في ذلك من الآثار عن السلف على الخلاف في المسألة، والجمع بينهما على ما تقدّم انتهى.
ورجّح القاضي عياض نفي الخلاف في المسألة، وأن من أمر بالإسراع أراد به المتوسّط، ومن نهى عنه أراد المفرط، ويوافق هذا كلام النوويّ، فإنه بعد أن نقل عن الشافعية وغيرهم استحباب الإسراع، قال: وجاء عن بعض السلف كراهة الإسراع، وهو محمول على الإسراع المفرط الذي يُخاف معه انفجارها، أو خروج شيء منها. انتهى.
قال الحافظ ولي الدين –رحمه الله-: ولنذكر الأحاديث في ذلك، فنقول:
روى أبو داود بسند صحيح من رواية عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه: أنه كان في جنازة عثمان بن أبي العاص، وكنا نمشي مشيًا خفيفًا، فلَحِقَنا أبو بكرة، فرفع سوطه، وقال: «لقد رأيتنا، ونحن مع رسول اللَّه – ﷺ – نرمُلُ رَمَلًا». وفي رواية له: “في جنازة عبد الرحمن بن سمُرة»، بدل «عثمان بن أبي العاص»، ورواه النسائيّ، وقال في روايته: «عبد الرحمن بن سمُرة»، وقال: «وإنا لنكاد نَرْمُلُ بها رَمَلًا».
وروه الحاكم في «مستدركه» مختصرًا بدون القصّة التي في أوله، بلفظ: «وإنا لنكاد»، وصحّح إسناده.
وروى أبو داود، والترمذيّ، وابن ماجه، من رواية أبي ماجدة، عن ابن مسعود، قال: سألنا رسول اللَّه – ﷺ – عن المشي مع الجنازة؟، فقال: «ما دون الخبب» الحديث.
قال الترمذيّ: حديث غريب، لا نعرفه من حديث ابن مسعود، إلا من هذا الوجه، وسمعت محمد بن إسماعيل يضعّفه، وقال: قال الحميديّ: قال ابن عُيينة: قيل ليحيى: مَن أبو ماجدة هذا؟ قال: طائر طار، فحدّثنا.
وقال النوويّ: اتفقوا على ضعفه، وأن أبا ماجدة مجهول، منكر الحديث.
وفي «الصحيحين» عن عطاء، قال: حضرنا مع ابن عبّاس جنازة ميمونة – رضي الله عنها- بسَرِفَ، فقال ابن عبّاس: «هذه ميمونة، إذا رفعتم نعشها، فلا تزعزعوه، ولا تزلزلوه، وارفُقُوا».
وفي «مصنّف ابن أبي شيبة» عن أبي موسى، قال: مُرّ على النبي – ﷺ – بجنازة، وهي تَمْخَضُ [أي تتحرّك، وتضطرب] كما يمخض الزِّقُّ، فقال: «عليكم بالقصد في جنائزكم». ورواه البيهقيّ في «سننه» بلفظ: «عليكم بالقصد في المشي بجنائزكم».
قال [الأتيوبي]: وفي سنده ليث بن أبي سُليم، وهو متروك. واللَّه تعالى أعلم.
وهو في الضعيفة 3896
قال ولي الدين: واستدلّ والدي –رحمه الله- في «شرح الترمذيّ» على أن المراد التوسط بين شدّة السعي، وبين المشي المعتاد بقوله في حديث أبي بكرة: «وإنا لنكاد أن نرمل»، قال: ومقاربة الرمَل ليس بالسعي الشديد.
قال ولي الدين: وقد عرفتَ أن لفظ أبي داود «نرمُلُ».
وأجاب والدي عن قول ابن عباس أنه -واللَّه أعلم- أراد الرفق في كيفية الحمل، لا في كيفية المشي بها، فإنه خَشِي أن تسقط، أو تنكشف، أو نحو ذلك،
قال: وإن أراد الرفق في السير، فيحتمل أنه كان حصل لها ما يُخشى معه انفجارها، إن أزعجوها في السير، أو أن هذا رأي لابن عباس، والحديث المرفوع أولى بالاتباع. انتهى.
وجزم النووي في «الخلاصة» بذلك الاحتمال، فبوّب على هذه القضية «كراهة شدة الإسراع، مخافة انفجارها»، وكذا بوّب عليه قبله البيهقيّ انتهى كلام ولي الدين –رحمه الله تعالى- [«طرح التثريب» ج ٣ ص ٢٩٠ – ٢٩١].
قال [الأتيوبي] – عفا اللَّه تعالى عنه -: قد تلخّص من هذه الأقوال، وأدلتِها أن الصواب مشروعية الإسراع بالجنازة، لصحة النصوص الواردة في ذلك، كما في أحاديث الباب، لكن يكون إسراعًا لا يؤدي إلى أمر محظور، من سقوط الميت، أو انفجاره، أو حصول الضرر لمن يتبع الجنازة، وبهذا يجمع بين مذهب القائلين بالإسراع، وبين من حُكِي عنهم النهي عنه، فلا اختلاف بينهم في الحقيقة. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل”.[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى].
قلت سيف بن دورة: قول العراقي في أن لفظ أبي داود ( نرمل ) ربما يقصد يبينه لفظة ( لنكاد نرمل ) التي عند النسائي فهي مفصلة وفيها زيادة
فالسنة تعجيل دفن الميت لما روى البخاري ومسلم أن النبي ﷺ قال: أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها عليه، وإن يكن سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم.
وقال ﷺ: إذا مات أحدكم فلا تحبسوه، وأسرعوا به إلى قبره. قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: أخرجه الطبراني بإسناد حسن.
ويسرع بالميت وقت المشي بلا خبب، وحده أن يسرع به بحيث لا يضطرب الميت على الجنازة ولا يشق على ضعفة من يتبعها ولا على حاملها، ويكره بخبب لقوله ﷺ: أسرعوا بالجنازة. أي ما دون الخبب، كما في رواية ابن مسعود: سألنا رسول الله ﷺ عن المشي خلف الجنازة، فقال: ما دون الخبب. رواه أحمد وأبو داود وقد ضعف هذا الحديث البخاري والترمذي وابن عدي والنسائي والبيهقي وغيرهم كما قال الشوكاني.
قال ابن قدامة:
وقول النبي ﷺ: انبسطوا بها، ولا تدبوا دبيب اليهود. يدل على أن المراد إسراع يخرج به عن شبه مشي اليهود بجنائزهم، ولأن الإسراف في الإسراع يمخضها، ويؤذي حامليها ومتبعيها ولا يؤمن على الميت. وقد قال ابن عباس في جنازة ميمونة: لا تزلزلوا وارفقوا فإنها أمكم. انتهى.
قال ابن القيم في زاد المعاد 1/498 :
[فَصْلٌ في أبْحاثُ المَشْيِ أمامَ الجِنازَةِ والإسْراعِ بِها] ….
وكانَ يَأْمُرُ بِالإسْراعِ بِها، حَتّى إنْ كانُوا لَيَرْمُلُونَ بِها رَمَلًا، وأمّا دَبِيبُ النّاسِ اليَوْمَ خُطْوَةً خُطْوَةً، فَبِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ مُخالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ، ومُتَضَمِّنَةٌ لِلتَّشَبُّهِ بِأهْلِ الكِتابِ اليَهُودِ. وكانَ أبو بكرة يَرْفَعُ السَّوْطَ عَلى مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ ويَقُولُ: («لَقَدْ رَأيْتُنا ونَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ نَرْمُلُ رَمَلًا»).
«قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ – رضي الله عنه- سَألْنا نَبِيَّنا – ﷺ – عَنِ المَشْيِ مَعَ الجِنازَةِ، فَقالَ: (ما دُونَ الخَبَبِ)، رَواهُ أهْلُ السُّنَنِ
وهذه فتوى للجنة الدائمة حول سؤال ورد مفاده:
س ١: هل من السنة الإسراع عند حمل الميت إلى المقبرة، وهل هناك حديث في فضل حمل الجنازة؟
ج ١: نعم يسن الإسراع عند حمل الميت فوق المشي المعتاد ودون الخبب لما ورد عن النبي – ﷺ – أنه قال: «أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم (١)» متفق عليه، ولما رواه أبو داود في سننه عن أبي بكرة قال: «لقد رأيتنا ونحن نرمل رملا مع رسول الله – ﷺ – يعني بالجنازة (٢)»
أما حمل الجنازة فمن السنة أن يشارك من شيع الجنازة في حملها اقتداء برسول الله – ﷺ – فقد ثبت عنه – ﷺ – أنه حمل جنازة سعد بن معاذ بين العمودين وقد فعله الصحابة ولنا فيهم أسوة حسنة، روى ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي الدرداء: «من تمام أجر الجنازة أن تشيعها من أهلها وأن تحمل بأركانها الأربعة وأن تحثوا في القبر »رواه ابن أبي شيبة في (المصنف) ٣\٢٧٨. وهذا مما لا يقال بالرأي ويقتضي أنه سنة النبي – ﷺ – في ذلك.
قال ابن التركماني :
وفي هذا الباب اثر جيد تركه البيهقي وذكر هذا الاثر المنقطع قال ابن أبي شيبة في المصنف ثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن عامر بن جشيب وغيره من اهل الشام قالوا قال أبو الدرداء من تمام اجر الجنازة ان تشيعها من اهلها وان تحمل باركانها الاربعة وان تحثو في القبر وهذا سند صحيح – قال (باب من حمل الجنازة فوضع السرير على كاهله بين العمودين) ذكر فيه (عن الشافعي انا الثقة من اصحابنا عن اسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه عيسى بن طلحة رأيت عثمان يحمل بين عمودي سرير امه) – قلت – في هذا السند مجهول واسحاق هذا قال ابن حنبل والنسائي متروك وقال القطان شبه لا شئ وقال ابن معين ليس بشئ لا يكتب حديثه ثم ذكر البيهقي (عن ابن ماهك انه رأى ابن عمر في جنازة رافع قائما بين قائمتي السرير) – قلت في سنده مجهول وقد صح عن ابن عمر الاخذ بالجوانب الاربعة قال ابن أبي شيبة في مصنفه ثنا هشيم عن يعلي بن عطاء عن الازدي هو علي بن عبد الله قال رأيت ابن عمر في جنازة فحمل بجوانب السرير الاربعة فبدأ بالميا من ثم تنحى عنها فكان منها بمزجر كلب وهذا سند صحيح على شرط مسلم…….
____
(المسألة الثانية): أحكام: حَمْلُ الجنازةِ وتشييعُها:
المطلب الأوَّل: حُكمُ حَمْل الجنازةِ:
حملُ الجِنازة فرضُ كفايةٍ.
الدليل من الإجماع: نقل الإجماعَ على ذلك النوويُّ، وابن مُفلح، والمَرْداويُّ، وابن حجر الهيتميُّ، والشربينيُّ.
حيث قال النووي: (حمل الجِنازَة فرض كفاية ولا خلاف فيه). ((المجموع)) (5/270).
وقال ابنُ مُفلِح: (باب حمْل الجنائز، وهو فرضُ كِفايةٍ [إجماعًا]). ((الفروع وتصحيح الفروع)) (3/363).
وقال المَرداويُّ: (حمْله ودفنه: فرضُ كفايةٍ إجماعًا). ((الإنصاف)) (2/387)
وقال ابن حجر الهيتميُّ: («وتكفينُه والصَّلاة عليه» وحمْلُه، وكان سببُ عدَم ذِكره له- وإن ذَكَره غيره- أنَّه قد لا يجب بأن يُحفَر له عند محلِّه، ثم يُحرَّك لينزل فيه، (ودفنه) وما أُلحِق به كإلقائِه في البحر، وبناءِ دكَّة عليه على وجه الأرض بشَرْطهما الآتي (فروض كفاية) إجماعًا). ((تحفة المحتاج)) (3/98).
قال الشِّربينيُّ: («وتَكفينه، والصَّلاة عليه» وحمْلُه «ودفنُه؛ فروضُ كفاية»؛ للإجماعِ على ما حكاه في أصل الرَّوضة، وللأمر به في الأخبار الصَّحيحة في غير الدَّفنِ). ((مغني المحتاج)) (1/332).
المطلب الثاني: حُكمُ تشييعِ الجِنازة:
يُسَنُّ اتِّباعُ الجِنازة للرِّجالِ، وهذا باتفاق المذاهب الفقهية الأربعة: الحَنفيَّة، والمالكية، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ فيه الإجماعُ، قال النووي: (قال الشافعي والأصحاب: يُستحَبُّ للرِّجالِ اتِّباعُ الجِنازَة حتى تُدفَن، وهذا مُجمَعٌ عليه؛ للأحاديثِ الصَّحيحة فيه) ((المجموع)) (5/277).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة: عن البَراءِ بنِ عازبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: ((أمَرَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسبعٍ، ونَهانا عن سبعٍ: أمَرَنا بعيادَةِ المَريضِ، واتِّباعِ الجِنازة، وتَشْميتِ العاطِسِ، وإجابَةِ الدَّاعي، ورَدِّ السَّلامِ، ونَصْرِ المَظْلومِ، وإبْرارِ المُقْسِمِ… ))[رواه البخاري (6222)، ومسلم (2066)].
المطلب الثالث: حُكمُ تشييعِ المرأة للجِنازة: (هل يجوز اتباع للنساء اتباع الجنائز ؟)
اختلف أهلُ العلم في حُكْم تشييعِ المرأةِ للجِنازة على أقوالٍ؛ أقواها قولان:
القول الأول: يُكْرَه للمرأةِ اتِّباعُ الجِنازة، وهو مَذهَب الشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وقولُ بَعضِ السَّلَف.
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة:
عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: ((نُهِينَا عن اتِّباعِ الجنائِزِ، ولم يُعْزَمْ علينا ))[أخرجه البخاري (1278) واللفظ له، ومسلم (938)].
قولها: (وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنا) معناه نُهِينا نَهْيًا غيرَ مُحَتَّمٍ، وهو محمولٌ على كراهَةِ التَّنزيهِ. [ ((المجموع)) (6/277). قال ابن حجر في معنى ((لم يعزم علينا)): (أي: لم يُؤَكِّدْ علينا في المنْعِ كما أكَّد علينا في غيرِه مِن المنهيَّاتِ؛ فكأنَّها قالتْ: كَرِه لنا اتِّباعَ الجنائِزِ مِن غيرِ تَحريمٍ) ((فتح الباري)) لابن حجر (3/145).]
القول الثاني: يَحْرُم عليهِنَّ اتِّباعُ الجِنازة، وهو مذهَبُ الحَنفيَّة، وهو قولُ ابنِ بازٍ، وابنِ عُثيمين.
أولًا: من السُّنَّة
عن أمِّ عطيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، قالت: ((نُهِينَا عن اتِّباع الجنائِزِ، ولم يُعْزَمْ عَلَيْنا ))[أخرجه البخاري (1278) واللفظ له، ومسلم (938)].
النَّهْيُ في الحديث للتَّحريمِ؛ لأنَّ الأَصْلَ في النَّهيِ التَّحريمُ.((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/344)
ثانيًا: لِمَا يُخْشَى في ذلك من الفتنة لهنَّ وبِهِنَّ، وقلة صَبْرِهن. ((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/344). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/330).
المطلب الرابع: حُكمُ تغطيةِ نَعْش المرأة:
اتفَّقَتِ المذاهِبُ الفقهيَّةُ الأربعةُ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة على استحبابِ تغطيةِ، نَعْشِ المرأة بالمكبَّةِ؛ وذلك لتُسْتَرَ عن أَعْيُنِ النَّاسِ.
قال ابن عثيمين: (أمَّا الرجُلُ فلا يُسَنُّ فيه هذا، بل يبقى كما هو عليه؛ لأنَّه فيه فائدة، وهي: قوَّةُ الاتِّعاظ إذا شاهده مَن كان معه بالأمسِ جُثَّةً على هذا السَّريرِ، وإن سُتِرَ بعباءةٍ كما هو معمولٌ به عندنا فلا بأس). ((الشرح الممتع)) (5/357). وعند المالكيَّة لا بأس بسَتْرِ النَّعْشِ للرجُلِ. ينظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (3/34)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/128). ونصَّ الحنابلة على سُنِّيَّة تغطية النعش مبالغةً في ستر الميت. ينظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/357)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (2/108).
[تنبيه]: “لا يُشْرَع تغطيةُ المَيِّت بغطاءٍ مكتوبٍ عليه آياتٌ من القرآنِ كآيةِ الكُرْسِيِّ، أو غيرها؛ فليس لذلك أصْلٌ، وهو في الحقيقة امتهانٌ لكلامِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، بجعْلِه غطاءً يَتَغَطَّى به الميِّتُ، وهو ليس بنافعٍ المَيِّتَ بشيءٍ. ينظر: ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/168).
المطلب الخامس: حُكمُ حَمْلِ المَيِّتِ بالدابَّة ونحوها:
لا بَأْسَ بحَملِ المَيِّت على دابَّةٍ لغَرَضٍ صحيحٍ كبُعْدِ قَبرِه ونحوه؛ نصَّ عليه الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلَة؛ وذلك للحاجَةِ.
قال ابن عثيمين: (الأفضلُ حَمْلُها على الأكتافِ؛ لِمَا في ذلك من المباشَرَةِ بحمل الجِنازَة؛ ولأنَّه إذا مرَّتِ الجِنازَةُ بالنَّاس في الأسواقِ عرفوا أنَّها جِنازَة ودَعَوْا لها، ولأنَّه أبعَدُ عن الفَخْر والأبَّهة، إلَّا أن يكون هناك حاجةٌ، أو ضرورة؛ فلا بأسَ أن تُحْمَلَ على السيَّارة، مثل: أن تكون أوقاتَ أمطارٍ، أو حرٍّ شديدٍ، أو برد شديدٍ، أو قلَّة المشَيِّعين). ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (17/166).
وفي التعليق الكبير في المسائل الخلافية لابي يعلى الفراء :
قال أبو طالب: سألت أحمد عن الجنازة تحمل على الدابة الصغير والكبير إذا كان مكانًا بعيدًا؟ قال: نعم.
المطلب السادس: صفةُ حَمْلِ الجنازةِ:
تُحْمَلُ الجِنازة كيفما تيَسَّرَ، سواءٌ كان حَمْلُها بالتَّربيعِ أو بينَ عمودينِ، وقال النووي: ( (والثالث) هما سواءٌ في الفضيلة؛ حكاه الرافعي رحمه الله). ((المجموع)) (5/270).
وهذا مذهَبُ المالِكيَّة، ووجهٌ عند الشَّافعيَّة، وهو قولُ داودَ الظاهريِّ، واختاره ابنُ عُثَيمينَ.
والتربيع: هو الأخذ بجوانبِ السَّريرِ الأربعِ. ((المغني)) لابن قدامة (2/357).
الأدلَّة من الآثارِ:
1- عن أبي الدرداء: (من تمامِ أَجْرِ الجِنازة أن تُشَيِّعَها من أهلِها، وأن تَحْمِلَ بأركانِها الأربعة، وأن تَحْثُوَ في القَبرِ)[أخرجه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11283)، وابن المنذر في ((الأوسط)) (3192)، وجَوَّدَ إسنادَه ابنُ المُلَقِّن في ((البدر المنير)) (5/224 ).]
2- عن إبراهيمَ بنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ قال: (رأيتُ سعدَ بنَ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه في جِنازة عبد الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ قائمًا بين العَمودينِ المُقَدَّمينِ، واضعًا السَّريرَ على كاهِلِه)[أخرجه الشافعي في ((الأم)) (2/603)، والبيهقي (7083). قال النووي في ((خلاصة الأحكام)) (2/994)، و ابن الملقِّن في ((البدر المنير)) (5/222): إسناده على شرط الصحيحين]
فإن كِلا الأمرينِ قد ورد عن الصَّحابةِ؛ ممَّا يدلُّ على جوازِهما.
قال حمد الحمد في شرح الزاد :
هكذا يكون التربيع وهو الأفضل عند الحنابلة.
– واستحب الشافعية أن يحمله بين العمودين. وقال المؤلف هنا:
(ويباح بين العمودين)
أي أن يضع رأسه بين العمودين ويجعل الجنازة على كاهله وقد صح ذلك عن سعد بن أبي وقاص، فقد ثبت في سنن البيهقي عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: (رأيت سعد بن أبي وقاص مع جنازة عبد الرحمن بن عوف قائمًا بين العمودين واضعًا الجنازة على كاهله) (٢).
وذكر ابن المنذر ذلك عن عثمان وسعد بن مالك «وهو سعد بن أبي وقاص» وابن عمر وأبي هريرة وابن الزبير.
– وعن الإمام أحمد: أنهما سواء.
والذي يظهر أن الأفضل أن يحمل بجوانبها كلها وهو التربيع؛ وذلك لأن ما تقدم أقوى؛ لأن فيه ما تقدم في الحديث الثابت عن ابن مسعود وفيه أن ذلك من السنة، ويشهد له الأثر الوارد عن أبي الدرداء وله حكم الرفع، ففي ذلك رفع إلى النبي ﷺ، وهذا أثر موقوف عن سعد فكان الأول أولى.
قلت سيف بن دورة: أثر ابن مسعود (…..
فإنه من السنَّة، ثم إن شاء فليتطوع، وإن شاء فليدع). وهو منقطع؛ لأن أبا عبيدة لم يدرك أباه. قاله ابن الملقن في البدر المنير (٤/ ٢٤: ب) ثم إنه اختلف في إسناده على منصور بن المعتمر، وقد ساق أوجه الاختلاف الإمام الدارقطني في العلل (٢/ ٢٥: ب)، وبيّن أوجهها، فليراجع.
وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه (١/ ٢٦٤): [هذا إسناد موقوف، رجاله ثقياث، وحكمه الرفع، إلّا أنه منقطع، فإن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه شيئًا، قاله أبو حاتم -كما في المراسيل (ص ٢٥٦) …]-.
وينقل عن بعض الأئمة ان رواية أبي عبيدة عن أبيه صحيحه بالاعتبار .
وأما أثر أبي الدرداء، عامر بن جشيب، قال في التقريب (٢٨٧: ٣٠٨٧): وثّقه الدارقطني، وقال: لم يسمع من أبي الدرداء.
أما اثر عبدالرحمن ففي المطالب العالية
٨١٣ – وقالَ [أبُو يَعْلى: حَدَّثَنا سَعْدُ بْنُ إبْراهِيمَ، حدثنا أبي، (حَدَّثَنا أبِي)] عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قالَ: رَأيْتُ سَعْدَ بْنَ أبِي وقّاصٍ [فِي جَنازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ] قائِمًا بَيْنَ العَمُودَيْنِ المتقدمين واضعًا السرير على [كاهله] واسناده صحيح
قال ابن عثيمين ونقل الأقوال والاثار: والذي يظهر لي في هذا: أن الأمر واسع، وأنه ينبغي أن يفعل ما هو أسهل، ولا يكلف نفسه، فقد يكون التربيع صعبًا أحيانًا، فيما إذا كثر المشيعون فيشق على نفسه وعلى غيره. وأما الحمل بين العمودين فهو شاق أيضًا، اللهم إلا إذا كان هناك عمودان يلتقيان عن قرب، بحيث يكون كل عمود على عاتقٍ، فيمكن أن يكون سهلًا.
هذا إذا كان الميت محمولًا على نعش، وإن كان صغيرًا فيحمل بين الأيدي إذا كان لا يشق.
المطلب السابع: مكانُ المُشاةِ والرُّكبانِ المُتَّبعينَ للجِنازة:
الفرع الأول: مكانُ المُشاةِ المُتَّبعينَ للجِنازة:
اختلف أهلُ العِلمِ في الأفضل لِمَنْ تَبِعَ الجِنازة من المُشاة: هل يكون أمامَها أو خَلْفَها؛ على ثلاثةِ أقوال:
القول الأول: الأفضلُ لِمَن تَبِعَ الجِنازة من المُشاةِ أن يكون أمامَها، وهو مذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ بعضِ السَّلَف، وقال به أكثرُ أهلِ العلمِ، وكان يفعَلُه أكثرُ الصَّحابةِ، وحُكي فيه إجماعُهم؛ وذلك لأنَّه شفيعٌ، وحَقُّ الشَّفيعِ أن يتقَدَّم.
قال أبو الوليد الباجي: (قولُه: إنَّه رأى عمر بن الخطاب يَقْدُمُ النَّاسَ أمام الجِنازَة على نحو ما ذكرناه من رواية ابن شهاب، وزاد في هذا أنَّه بين أنَّه مِمَّا كان يأمر به ويأخُذُ النَّاس بالتزامِه والعمل به، وقد فعل ذلك عمرُ بحضرة الصَّحابة لا سيما في مثل جِنازَة زينبَ بنتِ جَحشٍ زوجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فإنَّه لا يتخلَّفُ عنها أحدٌ إلا لعُذرٍ، ثم لم يَثْبُتْ في ذلك إنكارٌ من أحد، فثبت أنَّه إجماع). ((المنتقى شرح الموطأ)) (2/9).
القول الثاني: أنَّ الأفضلَ لِمَنْ تَبِعَ الجِنازة مِنَ المشاةِ أن يمشي خَلْفَها، وهو مذهَبُ الحَنفيَّة، وقولٌ عند المالِكيَّة، وقال به بعضُ السَّلَفِ، وهو قولُ ابنِ حزمٍ.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن البَراءِ بنِ عازب رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((أَمَرَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسَبْعٍ، ونهانا عن سبعٍ: أمَرَنا باتِّباعِ الجَنائِز.. )) أخرجه البخاري (1239) واللفظ له، ومسلم (2066).
أنَّ لَفْظَ الاتِّباعِ لا يقَعُ إلَّا على التَّالي، ولا يُسَمَّى المتقدِّمُ تابعًا، بل هو متبوعٌ.
ثانيًا: من الآثار
عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ الله عنه، قال: (المَشيُ خَلْفَها أفضَلُ من المَشْيِ أمامَها؛ كفضلِ صلاةِ الرَّجُلِ في جماعةٍ على صلاتِه فذًّا)[أخرجه ابن أبي شيبة (11239)، وأحمد (754)، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (2761)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (6868). صححه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/482)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (3/219): إسناده حسن، وهو موقوف له حكم المرفوع. وقال الألباني في ((أحكام الجنائز)) (96): (رُوِيَ من طريقينِ يتقَوَّى أحدهما بالطريق الآخر)].
ثالثًا: لأنَّها متبوعةٌ؛ فيجب أن تُقَدَّمَ كالإمامِ في الصَّلاة.
القول الثالث: الماشي المتقدِّمُ على الجِنازة والمتأخِّرُ عنها، كلاهما سواءٌ، وهو قولٌ عند الحَنابِلَة، وبه قالت طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ، واختاره الطبريُّ، والبخاري والشوكانيُّ، وابنُ عثيمينَ؛ وذلك لأنَّ فيه توسعةً على المُشَيِّعين، وهو يوافِقُ سُنَّةَ الإسراعِ بالجِنازة، وأنَّهم لا يلزمونَ مكانًا واحدًا يَمشونَ فيه؛ لئلَّا يَشُقَّ عليهم.
ذكر البخاري تعليقا بصيغة الجزم قول انس : أنتم مشيعون فامشوا بين يديها وخلفها وعن يمينها وعن شمالها ووصله ابن أبي شيبة باسناد صحيح .
اما حديث ان النبي صلى الله عليه وسلم وابا بكر وعمر وعثمان كانوا يمشون أمام الجنازة فاعتبره ابن المبارك والبخاري واحمد والترمذى والنسائي والدارقطني وهم راجع عون المعبود باب المشي أمام الجنازة وهو في أحاديث معلة
بل قال الترمذي اهل الحديث كلهم يرون ان المرسل أصح.
وكذلك حديث المغيرة الراكب يسير خلف الجنازة … رجح الدارقطني الموقوف في العلل 12/179 و 204 و 208
وراجع أيضا موسوعة الإمام أحمد وعون المعبود
لكن سيأتي ان الراكب قد يغبر على المشيعيين.
الفرع الثاني: الرُّكوبُ عند التَّشييعِ:
المسألة الأولى: حُكمُ الرُّكوبِ عند التَّشييعِ:
يُكْرَه الرُّكوبُ في حالِ تشييعِ الجِنازة، وهذا مذهَبُ الجُمهورِ: المالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وقالت به طائفةٌ مِنَ السَّلَفِ.
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
عن جابرِ بنِ سَمُرَة رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((أُتِيَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بفَرَسٍ مُعْرَوْرًى، فرَكِبَه حين انصرف من جِنازة ابنِ الدَّحداحِ، ونحن نمشي حولَه)) [أخرجه مسلم (965)]. وعند أبي داود 3176 ( نسعى حوله صلى الله عليه وسلم )
ومُعْرَوْرًى: أيْ: لا سَرْجَ عليه ولا غَيْرَه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (3/225).
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رَكِبَ حين انصرَفَ مِن جِنازة؛ فدَلَّ على إباحةِ الرُّكوبِ في الرُّجوعِ مِنَ الجِنازة، لا الذَّهابِ معها.((شرح النووي على مسلم)) (7/33).
عن ثوبانَ رَضِيَ اللهُ عنه، ((أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أُتِيَ بدابَّةٍ وهو مع الجِنازة فأبى أن يَرْكَبَها، فلمَّا انصرف أُتِيَ بدابَّةٍ فَرَكِبَ، فقيل له، فقال: إنَّ الملائكةَ كانت تَمْشي، فلم أكُنْ لِأَرْكَبَ وهم يَمشونَ، فلمَّا ذهبوا رَكِبْتُ)) [أخرجه أبو داود (3177)، والحاكم في المستدرك (1314)، والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (6854). قال الحاكم في ((المستدرك)) (1314): صحيح على شرط الشيخين، وصححه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (97)، وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (4/117): رجال إسناده رجال الصحيح، وصححه أيضًا الألباني على شرط الشيخين في ((التعليقات الرضية)) (1/458)].
و رجح البخاري والبيهقي وغيرهما وقفه على ثوبان ( التلخيص ) ولفظ الموقوف: ألا تستحبون ملائكة الله على أقدامهم وأنتم ركبان. قال البيهقي في السنن 4/23 هذا هو المحفوظ بهذا الإسناد الموقوف . انتهى من تخريج سيف بن دورة لسان أبي داود )
ثانيًا: لأنَّ المَشْيَ في الجِنازة أقربُ إلى الخُشوعِ، وأليَقُ بحالِ الشَّفيعِ.
ثالثًا: أنَّ المَشْيَ مع الجِنازة فِعْلُ بِرٍّ، وموضِعُ تواضُعٍ.
المسألة الثانية: موضِعُ الرُّكبانِ من الجِنازة:
الأفضلُ لِمَنْ تَبِعَ الجِنازة راكبًا أن يكون خَلْفَها، وهو مذهَبُ الجمهورِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والحَنابِلَة، وهو قولُ ابنِ حزمٍ.
إلَّا أنَّ الحنابلة قالوا: لا يُكْرَه أن يمشِيَ مُتَّبِعو الجنائز حيث شاؤوا؛ عن يمينها أو يسارها.
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن البراءِ بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: ((أَمَرَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بسبعٍ، ونهانا عن سبعٍ: أَمَرَنا باتِّباعِ الجَنائِز.. )) [أخرجه البخاري (1239) واللفظ له، ومسلم (2066)].
وَجهُ الدَّلالةِ:
لفظ الاتِّباع لا يقَعُ إلا على التالي، ولا يُسَمَّى المتقدِّمُ تابعًا، بل هو متبوعٌ.
ثانيًا: لأنَّه بِسَيْرِ الرَّاكِبِ أمامَها يتضرَّرُ النَّاسُ بإثارةِ الغُبارِ.
المطلب الثامن: الإسراعُ بالجِنازة:
قال النووي: (المرادُ بالإسراعِ: فوق المشيِ المُعتادِ ودون الخَبَبِ). ((المجموع)) (5/271). وقد تقدم
يُسْتَحَبُّ الإسراعُ بالجِنازة، وهذا باتِّفاقِ المذاهِبِ الفقهيَّةِ الأربعةِ: الحَنفيَّة، والمالِكيَّة، والشَّافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكِيَ الإجماعُ على ذلك.
قال ابنُ قُدامَة: (لا خلافَ بين الأئمَّة- رحمهم الله- في استحبابِ الإسراع بالجِنازة، وبه وَرَدَ النصُّ). ((المغني)) (2/352).
وقال ابن قدامة –رحمه الله-: هذا الأمر بالإسراع للاستحباب، بلا خلاف بين العلماء، وشذّ ابن حزم، فقال بوجوبه انتهى.
قال الأتيوبي رحمه الله: عندي أنه لا وجه للردّ على ابن حزم – رحمه الله تَعالى-، لأن ظاهر النصّ معه، إذ هو أمر، والأمر للوجوب، إلا لدليل، ولا دليل ذكروه هنا، إلا دعوى الإجماع الذي أشار إليه، فإن صحّ فذاك، وإلا فما قاله ابن حزم هو الحقّ، فتنبّه. واللَّه تعالى أعلم. [ذخيرة العقبى في شرح المجتبى].
وقال النووي: (اتَّفقَ العُلماءُ على استحبابِ الإسراعِ بالجِنازَة، إلَّا أن يُخافَ من الإسراعِ انفجارُ المَيِّت أو تغيُّره ونحوه؛ فيُتَأَنَّى). ((المجموع)) (5/271). وخالف ابن حزم وقال بوجوبِ الإسراعِ، قال ابنُ حزم: (يجب الإسراعُ بالجِنازة). ((المحلى)) (3/381).
وعن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((أَسْرِعوا بالجِنازة؛ فإنْ تَكُ صالحةً فخَيْرٌ تُقَدِّمونَها، وإن يَكُ سِوَى ذلك، فشَرٌّ تَضعونَه عن رِقابِكم)). [أخرجه البخاري (1315) واللفظ له، ومسلم (944)]. [الموسوعة الفقهية، بتصرف يسير].
وقال الزرقاني في شرح الموطأ: أسرعوا بجنائزكم أي بحملها إلى قبرها إسراعًا خفيفًا فوق المشي المعتاد والخبب بحيث لا يشق على ضعفة من يتبعها ولا على حاملها ولا يحدث مفسدة بالميت والأمر للاستحباب باتفاق العلماء، وشذ ابن حزم فقال بوجوبه، وقيل المراد شدة المشي، وهو قول الحنفية وبعض السلف، ومال عياض إلى نفي الخلاف، فقال: من استحبه أراد الزيادة على المشي المعتاد ومن كرهه أراد الإفراط كالرمل، والحاصل أنه يستحب الإسراع لكن بحيث لا ينتهي إلى شدة يخاف منها حدوث مفسدة بالميت ومشقة على الحامل أو المشيع لئلا ينافي المقصود من النظافة وإدخال المشقة على المسلم.
قال القرطبي مقصود الحديث أن لا يبطأ بالميت عن الدفن ولأن البطء ربما أدى إلى التباهي والاحتفال، قال ابن عبد البر وتأوله قوم على تعجيل الدفن لا المشي وليس كما ظنوا ويرده قوله تضعونه عن رقابكم وتبعه النووي فقال: إنه باطل مردود بهذا وتعقبه الفاكهاني بأن الحمل على الرقاب قد يعبر به عن المعاني كما يقول حمل فلان على رقبته ديونًا فيكون المعنى استريحوا من نظر من لا خير فيه، قال: ويؤيده أن الكل لا يحملونه.. قال الحافظ: ويؤيده حديث ابن عمر، سمعت رسول الله ﷺ يقول: إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره. أخرجه الطبراني بإسناد حسن … انتهى.
وقد دلت هذه النصوص من كلام الأئمة على أن المراد هو الإسراع الذي لا يشق على المشيعين ولا تحصل به مفسدة للجنازة، وراجع للبسط في الموضوع شرح معاني الآثار للطحاوي والمجموع للنووي