117 مختلف الحديث
مجموعة ابراهيم البلوشي وأبي عيسى البلوشي وفيصل الشامسي وفيصل البلوشي وهشام السوري، وعبدالله المشجري.، وسامي آل سالمين وعلي آل رحمه. وكرم
ومجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم. ونوح وعبدالخالق وموسى الصوماليين. وخميس العميمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
جمع سيف بن دورة الكعبي
بإشراف سيف بن غدير النعيمي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله. ورفع درجته في عليين وحكام الإمارات ووالديهم ووالدينا والمسلمين جميعا)
——-‘——‘
——-‘——‘
كيف التوفيق بين ما أخرجه البخاري
1340 – حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال صلى النبي صلى الله عليه وسلم على رجل بعد ما دفن بليلة قام هو وأصحابه وكان سأل عنه فقال من هذا فقالوا فلان دفن البارحة فصلوا عليه
وبين ما أخرجه مسلم 943 عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- «خطب يوما، فذكر رجلا من أصحابه قُبِض، وكفِّن في كفن غيرِ طائل، وقُبِرَ ليلا، فزجر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقبر الرجل بالليل حتى يُصَلى عليه، إلا أن يضْطر إنسان إلى ذلك، وقال في خطبته: إذا كَفَّنَ أحدكم أخاه فَلْيُحْسِن كَفَنَهُ».
——–‘——
قلنا في شرحنا للبخاري المسمى رياح المسك العطرة:
فوائد الباب:
1 – قوله (باب الدفن بالليل) أي جواز ذلك وأورد أثرا معلقا وحديثا مرفوعا تأييدا لذلك.
2 – أما الأثر المعلق فقد وصله المصنف وفيه قالت عائشة رضي الله عنها في حق أبي بكر “فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح”أخرجه البخاري موصولا في الصحيح 1387 في باب موت الإثنين أواخر كتاب الجنائز. وابن أبي شيبة في المصنف 11956 والصحاوي في شرح معاني الآثار 2938 من طريق عن هشام عن أبيه عن عائشة به.
3 – وقال رجل لعقبه بن عامر ويقبر بالليل؟ قال نعم قبر ابو بكر بالليل. أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف 11950، وابن المنذر في الأوسط، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2939، والطبراني في المعجم الأوسط 8506، والبيهقي في السنن الكبرى 6914 من طريق موسى بن علي عن أبيه به. وسنده صحيح. وعزاه البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة لأحمد بن منيع أيضا. وقال الألباني كما في أحكام الجنائز إسنادها صحيح.
4 – وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل ليلة الأربعاء. أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 11961،والإمام أحمد في مسنده 24333و 26349، وابن المنذر في الأوسط، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2934، والبيهقي في السنن الكبرى 6974 كلهم عن محمد بن إسحق عن فاطمة بنت محمد عن عمرة عن عائشة به. قال البوصيري في إتحاف الخيرة المهرة “رواه أبو بكر بن أبي شيبة بسند ضعيف لتدليس محمد بن إسحاق، ورواه البيهقي” قلت قد صرح بالتحديث عن بعض من نقلت عنهم ومنهم البيهقي فانتفت شبهة تدليسه. فالحديث حسن الإسناد لولا أن فاطمة بنت محمد لم يرو عنها غير اثنين.
5 – حديث ابن عباس سبق شرحه في باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه.
قلت سيف بن دورة: وباب الإذن بالجنازة.
وباب الصفوف على الجنازة
6 – وموضع الشاهد منه قوله (صلى النبي صلى الله عليه وسلم على رجل بعد ما دفن بليلة).أي فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم الدفن ليلا.
7 – وعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- «خطب يوما، فذكر رجلا من أصحابه قُبِض، وكفِّن في كفن غيرِ طائل، وقُبِرَ ليلا، فزجر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقبر الرجل بالليل حتى يُصَلى عليه، إلا أن يضْطر إنسان إلى ذلك، وقال في خطبته: إذا كَفَّنَ أحدكم أخاه فَلْيُحْسِن كَفَنَهُ». أخرجه مسلم 943 وأبو داود 1348 والنسائي 1895 والحاكم في المستدرك 1364 فوهم حيث أخرجه مسلم كما ترى.
8 – ظاهر هذا الحديث فيه النهي عن الدفن بالليل لكن الحديث فيه أن الميت كفن في كفن غير طائل، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه، فعلل بعض أهل العلم النهي بسبب ذلك، لا لكون الدفن قد تم ليلا. ذكر ذلك الطحاوي في شرح معاني الآثار.
9 – وقال العيني في عمدة القارئ قلت: يحتمل أن يكون نهى عن ذلك أولا ثم رخصه. اه وقد أشار إلى احتمال ذلك ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه. قال ابن الجوزي في إعلام العالم بناسخ الحديث ومنسوخه وَأَنَا لَا أَرَى هَذَا مِنْ بَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ فِي شَيْءٍ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا كُرِهَ الدَّفْنُ بِاللَّيْلِ، لِأَنَّ النَّاسَ لَا يَحْضُرُونَ بِاللَّيْلِ غَالِبًا لِلصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ، وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَتَشْيِيعِهِ، وَالنَّهَارُ أَصْلَحُ لِذَلِكَ، ثُمَّ قَدْ تَقَعُ الْحَاجَةُ إِلَى الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ، فَيَفْعَلُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُفِنَ بِاللَّيْلِ، وَكَذَلِكَ فَاطِمَةُ رضي الله عنها.
10 – قال ابن المنذر في الأوسط: “اختلف أهل العلم في الدفن بالليل …. ممن رخص في الدفن بالليل عقبه بن عامر وسعيد بن المسيب وشريح وعطاء بن أبي رباح وسفيان الثوري والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق ….. وكان الحسن البصري يكره الدفن بالليل قال أبو بكر (أي ابن المنذر) الدفن بالليل مباح”.
11 – وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَال فِي ذَلِكَ – وَاَللَّه أَعْلَم -: أَنَّهُ مَتَى كَانَ الدَّفْن لَيْلًا لَا يَفُوت بِهِ شَيْء مِنْ حُقُوق الْمَيِّت وَالصَّلَاة عَلَيْهِ , فَلَا بَاس بِهِ , وَعَلَيْهِ تَدُلّ أَحَادِيث الْجَوَاز , وَإِنْ كَانَ يَفُوت بِذَلِكَ حُقُوقه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَتَمَام الْقِيَام عَلَيْهِ , نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ , وَعَلَيْهِ يَدُلّ الزَّجْر , وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيق قاله ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود.
=======
*في المغني لابن قدامة -رحمه الله-:*
فأما الدفن ليلا فقال احمد وما بأس بذلك وقال: أبو بكر دفن ليلا، وعلي دفن فاطمة ليلا، وحديث عائشة: كنا سمعنا صوت المساحي من آخر الليل في دفن النبي صلى الله عليه وسلم، وممن دفن ليلا عثمان وابن مسعود، ورخص فيه عقبة بن عامر وسعيد بن المسيب وعطاء والثوري والشافعي واسحق،
وكرهه الحسن لما روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا أن أصحاب قبض وكفن في كفن غير طائل ودفن ليلا فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك،
وقد روي عن أحمد أنه قال: إليه أذهب ولنا ما روى ابن مسعود قال: والله لكأني أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك وهو في قبر ذي النجادين وأبو بكر وعمر وهو يقول (أدنيا مني أخاكما حتى أسنده في لحده) ثم قال لما فرغ من دفنه وقام على قبره مستقبل القبلة (اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه) وكان ذلك ليلا قال فوالله لقد رأيتني ولوددت أني مكانه، ولقد أسلمت قبله بخمس عشرة سنة، وأخذ من قبل القبلة. رواه الخلال في جامعه،
وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج فأخذ من قبل القبلة وقال (رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن) قال الترمذي هذا حديث حسن
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن رجل فقال (من هذا) قالوا: فلان دفن البارحة فصلى عليه. أخرجه البخاري فلم ينكر عليهم، ولأنه أحد الآيتين فجاز الدفن فيه كالنهار وحديث الزجر محمول على الكراهة والتأديب، فإن الدفن نهارا أولى لأنه أسهل على متبعها وأكثر للمصلين عليها وأمكن لاتباع السنة في دفنه والحاده.
*وقالت اللجنة الدائمة للإفتاء:*
يجوز دفن الميت ليلاً لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: مات إنسان كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوده، فمات بالليل فدفنوه ليلاً، فلما أصبح أخبروه، فقال: ما منعكم أن تعلموني؟ قالوا: كان الليل، وكانت ظلمة، فكرهنا أن نشق عليك، فأتى قبره فصلى عليه، رواه البخاري ومسلم، فلم ينكر دفنه ليلاً، وإنما أنكر على أصحابه أنهم لم يعلموه به إلا صباحًا، فلما اعتذروا إليه قبل عذرهم.
وروى أبو داود عن جابر قال: رأى ناس نارًا في المقبرة فأتوها، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقبرة يقول: ناولوني صاحبكم، وإذا هو الذي كان يرفع صوته بالذكر، وكان ذلك ليلاً كما يدل عليه قول جابر: (رأى ناس نارًا في المقبرة .. ) إلخ.
ودفن النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً، روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما علمنا بدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل، ليلة الأربعاء، والمساحي هي الآلات التي يجرف بها التراب، ودفن أبو بكر وعثمان وعائشة وابن مسعود ليلاً،
وما روي مما يدل على كراهية الدفن ليلاً فمحمول على ما إذا كان التعجيل بدفنه ليلاً يخل بالصلاة عليه كما جاء ذلك في الحديث الصحيح، أو من أجل أن لا يساء كفنه، ولأنه أسهل على من يشيع جنازته وأمكن لإحسان دفنه، واتباع السنة في كيفية لحده،
وهذا إذا لم توجد ضرورة إلى تعجيل دفنه، وإلا وجب التعجيل بدفنه ولو ليلاً.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
*وقال العباد -حفظه الله- في شرح السنن:*
والدفن في الليل يترتب عليه شيئان،
أولاً: أن الكفن قد يكون غير كاف،
والأمر الثاني: أنه يفوت وجود جماعة كثيرة حتى تصلي على الميت،
فالدفن في النهار هو الأولى، وهو الذي ينبغي، إلا إذا دعت الحاجة إلى الدفن ليلاً فلا بأس بذلك، لاسيما إذا كان العدد سيصلّون عليه مثل الذين سيصلون عليه في النهار، وذلك كأن يصلي الناس صلاة العشاء ثم يصلون عليه ويدفنونه، فإن العدد الذي يمكن أن يصلي عليه في النهار يمكن أن يصلي عليه مثله في الليل،
وأما إذا كان الدفن بعد منتصف الليل مثلاً، فإنه قد يصلي عليه عدد قليل، وقد يكون الكفن غير كافٍ؛ لأن الناس نائمون، فليس هناك مجال للذهاب إلى السوق والإتيان بكفن كاف، فهذه من الأمور التي تحصل في الدفن ليلاً، ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إذا كفن أحدكم أخاه فليُحسن كفنه) أي: يكون الكفن نظيفاً أبيض كما جاء في بعض الروايات، وأن يكون كافياً.
*قال الألباني -رحمه الله- في كتابه أحكام الجنائز (باختصار):*
92 – ولا يجوز الدفن في الاحوال الاتية إلا لضرورة:
أ – الدفن في الاوقات الثلاثة …….
ب – في الليل لحديث جابر رضي الله عنه: ” أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلا، فزجر البني صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ”
أخرجه مسلم وغيره وقد سبق في المسألة (35 ص 56) والحديث ظاهر الدلالة على ما ذكرنا، وهو مذهب أحمد رحمه الله في رواية عنه ذكرها في ” الانصاف ” (2/ 547) قال: ” لا يفعله إلا لضرورة، وفي أخرى عنه: يكره “.
قلت: والأول أقرب لظاهر قوله ” زجر ” فانه أبلغ في النهي من لفظ ” نهى ” الذي يمكن حمله على الكراهة، على أن الاصل فيه التحريم، ولا صارف له إلى الكراهة.
لكن يشكل على ما ذكرنا قوله في الحديث ” حتى يصلى عليه “.
فإنه يدل بظاهره أيضا على جواز الدفن ليلا بعد الصلاة لأنها هي الغاية من النهي، فإذا حصلت ارتفع النهي، لكن يرد عليه قوله ” إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ” فإن اسم الاشارة فيه يعود إلى المنهي عنه وهو الدفن ليلا قبل الصلاة إلا عند الضرورة فيجوز.
وهذا بعيد جدا، لان من السهل أن نتصور اضطرار المشيعين للدفن ليلا لأسباب كثيرة كما سيأتي عن ابن حزم ولكننا لا نتصور في وجه من الوجوه أن يضطروا لدفنه دون أن يصلو عليه، ومما يزيده بعدا أن هذا المعنى يجعل قيد ” الليل ” عديم الفائدة، إذ الدفن قبل الصلاة، كما لا يجوز ليلا، فكذلك لا يجوز نهارا، فإن جاز ليلا لضرورة جاز نهارا من أجلها ولا فرق، فما فائدة التقييد ب ” الليل ” حينئذ. لا شك أن الفائدة لا تظهر بصورة قوية إلا إذا رجحنا ما استظهرناه أو لا من عدم جواز الدفن ليلا، وبيان ذلك: أن الدفن في الليل مظنة قلة المصلين على الميت، فنهي عن الدفن ليلا حتى يصلي عليه نهارا، لان الناس في النهار أنشط في الصلاة عليه، وبذلك تحصل الكثرة من المصلين عليه، هذه الكثرة التي هي من مقاصد الشريعة وأرجى لقبول شفاعتهم في الميت كما سبق بيانه في ” المسألة (63)، (ص 96)
قال النووي: في ” شرح مسلم “:
“وأما النهي عن القبر ليلا حتى يصلى عليه، فقيل سببه أن الدفن نهارا يحضره كثير من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد، وقيل لانهم كانوا يفعلون ذلك لرداءة الكفن، فلا يتبين في الليل، ويؤيده أول الحديث وآخره، قال القاضي: العلتان صحيحتان، قال: والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصدهما معا، قال: وقد قيل غير هذا “.
قلت: فإذا عرف أن العلة قلة المصلين وخشية رداءة الكفن، ينتج من ذلك أنه لو صلي عليه نهارا، ثم تأخر دفنه لعذر إلى الليل أنه لا مانع من دفنه فيه لانتفاء العلة وتحقق الغاية وهي كثرة المصلين، وعليه فهل يجوز
التأخر بدفن الميت في النهار تحصيلا للغاية المذكورة، استحسن ذلك الصنعاني في ” سبل السلام ” (2/ 166)، ولست أرى ذلك لان العلة المذكورة مقيدة فلا يجوز تعديتها إلى النهار لوجود الفارق الكبير بين الظرفين، فإن القلة في الليل أمر طبيعي، بخلاف النهار فالكثرة فيه هي الطبيعي، ثم إن هذه الكثرة لا حد لها فكلما تؤخر بالميت زادت الكثرة، ولذلك نرى بعض المترفين الذين يحبون الظهور رياء وسمعة، ولو على حساب الميت قد يؤخرونه اليوم واليومين ليحضر الجنازة أكبر عدد ممكن من المشيعين.
فلو قيل بجواز ذلك لأدى إلى مناهضة الشارع في أمره بالإسراع بالجنازة على ما سبق بيانه في المسألة (17) (ص 13) بعلة الكثرة التي لا ضابط لها.
بعد هذا يتبين لنا الجواب عن الإشكال الذي أوردته في قوله ” حتى يصلى عليه ” إذ أنه ظهر أن المراد حتى يصلى عليها نهارا لكثرة الجماعة، كي تبين أن اسم الاشارة في قوله ” إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ” يعود إلى الدفن ليلا ولو مع قلة المصلين، لا إلى الدفن مع ترك الصلاة عليه إطلاقا، فليتأمل فإنه حقيق بالتأمل.
ثم قال النووي في ” شرح مسلم “: ” وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل، فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة، وهذا الحديث مما يستدل له به، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف: لا يكره واستدلوا بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دفنوا ليلا من غير إنكار، وبحديث المرأة السوداء: والرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلا، وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا: توفي ليلا فدفناه في الليل، فقال: ألا آذنتموني، قالوا: كانت ظلمة ولم ينكر عليهم، وأجابوا عند هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل، وإنما لترك الصلاة أو لقلة المصلين أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع كما سبق “.
قلت: والجواب الأول وهو أن النهي كان لترك الصلاة، لا يصح، لأنه لو كان كذلك لم يكن ثمة فرق بين الدفن ليلا أو نهارا كما سبق بيانه، بل الصواب أن النهي إنما كان للأمرين اللذين سبقا في كلام القاضي، ولذلك اختار ابن حزم أنه لا يجوز أن يدفن أحد ليلا إلا عن ضرورة.
واستدل على ذلك بهذا الحديث، ثم أجاب عن الاحاديث الواردة في الدفن ليلا، وما في معناها من الاثار بقوله (5/ 114 – 115): وكل من دفن ليلا منه صلى الله عليه وسلم ومن أزواجه ومن أصحابه رضي الله عنهم، فإنما ذلك لضرورة أو جبت ذلك من خوف الحر على من حضر – وهو بالمدينة شديد – أو خوف تغير أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلا، ولا يحل لاحد أن يظن بهم رضي الله عنهم خلاف ذلك “.
ثم روى كراهة الدفن ليلا عن سعيد بن المسيب، وأقول: ومن الجائز أن بعض من دفن ليلا كانوا صلوا عليه نهارا، وحينئذ فلا تعارض على ما سبق بيانه، وذلك هو الواقع في حقه صلى الله عليه وسلم، فإنهم صلوا عليه يوم الثلاثاء ثم دفنوه ليلة الاربعاء كما ذكر ابن هشام في سيرته (4/ 314) عن ابن اسحاق.
والله أعلم.
*قال الأثيوبي -حفظه الله- في الذخيرة:*
وقال القرطبيّ -رحمه اللَّه تعالى-: أخذ به الحسن، فكره أن يُقبر الرجل بالليل، إلا لضرورة، وذهب الجمهور إلى جواز ذلك، وكأنهم رأوا أن ذلك النهي خاصّ بذلك الرجل، لئلا تفوته صلاة النبي – صلى اللَّه عليه وسلم -، وقيل: يمكن أن يقصدوا بدفنه بالليل ستر إساءة ذلك الكفن الغير الطائل.
قال: وهذه التأويلات فيها بُعْدٌ، ولا تصلح لدفع ذلك الظاهر، لأن النبي – صلى اللَّه عليه وسلم – إنما صدر عنه النهي المطلق بعد دفن الرجل بالليل، فقد تناول النهي غيره قطعًا، فتأمله.
ويمكن أن يُعضد مذهب الحسن بأنه إن قبر ليلًا قلّ المصلون عليه، لأن عادة الناس في الليل ملازمة بيوتهم، ولا يتصرفون فيه، ولأنه إذا قبر ليلا تسومح في الكفن، لأن الليل يستره، ودلّ على صحته قوله – صلى اللَّه عليه وسلم -: “إذا كفّن أحدكم أخاه، فليُحسن كفنه”. انتهى.
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: ما ذهب إليه الحسن البصريّ -رحمه اللَّه تعالى-، هو الأرجح عندي، كما مال إليه القرطبيّ، لظاهر حديث الباب.
*وقال في موضع آخر:*
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن الدفن بالليل ممنوع إلا عند الضرورة؛ لظاهر حديث الباب، والذين دفنوا ليلًا من الصحابة المذكورين – رضي اللَّه عنهم – إنما فُعل بهم ذلك للحاجة، فلا يتعارض مع حديث الباب.
قال أبو محمد ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: ولا يجوز أن يدفن أحد ليلا إلا عن ضرورة، قال: كل من دفن ليلا منه – عليه السلام -، ومن أزواجه، ومن أصحابه – رضي اللَّه عنهم – فإنما ذلك لضرورة أوجبت ذلك، من خوف زحام، أو خوف الحرّ على من حضر، وحرّ المدينة شديد، أو خوف تغيّر، أو غير ذلك، مما يبيح الدفن ليلًا، لا يحلّ لأحد أن ظنّ بهم – رضي اللَّه عنهم – خلاف ذلك.
قال: روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان، ثنا هشام الدستوائيّ، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، أنه كره الدفن ليلاً انتهى كلام ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-.
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: هذا الذي قاله ابن حزم -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى- حسنٌ جدًّا. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
“إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا باللَّه، عليه توكلت، وإليه أنيب”.
=======
(مبحث من الشبكة):
عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يومًا فذكر رجلًا من أصحابه قُبِض فَكُفِّن في كفن غير طائل ….. » (1).
حكم الدفن ليلاً.
اختلف الفقهاء في حكم الدفن بالليل على أقوال:
القول الأول: يكره الدفن بالليل، وهذا رواية في مذهب الحنابلة (2).
القول الثاني: تحريم الدفن بالليل إلا عند الضرورة، وإليه ذهب الظاهرية (3) وهو رواية في مذهب الحنابلة (4)، ورجحه الألباني (5).
القول الثالث: جواز الدفن ليلا وإلى ذلك ذهب الحنفية (6) والمالكية (7) والشافعية (8) والحنابلة في رواية (9) نص عليها الإمام أحمد (10)، واختار هذا القول الشوكاني (11)، لكن الدفن عندهم في النهار أفضل، قال النووي: «وهذا هو قول جماهير العلماء من السلف والخلف» (12)، وحكى الوزير ابن هبيرة الإجماع على أنه لا يكره الدفن بالليل وأنه بالنهار أمكن (13).
أدلة الأقوال مع المناقشة والترجيح:
استدل أصحاب القول الأول بأدلة القول الثاني على النهي؛ وأدلة القول الثالث -وهو الجواز- على أن النهي للكراهة. كما سيأتي في أدلة القولين؛ فجعلوا أدلة القول الثالث هي الصارف من التحريم إلى الكراهة.
واستدل أصحاب القول الثاني بما يلي:
حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- المتقدم في المطلب الأول وفيه ( …. فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلي عليه إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك .. الحديث
عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدفنوا موتاكم بالليل إلا أن تضطروا» رواه ابن ماجه (14).
وجه الدلالة:
أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن ذلك وزجر عنه. وهذا يفيد التحريم.
وقد نوقش هذا الحديث بما يلي:
أن النهي الوارد في الحديث إنما هو عن دفن الميت قبل الصلاة عليه، فالمقصود بالنهي هو ترك الصلاة على الميت لا الدفن بالليل، بدلالة قوله في الحديث: «فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلي عليه»، ويكون حينئذٍ قوله «بالليل» خرج مخرج الغالب. (15)
وأجيب عنه:
بحاصل ما ذكره الألباني: قوله في الحديث (إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك) فإن اسم الإشارة فيه يعود إلى المنهي عنه وهو الدفن ليلاً قبل الصلاة إلا عند الضرورة فيجوز وهذا بعيد جدًا لأن من السهل أن نتصور اضطرار المشيعين للدفن ليلاً لأسباب كثيرة ولكننا لا نتصور في وجه من الوجوه أن يضطروا الدفن دون أن يصلوا عليه، ومما يزيده بعدًا أن هذا المعنى يجعل قيد «الليل» عديم الفائدة، إذ الدفن قبل الصلاة كما لا يجوز ليلاً، فكذلك لا يجوز نهارًا، فإن جاز ليلاً لضرورة جاز نهارًا من أجلها ولا فرق، فما فائدة التقييد بالليل حينئذ، لا شك أن الفائدة: لا تظهر بصورة قوية إلا إذا رجحنا ما استظهرناه أولاً من عدم جواز الدفن ليلاً. (16)
أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن دفنه بالليل (حتى يصلي عليه) يعني يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فقوله: «حتى يصلي عليه» مضبوط بكسر اللام، فهو يقتضي أنه إن رُجي بتأخير الميت إلى الصباح صلاة من ترجى بركته عليه استحب تأخيره وإلا فلا (17)، قال الطحاوي: «ويجوز أن يكون النهي في الحديث ليس من طريق كراهة الدفن بالليل، ولكن لإرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي على جميع موتى المسلمين لما يكون لهم في ذلك من الفضل والخير بصلاته عليهم» (18).
ويمكن أن يجاب عنه:
بأنه تأويل بعيد ولا يخدمه السياق من حيث التركيب اللغوي، فالفعل قبله (أن يُقبر الرجل .. ).بضم أوله اتفاقا؛ لذا فالأنسب أن يبنى الفعل (يصلى) على المجهول كسابقه.
وأيضا لا يتصور أن يدفن قبل الصلاة عليه كما ذكر الألباني قريباً.
أن النهي في الحديث عن الدفن بالليل ليس لذات الدفن وإنما لما يترتب عليه من قلة المصلين، فإن الدفن في النهار يحضره كثير من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد (19).
ويمكن أن يجاب عنه من وجهين:
أن هذا دليل على النهي المطلق- سواء قصد به التحريم أو الكراهة- لا الجواز.
أن سياق الحديث يدل على أن الليل سبب لعدم الرؤية الواضحة والتي تؤثر في تكفين الميت والإحسان في ذلك ففي الحديث (ذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل .. ).
أن النهي عن الدفن في الليل إنما كان لما يترتب عليه من إساءة الكفن، لأن الدفن بالليل مظنة إساءة الكفن ورداءته. ويؤيد هذا الجواب ما جاء في أول الحديث وآخره، فإن في أول الحديث «أن الرجل كفّن في كفن غير طائل»، وجاء في آخره قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كفّن أحدكم أخاه فليحسن كفنه» (20).
ويجاب عنه:
بأن هذا يتسق مع النهي لا الجواز
إن ملائكة النهار أرفق من ملائكة الليل (21).
ونوقش:
بأنه لم يصح فلا يعوّل عليه (22).
واستدل أصحاب القول الثالث بما يلي:
ما رواه ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بقبر قد دفن ليلًا فقال: «متى دفن هذا؟» قالوا البارحة، قال: «أفلا آذنتموني» قالوا: دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك، فقام فصففنا خلفه، قال ابن عباس: «وأنا فيهم، فصلى عليه» (23).
ووجه الدلالة من الحديث ظاهر، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على الصحابة دفنهم إياه بالليل إنما أنكر عليهم عدم إعلامهم بأمره (24).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد – وفي رواية: كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد – ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها فقالوا: ماتت، قال: «أفلا كنتم آذنتموني» قال: فكأنهم صغّروا أمرها وفي رواية قالوا: ماتت من الليل ودفنت فكرهنا أن نوقظك فقال: «دلوني على قبرها»، فدلّوه فصلى عليها ثم قال: «إن هذه القبور مملوءة ظُلمة على أهلها وإن الله عز وجل ينورها لهم بصلاتي عليهم» (25).
ووجه الدلالة:
ما قاله ابن عبد البر: في الحديث دليل واضح على جواز الدفن بالليل (26).
وهذا الحديث كالذي قبله، وجه الدلالة فيه من إقرار النبي صلى الله عليه وسلم وعدم إنكاره على الصحابة الدفن بالليل.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرًا ليلًا فأُسرج له سراج فأخذه من قِبل القبلة وقال: «رحمك الله إن كنت لأوّاهًا تلَّاءً للقرآن» وكبَّر عليه أربعًا (27).
وكذا ورد عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: «رأى ناس نارًا في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر وإذا هو يقول: «ناولوني صاحبكم» فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر» (28). ففي هذين الحديثين دلالة واضحةٌ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم على جواز الدفن بالليل.
حديث عائشة -رضي الله عنها- «ما علمنا بدفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى سمعنا صوت المساحي من آخر الليل ليلة الأربعاء … » (29)، قال الطحاوي: « … وهذا بحضرة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا ينكره أحدٌ منهم» (30).
أن أبا بكر رضي الله عنه دُفن ليلًا ويدل عليه ما روته عائشة -رضي الله عنها- قالت: «دخلت على أبي بكر رضي الله عنه … الحديث. وفيه قالت: لم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء ودفن قبل أن يصبح» (31).
6 – وكذا روي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دُفن بعد العشاء الآخرة بالبقيع (32).
أن فاطمة دُفنت بالليل فروت عائشة -رضي الله عنها- «أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفيت دفنها زوجها علي ليلًا» (33).
وعن عبدالله بن الزبير أنه دفن عائشة -رضي الله عنها- ليلا (34).
9 – أن ابن مسعود رضي الله عنه دُفن ليلًا (35).
وكذا روي عن بعض التابعين الجواز كسعيد بن المسيب، وشريح (36) وغيرهما (37).
قال ابن عبد البر: وعلى إجازته – يعني الدفن بالليل – أكثر العلماء وجماعة الفقهاء (38).
فهذه الآثار عن الصحابة والتابعين تدل دلالة واضحة على أنهم لم يختلفوا في جواز الدفن بالليل ولم ينكره أحدٌ منهم على أحد.
وقد أجاب ابن حزم عن هذه الآثار فقال: «كل من دفن ليلًا منه عليه السلام ومن أزواجه ومن أصحابه رضي الله عنهم، فإنما ذلك لضرورة أوجبت ذلك، من خوف زحام أو خوف الحرّ على من حضر، وحرّ المدينة شديد، أو خوف تغيّر، أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلًا، لا يحل لأحد أن يظن بهم رضي الله عنه خلاف ذلك» (39).
وكل هذه إجابات باردة لا يلتفت إليها، واحتمالات لا تقوم على إسقاط الأدلة، كذلك فإن المدينة ليست حارة دائمًا وحرها ليس شديدًا، وكذا فإن الحر والزحام ليست ضرورة لترك الدفن بالنهار، فلماذا يؤوّل فعل الصحابة بهذه التأويلات البعيدة مع أن المتبادر من فعلهم أنهم كانوا لا يعتقدون بالدفن بالليل بأسًا.
ومما استدلوا به حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: «ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن يصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب» (40).
ووجه الدلالة من الحديث على جواز الدفن بالليل هو ما ذكره الطحاوي حيث قال: «فدلّ ذلك على أن ما سوى هذه الأوقات بخلافها في الصلاة على الموتى ودفنهم في الكراهة» (41).
11 – القياس على الصلاة فإن الليل ليس فيه وقت تكره فيه الصلاة (42).
12 – أن الليل أحد الزمنين فجاز الدفن فيه كالنهار (43).
أما الدليل على أن الدفن بالنهار أولى وأفضل من الدفن بالليل، فذلك لأنه أسهل على متبعي الجنازة، وأكثر للمصلين عليها، وأمكن لاتباع السنة في دفن الميت وإلحاده (44).
الراجح من هذه الأقوال:
هو القول الأول نظراً لما يلي:
أن هذا القول فيه إعمال لجميع الأدلة من جهة.
ومن جهة أخرى ينتظم مع النهي لوجود المنع والزجر، وينتظم مع الكراهة لأن النصوص المجيزة صارفة لهذا النهي إلى التحريم.
أن العلة قد وردت وهي خشية عدم الإحسان في الكفن، ولذا يقال هنا إن الحكم في الأصل هو للكراهة ومن المعلوم أن الكراهة تزول مع الحاجة أو المصلحة، فإذا اقتضى الحال أن يكون الدفن ليلاً لوجود حاجة أو خشية تغير الميت ونحو ذلك فإنه لا مانع من التعجيل حينئذٍ فيكون الدفن ليلاً بلا كراهة.
والخلاصة أنه إن كان الدفن ليلًا لا يفوت حقًّا من حقوق الميت من الصلاة عليه أو تمام القيام به وإلا كان منهيًا.
وما أحسن ما قال الإمام ابن القيم: والذي ينبغي أن يقال في ذلك -والله أعلم- أنه متى كان الدفن ليلًا لا يفوت به شيء من حقوق الميت والصلاة عليه، فلا بأس به، وعليه تدل أحاديث الجواز، وإن كان يفوت بذلك حقوقه والصلاة عليه وتمام القيام عليه، نهي عن ذلك وعليه يدل الزجر (45).
وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز في حكم الدفن ليلا: يجوز ذلك إذا تمكن أهله من تغسيله وتكفينه والصلاة عليه، فقد دفن النبي صلى الله عليه وسلم بعض الأموات ليلاً، ودُفِن هو ليلاً صلى الله عليه وسلم، وهكذا الصديق وعمر وعثمان كلهم دُفِنوا ليلاً؛ فعلم بذلك جواز الدفن ليلاً إذا توفرت الأمور المشروعة. أما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن الدفن في الليل فذلك محمول عند أهل العلم على ما إذا كان الدفن في الليل يفضي إلى عدم أداء الواجب في حق الميت (46). والله أعلم.
دلالة النهي عن الدفن ليلاً
تقدم أن النهي ثابت وأن الراجح فيه أنه للكراهة لوجود الصوارف العديدة من الأحاديث والآثار المتقدمة وأن هذه الكراهة تزول مع الحاجة أو المصلحة. والله أعلم.
—-
([1]) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب في تحسين كفن الميت (49) (943).
(2) المغني (3/ 503)، الفروع (2/ 278)، الإنصاف (2/ 547).
(3) المحلى (5/ 114).
(4) الفروع (2/ 278)، الإنصاف (2/ 547)، والمبدع (2/ 276).
(5) أحكام الجنائز. ص (176 – 177).
(6) الدر المختار مع رد المحتار (2/ 245)، الفتاوى الهندية (1/ 166).
(7) التاج والإكليل (2/ 237)، مواهب الجليل (2/ 221).
(8) الأم (1/ 467)، الحاوي الكبير (3/ 26)، المهذب والمجموع (5/ 271).
(9) المغني (3/ 503)، الفروع (2/ 277)، الإنصاف (2/ 547).
(0 [1]) المسائل لعبدالله بن أحمد (1/ 492 رقم687) والمسائل لأبي داود ص (151).
(1 [1]) نيل الأوطار (3/ 191).
(2 [1]) صحيح مسلم بشرح النووي (9/ 11).
(3 [1]) الإفصاح (1/ 188).
(4 [1]) رواه ابن ماجه. الجنائز، باب ما جاء في الأوقات التي لا يصلى فيها على الميت ولا يدفن (1521).وفيه إبراهيم بن يزيد المكي. ضعيف. انظر تهذيب التهذيب (1/ 116) ميزان الاعتدال (1/ 75) والحديث صححه الألباني بأصله الذي في مسلم. صحيح ابن ماجه، وصحيح الجامع (7268).
(5 [1]) المجموع (5/ 272)، صحيح مسلم بشرح النووي (9/ 110).
(6 [1]) أحكام الجنائز. ص (177).
(7 [1]) فتح الباري (3/ 208).
(8 [1]) شرح معاني الآثار (1/ 513). وممن قال بهذا التوجيه الشيخ ابن باز في الفتاوى له (13/ 214).
(9 [1]) صحيح مسلم بشرح النووي (9/ 11).
(20) شرح معاني الآثار (1/ 513)، فتح الباري (3/ 208)، صحيح مسلم بشرح النووي (9/ 11).
(21) البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار (3/ 126).
(22) نيل الأوطار (4/ 138).
(23) أخرجه البخاري في الجنائز، باب صفوف الصبيان مع الرجال على الجنائز (1321)، وباب صلاة الصبيان مع الناس على الجنائز (1326)، وباب الصلاة على القبر بعدما يدفن (1336)، وباب الدفن بالليل (1/ 398)، برقم (1340) (1/ 224، 283)، وأخرجه مختصرًا مسلم في الجنائز، باب الصلاة على القبر (68) (954) وليس فيه ذكر الليل.
(24) فتح الباري (3/ 208).
(25) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب كنس المسجد والتقاط الخرق والقذى والعيدان (458)، وفي كتاب الجنائز، باب الصلاة على القبر بعدما يدفن (1337)، ومسلم في الجنائز، باب الصلاة على القبر (71) (956).
(26) الاستذكار (8/ 291).
(27) أخرجه الترمذي في الجنائز، باب ما جاء في الدفن بالليل (1057)، وابن ماجه في الجنائز، باب ما جاء في الأوقات التي لا يصلى فيها على الميت ولا يدفن (1520) بلفظ (أدخل رجلًا قبره ليلًا وأسرج في قبره) ولم يخرج باقي الحديث، والحديث قال عنه الترمذي (3/ 382): «حديث حسن»، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي.
(28) أخرجه أبوداود في الجنائز، باب في الدفن بالليل (3164)، والحاكم (1/ 522)، برقم (1361)، (1362)، وقال (1/ 523): «صحيح على شرط مسلم» ووافقه الذهبي، وقال النووي (المجموع 5/ 271): «إسناده على شرط البخاري ومسلم» ويشهد له حديث أبي ذر عند الحاكم بإسناد معضل (1/ 523)، والبيهقي (5/ 50)، وابن أبي شيبة (3/ 226).
(29) أخرجه أحمد (3/ 62، 242، 247)، وابن أبي شيبة (3/ 227)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 514)، وابن هشام في السيرة النبوية (4/ 664)، وانظر نصب الراية (2/ 305)، قال الأرنؤوط (24790):إسناده محتمل للتحسين وفيه ابن إسحاق مدلس وقد عنعن. إلا أنه صرح بالسماع في مواضع أخرى.
والمساحي: جمع مسحاة وهي المجرفة من الحديد، والميم زائدة، لأنه من السحو: الكشف والإزالة (لسان العرب 3/ 2/598، المصباح المنير 1/ 268).
(30) شرح معاني الآثار (1/ 514).
(31) أخرجه البخاري في الجنائز، باب موت يوم الاثنين (1387)، كما ذكره تعليقًا في باب الدفن بالليل (1/ 398)، وابن أبي شيبة (3/ 227)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 515)، وجاء أيضًا عند ابن أبي شيبة من حديث ابن السباق أن عمر دَفن أبا بكر ليلًا ثم دخل المسجد فأوتر بثلاث، ومن حديث القاسم بن محمد قال: دُفن أبو بكر بالليل، وكذا ورد عن عقبة بن عامر. مصنف ابن أبي شيبة (3/ 227).
(32) أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 227)، والبيهقي (4/ 50).
(33) أخرجه ابن سعد في الطبقات (8/ 78) بسند صحيح. ما صح من آثار الصحابة (2/ 582).
(34) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (3/ 1286)، برقم (4240، 4241)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نورث، ما تركناه صدقة» (3/ 1380) رقم (1759) وغيرهما.
(35) أخرجه ابن أبي شيبة (3/ 227).
(36) هو: القاضي الفقيه أبو أمية شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي. (أسد الغابة 2/ 547، سير أعلام النبلاء 4/ 100، تهذيب التهذيب 2/ 491).
(37) أخرجه عنهما ابن أبي شيبة (3/ 227).
(38) الاستذكار (8/ 290).
(39) المحلى (5/ 114).
(40) أخرجه مسلم، صلاة المسافرين وقصرها، باب: الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها (293) (831).
(41) شرح معاني الآثار (1/ 514).
(42) الاستذكار (8/ 290).
(43) المغني (3/ 504).
(44) المغني (3/ 504).
(45) تهذيب السنن (8/ 246).
(46) فتاوى ابن باز (13/ 214).
====