117 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة أبي عيسى عبدالله البلوشي وعبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
117_ قال الإمام النسائي رحمه الله ج2ص166:أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ صَلَّيْتُمْ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ يَا جَارِيَةُ هَلُمِّي لِي وَضُوءًا مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ إِمَامٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِمَامِكُمْ هَذَا.
قَالَ زَيْدٌ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَيُخَفِّفُ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ.
ـــــــــــــــــــــــ
أولاً: دراسة الحديث روايةً:
* قال الطبراني في المعجم الأوسط 8853: “لم يرو هذا الحديث عن زيد بن أسلم إلا عطاف بن خالد”.
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (ص: 94): وهذا حديث صحيح فإن العطاف بن خالد المخزومي قال فيه يحيى بن معين غير مرة هو ثقة وقال أحمد بن حنبل هو من أهل مكة ثقة صحيح الحديث روي عنه نحو مائة حديث وقال ابن عدي يروي قريبا من مائة حديث ولم أر بحديثه بأسا إذا حدث عنه ثقة.
* قال ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته (1/ 170، بترقيم الشاملة آليا): ” وَهَذَا حَدِيث صَحِيح , فَإِنَّ الْعَطَّافَ بْنَ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيَّ وَثَّقَهُ اِبْنُ مَعِينٍ , وَقَالَ أَحْمَدُ: ثِقَة صَحِيح الْحَدِيث.
* صحح الألباني الحديث لغيره في سنن النسائي برقم 981.
* قال الشيخ محمد علي آدم الإتيوبي في ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (12/ 469): ” رجاله كلهم ثقات، من رجال الجماعة، غير العطاف، فهو صدوق يَهِمُ، وأخرج له المصنف، والترمذي، وأخرج له البخاري في “الأدب المفرد”، وأبو داود في “القدر”، ولم يخرج له مسلم، ولا ابن ماجه”.
* قال شعيب الأرناؤوط في سير أعلام النبلاء ط الرسالة (5/ 119): سنده حسن.
* قال حسين سليم أسد في مسند أبي يعلى (6/ 343): إسناده صحيح
ثانيًا: دراسة الحديث درايةً:
أولًا: تبويبات الأئمة على الحديث:
* بوب النسائي في سننه باب تَخْفِيف الْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ، وأورد تحته حديث الباب وكذلك حديث أبي هريرة قَالَ: «مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ – قَالَ سُلَيْمَانَ – كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَيُخَفِّفُ الْأُخْرَيَيْنِ، وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ، وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاء بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ، وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطُوَلِ الْمُفَصَّلِ» [صححه الألباني].
* أورد ابن الأثير هذا الحديث في جامع الأصول في فصل كيفية الصلاة وأركانها في الفرع الثامن: في طول الصلاة وقصرها، ومما أورد تحت الباب غير حديث الباب:
(م د س) أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: «كنا نحّزِرُ قيام النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر، فحزَرْنا قيامه في الركعتين الأُوليين من الظهر،: قدر {آلم تنزيل. السجدة}، وحزرنا قيامه من الأخريين: قدر النصف من ذلك، وحزرنا، قيامه في الركعتين الأوليين من العصر على قدر قيامه في الأخريين من الظهر، وفي الأخريين من العصر: على النصف من ذلك».
وفي رواية: «قدر ثلاثين آية» بدل قوله: «{آلم تنزيل}.
وفي أخرى: «أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأُ في صلاة الظهر في الركعتين الأُوليين، في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين: قدر خمس عشرة آية – أو قال: نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين، في كُلِّ ركعة: قدر قراءة خمس عشرة آية. وفي الأخريين: قدر نصف ذلك». آخرجه مسلم.
وأخرج النسائي الرواية الأولى، وزاد فيها: «قدر ثلاثين آية، قدر سورة السجدة» وأخرج الرواية الأخرى أيضا، وفي رواية أبي داود، قال: حزرنا قيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الظهر والعصر، فحزرنا قيامه في الركعتين الأولَيَيْنِ من العصر: على قدر الأخريين من الظهر، وحزرنا قيامه في الأخريين من العصر: على النصف من ذلك».
(م س) أبو سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: «لقد كانت صلاةُ الظُّهرِ تُقام، فيذهبُ الذَّاهبُ إلى البقيع، فيقضي حاجَتَه، ثم يتوضأُ، ثم يأتي ورسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- في الرَّكعةِ الأولى مما يطوِّلها» أخرجه مسلم والنسائى. [ص:431]
وذكر رزين في أوله زيادة، قال قزْعةَ: «أتيتُ أبا سعيد الخدري وهو مَكْثور عليه، فلما تفرَّقَ الناسُ عنه، قلتُ: إني لأسألك عن شيء مما يسألكَ هؤلاء عنه، أسألك عن صلاةِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: مالكَ ولها؟ فأعدتُ عليه، فقال: مالك في ذلك من خير لا تُطيقُها، فأعدتُ عليه، فقال: كانت صلاة الظهر تقام … » وذكر الحديث.
(خ م) عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال: «صلَّيتُ مع رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، فأطال، حتى همَمْتُ بأمرِ سَوْء، قيل: وما همَمْتَ به؟ قال: هممتُ أن أجلسَ وأدَعَه» أخرجه البخاري ومسلم.
شقيق بن عبد الله: قال: «بلغني: أن عمَّار بن ياسر صلَّى بالناس فخففَ من قراءته في صلاته، ومن الطمأنينة فيها، فقيل له: لو تنفَّسْتَ فقال: إنما بادَرْتُ به الوسواسَ».
رواه بمعناه الإمام أحمد في المسند (4/ 264) من حديث محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن ابن لاس الخزاعي قال: دخل عمار بن ياسر المسجد فركع فيه ركعتين أخفهما وأتمهما قال: ثم جلس فقمنا إليه فجلسنا عنده، ثم قلنا لقد خففت ركعتيك هاتين جدا يا أبا اليقطان، فقال: إني بادرت بهما الشيطان أن يدخل علي فيهما.
ثانيًا: شرح الحديث:
* قال ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته (1/ 170، بترقيم الشاملة آليا)
وَقَدْ جَاءَ هَذَا صَرِيحًا فِي حَدِيث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ , لَمَّا صَلَّى خَلْف عَلِيٍّ بِالْبَصْرَةِ قَالَ: ” لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَكَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَدِلَة , كَانَ يُخَفِّف الْقِيَام وَالْقُعُود وَيُطِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود ” وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل أَنَسٍ: ” كَانَتْ صَلَاة رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَقَارِبَة ” وَحَدِيث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ” أَنَّ قِيَامه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُكُوعه وَسُجُوده كَانَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاء “. فَهَذِهِ الْأَحَادِيث كُلّهَا تَدُلّ عَلَى مَعْنَى وَاحِد , وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ يُطِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَيُخَفِّف الْقِيَام. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا كَانَ يَفْعَلهُ بَعْض الْأُمَرَاء الَّذِينَ أَنْكَرَ الصَّحَابَة صَلَاتهمْ مِنْ إِطَالَة الْقِيَام عَلَى مَا كَانَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلهُ غَالِبًا , وَتَخْفِيف الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالِاعْتِدَالَيْنِ.
وَلِهَذَا أَنْكَرَ ثَابِتٌ عَلَيْهِمْ تَخْفِيف الِاعْتِدَالَيْنِ , وَقَالَ ” كَانَ أَنَسٌ يَصْنَع شَيْئًا لَا أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَهُ ” وَحَدِيث اِبْنِ أَبِي الْعَمْيَاءِ إِنَّمَا فِيهِ ” أَنَّ صَلَاة أَنَسٍ كَانَتْ خَفِيفَة ” وَأَنَسٌ فَقَدْ وَصَفَ خِفَّة صَلَاة النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَأَنَّهَا أَشْبَهَ شَيْء بِصَلَاةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مَعَ تَطْوِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود وَالِاعْتِدَالَيْنِ وَأَحَادِيثه لَا تَتَنَاقَض , وَالتَّخْفِيف أَمْر نِسْبِيّ إِضَافِيّ , فَعَشْر تَسْبِيحَات وَعِشْرُونَ آيَة أَخَفّ مِنْ مِائَة تَسْبِيحَة وَمِائَتَيْ آيَة , فَأَيّ مُعَارَضَة فِي هَذَا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة؟. وَأَمَّا تَخْفِيف النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْد بُكَاء الصَّبِيّ , فَلَا يُعَارِض مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ صِفَة صَلَاته , بَلْ قَدْ قَالَ فِي الْحَدِيث نَفْسه ” إِنِّي أَدْخُل فِي الصَّلَاة وَأَنَا أُرِيد أَنْ أَطْيلِهَا , فَأَسْمَع بُكَاء الصَّبِيّ فَأَتَجَوَّز “.
فَهَذَا تَخْفِيف لِعَارِضٍ , وَهُوَ مِنْ السُّنَّة , كَمَا يُخَفِّف صَلَاة السَّفَر وَصَلَاة الْخَوْف , وَكُلّ مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ التَّخْفِيف فَهُوَ لِعَارِضٍ , كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ ” أَنَّهُ قَرَأَ فِي السَّفَر فِي الْعِشَاء بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ” وَكَذَلِكَ قِرَاءَته فِي الصُّبْحِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ , فَإِنَّهُ كَانَ فِي السَّفَر , وَلِذَلِكَ رَفَعَ اللَّه تَعَالَى الْجَنَاح عَنْ الْأُمَّة فِي قَصْر الصَّلَاة فِي السَّفَر وَالْخَوْف , وَالْقَصْر قَصْرَانِ , قَصْر الْأَرْكَان , وَقَصْر الْعَدَد , فَإِنْ اِجْتَمَعَ السَّفَر وَالْخَوْف , اِجْتَمَعَ الْقَصْرَانِ , وَإِنْ اِنْفَرَدَ السَّفَر وَحْده شُرِعَ قَصْر الْعَدَد , وَإِنْ اِنْفَرَدَ الْخَوْف وَحْده , شُرِعَ قَصْر الْأَرْكَان. وَبِهَذَا يُعْلَم سِرّ تَقْيِيد الْقَصْر الْمُطْلَق فِي الْقُرْآن بِالْخَوْفِ وَالسَّفَر , فَإِنَّ الْقَصْر الْمُطْلَق الَّذِي يَتَنَاوَل الْقَصْرَيْنِ إِنَّمَا يُشْرَعُ عِنْد الْخَوْف وَالسَّفَر. فَإِنْ اِنْفَرَدَ أَحَدهمَا بَقِيَ مُطْلَق الْقَصْر , إِمَّا فِي الْعَدَد وَإِمَّا فِي الْقَدْر , وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَفَّفَ الصَّلَاة لَا لِعُذْرٍ , كَانَ فِي ذَلِكَ بَيَان الْجَوَاز , وَإِنَّ الِاقْتِصَار عَلَى ذَلِكَ لِلْعُذْرِ وَنَحْوه يَكْفِي فِي أَدَاء الْوَاجِب.
فَإِمَّا أَنْ يَكُون هُوَ السُّنَّةُ وَغَيْره مَكْرُوه , مَعَ أَنَّهُ فِعْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَغْلِب أَوْقَاته فَحَاشَى وَكَلَّا , وَلِهَذَا رُوَاته عَنْهُ أَكْثَر مِنْ رُوَاة التَّخْفِيف , وَاَلَّذِينَ رَوَوْا التَّخْفِيف رَوَوْهُ أَيْضًا , فَلَا تُضْرَب سُنَنُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضهَا بِبَعْصٍ , بَلْ يُسْتَعْمَل كُلٌّ مِنْهَا فِي مَوْضِعه. وَتَخْفِيفه إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَاز , وَتَطْوِيله لِبَيَانِ الْأَفْضَل وَقَدْ يَكُون تَخْفِيفه لِبَيَانِ الْأَفْضَل إِذَا عَرَضَ مَا يَقْتَضِي التَّخْفِيف , فَيَكُون التَّخْفِيف فِي مَوْضِعه أَفْضَل , وَالتَّطْوِيل فِي مَوْضِعه أَفْضَل , فَفِي الْحَالَتَيْنِ مَا خَرَجَ عَنْ الْأَفْضَل , وَهَذَا اللَّائِق بِحَالِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَجَزَاهُ عَنَّا أَفْضَل مَا جَرَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّته , وَهُوَ اللَّائِق بِمَنْ اِقْتَدَى بِهِ , وَائْتَمَّ بِهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ..
* قال الشيخ محمد علي آدم الإتيوبي رحمه الله في ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (12/ 470)
(عن زيد بن أسلم) أنه (قال: دخلنا على أنس بن مالك) رضي الله عنه، أي ليعودوه, لأنه كان مريضًا، ففي رواية أحمد رحمه الله جـ 3 ص 225: حدثنا عصام بن خالد، ويونس بن محمد، قالا: ثنا العطاف بن خالد، عن زيد بن أسلم، قال: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر، ثم انصرفنا إلى أنس بن مالك نسأل عنه، وكان شاكيًا، فلما دخلنا عليه سلمنا، قال: أصليتم؟ … (فقال: أصليتم؟ قلنا: نعم، قال: يا جارية) نداء للأمة.
قال الفيومي: “الجارية”: السفينة، سميت بذلك لِجَرْيِهَا في البحر، ومنه قيل للأمة جاريةٌ على التشبيه، لجريها مسخَّرَةً في أشْغَال مواليها، والأصل فيها الشابّة، لخفتها، ثم توسعوا حتى سَمَّوْا كلَّ أمة جارية، وإن كانت عجوزًا لا تقدر على السعي، تسميةً بما كانت عليه، والجمع الجَوَاري. انتهى
(هَلُمِّي لي وَضُوءًا) أي أحْضِري لي ماء أتوضأ به.
و”هَلُمَّ”: بفتح الهاء، وضم اللام، وتشديد الميم: كلمة بمعنى الدعاء إلى الشيء، كما يقال: “تعال”. قال الخليل: أصلها: “لُمَّ” من الضم والجمع، ومنه “لمَّ الله شَعَثَهُ”، وكأن المنادي أراد لُمَّ نفسَكَ إلينا، و”ها” للتنبيه، وحذفت الألف تخفيفًا، لكثرة الاستعمال، وجُعِلاَ اسمًا واحدًا. وقيل: أصلها “هَلْ أُمَّ” أي قُصِدَ، فنقلت حركة الهمزة إلى اللام، وسَقَطت، ثم جُعِلا كَلمة واحدة للدعاء.
وأهل الحجاز ينادون بها بلفظ واحد للمذكر والمؤنث والمفرد والجمع، وعليه قوله تعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18].
وفي لغة نَجْدٍ تَلحَقُها الضمائرُ، وتُطَابَقُ، فيقال. “هلمي” و”هَلُمَّا” و”هَلُمُّوا”، و”هَلمُمْنَ”, لأنهم يجعلونها فِعْلًا، فيلحقونها الضمائر، كما يلحقونها “قُومِي”، و”قُما”، و”قُمُوا”، و”قُمْنَ”.
وقال أبو زيد: استعمالها بلفظ واحد للجميع من لغة عُقَيل، وعليه قَيْسٌ بَعْدُ، وإلحاق الضمائر من لغة تميم، وعليه أكثر العرب، وتستعمل لازمةً، نحو: {هَلُمَّ إِلَيْنَا} [الأحزاب: 18]، أي أقْبِلْ، ومتعديةً، نحو: {هَلُمَّ شُهَدَاءَكُم} [الأنعام: 150] أي أحضروا. قاله الفيومي رحمه الله تعالى.
قال الجامع عفا الله عنه: استعمال أنس رضي الله عنه هنا من الثاني، فقد نصب لها “وَضُوءًا”.
و”الوضوء” هنا بالفتح: اسم للماء المتوضأ به. قال في “المصباح”: “الوَضُوءُ” بالفتح الماء يُتَوضأ به، وبالضم: الفعل، وأنكر أبو عبيد الضم، وقال: المفتوح اسم يقوم مقام المصدر، كالقَبُول يكون اسمًا ومصدرًا”. انتهى.
قال أنس رضي الله عنه: (ما صليت وراء إِمام أشبه) بالجر صفة لـ”إمام”، ونصب بالفتحة لكونه غير منصرف للوصفية ووزن الفعل، (صلاة) منصوب على التمييز (برسول الله – صلى الله عليه وسلم – من إِمامكم هذا)، يريد عمر بن عبد العزيز رحمه الله، كما أشار إليه بقوله (قال زيد) أي ابن أسلم، (وكان عمر بن عبد العزيز يُتم الركوع والسجود) أي يؤديهما تامين، لا ينقص منهما الأذكار المسنونة فيهما، (ويخفف القيام) أي بتخفيف القراءة (والقعود) أي بتخفيف الدعاء الذي عقب التشهد.
وهذا محل الترجمة، حيث إن أنَسًا وصف صلاة عمر بن عبد العزيز بكونها مشابهة لصلاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فدل على أنه – صلى الله عليه وسلم – كان يخفف القيام والقعود.
وفيه منقبة عظيمة لعمر بن عبد العزيز رحمه الله؛ حيث شهد له أنس رضي الله عنه، وكذا أبو هريرة رضي الله عنه في الحديث التالي على ما هو الظاهر، بأنه أشبه صلاةً برسول الله – صلى الله عليه وسلم -.
وزاد في رواية لأحمد في حديث أنس: “قال زيد: ما يَذْكُرُ في ذلك أبا بكر، ولا عمر”.
قال الجامع: هذا فضل عظيم مِنَ الله تعالى على عمر بن عبد العزيز رحمه الله، حيث إن أمراء بني أمية كانوا معروفين بتضييع الصلاة, وإخراجها عن وقتها، فأحْيَى رحمه الله تعالى هذه السنة التي أماتها أسلافه، وقام بها حقَّ القيام، حتى وصفه الصحابيان الجليلان – بأنهما ما صليا وراء إمام أشبه صلاةً برسول الله – صلى الله عليه وسلم – منه، وهما صليا خلف الخلفاء الراشدين فيا ليا مقبَةً تعلو المنقبات، وعطيّةً ربانية تسمو العطيات، {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: 105]. والله تعالى ولي التوفيق، وهو المستعان، وعليه التكلان.
تنبيه: الشيخ يقصد تضييع الأمراء لصفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي تبعه عليها الخلفاء الراشدون واقتدوا به.
—
قال صاحب عون المعبود:
فهذه ا?حاديث كلها تدل على معنى واحد وهـو أنه كان يطيل الركوع والسجود ويخفف القيام
وهـذا بخ?ف ما كان يفعله بعض ا?مراء الذين أنكر الصحابة ص?تهم من إطالة القيام على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله غالبا وتخفيف الركوع والسجود وا?عتدالين
ولهذا أنكر ثابت عليهم تخفيف ا?عتدالين وقال كان أنس يصنع شيئا ? أراكم تصنعونه وحديث بن أبي العمياء إنما فيه أن ص?ة أنس كانت خفيفة وأنس فقد وصف خفة ص?ة النبي صلى الله عليه وسلم وأنها أشبه شيء بص?ة عمر بن عبد العزيز مع تطويل الركوع والسجود وا?عتدالين وأحاديثه ? تتناقض والتخفيف أمر نسبي إضافي فعشر تسبيحات وعشرون آية أخف من مائة تسبيحة ومائتي آية فأي معارضة في هـذا لما تقدم من ا?حاديث الصحيحة الصريحة. اه 3/ 80
وقال ابن القيم في كتاب الص?ة بعد ذكر حديث الباب وحديث أنس عند البخاري بلفظ: “كان يوجز الص?ة ويكملها” ما لفظه: فوصف أي أنس ص?ته – صلى الله عليه وسلم – با?يجاز والتمام، وا?يجاز هـو الذي كان يفعله ? ا?يجاز الذي يظنه من لم يقف على مقدار ص?ته، فان ا?يجاز أمر نسبي اضافي راجع إلى السنة ? إلى شهوة الإمام ومن خلفه، فلما كان يقرأ في الفجر بالستين إلى المائة. (أي آية) كان هـذا ا?يجاز بالنسبة إلى ست مائة إلى ألف ولما قرأ في المغرب با?عراف كان هـذا ا?يجاز بالنسبة إلى البقرة، ويدل على هـذا أن أنسا نفسه قال في الحديث الذي رواه أبوداود والنسائي: ما صليت وراء أحد بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أشبه ص?ة برسول الله – صلى الله عليه وسلم – من هـذا الفتى، يعني عمر بن عبد العزيز، فحرزنا في ركوعه عشر تسبيحات الخ. وأنس أيضا هـو القائل في الحديث المتفق عليه: إني ? آلو أن أصلي بكم كما كان رسول الله يصلي بنا. قال ثابت كان أنس يصنع شيئا ? أراكم تصنعونه كان إذا رفع رأسه من الركوع انتصب قائما حتى يقول القائل: قد نسي، وإذا رفع رأسه من السجدة مكث حتى يقول القائل: قد نسي، وأنس هـو القائل هـذا، وهـو القائل: “ما صليت وراء إمام أخف ص?ة و? أتم من ص?ة النبي – صلى الله عليه وسلم – “، وحديثه ? يكذب وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف مخافة أن تفتن أمه)).
مرعاة المفاتيح 4/ 74
قال ابن تيمية:
فيشبه – والله أعلم – أن يكون ا?يجاز عاد إلى القيام، وا?تمام إلى الركوع والسجود؛ ?ن القيام، ? يكاد يفعل إ? تاما، ف? يحتاج إلى الوصف با?تمام، بخ?ف الركوع والسجود وا?عتدالين.
وأيضا، فإنه بإيجاز القيام، وإطالة الركوع والسجود تصير الص?ة تامة، ?عتدالها وتقاربها، فيصدق قوله: ” ما رأيت أوجز و? أتم “.
فأما إن أعيد ا?يجاز إلى نفس ما أتم وا?تمام إلى نفس ما أوجز؛ فإنه يصير في الك?م تناقضا، ?ن من طول القيام على قيامه لم يكن دونه في إتمام القيام، إ? أن يقال: الزيادة في الصورة تصير نقصا في المعنى، وهـذا خ?ف ظاهـر اللفظ، فإن ا?صل: أن يكون معنى ا?يجاز والتخفيف غير معنى ا?تمام وا?كمال؛ و?ن زيد بن أسلم قال: ” كان عمر يخفف القيام والقعود، ويتم الركوع والسجود ” فعلم أن لفظ ا?تمام عندهـم، هـو إتمام الفعل الظاهـر.
وأحاديث أنس كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل الركوع والسجود وا?عتدالين، زيادة على ما يفعله أكثر ا?ئمة. وسائر روايات الصحيح تدل على ذلك.
اقتضاء الصراط المستقيم. 1/ 301