117 جامع الأجوبة الفقهية ص 157
?-مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري وعامر الراشدي.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
?-مسألة: حكم غسل اليدين عند الاستيقاظ من النوم.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
-مشاركة مجموعة ناصر الريسي: وعامر الراشدي:
(الحديث):
-أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإنه لا يدري أين باتت يده.
(متفق عليه وهذا لفظ مسلم)
-قلت: (سعيد) وقد ورد من حديث أبي هريرة وعبد الله ابن عمر وجابر ابن عبدالله
وليس عند البخاري ومالك لفظة (ثلاثا)
وقال الترمذي مرتين أو ثلاثا وهما روايتان لأحمد.
-واختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
الأول: قول الجمهور من العلماء أنه مستحب.
الثاني: واجب رواية للأمام أحمد وهو قول الحسن البصري وأهل الظاهر.
-قال الإمام ابن قدامة في المغني (1/ 73):
فأما عند القيام من نوم الليل، فاختلفت الرواية في وجوبه؛ فروي عن أحمد وجوبه، وهو الظاهر عنه، واختيار أبي بكر وهو مذهب ابن عمر وأبي هريرة والحسن البصري لقول النبي صلى الله عليه وسلم -: إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما الإناء ثلاثا؛ فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده.
(متفق عليه).وفي لفظ لمسلم: فلا يغمس يده في وضوء حتى يغسلها ثلاثا.
وأمره يقتضي الوجوب، ونهيه يقتضي التحريم. وروي أن ذلك مستحب، وليس بواجب.
وبه قال عطاء ومالك والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وابن المنذر؛ لأن الله تعالى قال: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} [المائدة: 6]. الآية.
قال زيد بن أسلم في تفسيرها: إذا قمتم من نوم. ولأن القيام من النوم داخل في عموم الآية، وقد أمره بالوضوء من غير غسل الكفين في أوله، والأمر بالشيء يقتضي حصول الإجزاء به؛ ولأنه قائم من نوم، فأشبه القائم من نوم النهار، والحديث محمول على الاستحباب، لتعليله بما يقتضي ذلك، وهو قوله: فإنه لا يدري أين باتت يده» وطريان الشك على يقين الطهارة لا يؤثر فيها، كما لو تيقن الطهارة وشك في الحدث، فيدل ذلك على أنه أراد الندب.
-وقال الصنعاني في سبل السلام: والحديث يدل على إيجاب غسل اليد لمن قام من نومه لي أو نهارا، وقال بذلك من نوم الليل أحمد، لقوله: باتت، فإنه قرينة إرادة نوم الليل كما سلف، إ أنه يرد عليه أن التعليل يقتضي إلحاق نوم النهار بنوم الليل.
وذهـب غيره، وهـو الشافعي، ومالك، وغيرهـما إلى أن ا مر في رواية: فليغسل للندب، والنهي الذي في هـذه الرواية للكراهـة، والقرينة عليه ذكر العدد، فإن ذكره في غير النجاسة العينية دليل الندب، و نه علل بأمر يقتضي الشك، والشك يقتضي الوجوب في هـذا الحكم استصحابا صل الطهارة و تزول الكراهـة إ بالث ث الغس ت، وهـذا في المستيقظ من النوم.
وأما من يريد الوضوء من غير نوم، فيستحب له لما أمر في صفة وضوئه؛ ولا يكره الترك لعدم ورود النهي فيه، والجمهور على أن النهي وا مر حتمال النجاسة في اليد، وأنه لو درى أين باتت يده كمن لف عليها فاستيقظ وهـي على حالها، ف يكره له أن يغمس يده، وإن كان غسلهما مستحبا كما في المستيقظ؛ وغيرهـم يقولون: ا مر بالغسل تعبد؛ ف فرق بين الشاك والمتيقن، وقولهم أظهر كما سلف.
-وقال صاحب تحفة الأحوذي: والنهي عن الغمس قبل غسل اليد مجمع عليه لكن الجماهـير على أنه نهي تنزيه تحريم فلو غمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس وقال التوربشتي هـذا في حق من بات مستنجيا با حجار معروريا ومن بات على خ ف ذلك ففي أمره سعة ويستحب له أيضا غسلها ن السنة إذا وردت لمعنى لم تكن لتزول بزوال ذلك المعنى
كذا في المرقاة.
-قال السيوطي في حاشية السيوطي على سنن النسائي:
وقال البيضاوي فيه إيماء إلى أن الباعث على ا مر بذلك احتمال النجاسة ن الشرع إذا ذكر حكما وعقبه بعلة دل على أن ثبوت الحكم جلها ومنه قوله في حديث المحرم الذي سقط فمات فإنه يبعث ملبيا بعد نهيهم عن تطييبه فنبه على علة النهي وهـي كونه محرما.
-وقال الإمام النووي في مسلم (3/ 180): النهي عن غمس اليد في الإناء قبل غسلها وهذا مجمع عليه لكن الجماهير من العلماء المتقدمين والمتأخرين على أنه نهي تنزيه لا تحريم فلو خالف وغمس لم يفسد الماء ولم يأثم الغامس
-وقال ابن عبدالبر في الاستذكار (1/ 148): وفي هذا الحديث من الفقه إيجاب الوضوء من النوم لقوله صلى الله عليه وسلم: (فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه) وهو أمر مجتمع عليه في النائم المضطجع إذا غلب عليه النوم واستثقل نوما.
-وقال صاحب المنتقى شرح الموطأ (1/ 48):
والأظهر ما ذهب إليه شيوخنا العراقيون من المالكيين وغيرهم أن النائم لا يكاد أن يسلم من حك جسده وموضع بثرة في بدنه ومس رفغه وإبطه وغير ذلك من مغابن جسده ومواضع عرقه فاستحب له غسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه على معنى التنظف والتنزه ولو أدخل يده في إنائه قبل أن يغسلها لما أثم خلافا لأحمد بن حنبل في قوله غسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء واجب إذا قام من نوم الليل دون نوم النهار والدليل على ما نقوله أن هذه طهارة عقيب نوم فاستحب غسل اليد قبلها أصل ذلك الطهارة عقيب نوم الليل وأما الحديث فإنه وإن كان ظاهر الأمر الوجوب فإنه قد اقترن به ما دل على أن المراد به الندب دون الوجوب لأنه قال فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده فعلل بالشك ولو شك هل مست يده نجسا أم لا لما وجب عليه غسل يده.
-وقال في طرح التثريب في شرح التقريب (2/ 44):
قوله في الرواية الأولى فليغسل يده هل هو على الندب أو الوجوب، وكذا النهي في قوله في الرواية الثانية: فلا يضع يده في الوضوء حتى يغسلها هل هو للتحريم أو التنزيه فذهب أكثر أهل العلم إلى أن ذلك على الندب، والتنزيه لا على الوجوب، والتحريم، وهو قول مالك والشافعي وأهل الكوفة وغيرهم وذهب الحسن البصري وأهل الظاهر إلى أن ذلك على الوجوب، والتحريم لظاهر الأمر، والنهي.
قال الشيخ الراجحي في شرحه لصحيح ابن خزيمة (7/ 3):
هذا الحديث فيه دليل على أنه يجب على المستيقظ من نوم الليل أن يغسل يديه ثلاثاً قبل أن يغمسهما في الإناء، والنهي للتحريم؛ لأنه الأصل، وقال الجمهور: إن هذا للأدب، فالصواب: أن أصل الأمر للوجوب، وأن أصل النهي للتحريم، فيأثم إذا غمس يديه قبل غسلهما.
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
قواعد الشرع: تقضي أن الشك لا يقضي وجوبا في الحكم إذا كان الأصل فلتستصحب على خلافه موجودا، والأصل
الطهارة في اليد والماء، فلتستصحب، ودليلهم على ندبيته في ابتداء الوضوء مطلقا وروده في صفة وضوئه عليه أفضل الصلاة والسلام،
(الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، لابن الملقن)
وقال شيخ الإسلام رحمنا الله وإياه في القواعد النورانية ((93)): إن المشكوك في وجوبه لا يجب فعله، ولا يستحب تركه، بل يستحب فعله احتياطا.
وذهب الشافعي والجمهور على أنه مستحب،
وأنها تغسل من عموم النوم، ليلا أو نهارا، لعموم قوله: من نومه؛ فإنه مفرد مضاف، وهو يعم كل نوم، وأما قوله: أين باتت يده فهو قيد أغلبي، ومتى كان القيد أغلبيا، فهو عند الأصوليين لا مفهوم له؛ كما قال تعالى: {وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن} …. ومثل هذا القيد في حديث الباب، بقوله: باتت يده؛ فإنه قيد أغلبي، فلا يقتضي التخصيص، ولا مفهوم له، وإذا فليس نوم الليل شرطا في غسل اليد ثلاثا من النوم.
(توضيح الأحكام للبسام)
‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘—-‘
حكم غسل اليد قبل إدخالها الإناء
اختلف الفقهاء في حكم هذه المسألة كما سبق، وربما القول بالوجوب أقوى:
دليل الجمهور على كون الغسل سنة:
الدليل الأول: قوله تعالى {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [8].
وقوله – صلى الله عليه وسلم -: “من توضأ كما أمره الله” فلم يقدم في الآية والخبر على الوجه فرضًا، فلو كان غسل اليد فرضًا لقدم ذكره، والله أعلم.
والجواب:
أن يقال: لا خلاف في أن غسل اليدين للوضوء من سنن الوضوء، ولكن غسلها لمن قام من الليل لا يتعلق بالوضوء فقط؛ وإنما هو لمن أراد غمسها في الإناء، سواء كان لوضوء أم لغيره.
الدليل الثاني:
استدل القائلون بالسنية، أن طهارة اليد متيقنة، ونجاسة اليد مشكوك فيها.
كما سبق النقل عن ابن دقيق العيد
ويجاب:
أن هذا توجيه يصح لو كانت العلة في النهي عن غمس اليد هي نجاسة اليد، أما من يرى أن العلة تعبدية، أو أن العلة كما ذكر ابن تيمية وابن القيم: هي مبيت الشيطان على يده أو مبيتها عليه، فلا يصح هذا الاستدلال. ولو كانت العلة في الغسل النجاسة، لأرشد الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى غسلها مرة واحدة
الدليل الثالث:
لما أرشد الرسول – صلى الله عليه وسلم – إلى غسل اليد ثلاث مرات قبل غمسها في الإناء، علم أنه ليس بواجب؛ إذ لو كان واجبًا لكفى فيها غسلة واحدة؛ قياسًا على دم الحيض.
وأجيب:
بأن هذا القول مبني على أن النهي لاحتمال أن تكون اليد نجسة، والذين قالوا بالوجوب لم يعللوا بذلك، على أن العدد ورد حتى في إزالة النجاسة كالاستجمار، والتسبيع في ولوغ الكلب.
الدليل الرابع:
قالوا: إذا كان الاستنثار سنة بالإجماع بعد القيام من النوم، فكذلك غسل اليدين بعد القيام من النوم، وقبل غمسهما في الإناء ليس بواجب.
والجواب:
أن يقال: هذا قياس في العبادات، والقياس فيها ضعيف.
فالراجح: أن القول باستحباب غسل اليدين ثلاثًا إذا انتبه من نوم الليل قول قوي، والقول بالوجوب أقوى، ولو غمس يديه لم يمنع ذلك من التطهر بالماء، فالماء باقٍ على طهوريته، والله أعلم.
منقول من بحث لبعض المشايخ