1167 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم .
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1167):
قال أبو داود رحمه الله: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا، وكيع عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي بكرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل معاهدا في غير كنهه حرم الله عليه الجنة)).
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيحٌ، ورجاله ثقات.
الحديث أخرجه النسائي (ج ٨ ص ٢٤).
* ثم قال النسائي (ص ٢٥): أخبرنا الحسين بن حريث قال حدثنا إسماعيل عن يونس عن الحكم الأعرج عن الأشعث بن ثرملة عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «من قتل نفسًا معاهدة بغير حلها حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها».
حديث صحيحٌ، ورجاله ثقات، والحكم هو ابن عبد الله بن الأعرج.
وقال عبد الرزاق (ج ١٠ ص ١٠٢): عن ابن عيينة، عن عمرو، عن الحسن، عن أبي بكرة، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مثله. أي مثل متن الحديث المتقدم عند عبد الرزاق في «مصنفه». وعمرو هو ابن دينار، والحسن هو البصري، وقد سمع من أبي بكرة.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
أورد أبو داود رحمه الله الحديث في السنن، كتاب الجهاد، ” ١٦٥ – باب في الوَفاء لِلْمُعاهِدِ وحُرْمَةِ ذِمَّتِهِ”، برقم (٢٧٦٠).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع، كتاب الإيمان، ٦٠ – أسباب مانعة من دخول الجنة وهي محمولة في حق الموحد على وقت مخصوص، برقم (٦٩٣).
وفي كتاب الإمارة، ٢٥ – إمام المسلمين لا يخيس بالعهد، برقم (٣١٩٢).
وفي كتاب الكبائر ، “٢٧ – قتل المعاهد بغير حق”، برقم (٣٣٢٩).
وفي كتاب التفسير، “وفي كتاب الكبائر ، “٢٢٣ – قوله تعالى: ﴿وأوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذا عاهَدْتُمْ﴾”، برقم (٤١٥٦).
الأول: شرح الحديث:
باب الوفاء للمعاهد وحرمة ذمته
قوله: للمعاهد. بكسر الهاء.
” (حدثنا عثمان) بن محمد بن إبراهيم (بن أبي شيبة) العنسي الكوفي، قال (حدثنا وكيع، عن عيينة بن عبد الرحمن) بن جوشن بفتح الجيم وإسكان الواو وفتح الشين المعجمة (عن أبيه) عبد الرحمن بن جوشن الغطفاني (عن أبي بكرة) نفيع “.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل معاهدا في غير كنهه حرم الله عليه الجنة)).
عن أبي بكرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل معاهدا)) “بفتح الهاء أي: عاهده المسلمون ويجوز كسرها؛ لأنه عاهدهم إذ هي مفاعلة من الطرفين وهو الذي له عهد منا وأمان، قال ابن الأثير: أكثر ما تطلق على أهل الذمة وقد تطلق على غيرهم من الكفار إذا صولحوا على ترك الحرب”.
وفي رواية للنسائي: «من قتل رجلًا من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة»، ورواية الترمذي: «من قتل نفسًا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله».
وقوله صلى الله عليه وسلم: “((من قتل معاهدًا في غير كنهه)) بضم الكاف مع سكون النون، أي: حقيقته التي يحل معها قتله فإن كنه الشيء حقيقته، وذلك حيث لا أمان له ولا عهد.
والمراد به هاهنا: الوقت : المعاهد الذي بينك وبينه فيه عهد وأمان، فإذا قتلته قبل وقته كان قتلك ظلمًا بغير ذنب، ولهذا بوب عليه البخاري: من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته. [قال محقق شرح سنن أبي داود لابن رسلان معلقا: “هكذا ذكر الشارح هذا التبويب، والذي وقفت عليه عند البخاري: باب إثم من قتل معاهدا بغير جرم”].
((حرم الله عليه الجنة))؛ لأنه بالعهد صار محرم الدم، فلما هتك حرمته المحرمة حرم الله عليه جنته، قال القاضي: ليس في قوله: «حرم الله عليه الجنة» ما يدل على الدوام فضلًا عن القطع، وقال غيره: هذا التحريم للجنة مخصوص بزمان ما ؛ لقيام الأدلة على أن من مات مسلمًا لا يخلد في النار.
قال ابن رسلان رحمه الله: ” فإن قيل: كيف تحرم عليه الجنة والمؤمنون مقطوع لهم بدخول الجنة؟
فالجواب: أن المراد أنه لا يدخلها مع أول من يدخلها من المسلمين الذين لم يقترفوا الكبائر”.انتهى.
(حم د ن كـ عن أبي بكرة) رمز المصنف لصحته، وقال في المهذب [انظر: المهذب في اختصار الكبير (رقم ١٤٦٤٧)]: هذا إسناد صالح، وقال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي”. قاله الصنعاني.
[التنوير شرح الجامع الصغير، للصنعاني، تحت حديث (٨٨٩٣)، (٨٨٩٤)، وشرح سنن أبي داود لابن رسلان (ت ٨٤٤)]
والحديث “أخرجه أحمد ٥/ ٣٨، ٣٦، أبو داود (٢٧٦٠)، النسائي (٨/ ٢٥)، والحاكم (٢/ ١٤٢)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (٦٤٥٦)”.
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
سبق ذكر بعض الأحكام المتعلقة في عقد الأمان.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “سبق لنا كثير من أحكام أهل الذمة، وكما تعلمون أن هذا الكتاب مختصر، لم يستوعب جميع الأحكام التي تُطَبَّق على أهل الذمة، لكن ابن القيم –رحمه الله- توسع في ذلك في كتابه أحكام أهل الذمة وهو مطبوع في مجلدين وموجود، وكنا قبل هذا الوقت نقول: لا حاجة لقراءة الجهاد؛ لأنه ما فيه جهاد، ولا لقراءة أحكام أهل الذمة؛ لأنه ما عندنا أهل ذمة، أما الآن فلا بد لطلبة العلم من أن يقرؤوا ويحققوا أحكام الجهاد، وأحكام أهل الذمة، وسائر الكفار”.[الشرح الصوتي لزاد المستقنع – ابن عثيمين].
(المسألة الأولى): التعريف بأهْل الذِّمَّةِ
أولاً: التَّعْرِيفُ:
١ – الذِّمَّةُ فِي اللُّغَةِ: الأْمانُ والعَهْدُ، فَأهْل الذِّمَّةِ أهْل العَهْدِ، والذِّمِّيُّ: هُوَ المُعاهَدُ. [المصباح المنير ولسان العرب والقاموس مادة: «ذمم»].
والمُرادُ بِأهْل الذِّمَّةِ فِي اصْطِلاَحِ الفُقَهاءِ الذِّمِّيُّونَ، والذِّمِّيُّ نِسْبَةٌ إلى الذِّمَّةِ، أيِ العَهْدِ مِنَ الإْمامِ – أوْ مِمَّنْ يَنُوبُ عَنْهُ – بِالأْمْنِ عَلى نَفْسِهِ ومالِهِ نَظِيرَ التِزامِهِ الجِزْيَةَ ونُفُوذَ أحْكامِ الإْسْلاَمِ.
وتَحْصُل الذِّمَّةُ لأِهْل الكِتابِ ومَن فِي حُكْمِهِمْ بِالعَقْدِ أوِ القَرائِنِ أوِ التَّبَعِيَّةِ، فَيَقَرُّونَ عَلى كُفْرِهِمْ فِي مُقابِل الجِزْيَةِ، كَما سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ.
الأْلْفاظُ ذاتُ الصِّلَةِ:
أ – أهْل الكِتابِ:
٢ – قال الحَنَفِيَّةُ والحَنابِلَةُ: أهْل الكِتابِ هُمُ: اليَهُودُ والنَّصارى ومَن دانَ بِدِينِهِمْ، فَيَدْخُل فِي اليَهُودِ السّامِرَةُ؛ لأِنَّهُمْ يَدِينُونَ بِالتَّوْراةِ ويَعْمَلُونَ بِشَرِيعَةِ مُوسى عليه الصلاة والسلام ، ويَدْخُل فِي النَّصارى كُل مَن دانَ بِالإْنْجِيل وانْتَسَبَ إلى عِيسى عليه الصلاة والسلام بِالاِدِّعاءِ والعَمَل بِشَرِيعَتِهِ. وقال الشّافِعِيَّةُ والمالِكِيَّةُ: أهْل الكِتابِ هُمُ اليَهُودُ والنَّصارى.
وأهْل الذِّمَّةِ قَدْ يَكُونُونَ مِن أهْل الكِتابِ، وقَدْ يَكُونُونَ مِن غَيْرِهِمْ كالمَجُوسِ، فالنِّسْبَةُ بَيْنَ أهْل الذِّمَّةِ وأهْل الكِتابِ: أنَّ كُل واحِدٍ مِنهُما أعَمُّ مِنَ الآْخَرِ مِن وجْهٍ، وأخَصُّ مِنهُ مِن وجْهٍ آخَرَ، فَيَجْتَمِعانِ فِي الكِتابِيِّ إذا كانَ مِن أهْل الذِّمَّةِ.
ثانيًا: ما يَكُونُ بِهِ غَيْرُ المُسْلِمِ ذِمِّيًّا:
٥ – يَصِيرُ غَيْرُ المُسْلِمِ ذِمِّيًّا بِالعَقْدِ، أوْ بِقَرائِنَ مُعَيَّنَةٍ تَدُل عَلى رِضاهُ بِالذِّمَّةِ، أوْ بِالتَّبَعِيَّةِ لِغَيْرِهِ، أوْ بِالغَلَبَةِ والفَتْحِ.
وفِيما يَأْتِي تَفْصِيل هَذِهِ الحالاَتِ:
أوَّلًا – عَقْدُ الذِّمَّةِ:
٦ – عَقْدُ الذِّمَّةِ: إقْرارُ بَعْضِ الكُفّارِ عَلى كُفْرِهِ بِشَرْطِ بَذْل الجِزْيَةِ والتِزامِ أحْكامِ الإْسْلاَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ،
والغَرَضُ مِنهُ: أنْ يَتْرُكَ الذِّمِّيُّ القِتال، مَعَ احْتِمال دُخُولِهِ الإْسْلاَمَ عَنْ طَرِيقِ مُخالَطَتِهِ بِالمُسْلِمِينَ، ووُقُوفِهِ عَلى مَحاسِنِ الدِّينِ.
فَكانَ عَقْدُ الذِّمَّةِ لِلدَّعْوَةِ إلى الإْسْلاَمِ، لاَ لِلرَّغْبَةِ أوِ الطَّمَعِ فِيما يُؤْخَذُ مِنهُمْ مِنَ الجِزْيَةِ.
[البدائع ٧ / ١١١، وابن عابدين ٣ / ٢٧٥، وكشاف القناع ٣ / ١١٦، والخرشي ٣ / ١٤٣، والحطاب ٣ / ٢٨١، ومغني المحتاج ٤ / ٢٤٢].
ويَنْعَقِدُ هَذا العَقْدُ بِإيجابٍ وقَبُولٍ بِاللَّفْظِ، أوْ ما يَقُومُ مَقامَهُ، ولاَ تُشْتَرَطُ كِتابَتُهُ كَما هُوَ الشَّأْنُ فِي سائِرِ العُقُودِ، ومَعَ هَذا فَكِتابَةُ العَقْدِ أمْرٌ مُسْتَحْسَنٌ لأِجْل الإْثْباتِ، ودَفْعًا لِمَضَرَّةِ الإْنْكارِ والجُحُودِ.
[مغني المحتاج ٤ / ٢٤٣، والمغني ٨ / ٥٣٤، وتاريخ الطبري ٥ / ٢٢٨، والأموال لأبي عبيد ٨٧، والمهذب ٢ / ٢٥٤، والأحكام السلطانية للماوردي ١٤٥، والبدائع ٧ / ١١٠].
مَن يَتَوَلّى إبْرامَ العَقْدِ:
٧ – جُمْهُورُ الفُقَهاءِ: المالِكِيَّةِ والشّافِعِيَّةِ والحَنابِلَةِ عَلى أنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ مَعَ غَيْرِ المُسْلِمِ يَتَوَلّى إبْرامَهُ الإْمامُ أوْ نائِبُهُ، فَلاَ يَصِحُّ مِن غَيْرِهِما؛ لأِنَّ ذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ الإْمامِ وما يَراهُ مِنَ المَصْلَحَةِ؛ ولأِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ عَقْدٌ مُؤَبَّدٌ، فَلَمْ يَجُزْ أنْ يُفْتاتَ بِهِ عَلى الإْمامِ.
[الخرشي ٣ / ١٤٣، والقليوبي ٤ / ٢٢٨، ومغني المحتاج ٤ / ٢٤٣، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٠٥، وكشاف القناع ٣ / ١١٦]
وأجازَ ذَلِكَ الحَنَفِيَّةُ لِكُل مُسْلِمٍ؛ لأِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ خَلَفٌ عَنِ الإْسْلاَمِ، فَهُوَ بِمَنزِلَةِ الدَّعْوَةِ إلَيْهِ؛ ولأِنَّهُ مُقابِل الجِزْيَةِ، فَتَتَحَقَّقُ فِيهِ المَصْلَحَةُ؛ ولأِنَّهُ مَفْرُوضٌ عِنْدَ طَلَبِهِمْ لَهُ، وفِي انْعِقادِهِ إسْقاطُ الفَرْضِ عَنِ الإْمامِ وعامَّةِ المُسْلِمِينَ، فَيَجُوزُ لِكُل مُسْلِمٍ [فتح القدير والعناية على الهداية ٥ / ٢١٣، ٢١٤].
مَن يَصِحُّ لَهُ عَقْدُ الذِّمَّةِ:
٨ – اتَّفَقَ الفُقَهاءُ عَلى جَوازِ عَقْدِ الذِّمَّةِ لأِهْل الكِتابِ والمَجُوسِ، كَما اتَّفَقُوا عَلى عَدَمِ جَوازِهِ لِلْمُرْتَدِّ، أمّا فِيما عَدا ذَلِكَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا.
شُرُوطُ عَقْدِ الذِّمَّةِ:
٩ – جُمْهُورُ الفُقَهاءِ عَلى أنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الذِّمَّةِ أنْ يَكُونَ مُؤَبَّدًا؛ لأِنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ فِي إفادَةِ العِصْمَةِ كالخَلَفِ عَنْ عَقْدِ الإْسْلاَمِ، وعَقْدُ الإْسْلاَمِ لاَ يَصِحُّ إلاَّ مُؤَبَّدًا، فَكَذا عَقْدُ الذِّمَّةِ. وفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشّافِعِيَّةِ يَصِحُّ مُؤَقَّتًا.
وكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي هَذا العَقْدِ قَبُول والتِزامُ أحْكامِ الإْسْلاَمِ فِي غَيْرِ العِباداتِ، مِن حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ فِي المُعامَلاَتِ وغَرامَةِ المُتْلِفاتِ، وكَذا ما يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كالزِّنى والسَّرِقَةِ، كَما يُشْتَرَطُ فِي حَقِّ الرِّجال مِنهُمْ قَبُول بَذْل الجِزْيَةِ كُل عامٍ.
[البدائع ٧ / ١١١، ومغني المحتاج ٤ / ٢٤٢، ٢٤٣، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٠٥، وكشاف القناع ٣ / ١١٧، ١٢١].
١٠ – وذَكَرَ بَعْضُ الفُقَهاءِ شُرُوطًا أُخْرى لَمْ يَذْكُرْها الآْخَرُونَ. قال الماوَرْدِيُّ مِنَ الشّافِعِيَّةِ: يُشْتَرَطُ عَلَيْهِمْ سِتَّةُ أشْياءَ:
(١) ألاَّ يَذْكُرُوا كِتابَ اللَّهِ تَعالى بِطَعْنٍ ولاَ تَحْرِيفٍ لَهُ.
(٢) وألاَّ يَذْكُرُوا رَسُول اللَّهِ ﷺ بِتَكْذِيبٍ لَهُ ولاَ ازْدِراءٍ.
(٣) وألاَّ يَذْكُرُوا دِينَ الإْسْلاَمِ بِذَمٍّ لَهُ ولاَ قَدْحٍ فِيهِ.
(٤) وألاَّ يُصِيبُوا مُسْلِمَةً بِزِنًى ولاَ بِاسْمِ نِكاحٍ.
(٥) وألاَّ يَفْتِنُوا مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ ولاَ يَتَعَرَّضُوا لِمالِهِ.
(٦) وألاَّ يُعِينُوا أهْل الحَرْبِ ولاَ يُؤْوُوا لِلْحَرْبِيِّينَ عَيْنًا (جاسُوسًا).
قال الماوَرْدِيُّ: فَهَذِهِ حُقُوقٌ مُلْتَزَمَةٌ، فَتَلْزَمُهُمْ بِغَيْرِ شَرْطٍ، وإنَّما تُشْتَرَطُ إشْعارًا لَهُمْ وتَأْكِيدًا لِتَغْلِيظِ العَهْدِ عَلَيْهِمْ، ويَكُونُ ارْتِكابُها بَعْدَ الشَّرْطِ نَقْضًا لِعَهْدِهِمْ.
[الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٤٥، وانظر مغني المحتاج ٤ / ٢٤٣].
ومِثْلُهُ ما ذَكَرَهُ أبُو يَعْلى مِنَ الحَنابِلَةِ [الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ١٤٢].
وإنَّما لَمْ يَذْكُرْها الآْخَرُونَ لِدُخُولِها فِي شَرْطِ التِزامِ أحْكامِ الإْسْلاَمِ.
١١ – هَذا، وزادَ بَعْضُهُمْ شُرُوطًا أُخْرى كاسْتِضافَةِ المُسْلِمِينَ، وعَدَمِ إظْهارِ مُنْكَرٍ فِي دارِ الإْسْلاَمِ وغَيْرِها، واخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ أوِ اسْتِحْبابِ اشْتِراطِ هَذا النَّوْعِ مِنَ الشُّرُوطِ، وجُمْلَةُ ذَلِكَ أنَّهُ يَنْبَغِي لِلإْمامِ عِنْدَ العَقْدِ أنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِمْ شُرُوطًا نَحْوَ ما شَرَطَهُ عُمَرُ رضي الله عنه ، وقَدْ رُوِيَتْ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي ذَلِكَ أخْبارٌ.
ثانِيًا: حُصُول الذِّمَّةِ بِالقَرائِنِ:
وهُوَ أنْواعٌ:
أ – الإْقامَةُ فِي دارِ الإْسْلاَمِ:
١٢ – الأْصْل أنَّ غَيْرَ المُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يَحْصُل عَلى الذِّمَّةِ لاَ يُمَكَّنُ مِنَ الإْقامَةِ الدّائِمَةِ فِي دارِ الإْسْلاَمِ، وإنَّما يُمَكَّنُ مِنَ الإْقامَةِ اليَسِيرَةِ بِالأْمانِ المُؤَقَّتِ، ويُسَمّى صاحِبُ الأْمانِ (المُسْتَأْمَنُ)، وجُمْهُورُ الفُقَهاءِ (الحَنَفِيَّةُ والشّافِعِيَّةُ والحَنابِلَةُ) عَلى أنَّ مُدَّةَ الإْقامَةِ فِي دارِ الإْسْلاَمِ لِلْمُسْتَأْمَنِ لاَ تَبْلُغُ سَنَةً، فَإذا أقامَ فِيها سَنَةً كامِلَةً أوْ أكْثَرَ تُفْرَضُ عَلَيْهِ الجِزْيَةُ ويَصِيرُ بَعْدَها ذِمِّيًّا.
فَطُول إقامَةِ غَيْرِ المُسْلِمِينَ قَرِينَةٌ عَلى رِضاهُمْ بِالإْقامَةِ الدّائِمَةِ وقَبُولِهِمْ شُرُوطَ أهْل الذِّمَّةِ.
[البدائع ٧ / ١١٠، والأحكام السلطانية للماوردي ١٤٦، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ١٤٥].
ب – زَواجُ الحَرْبِيَّةِ مِنَ المُسْلِمِ أوِ الذِّمِّيِّ:
١٣ – صَرَّحَ الحَنَفِيَّةُ بِأنَّ الحَرْبِيَّةَ المُسْتَأْمَنَةَ إذا تَزَوَّجَتْ مُسْلِمًا أوْ ذِمِّيًّا فَقَدْ تَوَطَّنَتْ وصارَتْ ذِمِّيَّةً؛ لأِنَّ المَرْأةَ فِي المَسْكَنِ تابِعَةٌ لِلزَّوْجِ، ..، بِخِلاَفِ المُسْتَأْمَنِ إذا تَزَوَّجَ ذِمِّيَّةً؛ لأِنَّ الزَّوْجَ لاَ يَكُونُ تابِعًا لاِمْرَأتِهِ فِي المُقامِ، فَزَواجُهُ مِنَ الذِّمِّيَّةِ لاَ يَدُل عَلى رِضاهُ بِالبَقاءِ فِي دارِ الإْسْلاَمِ، فَلاَ يَصِيرُ ذِمِّيًّا.
[المبسوط للسرخسي ١٠ / ٨٤، والبدائع ٧ / ١١٠، والسير الكبير ٥ / ١٨٦٥، والزيلعي ٢ / ٢٦٩].
وأمّا الحَنابِلَةُ، فالظّاهِرُ أنَّهُمْ خالَفُوا الحَنَفِيَّةَ فِي هَذا الحُكْمِ، قال صاحِبُ المُغْنِي: إذا دَخَلَتِ الحَرْبِيَّةُ إلَيْنا بِأمانٍ، فَتَزَوَّجَتْ ذِمِّيًّا فِي دارِنا، ثُمَّ أرادَتِ الرُّجُوعَ لَمْ تُمْنَعْ إذا رَضِيَ زَوْجُها أوْ فارَقَها، وقال أبُو حَنِيفَةَ: تُمْنَعُ. [المغني ٨ / ٤٠٢].
ولَمْ نَعْثُرْ فِي كُتُبِ المالِكِيَّةِ والشّافِعِيَّةِ عَلى هَذا الحُكْمِ.
ج – شِراءُ الأْراضِي الخَراجِيَّةِ:
١٤ – قَرَّرَ الحَنَفِيَّةُ أنَّ المُسْتَأْمَنَ إذا اشْتَرى أرْضًا خَراجِيَّةً فِي دارِ الإْسْلاَمِ فَزَرَعَها، يُوضَعُ عَلَيْهِ خَراجُ الأْرْضِ ويَصِيرُ ذِمِّيًّا؛ لأِنَّ وظِيفَةَ الخَراجِ تَخْتَصُّ بِالمُقامِ فِي دارِ الإْسْلاَمِ، فَإذا قَبِلَها فَقَدْ رَضِيَ بِكَوْنِهِ مِن أهْل دارِ الإْسْلاَمِ فَيَصِيرُ ذِمِّيًّا. ولَوْ باعَها قَبْل أنْ يَجْبِيَ خَراجَها لاَ يَصِيرُ ذِمِّيًّا؛ لأِنَّ دَلِيل قَبُول الذِّمَّةِ وُجُوبُ الخَراجِ لاَ نَفْسُ الشِّراءِ، فَما لَمْ يُوضَعْ عَلَيْهِ الخَراجُ لاَ يَصِيرُ ذِمِّيًّا.
وقال بَعْضُهُمْ: إنَّما يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِشَرْطِ تَنْبِيهِهِ عَلى أنَّهُ فِي حالَةِ عَدَمِ بَيْعِهِ الأْرْضَ ورُجُوعِهِ إلى بِلاَدِهِ سَيَكُونُ ذِمِّيًّا، إذْ لاَ يَصِحُّ جَعْلُهُ ذِمِّيًّا بِلاَ رِضًى مِنهُ أوْ قَرِينَةٍ مُعْتَبَرَةٍ تَكْشِفُ عَنْ رِضاهُ [البدائع ٧ / ١١٠، وابن عابدين ٣ / ٣٤٦، والزيلعي ٢ / ٢٦٩].
ثالِثًا – صَيْرُورَتُهُ ذِمِّيًّا بِالتَّبَعِيَّةِ:
١٥ – هُناكَ حالاَتٌ يَصِيرُ فِيها غَيْرُ المُسْلِمِ ذِمِّيًّا تَبَعًا لِغَيْرِهِ؛ لِعَلاَقَةٍ بَيْنَهُما تَسْتَوْجِبُ هَذِهِ التَّبَعِيَّةَ فِي الذِّمَّةِ مِنها:
أ – الأْوْلاَدُ الصِّغارُ والزَّوْجَةُ.
ب – اللَّقِيطُ.
رابِعًا – الذِّمَّةُ بِالغَلَبَةِ والفَتْحِ:
١٨ – هَذا النَّوْعُ مِنَ الذِّمَّةِ يَتَحَقَّقُ فِيما إذا فَتَحَ المُسْلِمُونَ بِلاَدًا غَيْرَ إسْلاَمِيَّةٍ، ورَأى الإْمامُ تَرْكَ أهْل هَذِهِ البِلاَدِ أحْرارًا بِالذِّمَّةِ، وضَرَبَ الجِزْيَةَ عَلَيْهِمْ، كَما فَعَل عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ فِي فَتْحِ سَوادِ العِراقِ [الكاساني ٧ / ١١١، ١١٩، وحاشية القليوبي ٣ / ١٢٦، وأحكام أهل الذمة لابن القيم ١ / ١٠٥].
(المسألة الثانية): حُقُوقُ أهْل الذِّمَّةِ
١٩ – القاعِدَةُ العامَّةُ فِي حُقُوقِ أهْل الذِّمَّةِ: أنَّ لَهُمْ ما لَنا وعَلَيْهِمْ ما عَلَيْنا، وهَذِهِ القاعِدَةُ جَرَتْ عَلى لِسانِ فُقَهاءِ الحَنَفِيَّةِ، وتَدُل عَلَيْها عِباراتُ فُقَهاءِ المالِكِيَّةِ، والشّافِعِيَّةِ، والحَنابِلَةِ [بدائع الصنائع للكاساني ٦ / ١١١، والقوانين الفقهية لابن جزي ص ١٠٥، والمهذب للشيرازي ٢ / ٢٥٦، والأحكام السلطانية للماوردي ص ٢٤٧، والمغني لابن قدامة ٨ / ٤٤٥، ٥٣٥]. ويُؤَيِّدُها بَعْضُ الآْثارِ عَنِ السَّلَفِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ أنَّهُ قال: إنَّما قَبِلُوا الجِزْيَةَ لِتَكُونَ أمْوالُهُمْ كَأمْوالِنا، ودِماؤُهُمْ كَدِمائِنا.
لَكِنَّ هَذِهِ القاعِدَةَ غَيْرُ مُطَبَّقَةٍ عَلى إطْلاَقِها، فالذِّمِّيُّونَ لَيْسُوا كالمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ الحُقُوقِ والواجِباتِ، وذَلِكَ بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وعَدَمِ التِزامِهِمْ أحْكامَ الإْسْلاَمِ.
وفِيما يَلِي نَذْكُرُ ما يَتَمَتَّعُ بِهِ أهْل الذِّمَّةِ مِنَ الحُقُوقِ:
أوَّلًا – حِمايَةُ الدَّوْلَةِ لَهُمْ:
٢٠ – يُعْتَبَرُ أهْل الذِّمَّةِ مِن أهْل دارِ الإْسْلاَمِ؛ لأِنَّ المُسْلِمِينَ حِينَ أعْطَوْهُمُ الذِّمَّةَ فَقَدِ التَزَمُوا دَفْعَ الظُّلْمِ عَنْهُمْ والمُحافَظَةَ عَلَيْهِمْ، وصارُوا أهْل دارِ الإْسْلاَمِ، كَما صَرَّحَ الفُقَهاءُ بِذَلِكَ. [البدائع للكاساني ٥ / ٢٨١، وشرح السير الكبير ١ / ١٤٠، والمغني ٥ / ٥٦٦].
وعَلى ذَلِكَ فَلأِهْل الذِّمَّةِ حَقُّ الإْقامَةِ آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ عَلى دِمائِهِمْ وأمْوالِهِمْ وأعْراضِهِمْ، وعَلى الإْمامِ حِمايَتُهُمْ مِن كُل مَن أرادَ بِهِمْ سُوءًا مِنَ المُسْلِمِينَ أوْ أهْل الحَرْبِ أوْ أهْل الذِّمَّةِ.
ومِن مُقْتَضَياتِ عَقْدِ الذِّمَّةِ: أنَّ أهْل الذِّمَّةِ لاَ يُظْلَمُونَ ولاَ يُؤْذَوْنَ، حَتّى إنَّ الفُقَهاءَ صَرَّحُوا بِأنَّ أهْل الحَرْبِ إذا اسْتَوْلُوا عَلى أهْل الذِّمَّةِ، فَسَبَوْهُمْ وأخَذُوا أمْوالَهُمْ، ثُمَّ قَدَرَ عَلَيْهِمْ، وجَبَ رَدُّهُمْ إلى ذِمَّتِهِمْ، ولَمْ يَجُزِ اسْتِرْقاقُهُمْ، وهَذا فِي قَوْل عامَّةِ أهْل العِلْمِ، كَما قال صاحِبُ المُغْنِي: لأِنَّ ذِمَّتَهُمْ باقِيَةٌ، ولَمْ يُوجَدْ مِنهُمْ ما يَنْقُضُها، وحُكْمُ أمْوالِهِمْ حُكْمُ أمْوال المُسْلِمِينَ فِي حُرْمَتِها [ابن عابدين ٣ / ٢٤٣، ٢٤٤، والمهذب ٢ / ٢٥٣، والمغني ٨ / ٤٤٤].
ثانِيًا – حَقُّ الإْقامَةِ والتَّنَقُّل:
٢١ – لأِهْل الذِّمَّةِ أنْ يُقِيمُوا فِي دارِ الإْسْلاَمِ آمِنِينَ مُطْمَئِنِّينَ عَلى أنْفُسِهِمْ وأمْوالِهِمْ، ما لَمْ يَظْهَرْ مِنهُمْ ما يُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُهُمْ؛ لأِنَّهُمْ إنَّما بَذَلُوا الجِزْيَةَ لِتَكُونَ أمْوالُهُمْ كَأمْوالِنا ودِماؤُهُمْ كَدِمائِنا، والمُسْلِمُونَ عَلى شُرُوطِهِمْ.
لَكِنَّ الفُقَهاءَ اتَّفَقُوا عَلى عَدَمِ جَوازِ إقامَةِ الذِّمِّيِّ واسْتِيطانِهِ فِي مَكَّةَ والمَدِينَةِ، عَلى خِلاَفٍ وتَفْصِيلٍ فِيما سِواهُما. [الموسوعة الفقهية في الكويت ٣ / ١٢٦].
ثالِثًا – عَدَمُ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِي عَقِيدَتِهِمْ وعِبادَتِهِمْ:
٢٣ – إنَّ مِن مُقْتَضى عَقْدِ الذِّمَّةِ ألاَّ يَتَعَرَّضَ المُسْلِمُونَ لأِهْل الذِّمَّةِ فِي عَقِيدَتِهِمْ وأداءِ عِبادَتِهِمْ دُونَ إظْهارِ شَعائِرِهِمْ، فَعَقْدُ الذِّمَّةِ إقْرارُ الكُفّارِ عَلى كُفْرِهِمْ بِشَرْطِ بَذْل الجِزْيَةِ والتِزامِ أحْكامِ المِلَّةِ، وإذا كانَ هُناكَ احْتِمال دُخُول الذِّمِّيِّ فِي الإْسْلاَمِ عَنْ طَرِيقِ مُخالَطَتِهِ لِلْمُسْلِمِينَ ووُقُوفِهِ عَلى مَحاسِنِ الدِّينِ، فَهَذا يَكُونُ عَنْ طَرِيقِ الدَّعْوَةِ لاَ عَنْ طَرِيقِ الإْكْراهِ، وقَدْ قال اللَّهُ: ﴿لاَ إكْراهَ فِي الدِّينِ﴾، وهَذا الأْصْل مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الفُقَهاءِ، لَكِنْ هُناكَ تَفْصِيلٌ وخِلاَفٌ فِي بَعْضِ الفُرُوعِ، نَذْكُرُهُ فِيما يَلِي:
أ – مَعابِدُ أهْل الذِّمَّةِ:
٢٤ – قَسَّمَ الفُقَهاءُ أمْصارَ المُسْلِمِينَ عَلى ثَلاَثَةِ أقْسامٍ:
[الخراج لأبي يوسف ص ٧٢، والبدائع ٧ / ١١٣، والدسوقي ٢ / ٢٠٤، وكشاف القناع ٣ / ١١٦، ١٣٣]
الأْوَّل: ما اخْتَطَّهُ المُسْلِمُونَ وأنْشَئُوهُ كالكُوفَةِ والبَصْرَةِ وبَغْدادَ وواسِطَ، فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إحْداثُ كَنِيسَةٍ ولاَ بِيعَةٍ ولاَ مُجْتَمَعٍ لِصَلاَتِهِمْ ولاَ صَوْمَعَةٍ بِإجْماعِ أهْل العِلْمِ، ولاَ يُمَكَّنُونَ فِيهِ مِن شُرْبِ الخَمْرِ واتِّخاذِ الخَنازِيرِ وضَرْبِ النّاقُوسِ.
الثّانِي: ما فَتَحَهُ المُسْلِمُونَ عَنْوَةً، فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إحْداثُ شَيْءٍ مِن ذَلِكَ بِالاِتِّفاقِ؛ لأِنَّهُ صارَ مِلْكًا لِلْمُسْلِمِينَ، وما كانَ فِيهِ شَيْءٌ مِن ذَلِكَ هَل يَجِبُ هَدْمُهُ؟ خلاف بين أهل العلم.
الثّالِثُ: ما فَتَحَهُ المُسْلِمُونَ صُلْحًا، فَإنْ صالَحَهُمُ الإْمامُ عَلى أنَّ الأْرْضَ لَهُمْ والخَراجَ لَنا، فَلَهُمْ إحْداثُ ما يَحْتاجُونَ إلَيْهِ فِيها مِنَ الكَنائِسِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ والمالِكِيَّةِ والحَنابِلَةِ، وهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشّافِعِيَّةِ؛ لأِنَّ المِلْكَ والدّارَ لَهُمْ، فَيَتَصَرَّفُونَ فِيها كَيْفَ شاءُوا. وفِي مُقابِل الأْصَحِّ عِنْدَ الشّافِعِيَّةِ: المَنعُ؛ لأِنَّ البَلَدَ تَحْتَ حُكْمِ الإْسْلاَمِ.
وإنْ صالَحَهُمْ عَلى أنَّ الدّارَ لَنا، ويُؤَدُّونَ الجِزْيَةَ، فالحُكْمُ فِي الكَنائِسِ عَلى ما يَقَعُ عَلَيْهِ الصُّلْحُ، والأْوْلى ألاَّ يُصالِحَهُمْ إلاَّ عَلى ما وقَعَ عَلَيْهِ صُلْحُ عُمَرَ مِن عَدَمِ إحْداثِ شَيْءٍ مِنها.
وإنْ وقَعَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا، لاَ يَجُوزُ الإْحْداثُ عِنْدَ الجُمْهُورِ: (الحَنَفِيَّةِ والشّافِعِيَّةِ والحَنابِلَةِ)، ويَجُوزُ فِي بَلَدٍ لَيْسَ فِيهِ أحَدٌ مِنَ المُسْلِمِينَ عِنْدَ المالِكِيَّةِ.
ولاَ يَتَعَرَّضُ لِلْقَدِيمَةِ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ والحَنابِلَةِ، وهُوَ المَفْهُومُ مِن كَلاَمِ المالِكِيَّةِ، والأْصَحُّ عِنْدَ الشّافِعِيَّةِ المَنعُ مِن إبْقائِها كَنائِسَ.
[فتح القدير ٥ / ٣٠٠، والدسوقي ٢ / ٢٠٤، وجواهر الإكليل ١ / ٢٦٨، ومغني المحتاج ٤ / ٢٥٤، والمغني لابن قدامة ٨ / ٥٢٦، ٥٢٧].
ب – إجْراءُ عِباداتِهِمْ:
٢٥ – الأْصْل فِي أهْل الذِّمَّةِ تَرْكُهُمْ وما يَدِينُونَ، فَيُقَرُّونَ عَلى الكُفْرِ وعَقائِدِهِمْ وأعْمالِهِمُ الَّتِي يَعْتَبِرُونَها مِن أُمُورِ دِينِهِمْ، ولاَ يُمْنَعُونَ مِنَ ارْتِكابِ المَعاصِي الَّتِي يَعْتَقِدُونَ بِجَوازِها، وغَيْرِ ذَلِكَ فِيما بَيْنَهُمْ، أوْ إذا انْفَرَدُوا بِقَرْيَةٍ.
ويُشْتَرَطُ فِي جَمِيعِ هَذا ألاَّ يُظْهِرُوها ولاَ يَجْهَرُوا بِها بَيْنَ المُسْلِمِينَ، وإلاَّ مُنِعُوا وعُزِّرُوا، وهَذا بِاتِّفاقِ المَذاهِبِ، فَقَدْ جاءَ فِي شُرُوطِ أهْل الذِّمَّةِ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ: «ألاَّ نَضْرِبَ ناقُوسًا إلاَّ ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنائِسِنا، ولاَ نُظْهِرَ عَلَيْها صَلِيبًا، ولاَ نَرْفَعَ أصْواتَنا فِي الصَّلاَةِ ولاَ القِراءَةَ فِي كَنائِسِنا، ولاَ نُظْهِرُ صَلِيبًا ولاَ كِتابًا فِي سُوقِ المُسْلِمِينَ» إلَخْ. [البناية على الهداية ٤ / ٨٣٧، وابن عابدين ٣ / ٢٧٢، والدسوقي ٢ / ٢٠٤، ومغني المحتاج ٤ / ٢٥٧، وكشاف القناع ٣ / ١٣٣]، هَذا،
وقَدْ فَصَّل بَعْضُ الحَنَفِيَّةِ بَيْنَ أمْصارِ المُسْلِمِينَ وبَيْنَ القُرى. [بدائع الصنائع للكاساني ٧ / ١١٣].
وفَصَّل الشّافِعِيَّةُ بَيْنَ القُرى العامَّةِ والقُرى الَّتِي يَنْفَرِدُ بِها أهْل الذِّمَّةِ، فَلاَ يُمْنَعُونَ فِي الأْخِيرَةِ مِن إظْهارِ عِباداتِهِمْ. [المهذب ٢ / ٢٥٦].
رابِعًا – اخْتِيارُ العَمَل:
٢٦ – يَتَمَتَّعُ الذِّمِّيُّ بِاخْتِيارِ العَمَل الَّذِي يَراهُ مُناسِبًا لِلتَّكَسُّبِ، فَيَشْتَغِل بِالتِّجارَةِ والصِّناعَةِ كَما يَشاءُ، فَقَدْ صَرَّحَ الفُقَهاءُ أنَّ الذِّمِّيَّ فِي المُعامَلاَتِ كالمُسْلِمِ، هَذا هُوَ الأْصْل، وهُناكَ اسْتِثْناءاتٌ فِي هَذا المَجال.
أمّا الأْشْغال والوَظائِفُ العامَّةُ، فَما يُشْتَرَطُ فِيهِ الإْسْلاَمُ كالخِلاَفَةِ، والإْمارَةِ عَلى الجِهادِ، والوِزارَةِ وأمْثالِها، فَلاَ يَجُوزُ أنْ يُعْهَدَ بِذَلِكَ إلى ذِمِّيٍّ، وما لاَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الإْسْلاَمُ كَتَعْلِيمِ الصِّغارِ الكِتابَةَ، وتَنْفِيذِ ما يَأْمُرُ بِهِ الإْمامُ أوِ الأْمِيرُ، يَجُوزُ أنْ يُمارِسَهُ الذِّمِّيُّونَ.
[بن عابدين ٣ / ٢٧٦، وجواهر الإكليل ٢ / ٢٥٤، والأحكام السلطانية للماوردي ص ٢١ – ٢٥، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ١٣ – ١٥]
المُعامَلاَتُ المالِيَّةُ لأِهْل الذِّمَّةِ:
٢٧ – القاعِدَةُ العامَّةُ أنَّ أهْل الذِّمَّةِ فِي المُعامَلاَتِ كالبُيُوعِ والإْجارَةِ وسائِرِ التَّصَرُّفاتِ المالِيَّةِ كالمُسْلِمِينَ (إلاَّ ما اسْتُثْنِيَ مِنَ المُعامَلَةِ بِالخَمْرِ والخِنْزِيرِ ونَحْوِهِما)؛ وذَلِكَ لأِنَّ الذِّمِّيَّ مُلْتَزِمٌ أحْكامَ الإْسْلاَمِ فِيما يَرْجِعُ إلى المُعامَلاَتِ المالِيَّةِ، فَيَصِحُّ مِنهُمُ البَيْعُ والإْجارَةُ والمُضارَبَةُ والمُزارَعَةُ ونَحْوُها مِنَ العُقُودِ والتَّصَرُّفاتِ الَّتِي تَصِحُّ مِنَ المُسْلِمِينَ، ولاَ تَصِحُّ مِنهُمْ عُقُودُ الرِّبا والعُقُودُ الفاسِدَةُ والمَحْظُورَةُ الَّتِي لاَ تَصِحُّ مِنَ المُسْلِمِينَ، كَما صَرَّحَ بِهِ فُقَهاءُ المَذاهِبِ.
إلاَّ أنَّ هُناكَ ما يُسْتَثْنى مِن هَذِهِ القاعِدَةِ نُجْمِلُهُ فِيما يَلِي:
أ – المُعامَلَةُ بِالخَمْرِ والخِنْزِيرِ:
٢٨ – اتَّفَقَ الفُقَهاءُ عَلى أنَّهُ لاَ تَجُوزُ المُعامَلَةُ بِالخَمْرِ والخِنْزِيرِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ مُطْلَقًا؛ لأِنَّهُما لاَ يُعْتَبَرانِ مالًا مُتَقَوِّمًا عِنْدَ المُسْلِمِينَ.
ب – ضَمانُ الإْتْلاَفِ:
٢٩ – إذا أتْلَفَ الخَمْرَ والخِنْزِيرَ لِمُسْلِمٍ فَلاَ ضَمانَ اتِّفاقًا؛ لِعَدَمِ تَقَوُّمِهِما فِي حَقِّ المُسْلِمِينَ. وكَذَلِكَ إتْلاَفُهُما لأِهْل الذِّمَّةِ عِنْدَ الشّافِعِيَّةِ والحَنابِلَةِ؛ لأِنَّ ما لاَ يَكُونُ مَضْمُونًا فِي حَقِّ المُسْلِمِ لاَ يَكُونُ مَضْمُونًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ.
ج – اسْتِئْجارُ الذِّمِّيِّ مُسْلِمًا لِلْخِدْمَةِ:
٣٠ – تَجُوزُ مُعامَلَةُ الإْيجارِ والاِسْتِئْجارِ بَيْنَ المُسْلِمِينَ وأهْل الذِّمَّةِ فِي الجُمْلَةِ، لَكِنَّهُ إذا اسْتَأْجَرَ الذِّمِّيُّ مُسْلِمًا لإِجْراءِ عَمَلٍ، فَإذا كانَ العَمَل الَّذِي يُؤاجِرُ المُسْلِمَ لِلْقِيامِ بِهِ مِمّا يَجُوزُ لِنَفْسِهِ كالخِياطَةِ والبِناءِ والحَرْثِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، أمّا إذا كانَ لاَ يَجُوزُ لَهُ أنْ يَعْمَلَهُ كَعَصْرِ الخُمُورِ ورَعْيِ الخَنازِيرِ ونَحْوِ ذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ.
وقال بَعْضُ الفُقَهاءِ: لاَ يَجُوزُ اسْتِئْجارُ المُسْلِمِ لِخِدْمَةِ الذِّمِّيِّ الشَّخْصِيَّةِ؛ لِما فِيهِ مِن إذْلاَل المُسْلِمِ لِخِدْمَةِ الكافِرِ. [البدائع ٤ / ١٨٩، والشرح الصغير ٤ / ٣٥، وجواهر الإكليل ٢ / ١٨٨، والقليوبي ٣ / ٦٧، والمغني ٦ / ١٣٨].
هـ – عَدَمُ تَمْكِينِ الذِّمِّيِّ مِن شِراءِ المُصْحَفِ وكُتُبِ الحَدِيثِ:
٣٢ – لاَ يَجُوزُ تَمْكِينُ الذِّمِّيِّ مِن شِراءِ المُصْحَفِ أوْ دَفْتَرٍ فِيهِ أحادِيثُ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهاءِ (المالِكِيَّةِ والشّافِعِيَّةِ والحَنابِلَةِ) لأِنَّ ذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إلى ابْتِذالِهِ. [جواهر الإكليل ٢ / ٣، والأم للشافعي ٤ / ٢١٢، والمغني ١ / ٦٢٤].
ولَمْ نَعْثُرْ فِي كُتُبِ الحَنَفِيَّةِ عَلى ما يَمْنَعُ ذَلِكَ، إلاَّ أنَّ أبا حَنِيفَةَ وأبا يُوسُفَ يَمْنَعانِ الذِّمِّيَّ مِن مَسِّ المُصْحَفِ، وجَوَّزَهُ مُحَمَّدٌ إذا اغْتَسَل لِذَلِكَ [ابن عابدين ١ / ١١٩].
أنْكِحَةُ أهْل الذِّمَّةِ وما يَتَعَلَّقُ بِها
٣٤ – لاَ يَخْتَلِفُ أحْكامُ نِكاحِ أهْل الذِّمَّةِ عَنْ غَيْرِهِمْ مِن أهْل الكِتابِ وسائِرِ الكُفّارِ، إلاَّ أنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أنْ يَتَزَوَّجَ كِتابِيَّةً.
ولاَ يَجُوزُ زَواجُ المُسْلِمَةِ مِن غَيْرِ المُسْلِمِ، ولَوْ كانَ ذِمِّيًّا أوْ كِتابِيًّا.
وذَلِكَ بِاتِّفاقِ الفُقَهاءِ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولاَ تُنْكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتّى يُؤْمِنُوا﴾، ولِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إلى الكُفّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ولاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾، ولاَ يَجُوزُ زَواجُ مُسْلِمٍ مِن ذِمِّيَّةٍ غَيْرِ كِتابِيَّةٍ، لِقَوْلِهِ تَعالى: {ولاَ تَنْكِحُوا المُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ}.
واجِباتُ أهْل الذِّمَّةِ المالِيَّةِ
٣٥ – عَلى أهْل الذِّمَّةِ واجِباتٌ وتَكالِيفُ مالِيَّةٌ يَلْتَزِمُونَ بِها قِبَل الدَّوْلَةِ الإْسْلاَمِيَّةِ مُقابِل ما يَتَمَتَّعُونَ بِهِ مِنَ الحِمايَةِ والحُقُوقِ، وهَذِهِ الواجِباتُ عِبارَةٌ عَنَ الجِزْيَةِ والخَراجِ والعُشُورِ، وفِيما يَلِي نُجْمِل أحْكامَها:
أ – الجِزْيَةُ:
وهِيَ المال الَّذِي تُعْقَدُ عَلَيْهِ الذِّمَّةُ لِغَيْرِ المُسْلِمِ لأِمْنِهِ واسْتِقْرارِهِ، تَحْتَ حُكْمِ الإْسْلاَمِ وصَوْنِهِ. وتُؤْخَذُ كُل سَنَةٍ مِنَ العاقِل البالِغِ الذَّكَرِ، ولاَ تَجِبُ عَلى الصِّبْيانِ والنِّساءِ والمَجانِينِ اتِّفاقًا، كَما يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِها: السَّلاَمَةُ مِنَ الزَّمانَةِ والعَمى والكِبَرِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهاءِ. وفِي مِقْدارِها ووَقْتِ وُجُوبِها وما تَسْقُطُ بِهِ الجِزْيَةُ وغَيْرِها مِنَ الأْحْكامِ تَفْصِيلٌ وخِلاَفٌ.
ب – الخَراجُ:
وهُوَ ما وُضِعَ عَلى رِقابِ الأْرْضِ مِن حُقُوقٍ تُؤَدّى عَنْها.
وهُوَ إمّا أنْ يَكُونَ خَراجُ الوَظِيفَةِ الَّذِي يُفْرَضُ عَلى الأْرْضِ بِالنِّسْبَةِ إلى مِساحَتِها ونَوْعِ زِراعَتِها، وإمّا أنْ يَكُونَ خَراجُ المُقاسَمَةِ الَّذِي يُفْرَضُ عَلى الخارِجِ مِنَ الأْرْضِ كالخُمُسِ أوِ السُّدُسِ أوْ نَحْوِ ذَلِكَ.
ج – العُشُورُ:
وهِيَ الَّتِي تُفْرَضُ عَلى أمْوال أهْل الذِّمَّةِ المُعَدَّةِ لِلتِّجارَةِ، إذا انْتَقَلُوا بِها مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ داخِل دارِ الإْسْلاَمِ، ومِقْدارُها نِصْفُ العُشْرِ، وتُؤْخَذُ مَرَّةً واحِدَةً فِي السَّنَةِ حِينَ الاِنْتِقال عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهاءِ، خِلاَفًا لِلْمالِكِيَّةِ حَيْثُ أوْجَبُوها فِي كُل مَرَّةٍ يَنْتَقِلُونَ بِها.
ما يُمْنَعُ مِنهُ أهْل الذِّمَّةِ:
٣٦ – يَجِبُ عَلى أهْل الذِّمَّةِ الاِمْتِناعُ عَمّا فِيهِ غَضاضَةٌ عَلى المُسْلِمِينَ، وانْتِقاصُ دِينِ الإْسْلاَمِ، مِثْل ذِكْرِ اللَّهِ عزوجل أوْ كِتابِهِ أوْ رَسُولِهِ أوْ دِينِهِ بِسُوءٍ؛ لأِنَّ إظْهارَ هَذِهِ الأْفْعال اسْتِخْفافٌ بِالمُسْلِمِينَ وازْدِراءٌ بِعَقِيدَتِهِمْ.
وعَدَمُ التِزامِ الذِّمِّيِّ بِما ذُكِرَ يُؤَدِّي إلى انْتِقاضِ ذِمَّتِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الفُقَهاءِ، خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ.
كَذَلِكَ يُمْنَعُ أهْل الذِّمَّةِ مِن إظْهارِ بَيْعِ الخُمُورِ والخَنازِيرِ فِي أمْصارِ المُسْلِمِينَ، أوْ إدْخالِها فِيها عَلى وجْهِ الشُّهْرَةِ والظُّهُورِ.
ويُمْنَعُونَ كَذَلِكَ مِن إظْهارِ فِسْقٍ يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهُ كالفَواحِشِ ونَحْوِها.
ويُؤْخَذُ أهْل الذِّمَّةِ بِالتَّمْيِيزِ عَنِ المُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ ومَراكِبِهِمْ ومَلاَبِسِهِمْ، ولاَ يُصَدَّرُونَ فِي مَجالِسَ، وذَلِكَ إظْهارًا لِلصِّغارِ عَلَيْهِمْ، وصِيانَةً لِضَعَفَةِ المُسْلِمِينَ عَنِ الاِغْتِرارِ بِهِمْ أوْ مُوالاَتِهِمْ.
[البناية على الهداية ٤ / ٨٤٠، والبدائع للكاساني ٧ / ١١٣، ١١٤، وجواهر الإكليل ١ / ٢٦٨، ٢٦٩، ومغني المحتاج ٤ / ٢٥٦، ٢٥٧، وكشاف القناع ٣ / ١٢٦، ١٢٧، والأحكام السلطانية للماوردي ص ١٤٠، والأحكام السلطانية لأبي يعلى ص ١٤٤، ١٤٥].
وتَفْصِيل ما يُمَيِّزُ بِهِ أهْل الذِّمَّةِ عَنِ المُسْلِمِينَ فِي الزِّيِّ والمَلْبَسِ والمَرْكَبِ وغَيْرِها مِنَ المَسائِل تُنْظَرُ فِي كُتُبِ الفِقْهِ، عِنْدَ الكَلاَمِ عَنِ الجِزْيَةِ وعَقْدِ الذِّمَّةِ.
[انظر: أهْل الذِّمَّةِ، الموسوعة الفقهية الكويتية، بتصرف].
للفائدة في الكتب والرسائل:
1) كتاب “أحكام أهل الذمة”، المؤلف: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله (المتوفى: 751هـ) . وهو مطبوع.
2) رسالة: “بأي عقل ودين يكون التفجير والتدمير جهادا؟! ويحكم … أفيقوا يا شباب!!”، المؤلف: عبد المحسن العباد حفظه الله.
3 ) وراجع شرحنا للصحيح المسند (ج2/ رقم 1133):
مسند الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه
قال الإمام أحمد رحمه الله : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، أَنَّهُ صَحِبَ قَوْمًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَوَجَدَ مِنْهُمْ غَفْلَةً ، فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ أَمْوَالَهُمْ ، فَجَاءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْبَلَهَا.
قال الوادعي: هذا حديث صحيح .
حيث تكلمنا عن خطر الغدر وأنواع العقود مع غير المسلمين.
4) وراجع عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند كذلك ذكرنا أحكام أهل الذمة
قال ابوداود في سننه
3054 – حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِىُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِى أَبُو صَخْرٍ الْمَدِينِىُّ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «أَلاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوِ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».