1165 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم .
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1165):
قال الإمام أبو عبدالله بن ماجه رحمه الله : حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ وبِشْرُ بْنُ هِلالٍ الصَّوّافُ قالا: حَدَّثَنا عَبْدُ الوَهّابِ بْنُ عَبْدِ المَجِيدِ، قال: حَدَّثَنا المُهاجِرُ أبُو مَخْلَدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرَةَ، عَنْ أبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ رَخَّصَ لِلْمُسافِرِ إذا تَوَضَّأ ولَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أحْدَثَ وُضُوءًا أنْ يَمْسَحَ ثَلاثَةَ أيّامٍ ولَيالِيَهُنَّ، ولِلْمُقِيمِ يَوْمًا ولَيْلَةً.
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث حسنٌ.
ومهاجر هو ابن مَخْلَدٍ، أبو مَخْلَدٍ مختلفٌ فيه، والظاهر أن حديث لا ينزل عن الحسن.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
ذكر الحديث ابن ماجه رحمه الله (ت ٢٧٣) في السنن، أبواب الطهارة وسننها، “٨٦ – بابُ: ما جاءَ فِي التَّوْقِيتِ فِي المَسْحِ لِلْمُقِيمِ والمُسافِرِ”، برقم (٥٥٦).
والوادعي رحمه الله جعله في الجامع، وبوب عليه: “٤٩ – التوقيت في المسح”.
قال شعيب الأرنؤوط وأخرون “صحيح لغيره، وهذا إسناد حسن من أجل المهاجر بن مَخلد أي مخلد، فهو حسن الحديث. قد روى عنه جمع، وقال ابن معين: صالح، وقال الساجي: صدوق، وذكره ابن حبان في «الثقات». وأخرجه الشافعي في «مسنده» ١/ ٣٢، وابن أبي شيبة ١/ ١٧٩، وابن الجارود (٨٧)، وابن خزيمة (١٩٢)، وابن حبان (١٣٢٤)، والدارقطني ١/ ١٩٤، والبيهقي ١/ ٢٧٦ و٢٨٢، والبغوي في «شرح السنة» (٢٣٧) من طرق عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، بهذا الإسناد. تنبيه: هذان الحديثان (٥٥٥) و(٥٥٦) ليسا في أصولنا الخطية، وهما في النسخ المطبوعة، وذكرهما المزي في «التحفة» (١٥٤١٤) و(١١٦٩٢) وأشار إلى أنهما ليسا في سماعه ولم يذكرهما أبو القاسم بن عساكر في «أطرافه»”. [سنن ابن ماجه، ت: الأرنؤوط، ط: الرسالة].
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن في رجاله مختلفًا فيه؛ وهو المهاجر بن مخلد.
وذكره الألباني في الصحيحة 3455 . وبعضهم يجعل مكان المهاجر ؛ خالد الحذاء ورجح المهاجر البيهقي فقال : رواية الأكثر أولى أن تكون محفوظة
الأول: شرح الحديث:
(أنه رخّص) وجوّز (للمسافر إذا توضأ ولبس خفيه) على طهارة، (ثم أحدَث) وأوجد (وضوءًا أن يمسح) على الخفين مفعول لرخص (ثلاثة أيام ولياليهن) محسوبة من الوضوء بعد اللبس، (و) رخص (للمقيم) أن يمسح (يومًا وليلة) محسوبين من الوضوء الواقع بعد اللبس.
قال السندي: قوله: (إذا توضأ ولبس خفيه) ظاهره: أنه يلبس خفيه بعد الوضوء، (ثم أحدث وضوءًا) أي: جدّد وضوءًا؛ ظاهره: أن المدة من وقت الوضوء المحدث، والله أعلم. انتهى منه.
وهذا الحديث مما انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستشهاد به. [مرشد ذوي الحجا].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
سبق ذكر المسائل المتعلقة بالمسح في التعليق على الصحيح المسند (1138) حديث المغيرة أهدى دحية للنبي صلى الله عليه وسلم خفين فلبسهما ، و(1033) . وكذلك 505 حديث صفوان وكذلك 967 حديث علي بن أبي طالب و317 حديث أبي أيوب و467 حديث سهل بن سعد
(المسألة الأولى): الأحاديث الواردة في لبس النعال والخفاف
ما نقله الوادعي رحمه الله تعالى في الجامع الصحيح (4/324):، تحت باب: “(٢٢) لبس النعال والخفاف:
٢٨١٢ – قال الإمام أحمد رحمه الله (٨٤١٨): حدثنا عمر بن سعد حدثنا يحيى يعني بن زكريا بن أبي زائدة عن سعد بن طارق عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «أسرع قبائل العرب فناء قريش ويوشك أن تمر المرأة بالنعل فتقول إن هذا نعل قرشي».
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح.
٢٨١٤ – قال أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج ٢ ص ١١٩٤): حَدَّثَنا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنا وكِيعٌ عَنْ سُفْيانَ عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الحارِثِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ العَبّاسِ قالَ: كانَ لِنَعْلِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ قِبالانِ (١) مَثْنِيٌّ شِراكُهُما.(١) في التعليق على ابن ماجه: قِبالُ النعل ككتاب: زِمامٌ بين الأُصْبُعِ الوسطى والتي تليها.هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا علي بن محمد وهو الطَّنافِسِيُّ، كما في «تحفة الأشراف»، وهو ثقة.
وأما عبد الله بن الحارث فهو نسيب ابن سيرين.
٢٨١٥ – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٥ ص ٦): حدثنا أبو أحمد حدثنا سفيان عن خالد الحذاء عن يزيد بن الشخير عن مطرف بن الشخير قال أخبرني أعرابي لنا قال: رأيت نعل نبيكم صلى الله عليه وعلى آله وسلم مَخْصُوفَةً (١).[الحاشية: (١) من الخَصْفِ، وهو الخَرَزُ، أي: الجَمْع والضَّمَّ، كما في «النهاية».]
هذا حديث صحيحٌ.
٢٨١٦ – قال الإمام أحمد رحمه الله (٧٣٧٨): حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأوبر عن أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي قائمًا وقاعدًا وحافيًا ومنتعلًا.
حدثنا حسين بن محمد حدثنا سفيان وزاد فيه: وينفتل عن يمينه وعن يساره.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله (٨٧٥٧): حدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا زائدة عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأوبر قال: أتى رجل أبا هريرة فقال أنت الذي تنهى الناس أن يصلوا وعليهم نعالهم قال: لا ولكن ورب هذه الحرمة لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي إلى هذا المقام وعليه نعلاه وانصرف وهما عليه ونهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن صيام يوم الجمعة إلا أن يكون في أيام.
هذا حديث صحيحٌ.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٢ ص ٤٥٨): حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير عن رجل من بني الحارث أنه سمع أبا هريرة يقول: ما أنا أنهاكم أن تصوموا يوم الجمعة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول «لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله» وما أنا أصلي في نعلين ولكن رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي في نعلين.
حدثنا حجاج قال حدثنا شريك عن عبد الملك بن عمير عن زياد الحارثي قال: سمعت رجلًا يسأل أبا هريرة … فذكر معناه.
٢٨١٧ – روى أبو داود رحمه الله (ج ٢ ص ٣٥٣): عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: بَيْنَما رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يُصَلِّي بِأصْحابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُما عَنْ يَسارِهِ فَلَمّا رَأى ذَلِكَ القَوْمُ ألْقَوْا نِعالَهُمْ فَلَمّا قَضى رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ صَلاتَهُ قالَ «ما حَمَلَكُمْ عَلى إلْقاءِ نِعالِكُمْ؟» قالُوا رَأيْناكَ ألْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَألْقَيْنا نِعالَنا فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ «إنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أتانِي فَأخْبَرَنِي أنَّ فِيهِما قَذَرًا -أوْ قالَ: أذًى- وقالَ إذا جاءَ أحَدُكُمْ إلى المَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإنْ رَأى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا -أوْ أذًى- فَلْيَمْسَحْهُ ولْيُصَلِّ فِيهِما».
هذا حديث صحيحٌ على شرط مسلم.
وفي رواية لأحمد (بهما خبثا ) وفي موضع آخر ذكره، وفي آخره قال عبد الله: قال أبي: لم يجئ في هذا الحديث بيان ما كان في النعل.
٢٨١٨ – قال أبو داود رحمه الله (ج ٩ ص ٤٩): حَدَّثَنا سَهْلُ بْنُ بَكّارٍ أخبرَنا الأسْوَدُ بْنُ شَيْبانَ عَنْ خالِدِ بْنِ سُمَيْرٍ السَّدُوسِيِّ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ بَشِيرٍ مَوْلى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ -وكانَ اسْمُهُ فِي الجاهِلِيَّةِ زَحْمَ بْنَ مَعْبَدٍ فَهاجَرَ إلى رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ فَقالَ «ما اسْمُكَ؟» قالَ زَحْمٌ قالَ «بَلْ أنْتَ بَشِيرٌ» – قالَ: بَيْنَما أنا أُماشِي رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ مَرَّ بِقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَقالَ «لَقَدْ سَبَقَ هَؤُلاءِ خَيْرًا كَثِيرًا» ثَلاثًا ثُمَّ مَرَّ بِقُبُورِ المُسْلِمِينَ فَقالَ «لَقَدْ أدْرَكَ هَؤُلاءِ خَيْرًا كَثِيرًا» ثُمَّ حانَتْ مِن رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ نَظْرَةٌ فَإذا رَجُلٌ يَمْشِي فِي القُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلانِ فَقالَ «يا صاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ ويْحَكَ ألْقِ سِبْتِيَّتَيْكَ» فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمّا عَرَفَ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ خَلَعَهُما فَرَمى بِهِما.
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا خالد بن سمير، وقد وثَّقه النسائي.
٢٨١٩ – قال الحافظ أبو علي بن السكن كما في «نصب الراية» (ج ١ ص ١٦٧): حَدَّثَنا أبُو عُبَيْدٍ القاسِمُ بْنُ إسْماعِيلَ ويَحْيى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صاعِدٍ والحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قالُوا: ثنا يَعْقُوبُ بْنُ إبْراهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ، ثنا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ أبِي حازِمٍ، عَنْ أبِيهِ، قالَ: رَأيْت سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَبُولُ بَوْلَ الشَّيْخِ الكَبِيرِ، يَكادُ أنْ يَسْبِقَهُ قائِمًا، ثُمَّ تَوَضَّأ ومَسَحَ عَلى خُفَّيْهِ، فَقُلْت: ألا تَنْزِعُ هَذا؟ فَقالَ: لا، رَأيْتُ خَيْرًا مِنِّي ومِنكَ يَفْعَلُ هَذا، ورَأيْت رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ يَفْعَلُهُ.
قال الزيلعي: قال ابن دقيق العيد: وهذا إسناد على شرط الشَّيخين؛ فيعقوب الدورقي وعبد العزيز وأبوه من رجال الشيخين، وشيوخ ابن السكن هؤلاء ثقات. اهـ
٢٨٢٠ – وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج ٤ ص ٢٣٩): حدثنا يحيى بن آدم حدثنا سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش قال: أتيت صفوان بن عسال المرادي فسألته عن المسح على الخفين فقال: كنا نكون مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيأمرنا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم وجاء أعرابي جهوري الصوت فقال يا محمد الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «المرء مع من أحب».
هذا حديث حسنٌ”. انتهى نقل الوادعي رحمه الله للأحاديث في هذا الباب ثم ذكر الأداب الأخرى في الانتعال.
—–
(المسألة الثانية): الأحكام الفقهية الخاصة بالمسح على الخفين والجوربين واللفائف أحكام المسح على الخِفاف و الجوارب.
أولاً: التعاريف:
والخف هو: لباسٌ يُلبس في القدمين إلى ما فوق الكعب قليلًا يُصنع مِن جلد، وسُمِّي خُفًّا لِخِفَّته.
والمسح عليه جائز بنصِّ السُّنة النبوية الصحيحة المستفيضة، وفي السفر والحضر، وللرجل والمرأة، وورَد في جوازه أكثر مِن سبعةٍ وثلاثين حديثًا نبويًّا، واتفق العلماء على جواز المسح عليه، بل أصبح أهل السُّنَّة يَذكرون جوازه في كتب الاعتقاد؛ لأنَّ الشيعة الرافضة والخوارج قد منعوه، فحرَّموا المسح على الخفين، بل عُدَّ القول بجوازه شِعارًا لأهل السُّنة، وإنكاره شعارًا لأهل البدع.
وأمَّا الجورب فهو: لِباس يُلبس في القدمين إلى ما فوق الكعب وشيء مِن الساق يُصنع مِن غَزْل صوف أو قُطن أو شعر مفتول أو قماش، ويُسمَّى اليوم بالشُّرَّاب.
والمسح عليه جائز لثبوته عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال الإمام إسحاق بن راهويه ــ رحمه الله ــ: “مضَت السُّنة مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومَن بعدهم مِن التابعين في المسح على الجوربين، لا اختلاف بينهم في ذلك”.اهـ
وعدَّ الإمام مُوفَّق الدين ابن قُدامة المقدسي وغيره جواز المسح عليه إجماعًا مِن الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ.
الثاني: الشروط:
إنَّ للمسح على الخُفين والجوربين شروطًا لا يصح المسح إلا بها:
الشرط الأوَّل:
أنْ يكون الماسح على الخُفين أو الجوربين قد لبسهما على طهارة كاملة، غَسل فيها جميع الأعضاء بالماء، وهو شرط بدَلالة النَّص النبوي الصحيح، واتفاق العلماء، ويكون المسح عليهما في الحدَث الأصغر الذي يوجب الوضوء دون الحدث الأكبر الذي يُوجِب الغُسل كالجنابة والحيض والنفاس فلا يجوز ولا يُجزأ، بدَلالة النَّص النبوي الصحيح، واتفاق العلماء، ولا يجوز أيضًا ولا يُجزأ المسح على طهارة تيمم، كأنْ يتيمم إنسان لصلاةٍ لعدم وجود الماء، ثم يَلبس الخفين أو الجوربين، ثم تأتي الصلاة التي بعدها وقد وجد الماء، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، لأنَّه مأمور بغسل أعضاء وضوئه بالماء إذا وجده، لِمَا ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال عن المتيمم: (( فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ )).
الشرط الثاني:
أنْ يكون الخُف أو الجورب الذي يُمسح عليه مُغَطِّيًا للكعبين، فلا يصح المسح على ما يُلبس تحت الكعبين باتفاق الأئمة الأربعة، بل قال العلامة ابنُ قاسمٍ العاصمي: “وكل ما يُلبس تحت الكعبين فلا يجوز المسح عليه، قال شيخ الإسلام: باتفاق المسلمين”.
الشرط الثالث:
أنْ يكون المسح على الخُفين أو الجوربين في المُدة المأذون فيها شرعًا، وهي يوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، ولو مسح بعد انتهائها لم يَصح وضوئه، لِما صحَّ عن علي ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( جَعَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ، وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ )).
الشرط الرابع:
أنْ لا يكون الخُف مصنوعًا مِن عين نجسة كجلد الخنزير، وغيره مِن الأشياء النجسة، بلا خلاف بين أهل العلم في ذلك.
الشرط الخامس:
أنْ يكون الجورب أي: الشُّرَّاب الممسوح عليه صفيقًا ثخينًا لا يَشُفُّ عمَّا تحته مِن بشرة القدم فتُرى، فلا يصح ولا يُجزأ المسح على شُرَّاب رقيق يَشُفَّ عمَّا تحته باتفاق المذاهب الأربعة، بل حكاه إجماعًا مِن العلماء الفقيه الكاساني الحنفي، والفقيه أبو العباس الظاهري، فقال: “وأجمع الجميع أنَّ الجوربين إذا لم يكونا كثيفين لم يَجز المسح عليهما”.
الثالث: الأحكام:
إنَّ أحكام المسح على الخفين والجوربين عديدة، وحَسَنٌ التفقه فيها، ومعرفتها، وحفظها، فدونكم ــ سدَّدكم الله ــ ما تيسَّر منها:
فأوَّل هذه الأحكام:
أنَّ المسح يبدأ وقته مِن أوَّل حدَث ينتقض بِه الوضوء بعد لبس الخفين أو الجوربين، فإذا توضأ العبد وغَسل جميع أعضائه بالماء ثم لبسهما، وبعد أربع ساعات أحدَث وانتقض وضوئه، فيَحسِب مِن حين انتقض أربعة وعشرين ساعة، فيجوز له المسح خلالها، هذا مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم، وفي رواية للإمام أحمد: أنَّ بداية وقت المسح تكون مِن أوَّل مسحةٍ بعد الحدَث.
وثاني هذه الأحكام:
إذا انتهت مدة المسح في حق المقيم أو المسافر اللابس للخف أو الجورب فقد انتقض وضوئه، لأنَّ المسح عبادة مؤقتة بنص السُّنة النبوية، فإذا انتهى وقتها زالت، وبزوالها تزول جميع الأحكام المتعلقة بها وتبطُل.
وثالث هذه الأحكام:
مَن نَزع الخُف أو الجورب عن قدميه فله حالان:
الحال الأوَّل: أنْ ينزعَهما انت قدمه الأخرى موجودة أو بعضها فلا يجوز له المسح على خُفٍّ أو جورب واحد فقط.
وهو لا زال على طهارة مائية، ووضوءٍ غَسل فيه أعضاء الوضوء بالماء، فهذا لا ينتقض وضوئه، ويجوز له لبسهما مِن جديد، والمسح عليهما باتفاق العلماء.
الحال الثاني:
أنَّ ينزعَهما وهو على طهارة مسح وليس على طهارة وضوء، ففي هذا الحال ينتقض وضوئه على أرجح أقوال أهل العلم، وصحَّت الفتوى به عن عدد مِن فقهاء التابعين، وهُم تلامذة الصحابة ــ رضي الله عنهم ــ، ولأنَّ المسح عليهما قام مقام غَسل القدمين، فإذا أزيلا زالت معهما أحكامهما، وانتقضت طهارة القدمين، وإذا بطلت طهارة بعض أعضاء الوضوء، بطل جميعه.
ورابع هذه الأحكام:
إذا كان الخُف أو الجورب مُخرَّقًا بِه ثُقوب وفُتوق فله حالان:
الحال الأوَّل: أنْ يكون الخَرْق أو الفَتق فوق الكعبين، فيجوز المسح عليه باتفاق أهل العلم.
الحال الثاني: أنْ يكون الخَرْق أو الفَتق تحت الكعبين، فأرجح أقوال أهل العلم جواز المسح عليه ما دام يُلبس، ويَثبت على القدم، ويُمشى فيه، وقد صحَّ عن إمام أهل العراق سفيان الثوري أنَّه قال: «امْسَحْ عَلَيْهَا مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ رِجْلُكَ، وَهَلْ كَانَتْ خِفَافُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إِلَّا مُخَرَّقَةً مُشَقَّقَةً مُرَقَّعَةً».
وخامس هذه الأحكام:
مدة مسح المقيم يوم وليلة، فإذا سافر المقيم فله أحوال ثلاثة:
الحال الأوَّل:
أنْ يسافر بعد أنْ لبس خفيه أو جوربيه على طهارة مائية غَسل فيها أعضاء وضوئه، ثم يُحدِث أو يبتدئ المسح بعد أنْ فارق جميع عمران بلده ودخل في السفر، فهذا يمسح مسح مسافر، ثلاثة أيام بلياليها، باتفاق العلماء، ولأنَّ عبادة المسح في حقه إنَّما دخلت في السفر.
الحال الثاني:
أنْ يلبس الخُف أو الجورب ويُحدِث وهو مقيم، ثم يسافر ويبتدئ المسح في السفر، فهذا يمسح مسح مسافر، ثلاثة أيام بلياليها، وبهذا قال عامة العلماء، بل قال الإمام موفق الدين ابن قدامة: “لا نعلم بين أهل العلم خلافًا”، لأنَّه كالسابق لم تدخل عبادة المسح في حقه إلا في السفر.
الحال الثالث:
أنْ يبتدئ الرجل المسح على خفيه أو جوربيه في الحضر ثم يسافر، فإنَّه يمسح مسح مقيم، فيُتمَ ما بقي له مِن اليوم والليلة ولا يَمسح مسح مسافر، وهو قول أكثر الفقهاء، لأنَّ المسح عبادة تختلف بالحضر والسفر، وقد ابتدأ بها في الحضر، فغُلِّب فيها حكم الحضر.
وأمَّا المسافر فمدة مسحه ثلاثة أيام بلياليها، فإذا مسح رجل على خفيه أو جوربيه وهو في السفر ثم رجع إلى بلده وهما على قدميه، فإنَّه يمسح عليهما مسح مقيم لا مسافر، فإنْ كان لم يمض على مدة مسحه في السفر إلا أقل مِن يوم وليلة أكمل المسح حتى ينتهي اليوم والليلة، وإنْ كان قد مضى على مسحه أكثر مِن يوم وليله فقد انقضت مدة مسحه، ووجب عليه إذا توضأ أنْ يخلعهما ويغسل قدميه مع باقي الأعضاء، وقد حكى غير واحد مِن الفقهاء أنَّه لا خلاف بين العلماء في ذلك.
وسادس هذه الأحكام:
المسح على الخفين أو الجوربين يكون مرَّة واحدة ولا يُكرَّر ثلاثًا باتفاق المذاهب الأربعة، وهو الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، ولا يُمسح الخُف والجورب مِن جميع جهاتهما ــ يعني: مِن أعلى وأسفل، وعن يمين وشمال ــ عند الفقهاء قاطبة، بل هو خلاف السُّنة، ولا يُمسحان أيضًا مِن أسفل فقط ومَن اقتصر على المسح مِن الأسفل فقط لم يصح وضوئه عند عامة العلماء، والسُّنة أنْ يُمسح الخُف أو الجورب مِن أعلاه باليدين جميعًا، لِمَا ثبت عن علي ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ، وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى ظَاهِرِ خُفَّيْهِ ))، واستَحَبَّ عديد مِن الفقهاء مسح الأسفل مع الأعلى، لِمَا صحَّ عن عطاء أنَّه قال: (( رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا ــ يَعْنِي: خُفَّيْهِ ــ مَسْحَةً وَاحِدَةً بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا بُطُونَهُمَا وَظُهُورَهُمَا ))، وإنْ بدأ بمسح خُفِّ أو جوربِ القدم اليمنى ثم اليسرى، أو مسحهما بيدٍ واحدة، جاز، إلا أنَّه خلاف الأفضل.
وسابع هذه الأحكام:
بعض الناس إذا توضأ غسل قدمه اليمنى ولبس الخف أو الجورب، ثم يَغسل قدمه اليسرى ويلبسه الخف أو الجورب، وهذا لا يجوز له المسح على الخفين أو الجوربين عند أكثر الفقهاء، لأنَّ مِن شروط المسح عليهما أنْ يلبسهما على طهارة وضوء مائية كامله، وهذا لم تكتمل طهارته بعد لأنَّه ألبس قدمه اليمنى الخُف أو الجورب قبل غسل القدم اليسرى، والوضوء لا يكتمل إلا بغسل اليسرى، وقد ثبت عن أبي بَكرة ــ رضي الله عنه ــ أنَّه قال: (( رُخِّصَ إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا ))، ولا يُقال: (( تَطَهَّرَ )) إلا لِمن أتمَّ الطهارة كاملة.
وثامن هذه الأحكام:
مَن كانت له قدم واحدة وقد لبس عليها خُفًّا أو جوربًا والأخرى مقطوعة مِن فوق الكعب جاز له المسح عليه، وهو مذهب الشافعية والحنابلة وغيرهم، وأمَّا إنْ كانت قدمه الأخرى موجودة أو بعضها فلا يجوز له المسح على خُفٍّ أو جورب واحد فقط.
وتاسع هذه الأحكام:
لا يجوز المسح بالماء على اللفائف المشدودة على القدمين للتدفئة، وقد نَقل إجماع أهل العلم على ذلك: الفقيهان موفق الدين ابن قدامة الحنبلي وابن الْمَوَّاق المالكي وغيرهما، وأمَّا اللفائف الطبية فإذا كانت مغطية لجميع القدم مع الكعبين فيمسح بالماء على جميعها، مِن أسفل وأعلى وعن يمين وشمال، وإنْ كانت تُغطِّي بعض القدم، مسح على المُغطَّى، وغَسل المكشوف، وإنْ كان المسح يضُر بِه غَسل الأعضاء السليمة بالماء، وتيمم عن العضو الملفوف.
وعاشر هذه الأحكام:
مَن لبس خُفًّا فوق خُف أو جوربًا فوق جورب فله حالان:
الحال الأوَّل: أنْ يلبس الأوَّل والثاني جميعًا على طهارة مائية غَسَل فيها القدمين بالماء، وهذا يجوز له المسح على الفوقاني، لأنَّه قد لبسه على طهارة مائية كاملة.
الحال الثاني: أنْ يلبس الثاني على الأوَّل بعد أنْ أحدَث وانتقض وضوئه أو مسح على الأسفل، وهذا لا يجوز له المسح على الفوقاني عند أكثر العلماء، لأنَّ مِن شروط المسح عند جميع العلماء لبس الخفين على طهارة غَسل، وهذا قد لبس الثاني بعد الحدَث أو بعد طهارة مسح.
[الأحكام الفقهية الخاصة بالمسح على الخفين والجوربين واللفائف، للشيخ: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد، الموقع العلمي للشيخ، بتصرف].
تتمات :
كل حديث ورد أنه يبطل المسح بنزع الخفين لا يصح لذا رجح ابن تيمية عدم البطلان .
وكل ما ورد في الإذن بالزيادة في المسح على ثلاث أيام بلياليها ضعيف.
ولا يصح إنكار أبي هريرة للمسح حيث أنكره أحمد أما إنكار ابن عباس وعائشة فبحسب علمهما . راجع الصحيحة 3455 وكذلك إنكار ابن عمر اول الامر حتى أخبره بسنية المسح سعد بن أبي وقاص . فسأل أباه عمر بن الخطاب فقال : إذا حدثك سعد فاقبل منه