1162 فتح الأحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم .
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم1162):
مسند نُعَيم بن النَّحّام رضي الله عنه
قال الإمام عبد الرزاق الصنعاني رحمه الله (ج ١ ص ٥٠٢): عن ابن جريج عن نافع عن عبد الله بن عمر عن نعيم بن النحام قال: أذن مؤذن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في ليلة فيها برد، وأنا تحت لحافي، فتمنيت أن يلقي الله على لسانه ولا حرج، قال: ولا حرج.
وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (ج ٢ ص ٦٧): حدثنا الحسن بن علي، ثنا عبد الرزاق، ثنا ابن جريج، أخبرني نافع مولى ابن عمر، عن عبد الله، عن نعيم النحام رضي الله عنه … فذكره.
وقد وقع تصحيف، وهو أن نافعًا قال: عن عبد الله بن نعيم النحام. وإنما هو عن عبد الله وهو ابن عمر عن نعيم النحام، كما في «مصنف عبد الرزاق»، و«مستدرك الحاكم».
وأخرجه الحاكم (ج ٣ ص ٢٥٩) وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
أورده الوادعي في [الجامع الصحيح (ج2/ص85)]، تحت: “٦٢ – لا حرج على من لم يحضر الصلاة في المسجد في الليلة الباردة”.
ومصنّف عبد الرزاق، كِتَابُ الصَّلَاةِ، بَابُ: الرُّخْصَةِ لِمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ.
ينتظم الحديث في الباب على التالي:
المبحث الأول: صِفةُ الأذانِ، وفيه أربعة مطالب:
المطلب الأوَّل: عدَدُ كلماتِ الأذانِ
الأذانُ خَمسَ عشرةَ كلمةً: التكبيرُ في أوله أربعٌ (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر)، والشهادتان أربعٌ (أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهدَ أنَّ محمدًا رسولُ الله)، والدُّعاء إلى الصَّلاة والفلاحِ أربعٌ (حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفَلاح، حيَّ على الفَلاح)، والتكبيرُ في آخرِه مرتانِ (الله أكبر، الله أكبر،)، وخُتِمَ بكلمةِ الإخلاصِ مرَّةً واحدةً (لا إلهَ إلَّا الله)، وهذا مذهبُ الحنفيَّة قال العينيُّ: (الأذان عندنا خَمسَ عشرةَ كلمةً، لا ترجيعَ فيه: التكبير في أوَّله أربع، والشهادتان أربع، والدعاء إلى الصلاة والفلاح أربع، والتكبير في آخِره مرَّتان، وختم بكلمة الإخلاص مرَّة واحدة، وبه قال الثوريُّ، والحسنُ بن علي، وأحمدُ، وإسحاقُ، وغيرهم). ((البناية)) (2/79)، والشافعيَّة ((الحاوي الكبير)) للماوردي (2/42) ((المجموع)) للنووي (3/90) وزاد الشافعية على ذلِك الترجيعَ في الأذان، وسيأتي بيانُ حُكمه، والحنابلة ((المغني)) لابن قدامة (1/293)، ((الإنصاف)) للمرداوي (1/292)، وبه قالَ طائفةٌ من السَّلَف((البناية)) العيني (2/79).
قال القاضي عياض: (واعلم أنَّ الأذان كلماتٌ جامعةٌ لعقيدة الإيمان، ومشتَمِلةٌ على نَوعيهِ من العقليَّات والسمعيَّات؛ فابتدأ بإثبات الذات بقوله: “الله” وما تستحقُّه من الكمال والتنزيه عن أضدادها المضمَّنة تحتَ قولك: “الله أكبر”، فإنَّ هذه اللفظة على قلة كلمها، واختصار صِيغتها مُشعِرةٌ بما قلناه لمتأمِّله، ثم صَرَّح بإثباتِ الوحدانيَّة والإلهيَّة ونفْي ضِدِّها من الشركة المستحيلة فى حقِّه، وهذه عُمدةُ الإيمان والتوحيد المقدَّمة على سائرِ وظائفه، ثم ابتدأ بإثباتِ النبوَّة لنبينا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورسالتِه لهداية الخَلْق ودُعائهم إلى الله؛ إذ هي تاليةُ الشَّهادتين، وموضعها من الترتيب بعد ما تقدَّم؛ لأنَّها من باب الأفعال الجائزة الوقوع، وتلك المقدِّمات من باب الواجبات، وهنا كَمل تراجم العقائد – العقليَّات – فيما يجبُ، ويستحيل، ويجوز فى حقِّه تعالى. ثم دعا إلى ما دعاهم إليه من العبادات، فصَرَّح بالصلاة، ثم رتَّبها بعد إثبات النبوَّة؛ إذ معرفة وجوبها من جِهته صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا من جِهة العقل، ثم الحثِّ والدعاء إلى الفلاح – وهو البقاءُ في النعيم – وفيه الإشعارُ بأمور الآخرة من البعث والجزاء، وهي آخِر تراجم العقائد الإسلاميَّة، ثم تكرَّر ذلك عند إقامة الصَّلاة للإعلام بالشرع فيها للحاضر ومَن قرُب، وفي طيِّ ذلك تأكيدُ الإيمان وتكرارُ ذِكره عند الشروع فى العبادة بالقلب واللِّسان؛ وليدخُل المصلِّي فيها على بَيِّنَةٍ من أمرِه، وبصيرةٍ من إيمانه، ويستشعر عظيمَ ما دخل فيه، وعظيمَ حقِّ مَن عَبدَه، وجزيلَ ثوابِه على عبادته). ((إكمال المعلم)) (2/253). قال النوويُّ بعد نقْل كلام القاضي عياض: (وهو من النفائس الجليلة). ((شرح النووي على مسلم)) (4/89)
الدليل من السُّنَّة:
عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((لَمَّا أمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالناقوسِ يُعمَلُ ليُضربَ به للناسِ لجَمْعِ الصَّلاة، طافَ بي وأنا نائمٌ رجلٌ يحمِلُ ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبدَ اللهِ، أتبيعُ الناقوسَ؟ قال: وما تَصنَعُ به؟ فقلت: ندعو به إلى الصَّلاةِ، قال: أفلا أدلُّك على ما هو خيرٌ من ذلِك؟ فقلت له: بلى، قال: فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ اللهِ، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، حيَّ على الفَلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إلهَ إلَّا الله.. ))[رواه أبو داود (499)، والبيهقي (1/390) (1909) صحَّحه البخاريُّ كما في ((السنن الكبرى)) للبيهقي (1/390)، وصحَّح إسنادَه الخطابيُّ في ((معالم السنن)) (1/130)، وصحَّحه النووي في ((الخلاصة)) (3/76)، وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/101): له طرقٌ جيِّدة وشاهدٌ. وقال الألبانيُّ في ((صحيح سنن أبي داود)) (499): حسنٌ صحيحٌ. وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (567)].
المطلب الثاني: الترجيعُ في الأذانِ
التَّرجيع في الأذان: أن يَخفِض المؤذِّنُ صوتَه بالشَّهادتين، ثم يَرفَع بهما. يُنظر: ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 56)، ((تهذيب اللغة)) للأزهري (1/236). قال النوويُّ: (والحِكمة في الترجيع أنه يقوله سرًّا بتدبُّر وإخلاص). ((المجموع)) (3/92)
يَجوزُ الترجيعُ في الأذانِ وتَرْكُه، وهو مذهبُ جماعةٍ من المحدِّثين، واختيارُ ابن تيميَّة، والشوكانيِّ، والألبانيِّ، وابنِ عُثَيمين.
قال النوويُّ: (قد ذهَب جماعة من المحدِّثين وغيرِهم إلى التخييرِ بين فِعْل الترجيعِ وترْكه). ((شرح النووي على مسلم)) (4/81).
قال ابن تيمية: (الصَّوابُ مذهبُ أهلِ الحديث، ومَن وافَقَهم، وهو تسويغُ كلِّ ما ثبَت في ذلك عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، لا يكرهون شيئًا من ذلك؛ إذ تنوُّعُ صفةِ الأذانِ والإقامة، كتنوُّعِ صِفة القِراءاتِ والتشهُّداتِ، ونحو ذلك، وليس لأحدٍ أن يَكرَه ما سَنَّه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأمَّته). ((الفتاوى الكبرى)) (2/42).
وقال ابنُ عثيمين: (الترجيعُ أن يأتي بالشهادتين سرًّا ثم يأتي بهما جهرًا، وسُمِّي (ترجيعًا)؛ لأنَّه رجَعَ بعد أن قال أشهد أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله سِرًّا، ثم رجع، فالترجيع ثبَت في أذان أبي مَحذورةَ، وعَدمُه ثبَت في أذان بلالٍ؛ ولهذا قال العلماءُ: إنَّ كلًّا من الترجيع وعدمه سُنَّةٌ؛ فينبغي أن يأتي بالترجيعِ أحيانًا، وبِعَدَمِه أحيانًا). ((تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة-الموقع الرسمي لابن عثيمين)).
ومن العلماء مَن جعَل تَرْكَه أفضلَ: قال ابنُ رجب: (وقال أحمدُ، وإسحاقُ، وأبو بكر بن أبي شَيبةَ، وداودُ، وابنُ خُزيمةَ، وغيرُهم: يجوزُ الأمران؛ لصحَّة الأحاديث بهما، والأفضل عندهم ترْكُ الترجيع؛ لأنَّه أذانُ بلال). ((فتح الباري)) (3/414). وقال ابن باز: (الترجيع في كلِّ أذان، وليس في أذانٍ واحد، علَّمه الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أبا محذورة في مكَّةَ، والترجيع يقول: أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله، أشهد أنَّ محمدًا رسولُ الله بصوتٍ ليس برفيع، ثم يُعيدها بصوت أرفع، هذا الترجيع يأتي بالشهادتين بصوتٍ ليس بالرفيع جدًّا، ثم يُعيدها بصوت أرفع يُقال له: الترجيع. وأمَّا عدم الترجيع بأنْ يأتي بالشهادتين مِثل أذان الناس اليوم لا يُكرِّر، هذا هو الأفضلُ الذي فعَلَه بلالٌ بين يدَي رسولِ الله في المدينة، حتى تُوفي النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. يُؤذِّن بين يديه بلالٌ بدون ترجيع. أذان الناس اليوم يَكفي؛ هو الأفضل). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (29/139).
الأدلة من السُّنَّة:
1- عن عبدِ اللهِ بن زيدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قال: ((لَمَّا أمَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالناقوسِ …. الحديث
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ هذا الأذانَ الذي ألقاه على بلالٍ، وأذَّن به مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حضرًا وسفرًا إلى أنْ ماتَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، وليس فيه ترجيعٌ.[((تبيين الحقائق)) للزيلعي (1/90)]
2- عن أبي مَحْذورةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه: أنَّ نبيَّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم علَّمَه هذا الأذانَ: ((اللهُ أكبَرُ الله أكبر، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، ثم يعود فيقول: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ، أشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، أشهدُ أنَّ مُحمَّدًا رسولُ الله، حيَّ على الصلاةِ مَرَّتين، حيَّ على الفلاحِ مرَّتين، زاد إسحاق: اللهُ أكبَرُ، الله أكبَرُ، لا إله إلا اللهُ ))[رواه مسلم (379)].
وجه الدَّلالة من الحَديثَينِ:
أنَّ كِلا الأمرين صحَّ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجازَ الأخْذُ بكِليهما. [((المغني)) لابن قدامة (1/294)].
المطلب الثالث: التثويبُ في الأذانِ
الفَرْعُ الأَوَّلُ: التثويبُ في الأذانِ لصلاة الفَجرِ
التثويبُ في صلاة الصُّبح: هو أن يقول المؤذِّن بعد قوله: حي على الفلاح: الصلاةُ خيرٌ من النوم، مرَّتين؛ سُمِّي ذلك تثويبًا لأنَّه دعاءٌ بعد دعاء، فكأنه دعا الناس إلى الصلاة بقوله: حيَّ على الصلاة، ثم عاد إلى دُعائهم مرةً أخرى بقوله: الصلاة خيرٌ من النوم، وكل مَن عاد لشيءٍ فَعَلَه فقد ثاب إليه. ((الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي)) للهروي (ص: 54).
يُسنُّ التثويبُ في الأذانِ لصلاة الفجرِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعةِ من الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة.[((حاشية ابن عابدين)) (1/388)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/229).((روضة الطالبين)) للنووي (1/199)، .((الفروع)) لابن مفلح (2/9).]
ويُشرَع التثويبُ في الأذان الذي بعدَ طلوع الفجر؛ قال ابن باز: (إذا أذَّن للفجر أذانين شُرِع له في الأذان الذي بعد طلوعِ الفجر أن يقول: (الصلاة خيرٌ من النوم) بعد الحيعلة؛ حتى يعلمَ مَن يسمعه أنه الأذانُ الذي يُوجِب الصَّلاةَ ويمنع الصائمَ من تناول الطعام والشراب). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (10/342). وقال ابن عثيمين: (والتثويب الذي هو قولُ: “الصلاة خيرٌ من النوم” إنَّما يُشرَع في أذان الفجر الذي هو الأذانُ بعد طلوع الفجر). ((لقاء الباب المفتوح)) (رقم اللقاء: 104)
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن أبي محذورة رَضِيَ اللهُ عَنْه قال: ((ألْقَى عليَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الأذانَ حرفًا حرفًا: ….. قال: وكان يقول في الفَجرِ: الصَّلاةُ خيرٌ من النَّومِ ))[رواه أبو داود (504) واللفظ له
ثانيًا: أنَّ صلاة الفجرِ وقتٌ ينام فيه عامَّةُ الناس؛ لذا خُصَّ بها؛ لِمَا يَعرِضُ للنائمِ من التكاسُلِ بسببِ النومِ.((المغني)) لابن قدامة (1/296)، ((حاشية ابن عابدين)) (1/388)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (1/136).
الفَرْعُ الثَّاني: التَّثويبُ في غيرِ الفَجرِ
لا يُثوَّبُ لغيرِ صلاةِ الفجرِ، وهو مذهبُ الجمهور: المراجع السابقة .
قال ابن نجيم: (… أفاد أنَّه «أي: التثويب» لا يَخصُّ صلاةً، بل هو في سائرِ الصَّلوات، وهو اختيارُ المتأخِّرين؛ لزيادةِ غفلةِ الناس، وقلَّما يقومون عند سماع الأذان، وعند المتقدمين هو مكروهٌ في غير الفجر، وهو قولُ الجمهور، كما حكاه النوويُّ في شرح المهذب؛ لِمَا رُوي أنَّ عليًّا رأى مؤذنًا يثوِّب في العشاء، فقال: أخرجوا هذا المبتدعَ من المسجد، وعن ابن عُمرَ مِثلُه). ((البحر الرائق)) (1/275ِ، قال الكاسانيُّ: (وأمَّا محلُّ التثويب، فمحلُّ الأوَّل هو صلاةُ الفجرِ عند عامَّة العلماء). ((بدائع الصنائع)) (1/148).
الأدلَّة:
أوَّلًا: من السُّنَّة
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن أَحْدَث في أمرِنا ما ليسَ فيه فهو رَدٌّ ))[رواه البخاري (2697)، ومسلم (1718) واللفظ له.]. وقد جاءتِ النصوصُ بمشروعيَّةِ التثويبِ في صَلاةِ الفَجرِ خاصَّةً.
ثانيًا: أنَّ صلاةَ الفجرِ وقتٌ ينامُ فيه عامَّةُ الناس، ويقومون إلى الصَّلاةِ عن نومٍ؛ فاختُصَّتْ بالتثويبِ؛ لاختصاصِها بالحاجةِ إليه[((المغني)) لابن قدامة (1/296)].
المطلب الرابع: ما يقولُ المؤذِّنُ عند شِدَّةِ الرِّيحِ ونُزولِ المَطرِ
يقول ذلك المؤذِّن؛ إمَّا أثناء الأذان، أو بعده، كما دلَّت عليه النصوص. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن رجب (3/495)، ((فتح الباري)) لابن حجر (2/98).
يُشرَعُ عندَ شِدَّةِ الرِّيحِ ونزولِ المطرِ أنْ يقولَ المؤذِّنُ: (ألَا صلُّوا في رِحالِكم)، أو (الصَّلاة في الرِّحال)، وهذا باتِّفاق المذاهب الفقهيَّة الأربعة: الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة .
الأدلَّة مِنَ السُّنَّة:
1- عن عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما: ((أنَّه أذَّن بالصَّلاةِ في ليلةٍ ذاتِ بَرْدٍ ورِيحٍ، ثم قال: ألَا صَلُوا في الرِّحالِ، ثم قال: إنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يأمُرُ المؤذِّنَ إذا كانتْ ليلةٌ ذاتُ بَردٍ ومطرٍ يقول: ألَا صَلُوا في الرِّحالِ ))[ رواه البخاري (666)، ومسلم (697)].
2- عن أُسامةَ الهذليِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، أنَّه قال: ((لقدْ رأيتُنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومَ الحُديبيةِ وأصابتْنا سماءٌ لم تبلَّ أسافلَ نِعالنا، فنادَى منادِي رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صلُّوا في رِحالِكم ))رواه أبو داود (1059)، النسائي (2/111)، ابن ماجه (773) واللفظ له. احتجَّ به ابنُ حزم في ((المحلى)) (4/205)، وصحَّح إسنادَه النوويُّ في ((الخلاصة)) (2/657)، وأحمد شاكر في تحقيقه على ((المحلى)) (4/205)، وصحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (773).
3- أذَّن ابنُ عمرَ في ليلةٍ باردةٍ بضجنانَ، ثم قال: صلُّوا في رحالِكم، فأخبَرَنا: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يأمُرُ مؤذِّنًا يؤذِّن، ثم يقول على إثرِه: ألَا صلُّوا في الرِّحالِ. في الليلةِ الباردةِ، أو المطيرةِ في السَّفرِ. أخرجه البخاري (632) واللفظ له ومسلم (697).[ الموسوعة الفقهية].
وضَجَنان- بفتح الضاد والجيم، ورُوي بسُكون الجيم-: جبل بناحية تهامة. وقيل: ضجنان جُبيل على بريد من مكَّة، وهناك الغميم في أسفله مسجدٌ صلَّى فيه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وله ذِكر في المغازي، وقال الواقدي: بين ضجنان ومكَّة خمسة وعشرون ميلًا. ((معجم البلدان)) لياقوت (3/453).
قول المؤذن صلوا في رحالكم سنة مهجورة
من السنة أن يقول المؤذن في البرد الشديد أو المطر : (الصلاة في الرحال) أو ( الا صلوا في رحالكم) أو ( صلوا في بيوتكم) أو ( ومن قعد فلا حرج عليه).
تقال إحدى هذه الألفاظ في ثلاثة مواضع:
1)إمّا بدلاً من (حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ :
لحديث ابن عبّاس رضي الله عنه في الصّحيحين أنّه قال لمؤذّنه في يوم مطير:إذا قلت (أشهد أنّ محمّدا رسول الله )فلا تقل: )حيّ على الصّلاة )، قل) :صلّوا في بيوتكم )فكأنّ الناس استنكروا، فقال )):فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي .
2) أو بعد (حَيَّ عَلَى الفَلاَحِ :
لحديث رجل من ثقيف في سنن النَسائي أنه سمع مناديَ النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم يقول في ليلة مطيرة في السَّفر: (حيّ على الصّلاة)(حيّ على الفلاح)(صلّوا في رحالكم)، وإسناده صحيح.
3)أو بعد الانتهاء من الأذان:
لحديث ابن عمر رضي الله عنه في الصّحيحين أنّه أذّن في ليلة باردة بضجنان ثمّ قال: (صلّوا في رحالكم )فأخبرنا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يأمر مؤذّناً يؤذّن ثمّ يقول على إثره) :أَلاَ صَلُّوا فِي الرِّحَالِ )في اللّيلة الباردة أو المطيرة،أو في السّفر .
وعن نعيم النّحام قال: نودي بالصّبح في يوم بارد وأنا في مرط امرأتي ، فقلت: ليت المنادي قال: ((وَمَنْ قَعَدَ فَلاَ حَرَجَ ))فنادى منادي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في آخر أذانه)) :وَمَنْ قَعَدَ فَلاَ حَرَجَ )).
رواه أحمد، والبيهقيّ، وصحّحه الشّيخ الألباني في “الصّحيحة” (2605). اهـ
المصدر: قضاء الوطر بمعرفة أحكام الشتاء والمطر.
ملاحظة: كل هذه الأحاديث صححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة والثمر المستطاب .
وقال أيضـاً متحدثاً عن حديث ومن قعد فلا حرج :
((يقوله المؤذن في آخر آذانه في اليوم البارد))
[سلسة الأحاديث الصحيحة (6/205) طبعـة مكتبة المعارف] .
وقال أيضـاً
((فائد : في هذا الحديث سنة هامة مهجورة من كافة المؤذنين مع الأسف وهي من الأمثلة التي يتضحُ بها قوله تبارك وتعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) ألا وهي قوله بعد الأذان ومن قعد فلا حرج عليه ، فهو تخصيص لعموم قوله في الأذان حيى على الصلاة المقتضي لوجوب إجابته عملياً بالذهاب إلى المسجد والصلاة مع جماعة المسلمين إلا في البرد الشديد ونحوه من الأعذار))
[سلسة الأحاديث الصحيحة (6/205) طبعـة مكتبة المعارف] .
قال الشيخ العباد: هذا ليس فيه نص على الجمعة، ولكن الرواية الثانية هي التي فيها ذكر الجمعة، والمنادي هو المؤذن، فعندما يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح يقول: صلوا في رحالكم، وفي الحديث الآخر الذي سيأتي أنه بدل أن يقول: حي الصلاة حي على الفلاح يقول: ألا صلوا في رحالكم ألا صلوا في رحالكم، ولا مانع من الجمع بينهما؛ لأن المقصود بقوله: حي الصلاة. أن من أراد أن يحصل الفضيلة فله أن يأتي، ومن أراد أن يتخلف فإنه معذور وقد أذن له بذلك؛ ولذا قيل له: الصلاة في الرحال؛ ولهذا ينبغي للمؤذن والإمام أن يقيما الصلاة جماعة في المسجد. (سنن أبي داود).
وقال الشيخ صالح آل شيخ :
((وينتبه هنا إلى مسألة من السنة تخفى على كثيرين من الناس ، وهو أنه إذا نزل المطر الشديد في وقت من الأوقات ؛ يعني ودخل الوقت نزل مطر شديد وقت الظهر، نزل مطر شديد وقت العصر، فإنه يباح أو يجوز أن يُصلّى في البيت ؛ لأنّ المطر من الأعذار المبيحة(المطر الذي يشق معه الخروج للمسجد من الأعذار المبيحة للصلاة في الجماعة) فإذا وجد المطر فيترك من شق عليه ذلك الصلاة في الجماعة … وأيضا من الأمور التي في السنة وقلَّ وجودها أنه يُسن للمؤذن إذا وجد مطر شديد في وقت الأخيرة في الظهر أو في وقت العصر أو في الجمعة أو في وقت العشاء أنه ينادي في الناس بعد قوله : أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله ، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله ، لا يقول : حي على الصلاة، حي على الصلاة ، حي على الفلاح، حي على الفلاح ، بل يقول: الصلاة في البيوت ، أو يقول : صلوا في بيوتكم ،
أو: الصلاة في الرحال ، وهذا من سمعه فيصلي في بيته عند وجود المطر الشديد، وليس مجرد وجود المطر أو المطر الذي لا يشق معه إذا وُجد المطر الشديد ووجد وحل أو الطريق مملوء بالأمطار ويُفسد على الناس أحذيتهم ، يُفسد على الناس نعالهم ، يفسد على الناس ملابسهم ، أو يكون معه مشقة في الوصول بالأرجل ، ولو للبعض ، فإن هذا يباح معه أن يقال ؛ بل يسن معه أن يقال : الصلاة في البيوت ، صلوا في بيوتكم … ولكن هذه ينبغي أن ينتبه المؤذن لها فلا تقال إلا بأمر الإمام في أوقات يكون المطر فيها شديدا))
[شرح العقيدة الطحاوية (الشريط 11 ، الوجه الثاني) تسجيلات ابن رجب] .
جمعه: نورس الهاشمي
====
المبحث الثاني: الأعذارُ المُسقِطَةُ لصلاةِ الجماعةِ
قال النوويُّ: (حضورُ الجماعة يَسقُط بالعُذر بإجماع المسلمين). ((شرح النووي على مسلم)) (5/155).
المَطلَبُ الأوَّل: المَطَرُ.
مِن الأعذارِ المسقطةِ لصلاةِ الجماعةِ: وجودُ المطرِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكي الإجماعُ على ذلك، قال ابنُ بطَّال: (أجمَع العلماءُ على أنَّ التخلُّف عن الجماعات في شدَّة المطر والظُّلمة والرِّيح، وما أشبه ذلك، مباحٌ بهذه الأحاديث). ((شرح صحيح البخاري)) (2/291).
الأَدِلَّةُ مِنَ السُّنَّة:
1- حديث ابن عمر وسبق
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه قال لمؤذِّنه في يومٍ مطيرٍ: (إذا قلتَ: أشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا الله، أشهدُ أنَّ محمدًا رسولُ الله، فلا تقُلْ: حيَّ على الصَّلاة، قلْ: صلُّوا في بُيوتِكم)، قال: فكأنَّ الناسَ استنكروا ذاك، فقال: (أَتَعْجَبونَ مِن ذا؟! قد فعَل ذا مَن هو خيرٌ منِّي “أي: رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم”؛ إنَّ الجُمُعةَ عَزْمةٌ، وإنِّي كرهتُ أنْ أُحرجَكم فتمشوا في الطِّينِ والدَّحْض ) رواه البخاري (901)، ومسلم (699).
قال النووي: (أحرجكم هو بالحاء المهملة من الحرج وهو المشقة هكذا ضبطناه وكذا نقله القاضي عياض عن رواياتهم). ((شرح النووي على مسلم)) (5/207).
3- أن عِتْبانَ بنَ مالكٍ- وكان مِن أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ممَّن شَهِدَ بدرًا مِن الأنصارِ-: أنَّه أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: ((يا رسولَ اللهِ، إنِّي أَنْكَرْتُ بصري، وأنا أُصلِّي لقومي، فإذا كانتِ الأمطاُر سال الوادي الذي بيني وبينَهم، لم أَسْتَطَعْ أن آتي مسجدَهم لأُصَلِّيَ لهم، فودَدْتُ يا رسولَ اللهِ، أنَّك تأتي فتُصَلِّي في بيتي؛ فأَتَّخِذُه مُصَلًّى، فقال: سأَفْعَلُ إن شاءَ اللهُ ))[رواه البخاري (5401) ومسلم (33)].
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
قوله: (فإذا كانتِ الأمطاُر سال الوادي الذي بيني وبينَهم، لم أَسْتَطَعْ أن آتي مسجدَهم لأُصَلِّيَ لهم) فيه أنَّ المطر عُذْرٌ في التخلُّف عن الجماعةِ.
المَطلَب الثَّاني: الوَحْلُ.
مِن الأعذارِ المسقطةِ لصلاةِ الجماعةِ وجودُ الوَحل الشَّديد، وهذا باتِّفاق المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة.
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
حديث عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما وسبق
ثانيًا: القياسُ على المطر، فإنَّ الوحل أشقُّ من المطَر.
المَطلَب الثَّالث: الرِّيحُ الشَّديدةُ.
الرِّيحُ الشَّديدةُ من الأعذارِ المُسقِطَةِ لصلاةِ الجَماعةِ إذا كانت ليلًا، وهذا باتِّفاق المذاهِبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة.
الأدلَّة:
أولًا: مِنَ الآثارِ
حديث ابن عمر وسبق.
قوله: ((ذاتُ مطر)): قال الشوكانيُّ: (وفي صحيح أبي عَوانةَ: «ليلة باردة، أو ذات مطر، أو ذات رِيح»، وفيه: أنَّ كلًّا من الثلاثة عذرٌ في التأخر عن الجماعة. ونقَل ابن بطال فيه الإجماعَ) ((نيل الأوطار)) (3/186).
وَجْهُ الدَّلالَةِ: أنَّ ابنَ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قاسَ الرِّيحَ على المطرِ، والعِلَّةُ الجامعة هي المشقَّة اللَّاحِقة.
ثانيًا: لعظمِ مشقَّةِ الرِّيحِ ليلًا دون النَّهارِ.
لكن إذا كانت ريح شديدة في النهار فكذلك.
المَطلَب الرَّابع: البَرْدُ الشَّديدُ.
مِن الأعذارِ المُسْقِطَةِ لصلاةِ الجماعةِ وجودُ البردِ الشديدِ، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحنابِلَة، وهو قولُ ابنِ حزمٍ، وحُكِي الإجماعُ على ذلك، قال الشوكانيُّ: (وفي صحيحِ أبي عَوانة «ليلة باردة، أو ذات مطر، أو ذات رِيح»، وفيه: أنَّ كُلًّا من الثلاثة عُذْرٌ في التأخُّر عن الجماعة، ونقل ابن بطَّال فيه الإجماعَ) ((نيل الأوطار)) (3/186). وقال ابنُ بطَّال: (أجمَع العلماءُ على أنَّ التخلُّفَ عن الجماعات في شدَّةِ المطر والظُّلمة والريح، وما أشبه ذلك، مباحٌ بهذه الأحاديث). ((شرح صحيح البخاري)) (2/291).
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
حديث ابن عمر وسبق
ثانيًا: أنَّ المشقَّةَ في البردِ الشديدِ كالمشقَّةِ في المطرِ.
المَطلَب الخامسُ: حضورُ طعامٍ.
مِن الأعذارِ المسقِطةِ لصلاةِ الجماعةِ حُضورُ طعامٍ، قال ابنُ دقيق العيد: (المتشوِّفون إلى المعنى أيضًا قد لا يَقْصرون الحُكم على حضورِ الطعام، بل يقولون به عند وجود المعنى، وهو التشوُّف إلى الطعام، والتحقيق في هذا: أنَّ الطعام إذا لم يحضر فإمَّا أن يكون متيَسِّرَ الحضور عن قريب حتى يكون كالحاضرِ أو لا، فإنْ كان الأوَّل: فلا يبعُد أن يكون حُكمه حُكمَ الحاضر، وإنْ كان الثاني وهو ما يتراخَى حضورُه: فلا ينبغي أن يُلحَق بالحاضر؛ فإنَّ حضورَ الطعام يُوجِب زيادةَ تشوُّف وتطلُّع إليه، وهذه الزيادةُ يمكن أن يكون الشارعُ اعتبرَها في تقديمِ الطَّعام على الصَّلاة، فلا ينبغي أن يلحق به ما لا يساويها؛ للقاعدة الأصوليَّة: إنَّ محلَّ النَّصِّ إذا اشتمل على وصْفٍ يمكن أن يكون معتبرًا لم يُلْغَ) ((إحكام الأحكام)) (ص: 105). وقال ابنُ عابدين: (وقرُب حضورُه كحضورِه فيما يظهرُ لوجود العِلَّة، وبه صرَّح الشافعي). ((حاشية ابن عابدين)) (1/556).
تاقتْ نفْسُه إليه، قال ابنُ دقيق العيد: (الظاهريَّة أخذوا بظاهر الحديث في تقديم الطَّعام على الصلاة، وزادوا- فيما نُقِل عنهم- فقالوا: إنْ صلَّى فصلاته باطلةٌ، وأمَّا أهل القياس والنظر فإنَّهم نظروا إلى المعنى وفهِموا: أنَّ العلةَ التَّشويش لأجْل التشوُّفِ إلى الطعام، وقد أوضحتْه تلك الرواية التي ذكرناها، وهي قوله: «وأحدكم صائم» فتتبَّعوا هذا المعنى فحيث حصل التشوُّف المؤدِّي إلى عدمِ الحضور في الصلاة قدَّموا الطعامَ واقتصروا أيضًا على مقدار ما يَكسِر سَورةَ الجوعِ، ونُقِل عن مالك: يبدأ بالصلاة إلَّا أن يكون طعامًا خفيفًا) ((إحكام الأحكام)) (ص: 104).
وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحنابِلَة، وهو قولُ طائفةٍ مِن السَّلف، واختاره ابنُ حزمٍ.
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عنِ ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا وُضِعَ عَشاءُ أحدِكم وأُقيمتِ الصَّلاةُ، فابْدؤوا بالعَشاءِ، ولا يَعْجَلْ حتى يَفرغَ ))رواه البخاري (673)، ومسلم (559).
2- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا قُرِّب العَشاءُ وحضرتِ الصَّلاةُ، فابدؤوا به قبل أن تُصلُّوا صلاةَ المغربِ، ولا تَعْجَلوا عن عَشائِكم ))رواه البخاري (672)، ومسلم (557).
3- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: إنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((لا صلاةَ بحضرةِ طعامٍ، ولا وهو يُدافِعُه الأخبثانِ ))رواه مسلم (560).
ثانيًا: لاشتغالِ باله بالطعامِ الذي تَتُوقُ نفْسُه إليه بما يُشوِّشُ على خشوعِه في الصَّلاةِ.
المَطلَبُ السَّادسُ: المَرضُ.
للمريضِ أن يتخلَّفَ عن الجماعاتِ من أجْلِ المَرَضِ.
الأدلَّة:
أولًا: من الكِتاب
1- قال الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16].
2- قال الله تعالى: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286].
ثانيًا: من السُّنَّة
1- عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((دَعُوني ما تركتُكم، إنَّما هلَك مَن كان قبلكم بسؤالِهم واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا نهيتُكم عن شيءٍ فاجْتَنِبوه، وإذا أمرتُكم بأمرٍ فأتُوا منه ما استطَعْتُم )) رواه البخاريُّ (7288)، واللفظ له، ومسلم (1337).
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: ((صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بيتِه وهو شاكٍ جالسًا، وصلَّى وراءَه قومٌ قِيامًا، فأشار إليهم أَنِ اجلِسوا، فلمَّا انصرَف قال: إنَّما جُعِل الإمامُ ليؤتَمَّ به، فإذا ركَع فاركَعوا، وإذا رفَع فارفَعوا )) رواه البخاري (1236) ومسلم (412).
3- عن أبي موسى رَضِيَ اللهُ عنه، قال: مرِضَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاشتدَّ مرضُه، فقال: ((مُروا أبا بكرٍ فلْيُصلِّ بالناسِ )) رواه البخاري (678)، ومسلم (420).
ثالثًا: مِنَ الِإِجْماعِ
نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذرِ، وابنُ حزم، قال ابنُ قُدامة: (يُعذَر في تركهما المريضُ في قول عامَّة أهل العلم). ((المغني)) (1/451).
فرعٌ: حَدُّ المَرَضِ المُسْقِطِ للجماعةِ
المرضُ المسقِطُ للجماعةِ هو الذي يشُقُّ معه الإتيانُ إلى الجماعةِ، قال النوويُّ: (فإنْ كان مرض يسير لا يشقُّ معه القصد كوجع ضَرْس، وصُداع يسير، وحمَّى خفيفة، فليس بعُذر، وضبطوه بأنْ تلحقه مشقَّةٌ كمشقَّة المشي في المطر). ((المجموع)) (4/205)، وينظر: ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (2/91).
المَطلَب السَّابع: غَلبةُ النَّومِ.
مِن الأعذارِ المسقِطةِ لصلاةِ الجماعةِ غَلبةُ النُّعاسِ والنَّومِ إنِ انتظر صلاةَ الجماعةِ؛ نصَّ على هذا فقهاءُ الشافعيَّة، والحنابِلَة، وهو اختيارُ ابن عُثَيمين.
الأدلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، أنَّ معاذَ بنَ جبل رَضِيَ اللهُ عنه، كان يُصلِّي مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثم يأتي قومَه فيُصلِّي بهم الصَّلاة، فقرأ بهم البقرة، قال: فتجوَّز رجلٌ فصلَّى صلاةً خفيفة، فبلَغَ ذلك معاذًا، فقال: إنَّه منافقٌ، فبَلغ ذلك الرجُلَ، فأتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ الله، إنَّا قومٌ نعمل بأيدينا، ونَسقي بنواضِحنا، وإنَّ معاذًا صلَّى بنا البارحةَ، فقرأ البقرةَ، فتجوَّزتُ، فزعَم أنِّي منافِقٌ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا معاذُ، أَفتَّانٌ أنت- ثلاثًا! اقرأ: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، ونحوها))رواه البخاري (6106)، ومسلم (465).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عذَرَ الرجلَ الذي قطع صلاتَه مع معاذ، ولم يُنكِرْ عليه؛ وذلك لأنَّ معاذًا كان يُطيلُ صلاة العِشاء، وهم في حاجةٍ إلى النومِ والراحةِ للعمل صباحًا.
2- عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا نَعَسَ أحدُكم وهو يُصلِّي فلْيرقُدْ، حتى يذهبَ عنه النومُ، فإنَّ أحدَكم إذا صلَّى وهو ناعِسٌ، لا يَدري لعلَّه يَستغفِرُ فيسُبَّ نفسَه!)) رواه البخاري (212)، ومسلم (786).
ثانيًا: أنَّه إنِ انتظرَ صلاةَ الجماعةِ وقد غَلَبه النعاسُ والنومُ، فقدْ يُباغِتُه النومُ، فتفوته صلاةُ الجماعةِ، والصَّلاةُ في وقتِها.
المَطلَب الثَّامِن: الخوفُ.
مِن الأعذارِ المسقِطةِ لصلاةِ الجماعةِ الخوفُ على نفْسِه أو مالِه، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة، وحُكيَ الإجماعُ على ذلك، قال ابنُ حزم: (ومِن العُذر للرجال في التخلُّف عن الجماعة في المسجد: المرض، والخوف… فأمَّا المرض والخوف فلا خِلافَ في ذلك؛ لقول الله تعالى:( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا )البقرة: 286 ، وقوله تعالى: ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) الأنعام: 119 ((المحلى)) (3/118).
وذلك للآتي:
أولًا: أنَّ المشقَّةَ اللاحقةَ بذلك أكثرُ من بلِّ الثِّيابِ بالمطرِ الذي هو عُذرٌ بالاتِّفاقِ.
ثانيًا: أنَّ قلبَه سيكون منشغلًا.
المَطلَبُ التاسِعُ: صلاةُ الجماعةِ لِمَن أكَل ثُومًا، أو بصلًا ونحوَهما.
اختلف أهل العلم في حكم حضور المسجد لمن أكل بصلًا أو ثُومًا ونحوهما على قولين:
القول الأول: يُكرَه حضورُ المسجدِ لِمَن أكَل ثُومًا أو بصلًا، أو نحو ذلك، وهو باتِّفاقِ المذاهبِ الفقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحَنابِلَة.
ويلحق بهما كلُّ مَا له رائحة كريهة كالدخان وغيره. قال الطحطاوي: (قلت: فيُفْهَم منه حكم النبات الذي شاع في زماننا المسمى بالتتن؛ فتَنَبَّه، وقد كرهه الشيخ العمادي إلحاقًا له بالثُّوم والبصل بالأَوْلى، فتَدَبَّر) ((حاشية الطحطاوي)) (ص: 441)، ويُنظر: ((حاشية ابن عابدين)) (1/661)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/497).
الدَّليلُ مِنَ السُّنَّة:
عن جابرٍ، قال: نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أكْل البصل والكرَّاث، فغلبَتْنا الحاجةُ، فأكَلْنا منها، فقال: ((مَن أكَلَ من هذه الشجرةِ الْمُنْتِنةِ، فلا يقربنَّ مسجِدَنا؛ فإنَّ الملائكةَ تَأذَّى ممَّا يَتأذَّى منه الإِنْسُ )) رواه مسلم (564).
القول الثاني: يحرمُ حضورُ المسجدِ لِمَن أكَل ثُومًا أو بصلًا، وهو قول للمالكيَّة، وروايةٌ عن أحمدَ، وهو مذهبُ الظاهريَّةِ، واختاره ابنُ جريرٍ، وابنُ عثيمينَ.
الأَدِلَّة:
أولًا: من السُّنَّة
1- عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: نهى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن أكْل البصل والكرَّاثِ، فغلبَتْنا الحاجةُ، فأكَلْنا منها، فقال: ((مَن أكَلَ من هذه الشَّجَرةِ المُنْتِنةِ، فلا يقربنَّ مسجِدَنا؛ فإنَّ الملائكةَ تَأذَّى ممَّا يَتأذَّى منه الإِنْسُ )) رواه مسلم (564).
وَجْهُ الدَّلالَةِ:
أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نهَى عن قُرب المسجدِ لمن أكَل بَصَلًا أو كرَّاثًا، والنَّهيُ للتحريمِ. ((التمهيد)) لابن عبد البر (6/415).
قال الشيخ: عبد الله بن سليمان بن حميد: مما حدث في هذا الزمان من البدع الشنيعة والعادات الخبيثة: شرب الدخان، المعروف بالتتن والتنباك، على اختلاف أجناسه وصفات استعماله؛ قد تكلم العلماء الأعلام في تحريمه
الأجوبة النجدية 15/80
2- عن معدان بن أبي طلحَةَ، أنَّ عمَرَ بنَ الخطَّاب خطَب النَّاسَ يومَ الجمعةِ- فذكر كلامًا كثيرًا-: وفيه ((إنَّكم- أيُّها النَّاسُ- تأكلونَ شجرتينِ لا أُرَاهُما إلَّا خبيثتينِ: هذا البَصَلَ والثُّومَ، ولقد رأيتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إذا وجَد رِيحَهُما مِن الرَّجُلِ في المسجدِ أمَر به فأُخْرِجَ إلى البقيعِ )) أخرجه مسلم (567).
ثانيًا: أنَّ صلاة الجماعة واجبةٌ على الأعيانِ، ولا تتمُّ إلَّا بتركِ أكلِ الثُّومِ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ، فكلُّ ما منع من إتيانِ الفرضِ والقيامِ به فحرامٌ عملُه والتشاغلُ به، كما أنَّه حرامٌ على الإنسان فعلُ كلِّ ما يمنعُه مِن شهودِ الجمعةِ.
المطلب العاشر: مدافعة الأخبثين.
مِن الأعذارِ المسقِطةِ لصلاةِ الجماعةِ مدافعةُ الأخبثَين، وهذا باتِّفاقِ المذاهبِ الفِقهيَّة الأربعة: الحَنَفيَّة، والمالِكيَّة، والشافعيَّة، والحنابِلَة.
الأدلة:
أولًا: من السُّنَّة
عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: إنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: ((لا صلاةَ بحضرةِ طعامٍ، ولا وهو يُدافِعُه الأخبثانِ )) رواه مسلم (560).
ثانيًا: لأنه يمنعُه من إكمالِ الصلاة وخشُوعها. ((مطالب أولي النهى)) للرحيباني (1/701). [الموسوعة الفقهية، بتصرف].