1159 فتح الواحد الأحد شرح الصحيح المسند
مجموعة: مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1159):
قال الإمام أبو داود رحمه الله :حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ مَنْصُورٍ ، عَنْ ذَرٍّ ، عَنْ يُسَيْعٍ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ : ((الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ))، {قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}.
قال الشيخ مقبل الوادعي: هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا يسيعًا الحضرمي، وقد وثَّقه النسائي.
الحديث أخرجه الترمذي (ج ٨ ص ٣٠٨) و(ج ٩ ص ١٢١) و(ج ٩ ص ٣١١)، وقال في المواضع الثلاثة: حديث حسن صحيح.
وأخرجه ابن ماجه (ج ٢ ص ١٢٥٨).
===================
الحديث سيكون من وجوه:
قال الوادعي في (الجامع): ٧ – الدعاء هو العبادة. انتهى.
الأول: شرح الحديث:
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب: الدعاء.
حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة عن منصور عن ذر عن يسيع الحضرمي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وعلى وسلم قال: (الدعاء هو العبادة «قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ» [غافر:٦٠])].
قوله: [باب الدعاء] الدعاء هو الطلب والسؤال من الله عز وجل، وقد يطلق ويراد به ذكر الله عز وجل، ويكون من قبيل دعاء العبادة؛ لأن الدعاء نوعان: دعاء عبادة ودعاء مسألة.
فدعاء المسألة، هو: كون الإنسان يسأل، ويقول: (رب اغفر لي) ، (رب ارحمني)، (رب هب لي كذا)، (رب اصرف عني كذا).
ودعاء العبادة: يدخل تحته الذكر، فهو عبادة لله عز وجل وليس مسألة.
وقوله: [(الدعاء هو العبادة)] يدلنا على عظم شأن الدعاء، وهذا اللفظ كأنه حصر، وهو مثل قوله: (الحج عرفة)، ومثل قوله: (الدين النصيحة) إذًا: الدعاء له شأن عظيم، وهو عبادة لله عز وجل، فيسأل الإنسان ربه، ويعول عليه، ويسأل حاجاته منه ولا يسأل غيره، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله)، وفي سورة الفاتحة: ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة:٥].
فقوله: [(الدعاء هو العبادة)] يدلنا على عظم شأن الدعاء، وأنه من أنواع العبادة، وأنواع العبادة كثيرة، ومنها: الدعاء، والخوف، والرجاء، والتوكل، والرغبة، والرهبة، والإنابة، والاستغاثة، والاستعانة، والخشية، كل ذلك من أنواع العبادة.
وجاء في حديث ضعيف: (الدعاء مخ العبادة)، وأما قوله: [(الدعاء هو العبادة)] فهو حديث صحيح.
وقوله تعالى: [«(وقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ» [غافر:٦٠])] فيه أمر بالدعاء ووعد بالإجابة، ثم قال بعد ذلك: ﴿إنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ﴾ [غافر:٦٠] فدل هذا على أن الدعاء عبادة.
فهذا حديث عظيم يدل على عظم شأن الدعاء، ولهذا صدر به أبو داود رحمه الله الأحاديث التي تتعلق بهذا الباب الذي هو باب الدعاء.[شرح سنن أبي داود للعباد].
يقول: «إن الدعاء هو العبادة»، ظاهر الحديث الحصر، وأن الدعاء هو العبادة، ووجه ذلك: أن العابد إذا استعبد لله بعبادة ليس فيها دعاء، فهو داعٍ بلسان الحال، إذا قال: “لا إله إلا الله ؛ لا يوجد دعاء، ولكن هو داعٍ بلسان الحال، وهذا وجه الحصر في قول الرسول ﷺ: «إن الدعاء هو العبادة» يعني: كل إنسان يدعو فهو عابد، وكل إنسان يعبد فهو داع]، فصدقت الكلمة سواء كذا أو كذا، يعني: سواء قلت: كل داعٍ عابد، أو كل عابد داعٍ فهو صحيح.
في هذا الحديث: الحث على الدعاء؛ حيث جعله النبي ﷺ من العبادة، وعلى هذا فداعي الله رابح على كل تقدير إن أعطاه الله سؤاله فقد ربح ربحين:
أولًا: العبادة، وثانيًا: حصول مطلوبه.
وإن منعه إياه وكف عنه شرًا فهو أيضًا رابح ربحين: الأول: العبادة، والثاني: دفع المكروه عنه.
وإن لم يكن هذا ولا هذا لكن ادخره ثوابًا له إلى يوم القيامة فهو أيضًا رابح؛ حيث إنه سيجده مدخرًا عند الله عز وجل، لأنه عبادة، وهنا هل نقول: إنه ربح ربحين أو ربح واحدًا؟ كل عبادة لها ثواب هو رابح؛ لأنه سوف يثاب على هذه العبادة الحسنة بعشر أمثالها، إذن أكثر من الدعاء سواء أجبت أم لم تجب، لكن إذا دعوت ثم دعوت ثم دعوت ولم يستجب لك، هل تقول: لو كان في هذا خير لأعطاني الله إياه، ثم تستحسر وتترك؟ الجواب: لا، لا يجوز، كرر الدعاء؛ فإن الرسول ﷺ يقول: «إنه يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت ودعوت فلم يستجب لي» كرر، والحمد لله ما دام عبادة فكرر، ربما يكون من حكمة الله أن الله أخر إجابتك من أجل أن تكثر عبادتك وهذا خير لك.
– وله من حديث أنسٍ رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ: «الدعاء مخ العبادة».
أي: لبها، وهذا الحديث بهذا اللفظ في صحته نظر، لكن يكفي أن يكون الدعاء هو العبادة.
– وله من حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: «ليس شيء أكرم على الله من الدعاء» وصححه ابن حبان، والحاكم.
الظاهر -والله أعلم- أن قوله: «ليس شيء- أي: من مطلوبات الإنسان- أكرم على الله من الدعاء؛ لأن الداعي -أعني: داعي الله- إنما دعا ربه؛ لأنه يؤمن بأنه كريم، وإذا كان يؤمن بأنه كريم صار وصفًا لله عز وجل بالكرم بلسان الحال، وهذا لا شك أنه من أكرم الأشياء على الله عز وجل، والحديث يحتاج إلى النظر في صحته.
* * *[فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ط المكتبة الإسلامية — ابن عثيمين (ت ١٤٢١)].
و”حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قال: «الدعاء هو العبادة»، فدل على أن الدعاء أهم أنواع العبادات من وجهين:
الأول: أن النبي ﷺ أتى بضمير الفصل «هو» وضمير الفصل يفيد التوكيد.
الثاني: أنه أتى باللام في قوله «العبادة» فكأنه قال: «الدعاء هو العبادة لا غيرها».
* والدعاء في القرآن الكريم يتناول معنيين:
الأول: دعاء العبادة هو دعاء الله امتثالًا لأمره فإنه سبحانه أمر عباده بالدعاء. فمتى دعوت الله سبحانه وتعالى ممتثلًا أمره فإن دعاءك عبادة؛ قال تعالى: ﴿ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ فإذا دعوته امتثلت أمره وإذا امتثلت أمره تكون عبدته.
الثاني: دعاء المسألة وهو دعاؤه سبحانه وتعالى بجلب المنفعة ودفع المضرة، فكلا النوعين عبادة لله سبحانه وتعالى فمن دعا الله سبحانه وتعالى طالبًا جلب النفع ودفع الضر وهو في حال دعائه ممتثلًا أمره سبحانه وتعالى فإنه يكون قد اجتمع في حقه دعاء العبادة ودعاء المسألة.
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
“أولا: درجة الحديث:
حديث النُّعمان صحيح، وحديث أنس ضعيف.
قال النووي عن حديث النعمان: أسانيده صحيحة.
ثانيًا: * فوائد :
1- قال شيخ الإسلام: الدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة.
وكل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكلٍ دعاء مسألة متضمن لدعاء العبادة؛ قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وخُفْيَةً﴾ [الأعراف ٥٥]، وقال: ﴿بَلْ إيّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إلَيْهِ إنْ شاءَ﴾ [الأنعام ٤١].
وأمثال هذا في القرآن كثير في دعاء المسألة، وهو يتضمن دعاء العبادة؛ لأنّ السائل أخلص سؤاله لله، وذلك من أفضل العبادات، وكذلك ذاكر الله، والتالي لكتابه، فهو طالب من الله في المعناة فيكون دعاء عبادة.
2 – وقال الشيخ -أيضًا-: المنتسب إلى الإسلام في هذه الأزمان قد يمرق من الإسلام لأسباب، منها: الغلو في بعض المشايخ، أو الغلو في علي بن أبي طالب، أو الغلو في المسيح، فكلُّ من غلا في نبيٍّ، أو رجلٍ صالحٍ، وجعل فيه نوعًا من الإلهية، حتى إنّه يقول: يا سيدي فلان انصرني، أو أغثني، أو ارزقني، أو أنا في حسبك، ونحو هذه الأقوال، يستتاب، فإن تاب وإلاَّ قُتِل؛ فإنّ الله سبحانه إنّما أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ليُعْبَدَ وحده لا شريك له، ولا يُدْعى معه آخر، والذين يدعون مع الله آلهة أخرى، مثل: المسيح، والملائكة، والأصنام، لم يكونوا يعتقدون أنّها تخلق، أو تنزل المطر، أو تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدونهم، أو يعبدون قبورهم، أو يعبدون صورهم، ويقولون: ﴿ما نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرِّبُونا إلى اللَّهِ زُلْفى﴾ [الزمر ٣]، ويقولون: ﴿هَؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس ١٨]؛ فبعث الله رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة، ولا دعاء استغاثة.
3- وقال ابن القيم: ومن أنواع الشرك: طلب الحوائج من الميت، والاستعانة به، والتوجه إليه؛ وهذا أصل شرك العالم؛ فإنّ الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، فضلًا عمَّن استغاث به، أو مسألة أن يشفع له إلى الله تعالى”.
[توضيح الأحكام من بلوغ المرام، شرح حديث رقم (١٣٥٤)].
ثالثًا: مرَّ برقم ( ١٠٨٤) في التعليق على الصحيح المسند:
آداب الدعاء:
١. أن يكون الداعي موحدًا لله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ممتلئًا قلبه بالتوحيد، فشرط إجابة الله للدعاء: استجابة العبد لربه بطاعته وترك معصيته، قال الله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} البقرة/١٨٦.
٢. الإخلاص لله تعالى في الدعاء، قال الله تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء) البينة/٥، والدعاء هو العبادة، كما قال النبي ﷺ، فالإخلاص شرط لقبوله.
٣. أن يسأل اللهَ تعالى بأسمائه الحسنى، قال الله تعالى: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه) الأعراف/١٨٠.
٤. الثناء على الله تعالى قبل الدعاء بما هو أهله، روى الترمذي (٣٤٧٦) عَنْ فَضالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قالَ: بَيْنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قاعِدٌ إذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلّى فَقالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وارْحَمْنِي، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (عَجِلْتَ أيُّها المُصَلِّي، إذا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فاحْمَدْ اللَّهَ بِما هُوَ أهْلُهُ، وصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ ادْعُهُ) وفي رواية له (٣٤٧٧): (إذا صَلّى أحَدُكُمْ فَلْيَبْدا بِتَحْمِيدِ اللَّهِ والثَّناءِ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُصَلِّ عَلى النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ بِما شاءَ). قالَ: ثُمَّ صَلّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وصَلّى عَلى النَّبِيِّ ﷺ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: (أيُّها المُصَلِّي، ادْعُ تُجَبْ) صححه الألباني في «صحيح الترمذي» (٢٧٦٥، ٢٧٦٧).
٥. الصلاة على النبي ﷺ، قال النبي ﷺ: (كل دعاء محجوب حتى تصلي على النبي ﷺ رواه الطبراني في «الأوسط» (١/ ٢٢٠)، وصححه الشيخ الألباني في «صحيح الجامع» (٤٣٩٩).
٦. استقبال القبلة، روى مسلم (١٧٦٣) عن عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رضي الله عنه قالَ: لَمّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى المُشْرِكِينَ وهُمْ ألْفٌ وأصْحابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا، فاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ القِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ: (اللَّهُمَّ أنْجِزْ لِي ما وعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ ما وعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إنْ تُهْلِكْ هَذِهِ العِصابَةَ مِن أهْلِ الإسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأرْضِ) فَما زالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ حَتّى سَقَطَ رِداؤُهُ عَنْ مَنكِبَيْهِ… الحديث.
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: فِيهِ اِسْتِحْباب اِسْتِقْبال القِبْلَة فِي الدُّعاء، ورَفْع اليَدَيْنِ فِيهِ.
٧. رفع اليدين، روى أبو داود (١٤٨٨) عَنْ سَلْمانَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (إنَّ رَبَّكُمْ تَبارَكَ وتَعالى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِن عَبْدِهِ إذا رَفَعَ يَدَيْهِ إلَيْهِ أنْ يَرُدَّهُما صِفْرًا)، وصححه الشيخ الألباني في «صحيح أبي داود» (١٣٢٠).
ويكون باطن الكف إلى السماء على صفة الطالب المتذلل الفقير المنتظر أن يُعْطى، روى أبو داود (١٤٨٦) عن مالِكِ بْنَ يَسارٍ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: (إذا سَألْتُمْ اللَّهَ فاسْألُوهُ بِبُطُونِ أكُفِّكُمْ ولا تَسْألُوهُ بِظُهُورِها)، وصححه الشيخ الألباني في «صحيح أبي داود» (١٣١٨).
وبعضهم يضعفه وراجع لتفصيل مسألة أنواع رفع الأيدي. حديث أبي هريرة في الصحيح المسند
١٣٢٩ – قال الإمام أبو عبدالله بن ماجه عن أبي هريرة
أن النبي ﷺ استسقى حتى رأيت أو رئي بياض إبطيه.
قال معتمر أراه في الاستسقاء.
وكذلك حديث عمير مولى آبي اللحم وهو في الصحيح المسند ١٠٢٨ وفيه أنه رأى النبي ﷺ يستسقي عند أحجار الزيت قريبا من الوزراء قائما يستسقي رافعا يديه قبل وجهه لا يجاوز بهما رأسه
وهل يضم يديه عند رفعهما أو يجعل بينهما فرجة؟
نص الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في «الشرح الممتع» (٤/ ٢٥) أنها تكون مضمومة. ونص كلامه: «وأما التفريج والمباعدة بينهما فلا أعلم له أصلا لا في السنة ولا في كلام العلماء» انتهى.
وعن أبي بكرة أن رسول الله ﷺ قال: «سَلُوا اللهَ بِبُطُونِ أكُفِّكُمْ، ولاَ تَسْألُوهُ بِظُهُورِها» (صحيح: أخرجه الطبراني في الكبير، انظر صحيح الجامع [٣٦٣٤])، وعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: «كان النبي ﷺ إذا دَعا جَعَلَ باطنَ كَفِّهِ إلى وجْهِهِ» (صحيح: رواه الطبراني في الكبير، انظر صحيح الجامع [٤٧٢١])، وتقليب الكفين عند الدعاء ثبت عن النبي ﷺ في صلاة الاستسقاء خاصة ولعل الحكمة في الإشارة بظهر الكفين في الاستسقاء دون غيره التفاؤل بتقليب الحال كما قيل في تحويل الرداء (نيل الأوطارللشوكاني [٤/ ١٠])، وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: “المَسْألَةُ أنْ تَرْفَعَ يَدَيْكَ حَذْوَ مَنكِبَيْكَ أوْ نَحْوَهُما، والاِسْتِغْفارُ أنْ تُشِيرَ بِأُصْبُعٍ واحِدَةٍ، والاِبْتِهالُ أنْ تَمُدَّ يَدَيْكَ جَمِيعًا (أخرجه الضياء [٤٦٨]، وأبو داود [١٤٨٩]، وصححه الألباني).
والراجح الوقف. وراجع حديث ١٥٢١ في الصحيح المسند.
وأورد ابن رجب عن عائشة قالت: إن الله يحب أن يدعا هكذا – وأشارت بالسبابة، وروي عنها مرفوعًا، وعن ابن الزبير موقوفا
واختار ابن راهوية التخيير بين رفع اليدين أو الإصبع.
٨. اليقين بالله تعالى بالإجابة، وحضور القلب؛ لقول النبي ﷺ: (ادْعُوا اللَّهَ وأنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالإجابَةِ، واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ لا يَسْتَجِيبُ دُعاءً مِن قَلْبٍ غافِلٍ لاهٍ) رواه الترمذي (٣٤٧٩)، وحسنه الشيخ الألباني في «صحيح الترمذي» (٢٧٦٦).
احد أسانيده فيه صالح المري متروك، والإسناد الثاني فيه ابن لهيعة. لكن معناه صحيح.
٩. الإكثار من المسألة، فيسأل العبد ربه ما يشاء من خير الدنيا والآخرة، والإلحاح في الدعاء، وعدم استعجال الاستجابة، لقول النبي ﷺ: (يُسْتَجابُ لِلْعَبْدِ ما لَمْ يَدْعُ بِإثْمٍ أوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ، قِيلَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما الاسْتِعْجالُ؟ قالَ: يَقُولُ: قَدْ دَعَوْتُ، وقَدْ دَعَوْتُ، فَلَمْ أرَ يَسْتَجِيبُ لِي، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ ويَدَعُ الدُّعاءَ) رواه البخاري (٦٣٤٠) ومسلم (٢٧٣٥).
١٠. الجزم فيه، لقول النبي ﷺ: (لا يَقُولَنَّ أحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إنْ شِئْتَ، اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي إنْ شِئْتَ، لِيَعْزِمْ المَسْألَةَ، فَإنَّ اللهَ لا مُكْرِهَ لَهُ) رواه البخاري (٦٣٣٩) ومسلم (٢٦٧٩).
قال الإمام النووي رحمه الله: قَوْله ﷺ: «إذا دَعا أحَدكُمْ فَلْيَعْزِمْ فِي الدُّعاء، ولا يَقُلْ: اللَّهُمَّ إنْ شِئْت فَأعْطِنِي فَإنَّ اللَّه لا مُسْتَكْرِه لَهُ»، وفِي رِوايَة: «فَإنَّ اللَّه صانِع ما شاءَ لا مُكْرِه لَهُ» وفِي رِوايَة: «ولْيَعْزِمْ الرَّغْبَة فَإنَّ اللَّه لا يَتَعاظَمهُ شَيْء أعْطاهُ»، قالَ العُلَماء: «عَزْم المَسْألَة الشِّدَّة فِي طَلَبها، والجَزْم مِن غَيْر ضَعْف فِي الطَّلَب، ولا تَعْلِيق عَلى مَشِيئَة ونَحْوها، وقِيلَ: هُوَ حُسْن الظَّنّ بِاَللَّهِ تعالى فِي الإجابَة، ومَعْنى الحَدِيث: اِسْتِحْباب الجَزْم فِي الطَّلَب، وكَراهَة التَّعْلِيق عَلى المَشِيئَة»، قالَ العُلَماء: سَبَب كَراهَته أنَّهُ لا يَتَحَقَّق اِسْتِعْمال المَشِيئَة إلّا فِي حَقِّ مَن يَتَوَجَّه عَلَيْهِ الإكْراه، واَللَّه تعالى مُنَزَّه عَنْ ذَلِكَ، وهُوَ مَعْنى قَوْله ﷺ فِي آخِر الحَدِيث: «إنَّهُ لا مُسْتَكْرِه لَهُ»، وقِيلَ: سَبَب الكَراهَة أنَّ فِي هَذا اللَّفْظ صُورَة الِاسْتِعْفاء عَلى المَطْلُوب والمَطْلُوب مِنهُ (شرح النووي على مسلم [٣٩ – ٤٠])
١١. التضرع والخشوع والرغبة والرهبة، قال الله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعًا وخفية) الأعراف/٥٥، وقال: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين) الأنبياء/٩٠، وقال: (واذكر ربك في نفسك تضرعًا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال) الأعراف/٢٠٥.
١٢. استحباب تكرار الدعاء وطلب المغفرة ثلاثًا: فعن ابن مسعود رضي الله عنه في حديث دعائه ﷺ على الملأ من قريش قال: وكانَ إذا دَعا دَعا ثَلاثًا، وإذا سَألَ سَألَ ثَلاثًا قالَ: «اللَّهُمَّ عَلَيْك بِقُرَيْش ثَلاث مَرّات» (البخاري [٢٤٠]، مسلم [١٧٩٤]).
الحديث بطوله روى البخاري (٢٤٠) ومسلم (١٧٩٤).
١٣. إطابة المأكل والملبس، روى مسلم (١٠١٥) عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: (أيُّها النّاسُ إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إلا طَيِّبًا، وإنَّ اللَّهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِما أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقالَ: (يا أيُّها الرُّسُلُ كُلُوا مِن الطَّيِّباتِ واعْمَلُوا صالِحًا إنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)، وقالَ: (يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ يا رَبِّ يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بِالحَرامِ، فَأنّى يُسْتَجابُ لِذَلِكَ) قال ابن رجب رحمه الله: فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجِبٌ لإجابة الدعاء ا.هـ.
١٤. إخفاء الدعاء وعدم الجهر به، قال الله تعالى: (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) الأعراف/٥٥، وأثنى الله تعالى على عبده زكريا عليه السلام بقوله: (إذ نادى ربه نداءً خفيًا) مريم/٣”. [جملة من آداب الدعاء].
ولقوله ﷺ: «أيُّها النّاسُ ارْبَعُوا عَلى أنْفُسِكُمْ إنَّكُمْ لَيْسَ تَدْعُونَ أصَمَّ ولاَ غائِبًا إنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا وهُوَ مَعَكُمْ» (البخاري [٦٦١٠]، ومسلم [٢٧٠٤]، وأحمد في المسند [١٩٥٢٠]، وأبو داود [١٥٢٨] عن أبي موسى رضي الله عنه)، وفي رواية للبخاري: «إنَّهُ مَعَكُمْ إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ، تَبارَكَ اسْمُهُ وتَعالى جَدُّهُ» (البخاري [٢٩٩٢])، وفي رواية للإمام أحمد: «إنَّما تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، إنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أقْرَبُ إلى أحَدِكُمْ مِن عُنُقِ راحِلَتِهِ» (صحيح: رواه أحمد في المسند [١٩٥٩٩])
قال الإمام النووي رحمه الله: «اربعوا بهمزة وصل، وبفتح الباء الموحدة، معناه ارفقوا بأنفسكم، واخفضوا أصواتكم، فإن رفع الصوت إنما يفعله الإنسان لبعد من يخاطبه ليسمعه، وأنتم تدعون الله تعالى، وليس هو بأصم، ولا غائب، بل هو سميع قريب، وهو معكم بالعلم والإحاطة، ففيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر، إذا لم تدع الحاجة إلى رفعه، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه». اهـ (النووي شرح مسلم [١٧/ ٢٦])، وعَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ: «نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: ﴿ولاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ ولاَ تُخافِتْ بِها﴾ [الإسراء من الآية:١١٠] فِي الدُّعاءِ» (البخاري [٤٧٢٢، ٧٥٢٦]، ومسلم [٤٤٧])، وذكر ابن القيم رحمه الله عشرة فوائد عظيمة في إخفاء الدعاء من أراد أن يتتبعها فعليه بمراجعتها في كتابه (التفسير القيم).
١٥ – استحباب الوضوء: عَنْ أبِي بُرْدَةَ، عَنْ أبِي مُوسى: دَعا النَّبِيُّ ﷺ بِماءٍ فَتَوَضَّأ بِهِ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَقالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أبِي عامِرٍ» -ورَأيْتُ بَياضَ إبْطَيْهِ-، فَقالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ القِيامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِن خَلْقِكَ مِن النّاسِ» (البخاري [٦٣٨٣]، ومسلم [٢٤٩٨]، وابن حبان في صحيحه [٧١٩٨])، وعَنْ عُثْمانَ بْنِ حُنَيْفٍ، أنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ البَصَرِ أتى النَّبِيَّ ﷺ فَقالَ: «ادْعُ اللَّهَ أنْ يُعافِيَنِي». قالَ: «إنْ شِئْتَ دَعَوْتُ لَكَ، وإنْ شِئْتَ أخَّرْتُ ذاكَ فَهُوَ خَيْرٌ»، فَقالَ: «ادْعُهُ»، فَأمَرَهُ أنْ يَتَوَضَّأ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، ويَدْعُوَ بِهَذا الدُّعاءِ: «اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ وأتَوَجَّهُ إلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، يا مُحَمَّدُ إنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إلى رَبِّي فِي حاجَتِي هَذِهِ فَتَقْضِي لِي، اللَّهُمَّ شَفِّعْهُ فِيَّ» (صحيح: أخرجه الترمذي [٣٥٧٨]، وابن ماجة [١٣٨٥]، والحاكم في المستدرك [١١٨٠]، وغيرهم، انظر صحيح الجامع للألباني [١٢٧٩]).
١٦ – النهي عن الاعتداء في الدعاء: عَنْ أبِي نَعامَةَ، أنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُغَفَّلٍ سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إنِّي أسْألُكَ القَصْرَ الأبْيَضَ، عَنْ يَمِينِ الجَنَّةِ، إذا دَخَلْتُها»، فَقالَ: «أيْ بُنَيَّ، سَلِ اللَّهَ الجَنَّةَ، وتَعَوَّذْ بِهِ مِنَ النّارِ، فَإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ والدُّعاءِ» (صحيح: رواه أحمد [١٦٨٤٧] وأبو داود [٩٦]، وابن ماجة [٣٨٦٤]، وابن حبان [٦٧٦٣] والحاكم، وانظر صحيح الجامع [٢٣٩٦])».
قال العلامة شرف الحق العظيم آبادي رحمه الله قال بعض الشراح: «إنما أنكر عبد الله على ابنه في هذا الدعاء لأن ابنه طمع ما لا يبلغه عملًا حيث سأل منازل الأنبياء، وجعله من الاعتداء في الدعاء لما فيه من التجاوز عن حد الأدب، وقيل لأنه سأل معينًا، والله أعلم» اهـ، وقال أيضًا: «والمراد بالاعتداء فيه مجاوزة الحد، وقيل الدعاء بما لا يجوز ورفع الصوت به والصياح، وقيل سؤال منازل الأنبياء عليهم السلام» اهـ (عون المعبود [١/ ١١٨])، وقال ابن القيم رحمه الله وقوله تعالى: ﴿إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف من الآية:٥٥]، قيل المراد أنه لا يحب المعتدين في الدعاء إلى أن قال: “فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأله تخليده إلى يوم القيامة، أو يسأله أن يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب، أو يسأله أن يطلعه على غيبه، أو يسأله أن يجعله من المعصومين، أو يسأله أن يهب له ولدًا من غير زوجة ولا أمة، ونحو ذلك مما سؤاله اعتداء، فكل سؤال يناقض حكمة الله أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره، أو يتضمن خلاف ما أخبر به، فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحبه رسوله، وفسر الاعتداء برفع الصوت أيضًا في الدعاء». قال ابن جريح: «من الاعتداء رفع الصوت في الدعاء، والنداء في الدعاء والصياح، وبعد فالآية أعم من ذلك كله، وإن كان الاعتداء في الدعاء مرادًا بها فهو من جملة المراد، والله لا يحب المعتدين في كل شيء، دعاء كان أو غيره، كما قال: ﴿ولا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ [البقرة من الآية:١٩٠، المائدة من الآية:٨٧]، وعلى هذا فيكون قد أمر بدعائه وعبادته وأخبر أنه لا يحب أهل العدوان، وهم الذين يدعون معه غيره، فهؤلاء أعظم المعتدين عدوانًا، فإن أعظم العدوان هو الشرك، وهو وضع العبادة في غير موضعها، فهذا العدوان لا بد أن يكون داخلًا في قوله: ﴿إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف من الآية:٥٥] ومن العدوان: أن يدعوه غير متضرع، بل دعاء مُدلّ كالمستغني بما عنده المدل على ربه به، وهذا من أعظم الاعتداء المنافي لدعاء الضارع الذليل الفقير المسكين من كل جهة في مجموع حالاته، فمن لم يسأل مسألة مسكين متضرع خائف فهو معتد». ومن الاعتداء: أن تعبده بما لم يشرعه، وتثني عليه بما لم يثن به على نفسه ولا أذن فيه، فإن هذا اعتداء في دعاء الثناء والعبادة، وهو نظير الاعتداء في دعاء المسألة والطلب، وعلى هذا فتكون الآية دالة على شيئين: أحدهما: محبوب للرب تبارك وتعالى مُرضي له، وهو الدعاء تضرعا وخفية.
الثاني: مكروه له مبغوض مسخوط، وهو الاعتداء، فأمر بما يحبه الله وندب إليه وحذر مما يبغضه وزجر عنه بما هو ابلغ طرق الزجر والتحذير، وهو أنه لا يحب فاعله، ومن لم يحبه الله فأي خير يناله؟ وفي قوله: ﴿إنَّهُ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف من الآية:٥٥] عقب قوله: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وخُفْيَةً﴾ [الأعراف من الآية:٥٥] دليل على أن من لم يدعه تضرعًا وخفية فهو من المعتدين الذين لا يحبهم، فقسمت الآية الناس إلى قسمين داع لله تضرعًا وخفية، ومعتد بترك ذلك (التفسير القيم للإمام ابن القيم [١/ ٣٨٨ – ٣٩٠]).
١٧ – النهي عن السجع في الدعاء: عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: «حَدِّثِ النّاسَ كُلَّ جُمُعَةٍ مَرَّةً، فَإنْ أبَيْتَ فَمَرَّتَيْنِ، فَإنَّ أكْثَرْتَ فَثَلاَثَ مِرارٍ، ولاَ تُمِلَّ النّاسَ هَذا القُرْآنَ، ولاَ أُلْفِيَنَّكَ تاتِى القَوْمَ وهُمْ فِي حَدِيثٍ مِن حَدِيثِهِمْ فَتَقُصُّ عَلَيْهِمْ، فَتَقْطَعُ عَلَيْهِمْ حَدِيثَهُمْ فَتُمِلُّهُمْ، ولَكِنْ أنْصِتْ، فَإذا أمَرُوكَ فَحَدِّثْهُمْ وهُمْ يَشْتَهُونَهُ، فانْظُرِ السَّجْعَ مِن الدُّعاءِ فاجْتَنِبْهُ، فَإنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وأصْحابَهُ لاَ يَفْعَلُونَ إلاَّ ذَلِكَ. يَعْنِى لاَ يَفْعَلُونَ إلاَّ ذَلِكَ الاِجْتِنابَ» (البخاري [٦٣٣٧])، وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: «أصل السجع: القصد المستوى، وسجع الحمامة موالاة صوتها على طريق واحدة». قال الليث: «سجع الرجل إذا انطق بالكلام له فواصل، وقول رسول الله: «أسجع كسجع الأعراب»، إنما كرهه لمشاكلته كلام الكهان، ونهى عن السجع في الدعاء؛ لأن ذلك ينبغي عن حرقة القلب لا عن تصنع، وقد يقع عن تصنع، وقد يقع غير تصنع فلا يذم لقوله: «أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع» (غريب الحديث [١/ ٤٦٣])»، وقال الحافظ بن حجر رحمه الله في شرحه قول ابن عباس«: أي لا تقصد إليه، ولا تشغل فكرك به، لما فيه من التكلف المانع للخشوع المطلوب في الدعاء» (الفتح [١١/ ١٤٣])، وقال الإمام الخطابي رحمه الله: «وقد أولع كثير من العامة بأدعية منكرة اخترعوها، وأسماء سموها، ما أنزل الله بها من سلطان، وقد يوجد في أيديهم دستور من الأسماء والأدعية يسمونه (الألف اسم) صنعها لهم بعض المتكلفين من أهل الجهل والجرأة على الله عز وجل، أكثرها زورًا وافتراءً على الله عز وجل، فليتجنبها الداعي إلا ما وافق الصواب إن شاء الله». اهـ (شأن الدعاء [١٦، ١٧]).
١٨ – النهي عن أن تحجر واسعًا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى الصَّلاةِ وقُمْنا مَعَهُ، فَقالَ أعْرابِيٌّ وهُوَ فِي الصَّلاةِ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي ومُحَمَّدًا، ولا تَرْحَمْ مَعَنا أحَدًا»، فَلَمّا سَلَّمَ النَّبِيُّ ﷺ قالَ لِلْأعْرابِيِّ: «لَقَدْ حَجَّرْتَ واسِعًا»، يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ (البخاري [٦٠١٠]).
١٩ – صفة الدعاء المستجاب:
قال ابن القيم رحمه الله: «وإذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب وجمعيته بكليته على المطلوب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وإدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعًا في القلب وانكسارًا بين يدي الرب، وذلًا له وتضرعًا ورقة، واستقبل الداعي القبلة، وكان على طهارة ورفع يديه إلى الله تعالى، وبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ثنى بالصلاة على محمد عبده ورسوله ﷺ، ثم قدم بين يدي حاجته التوبة، والاستغفار، ثم دخل على الله، وألح عليه في المسألة، وتملقه ودعاه رغبة ورهبة، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته وتوحيده وقدم بين يدي دعائه صدقة، فان هذا الدعاء لا يكاد يرد أبدًا، ولا سيما إن صادف الأدعية التي أخبر النبي أنها مظنة الإجابة، أو أنها متضمنة للاسم الأعظم» (الجواب الكافي للإمام ابن القيم رحمه الله ط. دار الريان [ص:٩]).
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز:
” الدعاء له آداب في الإسلام آداب عظيمة وهي: الإقبال على الله، وحضور القلب في الدعاء أن تحضر قلبك في الدعاء، وأن تستقبل القبلة، وأن ترفع يديك تلح بالدعاء وتكرر الدعاء، تبدأ بحمد الله والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم تدعو، كل هذا من آدابه، وإذا كنت على طهارة فهو أكمل.
ومن آدابه: الحذر من أكل الحرام، تكون حريصًا على أن يكون طعامك طيبًا وملبسك طيبًا وأكسابك طيبة، فإن أكل الحرام من أسباب حرمان الإجابة، والمعاصي من أسباب حرمان الإجابة.
فالعناية بطاعة الله والاستقامة على طاعة الله والحذر من المعاصي والحذر من أكل الحرام كل هذا من أسباب الإجابة.
والتساهل بالمعاصي أو بالكسب المحرم من أسباب منع الإجابة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. نعم.» [الموقع الرسمي].
فرع:
مختصر آداب الدعاء وأسباب الإجابة:
١ – الإخلاص لله.
٢ – أن يبدأ بحمد الله والثناء عليه ثم بالصلاة على النبي ﷺ ويختم بذلك.
٣ – الجزم في الدعاء واليقين بالإجابة.
٤ – الإلحاح في الدعاء وعدم الاستعجال.
٥ – حضور القلب في الدعاء.
٦ – الدعاء في الرخاء والشدة.
٧ – لا يسأل إلا الله وحده.
٨ – عدم الدعاء على الأهل، والمال، والولد، والنفس.
٩ – خفض الصوت بالدعاء بين المخافتة والجهر.
١٠ – الاعتراف بالذنب والاستغفار منه والاعتراف بالنعمة وشكر الله عليها.
١١ – عدم تكلف السجع في الدعاء.
١٢ – التضرع والخشوع والرغبة والرهبة.
١٣ – رد المظالم مع التوبة.
١٤ – الدعاء ثلاثًا.
١٥ – استقبال القبلة.
١٦ – رفع الأيدي في الدعاء.
١٧ – الوضوء قبل الدعاء إن تيسر.
١٨ – أن لا يعتدي في الدعاء.
١٩ – أن يبدأ الداعي بنفسه إذا دعا لغيره (قد ثبت عن النبي ﷺ أنه بدأ بنفسه بالدعاء وثبت أيضًا أنه لم يبدأ بنفسه كدعائه لأنس، وابن عباس، وأم إسماعيل، وغيرهم. وانظر التفصيل في هذه المسألة في شرح النووي لصحيح مسلم [١٥/ ١٤٤] وتحفة الأحوذي وشرح سنن الترمذي [٩/ ٣٢٨] والبخاري مع الفتح [١/ ٢١٨]).
٢٠ – أن يتوسل إلى الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، أو بعمل صالح قام به الداعي نفسه، أو بدعاء رجل صالح حي حاضر له.
٢١ – أن يكون المطعم والمشرب والملبس من حلال.
٢٢ – لا يدعو بإثم أو قطيعة رحم.
٢٣ – أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
٢٤ – الابتعاد عن جميع المعاصي [أعمال الحج إعداد وجمع وترتيب/ عبد الله بن أحمد العلاف، دار الطرفين للنشر والتوزيع بالسعودية، نقلًا عن الموسوعة الشاملة].
25 – يختار الأوضاع التي أقرب للإجابة مثل
( السجود )، ترجى فيه الإجابة، يقول عليه الصلاة والسلام: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء» ويقول ؟: «أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم» أي حري أن يستجاب لكم، رواه مسلم في صحيحه.
ومثل – (آخر كل صلاة قبل السلام ) يشرع فيه الدعاء، وهذا الوقت ترجى فيه الإجابة لأن النبي ؟ لما علمهم التشهد قال: «ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو».
26 – [أسباب استجابة الدعاء وموانعه]:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (والأدعية والتعوذات بمنزلة السلاح، والسلاح بضاربه، لا بحده فقط، فمتى كان السلاح سلاحا تاما لا آفة به، والساعد ساعد قوي، والمانع مفقود، حصلت به النكاية في العدو. ومتى تخلف واحد من هذه الثلاثة تخلف التأثير) الداء والدواء ص٣٥.
فيتبين من ذلك أن هناك أحوالا وآدابا وأحكاما يجب توفرها في الدعاء وفي الداعي، وأن هناك موانع وحواجب تحجب وصول الدعاء واستجابته يجب انتفاؤها عن الداعي وعن الدعاء، فمتى تحقق ذلك تحققت الإجابة.
* فائدة: وهناك كتاب في آداب الدعاء:
أدب المرتعي في علم الدعاء، المؤلف: يوسف بن حسن بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي، المحقق: محمد خلوف العبد الله، الناشر: دار النوادر.