1155 فتح الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1155):
قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا زيد بن الحباب حدثنا حسين بن واقد حدثني سماك بن حرب عن النعمان بن بشير، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من منح منيحة ورقا أو ذهبا أو سقى لبنا أو أهدى زقاقا فهو كعدل رقبة)).
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث حسن.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الأول: شرح الحديث:
جاء في ((تحفة الأحوذي))، تحت: “باب (7): ما جاءَ فِي المِنحَةِ”:”قالَ فِي القامُوسِ: مَنَحَهُ كَمَنَعَهُ، وضَرَبَهُ أعْطاهُ، والِاسْمُ: المِنحَةُ، بِالكَسْرِ، ومَنَحَهُ النّاقَةَ جَعَلَ له وبَرَها ولَبَنَها ووَلَدَها وهِيَ المِنحَةُ والمَنِيحَةُ. انْتَهى.
وقالَ الحافِظُ فِي ((الفَتْحِ)): المَنِيحَةُ بِالنُّونِ والمُهْمَلَةِ وزْنُ عَظِيمَةٍ، هِيَ فِي الأصْلِ العَطِيَّةُ.
قالَ أبُو عُبَيْدَةَ: المَنِيحَةُ عِنْدَ العَرَبِ عَلى وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ صاحِبَهُ صِلَةً، فَتَكُونَ لَهُ. والآخَرُ أنْ يُعْطِيَهُ ناقَةً أوْ شاةً؛ يَنْتَفِعُ بِحَلْبِها ووَبَرِها زَمَنًا، ثُمَّ يَرُدَّها.
وقالَ القَزّازُ: قِيلَ: لا تَكُونُ المَنِيحَةُ إلّا ناقَةً أوْ شاةً، والأوَّلُ أعْرَفُ. انْتَهى”. انتهى من التحفة. وسيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
قوله: ((من منح)) أيْ أعْطى، ((منيحة ورقا)) أيْ فِضَّةٍ، ((أو ذهبا أو سقى لبنا))
قالَ الجَزَرِيُّ فِي النِّهايَةِ: مِنحَةُ الوَرِقِ القَرْضُ، ومِنحَةُ اللَّبَنِ أنْ يُعْطِيَهُ ناقَةً أوْ شاةً يُنْتَفَعُ بِلَبَنِها ويُعِيدُها، وكَذَلِكَ إذا أعْطاهُ لِيَنْتَفِعَ بِوَبَرِها وصُوفِها زَمانًا ثُمَّ يَرُدَّها، ومِنهُ الحَدِيثُ المِنحَةُ مَرْدُودَةٌ. انْتَهى
((أو أهدى زقاقا)) قالَ فِي النِّهايَةِ: الزُّقاقُ بِالضَّمِّ الطَّرِيقُ يُرِيدُ مَن دَلَّ الضّالَّ أوِ الأعْمى عَلى طَرِيقِهِ، وقِيلَ: أرادَ مَن تَصَدَّقَ بِزُقاقٍ مِنَ النَّخْلِ وهِيَ السِّكَّةُ مِنها، والأوَّلُ أشْبَهُ؛ لِأنَّ هَدى مِنَ الهِدايَةِ لا مِنَ الهَدِيَّةِ. انْتَهى.
قُلْتُ – أي: صاحب الأحوذي رحمه الله -: وقَعَ فِي حَدِيثِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ الَّذِي أشارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ أهْدى زُقاقًا مِنَ الإهْداءِ، فالمُرادُ بِالزُّقاقِ فِي هَذا الحَدِيثِ هُوَ السِّكَّةُ مِنَ النَّخْلِ، وبِالإهْداءِ التَّصَدُّقُ.
((فهو كعدل رقبة)). أيْ كانَ ما ذُكِرَ لَهُ مِثْلُ عَتاقِ رَقَبَةٍ، ووَجْهُ الشَّبَهِ: نَفْعُ الخَلْقِ والإحْسانُ إلَيْهِمْ. [تحفة الأحوذي، بتصرف].
وفِي البابِ أحادِيثُ أُخْرى ذَكَرَها الوادعي ذكرها في (الصحيح المسند):
133 – “قال الإمام أحمد رحمه الله ج4ص304: عن البراء بن عازب يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: ((من منح منيحة ورق أو هدى زقاقا أو سقى لبنا، كان له عدل رقبة أو نسمة))، ومن قال: ((لا إله الا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، عشر مرار، كان له عدل رقبة أو نسمة)). وكان يأتينا إذا قمنا إلى الصلاة، فيمسح صدورنا أو عواتقنا، يقول: ((لا تختلف صفوفكم، فتختلف قلوبكم)). وكان يقول: ((إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول أو الصفوف الأول … )) وذكر الحديث.
* قال الإمام أحمد رحمه الله ج4ص300: عن البراء بن عازب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من منح منيحة ورق أو منيحة لبن أو هدى زقاقا كان له كعدل رقبة)) وقال: مرة ((كعتق رقبة)).
* وقال الترمذي رحمه الله ج6ص90: عن الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: ((مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَوْ وَرِقٍ أَوْ هَدَى زُقَاقًا كَانَ لَهُ مِثْلَ عِتْقِ رَقَبَةٍ)).
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رَوَى مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَشُعْبَةُ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ هَذَا الْحَدِيثَ”.وقد بوب الوادعي في (الجامع الصحيح) على الأحاديث السابقة أو بعض هذه الطرق: 1) ” (48) – العتق”، (3/ 56).2) ” (49) – الهدية”، (4/ 474).3) ” (10) – ما جاء في المنيحة”، (4/ 278).4) ” (55) – قوله تعالى: {مَن ذا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضاعِفَهُ لَهُ أضْعافًا كَثِيرَةً واللَّهُ يَقْبِضُ ويَبْسُطُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [سورة البقرة، الآية: (245)] “، (5/ 519).وأورد تحته أيضًا الحديث الذي رواه الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه: أن رجلًا قال: يا رسول الله إن لفلان نخلة وأنا أقيم حائطي بها، فأمره أن يعطيني حتى أقيم حائطي بها، فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «أعطها إياه بنخلة في الجنة»، فأبى! فأتاه أبو الدحداح رضي الله عنه، فقال: بعني نخلتك بحائطي ففعل، فأتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال: يا رسول الله إني قد ابتعت النخلة بحائطي، قال: فاجعلها له فقد أعطيتكها، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «كم من عذق راح لأبي الدحداح في الجنة؟» قالها مرارًا، قال فأتى امرأته، فقال: يا أم الدحداح اخرجي من الحائط، فإني قد بعته بنخلة في الجنة. فقالت: ربح البيع أو كلمة تشبهها.
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيحٌ.
الحديث أخرجه الحاكم (ج (2) ص (20)) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم”. انتهى.
* ومن التراجم الواردة في المنيحة في (صحيح مسلم): ” (22) – بابُ فَضْلِ المَنِيحَةِ”،
(73) – ((1019)) حَدَّثَنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أبِي الزِّنادِ، عَنِ الأعْرَجِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، يَبْلُغُ بِهِ «ألا رَجُلٌ يَمْنَحُ أهْلَ بَيْتٍ ناقَةً، تَغْدُو بِعُسٍّ، وتَرُوحُ بِعُسٍّ، إنَّ أجْرَها لَعَظِيمٌ»
وفي صحيح الترغيب والترهيب: ” (13) – الترغيب في القرض وما جاء في فضله”.
وقال الحافظ ضياء الدين محمد المقدسي رحمه الله (فضائل الأعمال): “فضل المنيحة
ثم ذكر حديث أبي هريرة الذي أخرجه مسلم ثم ذكر أحاديث أخرى
(268) – عَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قالَ: قالَ رَسُول الله : «أرْبَعُونَ خصْلَة أعلاهن منيحة العنز، ما من عامل يعْمل بخصلة مِنها رَجاء ثَوابها وتصديق موعودها إلّا أدخلهُ الله الجنَّة بها»، قالَ حسان بن عَطِيَّة: “فعددنا ما دون منيحة العنز من رد السَّلام، وتشميت العاطِس، وإماطة الأذى عَن الطَّرِيق، ونَحْوه فَما استطعنا أن نبلغ خمس عشرَة خصْلَة». رَواهُ البُخارِيّ.
(269) – عَن ابْن عَبّاس رضي الله عنهما أن النَّبِي خرج إلى أرض تهتز زرعا، فَقالَ: لمن هَذِه؟ فَقالُوا: أكراها فلان، فَقالَ: «أما إنَّه لَو منحها إيّاه كانَ خيرا لَهُ من أن يَاخُذ عَلَيْها أجرا مَعْلُوما» وقالَ بَعضهم: خرجا مَعْلُوما”. ثم أورد رواية الترمذي رحمه الله الجميع.
الثاني: مسائل ملحقة:
تعريف المنيحة لغة واصطلاحًا: قال في (مقايس اللغة): ” (مَنَحَ) المِيمُ والنُّونُ والحاءُ أصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلى عَطِيَّةٍ. قالَ الأصْمَعِيُّ: يُقالُ امْتُنِحْتُ المالَ، أيْ رُزِقْتُهُ. قالَ ذُو الرُّمَّةِ:
نَبَتْ عَيْناكَ عَنْ طَلَلٍ بِحُزْوى … مَحَتْهُ الرِّيحُ وامْتُنِحَ القِطارا “. انتهى. و” (1) – المَنِيحَةُ فِي اللُّغَةِ: يُقال: مَنَحْتُهُ مَنحًا، مِن بابِ نَفَعَ وضَرَبَ: أعْطَيْتُهُ والاِسْمُ المَنِيحَةُ والمَنِيحَةُ، كالمِنحَةِ بِكَسْرِ المِيمِ، هِيَ: الشّاةُ أوِ النّاقَةُ يُعْطِيها صاحِبُها رَجُلًا يَشْرَبُ لَبَنَها ثُمَّ يَرُدُّها إذا انْقَطَعَ اللَّبَنُ، ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمالُهُ حَتّى أُطْلِقَ عَلى كُل عَطاءٍ. وفِي الاِصْطِلاَحِ: هِيَ ما يُعْطى مِنَ النَّخْل والنّاقَةِ والشّاةِ وغَيْرِها؛ لِيَتَناوَل ما يَتَوَلَّدُ مِنهُ، كالثَّمَرِ واللَّبَنِ، وهِيَ عارِيَةٌ، وقَدْ تَكُونُ تَمْلِيكًا. [المصباح المنير، وفتح الباري (5) / (228) – (229)، ونيل الأوطار (5) / (323)، وقواعد الفقه للبركتي].قال ابن رجب في (جامع العلوم والحكم): “والمُرادُ بِمِنحَةِ الدَّراهِمِ: قَرْضُها، وبِمِنحَةِ ظَهْرِ الدّابَّةِ إفْقارُها، وهُوَ إعارَتُها لِمَن يَرْكَبُها، وبِمِنحَةِ لَبَنِ الشّاةِ أوِ البَقَرَةِ أنْ يَمْنَحَهُ بَقَرَةً أوْ شاةً لِيَشْرَبَ لَبَنَها ثُمَّ يُعِيدَها إلَيْهِ، وإذا أُطْلِقَتِ المَنِيحَةُ، لَمْ تَنْصَرِفْ إلّا إلى هَذا”. انتهى.
الالْفاظُ ذاتُ الصِّلَةِ:
أ – العارِيَةُ: (2) – العارِيَةُ مَاخُوذَةٌ مِن عارَ: ذَهَبَ وجاءَ بِسُرْعَةٍ أوْ مِنَ التَّعاوُرِ، أيِ: التَّناوُبِ.
والعارِيَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ عَرَّفَها الفُقَهاءُ بِتَعْرِيفَيْنِ: أوَّلُهُما: هِيَ إباحَةُ الاِنْتِفاعِ بِما يَحِل الاِنْتِفاعُ بِهِ مَعَ بَقاءِ عَيْنِهِ لِيَرُدَّهُ. [تحفة المحتاج (5) / (409)، ومغني المحتاج (2) / (263)، والمغني (5) / (220) ط الرياض].والثّانِي: هِيَ تَمْلِيكُ المَنافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. [تبيين الحقائق (5) / (83)، والشرح الصغير (3) / (570)، والزرقاني (6) / (126)].
والصِّلَةُ بَيْنَهُما: أنَّ المَنِيحَةَ نَوْعٌ مِن أنْواعِ العارِيَةِ.
ب – العُمْرى: (3) – العُمْرى هِيَ: تَمْلِيكُ مَنفَعَةِ شَيْءٍ مَمْلُوكٍ – عَقارًا أوْ غَيْرَهُ – إنْسانًا أوْ غَيْرَهُ فِي حَياةِ المُعْطى – بِفَتْحِ الطّاءِ – بِغَيْرِ عِوَضٍ. [تبيين الحقائق (5) / (91)، والشرح الصغير (4) / (160)، وروضة الطالبين (5) / (370)، ومغني المحتاج (2) / (396)].
والصِّلَةُ بَيْنَهُما: أنَّ المَنِيحَةَ خاصَّةٌ بِلَبَنِ شاةٍ أوْ بَقَرَةٍ أوْ ناقَةٍ، وتُرَدُّ لِصاحِبِها، أمّا العُمْرى فَتَكُونُ مَنفَعَتُها مُدَّةَ العُمُرِ.
ج – الهِبَةُ: (4) – الهِبَةُ: تَمْلِيكُ عَيْنٍ بِلاَ عِوَضٍ فِي حالَةِ الحَياةِ تَطَوُّعًا [المراجع السابقة].
والصِّلَةُ بَيْنَها وبَيْنَ المَنِيحَةِ: أنَّ الهِبَةَ أعَمُّ مِنَ المَنِيحَةِ.
[الاحْكامُ المُتَعَلِّقَةُ بِالمَنِيحَةِ]:
يَتَعَلَّقُ بِالمَنِيحَةِ أحْكامٌ مِنها:
أ – التَّرْغِيبُ فِي المَنِيحَةِ:
(5) – إعْطاءُ المَنِيحَةِ مِن أعْمال البِرِّ والاحْسانِ، رَغَّبَ الشّارِعُ إلَيْها، قال تَعالى: {إنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالعَدْل والاحْسانِ وإيتاءِ ذِي القُرْبى} [سورة النحل / (90)].
وقَدْ ورَدَتْ أحادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي فَضْل إعْطاءِ المَنِيحَةِ؛ فَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّهُ قال: قال رَسُول اللَّهِ : نِعْمَ المَنِيحَةُ اللِّقْحَةُ الصَّفِيُّ مِنحَةً والشّاةُ الصَّفِيُّ تَغْدُو بِإناءٍ وتَرُوحُ بِإناءٍ [صحيح البخاري (فتح الباري (5) / (242))]، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ يَقُول: أرْبَعُونَ خَصْلَةً أعْلاَهُنَّ مَنِيحَةُ العَنْزِ ما مِن عامِلٍ يَعْمَل بِخَصْلَةٍ مِنها رَجاءَ ثَوابِها وتَصْدِيقَ مَوْعُودِها إلاَّ أدْخَلَهُ اللَّهُ بِها الجَنَّةَ. [صحيح البخاري (فتح الباري (5) / (243))].
ب – صِيغَةُ إعْطاءِ المَنِيحَةِ: (6) – قال بَعْضُ مَشايِخِ الحَنَفِيَّةِ: صِيغَةُ المَنِيحَةِ، أنْ يَقُول: مَنَحْتُكَ هَذِهِ الشّاةَ أوِ النّاقَةَ؛ لأِنَّ المَنحَ صَرِيحٌ فِي العارِيَةِ فَتُنَفَّذُ بِها مِن غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلى نِيَّةٍ، ومَجازٍ فِي الهِبَةِ إذا نَوى انْعَقَدَتْ بِهِ.
وفَضَّل أبُو بَكْرٍ المَعْرُوفُ بِخَواهَرْ زادَهْ، وقال: إذا قال: مَنَحْتُكَ أرْضِي ونَحْوَ ذَلِكَ، فَإنَّ هَذا اللَّفْظَ إنْ كانَ مُضافًا إلى ما يُمْكِنُ الاِنْتِفاعُ بِهِ مَعَ بَقاءِ عَيْنِهِ يَكُونُ عارِيَةً، وإنْ كانَ مُضافًا إلى ما لاَ يُمْكِنُ الاِنْتِفاعُ بِهِ مَعَ بَقاءِ عَيْنِهِ، كالدَّراهِمِ والطَّعامِ تَكُونُ هِبَةً؛ لأِنَّ المِنحَةَ تُذْكَرُ ويُرادُ بِها العارِيَةُ؛ وفِي الحَدِيثِ: المِنحَةُ مَرْدُودَةٌ. [حديث: «المنحة مردودة». أخرجه أحمد ((5) / (293)) من حديث سعيد بن أبي سعيد عمن سمع النبي ، وقال الهيثمي (مجمع الزوائد (4) / (145)): رواه أحمد ورجاله ثقات، وقد ورد بلفظ «المنيحة مردودة» من حديث ابن عمر عند البزار (كشف الأستار (2) / (99) ط مؤسسة الرسالة)، وذكر الهيثمي تضعيف أحد رواته]، وأرادَ عليه السلام: العارِيَةَ؛ لأِنَّ الهِبَةَ لاَ تَكُونُ مَرْدُودَةً، وإنَّما المَرْدُودَةُ العارِيَةُ.
وتُذْكَرُ ويُرادُ بِها الهِبَةُ، يُقال: فُلاَنٌ مَنَحَ فُلاَنًا، أيْ: وهَبَ لَهُ وإذا كانَتِ اللَّفْظَةُ صالِحَةً لِلامْرَيْنِ جَمِيعًا والعَمَل بِهِما مُتَعَذِّرٌ فِي عَيْنٍ واحِدَةٍ -؛ لأِنَّ العَيْنَ الواحِدَةَ لاَ يُتَصَوَّرُ أنْ تَكُونَ فِي مَحَلَّيْنِ: هِبَةٍ وعارِيَةٍ فِي وقْتٍ واحِدٍ – عَمِلْنا بِهِما مُخْتَلِفَيْنِ فَقُلْنا: إذا أُضِيفَتِ المِنحَةُ إلى عَيْنٍ يُمْكِنُ الاِنْتِفاعُ بِهِ مَعَ بَقاءِ عَيْنِهِ جُعِل عارِيَةً، وإنْ أُضِيفَتْ إلى عَيْنٍ لاَ يُمْكِنُ الاِنْتِفاعُ بِها مَعَ بَقاءِ عَيْنِها جُعِلَتْ هِبَةً. [تبيين الحقائق وحاشية الشلبي (5) / (84)، والبحر الرائق (7) / (280)].
وقال الشّافِعِيَّةُ: إنَّ المَنحَ مِن صَرائِحِ صِيَغِ الهِبَةِ، وعَلَيْهِ إذا قال: مَنَحْتُكَ هَذِهِ النّاقَةَ أوِ الشّاةَ تَكُونُ هِبَةً عِنْدَهُمْ؛ لأِنَّهُ لَفْظٌ صَرِيحٌ فِي مَحَلِّهِ ونافِذٌ فِي مَوْضِعِهِ، فَلاَ يَكُونُ صَرِيحًا فِي غَيْرِهِ ولاَ مَجازًا. [تحفة المحتاج (6) / (198)، ومغني المحتاج (2) / (397)].
وطَرِيقَةُ إعارَةِ ذَواتِ الالْبانِ أنْ يَقُول: أعَرْتُكَ هَذِهِ الشّاةَ أوِ النّاقَةَ – وهِيَ المَنِيحَةَ – لأِخْذِ دَرِّها ونَسْلِها كَإباحَةِ ما ذُكِرَ وصَحَّتِ العارِيَةُ؛ لأِنَّها تَتَضَمَّنُ: إعارَةَ أصْلِها وهُوَ العَيْنُ المُعارَةُ، والفَوائِدُ إنَّما جُعِلَتْ بِطَرِيقِ الاباحَةِ والتَّبَعِ ولَيْسَتْ مُسْتَفادَةً بِالعارِيَةِ بَل بِالاباحَةِ؛ لأِنَّ العارِيَةَ بِالمَنافِعِ لاَ بِالاعْيانِ واللَّبَنُ والنَّسْل أعْيانٌ والمُعارُ هُوَ الشّاةُ أوِ النّاقَةُ. [تحفة المحتاج (5) / (415) – (416)، والمغني (5) / (657)].
جاءَ فِي الحاوِي الكَبِيرِ: وما كانَتْ مَنافِعُهُ عَيْنًا كَذَواتِ اللَّبَنِ مِنَ المَواشِي كالغَنَمِ والابِل، فَلاَ يَجُوزُ أنْ يُعارَ ولاَ أنْ يُؤَجَّرَ؛ لاِخْتِصاصِ العارِيَةِ والاجارَةِ بِالمَنافِعِ دُونَ الاعْيانِ، ولَكِنْ يَجُوزُ أنْ يُمْنَحَ.
قال الشّافِعِيُّ: المِنحَةُ أنْ يَدْفَعَ الرَّجُل ناقَتَهُ أوْ شاتَهُ لِرَجُلٍ لِيَحْلُبَها ثُمَّ يَرُدَّها، فَيَكُونُ اللَّبَنُ مَمْنُوحًا ولاَ يَنْتَفِعُ بِغَيْرِ اللَّبَنِ. [الحاوي الكبير (7) / (117)].
وإنْ أعارَ شاةً أوْ دَفَعَها لَهُ ومَلَّكَهُ دَرَّها ونَسْلَها لَمْ يَصِحَّ؛ لأِنَّهُ أخَذَها بِهِبَةٍ فاسِدَةٍ؛ لأِنَّ اللَّبَنَ والنَّسْل مَجْهُولاَنِ غَيْرُ مَقْدُورَيِ التَّسْلِيمِ، فَلاَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُما، ويَضْمَنُ الشّاةَ بِحُكْمِ العارِيَةِ الفاسِدَةِ ولِلْعُقُودِ الفاسِدَةِ حُكْمُ صَحِيحِها فِي الضَّمانِ وعَدَمِهِ. [مغني المحتاج (2) / (137)، وتحفة المحتاج (5) / (88)].
ج – ضَمانُ المَنِيحَةِ (7) – المَنِيحَةُ عارِيَةٌ يَجْرِي عَلَيْها أحْكامُ العارِيَةِ، فَيَجِبُ رَدُّها إنْ كانَتْ باقِيَةً بِغَيْرِ خِلاَفٍ.
ويَضْمَنُ المُسْتَعِيرُ إنْ تَلِفَتْ بِتَعَدٍّ بِالاجْماعِ، وإنْ تَلِفَتْ بِلاَ تَعَدٍّ فَمَضْمُونَةٌ عِنْدَ الشّافِعِيَّةِ والحَنابِلَةِ إذا لَمْ تَتْلَفْ بِالاِسْتِعْمال المَاذُونِ، وغَيْرُ مَضْمُونَةٍ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ. [تبيين الحقائق (5) / (85)، ونهاية المحتاج (5) / (124) – (125)، والمغني (5) / (221)] “. [الموسوعة الفقهية الكويتية، بتصرف يسير].