1154 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم وآخرين
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1154):
قال أبو داود رحمه الله (ج (13) ص (343)): حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج بن محمد حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن العيزار بن حريث عن النعمان بن بشير قال: استأذن أبو بكر على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فسمع صوت عائشة عاليًا، فلما دخل تناولها ليلطمها، وقال: ألا أراك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ! فجعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبًا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين خرج أبو بكر: «كيف رأيتني أنقذتك من الرجل » قال: فمكث أبو بكر أيامًا ثم استأذن على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «قد فعلنا قد فعلنا».
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيحٌ.
وقد أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (ج (4) ص (271)) فقال رحمه الله: ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث، عن النعمان بن بشير به. وليس فيه: لقد علمت أن عليًّا أحب إليك من أبي.
* وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج (4) ص (275)): حدثنا أبو نعيم حدثنا يونس حدثنا العيزار بن حريث قال قال النعمان بن بشير: قال استأذن أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسمع صوت عائشة عاليًا، وهى تقول: والله لقد عرفت أن عليًّا أحب إليك من أبي ومني، مرتين أو ثلاثًا، فاستأذن أبو بكر فدخل فأهوى إليها، فقال: يا بنت فلانة ألا أسمعك ترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
الحديث أخرجه النسائي في «العِشْرَة» (ص (230)) وفي «الخصائص» (ص (126)) بنحو الحديث عند الإمام أحمد، وذكر بقية الحديث المتقدم إلى قوله: قد فعلنا. ورواية يونس عن العَيْزار، لا تُعِلُّ روايته عن أبي إسحاق عن العيزار بل تقويها، فيحمل على أن يونس سمع من العيزار وسمعه من أبي إسحاق عن العيزار، والله أعلم.
===================
أورده الوادعي رحمه الله في جامعه، أخلاقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع أهله. (3/ 299 – 300).وهو في سنن أبي داوود، كِتَاب: الْأَدَبِ، بَابُ: مَا جَاءَ فِي الْمِزَاحِ. وفي السنن الكبرى للنسائي، كِتَابُ الْخَصَائِصِ، ذِكْرُ مَنْزِلَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَقُرْبِهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى، حديث رقم (7266).
——–
والحديث:
قال الألباني كما في طبعة المعارف على سنن أبي داود: ضعيف الإسناد.
وصححه الألباني في الصحيحة (2901) وصححه ابن حجر.
وورد في رواية لأبي نعيم عن يونس عن العيزار كانت تقول: قد علمت أن عليا أحب إليك مني ومن أبي.
ويونس يتوسع في قول حدثنا، حتى شعبة أخبر مرة أن يونس قال حدثنا فلان، فقال: ما قال لكم حدثنا ابن مسعود
ثم ورد عن يونس عن أبي إسحاق مرة بغير هذه اللفظة.
وكذلك إسرائيل رواه عن أبي إسحاق بدون هذه اللفظة انتهى من تخريج سنن أبي داود لسيف بن دورة وصاحبه
أما الكلام على الحديث سيكون من وجوه:
الأول: شرح الحديث: ” (وعن النعمان): بضم أوله (ابن بشير): قيل: مات النبي – صلى الله عليه وسلم – وله ثماني سنين وسبعة أشهر، ولأبويه صحبة. (قال: استأذن أبو بكر على النبي – صلى الله عليه وسلم – فسمع) أي: أبو بكر (صوت عائشة عاليا، فلما دخل) أي: بعد الإذن (تناولها) أي: أخذها (ليلطمها): بكسر الطاء ويجوز ضمها من اللطم وهو ضرب الخد، وصفحة الجسد بالكف مفتوحة على ما في القاموس. (وقال: لا أراك) أي: بعد هذا، وهو نفي بمعنى النهي من قبيل: لا أرينك ههنا، أو على لغة إثبات حرف العلة مع الجازم، ومنه قول الجزري:
ألا قولوا لشخص قد تقوى على ضعفي ولم يخش رقيبه
وقول غيره: ألم يأتيك والأنباء تنمي
وعليه وردت رواية قنبل، عن ابن كثير في قوله تعالى: (إنه من يتق ويصبر).
(ترفعين صوتك على رسول الله – صلى الله عليه وسلم -): الجملة مفعول ثان لأرى، ولا يبعد أن يكون لا أراك دعاء، وهمزة الإنكار مقدرة على قوله ترفعين. وقال الطيبي أي: لا تتعرضي لما يؤدي إلى رفع صوتك، فالنهي وارد على المتكلم والألف في لا أراك للإشباع، ويجوز أن تحمل على النفي الواقع موقع النهي، أي: لا ينبغي لي أن أراك على هذه الحالة (فجعل النبي – صلى الله عليه وسلم – يحجزه): بضم الجيم والزاي، أي: يمنع أبا بكر من لطمها وضربها. (وخرج أبو بكر مغضبا): بفتح الضاد، أي: غضبان عليها (فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – حين خرج أبو بكر: كيف رأيتني) أي: أبصرتني أو عرفتني (أنقذتك من الرجل) أي: خلصتك من ضربه ولطمه. وقال الطيبي: الظاهر أن يقال من أبيك، فعدل إلى الرجل أي: من الرجل الكامل في الرجولية حين غضب لله ولرسوله. (قلت: فمكث): قيل: هكذا وجد في أصل أبي داود، وقال الطيبي: وهذا يدل على أن النعمان سمع هذا الحديث من عائشة. قلت: فيكون من مراسيل الصحابة، وهي مقبولة إجماعا، ثم هو بضم الكاف ويفتح، أي: فلبث (أبو بكر أياما) أي: لم يدخل فيها عندهم، والظاهر أنه ثلاثة أيام للنهي عن الهجران فوقها.
قال الطيبي: قولها “فمكث أبو بكر” بدل أبي لما حدث في سجيتها من غضبه عليها، فجعلته كأنه أجنبي، إذ في الأبوة استعطاف. قلت: هذا يبعد منها كل البعد مع كمال عقلها وفهمها وأدبها وعلمها بمرتبة النبوة والولاية، وأن يكون غضب أبيها في باطنها بعد مدة بمجرد قصده أن يلطمها، أو مع تحقق لطمها رعاية لأجل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتأديبا لها، وقد وقع نظيره كثيرا في الصحابة أن يذكروا آباءهم بأسمائهم، وهذا من عدم تكلفاتهم.
التي استحدثت بعدهم، وإن كان ذكره بوصف الأبوة أولى وأنسب، نعم نداؤه باسمه خلاف الأدب، على أن الظاهر أن في الحديث تصرفا من الراوي; حيث أنه بالمعنى، ولذا قال: (ثم استأذن فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما): فإن حق الكلام من عائشة فوجدنا قد اصطلحنا، فقال لنا: (أدخلاني في سلمكما): بكسر السين ويفتح أي: في صلحكما (كما أدخلتماني في حربكما) أي: في شقاقكما وخناقكما، وإسناد الإدخال إليهما في الثاني من المجاز السببي، أو من قبيل المشاكلة، وإلا فالمعنى كما دخلت في حربكما. (فقال النبي – صلى الله عليه وسلم: قد فعلنا): مفعوله محذوف أي: فعلنا إدخالك في السلم، أو نزل الفعل منزلة اللازم، أي: أوقعنا هذا الفعل، وقد للتحقيق، وقوله ثانيا: (قد فعلنا): للتأكيد، أو ثانيهما عوض عن عائشة أو على لسانها. (رواه أبو داود) “. [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، كتاب الآداب، باب المزاح، رقم الحديث (4891)، بتصرف]
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
الأولى: النبي صلى الله عليه وسلم مع أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، وفيه ثلاثة أمور:
الأول: ينبغي أن يُعلم أن بيته عليه الصلاة والسلام هو أفضل البيوت وأزكاها، فهو عليه الصلاة والسلام أحسن الناس معاشرة لأهله، وأكملهم خلقاً وتعاملاً مع زوجاته عليه الصلاة والسلام.
فقد روى الترمذي (3895) عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في ” صحيح سنن الترمذي “.
قال ابن كثير رحمه الله: ” وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العِشْرَة دائم البِشْرِ، يداعب أهله، ويَتَلَطَّفُ بهم، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يَتَوَدَّدُ إليها بذلك، قالت: سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني، فقال: ” هذِهِ بتلْك “، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم ” انتهى من ” تفسير ابن كثير ” (2/ 242).
الثاني: ما يحدث بين الزوجين من مغاضبات، أو خلاف حول شيء من أمور البيت والمعيشة، أو نحو ذلك: أمر طبيعي، وسنة من سنن الحياة الزوجية، وهو من شأن هذه الحياة الدنيا التي لا تخلو من كدر، أو تعب، أو تكدير؛ وعلى ذلك بُنيت.
وبيت النبوة ربما كان يحدث فيه المرة بعد المرة شيء من ذلك التعب والتكدير؛ وكان بين نسائه من التغاير ما يحدث مثله، أو شبيهه بين النساء؛ وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم معصوما، فنساؤه رضوان الله عليهن، وإن كن خير النساء؛ فلم يكُنَّ معصومات؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا) سورة الأحزاب / 28 – 29.
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: ” لما اجتمع نساء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في الغيرة، وطلبن منه النفقة والكسوة، طلبن منه أمرًا لا يقدر عليه في كل وقت، ولم يزلن في طلبهن متفقات، في مرادهن متعنتات، شَقَّ ذلك على الرسول، حتى وصلت به الحال إلى أنه آلى منهن شهرًا ” انتهى من ” تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان ” (ص/662).
وروى البخاري (5225) عن أنس رضي الله عنه: ” كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ “.
وروى البخاري (2468) عن ابن عباس رضي الله عنهما – في قصة هجر النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته – يرويه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، والحديث طويل، وفيه: ( … وَكُنَّا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا هُمْ قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ، فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَاخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ، فَصِحْتُ عَلَى امْرَأَتِي، فَرَاجَعَتْنِي، فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي، فَقَالَتْ وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ ! فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُرَاجِعْنَهُ، وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ … ).
الثالث: من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته رضي الله عنهن.
1. حبه عليه الصلاة والسلام لزوجاته، وحرصه على إظهار ذلك:
فكان يقول عن خديجة رضي الله عنها كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها: ((إني قد رزقت حبها)) رواه مسلم (4464).
وعن عروة قال: “كان المسلمون قد علموا حب رسول الله عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَّرها حتى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة” رواه البخاري (2393).
2. لينه عليه الصلاة والسلام، وتلطفه مع زوجاته:
قال أبو بكر القطيعي في «زوائد فضائل الصحابة» (ج (1) ص (239)): حدثنا علي بن الحسن القطيعي قال: نا موسى بن عبد الرحمن أبو عيسى المسروقي حدثنا أبو أسامة قال: حدثني محمد بن عمرو قال: حدثني يحيى بن عبد الرحمن قال: قالت عائشة: لا أزال هائبة لعمر بعدما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، صنعت حريرة [في «النهاية»: والحريرة: الحساء المطبوخ والدسم والماء] وعندي سودة بنت زمعة جالسة، فقلت لها: كلي. فقالت: لا أشتهي ولا آكل. فقلت: لتأكلن أو لألطخن وجهك. فلطخت وجهها، فضحك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو بيني وبينها، فأخذت منها فلطخت وجهي، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يضحك، إذ سمعنا صوتًا جاءنا ينادي: يا عبد الله بن عمر! فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «قوما فاغسلا وجوهكما؛ فإن عمر داخل»، فقال عمر: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم، أأدخل فقال: «ادخل ادخل».
هذا حديث حسنٌ. وهو في الصحيح المسند 1562
ومن تلطفه ولينه صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أنه كان يبالغ في التلطف معهن إذا مرضت إحداهن، أو اشتكت تقول عائشة رضي الله عنها وهي تروي خبر الإفك: “فقدمنا المدينة، فاشتكيت حين قدمت شهراً، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، ولا أشعر بشيء من ذلك، ويريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي” رواه مسلم (4974)، فتأمل قولها: “اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي”.
و ما رواه الإمام أحمد بن حنبل في المسند من طريق محمد بن إسحاق بسنده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: «رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم من جنازة بالبقيع وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول: وارأساه فقال: (بل أنا يا عائشة، وارأساه) ثم قال: (ما ضرك لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك، ثم صليت عليك ودفنتك) قلت: لكأني بك، والله لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فعرست فيه ببعض نسائك. قالت: فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم بدئ بوجعه الذي مات فيه».رواه أحمد في المسند: (6) / (228)
ومن طيب معاشرته -صلى الله عليه وسلم- لأهله والمبالغة في حسنها وطيبها قوله لعائشة: «كنت لك كأبي زرع لأم زرع» وهذا جزء من حديث طويل اقتصرنا على محل الشاهد منه.
وهو نفسه حديث العشر النسوة اللاتي اقسمن أن لا يخفين من أمر أزواجهن شيئا
قال النووي: قال العلماء هو تطييب لنفسها، وإيضاح لحسن معاشرته إياها ومعناه: أنا لك كأبي زرع … وقال: قال العلماء في حديث أم زرع هذا فوائد، منها: استحباب حسن المعاشرة للأهل
وقال الحافظ: في هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يفض ذلك إلى ما يمنع.
وفيه المزح أحيانا وبسط النفس به ومداعبة الرجل أهله وإعلامه لمحبته لها ما لم يؤد ذلك إلى مفسدة تترتب على ذلك من تجنيها عليه وإعراضها عنه .. وجواز الانبساط بذكر طرف الأخبار ومستطابات النوادر تنشيطا للنفوس
وحديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما: «يا عايش هذا جبريل يقرئك السلام، فقلت: وعليه السلام ورحمة الله وبركاته»
متفق عليه أخرجه البخاري في كتاب الفضائل باب فضل عائشة. الفتح: (7) / (106)، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضل عائشة، حديث (91) / (2447)
قال النووي: (فيه أي في هذا الحديث من الفوائد فضيلة ظاهرة لعائشة رضي الله عنها، وفيه دليل لجواز الترخيم وقال الحافظ: (في هذا الحديث منقبة عظيمة لعائشة).
قلت: فترخيمه -صلى الله عليه وسلم- لاسم عائشة من باب المزاح والملاطفة للأهل
وحديث الباب دخل أبوبكر الصديق والنبي صلى الله عليه وسلم يضاحك عائشة وذكره ابن غزي في كتابه المراح في المزاح
وكان عليه الصلاة والسلام هيناً ليناً مع أزواجه، يحرص على تحقيق ما يرغبنه ويشتهينه إن استطاع، ولم يكن في ذلك محذور؛ فحين حجَّت عائشة رضي الله عنها وحاضت لم تتمكن من أداء عمرتها، فلما جاء وقت الحج أمرها النبي أن تفعل ما يفعل الحاج غير ألا تطوف بالبيت، فلما طهرت وطافت وسعت بين الصفا والمروة؛ حزنت على أن لم تكن اعتمرت كما اعتمر الناس، فقالت: يا رسول الله أيرجع الناس بنسكين وأرجع بنسك واحد وفي رواية: أيرجع الناس بأجرين وأرجع بأجر واحد فبعث بها النبي صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن إلى التنعيم، فاعتمرت بعد الحج” رواه مسلم (1211) وعبدالرحمن هو بن أبي بكر أخوها، وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنه: “وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً سهلاً، إذا هويت الشيء تابعها عليه” رواه مسلم (2127) فأين هذا ممن يَعُدُ مجرد موافقة المرأة في رأي سبة وعيباً وعاراً .
3. صبره عليه الصلاة والسلام على أذى زوجاته: فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال: “استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نسوة من قريش يعني من أزواجه يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن على صوته، فلما استأذن عمر قمن فبادرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدخل عمر ورسول الله يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب))، فقال عمر: فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله، ثم قال عمر: أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله فقلن: نعم أنت أفظ وأغلظ” رواه البخاري (3051) ومسلم (4410).
وما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في غضبها: سبق ترجمة أم المؤمنين رضي الله عنها في صحيح مسلم، وأما ما يتعلق بالروايات الواردة فيما ورد عن غضبها:- عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: قالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إنِّي لَأعْلَمُ إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبى» قالَتْ: فَقُلْتُ: مِن أيْنَ تَعْرِفُ ذَلِكَ فَقالَ: «أمّا إذا كُنْتِ عَنِّي راضِيَةً، فَإنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ ورَبِّ مُحَمَّدٍ، وإذا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبى، قُلْتِ: لاَ ورَبِّ إبْراهِيمَ» قالَتْ: قُلْتُ: أجَلْ واللَّهِ يا رَسُولَ اللَّهِ، ما أهْجُرُ إلّا اسْمَكَ، (خ) (5228)
– عَنْ عائِشَةَ رضي الله عنها، قالَتْ: قالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «ما يَخْفى عَلَيَّ حِينَ تَكُونِينَ غَضْبى، وحِينَ تَكُونِينَ راضِيَةً، إذا كُنْتِ غَضْبى، قُلْتِ: لا ورَبِّ إبْراهِيمَ، وإذا كُنْتِ راضِيَةً، قُلْتُ: لا ورَبِّ مُحَمَّدٍ»، فَقُلْتُ: صَدَقْتَ، إنَّما أهْجُرُ اسْمَكَ، قالَتْ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أرَأيْتَ لَوَ نَزَلْتَ وادِيًا فِيهِ شَجَرٌ كَثِيرٌ قَدْ أُكِلَ مِنها، ووَجَدْتَ شَجَرَةً لَمْ يُؤْكَلْ مِنها، فِي أيِّها كُنْتَ تَرْتَعُ بَعِيرَكَ قالَ: «فِي الَّذِي لَمْ يُرْتَعْ فِيها»، تُرِيدُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَتَزَوَّجْ بِكْرًا غَيْرَها (رقم طبعة با وزير: (4316))، (حب) (4331) [قال الألباني]: صحيح – «الصحيحة» ((3105)).
- وفاءه لزوجاته: فقد كان صلى الله عليه وسلم آية الوفاء، ومن وفائه أنه حفظ لخديجة رضي الله عنها ذكراها، وكان يذكرها دائماً بخير، حتى أن عائشة رضي الله عنها لم تغر من امرأة ما غارت من خديجة وهي متوفاة قالت له مرة: ” … خديجة خديجة لكأنما ليس في الأرض امرأة إلا خديجة، فتركها فترة، ثم عاد وأمها أم رومان عندها، فقالت له أمها: يا رسول الله مالك ولعائشة، إنها حديثة السن، وأنت أحق من يتجاوز عنها، فلم يدعها حتى أخذ بشدقها معاتباً، وهو يقول لها: (( … ألست القائلة: كأنما ليس على وجه الأرض امرأة إلا خديجة )) رواه البخاري (3534).
5. تواضعه وتعاونه مع زوجاته: فقد سُئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت: “كان يكون في مهنة أهله (أي: في خدمتهم)، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة” رواه البخاري (635)، وفي رواية: “كان بشراً من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه” [رواه أحمد (26237)، وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة (671)]، وفي رواية أخرى: “كان يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم” [رواه أحمد (23756)، وقال شعيب الأرناؤوط في تعليقه على المسند: “حديث صحيح”].
6. مشاورة زوجاته والأخذ بمشورتهن: فقد كان عليه الصلاة والسلام يستشير زوجاته، ويأخذ برأيهن فيما يعرض عليه من أمور، ومن ذلك ما فعله حين جاءه جبريل أول مرة، فرجع فزعا إلى زوجه خديجة رضي الله عنها وهو يقول: ((زملوني زملوني))، ثم أخبر خديجة بالخبر وقال: ((لقد خشيت على نفسي)) رواه البخاري.
وفي البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قوموا فانحروا، ثم احلقوا)) قال الراوي: فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك أخرج ثم لا تكلم أحداً منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً” رواه البخاري (2529).
7. مسابقته صلى الله عليه وسلم مع زوجاته رضي الله عنهن فعن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في سفر قالت فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم سابقته فسبقني فقال «هذه بتلك السبقة».
هذا حديث صحيحٌ.
8. كان ينظر في أحوال نسائه صلى الله عليه وسلم قال أبو داود رحمه الله (ج (6) ص (172)): حدثنا أحمد بن يونس أنبأنا عبد الرحمن يعني ابن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه قال قالت عائشة: يا ابن أختي كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يا رسول الله يومي لعائشة فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منها قالت نقول في ذلك أنزل الله تعالى وفي أشباهها أراه قال {وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا} [سورة النساء، الآية: (128)].
هذا حديث حسنٌ”.
9 – الضرب برفق:
الضرب برفق:
تروي السيدة عائشة حادثة واحدة اضطر فيها الرسول أن يضربها ضربةَ زجر رقيقة ليردعها عن شكها و خروجها خلفه لتتبع خطواته فتقول: في الحديثِ الطويل في صحيح مسلم “كان النبي على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظنَّ أن قد رقدت، فأخذ رداءه رويدًا وانتعل رويدًا وفتح الباب فخرج ثم أجافه رويدًا، فجعلتُ درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقتُ على إثره حتى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفتُ فأسرعَ فأسرعتُ فهرولَ فهرولتُ فأحضر فأحضرتُ فسبقته فدخلت فليس إلا أن اضطجعت فدخل فقال: “مالك يا عائش حشيا رابية قالت: قلت: لا شيء قال: “لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير” قالت: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي فأخبرته، قال: أنت الذي رأيت أمامي قلت: نعم، فلهدني في صدري لهدة أوجعتني، ثم قال: أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله”.
10 – الهجر والمخاصمة:
عن عائشة أن بعيرًا لصفية اعتل وعند زينب فضل من الإبل فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لزينب: “إن بعير صفية قد اعتل فلو أنك أعطيتها بعيرًا” قالت: “أنا أعطي تلك اليهودية” فتركها فغضب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شهرين أو ثلاثًا حتى رفعت سريرها وظنت أنه لا يرضى عنها قالت: فإذا أنا بظله يومًا بنصف النهار فدخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأعادت سريرها ” (رواه أحمد في مسنده.
واعتزل النبي زوجاته حينما سألنه التوسعة في النفقة.
11 – الطلاق عند الضرورة:
طلق النبي- صلى الله عليه وسلم- حفصة فجاء جبريل للنبي- صلى الله عليه وسلم- فقال له: “راجع حفصة فإنها صوَّامة قوَّامة وإنها زوجتك في الجنة” (رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه)
وجمع أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وحسن تعامله مع أهله يطول فليطلب من مظانه.
======
الثالثة: في الحديث غضب أبي بكر الصديق لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك مواقف أخرى: عن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- قال: دخل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فوجد الناس جلوسًا ببابه، لم يُؤذن لأحدٍ منهم قال: فأذن لأبي بكر رضي الله عنه، فدخل ثم أقبل عمر رضي الله عنه فاستأذن، فأذن له، فوجد النبي- صلى الله عليه وسلم- جالسًا حوله نساؤه واجمًا ساكتًا .. قال: فقال: لأقولن شيئًا أُضحك النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: “يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها، فوجأت عنقها”، فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: “هن حولي كما ترى يسألنني النفقة”، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما ليس عنده ! قلن: “والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبدًا ليس عنده”، ثم اعتزلهن شهراً أو تسعًا وعشرين، ثم نزلت عليه هذه الآية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ} من سورة الأحزاب الآية 28 حتى بلغ {لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} …… ثم ذكر تخيرهن وكلهن اخترن الله ورسوله. رواه مسلم، الحديث 2703
سبق ترجمة أبي بكر الصديق رضي الله عنه مطولة في شرحنا لصحيح مسلم المسمى الفوائد المنتقاة على صحيح مسلم، وأما ما يتعلق بشمائله وأخلاقه:
1 – الكرم والعطاء والصدقة:
روى الترمذي (3675) وصححه عن عُمَرَ بْن الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: ” أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا أَنْ نَتَصَدَّقَ، فَوَافَقَ ذَلِكَ مَالًا عِنْدِي، فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا، فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ ، قُلْتُ: مِثْلَهُ.
قَالَ: وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ قَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قُلْتُ: لَا أُسَابِقُكَ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا “.
وحسنه الألباني في “صحيح الترمذي”.
وروى الترمذي (3661) وحسنه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ إِلَّا وَقَدْ كَافَأنَاهُ، مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يَدًا يُكَافِئُهُ اللَّهُ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَمَا نَفَعَنِي مَالُ أَحَدٍ قَطُّ مَا نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، أَلَا وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ خَلِيلُ اللَّهِ وصححه الألباني في “صحيح الترمذي”.
وعن عروة قال: ” أسلم أبو بكر وله أربعون ألفا، فأنفقها في سبيل اللَّه، وأعتق سبعة كلهم يعذّب في اللَّه “. “الإصابة” (4/ 147).
2 – الحرص على الأخوة والمحبة: روى البخاري (3661) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ” كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ.
فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ثَلاَثًا.
ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالُوا: لاَ، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا “.
3 – الورع:
روى البخاري في “صحيحه” (3842) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: ” كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَاكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ الغُلاَمُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَمَا هُوَ قَالَ: كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَمَا أُحْسِنُ الكِهَانَةَ، إِلَّا أَنِّي خَدَعْتُهُ، فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ، فَهَذَا الَّذِي أَكَلْتَ مِنْهُ، فَأَدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ، فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ “.
4 – الزهد والتواضع: روى الطبري في “تاريخه” (3/ 432) أن أبا بكر لما تولى الخلافة كَانَ يَغْدُو كُلَّ يَوْمٍ إِلَى السُّوقِ، فَيَبِيعُ وَيَبْتَاعُ، وَكَانَتْ لَهُ قِطْعَةُ غَنَمٍ تَرُوحُ عَلَيْهِ، وَرُبَّمَا خَرَجَ هُوَ بِنَفْسِهِ فِيهَا، وَرُبَّمَا كُفِيهَا فَرُعِيَتْ لَهُ، وَكَانَ يَحْلِبُ لِلْحَيِّ أَغْنَامَهُمْ.
فَلَمَّا بُويِعَ لَهُ بِالْخِلافَةِ قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنَ الْحَيِّ: الآنَ لا تحْلبُ لَنَا مَنَائِحَ دَارِنَا، فَسَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: “بَلَى لَعَمْرِي لأَحْلِبَنَّهَا لَكُمْ، وَإِنِّي لأَرْجُو أَلا يُغَيِّرَنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ عَنْ خُلُقٍ كُنْتُ عَلَيْهِ”.
5 – الخوف من الله تعالى:
قال ابن القيم رحمه الله:
” مَنْ تَأَمَّلَ أَحْوَالَ الصَّحَابَةِ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ – وَجَدَهُمْ فِي غَايَةِ الْعَمَلِ مَعَ غَايَةِ الْخَوْفِ، فَهَذَا الصِّدِّيقُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – يَقُولُ: “وَدِدْتُ أَنِّي شَعْرَةٌ فِي جَنْبِ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ”، ذَكَرَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ.
وَذَكَرَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ يَمْسِكُ بِلِسَانِهِ وَيَقُولُ: “هَذَا الَّذِي أَوْرَدَنِي الْمَوَارِدَ”، وَكَانَ يَبْكِي كَثِيرًا، وَيَقُولُ: “ابْكُوا، فَإِنْ لَمْ تَبْكُوا فَتَبَاكُوا”.
وَكَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ كَأَنَّهُ عُودٌ؛ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
فَلَمَّا احْتُضِرَ، قَالَ لِعَائِشَةَ: “يَا بُنَيَّةُ، إِنِّي أَصَبْتُ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ هَذِهِ الْعَبَاءَةَ، وَهَذِهِ الْحِلَابَ، وَهَذَا الْعَبْدَ، فَأَسْرِعِي بِهِ إِلَى ابْنِ الْخَطَّابِ”.
وَقَالَ: “وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ هَذِهِ الشَّجَرَةَ، تُؤْكَلُ وَتُعْضَدُ””.”الجواب الكافي” (ص: 40)
6 – العفو عن المسيء: عفا الصديق رضي الله عنه عن مسطح بن أثاثة، وكان مسطح ممن تكلم في الإفك، فلما أنزل الله براءة عائشة رضي الله عنها، قال أبو بكر الصديق: -وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره- “والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال”.
فأنزل الله: وَلَا يَاتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ النور/22.قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “بلى والله؛ إني لأحب أن يغفر الله لي”.فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: “والله لا أنزعها منه أبدًا”. رواه البخاري (4141)، ومسلم (2770).
الرابعة: فائدة متعلقة بالروايات الأخرى: قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ” لم يقل أحد من علماء المسلمين المعتبرين: إن عليا أعلم وأفقه من أبي بكر وعمر بل ولا من أبي بكر وحده، ومدعي الإجماع على ذلك من أجهل الناس وأكذبهم، بل ذكر غير واحد من العلماء إجماع العلماء على أن أبا بكر الصديق أعلم من علي، منهم الإمام منصور بن عبد الجبار السمعاني المروذي، أحد أئمة السنة من أصحاب الشافعي ذكر في كتابه: ” تقويم الأدلة على الإمام ” إجماع علماء السنة على أن أبا بكر أعلم من علي، وما علمت أحدا من الأئمة المشهورين ينازع في ذلك، وكيف وأبو بكر الصديق كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم يفتي ويأمر وينهي ويقضي ويخطب كما كان يفعل ذلك إذا خرج هو وأبو بكر يدعو الناس إلى الإسلام ولما هاجرا جميعا ويوم حنين وغير ذلك من المشاهد والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت يقره على ذلك ويرضى بما يقول ولم تكن هذه المرتبة لغيره.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم في مشاورته لأهل العلم والفقه والرأي من أصحابه: يقدم في الشورى أبا بكر وعمر فهما اللذان يتقدمان في الكلام والعلم بحضرة الرسول عليه السلام على سائر أصحابه، مثل قصة مشاورته في أسرى بدر، فأول من تكلم في ذلك أبو بكر وعمر، وكذلك غير ذلك … . وفي صحيح مسلم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا معه في سفر فقال: (إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا)، وقد ثبت عن ابن عباس: أنه كان يفتي من كتاب الله، فإن لم يجد فبما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجد أفتى بقول أبي بكر وعمر، ولم يكن يفعل ذلك بعثمان وعلي، وابن عباس حبر الأمة وأعلم الصحابة وأفقههم في زمانه، وهو يفتي بقول أبي بكر وعمر مقدما لقولهما على قول غيرهما من الصحابة. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل “. مجموع الفتاوى (4/ 398).