1153 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم
وشارك أحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1153):
قال الحاكم رحمه الله (ج (1) ص (74)): أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، حدثني أبي، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا حماد، عن سماك، عن النعمان بن بشير: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «مثل المؤمن ومثل الأجل، مثل رجل له ثلاثة أخلاء، قال له ماله: أنا مالك، خذ مني ما شئت ودع ما شئت. وقال الآخر: أنا معك أحملك وأضعك، فإذا مت تركتك. قال: هذا عشيرته، وقال الثالث: أنا معك، أدخل معك وأخرج معك، مت أو حييت. قال: هذا عمله».
قال أبو عبد الرحمن الوادعي: هذا حديث حسنٌ.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
أولاً: أورده الوادعي في عدة مواطن في جامعه: 1) الإيمان بالبعث (ج1/ص365).
2) (11) – المال يتخلى عن صاحبه إذا مات. (ج4/ص339).
3) الشعر (ج5/ص291).
4) (290) – قوله تعالى: {وما أمْوالُكُمْ ولا أوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى} [سورة سبأ، الآية: (37)]. (ج6/ص15).
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
أولا: قصر الأمل
“4/ 577 – وعن ابن مسعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: خَطَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- خَطًّا مُرَبَّعًا، وخَطَّ خَطًّا في الوَسَطِ خَارِجًا منْهُ، وَخَطَّ خُططًا صِغَارًا إِلى هَذَا الَّذِي في الوَسَطِ مِنْ جَانِبِهِ الَّذِي في الوَسَطِ، فَقَالَ: هَذَا الإِنسَانُ، وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطًا بِهِ –أَوْ: قَد أَحَاطَ بِهِ- وَهَذَا الَّذِي هُوَ خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الخُطَطُ الصِّغَارُ الأَعْراضُ، فَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذَا نَهَشَهُ هَذا، وَإِنْ أَخْطَأَهُ هَذا نَهَشَهُ هَذا رواه البخاري.
5/ 578 – وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سَبْعًا، هَل تَنْتَظِرُونَ إلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَو غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَو مَوتًا مُجْهِزًا، أَو الدَّجَّالَ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوِ السَّاعَةَ، وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وأَمَرُّ رواهُ الترمذي وَقالَ: حديثٌ حسنٌ.
6/ 579 – وعنه رضي الله عنه، قالَ: قالَ رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعني: المَوْتَ. رواه الترمذي وقال: حديثٌ حسنٌ.
7/ 580 – وعن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه: كانَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذا ذَهَبَ ثُلثُ اللَّيْلِ قامَ فقالَ: يَا أَيها النَّاسُ، اذْكُرُوا اللَّه، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ، تَتْبَعُها الرَّادِفَةُ، جاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ، جاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ، قلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لكَ مِن صَلاتي قال: مَا شِئْتَ، قُلْتُ: الرُّبُعَ قَالَ: مَا شِئْتَ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لكَ، قُلتُ: فَالنِّصْفَ قالَ: مَا شِئْتَ، فإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيرٌ لكَ، قُلْتُ: فَالثلثَينِ قالَ: مَا شِئْتَ، فإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيرٌ لكَ، قُلْتُ: أَجْعَلُ لكَ صَلاتي كُلَّها قَالَ: إذًا تُكْفَى هَمَّكَ، ويُغْفَر لكَ ذَنْبُكَ رواه الترمذي وقال: حديث حسن.”.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى معلقًا:
“فهذه الأحاديث فيها الحثّ على قصر الأمل، وذكر الموت، والإعداد له، والمقصود الإعداد للموت والتأهُّب وعدم التَّفريط والإضاعة، فهذه الدار دار الغرور: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُور [آل عمران:185]، فالعاقل يعدّ العدة، ويجعل الموت على باله، ويقصر الأمل، حتى إذا جاء الموتُ فإذا هو على استعدادٍ.
وقد ذكر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- حال العبد وأمله الطويل، وما يعرض له من الآفات، وذكر قصر الأمل، وأن المؤمن ينبغي له ألا يُطوّل الأمل، بل يخشى الموت، فإنَّ الموت يأتي بغتةً، فبينما هو له أملٌ طويلٌ إذ هجم عليه الأجل، فينبغي للعاقل ألا يغترَّ بهذه الحياة، وأن يعدّ العدة لآخرته قبل أن يهجم عليه الأجل.
ويقول -صلى الله عليه وسلم-: بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقرًا مُنْسِيًا، أو غنًى مُطْغِيًا، أو مرضًا مُفْسِدًا، أو هَرَمًا مُفندًا، أو موتًا مُجهزًا، أو الدّجال، فالدجال شرُّ غائبٍ يُنْتَظر، أو الساعة، فالساعة أدهى وأمرّ .
أما حديث أُبي ففي سنده ضعف، أنه كان يقوم في آخر الليل فيقول: جاءت الرَّاجفة، تتبعها الرَّادفة، جاء الموت بما فيه. [الموقع الرسمي – شرح رياض الصالحين].
ثانيًا: [ما يتعلق بالعمل]
[1] العمل الصالح ما توفر فيه: الإخلاص والمتابعة.
[2] الاجتهاد في القيام بالأعمال الصالحة:
“أن يجتهد المسلم في القيام بالأعمال الصالحة الخالصة لوجه الله تعالى وأن يكثر منها، ويداوم عليها.
فإن كل عمل يقوم به المسلم مما شرعه الله ويخلص نيته فيه يزيد في إيمانه؛ لأن الإيمان يزيد بزيادة الطاعات وكثرة العبادات.
ثم إن العبودية التي شرعها الله لعباده وطلب منهم القيام بها، فرضها ونفلها، منقسمة على القلب واللسان والجوارح، وعلى كل منها عبودية تخصه.
فمن عبودية القلب التي تخصه: الإخلاص والمحبة والتوكل والإنابة والرجاء والخوف والخشية والرهبة والرضى والصبر وغيرها من الأعمال القلبية.
ومن عبودية اللسان التي تخصه: قراءة القرآن، والتكبير والتسبيح والتهليل والاستغفار، وحمد الله والثناء عليه، والصلاة والسلام على رسوله وغيرها من الأعمال التي لا تكون إلا باللسان.
ومن عبودية الجوارح التي تخصها: الصدقة، والحج، والصلاة، والوضوء، والخطى إلى المسجد ونحوها من الأعمال التي تكون بالجوارح.
فهذه الأعمال القلبية والتي باللسان والتي بالجوارح كلها من الإيمان وداخلة في مسماه، فالقيام بها والإكثار منها زيادة في الإيمان وإهمالها وإنقاصها نقص في الإيمان.
[ومن الأعمال بصفة عامة]:
– التقرب إلى الله والتعرف إليه بتحقيق التوحيد بألوهيته وربوبيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى. فإنه ولا شك كلما ازداد بها تحقيقاً ازداد إيماناً.
– فعل الفرائض والنوافل والإحسان فيها، والإصابة في صفاتها، والمكاثرة والمسارعة والمداومة في ذلك.
– ترك المعاصي والمنهيات تقرباً إلى الله وابتغاء وجهه سبحانه.
– النظر والاعتبار في آيات الله الشرعية، ومنها العلم، وآياته الكونية المورث للعلم والعمل، ولين القلب.
– الإقبال على الدار الآخرة والسعي لها، والزهد في الدنيا والإعراض عن زخرفها بملاحظة ما أعده الله لعباده الصالحين المستكملين للإيمان، وما أعده لإرضائهم.
– التزام السنة النبوية والعض عليها بالنواجذ، ولو مع قلة المعاون علماً وفهماً وعملاً ودعوة.
– كثرة سؤال الله والتضرع إليه بالثبات على دينه، وحسن العاقبة وسؤاله الهداية وحسن العمل وقبوله والاستزادة من الخير، والانطراح بين يديه لاسيما في الأوقات الفاضلة المستجابة. [الموسوعة العقدية]
فرع: من صور الأعمال الصالحة:
” الأعمال الصالحة هي ما كانت موافقة للشرع، ويكون صاحبها مُخلصاً لربه تبارك وتعالى، وقد عرف شيخ الإسلام العبادة بأنها: ” اسم جامعٌ لكل ما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرو والباطنة “، وهي متنوعة وكثيرة، ولا يمكننا حصرها فضلاً عن تعدادها، لكن منها:
1. الإيمان بالله. ويشمل: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقَدَر خيره وشرِّه.
2. والصلاة لوقتها
وهي خمس صلوات فرضهن الله في اليوم والليلة، وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على كفر من تركها.
ولا يحل تأخيرها عن أوقاتها، ويجب أداء أركانها وواجباتها، وأن يصلِّي المسلم كما صلَّى النبي صلى الله عليه وسلَّم.
3. وحج مبرور.
والحج المبرور معناه:
أ- أن يكون من مالٍ حلال.
ب- أن يبتعد عن الفسق والإثم والجدال فيه.
ج- أن يأتي بالمناسك وفق السنَّة النبويَّة. د- أن لا يرائي بحجه، بل يخلص فيه لربه. هـ- أن لا يعقبه بمعصية أو إثم.
4. بر الوالدين. وهو طاعتهما في طاعة الله تعالى، ولا يجوز طاعتهما في معصية، ومن البرِّ بهما عدم رفع الصوت عليهما، ولا إيذاؤهما بكلام قبيح. ومن البرِّ بهما الإنفاق عليهما، والقيام على خدمتهما.
5. الجهاد في سبيل الله وقد شرع الله تعالى الجهاد لإقامة التوحيد، ونشر الإسلام في الأرض، وقد أعدَّ الله تعالى للمجاهدين في سبيله أجراً عظيماً.
6. الحب في الله والبغض في الله وهو أن يحبَّ المسلمُ أخاه المسلم لله تعالى لا للونه ولا لجنسه ولا لماله، بل لطاعته لربه ولقربه منه تعالى. كما أنه يبغض العاصي؛ لأنه عصى الله تعالى.
7. قراءة القرآن سواء كان ذلك في حزبه اليومي أو في صلاته بالليل.
8. المداومة على الطاعات – وإن قلَّت-.وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الأعمال الدائمة ولو كانت قليلة، وقليل دائم خير من كثيرٍ منقطع.
9. أداء الأمانة. وهي من الواجبات ومن أفضل الأعمال، وقد عُلم في الشرع أن المنافق هو الذي يخون الأمانة ولا يؤديها لأهلها.
10. العفو عن الناس وهو التنازل عن الحق الشخصي، والعفو عن الظالم إن كان ذلك العفو يصلحه، أو أنه تاب وندم على ظلمه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((ما ازداد عبدٌ بعفوٍ إلا عزّاً)) رواه مسلم (2588)
11. الصدق في الحديث وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” (ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صِدِّيقاً) رواه مسلم (2607) “، والصدق منجاة لصاحبه، وهو خلق عظيم تخلَّق به الأنبياء وأتباعهم بحقٍّ”
12. النفقة في سبيل الله
وتشمل النفقة على الوالدين والأهل والأولاد، والفقراء والمساكين والمحتاجين وفي الجهاد، وفي بناء المساجد، وفي طباعة المصاحف والكتب الإسلاميَّة.
13. أن يسلم المسلمون من لسانه ويده. وذلك بالكف عن الغيبة والنميمة والقذف والسب واللعن، وكذا الكف عن البطش والضرب لمن لا يستحق.
14. إطعام الطعام ويشمل إطعام الإنسان والبهائم.
15. إفشاء السلام على من عرفت ومن لم تعرف إلا من ورد النص بالمنع من ابتدائه بالسلام وهم الكفار.
16. تعين ضائعاً أو تصنع لأخرق. والضائع هو ذو الحاجة من فقر أو عيال، والأخرق هو الجاهل الذي لا صنعة له.
17. تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك.
وغير ذلك كثير. . .
وجاء في هذا الحديث ذكر بعض الأعمال الصالحة:
روى البيهقي عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله ماذا ينجي العبد من النار
قال: الإيمان بالله.
قلت: يا رسول الله إن مع الإيمان عملاً.
قال: يرضخ مما رزقه الله [ومعنى الرضخ هو العطاء].
قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان فقيراً لا يجد ما يرضخ به
قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
قلت: يا رسول الله، أرأيت إن كان لا يستطيع أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر
قال: يصنع لأخرق. قلت: أرأيت إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئاً
قال: يعين مظلوماً.
قلت: أرأيت إن كان ضعيفاً لا يستطيع أن يعين مظلوماً
قال: ما تريد أن تترك في صاحبك من خير ! ليمسك أذاه عن الناس.
فقلت: يا رسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة
قال: ما من مؤمن يطلب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة. صححه الألباني في الترغيب (876). ” [الأعمال الصالحة]
[3] استغلال الوقت بأفضل الأعمال. حديث أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله تعالى قال: الصلاة على وقتها، وقال: قلت: ثم أي قال: بر الوالدين، قلت: ثم أي قال: الجهاد في سبيل الله)) متفق عليه.”ابن مسعود رضي الله عنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أي العمل أحب إلى الله، وفي بعض الروايات: أي العمل أفضل شرائع الإسلام كثيرة جداً والعمر قصير، وقد يستنزف الإنسان عمره في أعمال مفضولة، ويترك الأعمال الفاضلة، فلا تكون تجارته رابحة كما ينبغي.
وطلب العلم الشرعي أفضل من إماطة الأذى عن الطريق، السعي في حاجة المسلم أفضل من إماطة الأذى عن الطريق، قد يمضي الإنسان وقتاً طويلاً في الاعتكاف وهذا من أفضل الأعمال، إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أنه حينما يذهب في حاجة مسلم أحب إليه من أن يعتكف في مسجده شهراً، حاجة. فهذا يدل على أن الإنسان يحتاج إلى فقه، وهذا هداية من الله -تبارك وتعالى- للإنسان. وإذا تزدحم على الإنسان الأعمال الصالحة، فيحتاج إلى أن يقدم ما هو أكمل وأحب إلى الله -تبارك وتعالى”.
والتزود بالطاعات والاستكثار من الصالحات غاية ومطلب لكل مؤمن، ولقد
سُئل الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله عن أسباب
مضاعفة ثواب الأعمال الصالحة، فأجاب رحمه الله بجواب نفيس؛ حيث ذكر
أسبابًا متنوعة لمضاعفة ثوابها، مستدلًا بنصوص الوحيين ومراعيًا مقاصد الشريعة
ومصالحها [الفتاوى السعدية، المسألة التاسعة، ص (43)].
قال رحمه الله:
(الجواب؛ وبالله التوفيق: أما مضاعفة العمل بالحسنة إلى عشر أمثالها،
فهذا لا بد منه في كل عمل صالح، كما قال تعالى: {مَن جاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ
أمْثالِها} [الأنعام (160)]. وأما المضاعفة بزيادة عن ذلك، وهي مراد السائل، فلها أسباب: إما متعلقة بالعامل، أو بالعمل نفسه، أو بزمانه، أو بمكانه، وآثاره.
فمن أهم أسباب المضاعفة: [أن يحقق] العبد في عمله الإخلاص للمعبود
والمتابعة للرسول؛ فالعمل إذا كان من الأعمال المشروعة، وقصد العبد به رضى
ربه وثوابه، وحقق هذا القصد بأن يجعله هو الداعي له إلى العمل، وهو الغاية
لعمله، بأن يكون عمله صادرًا عن إيمان بالله ورسوله، وأن يكون الداعي له لأجل
أمر الشارع، وأن يكون القصد منه وجه الله ورضاه، كما ورد هذا المعنى في عدة
آيات وأحاديث، كقوله تعالى: {إنّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ} [المائدة (27)] أي:
المتقين الله في عملهم بتحقيق الإخلاص والمتابعة، وكما في قوله لله: (من صام
رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه) [متفق عليه]. وغيرها من النصوص.
والقليل من العمل مع الإخلاص الكامل يرجح بالكثير الذي لم يصل إلى
مرتبته في قوة الإخلاص، ولهذا كانت الأعمال الظاهرة تتفاضل عند الله بتفاضل ما
يقوم بالقلوب من الإيمان والإخلاص؛ ويدخل في الأعمال الصالحة التي تتفاضل
بتفاضل الإخلاص ترك ما تشتهيه النفوس من الشهوات المحرمة إذا تركها خالصًا
من قلبه، ولم يكن لتركها من الدواعي غير الإخلاص وقصة أصحاب الغار [متفق عليه] شاهد بذلك.
ومن أسباب المضاعفة: وهو أصل وأساس لما تقدم: صحة العقيدة، وقوة
الإيمان بالله وصفاته، وقوة إرادة العبد، ورغبته في الخير؛ فإن أهل السنة
والجماعة المحضة، وأهل العلم الكامل المفصل بأسماء الله وصفاته، وقوة لقاء الله، تضاعف أعمالهم مضاعفة كبيرة لا يحصل مثلها، ولا قريب منها لمن لم يشاركوهم في هذا الإيمان والعقيدة. ولهذا كان السلف يقولون: “أهل السنة إن قعدت بهم أعمالهم قامت بهم عقائدهم، وأهل البدع إن كثرت أعمالهم، قعدت بهم عقائدهم”، ووجه الاعتبار أن أهل السنة مهتدون، وأهل البدع ضالون. ومعلوم الفرق بين من يمشي على الصراط المستقيم، وبين من هو منحرف عنه إلى طرق الجحيم، وغايته أن يكون ضالًا متأولًا.
ومن أسباب مضاعفة العمل: أن يكون من الأعمال التي نفعُها للإسلام والمسلمين له وقعٌ وأثرٌ وغَناء، ونفع كبير، وذلك كالجهاد في سبيل الله: الجهاد البدني، والمالي، والقولي، ومجادلة المنحرفين؛ كما ذكر الله نفقة المجاهدين ومضاعفتها بسبعمائة ضعف.
ومن أعظم الجهاد: سلوك طرق التعلم
والتعليم؛ فإن الاشتغال بذلك لمن صحت نيته لا يوزنه عمل من الأعمال، لما فيه من إحياء العلم والدين، وإرشاد الجاهلين، والدعوة إلى الخير، والنهي عن الشر، والخير الكثير الذي لا يستغني العباد عنه؛ فمن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل له به طريقًا إلى الجنة، ومن ذلك المشاريع الخيرية التي فيها إعانة للمسلمين على أمور دينهم ودنياهم التي يستمر نفعها ويتسلسل إحسانها، كما ورد في (الصحيح): (إذا مات العبد انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له) [رواه مسلم].
ومن الأعمال المضاعفة: العمل الذي إذا قام به العبد، شاركه فيه غيره،
فهذا أيضًا يضاعف بحسب من شاركه، ومن كان هو سبب قيام إخوانه المسلمين بذلك العمل؛ فهذا بلا ريب يزيد أضعافًا مضاعفة على عملٍ إذا عمله العبد لم يشاركه فيه أحد، بل هو من الأعمال القاصرة على عاملها، ولهذا فضّل الفقهاء الأعمال المتعدية للغير على الأعمال القاصرة. ومن الأعمال المضاعفة: إذا كان العمل له وقع عظيم، ونفع كبير، كما إذا كان فيه إنجاء من مهلكة وإزالة ضرر المتضررين، وكشف الكرب عن المكروبين. فكم من عمل من هذا النوع يكون أكبر سبب لنجاة العبد من العقاب، وفوزه بجزيل الثواب، حتى البهائم إذا أزيل ما يضرها كان الأجر عظيمًا؛ وقصة المرأة البغي التي سقت الكلب الذي كاد يموت من العطش، فغُفر لها بغيها، شاهدة بذلك [متفق عليه].
ومن أسباب المضاعفة: أن يكون العبد حسن الإسلام، حسن الطريقة، تاركًا للذنوب، غير مُصِرّ على شيء منها، فإن أعمال هذا مضاعفة كما ورد بذلك الحديث الصحيح: (إذا أحسن أحدكم إسلامه؛ فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف … ) الحديث [متفق عليه].
ومن أسبابها: رفعة العامل عند الله، ومقامه العالي في الإسلام، فإن الله تعالى
شكور حليم، لهذا كان أجر نساء النبي لله مضاعفًا. قال تعالى: {ومَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ
لِلَّهِ ورَسُولِهِ وتَعْمَلْ صالِحًا نُّؤْتِها أجْرَها مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب (31)]، وكذلك العالم
الرباني، وهو العالم العامل المعلّم تكون مضاعفة أعماله بحسب مقامه عند الله، كما
أن أمثال هؤلاء إذا وقع منهم الذنب، كان أعظم من غيرهم، لما يجب عليهم من
زيادة التحرز، ولما يجب عليهم من زيادة الشكر لله على ما خصهم به من النعم.
ومن الأسباب: الصدقةُ من الكسب الطيب، كما وردت بذلك النصوص.
ومنها: شرفُ الزمان، كرمضان وعشر ذي الحجة ونحوها، وشرف المكان كالعبادة
في المساجد الثلاثة، والعبادة في الأوقات التي حث الشارع على قصدها، كالصلاة
في آخر الليل، وصيام الأيام الفاضلة ونحوها، وهذا راجع إلى تحقيق المتابعة
للرسول المكمل لله مع الإخلاص للأعمال المنمّي لثوابها عند الله.
ومن أسباب المضاعفة: القيامُ بالأعمال الصالحة عند المعارضات النفسية، والمعارضات الخارجية؛ فكلما كانت المعارضات أقوى والدواعي للترك أكثر، كان العمل أكمل، وأكثر مضاعفة. وأمثلة هذا كثيرة جدًا، ولكن هذا ضابطها.
ومن أهم ما يضاعف فيه العمل: الاجتهاد في تحقيق مقام الإحسان والمراقبة، وحضور القلب في العمل، فكلما كانت هذه الأمور أقوى، كان الثواب أكثر، ولهذا ورد في الحديث: (ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها) فالصلاة ونحوها وإن كانت تجزئ إذا أتى بصورتها الظاهرة، وواجباتها الظاهرة والباطنة، إلا أن كمال القبول، وكمال الثواب، وزيادة الحسنات، ورفعة الدرجات، وتكفير السيئات، وزيادة نور الإيمان بحسب حضور القلب في العبادة. ولهذا كان من أسباب مضاعفة العمل حصولُ أثره الحسن في نفع العبد، وزيادة إيمانه، ورقّة قلبه، وطمأنينته، وحصول المعاني المحمودة للقلب من آثار العمل؛ فإن الأعمال كلما كملت، كانت آثارها في القلوب أحسن الآثار، وبالله التوفيق.
ومن لطائف المضاعفة أن إسرار العمل قد يكون سببًا لمضاعفة الثواب، فإن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله: (رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. ومنهم: رجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) [متفق عليه]
كما أن إعلانها قد يكون سببًا للمضاعفة كالأعمال التي تحصل فيها الأسوة والاقتداء، وهذا مما يدخل في القاعدة المشهورة: قد يعرض للعمل المفضول من المصالح ما يصيّره أفضل من غيره.
ومما هو كالمتفق عليه بين العلماء الربانيين أن الاتصاف في كل الأوقات بقوة الإخلاص لله، ومحبة الخير للمسلمين مع اللهج بذكر الله لا يلحقها شيء من الأعمال، وأهلها سابقون: لكلّ فضيلةٌ وأجرٌ وثوابٌ، وغيرها من الأعمال تبع لها؛ فأهل الإخلاص والإحسان والذكر هم السابقون السابقون المقربون في جنات النعيم”. انتهى.
ثالثًا: [ما يتعلق بالأموال]:
[1] حقوق المال في الإسلام، عبدالرحمن بن ناصر السعدي (1376هـ)، نشر عام 1373هـ
“لا ريب أن الشرع قد بيَّن للعباد كل ما يحتاجونه في أمور دينهم ودنياهم، وخصوصاً الواجبات الكبيرة التي هي أهم المهمات؛ الواجبات على القلب، والواجبات على البدن، وجميع الأقوال والأفعال.
وكذلك وضَّح الله ورسوله الواجبات المالية توضيحاً تامًّا؛ مجملاً ومفصلاً. فأمرنا بأداء الحقوق المالية، والإنفاق مما رزق الله، وأثنى على القائمين بها، وذمَّ المانعين لها أو لبعضها، وفصل ذلك.
فذكر الأموال التي تجب فيها الزكاة، من الحبوب، والثمار والمواشي، والعروض، والنقود، وذكر شروطها، ونصبها ومقدار الواجب منها، ولمن تدفع؛ للمصالح المحتاج إليها، وللمحتاجين.
فآكد الحقوق المالية هذا الحق الأكبر؛ حق الزكاة التي هي من أعظم أركان الإسلام ومبانيه التي لا يتم إلا بها.
وفصَّل أيضاً ما في المال من النفقات الواجبة للنفس والأهل، والأولاد، والمماليك؛ من الآدميين والبهائم.
وبيَّن الله ورسوله أيضاً وجوب الوفاء بالمعاملات الصحيحة، والعقود الشرعية، على اختلاف أنواعها وتباين أسبابها.
وبيَّن أيضاً ما يتعلق بالمال من الحقوق العارضة إذا وجدت أسبابها، كبدل النفوس والأموال المتلفة بغير حق، وما فيه من الحقوق العارضة لحاجة الغير من ضيف ونحوه، أو لاضطرار الغير، فأوجب مواساة المضطرين، ودفع اضطرارهم بإطعام الجائع، وكسوة العاري، وهذا من فروض الكفايات، إذا قام به البعض سقط عن غيره.
ومن ذلك إلزام الناس بالمعاوضات؛ منها ما هو محرم، كإكراههم على البيع بثمن لا يرضونه، أو منعهم مما أباحه الله لهم. ومنها ما هو عدل، مثل إكراههم على ما يجب عليهم من المعاوضة بثمن المثل، إذا وجب عليهم البيع أو الشراء لسبب يقتضي الوجوب؛ إما أداء دين أو غيره. ويجب منعهم مما يحرم عليهم من أخذ الزيادة على عوض المثل، ومثل التسعير على العمال، ومن يحتاج الناس إليهم، ومَنَعهم من أخذ الزيادة الفاحشة، كما يمنع الناس من هضمهم لحقوقهم.
ففي أمثال هذه المسائل يجب على الناس مراعاة العدل، ومنع أسباب الظلم. وهذه الأمور منها أشياء واضحة لكل واحد، ومنها أشياء يكون فيها اشتباه والتباس، يجب أن تفحص وتحقق تحقيقاً تامًّا لتعرف مرتبتها، فما دامت مشتبهة، فالأصل تحريم أموال الغير، والأصل إبقاء الناس على معاملاتهم، واحترام حقوقهم، حتى يتضح ما يوجب الخروج عن هذا الأصل لأصل شرعي أقوى منه.
وأما ما يهذي به كثير من الناس عندما انتشرت الشيوعية، وشاعت دعايتها، وأثَّرت على كثير من العصريين، وراجت على بعض أهل العلم، من أنه يسوغ لأولياء الأمور أن يلزموا أهل الغنى والثروة أن يواسوا بذلك أهل الحاجة والفقراء، وأن يفتتوا ثروتهم على أهل الحاجات، وأن يسددوا بزائد ثروتهم جميع المصالح، التي تحتاجها الأمة بغير رضاهم، بل بالقهر والقسر.
فهذا معلوم فساده بالضرورة من دين الإسلام، وأن الإسلام بريء من هذه الحالة الشيوعية أو هي مبدأ الشيوعية، ونصوص الكتاب والسنة على ذلك، وإبطال هذا القول صريحة وكثيرة جدًّا. وإجماع الأمة يبطل هذا القول المنافي لنصوص الكتاب والسنة، والمنافي للفطرة التي فطر الله عليها العباد، والفاتح للظلمة وأرباب الجشع أبواب الظلم والشر والفساد، فالله يبسط الرزق لمن يشاء، ويقدره على من يشاء، وقد جعل الله العباد بعضهم فوق بعض درجات في كل الصفات؛ في العقل والحمق، وفي العلم والجهل، وفي حسن الخلق وضده، وفي الغنى والفقر، وفي كثرة الأولاد والأموال والأتباع وضد ذلك؛ حكم بذلك قدراً، ويسر كلًّا لما خلق له، وأوجب على كل من أعطاه شيئاً من هذه النعم وغيرها من واجبات حددها وفصلها تفصيلًا، وجعل لنيل المطالب الدنيوية والأخروية أسباباً وطرقاً، من سلكها أفضت به إلى مسبباتها، وأوصلته إلى نتائجها، وهؤلاء المنحرفون يريدون أن يبطلواقدر الله وشرعه، ويبرروا آراءهم الفاسدة، بشبه لا تسمن ولا تغني من جوع، وقد يضيفون ذلك إلى بعض نصوص الشريعة، تحريفاً منهم، يعرفه كل من له أدنى معرفة بالشريعة.
وكثُر الدعاة إلى هذه الطريقة الشنيعة؛ تغريراً من بعضهم، واغتراراً من آخرين، يقلدونهم على غير بصيرة، والبصير لا يخفى عليه الأمر، وقد يروجون باطلهم بأنَّ تضخُّم المال في أيد قليلة سبب لمفسدة الترف المفسد للأخلاق، وسبب لإثارة الأحقاد من الفقراء والمعدمين، وهذا غلط فاحش وضعف نظر، فإن الغنى قد يكون سبباً للطغيان، وقد يكون سبباً للتواضع، والتزود من طاعة الله، والقيام بحقوق المال الشرعية، وعلى فرض ما فيه من الترف ونحوه، فإنَّ ما حاولوه من القضاء على ثروة المثرين سبب لشرور عظيمة، لا تنسب إليها أي مفسدة، وسبب لإثارة فتن كثيرة عكس ما قالوه، وهل هذه الشرور والحروب الطاحنة إلا من آثار ذلك – كما هو معلوم لكل أحد. وما قالوه في زيادة ثروة المال، يقال مثله في زيادة قوة الجسد، وصحة البدن، فإنه قد يبعث على شرور، كما قد يبعث إلى خير ويُتوسل به إلى خيرات، فنعم الله المتنوعة على العباد إما أن يشكروها ويتوسلوا بها إلى ما خلقوا له، من عبادة الله وشكره والقيام بحقه، وإما أن تكون بعكس ذلك، والله تعالى قد كفى عباده أضرار الثروة بما شرعه في الأموال من الحقوق الواجبة والمستحبة التي لو قام بها أرباب الأموال لكانوا من خير البرية أخلاقاً وأعمالاً، وأشرفهم وأعظمهم اعتباراً، ولما ترتب على ذلك من الشر شيء، ولكن لما منع أكثر الخلق ما أوجب الله عليهم في أموالهم- وخصوصاً الزكاة- سلط عليهم أنواع الظلمة من ولاة ظالمين، ومن فتاوى الجاهلين المتجرئين {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا ْ يَكْسِبُونَ} [الأنعام: 129].
واعلم أن الشبه التي تثار لنصر كل باطل، إذا فرض صحة بعضها فإنها نظريات ضئيلة جدًّا، ونظر قاصر، حيث نظروا نظراً جزئيًّا، وحكموا حكماً كليًّا، وعموا عن الأصول التي تبنى عليها الأحكام، ويعتبرها الشرع، وتتولد عنها المصالح العامة الكلية، وتنغمر فيها المفاسد الجزئية، وتوافق الشريعة والحكمة وفطرة الله التي فطر عليها العباد، وتدع الخليقة هادئة، والأسباب قائمة، والارتباط بين الناس وثيقاً {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 132].
المصدر: كتاب (مقالات كبار العلماء في الصحف السعودية القديمة) (1343هـ – 1383هـ) جمع وترتيب: أحمد الجماز و عبدالعزيز الطويل، دار أطلس الخضراء – الرياض، ط1: 1431هـ. (1/ 301)
[2] “صفة المال الذي ينفع صاحبه:
المال لا ينفع صاحبه إلا إذا توفرت فيه ثلاثة شروط:
أن يكون حلالاً طيباً في نفسه وكسبه.
أن لا يشغل صاحبه عن طاعة الله ورسوله.
أن يؤدي حق الله فيه من زكاة وصدقات.
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً، وَإِنَّ اللهَ أمَرَ المُؤْمِنِينَ بِمَا أمَرَ بِهِ المُرْسَلِينَ، فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}. ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ! يَا رَبِّ! وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ، فَأنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ». متفق عليه.
[3] المالك الحقيقي للمال: الله جل جلاله خالق هذا الكون ومالكه، ويتصرف في ملكه كما يشاء، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.
ونظام المال في الإسلام يقوم على أساس الاعتراف بأن الله وحده هو المالك الأصيل للمال، وله سبحانه وحده الحق في تنظيم قضية تملك الأموال، وإيجاب الحقوق في المال، وتحديدها وتقديرها، وبيان مصارفها، وطرق اكتسابها، وطرق إنفاقها.
قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [26]} [آل عمران:26].
وقال الله تعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ [7]} [الحديد:7].
[4] الحقوق المتعلقة بالمال: الحقوق المتعلقة بالمال ثلاثة: الأول:
حق الله تعالى، ويقتضي هذا الحق التعبد لله باكتساب المال الحلال من طرق حلال، واستعماله في وجه حلال، وبذله في مرضاة الله عز وجل.
الثاني: حق الفرد، وذلك بالانتفاع بهذا المال فيما هو مباح شرعاً، والاستعانة به على طاعة الله وعبادته.
الثالث: حق الأمة، وذلك بأداء الزكاة الواجبة فيه، والإحسان إلى الفقراء والمساكين منه، وتأليف قلوب .. “. [موسوعة الفقه الإسلامي]
رابًعا: الأمثال:
بعض ما ورد في كتاب (السراج المنير في ترتيب أحاديث صحيح الجامع الصغير) في (باب الأمثال):
[الأعمال:] (5869) – إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد خنقته، ثم عمل حسنة فانفكت حلقة، ثم عمل أخرى فانفكت الأخرى حتى يخرج إلى الأرض.
(حسن) (طب) عن عقبة بن عامر ((3)). (المشكاة (2375))
(5877) – إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، كرجل كان بأرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا من ذلك سوادًا وأججوا نارًا فأنضجوا ما فيها.
(حسن) (حم طب) عن ابن مسعود. (الروض النضير (351))
[الناس:] (5885) – مثل الذي يعين قومه على غير الحق مثل بعير تردى وهو يجر بذنبه. (صحيح) (هق) عن ابن مسعود. (المشكاة (4904))
[الحاشية: معنى الحديث أنه قد وقع في الإثم وهلك كالبعير إذا تردى في بئر فصار ينزع بذنبه ولا يقدر على الخلاص].
(5873) – إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحًا خبيثة. (صحيح) (ق) عن أبي موسى. (الصحيحة (3214))
(5883) – مثل الجليس الصالح كمثل العطار إن لم يعطك من عطره أصابك من ريحه. (صحيح) (د ك) عن أنس. (الترغيب (3065))
[المؤمن وغيره:] (5886) – مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع تفيؤها الريح مرة وتعدلها مرة، ومثل المنافق كمثل الأرزة لا تزال حتى يكون انْجِعافها مرة واحدة. (صحيح) (حم ق) عن كعب بن مالك. (الصحيحة (2283)).
(5887) – مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تفيؤه ولا يزال المؤمن يصيبه بلاء، ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا يهتز حتى يستحصد. (صحيح) (حم ت) عن أبي هريرة. (الترغيب (3400))
(5888) – مثل المؤمن كمثل خامة الزرع من حيث أتتها الريح كفأتها فإذا سكنت اعتدلت وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء، ومثل الفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها اللَّه تعالى إذا شاء. (صحيح) (ق) عن أبي هريرة. (الصحيحة (2283))
(5889) – مثل المؤمن مثل السنبلة تستقيم مرة وتخر مرة، ومثل الكافر مثل الأرزة لا تزال مستقيمة حتى تخر ولا تشعر. (صحيح) (حم الضياء) عن جابر. (الصحيحة (2283))
(5890) – مثل المؤمن مثل السنبلة تميل أحيانًا وتقوم أحيانًا ((1)). (صحيح) (ع الضياء) عن أنس. (الصحيحة (2284))
(5891) – مثل المؤمن مثل النحلة إن أكلت أكلت طيبًا، وإن وضعت وضعت طيبًا، كان وقعت على عود نخر لم تكسره، ومثل المؤمن مثل سبيكة الذهب إن نفخت عليها احمرت، وإن وزنت لم تنقص. (حسن) (هب) عن ابن عمرو. (الصحيحة (2288))
(5892) – مثل المؤمن مثل النحلة لا تأكل إلا طيبًا، ولا تضع إلا طيبًا. (صحيح) (طب حب) عن أبي رزين. (الصحيحة (354))
(5893) – مثل المؤمن مثل النخلة ما أخذت منها من شيء نفعك. (صحيح) (طب) عن ابن عمر. (الصحيحة (2285))
(5894) – مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. (صحيح) (حم م) عن النعمان بن بشير. (الصحيحة (1082))
(5895) – مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيهما تتبع.
(صحيح) (حم م ن) عن ابن عمر. (الروض (554)). انتهى المقصود من (السراج)
فائدة: لقد اعتنى العلماء بالأمثال الواردة في النصوص الشرعية، وبينوا أنواع، وأهمية ذلك، وكان من صور عنايتهم أن جعلوا في مصنفاتهم هذه الأمثال ضمنا، وبعضهم من أفرده بالتصنيف، منها ما هو خاص بأمثال القرآن، ومنه ما هو متعلق بما ورد في السنة، والبعض من يجعل الأمثال تحت تراجم. ومن الكتب في الأمثال: أمثال الحديث للرامهرمزي (ت (360))، وأمثال الحديث لأبي الشيخ الأصبهاني (ت (369)).