1152 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم
وشارك أحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1152):
قال الإمام الطبراني رحمه الله في الدعاء: حدثنا محمد بن عبدوس بن كامل السراج ، وعبيد بن غنام، قالا: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير ، ثنا محمد بن أبي عبيدة بن معن ، ثنا أبي ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن شرحبيل ، عن النعمان بن بشير ، رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « كان ثلاثة نفر يمشون في غب السماء إذ مروا بغار فقالوا : لو أويتم إلى هذا الغار ، فأووا إليه ، فبينما هم فيه إذ وقع حجر من الجبل مما يهبط من خشية الله عز وجل حتى إذا سد الغار ، فقال بعضهم لبعض : إنكم لن تجدوا شيئا خيرا من أن يدعو كل امرئ منكم بخير عمل عمله قط ، فقال أحدهم : اللهم كنت رجلا زراعا وكان لي أجراء ، وكان فيهم رجل يعمل بعمل رجلين ، فأعطيته أجره كما أعطيت الأجراء ، فقال : أعمل عمل رجلين وتعطيني أجر رجل واحد ، فانطلق فغضب وترك أجره عندي فبذرته على حدة فأضعف ، ثم بذرته فأضعف ، حتى كثر الطعام فكان أكداسا ، فاحتاج الرجل فأتاني يسألني أجره ، فقلت : انطلق إلى تلك الأكداس فإنها أجرك ، فقال : تكلمني وتسخر بي ؟ قلت : ما أسخر بك ، فانطلق فأخذها ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك وابتغاء وجهك فاكشفه عنا ، فقال الحجر : قض ، فأبصروا الضوء ، فقال الآخر : اللهم راودت امرأة عن نفسها وأعطيتها مائة دينار فلما أمكنتني من نفسها بكت ، فقلت : ما يبكيك ؟ قالت : فعلت هذا من الحاجة ، فقلت : انطلقي ولك المائة فتركتها ، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك من خشيتك وابتغاء وجهك فاكشفه عنا ، فقال الحجر قض ، فانفرجت منه فرجة عظيمة ، فقال الآخر : اللهم كان لي أبوان كبيران وكان لي غنم ، فكنت آتيهما بلبن كل ليلة فأبطأت عنهما ذات ليلة حتى ناما فجئت فوجدتهما نائمين فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أنطلق فيستيقظان ، فقمت بالإناء على رءوسهما حتى أصبحت ، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك من خشيتك وابتغاء وجهك فاكشفه ، فقال الحجر : قض ، فانكشفت عنهم فخرجوا يمشون ».
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيح.
طريق أخرى إلى النعمان بن بشير:
* قال الإمام أحمد رحمه الله : 90حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه حدثني عبد الصمد يعني ابن معقل قال سمعت وهبا يقول حدثني النعمان بن بشير أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الرقيم فقال إن ثلاثة كانوا في كهف فوقع الجبل على باب الكهف فأوصد عليهم قال قائل منهم تذاكروا أيكم عمل حسنة لعل الله عز وجل برحمته يرحمنا فقال رجل منهم قد عملت حسنة مرة كان لي أجراء يعملون فجاءني عمال لي فاستأجرت كل رجل منهم بأجر معلوم فجاءني رجل ذات يوم وسط النهار فاستأجرته بشطر أصحابه فعمل في بقية نهاره كما عمل كل رجل منهم في نهاره كله فرأيت علي في الزمام أن لا أنقصه مما استأجرت به أصحابه لما جهد في عمله فقال رجل منهم أتعطي هذا مثل ما أعطيتني ولم يعمل إلا نصف نهار فقلت يا عبد الله لم أبخسك شيئا من شرطك وإنما هو مالي أحكم فيه ما شئت قال فغضب وذهب وترك أجره قال فوضعت حقه في جانب من البيت ما شاء الله ثم مرت بي بعد ذلك بقر فاشتريت به فصيلة من البقر فبلغت ما شاء الله فمر بي بعد حين شيخا ضعيفا لا أعرفه فقال إن لي عندك حقا فذكرنيه حتى عرفته فقلت إياك أبغي هذا حقك فعرضتها عليه جميعها فقال يا عبد الله لا تسخر بي إن لم تصدق علي فأعطني حقي قال والله لا أسخر بك إنها لحقك ما لي منها شيء فدفعتها إليه جميعا اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا قال فانصدع الجبل حتى رأوا منه وأبصروا قال الآخر قد عملت حسنة مرة كان لي فضل فأصابت الناس شدة فجاءتني امرأة تطلب مني معروفا قال فقلت والله ما هو دون نفسك فأبت علي فذهبت ثم رجعت فذكرتني بالله فأبيت عليها وقلت لا والله ما هو دون نفسك فأبت علي وذهبت فذكرت لزوجها فقال لها أعطيه نفسك وأغني عيالك فرجعت إلي فناشدتني بالله فأبيت عليها وقلت والله ما هو دون نفسك فلما رأت ذلك أسلمت إلي نفسها فلما تكشفتها وهممت بها ارتعدت من تحتي فقلت لها ما شأنك قالت أخاف الله رب العالمين قلت لها خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرجاء فتركتها وأعطيتها ما يحق علي بما تكشفتها اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا قال فانصدع حتى عرفوا وتبين لهم قال الآخر عملت حسنة مرة كان لي أبوان شيخان كبيران وكانت لي غنم فكنت أطعم أبوي وأسقيهما ثم رجعت إلى غنمي قال فأصابني يوما غيث حبسني فلم أبرح حتى أمسيت فأتيت أهلي وأخذت محلبي فحلبت وغنمي قائمة فمضيت إلى أبوي فوجدتهما قد ناما فشق علي أن أوقظهما وشق علي أن أترك غنمي فما برحت جالسا ومحلبي على يدي حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما اللهم إن كنت فعلت ذلك لوجهك فافرج عنا قال النعمان لكأني أسمع هذه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الجبل طاق ففرج الله عنهم فخرجوا.
وهذا أيضا سنده صحيح.
===================
الحديث سيكون من وجوه:
الكلام حول الحديث رواية وبيان طرقه :
الحديث مر في الصحيح المسند (1/75) برقم 75 عن أنس رضي الله عنه. أورد الوادعي رحمه الله هذه الأحاديث في عدة أبواب في جامعه: التوسل وأنواعه الثلاثة المشروعة(ج2/ص495)، فضل ترك الزنا لمن قدر عليه (ج3/ص107)، الترغيب في طاعة الوالدين(ج5/ص176)، صفة الرحمة (ج6/ص406). وصفة الوجه ج6/412 . والفرج بعد الشدة ج /326
والحديث أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني 2026 و2027 و2028 و2029 وكذلك أبو عوانة في مستخرجه وهو أكثر من جمع روايات الحديث : وإليك زياداته :
زيادات في حديث الغار من مستخرج أبي عوانة
1 بسبب المطر:
5556 – حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قثنا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي عَبَّادٍ، ح وَحَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قثنا مَنْصُورُ بْنُ صُقَيْرٍ، قَالَا: ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ، قثنا نَافِعٌ، قَثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلَاثَةٌ يَمْشُونَ إِذْ أَخَذَهُمُ السَّمَاءُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ فَوَقَعَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ.» الْحَدِيثَ،
2 حث النبي على عمل شبيه بعمل صاحب الزرع:
5566 – حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، قثنا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ مِثْلَ صَاحِبِ فَرْقِ الْأَرُزِّ، فَلْيَفْعَلْ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا صَاحِبُ فَرْقِ الْأَرُزِّ؟ فَقَالَ: «خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ يَمْشُونَ» وَذَكَرَ حَدِيثَ الْغَارِ بِطُولِهِ،
3 يرتادون لأهلهم:
5569 – حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ، قثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ، ح وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُسْلِمٍ، قثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، قثنا مُسَدَّدٌ، ح وَحَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قثنا أَبُو دَاوُدَ، قَالُوا: ثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَرْتَادُونَ لِأَهْلِيهِمْ فَأَصَابَتْهُمُ السَّمَاءُ فَلَجَئُوا إِلَى جَبَلٍ «وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ،
4 فيه الاسترجاع:
5571 – حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ، قثنا أَبُو مَسْعُودٍ الزَّجَّاجُ، عَنْ أَبِي سَعْدٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ ثَلَاثَةً خَرَجُوا يَبْتَغُونَ الْخَيْرَ فَخَرَجَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ فَقَالَ: أُرِيدُ مَا تُرِيدَانِ فَاصْطَحَبُوا ثَلَاثَتُهُمْ فَرُفِعُوا إِلَى كَهْفٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَوْ دَخَلْنَا هَذَا الْكَهْفَ، فَدَخَلُوا فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ فَخَرَّ عَلَيْهِمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّ عَلَيْهِمُ الْبَابَ، فَقَالُوا: ” {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] وَذَكَرَ الْحَدِيثَ ،
5 دخلوا الغار بسبب الحر:
5576 – حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبِرِّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَبُو قَيْسٍ الْحَرَّانِيُّ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ بِمِصْرَ، قثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ، قثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ ثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَسِيرُونَ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَأَدْرَكَهُمُ الحَرُّ فَدَخَلُوا فِي مَغَارَةٍ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ،
5 أنه أواهم المبيت في الليل:
5581 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْحَرَّانِيُّ، قثنا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْطَاكِيُّ، ح وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُسْلِمٍ، قثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، قَالَا: ثَنَا أَشْعَثُ بْنُ شُعْبَةَ، عَنْ حَنَشِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ” ثَلَاثَةَ نَفَرٍ انْطَلِقُوا إِلَى حَاجَاتِهِمْ، فَأَوَاهُمُ اللَّيْلُ إِلَى كَهْفٍ، فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا هَؤُلَاءِ، تَذَاكَرُوا حُسْنَ أَعْمَالِكُمْ، فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُفَرِّجَ عَنْكُمْ ” وَذَكَرَ الْحَدِيثَ،
6 أنه كان بسبب المطر:
5584 – حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الزَّعْفَرَانِيُّ، قثنا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ، ح وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، وَيُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ، قَالَا: ثَنَا أَبُو جَاوِدٍ، جَمِيعًا عَنْ عِمْرَانَ الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَرْتَادُونَ لِأَهْلِيهِمْ فَأَصَابَهُمُ السَّمَاءُ فَلَجَئُوا إِلَى جَبَلٍ فَوَقَعَ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ.» ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ
5585 – حَدَّثَنَا عَبْدَانُ الْجَوَالِيقِيُّ، قثنا دَاهِرُ بْنُ نُوحٍ، قثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَرَادَةَ، قثنا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” خَرَجَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَأَصَابَهُمُ السَّمَاءُ فَلَجَئُوا إِلَى غَارٍ فَتَقَطَّعَتْ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَتَدَهْدَهَتْ عَلَى فَمِ الْغَارِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: كَفَّ الْمَطَرُ، وَعَفَا الْأَثَرُ، وَلَا يَرَاكُمْ إِلَّا اللَّهُ “، قَالَ: ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْغَارِ بِطُولِهِ
5586 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ أَيُّوبَ الْأَهْوَازِيُّ، قثنا عَاصِمُ بْنُ النَّضْرِ الْأَحْوَلُ، قثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، وَحَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ التُّسْتَرِيُّ، قثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ، قثنا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَوْفًا، قَالَ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ خِلَاسًا، يَقُولُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” ذَهَبَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ رَادَةً لِأَهْلِيهِمْ، قَالَ : فَأَخَذَهُمْ مَطَرٌ فَلَجَئُوا إِلَى غَارٍ، قَالَ: فَوَقَعَ عَلَى فَمِ الْغَارِ حَجَرٌ فَسَدَّ عَلَيْهِمْ فَمَ الْغَارِ وَوَقَعَ فَتَجَافَى عَنْهُمْ فَقَالَ النَّفْرُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: وَقَعَ الْمَطَرُ، وَعَفَا الْأَثَرُ، وَوَقَعَ الْحَجَرُ، وَلَا يَعْلَمُ بِمَكَانِكُمْ إِلَّا اللَّهُ، فَتَعَالَوْا فَلْيَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِأَوْثَقِ عَمَلِهِ ” وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ
واورده أبو عوانة : أيضا من حديث عائشة ومن حديث علي بن أبي طالب ومن حديث عقبة بن عامر ومن حديث ابن أبي أوفى
ونقل محقق مستخرج أبي عوانة :
قال البزار في حديث عمرو بن شرحبيل ولا نعلم أحدا سماه إلا محمد بن أبي عبيدة عن أبيه عن الأعمش فقال عن عمرو بن شرحبيل عن النعمان بن بشير
وذكر أبو عوانة الخلاف على أبي إسحاق حديث النعمان من زيادات أبي عوانة على مسلم
و حديث عائشة هو من زوائد أبي عوانة على الكتب الستة وفيه عمرو بن واقد متروك
وحديث علي بن أبي طالب فيه أشعث بن شعبة مقبول وهو من زوائد أبي عوانة على الكتب الستة وقد اختلف في رفعه ووقفه وقد أشار إلى ذلك الحافظ في إتحاف المهرة 1/326
وقال في الفتح : وروي عن علي وعقبة بن عامر وعبدالله بن عمرو وابن أبي أوفى بأسانيد ضعيفة وقد استوعب طرقه أبو عوانة في صحيحه
وحديث أبي هريرة من زوائد أبي عوانة على مسلم وإسناده حسن . وقد أخرجه الطيالسي 669 من طريق عمران عن قتادة بتمامه قال ابن حجر : إسناد حسن . وحديث عقبة في ابن لهيعة وهو من زوائد أبي عوانة على مسلم وورد موقوفا عليه عند أبي عوانة بإسناد حسن . انتهى كلام المحقق
وذكر صاحب أنيس الساري حديث النعمان فقال :
769 – عن النعمان بن بشير أنّه سمع النبي – صلى الله عليه وسلم – يذكر الرقيم قال “انطلق ثلاثة فكانوا في كهف فوقع الجبل على باب الكهف فأوصد عليهم” الحديث
قال الحافظ: أخرجه البزار والطبراني بإسناد حسن.
وقال: زاد الطبراني في حديث النعمان بن بشير من وجه آخر “إذ وقع حجر من الجبل مما يهبط من خشية الله حتى سدّ فم الغار”
وقال: وفي حديث النعمان بن بشير “إنكم لن تجدوا شيئاً خيرا من أنْ يدعو كل امرئ منكم بخير عمل عمله قط”
وقال: ووقع في حديث النعمان بن بشير بيان السبب في ترك الرجل أجرته ولفظه “كان لي أجراء يعملون فجاءنى عمال فاستأجرت كل رجل منهم بأجر معلوم، فجاء رجل ذات يوم نصف النهار فاستأجرته بشرط أصحابه فعمل في نصف نهاره كما عمل رجل منهم في نهاره كله فرأيت عليّ في الذمام أن لا أنقصه مما استأجرت به أصحابه لما جهد في عمله، فقال رجل منهم: تعطي هذا مثل ما أعطيتني، فقلت: يا عبد الله، لم أبخسك شيئا من شرطك وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت، قال: فغضب وذهب وترك أجره.
وقال: وفي حديث النعمان بن بشير “فبذرته على حدة فأضعف، ثم بذرته فأضعف حتى كثر الطعام” وفيه “فقال: أتظلمني وتسخر بي” وفي رواية له “ثم مرت بي بقر فاشتريت منها فصيلة فبلغت ما شاء الله”
وقال: وفي حديث النعمان “رجاء رحمتك ومخافه عذابك”
وقال: وفي حديث النعمان بن بشير “فانصدع الجبل حتى رأوا الضوء”
وقال: ووقع في حديث النعمان “مائة دينار”
وقال: وفي حديث النعمان بن بشير “فلما كشفتها”
وقال: وفي حديث النعمان بن بشير “فلما أمكنتني من نفسها بكت، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: فعلت هذا من الحاجة، فقلت: انطلقي” وفي رواية أخرى عن النعمان “أنها ترددت إليه ثلاث مرات تطلب منه شيئاً من معروفه ويأبى عليها إلا أنْ تمكنه من نفسها،
فأجابت في الثالثة بعد أنْ استأذنت زوجها فأذن لها وقال لها: أغني عيالك، قال: فرجعت فناشدتني بالله فأبيت عليها فأسلمت إليّ نفسها، فلما كشفتها ارتعدت من تحتي فقلت: ما لك؟ قالت: أخاف الله رب العالمين، فقلت: خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرخاء، فتركتها”
وقال: وجاء عن النعمان بن بشير من ثلاثة أوجه حسان أحدها عند أحمد والبزار وكلها عند الطبراني” (1)
صحيح
وله عن النعمان بن بشير طرق ….. انتهى من أنيس الساري وطول في تخريج طرقه .
وقال في طريق الإمام أحمد التي ذكرها الشيخ مقبل وفيها خلاف في القصة إسناده صحيح رجاله ثقات ولم ينفرد عبدالصمد بن معقل به بل تابعه عبدالله بن بحير عن وهب بن منبه . وتابعه ايضا عبدالله بن سعيد بن أبي عاصم وراجع مسند البزار 3290
وقال محققو المسند في حديث النعمان إسناده حسن رجاله ثقات وحسنه ابن حجر
و صاحب أنيس الساري لم يخرج بقية الأحاديث
قال ابن حجر :
تَنْبِيهٌ لَمْ يُخَرِّجِ الشَّيْخانِ هَذا الحَدِيثَ إلّا من رِوايَة بن عُمَرَ وجاءَ بِإسْنادٍ صَحِيحٍ عَنْ أنَسٍ أخْرَجَهُ الطَّبَرانِيُّ فِي الدُّعاءِ مِن وجْهٍ آخَرَ حَسَنٍ وبِإسْنادٍ حَسَنٍ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ وهُوَ فِي صَحِيح بن حِبّانَ وأخْرَجَهُ الطَّبَرانِيُّ مِن وجْهٍ آخَرَ عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ وعَنِ النُّعْمانِ بْنِ بَشِيرٍ مِن ثَلاثَةِ أوْجُهٍ حِسانٍ أحَدُها عِنْدَ أحْمَدَ والبَزّارِ وكُلُّها عِنْدَ الطَّبَرانِيِّ وعَنْ عَلِيٍّ وعُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ وعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصِ وبن أبِي أوْفى بِأسانِيدَ ضَعِيفَةٍ وقَدِ اسْتَوْعَبَ طُرُقَهُ أبُو عَوانَةَ والطبراني في الدعاء ….. ونقل الخلاف في ألفاظه وفي تقديم أيهما بدأ بالدعاء . قال : وارجحها في نظري رواية موسى بن عقبة لموافقة سالم لها فهي أصح طرق الحديث
وحديث ابن عمر في البخاري .5974 و 2215 و2333 و3465 وتحت هذا الرقم شرح ابن حجر الحديث وجمع ألفاظه وطرقه جمعا لو حقق لخرج في جزء . ومسلم 2743 وراجع تحقيق المسند طبعة الرسالة 5973 فيه تخريج لأغلب طرق الحديث
تمهيد: “{زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث} [آل عمران 14] ثلاث شهوات طبع عليها الإنسان، وأمر أن يهذبها، وأن يخالف طبعه ليوافق شرعه: شهوة حب النساء، وشهوة حب الأولاد، وشهوة حب المال. وفي هذا الحديث مثل علينا في مقاومة هذه الشهوات والتغلب عليها والميل بها نحو [روح الإيمان] والمبالغة للرقي بها تجاه المقربين.
الكلام حول الحديث دراية :
الأول: شرح الحديث: روى الإمام البخاري ومسلم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ((بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ ، فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهَا ، لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ : اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ ، وَامْرَأَتِي ، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ ، حَلَبْتُ ، فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ ، فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِيَّ ، وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ ، فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا ، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ ، فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا ، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً ، نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ ، فَفَرَجَ اللَّهُ مِنْهَا فُرْجَةً ، فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ ، وَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ ، وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا ، فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ ، فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ ، فَجِئْتُهَا بِهَا ، فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا ، قَالَتْ : يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ، وَلَا تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ ، فَقُمْتُ عَنْهَا ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً ، فَفَرَجَ لَهُمْ ، وَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ : أَعْطِنِي حَقِّي ، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ ، فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا ، فَجَاءَنِي فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَظْلِمْنِي حَقِّي ، قُلْتُ : اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا ، فَخُذْهَا فَقَالَ : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلْتُ : إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ ، خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا ، فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ ، فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِيَ ، فَفَرَجَ اللَّهُ مَا بَقِيَ)). [صحيح البخاري كتاب الأدب باب إجابة دعاء من بر والديه حديث رقم(5653)، صحيح مسلم، كِتَابُ الرِّقَاقِ، بَابُ قِصَّةِ أَصْحَابِ الْغَارِ الثَّلَاثَةِ وَالتَّوَسُّلِ بِصَالِحِ الْأَعْمَالِ، حديث رقم (5055)، وللفظ له].
(بَيْنَما ثَلاثَةُ نَفَرٍ) الإضافة فيه بيانيّة [«المرقاة» ١٤/ ٢١٦]، و«النفر»: بفتحتين: جماعة الرجال من ثلاثة إلى عشرة، وقيل: إلى سبعة، ولا يقال: نفر فيما زاد على العشرة، قاله
الفيّوميّ – رحمه الله – [«المصباح المنير» ٢/ ٦١٧].
قال الحافظ – رحمه الله -: لَمْ أقف على اسم واحد منهم، وفي حديث عقبة بن عامر عند الطبرانيّ في «الدعاء»: «أن ثلاثة نفر من بني إسرائيل» (يَتَمَشَّوْنَ) وفي رواية: «يمشون»، وفي أخرى: «يتماشون»؛ أي: يسيرون في طريق، – وفي حديث عقبة، وكذا في حديث أبي هريرة، عند ابن حبان، والبزار: «أنهم خرجوا يرتادون لأهليهم». (أخَذَهُمُ المَطَرُ)؛ أي: نزل عليهم بكثرة، مما الجاهم إلى البحث عما يُكنّهم، (فَأوَوْا) يجوز قصر ألف «أووا»، ومدّها؛ أي: انضمّوا إلى الغار، وجعلوه لهم مأوى. (إلى غارٍ) الغار: النَّقْب في الجبل، وفي حديث أنس عند أحمد، وأبي يعلي، والبزار، والطبرانيّ: «فدخلوا غارًا، فسقط عليهم حجر، متجاف، حتى ما يرون منه خصاصة»، وفي رواية سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه: «حتى أووا المبيت إلى غار» كذا للبخاريّ، ولمسلم من هذا الوجه: «حتى آواهم المبيت» وهو أشهر في الاستعمال، والمبيت في هذه الرواية منصوب على المفعولية، وتوجيهه أن دخول الغار مِن فِعلهم، فحَسُن أن يُنسب الإيواء إليهم. (فِي جَبَلٍ)؛ أي: في غار كائن في جبل،
(فانْحَطَّتْ)؛ أي: نزلت، ووقعت (عَلى فَمِ غارِهِمْ صَخْرَةٌ)؛ أي: حجر كبير،
(مِنَ الجَبَلِ، فانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ)؛ أي: أغلقت عليهم باب الغار، وغطّتهم، وفي رواية للبخاريّ: «فانطبقت عليهم»، وفيه حذف المفعول، والتقدير: نفسها، أو المَنفَذ، ويؤيده أن في رواية سالم: «فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل، فسدَّت عليهم الغار»، زاد الطبرانيّ في حديث النعمان بن بشير من وجه آخر:
«إذ وقع حجر من الجبل، مما يهبط من خشية الله، حتى سَدَّ فم الغار». (فَقالَ بَعْضُهُمْ)؛ أي: بعض«النفر، (لِبَعْضٍ: انْظُرُوا)؛ أي: تفكَّروا، وتذكّروا (أعْمالًا عَمِلْتُمُوها صالِحَةً) وفي رواية:»خالصة«، (للهِ، فادْعُوا اللهَ تَعالى بِها)؛ أي: بتلك الأعمال الصالحة، وبجعلها شفيعة، ووسيلة إلى إجابة الدعوة، وفي رواية للبخاريّ:»فلْيَدْع كلّ رجل منكم بما يَعلم أنه قد صدق فيه«، وفي رواية له: ادعوا الله بأفضل عمل عملتموه»، وفي رواية: «إنه لا ينجيكم إلّا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم»، وفي حديث أبي هريرة وأنس جميعًا: «فقال بعضهم لبعض:
عفا الأثر، ووقع الحجر، ولا يَعلم بمكانكم إلّا الله، ادعوا الله بأوثق أعمالكم».
وفي حديث عليّ عند البزار: «تفكروا في أحسن أعمالكم، فادعوا الله بها، لعل الله يفرّج عنكم».وفي حديث النعمان بن بشير: «إنكم لن تجدوا شيئًا خيرًا من أن يدعو كلّ امرئ منكم بخير عمل عمله قط».
(لَعَلَّ اللهَ) وفي نسخة: «لعله»؛ أي: على رجاء أنه تعالي، أو لكي (يُفرِّجُها عَنْكُمْ) بضمّ حرف المضارعة، وتشديد الراء المكسورة، من التفريج، ويَحْتَمل أن يكون بفتح أوله، وكسر ثالثه، ففي «القاموس»[»القاموس«ص ٩٨٢]: فَرَجَ اللهُ الغمَّ يَفْرِجه: كشفه، كفَرَّجه، وفي «المصباح»[»المصباح المنير«٢/ ٤٦٦]: فرّج الله الغمّ بالتشديد: كشفه، والاسم: الفَرَج بفتحتين، وفَرَجه فَرْجًا، من باب ضرب لغةٌ، وقد جمع الشاعر اللغتين، فقال [من البسيط]:يا فارجَ الكَرْبِ مَسْدُولًا عَساكِر … كَما يُفَرِّجُ غَمَّ الظُّلْمَةِ الفَلَقُ
والمعنى: يزيل هذه الصخرة، أو يكشف هذه الكربة
(فَقالَ أحَدُهُمُ)، أي: أحد الثلاثة، (اللَّهُمَّ) قال في «العمدة»: اعلم أن لفظ «اللَّهُمَّ» يُستعمل في كلام العرب على ثلاثة أنحاء:
أحدها: للنداء المحض، وهو ظاهر.
والثاني: للإيذان بنُدرة المستثني، كقولك بعد كلام: اللَّهُمَّ إلّا إذا كان
كذا.
والثالث: ليدل على تيقن المجيب في الجواب المقترن هو به، كقولك لمن قال: أزيدٌ قائم: اللَّهُمَّ نعم، أو: اللَّهُمَّ لا، كأنه يناديه تعالى مستشهدًا على ما قال من الجواب، و«اللَّهُمَّ» هذا هنا من هذا القبيل. انتهى [»عمدة القاري” ١٢/ ٢٤].
(إنَّهُ) الضمير للشأن، وهو الضمير الذي تفسّره الجملة بعده، كما قال ابن
مالك في «الكافية»:
ومُضْمَرُ الشَّأْنِ ضَمِيرٌ فُسِّرا … بِجُمْلَةٍ كَإنَّهُ زيدٌ قَرا
(كانَ لِي والِدانِ) وفي رواية: «أبوان»، وهو من باب التغليب؛ لأنّ المقصود الأب والأمّ. (شَيْخانِ كَبِيرانِ) وفي حديث عليّ: «أبوان ضعيفان، فقيران، ليس لهما خادم، ولا راع، ولا وليّ غيري، فكنت أرعى لهما بالنهار، وأوي إليهما بالليل»، (وامْرَأتِي)؛ أي: زوجتي، (وليَ صِبْيَةٌ) بكسر الصاد، وسكون الموحّدة: جمع صبيّ؛ أي: ولي أيضًا أطفال (صِغارٌ، أرْعى عَلَيْهِمْ)
قال ابن الملك: أي: أرعى ماشيتهم، قال الجوهريّ: يقال: فلان يرعى على أبيه؛ أي: يرعى غنمه. اهـ. قال القاري: والتحقيق ما ذكره الطيبيّ من أن الرعي ضُمِّن معنى الإنفاق، فعُدّي بـ «على»؛ أي: أُنفق عليهم، راعيًا الغنيمات، وكذا قوله: «فإذا رُحت عليهم» ضُمّن معنى رَدَدْت؛ أي: إذا رددت الماشية من المرعى إلى موضع مبيتهم[»الكاشف عن حقائق السنن«١٠/ ٣١٦٩، و»المرقاة«١٤/ ٢١٦].
(فَإذا أرَحْتُ عَلَيْهِمْ) من الإراحة، وفي رواية: «فإذا رُحت»، يُقال: أراح فلان الإبلَ: ردَّها إلى المُراح بالضمّ، وهو المأوى [»القاموس«ص ٥٤٥]، وقال النوويّ – رحمه الله -: معناه: إذا رددت الماشية من المرعى إليهم، وإلى موضع مبيتها، وهو مُراحها بضم الميم، يقال: أرحت الماشيةَ، ورَوّحتها بمعنى. انتهى [»شرح النوويّ” ١٧/ ٥٦].
وقوله: (حَلَبْتُ) جواب «إذا»؛ أي: حلبت الإبل التي تلي لها حلب، وفي رواية: «فحلبت، بدأت بوالديّ»، وعليه «فحلبت» عطف على «رحت»، وجواب«إذا» قوله: «بدأت». (فَبَدَأْتُ بِوالِدَيَّ، فَسَقَيْتُهُما) من السقي، كما في قوله تعالى: «﴿وسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَرابًا طَهُورًا﴾ [الإنسان ٢١]، ويقال: أسقيتهما، بالألف، كما في قوله تعالى: ﴿لَأسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقًا﴾ [الجن ١٦]. (قَبْلَ بَنِيَّ) بفتح الموحّدة، وكسر النون، وتشديد التحتانيّة، أصله: بنين لي، جمع ابن، على غير قياس؛ لأنه لَمْ يستوف شروط جمع المذكّر السالم، كما هو معروف في محلّه، ثم حُذفت اللام تخفيفًا، ثم النون للإضافة، ثم أضيف، فأُدغمت الياء في الياء، فصار: بَنِيّ، وفي رواية:»قبل ولدي«بفتحتين، وبضم الواو، وسكون اللام؛ أي: أولادي. (وإنَّهُ) بكسر الهمزة، والضمير للشأن أيضًا، (نَأى بِي)؛ أي: بَعُدَ عليّ، وقال النوويّ – رحمه الله -: قوله:»نأى بي«وفي بعض النسخ:»ناء بي«، فالأول يَجعل الهمزة قبل الألف، وبه قرأ أكثر القراء السبعة، والثاني عكسه، وهما لغتان، وقراءتان، ومعناه: بَعُدَ.
(ذاتَ يَوْمٍ)؛ أي: يومًا من الأيام، (الشَّجَرُ)؛ أي: طلب الشجر الذي ترعاه الإبل، والمراد أنه استطرد مع غنمه في الرعي إلى أن بَعُد عن مكانه زيادةً على العادة، فلذلك أبطأ.
وقال في «العمدة»: قوله: «نأى بي الشجر» بالشين المعجمة، والجيم، عند أكثر الرواة، ومعناه: تباعد عن مكان الشجر التي ترعاها مواشينا.
انتهى[«عمدة القاري» ٢٢/ ٨٦].
وفي حديث عليّ: «فإن الكلأ تناءى عليّ»؛ أي: تباعد، والكلأ: المرعي، (فَلَمْ آتِ) لِبُعد المرعى عنهم، (حَتّى أمْسَيْتُ)؛ أي: دخلت في وقت المساء، وتأخّرت (فَوَجَدْتُهُما)؛ أي: الوالدين، (قَدْ ناما)؛ أي: من الضعف، أو من غلبة الانتظار، وكثرة الإبطاء، (فَحَلَبْتُ كَما كُنْتُ أحْلُبُ)
بضم اللام، وكسرها، من بابي نصر، وضرب، على ما في «القاموس». (فَجِئْتُ) إليهما (بِالحِلابِ) بكسر أوله، وهو الإناء الذي يُحلب فيه، قيل: وقد يراد بالحلاب هنا: اللبن المحلوب، ذكره الطيبيّ، فيكون مجازًا من ذِكر المحلّ وإرادة الحالّ، قال القاري: والأظهر أنه أتى بالحلاب الذي فيه المحلوب استعجالًا[«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» ١٤/ ٢١٨]
وقال النوويّ: الحلاب بكسر الحاء: هو الإناء الذي يُحلب فيه، يسع حَلْبة ناقة، ويقال له: المحلب بكسر الميم، قال القاضي: وقد يريد بالحلاب هنا: اللبن المحلوب. انتهى[«شرح النوويّ» ١٧/ ٥٦].
(فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِما) وقوله: (كرَهُ) بفتح الراء، من باب تَعِبَ، والجملة مستأنفة، أو حاليّة. (أنْ أُوقِظَهُما مِن نَوْمِهِما)؛ أي: لمشقّة ذلك عليهما، (وأكْرَهُ أنْ أسْقِيّ) تقدّم أنه بفتح حرف المضارعة، وضمه، مضارع سقي، وأسقي، ثلاثيًّا، ورباعيًّا. (الصِّبْيَةَ قَبْلَهُما)؛ أي: قبل الوالدين، وقوله:
(والصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ) جملة في محلّ نصب على الحال، و«يتضاغون» بفتح الغين المعجمة؛ أي: يَضِجّون، ويصيحون [»مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح«١٤/ ٢١٨]، زاد في رواية البخاريّ: «من الجوع»؛ أي: بسبب الجوع، قال في «الفتح»: وفيه ردّ على من قال: لعل الصياح كان بسبب غير الجوع. انتهى [»الفتح«٨/ ١١٦،»كتاب أحاديث الأنبياء«رقم (٣٤٦٥)].
وقال في «العمدة»: قوله: «يتضاغون» بالضاد وبالغين المعجمتين؛ أي: يصيحون، من ضَغا: إذا صاح، وكل صوت ذليل مقهور يسمى ضَغْوًا، تقول: ضغا يضغو ضغوًا، وضغاءً، وقال الداوديّ: «يتضاغون»؛ أي: يبكون، ويتوجعون، قيل: نفقة الأولاد مقدّمة على نفقة الأصول، وأجيب: بأن دِينهم لعله كان بخلاف ذلك، أو كانوا يطلبون الزائد على سدّ الرمَق، أو كان صياحهم لغير ذلك. انتهى [»عمدة القاري«٢٢/ ٨٦].
(عِنْدَ قَدَمَيَّ) بفتح الميم، وتشديد الياء، وُيروى بالكسر، والتخفيف، (فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ)؛ أي: ما ذُكر من الوقوف وغيره، (دَأْبِي ودَأْبَهُمْ) بالنصب،
قال القاري: وفي نسخة بالرفع؛ أي: عادتي، وعادتهم، والضمير للوالدين، والصبية [»مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح«١٤/ ٢١٨].
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: الدأب: الحال اللازمة، والعادة المتكررة. انتهى[»المفهم” ٧/ ٦٤]
(حَتّى طَلَعَ الفَجْرُ) انشق الصبح، وظهر نوره.
وفي رواية للبخاريّ: «وكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما، فيستَكِنا لِشَرْبتهما»: أما كراهته لإيقاظهما فظاهر؛ لأنّ الإنسان يَكره أن يُوقَظ من نومه، ووقع في حديث عليّ: «ثم جلست عند رؤوسهما بإنائي كراهية أن أزرقهما، أو أوذيهما»، وفي حديث أنس: «كراهية أن أردّ وسَنَهما»، وفي حديث ابن أبي أوفى: «وكرهت أن أوقظهما من نومهما، فيشقّ ذلك عليهما«، وأما كراهته أن يدَعَهما فقد فسره بقوله:»فيستكنا لشربتهما«؛ أي: يضعفا؛ لأنه عشاؤهما، وتَرْك العشاء يُهْرِم. وقوله:»يستكنا«من الاستكانة، وقوله:»لِشُربتهما«؛ أي: لعدم شربتهما، فيصيران ضعيفين، مسكينين، والمسكين الذي لا شيء له. انتهى[»الفتح«٨/ ١١٦]
(فَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ) قال في»الفتح«: فيه إشكال؛ لأنّ المؤمن يَعلم قطعًا أن الله يعلم ذلك.
وأجيب بأنه تردد في عمله ذلك، هل له اعتبار عند الله أم لا؟ وكأنه قال: إن كان عملي ذلك مقبولًا، فأجب دعائي، وبهذا التقرير يظهر أن قوله:
»اللَّهُمَّ«على بابها في النداء، وقد تَرِد بمعنى تحقق الجواب، كمن يسأل آخر عن شيء، كأن يقول: رأيت زيدًا، فيقول: اللَّهُمَّ نعم، وقد تَرِد أيضًا لندرة المستثني، كأن يقول شيئًا، ثم يستثني منه، فيقول: اللَّهُمَّ إلّا إن كان كذا. انتهى. [»الفتح«٨/ ١١٣]
(أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغاءَ وجْهِكَ)؛ أي: طلبًا لمرضاتك، وانتصاب»ابتغاءَ« على أنّه مفعول له؛ أي: لأجل ابتغاء وجهك. وفي رواية للبخاريّ:»أني فعلت ذلك من خشيتك«، ووقع في حديث عليّ عند الطبرانيّ:»من مخافتك، وابتغاء مرضاتك«، وفي حديث النعمان:»رجاء رحمتك، ومخافة عذابك«،
(فافْرُجْ) بوصل الهمزة، وضم الراء، من فرج يفرُج الثلاثيّ، وضبطه بعضهم بهمزة قطع، وكسر الراء، من أفرج الرباعي. (لَنا مِنها فرْجَةً) بضمّ الفاء، وفَتْحها، وقال في»العمدة«: قوله:»فرجة«بضم الفاء، من فرجة الحائط، وهو المراد هنا، وأما الفَرْجة بالفتح، فهي عن الكرب والهم. انتهى [»عمدة القاري«٢٢/ ٨٦]
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: الفرجة بضم الفاء؛ لأنّه من السعة، فإذا كان بمعنى الراحة قلت فيه: فَرْجة، وفَرَجٌ، وفِعل كلّ واحد منهما فَرَج بالفتح، والتخفيف، يَفْرُج بالضم لا غير. انتهى[»المفهم” ٧/ ٦٤]
وقال في»العمدة«: قوله:»فافرج لنا«أمْر من فَرَج يَفرُج، من باب نصر ينصر، وقال ابن التين: هو بضم الراء في أكثر الأمهات، وقال الجوهريّ: إنه بكسرها، وهو دعاء في حورة الأمر، قال: وقوله:»فرجة«بضم الفاء، وفتحها، والفرجة في الحائط كالشقّ، والفرجة: انفراج الكروب، وقال النحاس: الفرجة بالفتح في الأمر، والفرجة بالضم فيما يُرى من الحائط ونحوه، قال العينيّ: الفرجة هنا بالضم قطعًا على ما لا يخفى. انتهى [»عمدة القاري«١٢/ ٢٥].
قوله: متن باب نصر ينصر هذا مخالف لِما في »الصحاح«، و»القاموس«، و»شرحه«، و»المصباح«، فقد ضُبط في كلها من باب ضرب، لا من باب نصر، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
وقوله: (نَرى مِنها السَّماءَ) جملة في محلّ نصب صفة لـ»فرجةً«، وفيه تقييد لأطلاق قوله في رواية أخرى:»ففَرِّج عنا ما نحن فيه«. (فَفَرَجَ) بتخفيف الراء، وتشديدها، (اللهُ مِنها فُرْجَةً، فَرَأوْا مِنها السَّماءَ) ووقع في رواية للبخاريّ بلفظ:»فانساخت عنهم الصخرة«؛ أي: انشقت، وأنكره الخطابيّ؛ لأنّ معنى انساخ بالمعجمة: غاب في الأرض، ويقال: انصاخ بالصاد المهملة، بدل السين؛ أي: انشق من قِبَل نفسه، قال: والصواب: انساحت، بالحاء المهملة؛
أي: اتسعت، ومنه ساحة الدار، قال: وانصاح بالصاد المهملة بدل السين؛ أي: تصدع، يقال ذلك للبرق.
وتعقّبه الحافظ، فقال: الرواية بالخاء المعجمة صحيحة، وهي بمعنى انشقّت، وإن كان أصله بالصاد، فالصاد قد تُقلب سينًا، ولا سيما مع الخاء المعجمة، كالصخر والسخر، ووقع في حديث سالم:»فانفرجت شيئًا، لا يستطيعون الخروج«، وفي حديث النعمان بن بشير:»فانصدع الجبل، حتى رأوا الضوء«وفي حديث عليّ:»فانصدع الجبل، حتى طمعوا في الخروج، ولم يستطيعوا«، وفي حديث أبي هريرة وأنس:»فزال ثلث الحجر«[»الفتح” ٨/ ١١٥ – ١١٦].
(وقالَ الآخَرُ) وفي رواية:»وقال الثاني«، (اللَّهُمَّ إنَّهُ)؛ أي: الشأن، قال الطيبيّ – رحمه الله -: ذكّر ضمير الشأن، والمذكور في التفسير مؤنث، وهذا يدلّ على جواز ذلك. انتهى.
وقال الحافظ: وقع في كلام الأول: «اللَّهُمَّ إنه»، والثاني: «اللَّهُمَّ إنها»، والثالث: «اللَّهُمَّ إني»، وهو من التفنن، و«إنه» في الأول ضمير الشأن، وفي الثاني للقصة، ناسب ذلك أن القصة في امرأة. انتهى.
قال القاريّ: فهذا الكلام يدلّ على أنّ رواية البخاريّ وقعت «إنها» في كلام الثاني، خلاف «المشكاة» ذكره ميرك، والظاهر أن عبارة «المشكاة» مأخوذة من مسلم لفظًا، ويكون قوله: متَّفقٌ عليه معنًى. انتهى[«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» ١٤/ ٢١٩]
(كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمٍّ، أحْبَبْتُها) وفي رواية البخاريّ: «من أحبّ الناس إليّ». قال في «الفتح»: هو مقيد لإطلاق رواية سالم حيث قال فيها: «كانت أحب الناس إليّ». انتهى. (كَأشَدِّ) الكاف زائدة، أو أراد تشبيه محبته بأشدّ المحبات، (ما يُحِبُّ الرِّجالُ النِّساءَ) قال القاري: أي: حبًّا شديدًا، نحو قوله تعالى: ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ [البقرة ١٦٥]، وقال الطيبيّ – رحمه الله -: يجوز أن يكون صفة مصدر محذوف، و«ما» مصدرية؛ أي: أُحبّها حبًّا مثل
أشدّ حب الرجال النساء، أو حالا؛ أي: أحبها مشابهًا حبي أشدّ
حب الرجال النساء، ونظيره قوله تعالى: ﴿يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أوْ أشَدَّ خَشْيَةً﴾
[النساء ٧٧]، فإن قوله تعالى: ﴿أوْ أشَدَّ خَشْيَةً﴾ حال على تقدير:
مشبّهين أشد خشية من أهل خشية الله. انتهى[«الكاشف عن حقائق السنن» ١٠/ ٣١٧٠].
(وطَلَبْتُ إلَيْها نَفْسَها) فيه تضمين معنى الإرسال؛ أي: أرسلت إليها طالبًا نفسها، قاله القاري. (فَأبَتْ) وفي رواية موسى بن عقبة: «فقالت: لا ينال ذلك منها حتى». (حَتَّى آتِيَها بِمِائَةِ دِينارٍ،) بنصب «آتي»؛ لكونه مستقبلًا، قال القاري: وفي نسخة بالسكون على حكاية الحال الماضية؛ أي: أجيئها.
وأشار بهذا القاري – رحمه الله – إلى قاعدة أن ما بعد «حتى» إذا كان مستقبلًا يُنصب، وإن كان حالًا، أو مؤوّلًا به يُرفع، وإلى هذه القاعدة أشار ابن مالك في «الخلاصة» حيث قال:
وتلْوَ «حَتّى» حالًا اوْ مُؤَوَّلا … بِهِ ارْفَعَنَّ وانْصِبِ المُسْتَقْبَلا
هذا كلّه إن صحّت الرواية بالنصب، والرفع، وإلا فما صحت به هو المتعيّن، فتنبّه، والله تعالى أعلم.
وفي رواية للبخاريّ:»إلّا أن آتيها بمائة دينار«، وفي رواية سالم الآتية: »فأعطيتها عشرين ومائة دينار«، ويُحْمَل على أنّها طلبت منه المائة، فزادها هو من قِبَل نفسه عشرين، أو الغى غير سالم الكسر، ووقع في حديث النعمان، وعقبة بن عامر:»مائة دينار«، وأبهم ذلك في حديث عليّ، وأنس، وأبي هريرة، وقال في حديث ابن أبي أوفى:»مالًا ضَخْمًا«.
(فَتَعِبْتُ) وفي رواية:»فسعيت«، (حَتّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينارٍ، فَجِئْتُها بِها) وفي رواية:»فلقيتها بها«، (فَلَمّا وقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْها)؛ أي: جلست مجلس الرجل الذي يريد الجماع، وفي رواية سالم الآتية:»حتى إذا قدرت عليها«، زاد في حديث ابن أبي أوفى:»وجلست منها مجلس الرجل من المرأة«، وفي حديث النعمان بن بشير:»فلما كشفتها«، وبيَّن في رواية سالم سبب إجابتها بعد امتناعها، فقال:»فامتنعت مني حتى ألمّت بها سَنَة – أي: سنة قحط – فجاءتني، فأعطيتها«، وُيجمع بينه وبين رواية نافع بأنها امتنعت أوّلًا عِفّةً، ودافعت بطلب المال، فلما احتاجت أجابت [»الفتح«٨/ ١١٥ – ١١٧].
(قالَتْ: يا عَبْدَ اللهِ) يحتمل الاسمية، والوصفية، (اتَّقِ اللهَ)؛ أي: عذابه، أو مخالفته، (ولا تَفْتَحِ الخاتَمَ) بفتح التاء، وهو كناية عن البكارة، (إلّا بِحَقِّهِ)؛ أي: بالنِّكاح الحلال، لا بالزنا، وفي رواية البخاريّ:»ولا تفضّ الخاتم إلّا بحقّه«. قال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله:»لا تففق الخاتم إلّا بحقِّه«، الفضّ: الكسر، والفتح، والخاتم: كناية عن الفرج، وعُذرة البكارة، وحقّه: التزويج المشروع. انتهى[»المفهم” ٧/ ٦٥].
قال في»الفتح«: قوله:»ولا تفضّ«بالفاء، والمعجمة؛ أي: لا تكسر، والخاتم كناية عن عُذرتها، وكأنها كانت بكرًا، وكنَّت عن الأفضاء بالكسر، وعن الفرج بالخاتم؛ إلّا أن في حديث النعمان ما يدلّ على أنّها لَمْ تكن بكرًا.
ووقع في رواية أبي ضمرة:»ولا تفتح الخاتم«والألف واللام بدل من الضمير؛ أي: خاتمي، ووقع كذلك في حديث أبي العالية، عن أبي هريرة، عند الطبرانيّ في «الدعاء» بلفظ: «إنه لا يحلّ لك أن تفضّ خاتمي إلّا بحقه».
وقولها: «بحقه» أرادت به الحلال؛ أي: لا أُحل لك أن تقربني إلّا بتزويج صحيح.
ووقع في حديث عليّ: «فقالت: أُذَكِّرك الله أن تركب مني ما حَرَّم الله عليك، قال: فقلت: أنا أحقّ أن أخاف ربي».
وفي حديث النعمان بن بشير: «فلما أمكنتني من نفسها بكت، فقلت: ما يبكيك؟ قالت: فعلتُ هذا من الحاجة، فقلت: انطلقي».
وفي رواية أخرى عن النعمان: «أنّها ترددت إليه ثلاث مرات، تطلب منه شيئًا من معروفه، ويأبى عليها إلّا أن تُمَكِّنه من نفسها، فأجابت في الثالثة، بعد أن استأذنت زوجها، فأذِن لها، وقال لها: أغني عيالك، قال: فرجعت فناشدتني بالله، فأبيت عليها، فأسلمت إليّ نفسها، فلما كشفتها ارتعدت من تحتي، فقلت: ما لك؟ قالت: أخاف الله رب العالمين، فقلت: خِفْتيه في الشدّة، ولم أخَفْه في الرخاء، فتركتها».
وفي حديث ابن أبي أوفى: «فلما جلست منها مجلس الرجل من المرأة أُذكرت النار، فقمت عنها».
والجمع بين هذه الروايات ممكن والحديث يُفَسِّر بعضُه بعضًا. انتهى[«الفتح» ٨/ ١١٥ – ١١٨].
(فَقُمْتُ عَنْها)؛ أي: مُعرِضًا عن التعرض لها، (فَإنْ كُنْتَ) ووقع في رواية للبخاريّ في «الأدب» زيادة: «اللَّهُمَّ»، ولفظه: «اللَّهُمَّ، فإن كنت تعلم»، وفيه زيادة التضرع، قال الطيبيّ – رحمه الله -: الفاء في «فإن كنت» عاطفة على مقدَّر؛ أي:
اللَّهُمَّ فعلت ذلك، فإن كنت تعلم أني فعلت، ويجوز أن يكون «اللَّهُمَّ» مقحمة بين المعطوف والمعطوف عليه؛ لتأكيد الابتهال والتضرع إلى الله تعالي، فلا يقدَّر معطوف عليه، وهو الوجه، يدلّ عليه القرينة السابقة واللاحقة، وإنما كرر «اللَّهُمَّ» في هذه القرينة دون أختيها؛ لأنّ هذا المقام أصعب المقامات، وأشقّها، فإنه ردع لهوى النفس خوفًا من الله تعالي، ومقامه، قال الله تعالى:
﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى (٤٠) فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوى (٤١)﴾
[النازعات ٤٠، ٤١]، قال الشيخ أبو حامد: شهوة الفرج أغلب الشهوات على الإنسان، وأصعبها عند الهيجان على العقل، فمن ترك الزنا خوفًا من الله تعالى مع القدرة، وارتفاع الموانع، وتيسُّر الأسباب، لا سيما عند صدق الشهوة، نال درجة الصدّيقين. انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» ١٠/ ٣١٧٠].
(تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ)؛ أي: ما ذكر مما جرى بينه وبين هذه المرأة، (ابْتِغاءَ وجْهِكَ، فافْرُجْ لَنا مِنها)؛ أي: من هذه الكربة، أو الصخرة، ويمكن أن تكون «مِن» للتبعيض؛ أي: بعض الفرجة، وقوله: (فُرْجَةً)؛ أي: زيادة فرجة، (فَفَرَجَ لَهُمْ) بتخفيف الراء، ويجوز تشديدها.
(وقالَ الآخَرُ) قال القاري: بفتح الخاء، وفي نسخة بكسرها، ومالهما واحد، والثاني أدلّ على المقصود؛ أي: قال الرجل الثالث: (اللَّهُمَّ إنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أجِيرًا بِفَرَقِ أرُزٍّ) قال الطيبيّ – رحمه الله -: الفرق بفتح الراء: مكيال يسع ستة عشر رطلًا، وهي اثنا عشر مُدًّا، وثلاثة آصع عند أهل الحجاز[ «الكاشف عن حقائق السنن» ١٠/ ٣١٧٠]
وفي «القاموس»: الفَرْق – بفتح، فسكون -: مكيال بالمدينة يسع ثلاثة آصع، ويُحَرَّك، أو هو أفصح، أو يسع ستة عشر رطلًا، أو أربعة أرباع. انتهى[«القاموس المحيط» ص ٩٩١]
وفي «النهاية»: الفَرَق بالتحريك: مكيال يسع ستة عشر رطلًا، وبالسكون مائة وعشرون رطلًا، وفي رواية: «بفرق ذُرَة»، فيُجمع بأن الفرق كان من صنفين[«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» ١٤/ ٢٢١].
وقال في «العمدة»: الفرَق بفتح الراء، وسكونها: مكيال يسع ثلاثة آصع، وقال ابن قرقول: رويناه با لإسكان، والفتح، عن أكثر شيوخنا، والفتح أكثر، قال الباجيّ: وهو الصواب، وكذا قيدناه عن أهل اللغة، ولا يقال: فرق بالإسكان، ولكن فرق بالفتح، وكذا حكى النحاس، وذكر ابن دريد أنه قد قيل بالإسكان. انتهى[»عمدة القاري«١٢/ ٢٥].
و«الأرز» فيه ست لغات: فَتْح الألف، وضمّها، مع ضمّ الراء، وبضم الألف، مع سكون الراء، وتشديد الزاي، وتخفيفها، قاله في «الفتح». وفي «القاموس»: الأرُزّ كأشُدّ، وعُتُلّ، وقُفْلٍ، وطُنُب، ورُزّ، ورُنْز، وآرز ككابل، وأرُز، كعَضُد. انتهى.
قال في «الفتح» ما حاصله: ووقع في رواية: أنه فرق ذُرَة، ويَحْتَمِل أنه استأجر أكثر من واحد، وكان بعضهم بفرق ذرة، وبعضهم بفرق أرز، ويؤيد ذلك أنه وقع في رواية سالم: «استأجرت أجراء، فأعطيتهم أجرهم، غير رجل واحد، ترك الذي له وذهب»، وفي حديث النعمان بن بشير نحوه، ووقع في حديث عبد الله بن أبي أوفى عند الطبرانيّ في «الدعاء»: «استأجرت قومًا كلّ واحد منهم بنصف درهم، فلما فرغوا أعطيتهم أجورهم، فقال أحدهم: والله لقد عملت عمل اثنين، والله لا آخذ إلّا درهمًا، فذهب، وتركه، فبذرت من ذلك النصف درهم … الخ»، ويُجمع بينهما بأن الفرق المذكور كانت قيمته نصف درهم إذ ذاك. انتهى[الفتح” ٨/ ١١٣ – ١١٤].
(فَلَمّا قَضى عَمَلَهُ)؛ أي: عَمِل عَمَله، وانتهى أجله، (قالَ: أعْطِني حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ، فَرَغِبَ عَنْهُ)؛ أي: أعرض عن أخذه، وكرهه؛ لمانع، أو باعث، وفي رواية للبخاريّ: «فذهب، وتركه»، قال في «الفتح»: في رواية موسى بن عقبة: «فأعطيته، فأبى ذاك أن يأخذ»، وفي حديث أبي هريرة:
«فعمِل لي نصف النهار، فأعطيته أجرًا فسخطه، ولم يأخذه»، ووقع في حديث النعمان بن بشير بيان السبب في تَرْك الرجل أجرته، ولفظه: «كان لي أجراء يعملون فجاءني عُمّال، فاستأجرت كلّ رجل منهم بأجر معلوم، فجاء رجل ذات يوم نصف النهار، فاستأجرته بشرط أصحابه، فعمل في نصف نهاره، كما عمل رجل منهم في نهاره كله، فرأيت عليّ في الذمام أن لا أنقصه مما استأجرت به أصحابه لِما جهد في عمله، فقال رجل منهم: تعطي هذا مثل ما أعطيتني؟ فقلت: يا عبد الله لَمْ أبخسك شيئًا من شرطك، وإنما هو مالي أحكم
فيه بما شئت، قال: فغضب، وذهب، وترك أجره».
وأما ما وقع في حديث أنس: «فأتاني يطلب أجره، وأنا غضبان، فزبرته، فانطلق، وترك أجره»، فلا ينافي ذلك، وطريق الجمع أن الأجير لمّا حَسَد الذي عمل نصف النهار، وعاتب المستأجِر غضب منه، وقال له: لَمْ أبخسك شيئًا … إلخ، وزبره، فغضب الأجير، وذهب.
ووقع في حديث عليّ: «وترك واحد منهم أجره، وزعم أن أجره أكثر [حاشية: هكذا النسخة، ولعله أقلّ، فليُحرر] من أجور أصحابه». انتهى.
قلت سيف بن دوره : المعنى مستقيم بلفظ ( أكثر ) إلا إذا أراد المحشي فقط الضبط
(فَلَمْ أزَلْ أزْرَعُهُ)؛ أي: أزرع ذلك الأرز، (حَتَّى جَمَعْتُ مِنهُ)؛ أي: من ذلك الأرز، أو من زَرْعه، (بَقَرًا ورِعاءَها)؛ أي: جمعت قيمتهما، فاشتريتهما. و«الرعاء» بكسر الراء، والمدّ: جَمْع راع، قال الفيّوميّ – رحمه الله -: رَعَتِ الماشيةُ تَرْعى رَعْيًا، فهي راعِيَةٌ: إذا سَرَحت بنفسها، ورَعَيْتُها أرْعاها، يُستعمل لازمًا ومتعديًا، والفاعل راع، والجمع رُعاةٌ بالضم، مثل قاضٍ وقُضاة، وقيل أيضًا: رِعاءٌ بالكسر والمدّ، ورُعْيانٌ، مثل رُغْفان. انتهى (٢).
وفي رواية للبخاريّ: «وإني عمدت إلى ذلك الفرق، فزرعته، فصار من أمره أن اشتريت منه بقرًا، وأنه أتاني يطلب أجره، فقلت له: اعمِد إلى تلك البقر، فسُقْها»، قال في «الفتح»: وفي رواية سالم: «فثمّرت أجره حتى كثرت منه الأموال – وفيه – فقلت له: كلّ ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق من أجرك»، قال الحافظ: ودلت هذه الرواية على أنّ قوله في رواية نافع: «اشتريت بقرأ» أنه لَمْ يُرِد أنه لَمْ يَشْتر غيرها، وإنما كان الأكثر الأغلب البقر، فلذلك اقتصر عليها.
وفي حديث أنس، وأبي هريرة جميعًا: «فجمعته، وثَمّرته، حتى كان منه كلّ المال -وقال فيه-: فأعطيته ذلك كله، ولو شئت لَمْ أعطه إلّا الأجر الأول».
ووقع في حديث عبد الله بن أبي أوفى: «أنه دفع إليه عشرة آلاف درهم»، وهو محمول على أنّها كانت قيمة الأشياء المذكورة.وفي حديث النعمان بن بشير: «فبذرته على حِدَة، فأضعفَ، ثم بذرته فأضعف، حتى كثر الطعام – وفيه – فقال: أتظلمني، وتسخر بي»، وفي رواية له: «ثم مرَّت بي بقر، فاشتريت منها فصيلة، فبلغت ما
شاء الله»، والجمع بينهما ممكن بأن يكون زرع أوّلًا، ثم اشترى من بعضه بقرة، ثم نُتِجَت. انتهى من الفتح باختصار [«الفتح» ٨/ ١١٣ – ١١٥].
والحديث يدلّ على جواز تصرف الفضولي في مال الغير على وجه النصيحة، وطريق الأمانة، وإرادة الشفقة، حيث استحسن – ﷺ – ذلك منه، فهو في حكم التقرير، لا يقال: لعلَّ هذا شَرْع من قبلنا، فإنه قد ورد نظيره في زمانه – ﷺ – حيث دفع قيمة كبش لبعض أصحابه، فاشتراه بها، فباعه بضعف ثمنه، واشترى كبشًا آخر، وأتى به مع قيمته، فدعا له بالبركة، قاله القاري – رحمه الله – [«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» ١٤/ ٢٢١].
(فَجاءَنِي، فَقالَ: اتَّقِ اللهَ، ولا تَظْلِمْنِي حَقِّي) ظاهر كلامه عنف، لكن باطنه حقّ ولطف. (قُلْتُ: اذْهَبْ إلى تِلْكَ البَقَرِ ورِعائِها) وفي رواية البخاريّ: «فقلت: اذهب إلى ذلك البقر، وراعيها»، قال الطيبيّ: «ذلك» إشارة إلى البقر باعتبار السواد المرئيّ، كما يقال: عند ذلك الإنسان، أو الشخص فعل كذا،
قال الذبيانيّ [من البسيط]:
نُبِّئْتُ نُعْمًا عَلى الهِجْرانِ عاتِبَةً … سَقْيًا ورَعْيا لِذاكَ العاتِب الرّازِي
وأنّث الضمير الراجع إلى البقر باعتبار جمعيّة الجنس. انتهى[«الكاشف عن حقائق السنن» ١٠/ ٣١٧٠].
(فَخُذْها، فَقالَ: اتَّقِ اللهَ، ولا تَسْتَهْزِئْ بِي) من استهزأ بفلان: إذا سخر منه، ولعله توهم أنه حصل له من كلامه «لا تظلمني» جَزَع مع إيهام قوله:
«اذهب إلى ذلك»، (فَقُلْتُ: إنِّي لا أسْتَهْزِئُ بِكَ، خُذْ ذَلِكَ البَقَرَ ورِعاءَها، فَأخَذَهُ)؛ أي: مجموع ما ذكر، وفي رواية: «فأخذها»؛ أي: كلها، (فَذَهَبَ بِهِ) قال ميرك عند قوله: «حتى جمعت بقرًا وراعيها»: وقع في رواية «الصحيح»:
»فثمّرت أجره حتى كثرت منه الأموال – وفيها – فقلت له: كلّ ما ترى من الإبل، والبقر، والغنم، والرقيق من أجرك – وفيها – فاستاقه، فلم يترك شيئًا« فدلت هذه الرواية على أنّ قوله في الرواية المذكورة:»جمعت بقرًا«أنه لَمْ يُرَدْ جَمْع البقر فقط، وإنما كان الأكثرَ الأغلبَ، فذلك اقتصر عليه، ووقع في بعض الروايات أنه دفع إليه عشرة آلاف درهم، وهو محمول على أنّها كانت قيمة الأشياء المذكورة، قال القاري: ولا بِدْعَ أن الدراهم من زوائد الفوائد، منضمة إليها، فإن البَركة توافي. انتهى[«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» ١٤/ ٢٢١]
(فَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغاءَ وجْهِكَ، فافْرُجْ لَنا ما بَقِيَ)؛ أي: من إطباق الباب، (ففَرَجَ اللهُ ما بَقِيَ»)
قال القاري: فإن قلت: رؤية الأعمال نقصان عند أهل الكمال، فما بال هذه الأحوال؟
قلت: فكأنهم توسلوا بما وقع له تعالى معهم من توفيق العمل الصالح المقرون بالإخلاص على أنّه ينجيهم من مضيق الهلاك إلى فضاء الخلاص، فكأنهم قالوا: كما أنعمت علينا بمعروفك أوَّلًا، فأتمّ علينا فضلك ثانيًا، فإنا لا نستغني عن كرمك أبدًا. انتهى[«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» ١٤/ ٢٢١]
قوله: «رؤية الأعمال نقصان» إن أراد رؤيتها من حيث إنه يمتنّ بها على الله تعالي، فهذا مسلّم؛ لأنّ المنّة له – عَزَّوَجَلَّ – لا للعبد، كما قال الله تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أنْ هَداكُمْ لِلْإيمانِ﴾
الآية [الحجرات ١٧]، وإن أراد أن الاعتداد بها، مع العلم بأنها من فضل الله ومشيئته، ثم تقديمها وسيلة إلى الله – عَزَّوَجَلَّ – نقصان، فهذا غير صحيح؛ فإن الله تعالى أضاف الأعمال إلى العباد، وأخبر بأنهم يجازيهم عليها، فقال: ﴿جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)﴾ [الواقعة ٢٤]، وأخبر أنّها من خَلْقه، فقال: ﴿واللَّهُ خَلَقَكُمْ وما تَعْمَلُونَ (٩٦)﴾ [الصافات ٩٦]، وما لتَشَأءُ ﴿وما تَشاءُونَ إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾
[التكوير ٢٩]، والله تعالى أعلم.
[تنبيه:] حديث عبد الله عمر – رضي الله عنهما – هذا متَّفقٌ عليه.
[تنبيه]: قال في «الفتح»: لَمْ يُخرج الشيخان هذا الحديث إلّا من رواية ابن عمر، وجاء بإسناد صحيح عن أنس، أخرجه الطبرانيّ في «الدعاء»، من وجه آخر حسن، وبإسناد حسن عن أبي هريرة، وهو في «صحيح ابن حبان»، وأخرجه الطبرانيّ من وجه آخر، عن أبي هريرة، وعن النعمان بن بشير، من ثلاثة أوجه حسان، أحدها عند أحمد، والبزار، وكلها عند الطبرانيّ، وعن عليّ، وعقبة بن عامر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وابن أبي أوفي، بأسانيد ضعيفة، وقد استوعب طرقه أبو عوانة في «صحيحه»، والطبرانيّ في «الدعاء».
واتفقت الروايات كلها على أنّ القصص الثلاثة في الأجير، والمرأة، والأبوين، إلّا حديث عقبة بن عامر، ففيه بدل الأجير أن الثالث: «قال: كنت في غنم أرعاها، فحضرت الصلاة، فقمت أصلي، فجاء الذئب، فدخل الغنم، فكرهت أن أقطع صلاتي، فصبرت حتى فرغت»، فلو كان إسناده قويًّا لَحُمل على تعدد القصة.
ووقع في رواية الباب من طريق عبيد الله العمريّ، عن نافع تقديم الأجير، ثم الأبوين، ثم المرأة، وخالفه موسى بن عقبة من الوجهين، فقدَّم الأبوين، ثم المرأة، ثم الأجير، ووافقته رواية سالم، وفي حديث أبي هريرة المرأة، ثم الأبوين، ثم الأجير، وفي حديث أنس الأبوين، ثم الأجير، ثم
المرأة، وفي حديث النعمان الأجير، ثم المرأة، ثم الأبوين، وفي حديث عليّ، وابن أبي أوفى معًا المرأة، ثم الأجير، ثم الأبوين، وفي اختلافهم دلالة على أنّ الرواية بالمعنى عندهم سائغةٌ شائعة، وأن لا أثر للتقديم والتأخير في مثل ذلك، قال الحافظ: وأرجحها في نظري رواية موسى بن عقبة؛ لموافقة سالم لها، فهي أصحّ طرق هذا الحديث، وهذا من حيث الإسناد، وأما من
حيث المعنى فيُنظر أيّ الثلاثة كان أنفع لأصحابه، والذي يظهر أنه الثالث؛ لأنّه هو الذي أمكنهم أن يخرجوا بدعائه، وإلا فالأول أفاد إخراجهم من الظُّلمة، والثاني أفاد الزيادة في ذلك، ها مكان التوسل إلى الخروج بأن يمر مثلًا هناك من يعالج لهم، والثالث هو الذي تهيأ لهم الخروج بسببه، فهو الأنفع لهم، فينبغي أن يكون عمل الثالث أكثر فضلًا من عمل الأخيرين، ويظهر ذلك من الأعمال الثلاثة، فصاحب الأبوين فضيلته مقصورة على نفسه؛
لأنه أفاد أنه كان بارًّا بأبويه، وصاحب الأجير نفعه متعدّ، وأفاد بأنه كان عظيم الأمانة، وصاحب المرأة أفضلهم؛ لأنه أفاد أنه كان في قلبه خشية ربه، وقد شهد الله لمن كان كذلك بأن له الجَنَّة، حيث قال: ﴿وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى (٤٠) فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوى (٤١)﴾ [النازعات ٤٠، ٤١]، وقد أضاف هذا الرجل إلى ذلك ترك الذهب الذي أعطاه للمرأة، فاضاف إلى النفع القاصر النفع المتعدي، ولا سيما، وقد قال: إنها كانت بنت عمه، فتكون فيه صلة رحم أيضًا، وقد تقدم أن ذلك كان في سنة قحط، فتكون الحاجة إلى ذلك أحري، فيترجح على هذا رواية عبيد الله، عن نافع، وقد جاءت قصة المرأة أيضًا أخيرة في حديث أنس، والله تعالى أعلم. انتهى ما في»الفتح«، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.
ثانيًا: فوائد الحديث:
١ – (منها): بيان فضل الإخلاص في العمل، وفضل برّ الوالدين، وفضل خدمتهما، وإيثارهما عمن سواهما من الأولاد والزوجة، وغيرهم، وتحمّل المشقة لأجلهما.
وقد استُشكل تَرْكه أولاده الصغار يبكون من الجوع طول ليلتهما، مع قدرته على تسكين جوعهم، فقيل: كان في شرعهم تقديم نفقة الأصل على غيرهم، وقيل: يَحْتَمِل أن بكاءهم ليس عن الجوع، وقد تقدم ما يردّه، وقيل: لعلهم كانوا يطلبون زيادة على سدّ الرمق، وهذا أولي، قاله في»الفتح«[»الفتح«٨/ ١١٨ – ١١٩ رقم (٣٤٦٥)]
٢ – (ومنها): بيان إجابة دعاء من برّ والديه، وقد عقد البخاريّ – رحمه الله – في »كتاب الأدب«من»صحيحه«، فقال:»باب إجابة دعاء من برّ والديه«، ثم أورد الحديث.
٣ – (ومنها): استحباب التوسّل بالأعمال الصالحة، قال النوويّ – رحمه الله -: استدلّ أصحابنا بهذا على أنّه يستحب للانسان أن يدعو في حال كربه، وفي دعاء الاستسقاء وغيره بصالح عمله، ويتوسل إلى الله تعالى به؛ لأنّ هؤلاء فعلوه، فاستجيب لهم، وذكره النبيّ – ﷺ – في معرض الثناء عليهم، وجميل فضائلهم. انتهى [»شرح النوويّ” ١٧/ ٥٦].
وقال في»الفتح«: في هذا الحديث استحباب الدعاء في الكرب، والتقرب إلى الله تعالى بذكر صالح العمل، واستنجاز وعده بسؤاله، واستَنبط منه بعض الفقهاء استحباب ذِكر ذلك في الاستسقاء.
واستشكله المحبّ الطبريّ؛ لِما فيه من رؤية العمل، والاحتقار عند السؤال في الاستسقاء أولى؛ لأنه مقام التضرع.
وأجاب عن قصة أصحاب الغار بأنهم لَمْ يستشفعوا بأعمالهم، وإنما سألوا الله إن كانت أعمالهم خالصة، وقُبلت أن يجعل جزاءها الفرج عنهم.
قال الحافظ: فتضمن جوابه تسليم السؤال، لكن بهذا القيد، وهو حسن، وقد تعرّض النوويّ لهذا، فقال في»كتاب الأذكار«:»باب دعاء الإنسان، وتوسله بصالح عمله إلى الله«، وذَكَر هذا الحديث، ونقل عن القاضي حسين وغيره استحباب ذلك في الاستسقاء، ثم قال: وقد يقال: إن فيه نوعًا من ترك الافتقار المطلق، ولكن النبيّ – ﷺ – أثنى عليهم بفعلهم، فدلّ على تصويب فِعلهم.
وقال السبكي الكبير: ظهر لي أن الضرورة قد تُلجئ إلى تعجيل جزاء بعض الأعمال في الدنيا، وأن هذا منه، ثم ظهر لي أنه ليس في الحديث رؤية عمل بالكلية؛ لقول كلّ منهم: إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فلم يعتقد أحد منهم في عمله الإخلاص، بل أحال أمره إلى الله، فلما لَمْ يجزموا بالإخلاص فيه، مع كونه أحسن أعمالهم، فغيره أولي، فيستفاد منه أن الذي يصلح في مثل هذا أن يعتقد الشخص تقصيره في نفسه، ويسيء الظن بها، ويبحث عن كلّ واحد من عمله يظن أنه أخلص فيه، فيفوّض أمره إلى الله، ويعلّق الدعاء على علم الله به، فحينئذ يكون إذا دعا راجيًا للإجابة، خائفًا من الردّ، فإن لَمْ يغلب على ظنه إخلاصه، ولو في عمل واحد، فليقف عند حدّه، ويستحي أن يسأل بعمل ليس بخالص، قال: وإنما قالوا: ادعوا الله بصالح أعمالكم في أول الأمر، ثم عند الدعاء لَمْ يطلقوا ذلك، ولا قال واحد منهم:
أدعوك بعملي، وإنما قال: إن كنت تعلم، ثم ذكر عمله. انتهى ملخصًا.
قال الحافظ: وكأنه لَمْ يقف على كلام المحبّ الطبريّ الذي ذكرته فهو السابق إلى التنبيه على ما ذكر، والله أعلم. انتهى[«الفتح» ٨/ ١١٨ – ١١٩ رقم (٣٤٦٥)].
٤ – (ومنها): بيان فضل العفاف، والانكفاف عن المحرمات، لا سيما بعد القدرة عليها، والهمّ بفعلها، وترْكها لله تعالى خالصًا، وأن ترك المعصية يمحو مقدمات طلبها، وأن التوبة تَجُبّ ما قبلها.
٥ – (ومنها): بيان جواز الإجارة، وفضل حسن العهد، وأداء الأمانة، والسماحة في المعاملة.
٦ – (ومنها): بيان جواز الإجارة بالطعام المعلوم بين المتآجرين.
٧ – (ومنها): بيان فضل أداء الأمانة، وإثبات الكرامة للصالحين بإجابة دعائهم، وغيره، قال القاري – رحمه الله -: لا خلاف في جواز استجابة الدعاء للوليّ وغيره ما عدا الكافر، فإن فيه خلافًا، لكنه ضعيف؛ لاستجابة دعاء إبليس، والاستدلالُ بقوله تعالى: ﴿وما دُعاءُ الكافِرِينَ إلّا فِي ضَلالٍ﴾ [الرعد ١٤] غير صحيح؛ لأنه ورد في دعاء الكفار في النار، بخلاف الدنيا، فإنه ورد أنه – ﷺ – قال: «اتق دعوة المظلوم، وإن كان كافرًا، فإنه ليس دونها حجاب» [حديث حسن، راجع: «السلسلة الصحيحة» للشيخ الألبانيّ – رحمه الله – ٢/ ٣٩٥]، على ما رواه أحمد وغيره عن أنس، فمثل هذا لا يُعَدّ من كرامات الأولياء؛ لأنّ
الكرامة من أنواع خوارق العادة. انتهى كلام القاري – رحمه الله – [»مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح«١٤/ ٢٢٤]، وهو بحث مفيدٌ،والله تعالى أعلم.
٨ – (ومنها): استدل به على جواز بيع الفضوليّ، وهو مذهب الحنفيّة، وبعض أهل العلم، قال الطيبيّ – رحمه الله -: وتمسَّك به أصحاب أبي حنيفة وغيرهم، ممن يجيز بيع الإنسان مال غيره، والتصرف فيه بغير إذنه، إذا أجازه المالك بعد ذلك.
وأجاب أصحابنا بأن هذا إخبار عن شرع من قبلنا، وفي كونه شرعًا لنا خلاف، فإن قلنا: إنا متعبدون به، فهو محمول على أنّه استأجره في الذمّة، ولم يسلم إليه، بل عَرَضه عليه، فلم يقبضه، فلم يتعين، ولم يَصِرْ ملكه،
فالمستأجر قد تصرف في ملك نفسه، ثم تبرع بما اجتمع منه من البقر والغنم وغيرهما.
وتعقَّبه القاري، فقال: وفيه أن قوله: استأجره في الذِّمة غير صحيح؛ لِما في الحديث التصريح بخلافه، حيث قال: استأجرت أجيرًا بفرق أرز، ولا بد من تعيينه، وإلا فالإجارة المجهولة غير صحيحة عندهم، وكذا يَرُدّ عليه قوله:
»فعرضت عليه حقه«؛ لأنه لو فُرض أنه في الذِّمة من غير تعيين لا يسمى حقّه،
فالحق أحقّ أن يتبع. انتهى [»مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح” ١٤/ ٢٢٤]
قال الأثيوبي: قد أجاد القاري – رحمه الله – في تعقّبه هذا، فما دلّ عليه ظاهر الحديث من جواز التصرّف في ملك الغير بغير إذنه، إذا كان فيه نصيحة له هو الحقّ، والله تعالى أعلم.
٩ – (ومنها): ما قاله في»العمدة«: وفيه الاستدلال لأبي ثور في قوله: إن من غصب قَمْحًا، فزرعه، أن كلّ ما أخرجت الأرض من القمح فهو لصاحب الحنطة.
وقال الخطابيّ: استَدَلّ به أحمد على أنّ المستودَع إذا اتّجر في مال الوديعة، ورَبِح أن الربح إنما يكون لرب المال، قال: وهذا لا يدلُّ على ما قال، وذلك أن صاحب الفرق إنما تبرع بفعله، وتقرب به إلى الله – عَزَّوَجَلَّ -، وقد
قال: إنه اشترى بقرأ، وهو تصرف منه في أمر لَمْ يوكله به، فلا يستحقّ عليه ربحًا، والأشبه بمعناه: أنه قد تصدق بهذا المال على الأجير بعد أن اتّجر فيه، وأنماه، والذي ذهب إليه أكثر الفقهاء في المستودَع إذا اتجر بمال الوديعة، والمضارب إذا خالف رب المال، فربحا أنه ليس لصاحب المال من الربح شيء، وعند أبي حنيفة: المضارب ضامن لرأس المال، والربح له، ويتصدق به، والوضيعة عليه.
وقال الشافعيّ: إن كان اشترى السلعة بعين المال، فالبيع باطل، وإن كان بغير عينه فالسلعة ملك المشتري، وهو ضامن للمال.
وقال ابن بطال: وأما من اتجر في مال غيره، فقالت طائفة: يطيب له الربح إذا ردّ رأس المال إلى صاحبه، سواء كان غاصبًا للمال، أو
كان وديعة عنده متعديًا فيه، هذا قول عطاء، ومالك، والليث، والثوريّ، والأوزاعي، وأبي يوسف، واستَحَبّ مالك، والثوريّ، والأوزاعيّ تنزهه عنه، ويتصدق به.
وقالت طائفة: يردّ المال، ويتصدق بالربح كله، ولا يطيب له منه شيء، هذا قول أبي حنيفة، ومحمد بن الحسن، وزفر.
وقالت طائفة: الربح لرب المال، وهو ضامن لِما تعدى فيه، هذا قول ابن عمر، وأبي قلابة، وبه قال أحمد، وإسحاق.
وقال ابن بطال: وأصح هذه الأقوال قول من قال: إن الربح للغاصب، والمتعدي، والله أعلم. انتهى.
قال الأثيوبي: عندي أن ما ذهب إليه ابن عمر ومن معه هو الحقّ؛ لأنّ الربح ثمرة أصل المال، وهو مُلك لصاحبه، فيكون تابعًا له، ولا ينتقل عنه إلى المودَع إلّا بنص، أو إجماع، ولا يوجدان، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.
١٠ – (ومنها): أن فيه الإخبارّ عن الأمم الماضية، وذِكر أعمالهم؛ ليعتبر السامعون بأعمالهم، فيعملوا بحَسَنها، ويتركوا قبيحها، ولم يكن النبيّ – ﷺ – يتكلم بشيء إلّا لفائدة، وإذا كان مزاحه كذلك، فما ظنك بأخباره، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط ، بتصرف يسير]
11 – (ومنها): فضيلة العفَّة عن الزّنا، وأنَّ الإنسان إذا عفَّ عن الزّنا مع قُدرته عليه، فإنَّ ذلك من أفضل الأعمال، وفي الصَّحيحَين من حديث أبي هُرَيْرة – رضي الله عنه – أنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليْه وسلَّم – قال: ((سبعةٌ يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّه))، وذكر منهُم: ((ورجل دعتْه امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله))[ ص 277 برقم 1423، وصحيح مسلم ص 397 برقم 1031].
12 – (ومنها): في الحديث دليلٌ على إصلاح العمل للغَير، فإنَّ هذا الرَّجُل كان بإمكانه لمَّا جاءه الأجير أن يُعْطيه أجرَه ويُبقي هذا المال له، ولكن لأمانته وإخلاصه لأخيه ونُصحه له، أعطاه كلَّ ما أثمر أجرة له؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8].
13 – (ومنها): أنَّ مِن أعظم الأسباب التي تُدفع بها المكاره الدُّعاء، فإنَّ الله سمع دعاء هؤلاءِ واستجاب لهم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
14 – (ومنها): أنَّ الإخلاص من أسباب تفْريج الكربات؛ لأنَّ كلَّ واحد منهم يقول: “اللَّهُمَّ إن كنت فعلتُ ذلك من أجلك، فافرُجْ عنَّا ما نحن فيه”.[شرح حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار]. وهذا تؤكد على أثر الإخلاص وابتغاء وجه الله ، في تفريج الكربات، وقبول الأعمال.
15 – (ومنها): تبين ضرورة أن يكون للإنسان رصيد من عمل صالح في وقت الرخاء ينجيه الله به حال الشدة والبلاء ، فقد أنجى الله هؤلاء الثلاثة وكشف ما بهم بما سبق لهم من الخير والفضل والإحسان {ومن يتق الله يجعل له مخرجا } [الطلاق 2].
16 – (ومنها): مدى تأثير الفقر والحاجة في إشاعة الفاحشة ونشر الرذيلة ، فتلك المرأة التي تحدث عنها الحديث لم يكن لديها أي رغبة في الانحراف بدليل أنها رفضت في المرة الأولى أن تمكن ابن عمها من نفسها، وخوفته بالله في المرة الثانية ، ولكن الحاجة هي التي دفعتها؛ لأن تتنازل عن أعز ما تملك ، ومن أجل ذلك حارب الإسلام الفقر بشتى الطرق والوسائل، وجعل للفقراء نصيباً في أموال الأغنياء، وما الزكوات والصدقات والكفارات والنذور في وجه من وجوهها إلا لتحسين وضع الفقراء في الأمة، ودفع غوائل الفاقة عنهم.
17 – (ومنها): فإن هذه القصة قد أرست أصول الأخلاق والعلاقات الاجتماعية بين الناس، والتي إن شاعت في مجتمع ما ، ارتفعت به إلى أعلى درجات الرقي ، وأسمى مراتب الكمال ، وهذه الأخلاق هي البر والعفة والأمانة ، فالبر والصلة هو الذي ينبغي أن يحوط علاقة المرء مع أقاربه وأرحامه ، والعفة والطهارة هي التي ينبغي أن
تبنى العلاقات الاجتماعية على أساسها ، ثم الأمانة وحفظ الحقوق هي التي يجب أن تقوم عليها التعاملات التجارية والمالية، وبغير هذه الأخلاق تتفكك المجتمعات ، ويكون مصيرها الدمار والخراب .
ولذلك لخص أبو سفيان دعوة النبي – صلى الله عليه وسلم- لأصول الأخلاق ، حين سأله هرقل ، وقال له: فماذا يأمركم ؟ قال : ” ويأمرنا بالصلاة والصدقة والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة ” رواه البخاري. [قصة الثلاثة الذين آواهم الغار].18 – (ومنها): التيقن بأنه مهما ضاق الأمر فإن الفرج قريب، والبعد عن القنوت.19 – (ومنها): أهمية التوكل وتعلق القلوب بالله عزوجل.
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:أنواع التوسل: تمهيد:”التوسل على نوعين: توسل مشروع وتوسل ممنوع. توسل المشروع: هو توسل إلى الله بأسمائه وصفاته، توسل بالأعمال الصالحة، التوسل بطلب الدعاء من الأحياء الحاضرين أن يدعوا لك بأمرك هذا جائز كله جائز. التوسل الممنوع: هو التوسل بجاه المخلوق أو بحقه أو بشخصه أو بصلاحه هذا توسل ممنوع، وإذا صحبه صرف شيء من العبادة لمتوسل به هذا شرك أكبر كما عليه أهل الجاهلية (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)، وكما عليه غالب القبوريين الذين يتقربون إلى الأموات بأنواع من العبادات ويقولون أنهم يشفعون لنا عند الله فهذا شرك أكبر”. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ صالح الفوزان، أنواع التوسل، السؤال: يسأل هذا السائل يا شيخ عن التوسل وعن أنواعه وذلك بدعاء الصالحين؟]
تفصيل:
” التوسل أقسام:
[1] توسل شرعي، وهو “التوسل إلى الله بطاعته واتباع شريعته”، وهذا هو الدين كله، الدين هو التوسل إلى الله بطاعته وتوحيده والإخلاص له في
دخول الجنة والنجاة من النار، فتوحيد الله وطاعة أوامره وترك نواهيه والوسيلة إلى جنته وكرامته.
[2] والنوع الثاني: “توسل بأسمائه وصفاته وأعمالك الصالحة في دعواتك”، وهذا جائز أيضًا، اللهم إني أسألك بأسمائك وصفاتك أن تغفر لي، اللهم إني أسألك بإيماني بك وبمحبتي لك ولنبيك، اللهم إني أسألك بأعمالي الصالحة بطاعتي لك واتباعي لشريعتك وأدائي الأمانة وبري الوالدين وعفتي عما حرمت علي يا ربي أسألك أن تغفر لي، هذا توسل بأسماء الله وصفاته وبأعمالك الطيبة، كل هذا توسل شرعي طيب مأمور به.
[3] والتوسل الثالث: “التوسل بدعاء أخيك يدعو لك”، يا فلان ادع الله لي، اللهم إني أسألك أن تقبل دعاءه لي، وما أشبه ذلك، كما كان النبي ﷺ يدعو لأصحابه، وهو توسل بدعائه، وكما دعا للأعمى حتى شفاه الله، هو توسل بدعاء الحي إذا دعا لك واستغفر لك تقول: اللهم تقبل منه. هذا كله جائز، وكله شرعي.
وهناك توسل باطل وتوسل شركي، وهو نوعان:
[1] نوع معناه الشرك الأكبر، وهو توسل إلى الله بعبادة الأنبياء والأولياء والكواكب ونحو ذلك؛ كما قال الكفار: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، {هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:18] هذا شرك أكبر، أن يتوسل بالأنبياء والصالحين يدعوهم مع الله، يستغيث بهم، ينذر لهم، يتقرب إليهم بالسجود بالذبائح بطلب المدد، هذا شرك أكبر، ويسميه بعض المشركين توسل، وهكذا كونه يتوسل بالكواكب بالنجوم بالشمس بالقمر بالأصنام يدعوها، يستغيث بها، يطلبها المدد، يذبح لها، ينذر لها، هذا توسل شركي شرك أكبر.
[2] توسل محرم ممنوع، وهو أن تقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك أو بجاه الأنبياء أو بحق الأنبياء أو بحق والدي أو بحق فلان أو بجاه فلان.
هذا بدعي لا يجوز وليس بشرك، لكنه من وسائل الشرك، والصحيح عند جمهور أهل العلم منعه، وأنه لا يجوز التوسل به لأن الله ما شرع لنا التوسل بحق فلان ولا بجاه فلان ولا بذات فلان، ولكنه يتوسل بأسماء الله وصفاته وبأعمالنا الصالحة كما قال عزوجل: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف:180]، وقال في الحديث الصحيح: من قال: ((اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا الله، الواحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد))، لما سمع النبي رجلا يدعو بهذا الدعاء قال: ((لقد سأل الله باسمه الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى)).
كذلك حديث الثلاثة الذين دخلوا في الغار وانطبقت عليهم الصخرة فتوسلوا إلى الله أحدهم ببر والديه، والثاني توسل إلى الله بعفته عن الزنا، والثالث توسل إلى الله بأدائه الأمانة فرج الله عنهم.
فالتوسل بالإيمان والتقوى والعمل الصالح بأسماء الله وصفاته هذا هو المشروع، أو بدعاء أخيك لك إذا دعا لك هذا هو المشروع، أما التوسل بجاه فلان أو بحياة فلان أو بذات فلان أو بحق فلان هذا غير مشروع، بل هو بدعة ولا يجوز عند أهل العلم، عند عامة أهل العلم وجمهور أهل العلم لا يجوز؛ لأنه توسل غير مشروع، ما شرعه الله لنا”. [الموقع الرسمي لفضيلة الشيخ عبد العزيز عبد الله بن باز، فتاوى الجامع الكبير، أنواع التوسل. بتصرف يسير].