1151 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1151):
مسند أبي برزة نضلة بن عبيد رضي الله عنه
قال أبو داود رحمه الله (ج ٩ ص ٣٢٥): حدثنا مسدد أخبرنا حماد عن جميل بن مرة عن أبي الوضيء -اسمه عباد بن نسيب وقال بعضهم نصيف بالفاء لكن القول عباد بن نسيب- قال: غزونا غزوة لنا فنزلنا منزلًا فباع صاحب لنا فرسًا بغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما فلما أصبحنا من الغد حضر الرحيل فقام إلى فرسه يسرجه فندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع فأبى الرجل أن يدفعه إليه فقال بيني وبينك أبو برزة صاحب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأتيا أبا برزة في ناحية العسكر فقالا له هذه القصة فقال: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا».
قال الوادعي رحمه الله: حديث صحيحٌ.
الحديث أخرج ابن ماجه (ج ٢ ص ٧٣٦) المرفوع منه.
===================الحديث بوب عليه أبو داود في السنن: ” ١٧ – باب في خِيارِ المُتَبايِعَيْنِ”.وبوب عليه والوادعي رحمه الله في الجامع الصحيح: ” ١٩ – البيعان بالخيار ما لم يتفرقا “.
الحديث سيكون من وجوه:”أباح الشارع الحكيم الخيار بين الناس استيفاءً للمودَّة بينهم، وقطعًا للضغائن والأحقاد من أنفسهم، إذ قد يتسرَّع أحد المتعاقدَيْن في الإيجاب والقبول لظرفٍ خاصٍّ يحيط به من غير أن يلقيَ بالاً لعواقب الأمور التي تحصل من جرَّاء التسرُّع في العقد الذي يتطلَّب رويَّةً ونظرًا وتمكُّثًا، بحيث يندم لزوال ذلك الظرف، ثمَّ يرى أنَّ مصلحته تقتضي عدمَ إنفاذ العقد، فيتولَّد من هذا الندم غيظٌ فضَغينةٌ وحقدٌ، ثمَّ يعقبه تنازعٌ وتخاصمٌ، الأمر الذي يترتَّب عليه مفاسدُ ومضارُّ حذَّر منها الشارع، وقطع السبيل إليها.
لذلك نجد الشارع الحكيم قد منح لكلٍّ من المتعاقدين حقَّ الخيار لتدارُك ما عسى أن يكون قد فاته بالتسرُّع في إبقاء العقد وإمضائه أو في إبطاله وإلغائه ما داما في مجلس العقد، شريطة أن لا يختارا إمضاء البيع وعدم فسخه قبل التفرُّق (أي: يتبايعان على أنه لا خيارَ)، وفي هذه الصورة يجب البيع ويستقرُّ ويبطل اعتبار التفرُّق. وبهذا، يراعي الشارع مصلحةَ المتعاقدَيْنِ بتشريع الخيار لهما من جهةٍ، ويحافظ -من جهةٍ أخرى- على قيمة العقد بتقييده بشروطٍ تمنعه من أن يكون عرضةً للنقض والإبطال من غير سببٍ صحيحٍ”.[المؤنس في اعتبار خيار المجلس].
الأول: شرح الحديث: “قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في خيار المتبايعين.
أورد أبو داود بابًا في خيار المتابعين، والخيار هو كون كل واحد من المتبايعين أو أحدهما له حق الاختيار في مدة معينة، إما وقت المجلس، أو المكان الذي تم فيه البيع، أو يشترط أحدهما أو كل منهما الخيار لمدة ثلاثة أيام أو أربعة أيام أو خمسة أيام.
وخيار الشرط وخيار المجلس كل منهما صحيح وثابت، وإذا اتفقا على إمضاء البيع في المجلس واختارا عدم ثبوت خيار المجلس فلهما ذلك.
وإما إذا تم البيع وحصل السكوت وليس هناك اتفاق على إسقاط خيار المجلس فإنه يثبت لهما الخيار إلى أن يتفرقا بالأبدان، وينفض الاجتماع الذي كانا فيه، وهذا هو التفرق بالأبدان، وهو الذي دل الدليل على أنه هو المقصود.
وبعض أهل العلم يقول: إن المقصود التفرق بالكلام، فإذا تم البيع في المجلس ثم صار هناك كلام آخر ليس له علاقة بالبيع؛ فهذا تفرق، ولا خيار لهما في المجلس.
ولكن هذا غير صحيح، فالتفرق المراد به بالأبدان، وسيأتي ما يدل عليه، وأنه لو طال الجلوس ولو لمدة يوم وليلة وما تفرقوا فإن خيار المجلس ثابت لهما ما داما جالسين لم يحصل بينهما الفراق”. [شرح السنن للشيخ عبد المحسن العباد].
” (حدثنا مسدد، حدثنا حماد) بن زيد (عن جميل) بفتح الجيم (ابن مرة) الشيباني البصري، قال النسائي: ثقة، وعن يحيى بن معين: ثقة، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال ابن خراش: في حديثه نكرة”.[بذل المجهود في حل سنن أبي داود].
“(عن أبي الوضيء) بفتح الواو وكسر الضاد المعجمة بعدهما همزة، واسمه عباد -بتشديد الباء الموحدة- ابن نسيب، بضم النون وفتح السين المهملة، مصغر. وقد قال بعضهم: نسيف بالفاء بدل الباء الموحدة، ولكن القوي عباد بن نسيب القيسي التابعي، كان من فرسان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على شرطة الجيش. قال يحيى بن معين: هو ثقة.
(قال: غزونا غزوة لنا، فنزلنا منزلًا، فباع صاحب) فرس (لنا فرسًا بغلام) فيه: أنه يصح بيع الحيوان بالحيوان، وبيع الجارية بالعبد، والغلام بالفرس، ونحو ذلك.
(ثم أقاما) على البيع (بقية يومهما وليلتهما) بنصب ليلتهما، عطف على (بقية) المنصوب بإضافته إلى الظرف، ونظيره حديث البخاري في قصة الخضر وموسى: «ثم سارا بقية يومهما وليلتهما».
(فلما أصبحا من الغد حضر الرحيل) من تلك المنزلة التي باتوا بها (فقام) رواية: قام (إلى فرسه) التي اشتراها (ليسرجه) يسرجه بضم الياء يقال: أسرجت الدابة إذا وضعت السرج على ظهرها، وفيه: أن الصحابة -رضي الله عنه-، كانوا مهنة أنفسهم في السفر والإقامة، ليس لهم غلمان ولا خدمة.
(فندم) وندم على شرائه؛ لما رأى ما يكرهه منها (فأتى الرجل) مفعول (وأخذه) أي: أمسكه وطالبه (بالبيع) ليرده عليه (فأبى الرجل أن يدفعه إليه) فيه: أن إقالة النادم مستحبة، وليست بواجبة؛ فإن المشتري ندم في بيعه، ولم يقله في بيعه، ولا دفع إليه ما قبضه منه.
(فقال: بيني وبينك أبو برزة) بفتح الباء الموحدة، نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة بن عبيد الأسلمي.
(صاحب النبي – ﷺ -) أسلم قديمًا، لم يزل يغزو مع رسول الله – ﷺ – حتى قبض، فتحول ونزل البصرة.(فأتيا أبا برزة الأسلمي فوجداه في ناحية العسكر) وكان قد غزا خراسان، ومات بها على الأشهر، وفيه: دلالة على أن الأمير ينزل في ناحية العسكر؛ ليكون حصنًا على العسكر، ولا ينزل في وسطهم ليكونوا حصنًا له وحراسا.
(فقالا له هذِه القصة) المذكورة (فقال: أترضيان أن أقضي) بنصب الياء (بينكما بقضاء رسول الله – ﷺ -؟) قالا: نعم.
(قال رسول الله – ﷺ -: البيعان) بتشديد التحتانية -يعني: البائع والمشتري، والبيِّع هو البائع كضيق وضائق وصين وصائن، وليس كبين وبائن فإنهما متغايران كقيم وقائم، واستعمال البائع في المشتري إما على سبيل التغليب، أو لأن كلًّا منهما بائع (بالخيار) اسم من الاختيار أو التخيير، وهو: طلب خير الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، والمراد بالخيار هنا خيار المجلس، وشريح والشعبي قالا بخيار المجلس، وقد وصله سعيد بن منصور، عن هشيم، عن محمد بن علي: سمعت أبا الضحى يحدث: أنه شهد شريحا اختصم إليه رجلان اشترى أحدهما من الآخر دارًا بأربعة آلاف فأوجبها له، ثم بدا له في بيعها قبل أن يفارق صاحبها، فقال: لا حاجة لي فيها. فقال البائع: قد بعتك فأوجبت لك. فاختصما إلى شريح، فقال: هو بالخيار ما لم يتفرقا. قال محمد: وشهدت الشعبي قضى بذلك.
وعن جرير [عن مغيرة] عن الشعبي أنه أتى في رجل اشترى برذونا من رجل، فأراد أن يرده قبل أن يتفرقا، فقضى الشعبي أنه وجب البيع، فشهد عنده أبو الضحى أن شريحًا أتى في مثل ذلك، فرده على البائع، فرجع الشعبي إلى قول شريح.
(قال هشام بن حسان) الأزدي الحافظ (حدث جميل) بفتح الجيم بن مرة، عن أبي برزة (أنه قال: ما أراكما) بضم الهمزة أي: أظنكما (افترقتما) أي: لأنهما مجتمعان في تلك المنزلة، وظاهر إطلاقه أن أحدهما لو صلى، أو نام، أو ذهب إلى الخلاء، أو حدث غيره، لا يحصل التفريق بشيء من ذلك. وفيه: دلالة لما قاله أصحابنا أنهما لو طال مكثهما أيامًا لم يضر في خيار المجلس.
ولنا وجه: أن لا تزيد المدة على ثلاثة أيام، ووجه: إن أعرضا عما يتعلق بالعقد، واشتغلا بأمر آخر، وطال الفصل انقطع، لكن لو تبايعا في صحراء وساحة واسعة؛ فينقطع الخيار بتولية أحدهما ظهره والمشي قليلًا انقطع الخيار على الصحيح الذي قطع به الجمهور.
والثاني قاله الإصطخري بشرط أن يبعد عن صاحبه، وقيل: لا ينقطع إلا أن يبعد عشرة أذرع، حكاه الجيلي”.[ شرح سنن أبي داود لابن رسلان رحمه الله].
قال خليل أحمد السهارنفوري في (بذل المجهود في حل سنن أبي داود): ” وهذا الحديث لا يضرنا ولا يفيد القائلين بالافتراق بالأبدان، فإنهم لا يقولون بذلك، وهذا فهم من أبي برزة واجتهاد منه؛ لأنه فهم من الافتراق افتراقًا كليًا، حتى لا يكون أحدهما مع الآخر في عسكر واحد، أو في بلد واحد، وإلّا فلا بد أنهما افترقا بالأبدان من المجلس لقضاء حوائجهما وصليا، ولم يَعُدَّ أبو برزة هذا افتراقًا”. انتهى.قال الشيخ عبد المحسن تعليقا على الحديث: ” أورد أبو داود حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه، وفيه قصة عن أبي الوضيء، قال: غزونا غزوة لنا فباع رجل فرسًا بغلام، وعند الرحيل أراد صاحب الفرس الذي بالغلام أن يركب على الفرس، فجعل يسرجه ليستخدمه ويركب عليه، فجاء المشتري الذي دفع العبد في مقابل الفرس وأراد أن يأخذ الفرس، فأبى أن يسلمه إياه، فاتفقا على أن يتحاكما إلى أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، فجاءا إليه وهو في ناحية المعسكر، فقال: أترضيان أن أقضي بينكما بقضاء رسول الله ﷺ؟ فقالا: نعم، فقال: قال رسول الله ﷺ: ((البيعان بالخيار ما لم يفترقا)) وما أراكما قد افترقتما، يعني: أن مدة الخيار باقية لصاحب الفرس، فله أن يأخذ فرسه؛ لأنه لا زال في مدة الخيار، وكونهما يصليان مثلًا في المجلس لا يؤثر، وهذا يبين: أن مدة خيار المجلس قد تطول ما لم يحصل الافتراق.
وفيه دليل: على أنه إذا حصل التحاكم إلى شخص صاحب علم ليقضي بين المتخاصمين، فإن ذلك يصح، ولا يلزم أن يكون قاضيًا منصوبًا من جهة الإمام، فإنهما إذا تراضيا على أن يحكما شخصًا وهو صاحب علم وعنده معرفة ورضيا بحكمه، فإن ذلك صحيح، وقصة أبي برزة رضي الله تعالى عنه دليل على ذلك، ويلزمهما قضاؤه إذا تراضيا عليه”.[شرح السنن].
الثاني: مسائل ملحقة:
(المسألة الأولى): في معنى الخيار وأقسامه:
* [ التعاريف: ]”فالخِيارُ: «هو طَلَبُ خَيْرِ الأَمْرَيْنِ مِنَ الإِمْضَاءِ أَوْ الفَسْخِ وَالإِلْغَاءِ»، بمعنى: أنَّ العاقد مُخيَّر بين هذين الأمرين، إن كان الخيارُ خيارَ شرطٍ أو رُؤية أو عيب أو تدليس… أو يختار أحدَ المبيعين إن كان الخيار خيار تعيين . و[خيار التعيين: هو أن يكون للعاقد حقّ تعيين أحد الأشياء الثلاثة المختلفة في الثمن والصفة المذكورة في العقد: وعند التعيين يصير المعقود عليه معلومًا بعد أن كان مجهولاً نسبيًا، وهو مختلف فيه، فمنعه: الشافعي وأحمد وزُفَر من الحنفية، وأجازه: أبو حنيفة وصاحباه، «تبيين الحقائق» للزيلعي: (٢/ ٢٧)، «البدائع»: (٢٦١)].
* والأصلُ في عقد البيع: أن يكون لازمًا متى استكمل شرائطَه. ومعنى اللزوم: أن لا يستطيع أحدُ المتعاقدين التحلُّلَ من قَيده بعد تمام العقد ولا تعديلَه؛ لأنَّ الوفاء بالعقود واجبٌ شرعًا؛ لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١]، إذ أنَّ الرجوعَ فيه تغييرٌ للوضع الحقوقي الذي استقرَّ عليه المتعاقدان، وأنَّ إرادة أحدِ المتعاقدين غيرُ كافيةٍ في نقض هذا الوضع أو تعديله، إلاَّ إذا تطابقت إرادتَا المتعاقدَين على التحلُّل منه، أو تعديله عن طريق التراضي كركن أساسي وجوهريٍّ في العقود من جهة، أو بسبب الأحكام التي يقرِّرها الشرعُ من جهة أخرى.
* [ حكمة ومصدر الخيارات المشروعة: ]ومن هنا يتجلَّى بوضوحٍ مصدرُ الخيارات المشروعة استثناء من اللزوم في العقود، ويتمثَّل هذا المصدر في:- اتِّفاق العاقدين، كخيار الشرط مثلاً.- وفي حكم الشرع كخيار التدليس والرؤية مثلاً.
هذا، وقد شُرعت الخيارات لحِكمةٍ جليلةٍ، مُتَجلِّيةٍ في حِفظ مصلحةِ المتعاقدين وضمانِ رضاهما، وفي دفع الضرر الذي قد يلحق أحدَ العاقدين، وعلى ذلك مَنَحَ الشارع لهذا العاقد فرصةً يحتاط فيها لنفسه متداركًا فيها ما قد يفوته ويندم عليه، ومع هذا كلِّه لم يُطلق الشارع أمرَ الخيار، بل قَيَّده بشروطٍ حفاظًا على قيمة العقد كي لا يتعرَّض للنقض والإبطال من غير سببٍ صحيحٍ.[إذا أن الخيار في البيع من محاسن الإسلام، إذ قد يقع البيع بغتة من غير تفكير ولا تأمل، ولا نظر في القيمة والسلعة، فيندم أحد المتبايعين أو كلاهما.
من أجل ذلك أعطى الإسلام فرصة للتروِّي تسمى الخيار، يتمكن المتبايعان أثناءها من اختيار ما يصلح وما يناسب من إمضاء البيع أو فسخه].
* [ أقسام الخيار: ]والخيار ينقسم -بحسَب الاستقراء- إلى أنواعٍ متعدَّدة، يمكن حصر الكلام في ستَّة أنواعٍ منها:
١ – خيار المجلس: وهو أن يكون لكلٍّ من العاقدين حقّ فسخ العقد بعد تمامه ما داما في مجلس العقد لم يتفرَّقا عنه. [وهو المراد في الباب].
٢ – خيار الشرط: وهو أن يشترط أحد المتعاقدين أو كلاهما الخيارَ لنفسه في فسخ العقد أو إمضائه خلال مُدَّةٍ معلومةٍ، أو يخيِّر أحدهما الآخرَ في مجلسِ العقد فيختار إمضاء العقد ولزومه.
٣ – خيار الغَبن: وهو عدم التعادل والتساوي بين ما يعطيه العاقد وما يأخذه، والمراد بالغَبن في هذه الصورة المسترسِل: وهو من جهل القيمةَ، ولا يُحسِنُ المماكسةَ من بائع ومشتر، فيحصل له الغَبن لجهله بالبيع، فهو شبيه بالقادم من سفر، ويلاحظ –أيضًا- أنَّ المقصود بالغَبن الذي لا يخرج عن العادة أو عن المعروف في السوق، وله صُوَرٌ أخرى منها خيار تلقِّي الركبان، وخيار النَّجش.
٤ – خيار التدليس: وهو أن يدلِّس البائع على المشتري ما يزيد به الثمن، فيَحِقُّ للمشتري فسخَ البيع على نحو ما ورد في حديث المصرّاة. [عن أَبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قَالَ: «لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ». متّفق عليه: البخاري: (٢٠٤١)، ومسلم: (٣٨٣٠)، ولمسلم: (٣٨٣٢) «فَهُوَ بِالخِيَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ».].
٥ – خيار العيب: وهو أن يكون لأحد العاقدين الحقُّ في فسخ العقد أو إمضائه إذا وجد عيبًا في أحد البَدَلَين، ولم يكن صاحبه عالمًا به وقت العقد.
٦ – خيار الرؤية: وهو أن يكون للمشتري حقُّ فسخ العقد أو إمضائه عند رؤية المعقود عليه، إذا كان المبيع معلومًا لكن لم يشاهد عند إنشاء العقد أو قبله بوقت لا يتغيَّر فيه عادة”. [انظر: فتاوى المعاملات المالية – البيوع، في معنى الخيار وأقسامه، بتصرف يسير. وانظر أيضًا: موسوعة الفقه الإسلامي، والفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، سابعاً: كتاب المعاملات، الباب الأول: في البيوع، المسألة الرابعة: الخيار في البيع].
(المسألة الثانية): الفوائد والأحكام المتعلقة بالباب، وخيار المجلس خاصة:
“١- ثبوت خيار المجلس للمتبايعين، وأنه لا ينقطع إلا بالتفرُّق بالأبدان، وقيل: المراد التفرُّق بالأقوال، وهذه المسألة نتعرَّض لها في مواقف العلماء من الحديث.
٢- وفيه أنَّ مدَّة الخيار من حين العقد إلى أن يتفرَّقا من مجلس العقد.
٣- ظاهر أنه لم يقدِّر للتفرُّق بالأبدان حدًّا ينتهي إليه، أي: لو طال المجلس أو قاما معًا أو خرجا يمشيان ظَلَّ حقُّ الخيار ثابتًا إلى أن يتفرَّقا، وهو مذهب الشافعية والحنابلة أخذًا بظاهر الحديث. [«المغني» (٣/ ٥٦٥) و«الكافي» (٢/ ٤٣) كلاهما لابن قدامة، «نهاية المحتاج» للرملي (٤/ ١٠)، «غاية المنتهى» للمرعي(٢/ ٢٧)].
وقيل: إذا طال المجلس وانتقلا إلى موضوعٍ آخَرَ، فإنَّ خيار المجلس يبطل لانتهاء مجلس العقد ولو لم يتفرَّقا حقيقة؛ لأنَّ التفرُّق خرج مخرج الغالب الأعمِّ في مجلس العقد.
وقيل: إنَّ التفرُّق يُقدَّر في كلِّ حالةٍ بحسَبها، ففي المنزل الصغير بخروج أحدهما، وفي الكبير بالتحوُّل من مجلسه إلى آخَرَ بخطوتين أو ثلاثٍ. [«سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٣٤)].
والمشهور الراجح من مذهب العلماء أنه موكولٌ إلى العرف، فكلُّ ما يُعتبر في العرف تفرُّقًا حُكِم به وما لا فلا. [«معالم السنن» للخطَّابي (٣/ ٧٣٥)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٣٢٩)، «المغني» لابن قدامة (٣/ ٥٦٥)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٣٣٥).].
٤- وفي رواية مالكٍ المشهورة: «المُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلاَّ بَيْعَ الخِيَارِ» [أخرجه مالكٌ في «الموطَّإ» (٢/ ١٦١)، والشافعي في «مسنده» (١٣٧)، وأحمد في «مسنده» (٢/ ٧٣)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما]، في قوله: «… إِلاَّ بَيْعَ الخِيَارِ» احتمالاتٌ متفاوتةٌ لمعرفة معنى بيع الخيار وأرجحها:- أنَّ المتعاقدَيْن لو اتَّفقا على إسقاط الخيار وإمضاء البيع بعد العقد وقبل التفرُّق، أو اتَّفقا على أنه لا خيارَ لهما لزم البيعُ وبطل اعتبار التفرُّق؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ»، وهو المراد في رواية مالكٍ بقوله: «… إِلاَّ بَيْعَ الخِيَارِ»، ووجهه استثناء امتداد الخيار إلى التفرُّق.
– وقيل: إنَّ المراد من مقطع رواية الليث هو: أن يشترط الخيار لمدَّةٍ معيَّنةٍ فلا ينقضي الخيار بالتفرُّق، بل يبقى حتى تمضيَ المدَّة، وحينئذٍ يكون المراد بالاستثناء في رواية مالكٍ استثناء من انقطاع الخيار بالتفرُّق.
– وقيل: إنهما بالخيار مالم يتفرَّقا إلاَّ أن يتخايرا ولو قبل التفرُّق، وإلاَّ أن يكون البيع بشرط الخيار ولو بعد التفرُّق، وهذا المعنى يجمع بين الاحتمال الأوَّل والثاني، ويعضده ما جاء في رواية البخاري بلفظ: «… إِلاَّ بَيْعَ الخِيَارِ أَوْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ». [أخرجه البخاري (٤/ ٣٢٧-٣٢٨)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.]، إن حُملت «أو» في الحديث على التقسيم لا على التشكيك، بمعنى: أن يخيِّره بين الإمضاء أو تأجيل الخيار إلى مدَّةٍ معيَّنةٍ.
– وقيل: إنَّ المعنى: تخيير أحدهما الآخَرَ، فيختار عدم ثبوت الخيار فينتفي الخيار، ويكون المراد بالاستثناء هو الاستثناء من إثبات خيار المجلس، وهذا الاحتمال أبعد الاحتمالات المتقدِّمة وأضعفها. [المصادر السابقة.].
– هذا، ولا يخفى رجحان الاحتمال الأوَّل؛ لأنَّ لفظ الحديث يقوِّيه من جهةٍ، ولأنه تعضده الرواية الأخرى في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِذَا كَانَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ»،وتعيِّنه -أيضًا- رواية النسائي: «… إِلاَّ أَنْ يَكُونَ البَيْعُ كَانَ عَنْ خِيَارٍ، فَإِنْ كَانَ البَيْعُ عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ»، وأمَّا الاحتمال الثالث -وإن كان قويًّا من ناحيةٍ- إلاَّ أنه يعكِّره الاحتمال الملصق ﺑ «أو» في رواية البخاري [«إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرْ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا البَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ البَيْعُ»].
٥- وفيه أنَّ الخيار من تمام الرضا المشروط في قوله تعالى: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩].
٦- وفيه مراعاة مصلحة العاقدَيْن ودفع الضرر عنهما.
٧- وفيه المحافظة على قيمة العقد مع الخيار، وإحاطته بقيود تؤمِّنه من الهدم والإبطال.
٨- وفيه الفرق بين حقِّ الله تعالى الذي لا يكفي لجوازه رضا الآدمي كالمقامرة والربا ونحو ذلك، وحقِّ الآدمي الذي يُعتبر رضاه في الجواز.
[مسألة:] مواقف العلماء من هذا الحديث [-أي: الذي رواه البخاري-]:
اتَّفق العلماء على: أنَّ العقد متى اكتسب صفة اللزوم فلا يَسَعُ أحدَ الطرفين التحلُّل من قيده ما لم يتَّفقا على الإقالة. غيرَ أنهم يختلفون في الظرف الذي يكتسب العقد هذه الصفة، هل بمجرَّد تطابُق الإيجاب والقبول من غير اعتبار مجلس العقد أم أنَّ ثبوت خيار المجلس لا مناصَ منه في اكتساب العقد صفةَ اللزوم ؟
وهذه المسألة خلافيةٌ بين المثبتين والمانعين لخيار المجلس.
أ- أقوال المذهبين السابقين:- مذهب المثبتين لخيار المجلس:ذهب جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإليه ذهب الشافعي وأحمد وأكثر المجتهدين وسائر المحدِّثين، إلى القول بثبوت خيار المجلس، بمعنى: أنه إذا تطابق الإيجاب والقبول فإنَّ العقد يقع جائزًا غير لازمٍ، ويكون لكلٍّ من العاقدين الخيارُ في فسخ العقد أو إمضائه ما دام العاقدان في مجلس العقد، ولا يكتسب هذا الأخير صفةَ اللزوم إلاَّ بعد تفرُّق العاقدين بأبدانهما.[«الأمُّ» للشافعي (٣/ ٤)، «معالم السنن» للخطَّابي (٣/ ٧٣٣)، «المحلَّى» لابن حزم (٨/ ٣٥١)، «المهذَّب» للشيرازي (١/ ٢٦٤-٢٦٥)، «المغني» (٣/ ٥٦٣) و«الكافي» (٢/ ٤٣) كلاهما لابن قدامة ، «العدَّة» للمقدسي (٢٢٨)، «شرح مسلم» للنووي (٥/ ٤٣)، «اختيارات ابن تيمية» للبعلي (١٢٥)، «نهاية المحتاج» للرملي (٤/ ٦)].
– مذهب المانعين لخيار المجلس:ذهب أبو حنيفة ومالكٌ وأكثر أصحابهما إلى القول بعدم ثبوت خيار المجلس، بل يلزم البيع بنفس الإيجاب والقبول أو ما يقوم مقامهما من فعلٍ ودلالةٍ، فمنعوا خيار المجلس، وأثبتوا خيار الرجوع عن إمضاء العقد إذا أوجب أحدهما البيعَ، فكلٌّ منهما بالخيار حتى ينتهيَ كلامهما في العقد إبرامًا أو تركًا.
وبه قال ربيعة ابن أبي عبد الرحمن، وحُكي عن إبراهيم النخعي، وهو روايةٌ عن الثوري، وإليه ذهب الإمامية والهادوية، وذهب بعض المالكية إلى موافقة مذهب المثبتين لخيار المجلس.[«البدائع» للكاساني (٥/ ١٣٠)، ووافق ابن حبيبٍ الجمهورَ في خيار المجلس، «شرح معاني الآثار» للطحاوي (٤/ ١٢-١٧)، «المنتقى» للباجي (٥/ ٥٥)، «شرح السنَّة» للبغوي (٨/ ٤٠)، «شرح مسلم» للنووي (٥/ ٤٣)، «القوانين الفقهية» لابن جُزَيٍّ (٢٧٤)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٣٣٠)، «سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٣٤)، «نيل الأوطار» للشوكاني (٦/ ٣٣٣)].
ب- أدلَّة المذهبين السابقين:
نتعرَّض بالذكر لأدلَّة المثبتين ثمَّ المانعين لخيار المجلس مع تقديم اعتذاراتهم في عدم الأخذ بالوارد من الأحاديث الصحيحة في هذه المسألة أوَّلاً، ويتبع ذلك مناقشةٌ لأدلَّة الفريقين مع التفنيد.
– أدلَّة المثبتين:استدلَّ المثبتون لخيار المجلس بما يلي من الأدلَّة:
– بأحاديث الباب المتقدِّمة، وغيرها منها:
– حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ». [«صحيح البخاري» (٤/ ٣٢٨).].
– حديث حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا». [أخرجه البخاري (٤/ ٣٢٨)، من حديث حكيم بن حزامٍ رضي الله عنه].
– حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «كُلُّ بَيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلاَّ بَيْعَ الخِيَارِ». [أخرجه البخاري (٤/ ٣٢٣).].
وكلُّ ما سبق من الأحاديث يدلُّ دلالةً واضحةً على ثبوت خيار المجلس لكلٍّ من المتعاقدين بعد انعقاد البيع حتى يتفرَّقا من ذلك المجلس بأبدانهما، ولا يمكن عدُّ التفرُّق بالأقوال تفرُّقًا، بل هو تطابقُ والْتئامُ والْتحامُ الإيجاب والقبول، فيكون المقصود بهذا التفرُّق هو التفرُّق بالأبدان؛ لأنَّ التفرُّق بالأقوال ليس تفرُّقًا.
– حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه. [هو عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما] رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «البَائِعُ وَالمُبْتَاعُ بِالخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ». [«مسند أحمد» (٢/ ١٨٣)، «سنن أبي داود» (٣/ ٧٣٦)، «سنن الترمذي» (٥/ ٥٥٠)، «سنن النسائي» (٧/ ٢٥١-٢٥٢)، والحديث حسَّنه الترمذي وكذا الألباني في «الإرواء» (٥/ ١٥٥)].
وجه دلالة الحديث: فبغضِّ النظر عن تبيُّن الاستدلال بصدره على نحو ما تقدَّم، فإنَّ الشاهد منه متجلٍّ في قوله: «وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ… »، وهو يقوِّي استدلالهم بالمعنى الذي وقفوا عنده وهو التفرُّق بالأبدان، إذ لا فائدة من التنصيص على هذا الشاهد إذا ما أريد به التفرُّق بالأقوال.
– ورواية البيهقي في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «… حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا». [«السنن الكبرى» (٥/ ٢٧١) و«معرفة السنن والآثار» (٨/ ١٧) كلاهما للبيهقي، و«سنن الدارقطني» (٣/ ٤٧٤)، من حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه رضي الله عنه]، وهو يقوِّي معنى التفرُّق بالأبدان، قال ابن عبد البرِّ: «وإذا ثبت لفظ «مكانهما» لم يبق للتأويل مجالٌ وبطل بطلانًا ظاهرًا حملُه على تفرُّق الأقوال». [«سبل السلام» للصنعاني (٢/ ٣٤)].
– فعلُ ابن عمر رضي الله عنهما راوي الحديث، وكان يفارق ببدنه، فاتِّباعه أَوْلى وفهمه أسبق من غيره، عملاً بقاعدة: «الرَّاوِي أَعْلَمُ بِمَا رَوَى»، ونورد بعض أفعاله كما جاء في الصحيحين وغيرهما:
– قال نافعٌ: فكان إذا بايع رجلاً، فأراد أن يقيله، قام فمشى هنيهةً، ثمَّ رجع إليه. [«صحيح مسلم» (٥/ ١٧٥)].
– «فكان ابن عمر إذا ابتاع بيعًا، وهو قاعدٌ قام ليجب له البيع». [«سنن الترمذي» (٥/ ٢٥٤).].
– قال نافعٌ: «وكان ابن عمر إذا اشترى شيئًا يعجبه فارق صاحبه». [«صحيح البخاري» (٤/ ٣٢٦).].
– عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «كنَّا إذا تبايعنا كلُّ واحدٍ منَّا بالخيار، ما لم يتفرَّق المتبايعان، قال: فتبايعت أنا وعثمان، فبعتُه مالي في الوادي، بمالٍ له بخيبر، قال: فلمَّا بعته طفقت أنكص القهقرى خشية أن يرادَّني عثمانُ البيعَ قبل أن أفارقه». [«صحيح البخاري» (٤/ ٣٣٥)، وفِعْلُ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما محمولٌ على أنه لم يبلغه خبر النهي في حديث عمرو بن شعيبٍ السابق دفعًا للإشكال].
– أدلَّة المانعين:
استدلَّ المانعون بنصوص الكتاب والسنَّة على ما يأتي:- أوَّلاً: من الكتاب:- بقوله تعالى: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ [البقرة : ٢٨٢].وجه دلالة الآية: أنها تفيد الأمر بالإشهاد في البيع، غيرَ أنه إذا اعتُبر خيار المجلس لم يَعُدْ للإشهاد أيَّة فائدةٍ، إذ لو وقع الإشهاد بعد التفرُّق لم يطابق الأمر، وإن وقع قبل التفرُّق لم يصادف محلَّه.
– وبقوله تعالى: ﴿لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩].وجه دلالة الآية: أنها لم تشترط في إباحة التجارة سوى التراضي
من الطرفين لا غير، والتراضي إنما يحصل بمجرَّد صدور الإيجاب واقترانه بالقبول، فيدلُّ ذلك على عدم ثبوت خيار المجلس.
– وبقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ [المائدة: ١].وجه دلالة الآية: أنها تنصُّ على وجوب الوفاء بالعقود، وخيارُ المجلس ينافي ذلك من ناحيةِ أنَّ الراجع عن موجَب العقد قبل التفرُّق لم يَفِ به.
– ثانيًا: من السنَّة:- بما أخرجه الترمذي من طريق عمرو بن عوفٍ رضي الله عنه مرفوعًا: «… وَالمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا.[رواه الترمذي (٦/ ١٠٤)، وأبو داود (٤/ ١٩)، والحديث صحَّحه الألباني في «الإرواء» (٥/ ١٤٢-١٤٦)].
وجه دلالة الحديث: أنَّ الخيار بعد لزوم العقد يُفسد الشرطَ وينافي مقتضى الحديث.
– بما أخرجه أحمد وأبو داود وغيره مرفوعًا: «إِذَا اخْتَلَفَ المُتَبَايِعَانِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا بَيِّنَةٌ فَالقَوْلُ مَا يَقُولُ صَاحِبُ السِّلْعَةِ أَوْ يَتَرَادَّانِ».[«سنن أبي داود» (٣/ ٧٨١)، «سنن الترمذي» (٦/ ٢٥)، «مسند أحمد» (١/ ٤٦٦)، [«سلسلة الأحاديث الصحيحة» رقم: (٧٩٨) و«صحيح الجامع» (١/ ١٣٩، ١٤٠) كلاهما للألباني].
يترادَّان: أي قيمة السلعة عند الاستملاك.].وجه دلالة الحديث: أنه إذا وقع اختلافٌ في أمرٍ من الأمور المتعلِّقة بالعقد، فقول البائع مع يمينه مقدَّمٌ، كما جاء في روايةٍ أخرى، وهذا معناه أنَّ العقد في هذه الحال لازمٌ. [وصورته عند مالكٍ والشافعي ومحمَّد بن الحسن: أن يقال للبائع: احلف بالله ما بعتَ سلعتَك إلَّا بما قلتَ، فإن حلف البائع، قيل للمشتري: تأخذ السلعة بما قال البائع، وإمَّا أن تحلف بالله ما اشتريتَها إلاَّ بما قلتَ، فإن حلف برئ ورُدَّت السلعة على البائع، فإنهما يتحالفان ويترادَّان، [«معالم السنن» للخطَّابي (٣/ ٧٨١)]، وعلى هذا فلو كان خيار المجلس ثابتًا لَما احتاج الأمر إلى اعتبار قول البائع ولا داعيَ إلى يمينه؛ لأنَّ خيار المجلس يكفي بمفرده في رفع العقد وعدم اعتباره، فلمَّا لم يكن كذلك دلَّ على عدم ثبوت خيار المجلس.
– بحديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه المتقدِّم، والشاهد من هذا الحديث يتجلَّى في قوله: «خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ»، ومعناه: طلب الإقالة، والإقالة هي الإعفاء والفسخ من العقد اللازم، فهي فرعٌ من نفاذ البيع ولزومه، وإذا كان البيع نافذًا ولازمًا قبل التفرُّق فإنه يستلزم بطلانَ خيار المجلس.
وقد اعتذر المانعون عن العمل بالأخبار الواردة في خيار المجلس بأعذارٍ متعدِّدةٍ، وأوَّلوا الأحاديث بتأويلاتٍ مختلفةٍ نذكر منها ما يأتي:
١- أنَّ كلَّ الأخبار الدالَّة على ثبوت خيار المجلس مردودةٌ لمنافاتها لعموم الآيات المتقدِّمة والأحاديث النبوية السابقة، و« إِذَا تَعَارَضَ المَقْطُوعُ مَعَ المَظْنُونِ، فَالمَقْطُوعُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ».
٢- أنَّ أحاديث خيار المجلس منسوخةٌ بالأدلَّة القرآنية السابقة.
٣- أنَّ إثبات خيار المجلس مخالفٌ للقياس الجليِّ في إلحاق ما قبل التفرُّق بما بعده.
٤- أنَّ حديث: «البَيِّعَانِ بِالخِيَارِ»، مضطربٌ يمنع الاحتجاج به لمجيئه بألفاظٍ مختلفةٍ.
٥- أنَّ حديث الخيار على خلاف عمل أهل المدينة وعملُهم حجَّةٌ، وهو مخالفٌ أيضًا لعمل أهل مكَّة، وهو منقولٌ عن ابن التين عن أشهب. [«فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٣٣٠)].
٦- أنَّ الحديث من رواية مالكٍ ولم يعمل به، وهذا يدلُّ على وهن المرويِّ عنده.
٧- أنه خبرٌ واحدٌ فلا يُعمل به فيما تعمُّ به البلوى، وهو البيع.
٨- أنَّ المراد بالتفرُّق في الحديث هو التفرُّق بالأقوال والاعتقادات؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ﴾ [البيِّنة: ٤]، وفي قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠]، وفي قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «…وَتَفْتَرِقُ أَمَّتِي عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً».[«سنن أبي داود» (٥/ ٤)، «سنن ابن ماجه» (٢/ ١٣٢١)، «مسند أحمد» (٢/ ٣٣٢)، «مستدرك الحاكم» (١/ ١٢٨)، والحديث صحَّحه الترمذي والحاكم وابن تيمية والشاطبي في «الاعتصام». [انظر: «سلسلة الأحاديث الصحيحة» رقم: (٢٠٣، ٢٠٤)].]، وكما في عقود الزواج والإجارة والعتق.
٩- أنَّ وقت التفرُّق غير معلومٍ فأشبه بيوع الغرر كالملامسة.
١٠- أنه لا يتعيَّن حملُ الخيار في هذا الحديث على خيار الفسخ، فيحتمل أنه أريد به خيار الشراء أو خيار الزيادة في الثمن والمثمن، وهي الفترة التي تسبق عقد البيع.
١١- أنَّ المراد بالمتبايعين في الحديث المتساومان، والمراد بالخيار قبول المشتري وردُّه.
وفي نظرهم أنَّ التفرُّق الوارد في الخبر، إن كان المراد به التفرُّق بالأبدان فهو محمولٌ على أحد الوجهين التاليين:
– الوجه الأوَّل: أنه محمولٌ على الاستحباب تحسينًا للمعاملة مع المسلم.
– الوجه الثاني: أنه محمولٌ على الاحتياط للخروج من الخلاف.
ج- مناقشة الأدلَّة السابقة وتفنيدها:
نوقشت أدلَّة المانعين لخيار المجلس على الوجه التالي:
– لا تتنافى آية الإشهاد في البيع مع خيار المجلس؛ لأنَّ فائدة الإشهاد تظهر من وقت إبرام العقد إلى وقت التفرُّق، فيقع الإشهاد ممتدًّا من زمن تطابُق الإيجاب والقبول إلى زمن المفارقة بالأبدان، فيكون مطابقًا للأمر، ومصادفًا لمحلِّه.
– واشتراط الرضا في قوله تعالى: ﴿إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء : ٢٩] لا ينافي الخيار؛ لأنه من تمامه، وتمامُ الشيء منه.
– أمَّا وجوب الوفاء بالعقود والشروط -على ما أفادته الآية والحديث- فإنما يكون ذلك بعد اكتسابها صفةَ اللزوم، ولا يتحقَّق اللزوم إلاَّ بعد التفرُّق بالأبدان، على ما يقتضيه حديث الباب، فلا منافاة بينهما.
– وحديث «اختلاف البيِّعَيْن» محمولٌ على ما إذا لزم البيع ووجب بالتفرُّق بالأبدان، جمعًا بين الحديثين.
– أمَّا معنى الاستقالة في حديث عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدِّه، فإنه فضلاً عن معارضتها للشاهد في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ»، إلاَّ أنَّ معناها الشرعي المتمثِّل في الإعفاء والفسخ الذي تتَّصف به إنما يكون بإرادتين متطابقتين إيجابًا وقبولاً في إلغاء العقد اللازم المبرم، وليس الأمر في الحديث على هذه الصورة، بل هو على صورةِ إرادةٍ منفردةٍ لأحد المتعاقدين، ويدلُّ عليه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ»، فيكون المراد طلب الإقالة من العقد الجائز غير اللازم، وإذا تبيَّن ذلك فلا حجَّة فيه.
وله جوابٌ شبيهٌ بالأوَّل، قال العراقي -رحمه الله-: «وجوابه من وجهين:أحدهما: أنَّ قوله: [لاَ يحلُّ] لفظةٌ منكرةٌ، فإن صحَّت فليست على ظاهرها، لإجماع المسلمين أنه جائزٌ له أن يفارقه ليُنفذ بيعه ولا يُقيلَه إلاَّ أن يشاء.
ثانيهما: أنه أراد بالإقالة هنا الفسخَ بحكم الخيار، فإنه الذي ينقطع بالمفارقة، أمَّا طلب الإقالة بالاختيار فلا فَرْق فيه بين أن يتفرَّقا أم لا، فإنَّ ذلك إنما يكون بالرضا منهما، وهو جائزٌ بعد التفرُّق». [«طرح التثريب» للعراقي (٦/ ١٥٢).].
* أمَّا اعتذارات المانعين من خيار المجلس عن العمل بحديث الباب (أي: رواية البخاري) فنبيِّن مناقشتها وتفنيدها على ما يأتي:
– قد تقدَّم أنه لا منافاة بين الرضا المشترط في العقود وثبوت الخيار؛ لأنَّ الخيار من تمام الرضا، ومن جهةٍ أخرى فإنَّ نفاذ العقود ووجوبها إنما يكون بعد اكتسابها لصفة اللزوم، وعلى فرض تعارُضها فيمكن الجمع والتوفيق بين أدلَّة المثبتين لخيار المجلس وأدلَّة المانعين له، وصورة الجمع: أنَّ عموم الآيات المساقة والأخبار المتقدِّمة التي استدلَّ بها المانعون -على فرض شمولها لمحلِّ النزاع- أعمُّ مطلقًا، والأحاديث القاضية بثبوت خيار المجلس أخصُّ، فيُبْنى العامُّ على الخاصِّ، ولا يصار إلى الترجيح إلاَّ عند تعذُّر الجمع، كما هو مقرَّرٌ في الأصول.
– ثمَّ إنَّ الأصل في الأحكام الشرعية عدمُ النسخ ولا يثبت بالاحتمال، ومجرَّد المخالفة لا يلزم أن يكون نسخًا، ولو تقرَّر النسخ لكان الجمع أَوْلى بالتقديم. ولا يُعترض بالقياس مع وجود النصِّ، لأنَّ القياس فاسد الاعتبار لمصادمته للنصِّ، ذلك لأنَّ ما ثبت بالنصِّ موجودٌ في ذلك الفرع، فإمَّا أن يكون الشارع أخرج هذا الفرع عن هذا الأصل لمصلحةٍ أو تعبُّدًا فيجب اتِّباعه. [انظر: «طرح التثريب» للعراقي (٦/ ١٥٣).]، ولا يُعترض -أيضًا- بالاضطراب؛ لأنَّ شرط الاضطراب أن يتعذَّر الجمع بين مختلف ألفاظه. [قال ابن دقيق العيد ردًّا على دعوى الاضطراب: «… فنقول: هذا صحيحٌ، لكن بشرط تكافؤ الروايات أو تقارُبها، أمَّا إذا كان الترجيح واقعًا في بعضها، إمَّا لأنَّ رواته أكثر أو أحفظ، فينبغي العمل بها، إذ الأضعف لا يكون مانعًا من العمل بالأقوى، والمرجوح لا يدفع التمسُّك بالراجح» [«إحكام الأحكام» (٣/ ١٧٢)]، وقد أكَّد محمَّد بن إسماعيل البخاري رجحان روايات الاشتراط في حديث جابرٍ المتقدِّم بقوله: «الاشتراط أكثر وأصحُّ عندي» [«فتح الباري» لابن حجر (٥/ ٣١٤)]، وعلَّق الحافظ القسطلاني على هذا الكلام بما نصُّه: «لأنَّ الكثرة تفيد القوَّة، وهذا وجهٌ من وجوه الترجيح، فيكون أصحَّ، ويترجَّح أيضًا بأنَّ الذين روَوْه بصيغة الاشتراط معهم زيادةٌ وهُمْ حفَّاظٌ فيكون حجَّةً، وليست رواية من لم يذكر الاشتراط منافيةً لرواية من ذكره، لأنَّ قوله: «لَكَ ظَهْرُهُ» و«أَفْقَرْنَاكَ ظَهْرَهُ» و«تَبَلَّغْ عَلَيْهِ»، لا يمنع وقوع الاشتراط قبل ذلك» [«إرشاد الساري» (٤/ ٤٣٥)].])، وجمعُ ما اختلف من ألفاظه ممكنٌ بغير تكلُّفٍ ولا تعسُّفٍ فلا يضرُّه الاختلاف. [«فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٣٣٢).]).
– والقول بأنه معارَضٌ بعمل أهل المدينة ومكَّة فمردودٌ؛ لأنه لم يُحفظ عن أحدٍ من علماء مكَّة القول بخلافه مطلقًا، ولأنَّ غالبية أهل المدينة من علماء الصحابة والتابعين وتابعيهم يرَوْن الخيار، بل لا يعلم للمانعين سلفٌ سوى ربيعة بن أبي عبد الرحمن، وإبراهيم النخعي. [«المحلَّى» لابن حزم (٨/ ٣٥٥)]، وعلى فرض أنهم مجمعون فليس إجماع أهل المدينة بحجَّةٍ، كما هو مقرَّرٌ في موضعه(٤٢).
– أمَّا الاعتراض بقاعدة: «عمل الراوي بخلاف ما روى» فجوابه من عدَّة وجوهٍ:
أ- أنَّ عمله مبنيٌّ على اجتهاده، وقد يظهر له ما هو أرجح في نظره ممَّا رواه وإن لم يكن أرجح في نفس الأمر.
ب- أنَّ الحجَّة فيما نقله الراوي لا فيما قاله.ﺟ- أنَّ هذه القاعدة مختلفٌ فيها، والتحقيق عند كثيرٍ من الأصوليين أنها خاصَّةٌ بالصحابة دون من جاء بعدهم، والإمام مالكٌ ليس منهم.
د- أنَّ ابن عمر راوي الخبر كان يفارق ببدنه إذا باع، فاتِّباعه أَوْلى من اتِّباع غيره، عملاً بقاعدتهم: «الرَّاوِي أَعْلَمُ بِمَا رَوَى».
ﻫ- أنَّ الحديث رواه غير مالكٍ وعمل به وهُمْ أكثر عددًا وروايةً وعملاً.
– كما أنَّ خبر الواحد يُقبل فيما تعمُّ به البلوى، وفيما تخصُّ به البلوى، على ما ترجَّح عند جمهور الأصوليين والشافعي وسائر المحدِّثين. [«الوصول إلى مسائل الأصول» للشيرازي (٢/ ١٠٠-١٠١)، «المستصفى» (١/ ١٧١) و«المنخول» (٢٨٤) كلاهما للغزَّالي، «الإحكام» للآمدي (١/ ٢٩٠).].
قال العراقي -رحمه الله-: «وجوابه: أنَّ الفسخ ليس ممَّا تعمُّ به البلوى وإن عمَّت البلوى بالبيع؛ لأنَّ الإقدام على البيع دالٌّ على الرغبة فيه، فالحاجة لمعرفة حكم فسخه لا تعمُّ، وبتقدير عمومها فردُّ خبر الواحد فيه ممنوعٌ». [«طرح التثريب» للعراقي (٦/ ١٥٣).]).
– أمَّا القول بأنَّ المراد بالتفرُّق في الحديث هو التفرُّق بالأقوال والاعتقادات فهو فاسدٌ لوجوه منها:
أ- أنه ليس بين المتعاقدين تفرُّقٌ بقولٍ ولا اعتقادٍ؛ لأنَّ الإيجاب
والقبول لم يحصل بهما افتراقٌ، وإنما حصل الْتئامٌ واتِّفاقٌ على الثمن والمبيع بعد الاختلاف فيه.
ب- فيه تجريد الحديث عن الفائدة، إذ لا يخفى أنهما بالخيار قبل العقد في إنشائه وإتمامه أو تركه.
ﺟ- أنه خلاف الظواهر المتقدِّمة للأحاديث، فضلاً عن ذلك فهو معارَضٌ بصريح نصِّ الخبر الذي رواه البيهقي مرفوعًا: «حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا».
د- كما يردُّه تفسير ابن عمر رضي الله عنهما للحديث بنفسه.
ﻫ- وكذلك: «الأَصْلُ فِي الكَلاَمِ التَّأْسِيسُ لاَ التَّأْكِيدُ»، ذلك لأنَّ المانعين حملوا التفرُّق على التفرُّق بالأقوال، أي: لكلٍّ منهما الإنشاء أو الترك قبل تطابُق الإيجاب والقبول، فيكون معنى «المتبايعان» هما المتساومان، فيصير الحديث مؤكِّدًا، إذ لا خلاف أنهما بالخيار قبل إنشاء العقد أو إتمامه، بخلاف ما إذا كان المراد به التفرُّقَ بالأبدان، فإنَّ فيه فائدةً جديدةً غير مؤكَّدةٍ، لذلك يُحمل المعنى على التأسيس، وهو أَوْلى من التأكيد، كما هو مقرَّرٌ في القواعد.
– كما لا يصحُّ قياس البيع على النكاح والإجارة والعتق، لأنه قياسٌ مع ظهور الفارق، لأنَّ المقيس عليه متعلِّقٌ بغير المعاملات المالية، فثبوت الخيار في النكاح الذي لا يقع غالبًا إلاَّ بعد نظرٍ ورويَّةٍ وتمكُّثٍ مضرَّةٌ لِما يترتَّب عليه من ابتذال المرأة بالعقد وذهاب حرمتها بالردِّ، ولأنَّ البيع يُنقل فيه مِلْكٌ لرقبة المبيع ومنفعته، وهذا لا يحصل في الإجارة والعتق والنكاح، وأمَّا العتق فيتمُّ بإرادةٍ واحدةٍ وهي إرادة المعتق فافترقا. [«المغني» لابن قدامة (٦/ ٥٦٤)، «فتح الباري» لابن حجر (٤/ ٣٣٠).].
– أمَّا تشبيهه بعقود الغرر فبعيدٌ، لأنَّ كلَّ واحدٍ من المتعاقدَيْن يمكنه إمضاء البيع أو فسخُه بالقول أو بالفعل فينعدم فيه الغرر.
– أمَّا حمل الخيار في الحديث على خيار الشراء أو خيار الزيادة في الثمن والمثمن دون خيار الفسخ فجوابه من جهتين:- الجهة الأولى: أنه بعد صدور العقد من المتعاقدين فلا خيار لهما في الشراء ولا في الثمن، وإنما الخيار لهما في إمضاء العقد أو إلغائه قبل التفرُّق، وهو المراد بخيار الفسخ.
– الجهة الثانية: أنَّ المتبادر إلى الأفهام عند إطلاق الخيار من كلامه صلَّى الله عليه وسلَّم هو إرادة خيار الفسخ لا غير كما في حديث المصرَّاة.[عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ تُصَرُّوا الإِبِلَ وَالغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ»، متَّفقٌ عليه: أخرجه البخاري (٤/ ٣٦١) -واللفظ له-، ومسلم (٥/ ١٦٥-١٦٧).]).[«إحكام الأحكام» لابن دقيق العيد (٣/ ١٠٩).].
– واستعمال البائع في التساوم -وإن كان شائعًا- إلاَّ أنَّ تسميته بذلك إطلاقٌ مجازيٌّ، وحملُه على الحقيقة أو ما يقرب منها أَوْلى لأصالتها ولعدم وجود قرائنَ تدلُّ على كونه مجازًا، ثمَّ إنه -من الناحية العملية- يتعذَّر تطبيق حديث التفرُّق على حال السائمين.
– وأمَّا حمل التفرُّق بالأبدان في الحديث على الاستحباب أو على الاحتياط، فهو على خلاف الظاهر الذي لا يصار إليه إلاَّ عند قيام دليلٍ صحيحٍ يمكن حمله على نحو ما ذُكر.
د- سبب اختلاف العلماء:يظهر اختلاف المثبتين والمانعين لخيار المجلس في المسائل التالية:
– في تعارُض المقطوع بالمظنون.
– في الاحتجاج بعمل الراوي بخلاف ما روى.
– في الاحتجاج بخبر الواحد فيما تعمُّ به البلوى.- فمن منع خيار المجلس، ورأى منافاة الحديث المظنون لقواطع الآيات ولعمل أهل المدينة لاعتباره في حكم المتواتر الموجِب للقطع، ورأى بطلان الاحتجاج بالحديث لعمل الراوي بخلاف ما روى، لأجل وقوفه على أنَّ الحديث منسوخٌ أو غير ثابت، وكلاهما فاسد الاعتبار يمنع من قبول الرواية عملاً بقاعدة «الرَّاوِي أَعْلَمُ بِمَا رَوَى»، ورأى أيضًا فساد الاحتجاج بالحديث فيما تعمُّ به البلوى، ويحتاج الخاصُّ والعامُّ إلى معرفته للعمل به.[«أصول السرخسي» (١/ ٣٦٨).]، قال: إنَّ العقد لا يقتضي خيار المجلس، بل يكفي تطابُق الإيجاب والقبول، وهو الظرف الذي يكتسب فيه العقد صفةَ اللزوم، وهُمْ أهل الرأي والمالكية إلاَّ ابن حبيبٍ. [«مفتاح الوصول» للشريف التلمساني (٤٧٢).]).
– ومن أثبت خيار المجلس، رأى انتفاء التعارض بين المقطوع والمظنون لإمكان الجمع بينهما، ورأى أنَّ عمل أهل المدينة -وإن كانت حجِّيَّته متنازعًا فيها- فإنَّ جُلَّ أهل المدينة يرَوْن الخيارَ، ورأى -أيضًا- عدم انتهاض قاعدة: «رَدِّ الخَبَرِ لِعَمَلِ الرَّاوِي بِخِلاَفِهِ»، لأنَّ الحجَّة فيما نقله الراوي لا فيما قاله أو فعله، ولأنَّ الحديث رواه من هم أكثر عددًا روايةً وعملاً، ولأنَّ القاعدة السابقة يردُّها تفسير ابن عمر رضي الله عنهما بفعله، ورأى أنَّ خبر الواحد يُحتجُّ به مطلقًا سواءً خَصَّت به البلوى أو عَمَّت، لأنَّ كلَّ دليلٍ جاز أن يثبت به ما تخصُّ به البلوى جاز أن يثبت به ما تعمُّ به البلوى، ولأنَّ الحكم فيما تعمُّ به البلوى ثابتٌ بالقياس، والقياس فرعٌ مستنبطٌ من خبر الواحد فلَأَنْ يثبت بأصله أَوْلى، قال: إنَّ العقد يقتضي خيارَ المجلس ولا يكفي الإيجاب والقبول، بل لا مناصَ من خيار المجلس حتَّى يستكمل الرضا، ويكتسب العقد صفةَ اللزوم، وهو قول الجمهور.
ﻫ- الترجيح:وبهذا، يتَّضح -من خلال المناقشة والتفنيد- ضعفُ أجوبة المانعين لردِّ الحديث، في حين ظهرت قوَّة مذهب جمهور العلماء المثبتين لخيار المجلس، فكانوا أسعد الناس عملاً به. [ويثبت خيار المجلس في العقود اللازمة من الجانبين القابلة للفسخ فقط، وهي عقود المعاوضات المالية. [«الفقه الإسلامي وأدلَّته» (٤/ ٢٥٠)]”.[المؤنس في اعتبار خيار المجلس، بتصرف، وانظر أيضًا: الموسوعة الفقهية الكويتية – خِيارُ المَجْلِسِ].
(المسألة الثالثة): فيما يتعلق بالتفريق خاصة:
1) “تَفَرُّقٌ التَّعْرِيفُ:
١ – التَّفَرُّقُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ: تَفَرَّقَ ضِدُّ تَجَمَّعَ، يُقال: تَفَرَّقَ القَوْمُ تَفَرُّقًا، ومِثْلُهُ افْتَرَقَ القَوْمُ افْتِراقًا والتَّفْرِيقُ: خِلاَفُ التَّجْمِيعِ، يُقال: فَرَّقَ الشَّيْءَ تَفْرِيقًا وتَفْرِقَةً: بَدَّدَهُ، وهُوَ مُتَعَدٍّ، أمّا التَّفَرُّقُ فَلاَزِمٌ. والتَّفْرِيقُ أبْلَغُ مِنَ الفَرْقِ، لِما فِيهِ مِن مَعْنى التَّكْثِيرِ [لسان العرب، والصحاح مادة: «فرق].
والتَّفَرُّقُ فِي الاِصْطِلاَحِ لاَ يَخْرُجُ مَعْناهُ عَنِ المَعْنى اللُّغَوِيِّ.
الأْلْفاظُ ذاتُ الصِّلَةِ:
التَّجَزُّؤُ:
٢ – التَّجَزُّؤُ: مِن تَجَزَّأ الشَّيْءُ تَجَزُّؤًا، وجَزَّأ الشَّيْءَ تَجْزِئَةً: حَمَلَهُ أجْزاءً. [المصباح المنير مادة: «جزأ»]، والتَّفَرُّقُ يَكُونُ بَيْنَ الأْبْدانِ، والتَّجَزُّؤُ فِي الأْمُورِ.
2) حُكْمُهُ: – تَخْتَلِفُ أحْكامُ التَّفَرُّقِ بِاخْتِلاَفِ مَوْضُوعِهِ: فَيَسْقُطُ خِيارُ المَجْلِسِ بِتَفَرُّقِ المُتَعاقِدَيْنِ عِنْدَ مَن يُجِيزُ خِيارَ المَجْلِسِ مِنَ الفُقَهاءِ.
ويَبْطُل العَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ قَبْل القَبْضِ فِيما يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهِ التَّقابُضُ فِي المَجْلِسِ. كَرَأْسِ مال السَّلَمِ، وبَيْعِ الرِّبَوِيِّ بِمِثْلِهِ، أوْ بِمُتَّحِدٍّ مَعَهُ فِي العِلَّةِ، عَلى اخْتِلاَفٍ بَيْنَ الفُقَهاءِ فِي بَعْضِ التَّفاصِيل.
3) التَّفَرُّقُ المُؤَثِّرُ وحُكْمُهُ:
– التَّفَرُّقُ المُؤَثِّرُ هُوَ: أنْ يَتَفَرَّقا بِأبْدانِهِما، ولاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الفُقَهاءِ، والمَرْجِعُ فِيهِ عُرْفُ النّاسِ، وعادَتُهُمْ فِيما يَعُدُّونَهُ تَفَرُّقًا؛ لأِنَّ الشّارِعَ ناطَ عَلَيْهِ حُكْمًا ولَمْ يُبَيِّنْهُ، فَدَل ذَلِكَ عَلى أنَّهُ أرادَ ما يَعْرِفُهُ النّاسُ، كَكُل ما أطْلَقَهُ الشّارِعُ فِي المُعامَلاَتِ كالقَبْضِ، والإْحْرازِ.
هَذا ويَسْقُطُ بِالتَّفَرُّقِ خِيارُ المَجْلِسِ، ويَلْزَمُ العَقْدُ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ والرِّبَوِيِّ، ويَبْطُل بِالتَّفَرُّقِ بَيْعُ الرِّبَوِيِّ قَبْل القَبْضِ. [المغني ٣ / ١١ – ١٢، وروضة الطالبين ٣ / ٤٣٧، وحاشية الطحاوي ٣ / ١٣٧].
أمّا هَل يَقُومُ التَّخايُرُ مَقامَ التَّفَرُّقِ فِي إسْقاطِ خِيارِ المَجْلِسِ؟ وهَل يَجُوزُ التَّخايُرُ قَبْل القَبْضِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ، وآراءُ الفُقَهاءِ فِي ذَلِكَ؟ فَيُرْجَعُ فِيها إلى مُصْطَلَحِ (خِيارُ المَجْلِسِ).
وهذه فتوى لبعض لجان الفتوى :
هل أذا أردت أن أشتري ذهبًا وأنا محتار في الاختيار هل يمكن أن أخذ الخاتمين إلى المنزل لأخذ رأي زوجتي أم يكون ذلك ربا؟ مع موافقة البائع]ـ
[الفَتْوى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كان المقصود أن يتم البيع بينك وبين صاحب الذهب على شرط أن لك الخيار فلا يصح، وهذا هو الربا، لأن بيع الربوي بمثله لا يصح فيه الخيار، قال شيخ الإسلام زكرياء الأنصاري في أسنى المطالب: فلا يصح شرط الخيار فيهما -أي الربوي
والسلم- لأن ما شرط فيه القبض في المجلس لا يحتمل الأجل فأولى أن لا يحتمل الخيار لأنه أعظم غررًا منه.
وإن كان المقصود أن يسلم إليك الخاتمين دون أن يتم بينكما بيع بل على أن تراهما زوجتك فإن رغبت فيهما تم العقد بينكما بعد ذلك مع التقابض في المجلس فلا بأس
4) تَفَرُّقُ المُتَعاقِدَيْنِ بَعْدَ انْعِقادِ البَيْعِ:
– ذَهَبَ الشّافِعِيَّةُ، والحَنابِلَةُ إلى أنَّ التَّفَرُّقَ بَعْدَ انْعِقادِ البَيْعِ يَسْقُطُ حَقُّهُ فِي خِيارِ المَجْلِسِ لِخَبَرِ: البَيِّعانِ بِالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا. [حديث: «البيعان بالخيار ما لم يتفرقا» أخرجه البخاري (الفتح ٤ / ٣٢٨ ط السلفية) من حديث حكيم بن حزام].
قال ابْنُ قُدامَةَ: وهَذا قَوْل أكْثَرِ أهْل العِلْمِ.
وإنْ لَمْ يَتَفَرَّقا، وأقاما مُدَّةً طَوِيلَةً، فالخِيارُ بِحالِهِ، وإنْ طالَتِ المُدَّةُ لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ. [المجموع النووي ٩ / ١٧٤ـ ١٧٥، والمغني ٣ / ٥٦٣]؛ لِما رَوى أبُو الوَضِيءِ – عَبّادُ بْنُ نُسَيْبٍ -: غَزَوْنا غَزْوَةً، فَنَزَلْنا مَنزِلًا، فَباعَ صاحِبٌ لَنا فَرَسًا بِغُلاَمٍ، ثُمَّ أقاما بَقِيَّةَ يَوْمِهِما ولَيْلَتِهِما، فَلَمّا أصْبَحا مِنَ الغَدِ حَضَرَ الرَّحِيل، فَقامَ إلى فَرَسِهِ يُسَرِّجُهُ فَنَدِمَ، فَأتى الرَّجُل وأخَذَهُ بِالبَيْعِ، فَأبى الرَّجُل أنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ، فَقال: بَيْنِي وبَيْنَكَ أبُو بَرْزَةَ صاحِبُ النَّبِيِّ ﷺ فَأتَيا أبا بَرْزَةَ فِي ناحِيَةِ العَسْكَرِ فَقالاَ لَهُ هَذِهِ القِصَّةَ فَقال: أتَرْضَيانِ أنْ أحْكُمَ بَيْنَكُما بِقَضاءِ رَسُول اللَّهِ ﷺ؟ قال: قال رَسُول اللَّهِ ﷺ: البَيِّعانِ بِالخِيارِ ما لَمْ يَتَفَرَّقا وما أراكُما افْتَرَقْتُما [حديث أبي برزة: «أترضيان أن أحكم بينكما بقضاء رسول الله…» أخرجه أبو داود (٣ / ٧٣٦ـ ٧٣٧ تحقيق عزت عبيد دعاس) وقال المنذري في مختصره رجال إسناده ثقات (المختصر ٥ / ٩٦نشر دار المعرفة)].
5) الإْكْراهُ عَلى التَّفَرُّقِ:
٦ – إنْ أُكْرِهَ الشَّخْصُ عَلى التَّفَرُّقِ فَفِيهِ وجْهانِ لِلشّافِعِيَّةِ – وهُما رِوايَتانِ لِلْحَنابِلَةِ –
أحَدُهُما: أنَّهُ يَبْطُل الخِيارُ، لأِنَّهُ كانَ يُمْكِنُهُ الفَسْخُ بِالتَّخايُرِ، وهُوَ أنْ يَقُول لِصاحِبِهِ: اخْتَرْ فَيَلْزَمُ العَقْدُ، فَحَيْثُ لَمْ يَفْعَل ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِإسْقاطِ الخِيارِ.
الثّانِي: لاَ يَبْطُل الخِيارُ لأِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنهُ أكْثَرُ مِنَ السُّكُوتِ، والسُّكُوتُ لاَ يُسْقِطُ الخِيارَ. ولَمْ يَأْخُذْ أبُو حَنِيفَةَ ومالِكٌ بِخِيارِ المَجْلِسِ أصْلًا. [المصادر السابقة].
وتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (خِيارُ المَجْلِسِ).
6) التَّفَرُّقُ قَبْل القَبْضِ فِي بَيْعِ الرِّبَوِيِّ:
– أجْمَعَ الفُقَهاءُ عَلى أنَّهُ إذا بِيعَ أحَدُ النَّقْدَيْنِ بِمِثْلِهِ، أوْ بِالآْخَرِ يَجِبُ التَّقابُضُ فِي المَجْلِسِ، وإلاَّ يَبْطُل العَقْدُ
[انظر: المجموع ٩ / ١٨١ـ ٤٠٣، والقوانين الفقهية ص٢٥٤، وحاشية الطحاوي ٣ / ١٣٧، والمغني ٤ / ١١ـ ١٢] .
لِخَبَرِ: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ والفِضَّةَ بِالفِضَّةِ إلاَّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، ولاَ تُشْفُوا بَعْضَها عَلى بَعْضٍ، ولاَ تَبِيعُوا الوَرِقَ بِالوَرِقِ إلاَّ مِثْلًا بِمِثْلٍ، ولاَ تُشْفُوا بَعْضَها عَلى بَعْضٍ، ولاَ تَبِيعُوا مِنها غائِبًا بِناجِزٍ [حديث: «لا تبيعوا الذهب بالذهب..» أخرجه مسلم (٣ / ١٢٠٨ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري].
أمّا غَيْرُ النَّقْدَيْنِ مِنَ الرِّبَوِيّاتِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الفُقَهاءُ فِي حُرْمَةِ التَّفَرُّقِ قَبْل القَبْضِ فَعِنْدَ المالِكِيَّةِ، والشّافِعِيَّةِ، والحَنابِلَةِ، يُشْتَرَطُ التَّقابُضُ ويَحْرُمُ التَّفَرُّقُ قَبْل القَبْضِ، إنِ اتَّحَدَ الجِنْسُ، أوِ اتَّحَدَتْ عِلَّةُ الرِّبا فِيهِما، ويَبْطُل العَقْدُ بِالتَّفَرُّقِ قَبْل القَبْضِ.
وذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ إلى عَدَمِ اشْتِراطِ التَّقابُضِ فِي المَجْلِسِ فِي المَوْزُونِ والمَكِيل المُعَيَّنِ، ويَجُوزُ التَّفَرُّقُ قَبْل القَبْضِ، ولاَ يَبْطُل العَقْدُ بِهِ. [حاشية الطحطاوي على الدر المختار ٣ / ١٠٩، وحاشية ابن عابدين ٤ / ١٨٢، والمجموع ٩ / ١٨١ـ ٤٠٣، والقوانين الفقهية ص٢٥٤].
وتَفْصِيلُهُ فِي (رِبًا، قَبْضٌ).
7) التَّفَرُّقُ قَبْل قَبْضِ رَأْسِ مال السَّلَمِ:
– يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ عَقْدِ السَّلَمِ قَبْضُ رَأْسِ مال السَّلَمِ قَبْل التَّفَرُّقِ، فَإنْ تَفَرَّقا قَبْل القَبْضِ بَطَل العَقْدُ. وإلى هَذا ذَهَبَ الحَنَفِيَّةُ، والشّافِعِيَّةُ والحَنابِلَةُ. [حاشية الطحطاوي ٣ / ١٢٢، والمغني ٤ / ٣٢٨، ونهاية المحتاج ٤ / ١٨٤]
وقال المالِكِيَّةُ: لاَ يُشْتَرَطُ قَبْضُ رَأْسِ مال السَّلَمِ فِي المَجْلِسِ، ولاَ يَبْطُل بِالتَّفَرُّقِ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ تَأْخِيرُ القَبْضِ ثَلاَثَةَ أيّامٍ لِخِفَّةِ الأْمْرِ ولأِنَّ ما قارَبَ الشَّيْءَ يُعْطى حُكْمَهُ [حاشية الدسوقي ٣ / ١٩٥].
8) التَّفَرُّقُ قَبْل التَّقابُضِ فِي بَيْعِ العَرايا:٩ – العَرايا: جَمْعُ عَرِيَّةٍ، وهِيَ بَيْعُ ما عَلى النَّخْلَةِ مِن رُطَبٍ بِتَمْرٍ عَلى الأْرْضِ، أوِ العِنَبِ فِي الشَّجَرِ بِزَبِيبٍ فِيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ.
ويُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ بَيْعِ العَرايا عِنْدَ القائِل بِهِ التَّقابُضُ قَبْل التَّفَرُّقِ.[المجموع ١١ / ٢٠ – ٢١، والموسوعة ٩ / ٩١] وتَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي بَيْعِ العَرايا.
9) تَفَرُّقُ الصَّفْقَةِ: – تَتَفَرَّقُ الصَّفْقَةُ بِتَفْصِيل الثَّمَنِ كَأنْ يَقُول: بِعْتُكَ هَذا بِكَذا، وهَذا بِكَذا، فَيَقْبَل الآْخَرُ، وبِتَعَدُّدِ المُشْتَرِي، أوِ البائِعِ، وبِالجَمْعِ فِي صَفْقَةٍ بَيْنَ ما يَجُوزُ بَيْعُهُ وما لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ كَخَلٍّ، وخَمْرٍ. ومَعْنى تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ تَفْرِيقُها فِي الحُكْمِ. فَفِي حالَةِ تَفْصِيل الثَّمَنِ مَثَلًا يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي قَبُول أحَدِ المَبِيعَيْنِ ورَدُّ الآْخَرِ، وفِي حالَةِ تَعَدُّدِ العاقِدَيْنِ، لَهُ رَدُّ نَصِيبِ أحَدِهِما بِالعَيْبِ وإبْقاءُ الآْخَرِ، وفِي حالَةِ الجَمْعِ بَيْنَ الحَلاَل والحَرامِ فِي صَفْقَةٍ، يَصِحُّ العَقْدُ فِي
الحَلاَل، ويَبْطُل فِي الحَرامِ.[الفتاوى الهندية ٣ / ١٤، وحاشية الجمل ٣ / ١٠٠ – ١٠١] والتَّفْصِيل فِي تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ”. [الموسوعة الفقهية الكويتية، بتصرف].