1149 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1149):
قال أبو داود رحمه الله : حدثنا مسدد ح و حدثنا نصر بن علي عن بشر بن المفضل المعنى حدثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي المليح قال قال نبيشة
نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا؟ قال: ((اذبحوا لله في أي شهر كان، وبروا الله عز وجل، وأطعموا)). قال: إنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية، فما تأمرنا؟ قال: ((في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل)) قال نصر: استحمل للحجيج ذبحته فتصدقت بلحمه.
قال خالد: أحسبه. قال: ((على ابن السبيل فإن ذلك خير)).
قال خالد: قلت لأبي قلابة: كم السائمة ؟ قال: مائة.
قال الوادعي: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
===================
الحديث سيكون من وجوه:” العباداتُ في الإسلام أمورٌ توقيفيَّة، ولا بدَّ أنْ تكونَ خالصةً لوَجْه الله، وبالشُّروط التي أقرَّها الشَّرعُ، وقد كان لأهلِ الجاهليَّةِ عاداتٌ يَتقرَّبون بها إلى معبوداتِهم الشِّركيَّة، فلمَّا كان الإسلامُ نهى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم عن مِثْل هذه العاداتِ الشِّركيَّة، وأَوضَح أنَّ أقوالَ المسلم وأفعالَه يجب أنْ تكون مُنضبِطةً بضوابط الشَّرع”.
و” كان العرب في الجاهلية تفعل بعض أفعال الخير، لكن بعقيدة خاطئة، فكانت مثلاً تذبح أول مولود للناقة أو البقرة، وهو رضيع لم يفطم، وتوزع لحمه على الفقراء والمساكين، تقرباً إلى الأصنام ورجاء أن يبارك لهم في أمهات هذه الذبائح، وتسمي هذا العمل بالفرع.
كما كانت تذبح ناقة أو بقرة في شهر رجب إذا بلغ ما يملكه أحدهم خمسين، تقرباً إلى آلهتهم، ليبارك لهم في أنعامهم، ويوزعون اللحوم على الفقراء والمساكين، وتسمي هذا العمل بالعتيرة أو الرجبية.
وجاء الإسلام، فحارب الشرك، وحارب الذبح للأصنام، لكنه لم يحارب تفرقة اللحوم على الفقراء والمساكين، فقال: لا فرع ولا عتيرة للأصنام، ولكن اذبحوا لله تعالى وحده، ولا تخصوا شهر رجب بالذبح، فلا فرع ولا عتيرة في رجب، ولكن اذبحوا في أي يوم كان”.[فتح المنعم].
الأول:
أورد أبو داود بابًا في العتيرة،
(المسألة الأولى): معنى (الفَرَع)، و(العَتِيرَةُ):
و” (اعلم): أن الفَرَع، والفَرَعَةُ – بفتح الراء -: أولُ نِتاج الإبل والغنم، وكان أهل الجاهليّة يذبحون لآلهتهم يتبرّكون بذلك، فنُهي عنه المسلمون، وجمعُ الفرَع فَرُعُ – أي: بضمّتين – . وفي الحديث: ((لا فَرَعَ، ولا عَتِيرَةَ))، ، أفاده في»الفتح«] والفرَعُ: بعيرٌ كان يُذبح في الجاهليّة، إذا كان للإنسان مائة بعير، نَحَر منها بَعيرً كلّ عام، فأطعم الناسَ، ولا يذوقه هو، ولا أهله. وقيل: إنه كان إذا تمّت له إبله مائةً قدّم بَكْرًا، فنحره لصنمه، وهو الفرَعُ، قال الشاعر
[من البسيط]:
إذْ لا يَزالُ قَتِيلٌ تَحْتَ رايَتِنا … كَما تَشَحَّطَ سَقْبُ النّاسِكِ الفَرَعُ
وقيل: الفَرَعُ طعامٌ يُصنَع لنتاج الإبل، كالخَرْسِ لولادة المرأة، قاله في »اللسان«[»لسان العرب” باختصار ٨/ ٢٤٨ – ٢٤٩].
و((العَتِيرَةُ))- بفتح العين المهملة، وكسر التاء -: هي: الشاة تُذبح عن أهل بيت في رجب، وقال أبو عبيد: العتيرة هي الرجبية، ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب، يتقربون بها لأصنامهم. وقال غيره: العتيرة: نذرٌ كانوا ينذرونه، من بَلَغ ماله كذا أن يذبح من كل عشرة منها رأسًا في رجب، وذكر ابن سِيدَهْ أن العتيرة أن الرجل كان يقول في الجاهلية: إن بلغ إبلي مائة عترت منها عتيرة، في رجب، ونقل أبو داود تقييدها بالعشر الأُوَلِ من رجب، ونقل النوويّ الاتفاق عليه، قال الحافظ: وفِيهِ نَظَرٌ [«الفتح» ١٢/ ٤١٦، كتاب «العقيقة» رقم (٥٤٧٤)].
وذكر ابن منظور – رحمه الله – في «اللسان»: أن العرب في الجاهليّة كانت إذا طلب أحدهم أمرًا نذر، لئن ظَفِر به ليذبحنّ من غنمه في رجب كذا وكذا، وهي العتائر أيضًا، فإذا ظفِر به، فربّما ضاقت نفسه عن ذلك، وضنّ بغنمه، وهي الرَّبِيض، فيأخذ عددها ظباء، فيذبحها في رجب مكان تلك الغنم، فكأن تلك عتائره. انتهى
وقال النوويّ – رحمه الله -: والفرع أول النتاج، كان ينتج لهم، فيذبحونه، قال أهل اللغة وغيرهم: الفرع – بفاء، ثم راء مفتوحتين، ثم عين مهملة – ويقال فيه: الفَرَعَةُ – بالهاء – والعتيرة – بعين مهملة مفتوحة، ثم تاء مثناة من فوقُ -.
قالوا: والعتيرة ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأُوَل من رجب، ويسمونها الرجبية أيضًا، واتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا.
[وقد تقدّم في كلام الحافظ أن دعواه الاتفاق فيه نظر].
قال النووي : وأما الفرع فقد فُسّر هنا بأنه أول النتاج، كانوا يذبحونه، قال الشافعيّ، وأصحابه، وآخرون: هو أول نتاج البهيمة، كانوا يذبحونه، ولا يملكونه؛ رجاءَ البركة في الأمّ، وكثرة نسلها، وهكذا فَسَّره كثيرون من أهل اللغة وغيرهم، وقال كثيرون منهم: هو أول النتاج كانوا يذبحونه لآلهتهم، وهي طواغيتهم، وكذا جاء هذا التفسير في «صحيح البخاريّ» و«سنن أبي داود»، وقيل: هو أول النتاج لمن بلغت إبله مائة يذبحونه، وقال شَمِر: قال أبو مالك: كان الرجل إذا بلغت إبله مائة قَدَّمَ بَكْرًا، فنحره لصنمه، ويسمّونه الفرع. انتهى كلام النوويّ – رحمه الله – [شرح النوويّ” ١٣/ ١٣٥ – ١٣٦]”. [(٦) – (بابُ الفَرَعِ، والعَتِيرَةِ)، البحر المحيط الثجاج].
أورد أبو داود حديث نبيشة بن عبد الله رضي الله عنه وفيه: [(نادى رجل رسول الله ﷺ: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟)].
قوله: [(فما تأمرنا؟)] أي: هل نبقى على ذلك ونعمل به أو نترك؟ هذا هو مقتضى السؤال، فقال: [(في أي شهر كان)]، يعني ليس ذلك خاصًا برجب، وهذا الذي كان في الجاهلية في رجب لا يصار إليه ولا يتقيد به، وإنما يتقرب إلى الله عز وجل بالذبح في أي وقت.
قوله: [(وبروا الله عز وجل)] أي: اعملوا البر لله عز وجل.
قوله: [(وأطعموا)] يعني: تصدقوا وأحسنوا.
قوله: [(قال: إنا كنا نفرع فرعًا في الجاهلية فما تأمرنا؟)].
قوله: [(في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل -قال نصر – استحمل للحجيج ذبحته فتصدقت بلحمه)].
قوله: [(في كل سائمة فرع)] أي: ولد، [(تغذوه ماشيتك)] يحتمل أن المعنى أن الماشية تغذيه بالحليب، أو أنك تغذوه كما تغذو ماشيتك، أي: تعلفه كما تعلف ماشيتك، وهذا هو الأقرب لما سيأتي من قوله: [(حتى إذا استحمل للحجيج)]، أي: صار أهلًا لأن يحمل عليه، ومعلوم أن هذا لا يكون إلا بالعلف كما فعل في الماشية، وليس ذلك بكون أمه ترضعه؛ لأنه لا يزال صغيرًا لا يستطيع الحمل ولا يصلح للركوب.
قوله: [(حتى إذا استحمل)] قال بعض الرواة: [(للحجيج)] الحجيج جمع حاج، أي: أنه يحج عليه ويركب عليه، ويستعمل في الحج وغير الحج.
قال: [(حتى إذا استحمل) قال نصر: (استحمل للحجيج ذبحته فتصدقت به)].
قوله: [قال نصر] هو أحد شيخي أبي داود، وهو نصر بن علي الجهضمي، وهو الذي زاد لفظ: [(للحجيج)] أي: صلح لأن يحمل عليه الحاج أو يحمل عليه في الحج، وأما الشيخ الآخر وهو مسدد فإنما قال: [(حتى إذا استحمل)]، ولم يذكر الحجيج.
قوله: [(ذبحته فتصدقت بلحمه)]، أي حتى إذا بلغ هذا المبلغ وصار أهلًا لأن يحمل عليه ذبحته فتصدقت بلحمه.
قوله: [(قال خالد: أحسبه قال: على ابن السبيل؛ فإن ذلك خير)].
خالد هو الحذاء وقوله: [(أحسبه قال: على ابن السبيل)] يعني: أنه ذكر ذلك بدل ذكر الصدقة المطلقة، فقيد: ذلك التصدق بكونه على ابن السبيل.
قوله: [قال خالد: قلت لـ أبي قلابة: كم السائمة؟ قال: مائة] أي أنه تقدم قوله: [(في كل سائمة فرع)]، ومقدار هذه السائمة مائة.
والمذكور هنا في الحديث لا علاقة له بالزكاة، فإن للزكاة مقادير محددة تخرج بشروط محددة، وإنما هذه صدقة أخرى.[شرح الشيخ عبد المحسن العباد لسنن أبي داود، بتصرف يسير].
” وفي الحديث: النَّهيُ عن الذَّبح لغيرِ الله تعالى.
وفيه: هدمُ الإسلام لِمَا كان في الجاهليَّة من عاداتٍ شِركيَّة”.[الموسوعة الحديثية].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في الجمع بين حديث: «لا فرَعَ، ولا عَتِيرة»، وحديث: «الفَرَعُ حقّ»:
قال النوويّ – رحمه الله – ما حاصله: قد صحّ الأمر بالعتيرة، والفَرَع في غير هذا الحديث، وجاءت به أحاديث منها حديث نُبيشة – رضي الله عنه – قال: «نادى رجل رسول الله – ﷺ -، فقال: إنا كنا نَعْتِر عتيرة في الجاهلية في رجب، قال: ((اذبحوا لله في أيّ شهر كان، وبَرُّوا لله، وأطعموا))، قال: إنا كنا نُفْرع فَرَعًا في الجاهلية، فما تأمرنا؟ فقال: ((في كل سائمة فَرَعٌ، تغذوه ماشيتك، حتى إذا استَحْمَل ذبحته، فتصدقت بلحمه))، رواه أبو داود وغيره بأسانيد صحيحة، قال ابن المنذر: هو حديث صحيح، قال أبو قلابة أحد رواة هذا الحديث: السائمة مائة.
وروى البيهقيّ بإسناده الصحيح، عن عائشة – رضي الله عنهما – قالت: «أمرنا رسول الله – ﷺ – بالفَرَعة من كل خمسين واحدة»، وفي رواية: من كل خمسين شاةً شاةٌ، قال ابن المنذر: حديث عائشة صحيح.
قلت سيف بن دوره : وكأن الإمام أحمد أيضا يصحح حديث عائشة قال الدارقطني : … ومن طريق عبدالله بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك قال دخلنا على حفصة بنت عبدالرحمن اخبرتنا أن عائشة اخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة
قال وحدثنا عبدالله بن أحمد قال أبي: وافقه حماد بن سلمة على رفعه
ثم أورده من طريق حماد بن سلمة عن عبدالله بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبدالرحمن عن عائشة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرع من كل خمسين قالت وأمرنا أن نعق عن الغلام شاتين وعن الجارية….. العلل 15/ 405:
كذا فلعله سقطة لفظة شاة
فقول الإمام أحمد وافقه حماد بن سلمة على رفعه تدل على قبوله هذا الخبر
وورد في سنن أبي داود( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل خمسين شاة شاة ) وورد عند الحاكم بلفظ في كل خمسه واحده.
والاضطراب من ابن خثيم خاصة أن ابن المديني قال : منكر الحديث، وقبله آخرون، المهم هو في هذا الحديث اضطرب.
فلا أدري أيهما أرجح الخمسين أم الخمس.
===
وفي سنن أبي داود عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، قال الراوي: أُراه عن جدّه، قال: «سئل النبيّ – ﷺ – عن الفَرَع، قال: الفرع حقّ، وأن تتركوه حتى يكون بَكْرًا، أو ابن مَخاض، أو ابن لَبُون، فتعطيه أرملة، أو تَحْمِل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه، فيلزق لحمه بوَبَره، وتَكْفأ إناؤك، وتُولَّه ناقتك»، قال أبو عبيد في تفسير هذا الحديث: قال النبيّ – ﷺ -: «الفَرَعُ حَقٌّ»، ولكنهم كانوا يذبحونه حين يولد، ولا شبع فيه، ولهذا قال: «تذبحه، فيلزَق لحمه بوَبَره»، وفيه أن ذهاب ولدها يدفع لبنها، ولهذا قال: «خير من أن تكفأ»؛ يعني: إذا فعلت ذلك، فكأنك كفأت إناءك، وأرَقته، وأشار به إلى ذهاب اللبن، وفيه أنه يَفْجَعها بولدها، ولهذا قال: «وتُوَلِّهَ ناقتك»، فأشار بتركه حتى يكون ابن مخاض، وهو ابن سنة، ثم يذهب، وقد طاب لحمه، واستمتع بلبن أمه، ولا يشُقّ عليها مفارقته؛ لأنه استغنى عنها، هذا كلام أبي عبيد.
ورَوى البيهقيّ بإسناده عن الحارث بن عَمْرو، قال: أتيت النبيّ – ﷺ – بعرفات، أو قال: بمنى، وسأله رجل عن العتيرة، فقال: «مَن شاء عَتَرَ، ومن شاء لم يَعْتِرْ، ومن شاء فَرَّع [عبارة «القاموس» تقتضي أن فرّع بتشديد الراء، من التفريع، فتنبّه]، ومن شاء لم يُفَرِّع»[رواه أحمد، والنسائيّ، وهو ضعيف؛ لجهالة بعض رواته، راجع: «شرح -الأثيوبي- على النسائيّ» جـ ٣٢ ص ٣٩٢ – ٣٩٣].
وعن أبي رَزِين قال: يا رسول الله إنا كنا نذبح في الجاهلية ذبائح في رجب، فنأكل منها، ونطعم، فقال رسول الله – ﷺ -: «لا بأس بذلك».
وعن أبي رَمْلة، عن مِخْنف بن سُليم، قال: كنا وُقُوفًا مع رسول الله – ﷺ – بعرفات، فسمعته، يقول: «يا أيها الناس إن على أهل كل بيت في كل عام أضحيةً، وعتيرةً، هل تدري ما العتيرة؟ هي التي تسمى الرجبية»، رواه أبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وغيرهم، قال الترمذيّ: حديث حسن.
وقال الخطابيّ: هذا الحديث ضعيف المخرج؛ لأن أبا رملة مجهول، هذا مختصر ما جاء من الأحاديث في الفرع والعتيرة.
قال الشافعيّ – رحمه الله -: الفرع شيء كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم، فكان أحدهم يذبح بِكْر ناقته، أو شاته، فلا يغذوه رجاء البركة فيما يأتي بعده، فسألوا النبيّ – ﷺ – عنه، فقال: «فَرَّعوا إن شئتم»؛ أي: اذبحوا إن شئتم، وكانوا يسألونه عما كانوا يصنعونه في الجاهلية؛ خوفًا أن يُكْرَه في الإسلام، فأعلمهم أنه لا كراهة عليهم فيه، وأمرهم استحبابًا أن يغذوه، ثم يُحْمَل عليه في سبيل الله.
قال الشافعيّ: وقوله – ﷺ -: «الفَرَعُ حَقٌّ»؛ معناه: ليس بباطل، وهو كلام عربيّ خرج على جواب السائل، قال: وقوله – ﷺ -: «لا فَرَعَ، ولا عَتِيرة»؛ أي: لا فرع واجب، ولا عتيرة واجبة، قال: والحديث الآخر يدلّ على هذا المعنى، فإنه أباح له الذبح، واختار له أن يعطيه أرملة، أو يَحْمِل عليه في سبيل الله، قال: وقوله – ﷺ – في العتيرة: «اذبحوا لله في أيِّ شهر كان»؛ أي: اذبحوا إن شئتم، واجعلوا الذبح لله في أيّ شهر كان، لا أنها في رجب دون
غيره من الشهور.
قال النووي: والصحيح عند أصحابنا، وهو نصّ الشافعيّ استحباب الفَرَع، والعَتِيرة، وأجابوا عن حديث: «لا فَرَعَ، ولا عَتِيرة» بثلاثة أوجه:
[أحدها]: جواب الشافعيّ السابق، أن المراد نفي الوجوب.
[والثاني]: أن المراد نفي ما كانوا يذبحون لأصنامهم.
[والثالث]: أنهما ليسا كالأضحية في الاستحباب، أو في ثواب إراقة الدم، فأما تفرقة اللحم على المساكين، فَبِرّ، وصدقة، وقد نَصّ الشافعيّ في «سنن حرملة» أنها إن تيسَّرت كلَّ شهر كان حسنًا، هذا تلخيص حُكمها في مذهبنا، وادَّعى القاضي عياض أن جماهير العلماء على نَسْخ الأمر بالفَرَع، والعتيرة، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ – رحمه الله – [«شرح النوويّ» ١٣/ ١٣٦ – ١٣٧].
وقال في «الفتح»: واستنبط الشافعي منه – أي: من حديث: «لا فَرَع ولا عَتِيرة»- الجوازَ إذا كان الذبح لله؛ جمعًا بينه وبين حديث: «الفَرَعُ حَقٌّ»، وهو حديث أخرجه أبو داود، والنسائيّ، والحاكم، من رواية داود بن قيس، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه عبد الله بن عمرو، كذا في رواية الحاكم:
«سئل رسول الله – ﷺ – عن الفَرَع، قال: الفَرَع حقّ، وأن تتركه حتى يكون بنت مخاض، أو ابن لبون، فتَحْمِل عليه في سبيل الله، أو تعطيه أرملة خير من أن تذبحه، يلصق لحمه بوبره، وتُوَلِّه ناقتك».
وللحاكم من طريق عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة من قوله: «الفرعة حقّ، ولا تذبحها، وهي تلصق في يدك، ولكن أمْكِنها من اللبن حتى إذا كانت من خيار المال، فاذبحها»…..
ثم نقل قول الشافعي وسبق ذكره
ورَوى النسائيّ، وصححه الحاكم، من حديث الحارث بن عمرو، أنه لقي رسول الله – ﷺ – في حجة الوداع، فقال رجل: يا رسول الله العتائر، والفرائع، قال: «من شاء عَتَرَ، ومن شاء لم يعتر، ومن شاء فَرَّع، ومن شاء لم يُفَرَّع»، وهذا صريح في عدم الوجوب، لكن لا ينفي الاستحباب، ولا يُثبته، فيؤخذ الاستحباب من حديث آخر.
وقد أخرج أبو داود من حديث أبي العُشَراء، عن أبيه، أن النبيّ – ﷺ – سئل عن العتيرة، فحسَّنها.
وأخرج أبوداود النسائيّ وصححه ابن حبان، من طريق وكِيع بن عُدُس، عن عمه أبي رَزِين العُقَيليّ قال: قلت: يا رسول الله إنا كنا نذبح ذبائح في رجب، فنأكل، ونطعم من جاءنا؟، فقال: «لا بأس به»، قال وكيع بن عُدُس: فلا أدَعُه.
وجزم أبو عبيد بأن العتيرة تُستحب، وفي هذا تعقّب على من قال: إن ابن سيرين تفرد بذلك، ونَقَل الطحاويّ عن ابن عون أنه كان يفعله، ومال ابن المنذر إلى هذا، وقال: كانت العرب تفعلهما، وفَعَلهما بعض أهل الإسلام بالإذن، ثمِ نَهى عنهما، والنهي لا يكون إلا عن شيء كان يُفْعَلُ، وما قال أحد: إنه نهى عنهما، ثم أذِن في فعلهما، ثم نَقَل عن العلماء تَرْكهما إلا ابن سيرين، وكذا ذكر عياض أن الجمهور على النَّسخ، وبه جزم الحازميّ، وما
تقدم نَقْله عن الشافعيّ يَرُدّ عليهم.
وقد أخرج أبو داود، والحاكم، والبيهقيّ، واللفظ له، بسند صحيح، عن عائشة – رضي الله عنهما -: «أمرنا رسول الله – ﷺ – بالفَرَعَة في كل خمسين واحدة». انتهى ما في «الفتح» [«الفتح» ١٢/ ٤١٤ – ٤١٦، كتاب «العقيقة» رقم (٥٤٧٤)]، وهو بحث نفيسٌ.
قلت سيف بن دوره :
وقد أخرج أبو داود من حديث أبي العُشَراء، عن أبيه، أن النبيّ – ﷺ – سئل عن العتيرة، فحسَّنها.
قال الذهبي في الميزان (2/583)أنبأنا يحيى بن الصيرفي أخبرنا عبد القادر الحافظ أخبرنا مسعود بن الحسن أخبرنا عبد الوهاب بن منده أخبرنا أبي أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى بن منده حدثنا أحمد بن الفرات حدثنا عبد الرحمن بن قيس حدثنا حماد بن سلمة عن أبي العشراء الدارمي عن أبيه سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العتيرة فحسنها
ورواه أبو داود في غير سننه عن زبنج عن عبد الرحمن بن قيس
قال أبو بكر بن أبي داود قال أبي ذكرته لأحمد بن حنبل فاستحسنه قال هذا من حديث الأعراب أمله علي قال فكتبه عني ) انتهى.
وفي ذخيرة الحفاظ :
1391 – حديث : ان النبي ( سئل عن العتيرة ؟ فحسنها . رواه عبد الرحمن بن قيس أبومعاوية الزعفراني الضبي : عن حماد بن سلمة ، عن أبي العشراء ، عن أبيه .
وهذا لا أعلم يرويه عن حماد غير أبي معاوية هذا ، وهو متروك الحديث . انتهى
بل قال صالح جزرة في عبدالرحمن بن قيس : كان يضع الحديث وكذبه ابن مهدي وأبو زرعة.
فلعل تعجب الإمام أحمد ليس تصحيحا وإنما لأمر آخر
أما حديث أبي زرين العقيلي :
فأخرج النسائيّ 4233 واحمد 16202 وصححه ابن حبان، من طريق وكِيع بن عُدُس، عن عمه أبي رَزِين العُقَيليّ قال: قلت: يا رسول الله إنا كنا نذبح ذبائح في رجب، فنأكل، ونطعم من جاءنا؟، فقال: «لا بأس به»، قال وكيع بن عُدُس: فلا أدَعُه.
قال محققو المسند : إسناده ضعيف لجهالة وكيع بن عُدُس . وكذلك ضعفه صاحب أنيس الساري. 4227
وحديث الحارث من شاء عتر …. حكم عليه الألباني بأنه ضعيف لكن ذكر شواهد له ن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث نبيشة ارواء الغليل 4/409
وقال العلّامة الشوكانيّ – رحمه الله -: أحاديث الباب يدلّ بعضها على – وجوب العَتيرة والفرَع، وهو حديث مِخنَف، وحديث نُبيشة، وحديث عائشة، وحديث عمرو بن شُعيب، – وبعضها يدلّ على مجرّد الجواز من غير وجوب، وهو حديث الحارث بن عمرو، وأبي رَزين، فيكون هذان الحديثان كالقرينة الصارفة للأحاديث المقتضية للوجوب إلى الندب.
وقد اختُلف في الجمع بين الأحاديث المذكورة، والأحاديث القاضية بالمنع من الفرَع والعَتيرة، فقيل: إنه يُجمع بينها بحمل أحاديث الجواز على الندب، وحمل أحاديث المنع على عدم الوجوب،
ذكر ذلك جماعة، منهم: الشافعيّ، والبيهقيّ، وغيرهما، فيكون المراد بقوله:
»لا فرَع، ولا عَتِيرة«؛ أي: لا فرَع واجب، ولا عَتِيرة واجبةٌ، وهذا لا بدّ منه، مع عدم العلم بالتاريخ؛ لأن المصير إلى الترجيح مع إمكان الجمع لا يجوز، كما تقرّر في موضعه.
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن أحاديث الجواز منسوخة بأحاديث المنع، وادّعى القاضي عياضٌ أن جماهير العلماء على ذلك، ولكنّه لا يجوز الجزم به إلا بعد ثبوت أنها متأخرة، ولم يثبت.
وقال أيضًا: عند شرح حديث :»لا فرَع، ولا عتيرة« ما حاصله: وقد استدلّ بهذا من قال: إن الفرع والعتيرة منسوخان، وقد عرفت أن النَّسخ لا يتمّ إلا بعد معرفة تأخّر تاريخ ما قيل: إنه ناسخٌ.
فأعدل الأقوال الجمع بين الأحاديث بما سلف، ولا يعكُر على ذلك رواية النهي؛ لأن معنى النهي الحقيقيّ، وإن كان هو التحريم، لكن إذا وُجدت قرينة أخرجته عن ذلك.
ويمكن أن يُجعل النهي موجّهًا إلى ما كانوا يذبحونه لأصنامهم، فيكون على حقيقته، ويكون غير متناول لِما ذُبح من الفرع، والعتيرة لغير ذلك، مما فيه وجه قربة.
وقد قيل: إن المراد بالنفي المذكور نفي مساواتهما للأضحية في الثواب، أو تأكّد الاستحباب.
وقد استدلّ الشافعيّ بما روي عنه – ﷺ – أنه قال: »اذبحوا لله في أيّ شهر كان« على مشروعيّة الذبح في كلّ شهر إن أمكن، قال في »سنن حرملة«: إنها إن تيسّرت كلّ شهر كان حسنًا .. انتهى كلام الشوكانيّ – رحمه الله – ببعض تصرّف.
قال الأثيوبي عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله الشوكانيّ – رحمه الله – تحقيق نفيسٌ جدًّا. وحاصله أن يُجمع بين حديث: »لا فرع، ولا عَتيرة” وأحاديث الأمر بالفرع والعتيرة، بأن الأمر للندب، والنفي محمول على نفي الوجوب، أو أن النفي محمول على الفَرَع والعتيرة التي كانت على صفة الجاهليّة، مِن ذَبْحها تقرّبًا لآلهتهم، وأما أحاديث الجوارْ فمحمولة على ما كان لله تعالى، وأما دعوى النسخ، أو الترجيح، فمما لا يُلتفت إليه؛ إذ هما لا يُصار إليهما إلا عند تعذّر الجمع بين النصوص، وأيضًا لا بدّ في النسخ من تأخّر النص المدّعى أنه ناسخٌ، ولا يوجد هنا.
والحاصل أن القول بمشروعيّة الفَرَع والعتيرة على الوجه المشروع هو الحقّ، وهو أن يكون لله تعالى، لا لأيّ مخلوق كان، من الأصنام وغيرها، كما كان يفعله الجاهليّون الأولون، أو كما يفعله الجاهليّون المعاصرون من ذبحهم لقبور مشايخهم، أو كما يفعله الآخرون من ذبحهم للجن والتقرّب إليهم، فكلّ هذا حرام، والمذبوح به ميتة، وأما ما كان خالصًا لله تعالى، فلا نهي فيه في أيّ شهر كان، وفي أيّ مكان كان. اللهم اهدنا فيمن هديت، وتولّنا فيمن تولّيت، اللهم أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلًا، وارزقنا اجتنابه، آمين. [(٦) – (بابُ الفَرَعِ، والعَتِيرَةِ)، البحر المحيط الثجاج].
وقال ابن القيم رحمه الله بعد أن ذكر بعض الأحاديث الدالة على مشروعية العتيرة:” وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر – بعد أن ذكر بعض الأحاديث في العتيرة – قال : وَقَدْ كَانَتْ الْعَرَب تَفْعَل ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّة ، وَفَعَلَهُ بَعْض أَهْل الإِسْلام , فَأَمَرَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا ثُمَّ نَهَى عَنْهُمَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ : ((لا فَرَع وَلا عَتِيرَة)) فَانْتَهَى النَّاس عَنْهُمَا لِنَهْيِهِ إِيَّاهُمْ عَنْهُمَا, وَمَعْلُوم أَنَّ النَّهْي لا يَكُون إِلا عَنْ شَيْء قَدْ كَانَ يُفْعَل, وَلا نَعْلَم أَنَّ أَحَدًا مِنْ أَهْل الْعِلْم يَقُول : إِنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَهَاهُمْ عَنْهُمَا ثُمَّ أَذِنَ فِيهِمَا, وَالدَّلِيل عَلَى أَنَّ الْفِعْل كَانَ قَبْل النَّهْي قَوْله فِي حَدِيث نُبَيْشَة : ( إِنَّا كُنَّا نَعْتِر عَتِيرَة فِي الْجَاهِلِيَّة , وَإِنَّا كُنَّا نُفْرِع فَرَعًا فِي الْجَاهِلِيَّة ) وَفِي إِجْمَاع عَوَامّ عُلَمَاء الأَمْصَار عَلَى عَدَم اِسْتِعْمَالهمْ ذَلِكَ وُقُوف عَنْ الأَمْر بِهِمَا, مَعَ ثُبُوت النَّهْي عَنْ ذَلِكَ بَيَان لِمَا قُلْنَا” انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين في “الشرح الممتع” (7/325) :
” قول الرسول عليه الصلاة والسلام : ( لا فَرَعَ ولا عتيرة ) ، وفي رواية : ( لا فَرَعَ ولا عتيرة في الإسلام ) ، تخصيص ذلك في الإسلام يوحي بأنها من خصال الجاهلية، ولهذا كره بعض العلماء العتيرة، بخلاف الفرعة لورود السنة بها، وأما العتيرة فجديرة بأن تكون مكروهة – يعني الذبيحة في أول رجب – لاسيما وأنه إذا ذبحت في أول رجب ، وقيل للناس إن هذا لا بأس به، فإن النفوس ميالة إلى مثل هذه الأفعال ، فربما يكون شهر رجب كشهر الأضحية، ذي الحجة، ويتكاثر الناس على ذلك ، ويبقى مظهراً ومشعراً من مشاعر المناسك ، وهذا لا شك أنه محظور.
فالذي يترجح عندي: أن الفرعة لا بأس بها؛ لورود السنة بها، وأما العتيرة فإن أقل أحوالها الكراهية”. انتهى.
وراجع عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند حيث شرحنا حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الفرع والعتيرة والحديث على شرط المتمم على الذيل على الصحيح المسند. والحديث في البخاري بلفظ ( لا فرع ولا عتيرة ) فلعله محفوظ بالوجهين أو رواه بعض الرواة بالمعنى ونقلنا في شرحه توجيه ابن حجر والشوكاني وتأييد الأثيوبي
===
(المسألة الثالثة): ((بدع شهر رجب))
“شهر رجب أحدُ الأشهر الحرم الأربعة التي نص عليها القرآن قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}[التوبة:٣٦].
وبينت السنة هذه الأربعة، كما ثبت في الصحيحين عن أبي بكرة –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا, منها أربعة حرم؛ ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)).
وسمي رجب مضر نسبة إلى قبيلة مضر؛ لأنهم كانوا أشد تعظيما له من غيرهم, وقد كان أهل الجاهلية يعظّمون هذه الأشهرَ الحرم, وخاصة شهرَ رجب فكانوا لا يقاتلون فيه، حتى أن الرجل يلقى قاتلَ أبيه فلا يمسه بسوء.
وسميت هذه الأشهرُ الأربعةُ حرما لعظم حرمتها ولحرمة القتال فيها.
وينبغي التفريق بين الأشهر الحرم, وأشهر الحج، فأشهر الحج: شوال وذو القعدة وذو الحجة، والأشهر الحرم هي ما سبق.
وهذه الأشهر الأربعة الحرم حرمها العرب في الجاهلية، وسبب تحريمهم القعدة والحجة ومحرم هو: أداء شعيرة الحج، فكانوا يحرمون قبله شهراً؛ ليتمكنوا من السير إلى الحج ويسمونه القعدة؛ لقعودهم عن القتال فيه، ثم يحرمون ذا الحجة, وفيه أداءُ مناسكهم وأسواقهم، ثم يحرمون بعده شهراً ليعودوا إلى ديارهم, وحرموا شهر رجب في وسط الحول؛ لأجل زيارة البيت والإعمار، فيأمن قاصدُ البيت الغارةَ فيه.
فهذه الأشهر الحرم لها مكانة عظيمة في الجاهلية أقرها الإسلام، وهذه فضيلة شهر رجب في الشريعة، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: آية ٣٦], في هذه الأشهرِ المحرمة، وفُسِّر الظلم بأنه: فعل المعاصي وترك الطاعات، وهو يشمل: ظلم العبد لنفسه بالشرك والمعصية، وظلم العبد لغيره من الخلق بأنواع المظالم.
قال ابن عباس –رضي الله عنه-: خص الله من شهور العام أربعةَ أشهر فجعلهن حرما، وعظم حرماتهن، وجعل الذنب فيهن والعمل الصالح والأجر أعظم. [انظر: تفسير ابن كثير, (4/148)].
وقال قتادة رحمه الله: العمل الصالح أعظمُ أجراً في الأشهر الحرم، والظلم فيهن أعظمُ خطيئة وزورا من الظلم فيما سواهن، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً, وان الله يعظم من أمره ما يشاء. [انظر: تفسير ابن كثير, (4/148)].
فينبغي للعبد مراعاة حرمة هذه الأشهرـ ومنها شهر رجب ـ هذا لما خصها الله به من المنزلة، والحذرُ من الوقوع في المعاصي والآثام تقديرا لما لها من حرمة؛ لأن المعاصي تعظم بسبب شرف الزمان الذي حرّمه الله سبحانه”.
وأما ((بدع شهر رجب)):
1) “وقد كانوا في الجاهليةِ يُعظِّمون رَجَبًا، ويذبحونَ في العشرِ الأوَّلِ منه ذبيحةً يُقال لها ((العَتِيرَة)) أو ((الرَّجَبيَّة))، وفَعَلَ ذلك بعضُ أهلِ الإسلام، ونهاهُم عنه النبيُّ -عليه الصلاة وأزكي السلام، صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين-، قال: ((لا فَرَعَ ولا عَتيرة)).فأما العَتيرةُ: فهي الذبيحةُ التي تُذبحُ في رَجَب.وأما الفَرَعُ: فما يجعلونهُ من نَتَاجِ الإبلِ وما يكونُ عِنْدَهُم مِن أنعامِهم لأصنامِهم، فنهى عن ذلك نبيُّنا -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
والعبادات توقيفية: فلا يجوزُ أن يُذبحَ إلَّا على قانونِ الشرع، كما أنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- نهانا عن الأكلِ مما لم يُذكر اسمُ اللهِ عليه؛ لأنَّ الذبحَ إنما يكون باسمِ الله؛ لأنه لو لم يأذن لنا ربُّنا -تبارك وتعالى- بذبحِ ذَبائحِنا؛ ما كان لنا أنْ نذبحها، ولِمَ نُعَذِّبُها، ولِمَ نَعتدي عليها؟
لكنْ أحلَّ اللهُ -ربُّ العالمين- ذلك لنا، وأَقْدَرَنا عليه، فنَفعلُهُ باسمِ الله، فإذا لم يُذكر اسمُ اللهِ -تبارك وتعالى- على الذبيحةِ لا يُؤكل منها، فكذلك لا يُذبحُ إلا على قانونِ الشرع
2) *ولم يَصِحَّ في فضلِ صومِ رَجَب بخصوصهِ شيءٌ عن النبيِّ -صلى الله عليه وآله وسلم- ولا عن أصحابهِ.وما ذكروا من فضلِ الصيامِ فيه وما ذكروا من فضلِ صيامهِ؛ فأحاديثٌ موضوعةٌ مكذوبةٌ على رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- وأُخَرُ ضَعيفات، ولم يَصِحَّ أنه كان يَسْرُدُ الثلاثةَ الأشهر -أعني شعبانَ مع رَجَب ورَمَضَانَ- صيامًا؛ لم يَفعل ذلك رسولُ الله -صلى عليه وسلم-، والعَوَّامُ يَخصُّونَ رَجَبًا بالصومِ، والعَوَّامُ يَسْرُدُونَ الأشهرَ الثلاثةِ سَرْدًا بصومٍ، وكلُّ ذلك لم يفعلهُ الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابُهُ، ولو كان خَيْرًا لسبقونَا إليه -صلى الله وسلم وبارك عليه- و-رضي اللهُ عن أصحابهِ أجمعين-.
*فليسَ للصومِ فيه من فَضْلٍ زائد، والعَوَّامُ يَحسَبُونَ ذلك سُنَّةً وليس بِسُنَّةٍ، بل إنَّ تخصيصَهُ بالصيامِ بِدعة.
وقد صَحَّ أنَّ عُمرَ -رضي الله عنه- كان يضربُ أيديَ النَّاسِ في رَجَب ليضعوا أيديَهم في الطعامِ في رَجَب، ويقول: ((لا تُشَبِّهُوهُ بِرَمضان)).فكان يضربُ أيدي الناسِ ليضعوا أيديَهم في طعامِهم ويقول: ((لا تُشَبِّهُوهُ بِرَمضان)) -رضي الله عنه-.
*وأما إنَّ صامَ بعضَهُ وأفطرَ بعضَهُ؛ فلا كراهةَ في ذلك.
3) *و((صلاةُ الرَّغائبِ)) مُبْتَدَعةٌ مَصنوعة:
وهي التي تكونُ في ليلةِ أوَّلِ جُمُعَةٍ مِن شهرِ رَجَب.
فهذه الصلاةُ إنما هي حادثةٌ مُتأخرة، والأحاديثُ التي كُذِبَ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- فيها وبشأنِها ليس شيءٌ منها في دواوينِ أهلِ السُّنَّةِ ممن تَقَدَّمَ من أهلِ السُّنةِ المُدَوِّنينَ للسُّنَّةِ -رحمةُ اللهِ عليهم-؛ لأنَّ هذه الأحاديثُ التي كُذِبَ فيها على المُختارِ -صلى الله عليه وسلم- حادثةٌ مُتأخرة.
4)*وكذلك قَصْدُ زيارةِ القبورِ في أوَّلِ خميسٍ من شهرِ رَجَب وفي أوَّلِ يومٍ منه بَعْدَ صلاةِ الصُّبْحِ: مما يفعلهُ النساءُ مِن فارغاتِ العقولِ والقلوبِ مِن أنوارِ الإيمانِ والاتِّباعِ للرسول، وكذلك يفعلهُ كثيرٌ مِن الرجالِ ويَحسَبونَ ذلك قُرْبَةً عند الكبيرِ المُتعال، وما هي إلا بِدعةٌ ابتدعَها لهم شياطينُهم من شياطينِ الإنسِ والجِنِّ وليس ذلك في شيءٍ من أَثَرٍ يُرْجَعُ إليه، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه.
5) *ومنه ما يفعلهُ كثيرٌ من المسلمين مما أطبقوا عليه في ((ليلةِ السابعِ والعشرينَ من شهرِ رجب)) يزعمون، بل يعتقدون أنَّ ((الإسراء والمعراج)) قد وقع في تلك الليلة ويجزمون بذلك، ولم يَكُن شيءٌ من ذلك في ذلك، والله المستعان.
“. [بدع شهر رجب، للشيخ محمد سعيد رسلان].