1148 التعليق على الصحيح المسند
مجموعة: طارق أبي تيسير، ومحمد البلوشي، وعبدالحميد البلوشي، وكديم، ونوح وموسى الصوماليين.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند (ج2/ رقم 1148):
مسند نبيشة رضي الله عنها
قال الإمام أبو داود رحمه الله: حَدَّثَنا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا خالِدٌ الحَذّاءُ، عَنْ أبِي المَلِيحِ، عَنْ نُبَيْشَةَ رضي الله عنه، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إنّا كُنّا نَهَيْناكُمْ عَنْ لُحُومِها أنْ تَاكُلُوها فَوْقَ ثَلاثٍ؛ لِكَيْ تَسَعَكُمْ، فَقَدْ جاءَ اللَّهُ بِالسَّعَةِ، فَكُلُوا وادَّخِرُوا واتَّجِرُوا، ألا وإنَّ هَذِهِ الأيّامَ أيّامُ أكْلٍ وشُرْبٍ وذِكْرِ اللَّهِ عز وجل»
قال الوادعي رحمه الله:
هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخين. وقد أخرج مسلم بعضه من قوله: «ألا وإنَّ هَذِهِ الأيّامَ» إلى آخره.
الحديث أخرجه النسائي (ج (7) ص (170))، وابن ماجه (ج (2) ص (1055)).
===================
الحديث سيكون من وجوه:
وقد بوب عليه الوادعي في جامعه: ” (47) – قوله تعالى: {واذْكُرُوا اللَّهَ فِي أيّامٍ مَعْدُوداتٍ} “، و” (70) – الإكثار من ذكر الله في أيام التشريق”، و ” (49) – الأضاحي”. وسيأتي ذكر الأحاديث الواردة في الصحيح المسند المتعلقة بالباب.
والحديث الذي أشار إليه الشيخ مقبل انه أخرج بعضه هو ما أخرجه مسلم
(144) – ((1141)) وحَدَّثَنا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنا هُشَيْمٌ، أخْبَرَنا خالِدٌ، عَنْ أبِي المَلِيحِ، عَنْ نُبَيْشَةَ الهُذَلِيِّ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أيّامُ التَّشْرِيقِ أيّامُ أكْلٍ وشُرْبٍ»
((1141)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا إسْماعِيلُ يَعْنِي ابْنَ عُلَيَّةَ، عَنْ خالِدٍ الحَذّاءِ، حَدَّثَنِي أبُو قِلابَةَ، عَنْ أبِي المَلِيحِ، عَنْ نُبَيْشَةَ، قالَ خالِدٌ: فَلَقِيتُ أبا المَلِيحِ، فَسَألْتُهُ، فَحَدَّثَنِي بِهِ، فَذَكَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، بِمِثْلِ حَدِيثِ هُشَيْمٍ وزادَ فِيهِ «وذِكْرٍ لِلَّهِ»
وفي السنن بوب عليه أبو داود رحمه الله تعالى: كِتَاب الضَّحَايَا، بَابٌ: فِي حَبْسِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ، رقم ((2813)).
وفي الباب حديث جابر: كنا نهينا أن نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى فارخص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كلوا وتزودوا. البخاري 1719، ومسلم 1972
وحديث عائشة وفيه: إنما نهيتكم من أجل الدافة. أخرجه البخاري 5423، ومسلم 1971.
وحديث أبي سعيد أخرجه مسلم 1973، وحديث سلمة بن الأكوع أخرجه البخاري 5569 ومسلم 1974. وحديث ثوبان أخرجه مسلم 1975.
ومن الأحاديث التي فيها المنع حديث علي بن أبي طالب أخرجه مسلم 1969
وسيأتي ذكر وجه الجمع إن شاء الله
من معاني الكلمات: (واتَّجِرُوا) يعني ابتغوا الأجر بإعطاء الفقراء.
الأول:
شرح الحديث:
قال الإمام أبو داود رحمه الله في السنن: كِتَاب الضَّحَايَا، بَابٌ: فِي حَبْسِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ”. وأورد تحته حديثان: حديث عائِشَةَ رضي الله عنها، تَقُولُ: دَفَّ ناسٌ مِن أهْلِ البادِيَةِ حَضْرَةَ الأضْحى فِي زَمانِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «ادَّخِرُوا الثُّلُثَ، وتَصَدَّقُوا بِما بَقِيَ». قالَتْ: فَلَمّا كانَ بَعْدُ ذَلِكَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: يا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ كانَ النّاسُ يَنْتَفِعُونَ مِن ضَحاياهُمْ، ويَجْمُلُونَ مِنها الوَدَكَ، ويَتَّخِذُونَ مِنها الأسْقِيَةَ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «وما ذاكَ » – أوْ كَما قالَ – قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ نَهَيْتَ عَنْ إمْساكِ لُحُومِ الضَّحايا بَعْدَ ثَلاثٍ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إنَّما نَهَيْتُكُمْ مِن أجْلِ الدّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ، فَكُلُوا وتَصَدَّقُوا وادَّخِرُوا»، (د) (2812) [قال الألباني]: صحيح.
وحديث نُبَيْشَةَ رضي الله عنه.
وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم التَّكافُلَ والتَّراحُمَ فيما بينَنا، وهذا مِن تَمامِ الإخلاصِ والامتثالِ لأوامرِ اللهِ، وقد جاء الإسلامُ بالتَّوحيدِ للهِ تعالى وإفرادِه بالعباداتِ والقُرباتِ؛ ولذلك نَهى عن كلِّ ذَبحٍ كان لغيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ وأمر النَّاسَ بإخلاصِ النِّيَّةِ في القُرباتِ والطَّاعاتِ للهِ. ففي حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “تَقُولُ: دَفَّ ناسٌ” قال النوويّ: قال أهل اللغة: الدافّة بتشديد الفاء: قوم يسيرون جميعًا سيرًا خفيفًا، ودَفّ يَدِفّ بكسر الدال، ودافّة الأعراب: مَن يَرِدُ منهم المصرَ، والمراد هنا: مَن ورَد من ضعفاء الأعراب للمواساة. انتهى [«شرح النوويّ» (13) / (130)].
وقال ابن عبد البرّ: معناه عند أهل اللغة: أتونا، وأصله عندهم مِن دَفَّفَ الطائرُ: إذا حرّك جناحيه، ورجلاه في الأرض، يقال في ذلك: دَفّ الطائر يَدِفّ دَفِيفًا، وقال الخليل: والدافّة: قوم يدُفّون؛ أي: يسيرون سيرًا لينًا، وتدافّ القومُ: إذا ركب بعضهم بعضًا، في قتال، أو نحوه. انتهى [«التمهيد» لابن عبد البرّ (17) / (208)].
وقال القرطبىّ: الدَّفِيف: الدبيب، وهو السير الخفيّ اللَّين، والدّافة: الجيش الذين يدِبّون إلى أعدائهم، وكان هؤلاء ناسٌ ضعفاء، فجاؤوا دابين؛ لِضَعفهم من الحاجة والجوع. انتهى [«المفهم» (5) / (377) – (378)].
وقال ابن الأثير رحمه الله: الدّافّة: القوم يسيرون سيرًا ليس بالشديد، يقال: هم يدفّون دفيفًا، والدافّة: قومٌ من الأعراب، يَرِدون المصر، يُريد أنهم قوم قَدِموا المدينة عند الأضحى، فنهاهم عن ادّخار لحوم الأضاحي، ليفرّقوها، ويتصدّقوا بها، فينتفع أولئك القادمون بها. انتهى [«النهاية» لابن الأثير (2) / (124)].
(مِن أهْلِ البادِيَةِ)؛ أي: من الأعراب الذين يسكنون البادية، وهو خلاف الحاضرة، وهو متعلِّق بصفة لـ «أهل أبيات»،
(حِضْرَةَ الأضْحى) قال القرطبيّ: الرواية المعروفة بسكون الضاد، وهو منصوب على الظرف؛ أي: زمن حضور الأضحى، ومشاهدته، وقيَّده بعضهم: حَضَرَة -بفتح الضاد- وفي «الصحاح» يقال: كلَّمته بَحضْرة فلان، وبمحضر من فلان؛ أي: بمشهد منه، وحَكى
يعقوب: كلَّمته بحَضَر فلان -بالتحريك من غير هاء- وكلَّمته بِحَضْرة فلان، وحُضرته، وحِضرته. انتهى [«الصحاح» ص (241)].
وقال النوويّ: هي بفتح الحاء، وضمّها، وكسرها، والضاد ساكنة فيها كلِّها، وحُكي فتحها، وهو ضعيفٌ، وإنما تُفتَح إذا حُذفت الهاء، فيقال: بحضر فلان. انتهى [«شرح النوويّ» (13) / (130)].
(زَمَنَ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَقالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -:» ادَّخِرُوا ثَلاثًا) وفي رواية النسائيّ: «كُلُوا، وادّخروا ثلاثًا»، (ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِما بَقِيَ): والمعنى: كلوا بعضه، وادّخروا بعضه مدةَ ثلاث ليال، وما فَضَل عن ذلك، فتصدّقوا به على هؤلاء المحتاجين. (فَلَمّا كانَ بَعْدَ ذَلِكَ) اسم (كان) محذوف؛ أي: فلمّا كان الزمن بعد ذلك الوقت الذي قال فيه – صلى الله عليه وسلم -: (ادّخروا … إلخ)؛ أي: في العام الذي يليه، (قالُوا: يا رَسُولَ اللهِ، إنَّ النّاسَ يَتَّخِذُونَ الأسْقِيَة) بفتح الهمزة: جمع سقاءَ، قال المجد رحمه الله: السِّقاء، ككِساءٍ: جلدُ السَّخْلة إذا أجذع، يكون
للماء واللبن، جَمْعه: أسقية، وأسقياتٌ، وأساقٍ. انتهى [«القاموس المحيط» ص (624)].
(مِن ضَحاياهُمْ) بفتح الضاد: جمع ضَحِيّة، كعطيّة وعطايا، كما سبق أول الكتاب، (ويَجْمِلُونَ) بالجيم، وفتح أوله، وضمّه، من جَمَل، كنصر، وضرب، وأجمل، يقال: جَمَلتُ الدهن، أجمِله، بكسر الميم، وأجمُلُه بضمّها جَمْلًا، وأجملته إجمالًا؛ أي: أذَبْته، قاله النوويّ [«شرح النوويّ» (13) / (131)].
وقال القرطبيّ:» الودك: الشحم، يقال: جملت الشحم، واجتملته: إذا أذبته، وربّما قالوا: أجملت، وهو قليل. انتهى [«المفهم» (5) / (378)].
ووقع في بعض النُّسخ:» ويَحْملون «بالحاء المهملة، من الحمل؛ أي: يحملون الودك في تلك الأسقية، والله تعالى أعلم.
(مِنها)؛ أي: من تلك الضحايا، (الوَدَكَ) بفتحتين؛ أي: الشحم، ودَسَم اللحم؛ أي: يُذيبون الشحم، ويستخرجون دهنه، (فَقالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -:وما ذاكَ )؛ أي: ما سبب قولكم هذا ، مع ظهور أنه جائز، (قالُوا: نَهَيْتَ أنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحايا) ببناء الفعل للمفعول، (بَعْدَ ثَلاثٍ)؛ أي: بعد ثلاث ليال.
(فَقالَ) – صلى الله عليه وسلم – (إنَّما نَهَيْتُكُمْ مِن أجْلِ الدّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ)؛ أي: لأجل الجماعة التي أتتكم من البادية، أردت أن تتصدّقوا عليهم، وهذا ظاهر فيما قدّمناه من أن المدار هو الحاجة، وليس هذا من باب النَّسخ. قال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله: وهذا نصّ منه – صلى الله عليه وسلم – على أن المنع كان لعلّة، ولَمّا ارتفعت ارتفع المنع المتقدّم؛ لارتفاع موجِبه، لا لأنه منسوخٌ، وهذا يُبطل قول من قال: إن ذلك المنع إنما ارتفع بالنَّسخ، …. قاله الأثيوبي.
[تنبيه]: الفرق بين رفع الحكم بالنَّسخ، ورفعه لارتفاع علّته أن المرفوع بالنسخ
لا يُحكم به أبدًا، والمرفوع لارتفاع علّته يعود الحكم لِعَود العلّة، فلو قَدِمَ على أهل
بلدة ناس محتاجون في زمان الأضحى، ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعةٌ، يسدّون
بها فاقتهم إلا الضحايا، لتعيّن عليهم أن لا يدّخروها فوق ثلاث، كما هو فِعل
النبيّ – صلى الله عليه وسلم -. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله [«المفهم» (5) / (378) – (379)]، وهو تحقيقٌ حسنٌ، والله تعالى أعلم.
(وتَصَدَّقُوا») قال النووىّ رحمه الله: هذا تصريح: بزوال النهي عن ادّخارها فوق ثلاث، وفيه: الأمر بالصدقة منها، والأمر بالأكل، فأما الصدقة منها، إذا كانت أضحية تطوّع، فواجبة على الصحيح عند أصحابنا بما يقع عليه الاسم منها، ويستحبّ أن يكون بمعظمها، قالوا: وأدنى الكمال أن يأكل الثلث، ويتصدّق بالثلث، ويُهدي الثلث. انتهى [«شرح النوويّ» (13) / (131)].
قَوْلُهُ: ((إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ عَلَيْكُمْ، فَكُلُوا وَتَصَدَّقُوا وَادَّخِرُوا)).
وَهَذَا الحُكْمُ ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» أَيْضًا عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
وفي هذا الحديثِ يُخبرُ رجلٌ مِن هُذيلٍ اسمُه نُبيشَةُ رضي الله عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قال: ((إنّا كُنّا نَهَيْناكُمْ عَنْ لُحُومِها)) أي: لحومَ الأضاحيِّ ((أنْ تَاكُلُوها فَوْقَ ثَلاثٍ))، أي: بعد ثلاث ليال، فإنَّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان قد نَهى أن تَخزُنَ وتدَّخِرَ لحومَ الأضاحيِّ أكثرَ مِن ثلاثةِ أيَّامٍ.
((كَيْما تَسَعَكم))، أي: مِن أجْلِ أن تَعُمَّكم، فيَأكُلَ منها الفُقراءُ بمِثلِ ما تَأكُلون مِنها، وقد ورَد في صَحيحِ مُسلمٍ أنَّ هذا النَّهيَ كان مِن أجلِ “الدَّافةِ” الَّتي نزَلَت بالمدينةِ.
((فقد جاء اللهُ عزَّ وجلَّ بالخيرِ))، أي: وسَّع عليكم ورزَقَكم؛ بحيث تُيَسِّرُ على الأغلَبِ أو الجميعِ أن يُضحِّيَ، ((فكُلوا وتَصدَّقوا وادَّخِروا))، أي: هذا بيانٌ لِنَسخِ الحُكمِ المتقدِّمِ وأنَّ لهم أن يدَّخِروا فوق ثلاثةِ أيَّامٍ، ((وإنَّ هذه الأيَّامَ))، أي: أيَّامَ التَّشريقِ، وهي الحادي عشَرَ والثَّاني عشَرَ والثَّالثَ عشَرَ مِن ذي الحِجَّةِ، ((أيَّامُ أكلٍ وشُربٍ))، أي: ليس فيها الصَّومُ، إلَّا لِمَن لم يَصُمِ الثَّلاثةَ الأيَّامِ في التَّمتُّعِ، كما بيَّنَت الرِّواياتُ، ((وذِكْرٍ للهِ عزَّ وجلَّ))، أي: يُكثِرون فيها مِن الذِّكرِ والدُّعاءِ. وفي حديث عائشة – رضي الله عنها -: «وكلوا، وادّخروا، وتصدّقوا»، قال السنديّ: قوله: «ثم كلوا» هذا ظاهر في النسخ، والذي يدلّ عليه النظر في أحاديث الباب أن المدار على حاجة الناس، فإن رأى حاجتهم شديدة ينبغي له أن لا يدّخر فوق ثلاث، وإلا فله ذلك، وعلى هذا فلا نسخ، ولعلّ نهي عليّ – رضي الله عنه – مبنيّ على ذلك، لا على عدم بلوغ النسخ إليه. انتهى.
ثُمَّ سألَ رجلٌ عن بعضِ الذَّبائح التي كانوا يَذبحونها في الجاهليَّةِ لآلهتِهم مُعتقِدينَ أنَّ في ذلك نفعًا لهم، فقال: “إنَّا كنَّا نَعتِرُ عَتيرةً في الجاهليَّةِ في رجبٍ”، أي: كانت لهم ذَبيحةٌ يَذبَحونها في شهرِ رجَبٍ، “فما تَأمُرُنا” أي: فما حُكمُها فصحَّح لهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم العقيدةَ، فقال: ((اذبَحوا للهِ عزَّ وجلَّ في أيِّ شهرٍ ما كان))، أي: ليس الذَّبحُ مَوقوفًا على شَهرٍ بعَينِه، بل هو مُباحٌ في جميعِ شُهورِ السَّنةِ وأيَّامِها؛ ما دامَ لوجهِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ((وبَرُّوا اللهَ عزَّ وجلَّ))، مِن البِرِّ: وهو حُسنُ الطَّاعةِ للأوامرِ والنَّواهي، ((وأطعِموا))، أي: وتصَدَّقوا ممَّا تَذبَحون على الفُقراءِ والمساكينِ.
فقال رجلٌ: “يا رسولَ اللهِ، إنَّا كنَّا نُفْرِعُ فَرَعًا في الجاهليَّةِ”، والفَرَعُ: هو أوَّلُ ما تَلِدُ النَّاقةُ، وكانوا يَذبَحون ذلك لآلِهَتِهم في الجاهليَّةِ، “فما تَأمُرُنا” أي: فما حُكمُه فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: ((في كلِّ سائمةٍ مِن الغنَمِ))، وفي رِوايةٍ: ((في كلِّ سائمةٍ فرَعٌ))، والسَّائمةُ: هي الَّتي تُترَكُ فتَرْعى في العُشْبِ المباحِ الَّذي لا مالِكَ له ولا تُكلِّفُ صاحِبَها عَلفًا، ((فرَعٌ تَغْذوه غنَمُك))، وفي روايةٍ: ((تَغْذوه ماشِيتُك))، أي: تَترُكُه يَرضَعُ مِن لبَنِ أمِّه، وتُغذِّيه، ((حتى إذا استَحمَل))، أي: قَوِيَ على الحَمْلِ وصار جَملًا، ((ذبَحتَه، وتَصَدَّقتَ بلَحمِه على ابنِ السَّبيلِ؛ فإنَّ ذلك هو خيرٌ))، أي: في الأجرِ والثَّوابِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، وقيل: المرادُ بالخيرِ: هو ذبْحُه كبيرًا وبه لَحمٌ أفضَلُ من ذَبحِه صَغيرًا، والمرادُ بابنِ السَّبيلِ: المسافِرُ.
والفرَعَ كان أهلُ الجاهليَّةِ يَطلُبون به البرَكةَ في أموالِهم، فكان أحَدُهم يَذبَحُ بِكْرَ ناقتِه أو شاتِه، فلا يَغْذوه رجاءَ البَركةِ فيما يأتي بعدَه، فسأَلوا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال: ((فَرِّعوا إن شِئتُم))، أي: اذبَحوا إن شِئتُم، وكانوا يَسأَلونه عمَّا يَصنَعون في الجاهليَّةِ؛ خوفًا أن يُكرَه في الإسلامِ، فأعلَمَهم أنْ لا كَراهةَ عليهم فيه ما دام للهِ، وأمرَهم استِحْبابًا أن يَغْذوه، ثمَّ يُحمَلَ عليه في سبيلِ اللهِ.
وأمَّا قولُه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: ((لا فرَعَ ولا عَتيرةَ))، أي: لا فرَعَ واجبًا، ولا عَتيرةَ واجبةً، والحديثُ الأوَّلُ يَدُلُّ على هذا المعنى؛ فإنَّه أباح الفرَعَ، واختارَ أنْ يُعطِيَه أرملةً، أو يَحمِلَ عليه في سَبيلِ اللهِ. [انظر: الموسوعة الحديثية، والبحر المحيط].
الثاني: مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): أحاديث في الباب:
1) من الأحاديث المتفق عليها كما في (اللؤلؤ):
ما كان من النهي عن أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث في أول الإسلام وبيان إِباحته إِلى من شاء:
:1 – 1287 – حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا مِنَ الأَضَاحِي» ثَلاَثًا وَكَانَ عَبْدُ اللهِ يَاكُلُ بِالزَّيْتِ حِينَ يَنْفِرُ مِنْ مِنًى مِنْ أَجْلِ لُحُومِ الْهَدْيِ.
[أخرجه البخاري في: 73 كتاب الأضاحي: 16 باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها].
2 – 1288 – حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: الضَّحِيَّةُ كُنَّا نُمَلِّحُ مِنْهُ، فَنَقْدَمُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «لاَ تَاكُلُوا إِلاَّ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ». وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ، وَلكِنْ أَرَادَ أَنْ يُطْعِمَ مِنْهُ، وَاللهُ أَعْلَمُ.
[أخرجه البخاري في: 73 كتاب الأضاحي: 16 باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها].
3 – 1289 – حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا لاَ نَاكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاَثِ مِنًى، فَرَخَّصَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «كُلُوا وَتَزَوَّدُوا». فَأَكَلْنَا وَتَزَوَّدْنَا.
[أخرجه البخاري في: 25 كتاب الحج: 124 باب ما يأكل من البدن وما يتصدق].
4 – 1290 – حديث سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ». فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ الْمَاضِي قَالَ: «كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ، كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا».
[أخرجه البخاري في: 73 كتاب الأضاحي: 16 باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي وما يتزود منها].
2) جاء في صحيح مسلم: 5 – 5210 – حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدٍ، مَوْلَى ابْنِ أَزْهَرَ أَنَّهُ شَهِدَ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ – قَالَ – فَصَلَّى لَنَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَهَاكُمْ أَنْ تَاكُلُوا لُحُومَ نُسُكِكُمْ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ فَلاَ تَاكُلُوا.
6 – 5212 – عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ ” لاَ يَاكُلْ أَحَدٌ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ “.
7 – 5214 – عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الأَضَاحِي بَعْدَ ثَلاَثٍ. قَالَ سَالِمٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يَاكُلُ لُحُومَ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: بَعْدَ ثَلاَثٍ.
8 – 5215 – عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ، أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ، قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمْرَةَ فَقَالَتْ: صَدَقَ، سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: دَفَّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ حِضْرَةَ الأَضْحَى زَمَنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ” ادَّخِرُوا ثَلاَثًا ثُمَّ تَصَدَّقُوا بِمَا بَقِيَ”. فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ يَتَّخِذُونَ الأَسْقِيَةَ مِنْ ضَحَايَاهُمْ وَيَحْمِلُونَ مِنْهَا الْوَدَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ” وَمَا ذَاكَ “. قَالُوا نَهَيْتَ أَنْ تُؤْكَلَ لُحُومُ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ. فَقَالَ ” إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْلِ الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ فَكُلُوا وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا”.
9 – 5216 – عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الضَّحَايَا بَعْدَ ثَلاَثٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ ” كُلُوا وَتَزَوَّدُوا وَادَّخِرُوا “.
10 – 5217 – حَدَّثَنَا عَطَاءٌ، قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ، عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ كُنَّا لاَ نَاكُلُ مِنْ لُحُومِ بُدْنِنَا فَوْقَ ثَلاَثِ مِنًى فَأَرْخَصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ” كُلُوا وَتَزَوَّدُوا “. قُلْتُ لِعَطَاءٍ قَالَ جَابِرٌ حَتَّى جِئْنَا الْمَدِينَةَ، قَالَ: نَعَمْ.
11 – 5219 – وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ كُنَّا نَتَزَوَّدُهَا إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
12 – 5221 – عَنْ أَبِي، نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ” يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ لاَ تَاكُلُوا لُحُومَ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ “. وَقَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ لَهُمْ عِيَالاً وَحَشَمًا وَخَدَمًا، فَقَالَ ” كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَاحْبِسُوا أَوِ ادَّخِرُوا “. قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى شَكَّ عَبْدُ الأَعْلَى.
13 – 5222 – عَنْ سَلَمَةَ، بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ” مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ فِي بَيْتِهِ بَعْدَ ثَالِثَةٍ شَيْئًا “. فَلَمَّا كَانَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ كَمَا فَعَلْنَا عَامَ أَوَّلَ فَقَالَ ” لاَ إِنَّ ذَاكَ عَامٌ كَانَ النَّاسُ فِيهِ بِجَهْدٍ فَأَرَدْتُ أَنْ يَفْشُوَ فِيهِمْ “.
14 – 5225 – عَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ ” أَصْلِحْ هَذَا اللَّحْمَ “. قَالَ فَأَصْلَحْتُهُ فَلَمْ يَزَلْ يَاكُلُ مِنْهُ حَتَّى بَلَغَ الْمَدِينَةَ.
15 – 5228 – وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ، أَبُو سِنَانٍ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ” نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا وَنَهَيْتُكُمْ عَنْ لُحُومِ الأَضَاحِيِّ فَوْقَ ثَلاَثٍ فَأَمْسِكُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلاَّ فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلاَ تَشْرَبُوا مُسْكِرًا “.
ما ورد في الصحيح المسند:
16 – 180_ قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج (1) ص (548)): حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قالا حَدَّثَنا وكِيعٌ عَنْ سُفْيانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أبِي ثابِتٍ عَنْ نافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ: أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ خَطَبَ أيّامَ التَّشْرِيقِ فَقالَ «لا يَدْخُلُ الجَنَّةَ إلّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ وإنَّ هَذِهِ الأيّامَ أيّامُ أكْلٍ وشُرْبٍ».
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث صحيحٌ على شرط الشَّيخين. وحبيب بن أبي ثابت وإن كان مدلسًا، فقد رواه عنه شعبة عند الإمام أحمد (ج (5) ص (41))، وقد تابعه عمرو بن دينار عند الإمام أحمد وعند النسائي (ج (8) ص (104)).
وأخرجه ابن أبي شيبة (ج (4) / (2) ص (20)) وهو من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري ومسلمًا أن يخرجاها.17 – 930 – قال أبوداود: حدثنا الحسن بن علي حدثنا وهب, أخبرنا موسى بن أبن علي ح وأخبرنا عثمان أبي شيبة, حدثنا وَكِيع، حدثنا موسى بن علي، عن أبيه، قال: سمعت عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوم عَرَفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدُنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب))
قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث حسن على شرط الشيخين.
18 – 1305 – قال الإمام أبو عبدالله بن ماجه رحمه الله: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيام منى أيام أكل وشرب)).قال الوادعي رحمه الله: هذا حديث حسن.
===
_%%%
(المسألة الثانية): اختُلف في أول الثلاث، التي كان الادخار فيها جائزًا: قال القرطبيّ رحمه الله: اختُلف في أول الثلاث، التي كان الادخار فيها جائزًا:
فقيل: أولها يومُ النحر، فمن ضَحّى فيه جاز له أن يمسك يومين بعده، ومن ضحى بعده أمسك ما بقي له من الثلاثة. وقيل: أولها يوم يُضَحِّي، فلو ضَحّى في آخر أيام النحر، جاز له أن يُمسك ثلاثًا بعدها. و (يَحْتمل) أن يؤخذ من قوله: «فوق ثلاث» أن لا يُحْسَبَ اليوم الذي يقع فيه النحر من الثلاث، وتُعتبر الليلة التي تليه، وما بعدها.
قال الحافظ رحمه الله: ويؤيده ما في حديث جابر: «كنا لا نأكل من لحوم بُدْننا، فوق ثلاث منى»، فإن ثلاث منى، تتناول يومًا بعد يوم النحر، لأهل النفر الثاني.
قال الشافعيّ: لعل عليًّا – رضي الله عنه – لم يبلغه النسخ، وقال غيره: يَحْتَمل أن يكون الوقت الذي قال عليّ فيه ذلك، كان بالناس حاجة، كما وقع في عهد النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، وبذلك جزم ابن حزم، فقال: إنما خطب عليّ بالمدينة في الوقت الذي كان عثمان حُوصر فيه، وكان أهل البوادي، قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة، فأصابهم الجهد، فلذلك قال عليّ ما قال.
قال الحافظ: أما كون عليّ خطب به، وعثمان محصورٌ، فأخرجه الطحاويّ من طريق الليث، عن عُقيل، عن الزهري، في هذا الحديث، ولفظه: «صلّيت مع عليّ العيد، وعثمان محصور»، وأما (الحمل) المذكور، فلِما أخرج أحمد، والطحاويّ أيضًا، من طريق مخارق بن سليم، عن عليّ – رضي الله عنه -، رفعه: «إني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث، فادّخروا ما بدا لكم»، ثم جمع الطحاويّ بنحو ما تقدم، وكذلك يجاب عما أخرج أحمد، من طريق أمّ سليمان، قالت: دخلت على عائشة – رضي الله عنها -، فسألتها عن لحوم الأضاحي
فقالت: كان النبيّ – صلى الله عليه وسلم -، نهى عنها، ثم رخّص فيها، فَقَدِم علىٌّ من السفر، فأتته فاطمة بلحم من ضحاياها، فقال: أوَ لم نُنْه عنه ، قالت: إنه قد رُخّص فيها.
فهذا علىّ، قد اطلع على الرخصة، ومع ذلك خطب بالمنع، فطريق الجمع ما ذكرته.
وقد جزم به الشافعيّ في «الرسالة»، في آخر «باب العلل في الحديث»، فقال ما نصّه: فإذا دَفَّت الدافّة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا، بعد ثلاث، وإن لم تَدُفّ دافّة، فالرخصة ثابتة بالأكل، والتزوّد، والادخار، والصدقة.
قال الشافعيّ: ويَحْتَمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الأضاحي، بعد ثلاث منسوخًا، في كل حال.
قال الحافظ: وبهذا الثاني أخذ المتأخرون من الشافعية، فقال الرافعيّ: الظاهر أنه لا يحرم اليوم بحال، وتبعه النوويّ، فقال في «شرح المهذّب»: الصواب المعروف، أنه لا يحرم الادخار اليوم بحال. وحَكى في «شرح مسلم» عن جمهور العلماء، أنه مِن نَسْخ السُّنَّة بالسُّنَّة، قال: والصحيح نَسْخ النهي مطلقًا، وأنه لم يبق تحريم، ولا كراهة، فيباح اليوم الادخار فوق ثلاث، والأكل إلى متى شاء. انتهى.
وإنما رجح ذلك؛ لأنه يلزم من القول بالتحريم، إذا دَفّت الدافّة إيجاب الإطعام، وقد قامت الأدلة عند الشافعية، أنه لا يجب في المال حقٌّ سوى الزكاة.
قال محمد علي آدم الأثيوبي: قد تقدّم في أواخر «كتاب الزكاة» من «شرح النسائىّ» البحث عن هذه المسألة، وأن الصحيح وجوب حقّ سوى الزكاة، بحسب ما تدعو الحاجة إليه، فراجعه، تجده موضّحًا بأدلّته، والله تعالى وليّ التوفيق.
قال: ونقل ابن عبد البرّ ما يوافق ما نقله النوويّ، فقال: لا خلاف بين فقهاء المسلمين، في إجازة أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث، وأن النهي عن ذلك منسوخ، كذا أطلق، وليس بجيد، فقد قال القرطبيّ: حديث سلمة، – كذا ولعل الصواب نبيشة – وعائشة، نصّ على أن المنع كان لعلة، فلما ارتفعت ارتفع؛ لارتفاع موجبه، فتعيَّن الأخذ به، وبعَوْد الحكم تعود العلة، فلو قَدِم على أهل بلد ناس، محتاجون في زمان الأضحى، ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة، يَسُدُّون بها
فاقتهم، إلا الضحايا، تَعَيّن عليهم ألا يدّخروها فوق ثلاث.
قال الحافظ: والتقييد بالثلاث واقعة حال، وإلا فلو لم تُسَدّ الخلة إلا بتفرقة الجميع، لزم على هذا التقرير عدم الإمساك، ولو ليلة واحدة.
وقد حكى الرافعي عن بعض الشافعية: أن التحريم كان لعلة، فلما زالت زال الحكم، لكن لا يلزم عَوْد الحكم عند عود العلة. قال الحافظ: واستبعدوه، وليس ببعيد؛ لأن صاحبه قد نظر إلى أن الخلة، لم تُسدّ يومئذ، إلا بما ذُكر، فأما الآن فإن الخلة تُسدّ بغير لحم الأضحية، فلا يعود الحكم إلا لو فُرض أن الخلة لا تُسدّ، إلا بلحم الأضحية، وهذا في غاية الندور.
وحكى البيهقي عن الشافعيّ، أن النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث، كان في الأصل للتنزيه، قال: وهو كالأمر في قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنها وأطْعِمُوا القانِعَ} الآية [الحج (36)]، وحكاه الرافعي، عن أبي عليّ الطبري احتمالًا، وقال المهلب: إنه الصحيح؛ لقول عائشة – رضي الله عنها -: «وليس بعزيمة». انتهى ما في «الفتح» [«الفتح» (12) / (583) – (584)، كتاب «الأضاحي» رقم ((5571))]، والله أعلم. [البحر المحيط]
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في النهي عن ادّخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث:
(اعلم): أنهم اختلفوا في ذلك على مذاهب:
قال الأثيوبي: عندي أرجح المذاهب هو المذهب الثاني؛ لوضوح دليله، وحاصله أن النهي مستمرّ، وليس منسوخًا، وإنما كان لعلة، فلما زالت زال، فإذا عادت تلك عاد الحكم، وهذا هو الأولى في المجمع بين الأحاديث من غير دعوى إهمال لبعضها، والله تعالى أعلم. [البحر المحيط].
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الأكل من الأضحية: ذهب جمهور العلماء إلى أنه مستحبّ، قال النوويّ رحمه الله: هذا مذهبنا، ومذهب العلماء كافّةً، إلا ما حُكي عن بعض السلف أنه أوجب الأكل منها، وهو قول أبي الطيب بن سلمة من أصحابنا، حكاه عنه الماورديّ؛ لظاهر هذا الحديث في الأمر بالأكل، مع قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنها}، وحَمَل الجمهور هذا الأمر على الندب، أو الإباحة، لا سيّما وقد ورد بعد الحظر، فقد قال جماعة من أصحابنا: إنه في هذه الحالة للإباحة،
والجمهور على أنه للوجوب، كما لو ورد ابتداء، وبوجوب الأكل، ولو لُقمة قاله ابن حزم الظاهريّ.
وأما الصدقة منها، فالصحيح عند الشافعيّة، والحنابلة بما يقع عليها الاسم، ويستحبّ أن يتصدّق بمعظمها، ويُهدي الثلث، وللشافعيّ قول إنه يأكل النصف، ويتصدّق بالنصف، وهذا الخلاف في قدر أوفى الكمال في الاستحباب،
وأما الإجزاء فتجزيه الصدقة بما يقع عليه الاسم، وذهب بعضهم إلى أنه لا تجب الصدقة بشيء منها، وهو مذهب المالكيّة، قال ابن عبد البرّ: وعلى هذا جماعة العلماء، إلا أنهم يكرهون أن لا يتصدّق منها بشيء. انتهى.
وقالت الحنفيّة: يستحبّ أن يتصدّق بالثلث، ويأكل الثلث، ويدّخر الثلث. قال وليّ الدين رحمه الله: وأما الادّخار فالأمر به للإباحة بلا شكّ. انتهى.
وقال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله في قوله: «فكلوا، وادّخروا، وتصدّقوا»: هذه أوامر وردت بعد الحظر، فهل تقَدُّمه عليها يُخرجها عن أصلها من الوجوب عند من يراه، أو لا يُخرجها اختلف الأصوليون فيه على قولين.
قال: والظاهر من هذه الأوامر هنا إطلاق ما كان ممنوعًا، بدليل اقتران الادّخار مع الأكل، والصدقة، ولا سبيل إلى حمل الادّخار على الوجوب بوجهٍ، فلا يجب الأكل، ولا الصدقة من هذا اللفظ، وجمهور العلماء على أن الأكل من الأضحيّة ليس بواجب، وقد شذّت طائفة، فأوجبت الأكل منها؛ تمسّكًا بظاهر الأمر هنا، وفي قوله تعالى: {فَكُلُوا مِنها} [الحج (28)]، ووقع لمالك في كتاب ابن حبيب أن ذلك على الندب، وأنه إن لم يأكل مخطاء، وقال أيضًا: لو أراد أن يتصدّق بلحم أضحيته كلِّه كان له، كأكله كلّه حتى يفعل الأمرين.
وقال الطبريّ: جميع أئمة الأمصار على جواز أن لا يأكل منها، إن شاء، ويَطعم جميعها، وهو قول محمد بن الموّاز. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله [«المفهم» (5) / (379) – (381)].قال الأثيوبي: قال الجامع عفا الله تعالى عنه: مسألة الأمر بعد الحظر، قيل: للإباحة؛
لِتبادُره إلى الذهن، وقيل: للوجوب حقيقةً؛ لأن الصيغة تقتضيه. وقيل:
بالتفصيل، فما كان قبل الحظر واجبًا كان للوجوب، كما في قوله تعالى: {فَإذا
انْسَلَخَ الأشْهُرُ الحُرُمُ فاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ} الآية [التوبة (5)]، فإنّه كان واجبًا قبل تلك
المدة، فاستمرّ كذلك بعدها، وإلا كان للإباحة، كما في قوله تعالى: {وإذا
حَلَلْتُمْ فاصْطادُوا} الآية [المائدة (2)]، وهذا القول هو الأرجح عندي [في الحاشية: [كنت رجحت في «شرح النسائيّ» القول بأنه للإباحة، لكن الآن ترجّح عندي هذا القول؛ فتنبّه]، وقد
اختاره شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله في «المسوّدة»، والحافظ ابن كثير رحمه الله
في «تفسيره» عند قوله تعالى: {وإذا حَلَلْتُمْ فاصْطادُوا} [المائدة (2)]، وإلى الاختلافات المتقدّمة أشار السيوطيّ رحمه الله في «الكوكب الساطع» بقوله:
فَإنْ أتى افْعَلْ بَعْدَ حَظْرٍ دانِي … قالَ الإمامُ أوِ الاسْتِئْذانِ
فَلِلإباحَةِ وقِيلَ الحَتْمِ … وقِيلَ ما قَدْ كانَ قَبْلَ الحِرْمِ
وقد نظمت القول الراجح عندي في «التحفة المرضيّة»، فقلت:
إنْ ورَدَ الحَظْرُ بُعَيْدَ النَّهْي قَدْ … يُفِيدُ ما كانَ قُبَيْلُ يُعْتَمَدْ
مِن نَدْبٍ اوْ وجُوبٍ اوْ إباحَةِ … بِذا يَقُولُ جِلَّةُ الأئِمَّةِ
وهْوَ الَّذِي إلَيْهِ يَنْحُو السَّلَفُ … حُجَجُهُ كالشَّمْسِ ظُهْرًا تُعْرَفُ
وقول الطبريّ: «جميع أئمة الأمصار … إلخ» فيه نظر، فقد تقدّم أن ابن
حزم قال بالوجوب، وقد نقله عن بعض السلف، فليس هناك إجماع.
والحاصل أن الأرجح استحباب كل: من الأكل، والصدقة، والادّخار؛
لوضوح حجّته، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. انتهى من [البحر المحيط].
(المسألة الخامسة): في فوائده:
1 – (منها): بيان النهي عن أكل لحوم الأضاحيّ، وادّخارها بعد ثلاثة أيام.
2 – (ومنها): جواز الادّخار للقوت، خلافًا لمن كرهه، وقد ورد في الادّخار:» كان يدّخر لأهله قوت سنة «، وفي رواية:» كان لا يدّخر لغد «، والأول في» الصحيحين «، والثاني في» صحيح مسلم”، والجمع بينهما أنه كان لا يدّخر لنفسه، ويدّخر لعياله، أو أن ذلك كان باختلاف الحال، فيتركه عند حاجة الناس إليه، ويفعله عند عدم الحاجة.
3 – (منها): بيان جواز الادّخار من الأضاحي، فوق ثلاثة أيام، قال ابن بطال رحمه الله: في الحديث ردٌّ على من زعم من الصوفية أنه لا يجوز ادّخار طعام لغد، وأن اسم الولاية لا يُستحقّ لمن ادّخر شيئًا، ولو قَلّ، وأن من ادّخر أساء الظن بالله، وفي هذه الأحاديث كفاية في الردّ على من زعم ذلك. انتهى [«شرح ابن بطال على البخاريّ» (9) / (488)].
4 – (ومنها): أن فيه مراعاة الشارع مصالح العباد؛ لحديث عائشة – رضي الله عنها -، وذلك أن النهي لأجل الدّافّة التي دفّت إلى المدينة، يوم الأضحى، فأراد الشارع الحكيم أن يواسي المؤمنون هؤلاء المساكين، فتبيّن به أنه لا يأمر، ولا ينهى إلا لمصلحة، وإن لم نَصِلْ إلى معرفتها؛ لِقُصور عِلْمنا.
5 – (ومنها): ما قيل: أن النهي عن الأكل فوق ثلاث، خاص بصاحب الأضحية، فأما من أُهدي له، أو تُصدق عليه، فلا؛ لمفهوم قوله عند مسلم: «من لحم أضحيته»، وفي حديث عليّ – رضي الله عنه -: «مِن نُسُكه»، وقد جاء في حديث الزبير بن العوام، عند أحمد، وأبي يعلى ما يفيد ذلك، ولفظه: قلت: يا نبي الله، أرأيت قد نُهي المسلمون أن يأكلوا من لحم نسكهم، فوق ثلاث، فكيف نصنع بما أُهدي لنا قال: «أما ما أهدي إليكم، فشأنَكم به»، فهذا نص في الهدية، وأما الصدقة، فإن الفقير لا حَجر عليه في التصرف، فيما يُهدى له؛ لأن القصد أن تقع المواساة من الغنيّ للفقير، وقد حصلت، أفاده في «الفتح».
الحديث في جواز ادخار الأضاحي هو في مسند أحمد
1422 – حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، حدثني عبد الله بن عطاء بن إبراهـيم، مولى الزبير، عن أمه، وجدته أم عطاء، قالتا: والله لكأننا ننظر إلى الزبير بن العوام، حين أتانا على بغلة له بيضاء فقال: يا أم عطاء، ” إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى المسلمين أن يأكلوا من لحوم نسكهم فوق ثلاث “، قال: فقلت: بأبي أنت، فكيف نصنع بما أهـدي لنا، فقال: ” أما ما أهـدي لكن فشأنكن به ”
قال محققو المسند:
” إسناده ضعيف، عبد الله بن عطاء بن إبراهـيم مولى الزبير لم يرو عنه غير ابن إسحاق، وقال ابن معين: لا شيئ، وقال أبو حاتم: شيخ، وذكره ابن حبان في “الثقات” 7/ 29، وأخطأ الشيخ أحمد شاكر رحمه الله فظنه عبد الله بن عطاء الطائفي المترجم في “التهذيب”، وأم عطاء تابعية لا تعرف إلا بهذا الحديث، وكذا أم عبد الله بن عطاء.
وأخرجه أبو يعلى (671)، والحازمي في “الاعتبار” ص 154 من طريق يعقوب بن إبراهـيم بن سعد، بهذا الإسناد. وانظر ما تقدم في مسند علي برقم (587) “.
6 – (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله: وفي هذا الحديث أبواب من أصول الفقه، وهو أن الشرع يُراعي المصالح، ويحكم لأجلها، ويسكت عن التعليل، ولَمّا تصفّح العلماء ما وقع في الشريعة من هذا وجدوه كثيرًا، بحيث حصل لهم منه أصل كلّيّ، وهو أن الشارع مهما حكم، فإنما يحكم لمصلحة، ثم قد
يجدون في كلام الشارع ما يدلّ عليها، وقد لا يجدون، فيسبُرُون أوصاف المحلّ الذي يحكم فيه الشرع حتى يتبيّن لهم الوصف الذي يمكن أن يعتبره الشرع بالمناسبة، أو لصلاحيته لها، فيقولون: الشرع يحكم بالمصلحة، والمصلحة لا تعدو أوصاف المحلّ، وليس في أوصافه ما يصلح للاعتبار إلا هذا، فتعيّن. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله [» المفهم” (5) / (379)]، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
7 – (ومنها): جواز النَّسخ في الأحكام الشرعيّة.
8 – (ومنها): ما قاله في «الفتح»: في هذه الأحاديث من الفوائد، غير ما تقدم، نَسْخ الأثقل بالأخفّ؛ لأن النهي عن ادّخار لحم الأضحية بعد ثلاث، مما يثقل على المضحِّين، والإذن في الادّخار أخفّ منه، وفيه ردّ على من يقول: إن النسخ لا يكون إلا بالأثقل للأخف، وعَكَسه ابن العربي زعمًا أن الإذن في الادخار نَسخ بالنهي.
وتُعُقّب بأن الادّخار كان مباحًا بالبراءة الأصلية، فالنهي عنه ليس نسخًا، وعلى تقدير أن يكون نسخًا، ففيه نسخ الكتاب بالسُّنَّة؛ لأن في الكتاب الإذن في أكلها، من غير تقييد؛ لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنها وأطْعِمُوا} [الحج (28)].
ويمكن أن يقال: إنه تخصيص، لا نسخ، وهو الأظهر. انتهى ما قاله في» الفتح «[» الفتح «(12) / (585) – (586)، كتاب» الأضاحي «رقم ((5570))].
قال الأثيوبي حفظه الله: هذا الذي استظهره الحافظ من كون هذا النهي ليس بنسخ، وإنما هو من باب التخصيص، هو الحقّ، كما سبق بيانه في كلام القرطبيّ رحمه الله، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
9 – (ومنها): ما قال ابن العربيّ: فيه ردّ على المعتزلة الذين يرون أن النسخ لا يكون إلا بالأخفّ للأثقل، وقد كان أكلها مباحًا، ثم حُرّم، ثم أُبيح، وأيّ هذين أخفّ، أو أثقل، فقد نُسخ أحدهما بالآخَر.
وتعقّبه وليّ الدين، فقال: تحريمها بعد الإباحة ليس نسخًا؛ لأنه رفع للبراءة الأصليّة، ورفع البراءة الأصليّة، ليس بنسخ، على ما تقرّر في الأصول، وإن صحّ ما قاله، فقد وقع النسخ هنا مرّتين، وذلك في مواضع محصورة، لم يُذكر هذا منها. انتهى [«طرح التثريب في شرح التقريب» (5) / (201)]، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. [انظر: البحر المحيط].
10 – (ومنها): أَنَّهُ يَنْبَغِي النَّظَرُ فِي المَعَانِي وَفِي الأَسْبَابِ وَمِنْ هَذَا المَعْنَى أَسْبَابُ النُّزُولِ وَأَسْبَابُ الحَوَادِثِ وَأَسْبَابُ الكَلَامِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ لَهَا تَاثِيرًا فِي النُّصُوصِ وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنَ النُّصُوصِ.
11 – (ومنها): وَهَذَا أَيْضًا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنَ النُّصُوصِ مَعَانِيَ رُبَّمَا خَصَّصَتْهَا وَرُبَّمَا عَمَّمَتْهَا، فَرُبَّمَا كَانَ الِاسْتِنْبَاطُ مُخَصَّصًا لِلنَّصِّ، وَرُبَّمَا كَانَ الِاسْتِنْبَاطُ مُعَمَّمًا لِلنَّصِّ، بِحَسْبِ القَرَائِنِ الدَّالَّةِ وَبِحَسْبِ السِّيَاقِ يُنْظَرُ.12 – (ومنها): في تقسيم الهدي: قال الواحدي في (التفسير البسيط)، عند قول الله تعالى: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج (28)]:
“قال أصحابنا: من أهدى أو ضحى فحسن أن يأكل النصف ويتصدق بالنصف لقوله: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا} فتقسم الأضحية على هذين الأمرين، ومنهم من قال: يقسمها أثلاثًا لما روى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إنما نهيتكم عن أكل لحوم الأضاحي لأجل الدافة التي دفت، ألا فكلواوادخرواوائتجروا” أي: اطلبوا الأجر بالإطعام، فيقسمها أثلاثًا على الأوامر الثلاثة.
الدافة: الجماعة التي يدفون أي: يسيرون سيرًا ليس بالشديد.
ولعل قومًا وردوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنهى أصحاب الضحايا عن أكلها لتشبع الواردة”. انتهى المراد.
12 – جاء في (95) عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند:
(قوله باب ما يؤكل من لحوم الأضاحي)
قال الحافظ في الفتح ((10) / (25)): أي من غير تقييد بثلث ولا نصف وما يتزود منها أي للسفر وفي الحضر وبيان التقييد بثلاثة أيام إما منسوخ وإما خاص بسبب.
وفيه قد أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين في ذلك وأخرجه النسائي وصححه بن حبان من طريق زينب بنت كعب عن أبي سعيد فقلب المتن جعل راوي الحديث أبا سعيد والممتنع من الأكل قتادة بن النعمان وما في الصحيحين أصح وأخرجه أحمد من وجه آخر فجعل القصة لأبي قتادة وأنه سأل قتادة بن النعمان عن ذلك أيضا وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قام في حجة الوداع فقال إني كنت أمرتكم ألا تأكلوا الأضاحي فوق ثلاثة أيام لتسعكم وإني أحله لكم فكلوا منه ما شئتم الحديث فبين في هذا الحديث وقت الإحلال وأنه كان في حجة الوداع وكأن أبا سعيد ما سمع ذلك وبين فيه أيضا السبب في التقييد وأنه لتحصيل التوسعة بلحوم الأضاحي لمن لم يضح …
قلت ويؤيده ما في حديث جابر كنا لا نأكل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى فإن ثلاث منى تتناول يوما بعد يوم النحر لأهل النفر الثاني قال الشافعي لعل عليا لم يبلغه النسخ وقال غيره يحتمل أن يكون الوقت الذي قال علي فيه ذلك كان بالناس حاجة كما وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبذلك جزم بن حزم فقال إنما خطب علي بالمدينة في الوقت الذي كان عثمان حوصر فيه وكان أهل البوادي قد ألجأتهم الفتنة إلى المدينة فاصابهم الجهد فلذلك قال علي ما قال قلت أما كون علي خطب به وعثمان محصورا فأخرجه الطحاوي من طريق الليث عن عقيل عن الزهري في هذا الحديث ولفظه صليت مع علي العيد وعثمان محصور وأما الحمل المذكور فلما أخرج أحمد والطحاوي أيضا من طريق مخارق بن سليم عن علي رفعه أني كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاث فادخروا ما بدا لكم ثم جمع الطحاوي بنحو ما تقدم وكذلك يجاب عما أخرج أحمد من طريق أم سليمان قالت دخلت على عائشة فسألتها عن لحوم الأضاحي فقالت كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها ثم رخص فيها فقدم علي من السفر فأتته فاطمة بلحم من ضحاياها فقال أو لم ننه عنه قالت إنه قد رخص فيها فهذا علي قد اطلع على الرخصة ومع ذلك خطب بالمنع فطريق الجمع ما ذكرته وقد جزم به الشافعي في الرسالة في آخر باب العلل في الحديث فقال ما نصه فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث وأن لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والادخار والصدقة قال الشافعي ويحتمل أن يكون النهي عن إمساك لحوم الأضاحي بعد ثلاث منسوخا في كل حال قلت وبهذا الثاني أخذ المتأخرون من الشافعية فقال الرافعي الظاهر أنه لا يحرم اليوم بحال وتبعه النووي فقال في شرح المهذب الصواب المعروف أنه لا يحرم الادخار اليوم بحال وحكى في شرح مسلم عن جمهور العلماء أنه من نسخ السنة بالسنة قال والصحيح نسخ النهي مطلقا وأنه لم يبق تحريم ولا كراهة فيباح اليوم الادخار فوق
ثلاث والأكل إلى متى شاء اه وإنما رجح ذلك لأنه يلزم من القول بالتحريم إذا دفت الدافة إيجاب الإطعام وقد قامت الأدلة عند الشافعية أنه لا يجب في المال حق سوى الزكاة ونقل ابن عبد البر ما يوافق ما نقله النووي فقال لا خلاف بين فقهاء المسلمين في إجازة أكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث وأن النهي عن ذلك منسوخ كذا أطلق وليس بجيد فقد قال القرطبي حديث سلمة وعائشة نص على أن المنع كان لعلة فلما ارتفعت ارتفع لارتفاع موجبه فتعين الأخذ به وبعود الحكم تعود العلة فلو قدم على أهل بلد ناس محتاجون في زمان الأضحى ولم يكن عند أهل ذلك البلد سعة يسدون بها فاقتهم إلا الضحايا تعين عليهم ألا يدخروها فوق ثلاث قلت والتقييد بالثلاث واقعة حال وإلا فلو لم تستد الخلة إلا بتفرقة الجميع لزم على هذا التقرير عدم الإمساك ولو ليلة واحدة وقد حكى الرافعي عن بعض الشافعية أن التحريم كان لعلة فلما زالت زال الحكم لكن لا يلزم عود الحكم عند عود العلة قلت واستبعدوه وليس ببعيد لأن صاحبه قد نظر إلى أن الخلة لم تستد يومئذ إلا بما ذكر فأما الآن فإن الخلة تستد بغير لحم الأضحية فلا يعود الحكم إلا لو فرض أن الخلة لا تستد إلا بلحم الأضحية وهذا في غاية الندور وحكى البيهقي عن الشافعي أن النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث كان في الأصل للتنزيه قال وهو كالأمر في قوله تعالى (فكلوا منها وأطعموا القانع) وحكاه الرافعي عن أبي علي الطبري احتمالا وقال المهلب أنه الصحيح لقول عائشة وليس بعزيمة والله أعلم. انتهى بتصرف.
قال الحافظ العراقي: وقال شيخنا الإمام جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي – رحمه الله -: الصحيح أن النهي كان مخصوصا بحالة الضيق والصحيح أيضا أنه إذا حدث ذلك في زماننا أن يعود المنع على خلاف ما رجحه الرافعي … . ثم نقل كلام الشافعي والقرطبي السابق الذي نقله ابن حجر
قال العلامة العباد:
وهو ذكر الناسخ والمنسوخ في حديث واحد، ففيه قال: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها، وكنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ألا فادخروا، وكنت نهيتكم عن الانتباذ في الأسقية فانتبذوا في كل سقاء ولا تشربوا مسكرًا)؛ لأنه قبل كان نهاهم أن ينتبذوا في الدبا والحنتم والمقير من الأوعية التي قد يحصل فيها إسكار دون أن يظهر على ظاهرها، ثم بعد ذلك أذن لهم أن ينتبذوا في كل وعاء ولكن بشرط ألا يشربوا مسكرًا. فهذا حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه اشتمل على ثلاثة أمور فيها إشارة إلى المنسوخ والإتيان بالناسخ، ومنه هذه المسألة التي معنا في حديث عائشة رضي الله عنها. شرح سنن أبي داود. انتهى المراد.